(نيويورك) – قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن على السلطات المصرية أن تُسقط جميع الاتهامات المنسوبة إلى المنظمات غير الحكومية غير المسجلة، وأن توقف التحقيق الجنائي مع هذه المنظمات. وعلى السلطات ألا تتخذ أية تحركات إلى أن يقدم البرلمان المصري الجديد تشريعاً يتسق مع المعايير الخاصة بالقانون الدولي. المنظمات الخاضعة للتحقيق لم تكن مسجلة بموجب قانون الجمعيات الصادر في عهد مبارك والسبب في حالات عدة يرجع لأن الحكومة لم ترد على طلبات التسجيل التي قدمتها المنظمات.
في 5 فبراير/شباط 2012، أعلنت وكالة أنباء الشرق الأوسط التابعة للدولة أن قاضيي تحقيق من اختيار الحكومة أحالا العاملين بأربعين منظمة غير حكومية إلى المحاكمة، وهم مصريون وأمريكيون. على مدار الشهور الأخيرة استجوب القاضيان بعض العاملين من سبعة منظمات على الأقل، وفي 29 ديسمبر/كانون الأول داهمت قوات من الجيش والشرطة مقار هذه المنظمات. هناك مشروع قانون للجمعيات اقترحته الحكومة من شأنه أن يزيد من القيود المفروضة على حرية تكوين الجمعيات، على حد قول هيومن رايتس ووتش. أمهلت السلطات المنظمات حتى 3 فبراير/شباط لتقدم تعليقاتها على مشروع القانون.
وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "تستخدم السلطات المصرية قانون منزوع المصداقية من عهد مبارك لملاحقة منظمات غير حكومية قضائياً، فيما تقترح تشريعاً أكثر تقييداً من المطبق. على الحكومة أن تكف عن استخدام القانون القديم، وأن تجمد جميع التحقيقات الجنائية، وأن تقترح قانوناً يحترم المعايير الدولية".
في 5 فبراير/شباط أحال قاضيا التحقيق الملف إلى المحكمة الجنائية. لقضاة التحقيق سلطة إسقاط جميع الاتهامات وإغلاق ملف القضية. صحيفة المصري اليوم المستقلة نقلت في 1 يناير/كانون الثاني 2012 عن مسؤولين قضائيين غير محددين قولهم إن النيابة وقعت 43 أمر توقيف ضد عاملين في منظمات المجتمع المدني التي جرت مداهمتها. في 30 يناير/كانون الثاني قالت مصادر قضائية للمصري اليوم ولصحيفة الشروق المستقلة، إنهم سيصدرون أوامر التوقيف "خلال الأيام القادمة".
على مدار الشهرين الماضيين، قام قاضيا التحقيق الذين عينتهما الحكومة، أشرف عشماوي وسامح أبو زيد، وهما من نيابة أمن الدولة سابقاً، قاما باستدعاء عاملين بمنظمات المجتمع المدني للاستجواب بناء على اتهامات بالعمل دون التسجيل بحسب قانون الجمعيات لسنة 2002، وتلقي تمويل دون تصريح مسبق. أثناء عهد مبارك، كان من المستحيل تقريباً بسبب مسؤولي الأمن تسجيل منظمات حقوق الإنسان والديمقراطية.
في 30 يناير/كانون الثاني، استدعى قضاة التحقيق ناصر أمين، مدير المركز العربي لاستقلال القضاء. سبق وداهمت الشرطة والجيش ووكلاء نيابة مقر المركز، وصادروا ثمانية أجهزة حاسب آلي ومئات الملفات. أثناء استجواب أمين، أخطروا المحاميين الحاضرين معه – حافظ أبو سعدة، مدير المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، ونجاد البرعي مدير المجموعة المتحدة – بأنه لا يمكنهما الحضور لأنهما متهمان في نفس التهمة.
