(نيويورك، 14 يوليو/تموز 2010) - قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن على الادعاء السعودي أن يتراجع فوراً عن اتهاماته المنسوبة إلى الشيخ مخلف بن دهّام الشمري، الناشط الحقوقي، وأن يفرج عنه.
وقد اطّلعت هيومن رايتس ووتش على نسخة من ملف السجن الخاص بالشمري، وفيه مخالفة "إزعاج الآخرين" بصفتها التهمة المنسوبة إليه. هذا الاتهام على صلة بانتقاد الشمري السلمي للمسؤولين العامّين، ومن ثم - على حد قول هيومن رايتس ووتش - فهذا الاتهام يبدو بمثابة انتهاك لحقه في حرية التعبير.
وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "إذا كان "الإزعاج" مخالفة يُعاقب عليها بالحبس في المملكة العربية السعودية، كان من الأحرى أن يقبع عدد كبير من المسؤولين الحكوميين وراء القضبان، على أن تشمل أسباب ذلك هذه الملاحقة القضائية التي لا أساس لها من الصحة بحق رجل يسهم إسهاماً جدّياً في الدفاع عن حقوق السعوديين". وتابعت: "إذا كان لدى أحد سبب حقيقي للانزعاج، فهو الشمري، الذي تم حبسه بناء على تهمة لا أساس لها من الصحة".
وكانت الشرطة في مدينة الخُبر قد قبضت على الشمري في 15 مايو/أيار 2010، على خلفية مقالات نشرها يهاجم فيها الآراء الدينية المتشددة، واحتجزته لفترة قصيرة ثم أفرجت عنه بكفالة. وبعد شهر، في 15 يونيو/حزيران، قام ضباط البحث الجنائي بالقبض على الشمري مجدداً في الجبيل، وقاموا باحتجازه في مركز شرطة الخُبر. ثم في 20 يونيو/حزيران، سجل مكتب الادعاء قضية رقم 2029/255/31 ضده بتهمة "إزعاج الآخرين"، حسب الوارد في ملفه بسجن الدمام العام، الذي نُقل إليه مطلع شهر يوليو/تموز.
وقال الشمري لـ هيومن رايتس ووتش إن الادعاء استجوبه ثلاث مرات وإن الاستجواب تركز على ست مقالات كتبها ونشرها على مواقع سعودية. وتتناول المقالات موضوعات عدّة، لكن المشترك بينها أنها تنتقد ازدواجية المعايير والآراء الدينية المتشددة.
وفي مقاله بتاريخ 18 أبريل/نيسان 2009 "حبيبتي المسيحية!!!"، قارن الشمري بين أميركية مسيحية قُتلت وهي تدافع عن الأطفال الفلسطينيين المسلمين، وبين الشروط التي تفرضها الجهات الخيرية الإسلامية السعودية، ومفادها أنه يجب أن يكون سلوك من يتلقون التبرعات سلوكاً إسلامياً ملتزماً.
وفي مقال له بتاريخ 24 ديسمبر/كانون الأول 2009، أشاد الشمري بالأمير البريطاني وليام الذي نام ليلة في الشارع مع الأشخاص المشردين في البرد القارس، وانتقد في الوقت نفسه كيف أنه لا يوجد أمير أو رجل أعمال سعودي واحد قضى ثلاث ساعات حتى في بيت أسرة فقيرة.
وفي مقال بتاريخ 2 مارس/آذار، تحدث الشمري مازحاً عن "الشرهة السنوية" عندما تمنح الحكومة النقود مكافأة للمواطنين "الموالين"، دون وجود أي معايير واضحة لمن يستحق النقود، وكم يستحق.
وفي مقاله بتاريخ 28 مارس/آذار، بعنوان "عفواً سمو الأمير لقد أخفقت"، يصف الشمري مشروعات السياحة الموعودة التي لم تتحقق تحت قيادة مسؤول سياحة سعودي، هو الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، ويقول في المقال: "لا أعلم لماذا يكذبون علينا ويطالبوننا بالصدق معهم".
وهناك مقالان ينتقدان الآراء الدينية المتشددة. ففي 1 يناير/كانون الثاني، تحدث الشمري عن قضية وصف الداعية السني محمد العريفي للمرجع الشيعي الهام آية الله علي السيستاني بأنه "زنديق فاجر".