وقال جو ستورك: "هذه الحملة تستهدف منظمات حقوق الإنسان والديمقراطية المصرية الممنوعة من التسجيل بسبب قوات أمن مبارك". وتابع: "التمويل الأجنبي ضروري للغاية لعمل هذه المنظمات. تستخدم الحكومة العسكرية المصرية الآن نفس الأساليب المستخدمة في زيمبابوي وأثيوبيا لإسكات الأصوات المستقلة".
التحقيق
من الواضح من معدل التحقيقات أن عشرات المنظمات الأخرى عرضة للخطر. هناك تقرير مسرب من وزارة العدل في سبتمبر/أيلول 2011 أورد 39 من بين المنظمات الأعلى صوتاً المعنية بحقوق الإنسان في مصر، غير المسجلة بموجب قانون الجمعيات، وذكر التقرير إن 28 منظمة أخرى تتلقى تمويل أجنبي دون إذن مسبق. الأغلبية العظمى من المنظمات المذكورة منظمات حقوق إنسان وديمقراطية. هناك موظفة بالشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان تم استدعائها للمثول أمام قضاة التحقيق في 3 يناير/كانون الثاني، لكن عندما ذهبت في اليوم التالي برفقة محاميها، قال القضاة إنهم "غير مستعدون لها بعد".
وقال جمال عيد، مدير الشبكة، لـ هيومن رايتس ووتش، إن قضاة التحقيق يمكنهم أن يقرروا اتهام المنظمات التي لم يستجوبوها بعد أو داهموها حتى الآن، مع إحالتها في نفس القضية إلى المحاكمة.
في 30 ديسمبر/كانون الأول قامت الشرطة والجيش بمداهمة 17 مقراً تستخدمها 10 منظمات مجتمع مدني. قالت وزيرة التعاون الدولي فايزة أبو النجا في مؤتمر صحفي في 1 يناير/كانون الثاني إن المداهمات من ترتيب السلطات القضائية وأنها تابعة للقضاء ومستقلة. إلا أن وزارة العدل عينت قضاة تحقيق في هذه القضية، وتستند إلى تقرير تقصي حقائق أعدته وزارة العدل.
وقال جو ستورك: "يزعم المسؤولون المصريون إن هذا تحقيق قضائي مستقل، لكن القضاة اختارتهم نفس الوزارة التي أعدت تقرير منظمات المجتمع المدني". وأضاف: "أمرت الحكومة بهذا التحقيق، فعليها إذن أن تأمر بوقفه، وأن تقترح بدلاً منه قانوناً جديداً يتفق مع المعايير الدولية".
في 17 يناير/كانون الثاني أعلنت د. نجوى خليل وزيرة الشؤون الاجتماعية أن الحكومة تعد مشروع قانون جديد للجمعيات، وأن أمام منظمات المجتمع المدني 15 يوماً للتعليق عليه. قالت هيومن رايتس ووتش إن مشروع القانون المذكور يتطابق مع آخر نُشر في مارس/آذار 2010 من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية ورفضته منظمات حقوق الإنسان المستقلة لأنه يزيد من سيطرة الحكومة على أنشطة منظمات المجتمع المدني وعملية صنع القرار المستقلة فيها.
هناك تحالف من 39 منظمة مجتمع مدني، تقوده المنظمة المصرية لحقوق الإنسان ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ومركز بحوث المرأة الجديدة، والمجموعة المتحدة، ومنظمات أخرى، حضورا مشروع قانون بديل للجمعيات لعرضه على نواب البرلمان في 30 يناير/كانون الثاني. مشروع القانون الذي أعدوه تدعمه 300 منظمة أخرى.
وقال جو ستورك: "للحكومات الحق في تنظيم أعمال منظمات المجتمع المدني، لكن ليس أن تتدخل في إدارتها اليومية وأن تعرقل أنشطتها والقرارات التي تتخذها. على البرلمان المصري أن يصدر قانوناً جديداً يضمن حقوق منظمات المجتمع المدني، في أن تعمل دون تدخل لا داعي له من السلطات".
خلفية
مداهمات 29 ديسمبر/كانون الأول على 10 منظمات مجتمع مدني والاستجواب القائم لمنظمات مصرية ودولية أساسهما التحقيق الذي أمرت به في يوليو/تموز وزيرة التعاون الدولي فايزة أبو النجا، التي تخدم منذ عهد مبارك، من عام 2001. المنظمات التي تمت مداهمتها تشمل المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، ومرصد الموازنة العامة وحقوق الإنسان، والمعهد الوطني الديمقراطي، والمعهد الجمهوري الدولي، وفريدوم هاوس والمركز الدولي للصحفيين، ومؤسسة كوندرا أديناور.
الإخفاق في إصلاح قانون الجمعيات
قانون رقم 84 لسنة 2002 الخاص بالجمعيات يصرح للحكومة التدخل في تسجيل وإدارة وتشغيل المنظمات غير الحكومية ويعيق حق المصريين في تكوين الجمعيات بشكل مستقل. رغم أن القانون لا ينص على دور لأجهزة الأمن في التدقيق في طلبات المنظمات غير الحكومية، إلا أنه عملاً، وفي ظل مبارك، كانت أمن الدولة التابعة لوزارة الداخلية مسؤولة عن الشؤون "السياسية"، ومنعت في أحيان كثيرة تسجيل منظمات حقوق إنسان مستقلة. في مناسبتين بعد يناير/كانون الثاني 2011 قال مسؤولون حكوميون لمنظمات ساعية للتسجيل إن من خطوات التسجيل "الموافقة الأمنية".
في يونيو/حزيران 2011، قابلت هيومن رايتس ووتش رئيس الوزراء السابق عصام شرف، ووزير العدل في ذلك الحين، عبد العزيز الجندي. اتفق الاثنان على أن قانون الجمعيات يحتاج إلى التعديل كي يصبح متفقاً مع المعايير الدولية، مثلما تم تعديل قانون الأحزاب وقانون النقابات. قال الجندي لـ هيومن رايتس ووتش إن الحكومة تعتزم تعديل القانون لكن هذا يحتاج إلى عملية تشاور موسعة وليس من بين أولوياته التشريعية. لم تظهر محاولات لبدء عملية تعديل القانون. بدلاً من ذلك، وفي شهر يوليو/تموز، بناء على تكليف من وزيرة التعاون الدولي، قررت الحكومة أن تأمر بهذا التحقيق بناء على قانون عام 2002، على حد قول هيومن رايتس ووتش.
مشروع القانون المقترح
في مشروع القانون، تحد المادة 9 من أهداف الجمعيات لتقتصر على "الرعاية الاجتماعية والتنمية وتنوير المجتمع" وتحظر على المنظمات العمل في أكثر من مجالين دون تصريح حكومي. المادة 3 من مشروع القانون تنص على أن وزارة الشؤون الاجتماعية وحدها قادرة على إصدار تصاريح للمنظمات التي تمارس "أنشطة الجمعيات أو المؤسسات" وتنص على عقوبة حدها الأقصى السجن سنة وغرامة على المنظمات.
المادة 35 تسمح لوزارة الشؤون الاجتماعية بأن تأمر بتجميد أنشطة المنظمات أو إلغاء مجلس إدارتها في بعض الحالات، ويمكنها إحالة المنظمات للمحكمة للبت في مسألة حلها إذا استمرت أنشطتها رغم ذلك، أو إذا "لم تكن قادرة على تحقيق أهدافها".
يحتفظ مشروع القانون بمطلب الموافقة الحكومية المسبقة على أي تمويل، وينص في المادة 13 على أنه ليس مسموحاً لأي جمعية بالحصول على تمويل من الخارج، لا من أفراد مصريين أو أجانب أو هيئات أو من يمثلهم، داخل البلاد، ولا أن ترسل أموالاً لأفراد أو منظمات في الخارج، إلا بعد الحصول على تصريح بذلك من الوزير المعني، أو بعد انقضاء 30 يوماً دون اعتراض كتابي من الوزير المعني.