وفي موضوع بتاريخ 23 أبريل/نيسان، نُقل على لسان الشمري استنكاره لمعارضة شخصيات دينية مثيرة للجدل للإصلاح - وهم يوسف الأحمد، وعبد الرحمن البراك، وناصر العمر، ومحسن العواجي، ومحمد النجيمي، وهو موظف حكومي - وإهمالهم القضايا الهامة مثل البطالة والفقر، والإصرار بدلاً من ذلك على أهمية المساءل "الأخلاقية" مثل اختلاط الرجال بالنساء.
وقال الشمري لـ هيومن رايتس ووتش إن الادعاء استخدم هذه المقالات لاتهامه بنشر الفتنة بين المسلمين، وتحريض الشيعة على المطالبة بحقوقهم، والتطاول على الأمراء، وانتقاد علماء الدين، بالإضافة إلى الاتصال بمنظمات دولية لحقوق الإنسان، والظهور في وسائل الإعلام الدولية، من بين اتهامات أخرى، رغم أن هذه الاتهامات غير واردة في ملف السجن.
وقالت سارة ليا ويتسن: "لا عجب أن انتقاد الشمري الحاد لازدواجية المعايير والآراء المتشددة قد أثارت استياء من ذكرهم بالاسم". وأضافت: "واتهام الادعاء الفارغ يُظهر الهامش الضئيل للغاية للنقاش الصريح في المملكة".
وقد اكتسب الشمري الشهرة كناشط حقوقي في السعودية على مدار السنوات القليلة الماضية. وهو ممثل المنطقة الشرقية عن قبيلته التي اختارته، الشمر، وهي قبيلة من المسلمين السنة من المنطقة المحيطة بالحائل، شمال غرب السعودية. وقد حاول مراراً تعزيز مفاهيم التعايش والتفاهم مع الشيعة في المنطقة. وحاولت السلطات السعودية تقويض جهوده، بما يتفق مع تمييز الحكومة الممنهج بحق الأقلية الشيعية. وإثر زيارته للعالم الشيعي الشهير شيخ حسن الصفار، اعتقلته المباحث واحتجزته في 4 فبراير/شباط 2007، وظل رهن الاحتجاز لمدة ثلاثة أشهر دون نسب اتهامات إليه. ويقاضي الشمري وزارة الداخلية بدعوى الاعتقال التعسفي.
ولا يوجد في السعودية قانون عقوبات يوضح الجرائم والعقوبات الواجبة، مما يجعل المسألة برمتها رهن آراء القضاة، ويجعلها قبل بدء المحاكمة؛ رهن آراء مسؤولي إنفاذ القانون بوزارة الداخلية، ومنهم الادعاء، الذين يحددون أية أعمال تأتي في عداد الجرائم. هذا النظام المتعسف للقانون لا يتسق مطلقاً مع تدابير حماية حقوق الإنسان، على حد قول هيومن رايتس ووتش، بما في ذلك عندما يُستخدم القانون الجنائي ضد حرية التعبير والحق في التعبير السلمي عن الآراء.
لكن في عام 2009، صدقت السعودية على الميثاق العربي لحقوق الإنسان، والمادة 32 من الميثاق تكفل الحق في حرية التعبير والآراء، ونقلها إلى الآخرين بأي وسيلة. القيود الوحيدة المفروضة على ممارسة هذا الحق مفروضة من أجل "احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم أو حماية الأمن الوطني أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة". والسعودية واحدة من الدول القليلة التي لم تصدق بعد على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والمادة 19 منه تكفل الحق في حرية الآراء والتعبير، ووردت هذه الحقوق أيضاً في مادة مماثلة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وقالت سارة ليا ويتسن: "ينبغي على السلطات السعودية أن تفرج فوراً عن الشمري، الذي ما كان يجب احتجازه في المقام الأول"، وأضافت: "إذا كان الملك عبد الله جاداً على حد قوله بشأن تعزيز النقاش المفتوح في المملكة، فإن وضع حد لهذه المقاضاة التي لا أساس لها من الصحة ستكون مؤشراً هاماً على اعتزامه الالتزام بوعده".