يهيئ مشروع القانون طبقة إضافية من السلطة الإدارية، إذ يتعين على المنظمات التقدم بطلبات التسجيل للاتحاد العام للجمعيات المدنية وعليها أيضاً التزام بأن تنضم بالعضوية إلى ذلك الاتحاد. الاتحاد هيئة تمولها الحكومة ويتم تعيين رئيسها من قبل الرئيس، وتاريخياً استخدمت كأداة لتقويض استقلال المنظمات غير الحكومية، على حد قول هيومن رايتس ووتش. في 18 يناير/كانون الثاني، قال عبد العزيز حجازي، الذي مكث في منصبه رئيساً للاتحاد العام للجمعيات المدنية بعد تنحي الرئيس السابق حسني مبارك، قال في ندوة من تنظيم المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية إنه "توجد منظمات مجتمع مدني كثيرة جداً ولابد من حلها". هذا التصريح يتسق مع موقفه خلال السنوات الماضية، إذ قال حجازي في سبتمبر/أيلول 2009 خلال ندوة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة إن "منظمات حقوق الإنسان رائعة وجيدة... وأنا لست من محبي الشعارات. هؤلاء ناس تهمهم المناقشات والكتب والوجبات، وأنا أرفض حضور اجتماعاتهم. في مثل هذه الظروف من المستحيل أن يرفع الأمن يده عن الجمعيات".
هناك محاولات مشابهة للسيطرة على منظمات المجتمع المدني من خلال التمويل والإدارة اليومية للمنظمات، تمت في بلدان مثل أثيوبيا، حيث طبقت الحكومة آليات للسيطرة على عملية اتخاذ القرار داخل المنظمات، وحددت لها مجالات عملها، وتلقيها للتمويل الأجنبي. على النقيض، وعلى المستوى الإقليمي، فإن في كل من لبنان والمغرب قوانين جمعيات لا تطالب بالموافقة المسبقة على التمويل الأجنبي، ولا تطالب إلا بإعلان بالحصول على تمويل خلال 30 يوماً من تلقيه، في المغرب، وتقرير سنوي في لبنان.
حملة التشهير
قام مسؤولون حكوميون وعسكريون على مدار الشهور الماضية بالإدلاء بعدد من المزاعم غير المدعومة بأدلة، إذ اتهموا منظمات بتلقي تمويل أجنبي، أو منظمات أجنبية تعمل في مصر بأنها أطراف عميلة أو "جزء من مخطط هدم الأمن القومي المصري ونشر الفوضى". في 21 ديسمبر/كانون الأول أعلن وزير العدل عادل عبد الحميد في مؤتمر صحفي إن التحقيقات في العنف الذي اندلع في الاعتصام أمام مجلس الوزراء المصري أظهر وجود صلات بمنظمات مجتمع مدني أجنبية. قال للمراسلين إن هناك "صلة بين قضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني وأحداث ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء" مشيراً إلى المظاهرات التي قوبلت بالعنف واستخدام الجيش والشرطة للقوة المفرطة مما أدى لوفاة 89 شخصاً على الأقل.
في يوليو/تموز تحدث اللواء العصار من المجلس العسكري أمام معهد السلام الأمريكي في واشنطن، فقال إن التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني دون موافقة حكومية مسبقة "يمثل خطراً، على ضوء الحوادث الأخيرة حيث فُقدت أسلحة كثيرة من رجال الشرطة، وفر 20 ألف سجين من السجون في مصر إثر الأحداث التي تعرضت لها البلاد". في 28 يوليو/تموز 2011 قال المشير طنطاوي في خطاب أمام ضباط الشرطة إن "هناك أطراف خارجية تغذي وتحضر خططاً معينة ينفذها بعض الأفراد داخلياً، دون فهم. ربما هو سوء فهم، تستغله الأطراف الخارجية في دفع الناس في اتجاهات غير سديدة، فهم لا يريدون الاستقرار لمصر".