(عمّان) ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن قوات المليشيات الليبية المتحاربة للسيطرة على طرابلس ومحيطها قد انخرطت في اعتداءات على المدنيين والممتلكات المدنية ترقى في بعض المناطق إلى مصاف جرائم الحرب. قامت المليشيات بخطف أشخاص، ونهب ممتلكات، وحرقها وتدميرها بطرق أخرى.
فر آلاف السكان من منازلهم خلال خمسة أسابيع من القتال بين تحالف فجر ليبيا، الذي تقوده مليشيات من مدينة مصراتة الساحلية، وائتلاف من مليشيات بلدة الزنتان الجبلية. وقد وثقت هيومن رايتس ووتش سلسلة من الاعتداءات التي شنتها قوات فجر ليبيا على مدنيين وممتلكات مدنية منذ السيطرة على طرابلس، بما فيها مطارها المدني، في 24 أغسطس/آب 2014.
قالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "يتعين على القادة من الجانبين كبح جماح قواتهم وكسر حلقة الانتهاكات، أو المخاطرة بالوقوف في صدارة طابور العقوبات المحتملة أو الملاحقة القضائية الدولية. وعلى جميع الأطراف المتحاربة احترام التزامها بحماية المدنيين في كافة الأوقات ومحاسبة قواتهم عند ارتكابهم جرائم".
ويبدو أن كلا الجانبين قد ارتكبا انتهاكات قد ترقى إلى مصاف جرائم الحرب خلال خمسة أسابيع من الاقتتال الذي أشعل شرارته اعتداء فجر ليبيا الأولي على مطار طرابلس في 13 يوليو/تموز. اشتمل القتال، الذي انحصر معظمه في المناطق الغربية من طرابلس، على إطلاق نيران عشوائية عديمة التمييز من الجانبين.
ومنذ أن مالت الكفة لصالح فجر ليبيا في طرابلس، قامت قواتها بارتكاب المزيد من الانتهاكات ضد صحفيين ومسؤولين حكوميين ومدنيين عاديين اشتبه في تأييدهم للتحالف الذي تقوده الزنتان أو تعاطفهم معه، وهو التحالف المنحاز إلىعملية كرامة ليبيا. وكرامة ليبيا هو الاسم الذي تعرف به حملة عسكرية في شرق ليبيا يقودها اللواء السابق في الجيش الليبي خليفة حفتر لمحاربة المليشيات الإسلامية المحسوبة على مجلس شورى شباب الإسلام بما فيه أنصار الشريعة.
وتتضمن أفعال فجر ليبيا التي وثقتها هيومن رايتس ووتش اعتداءاً على قناة "العاصمة" التلفزيونية الخاصة في 23-24 أغسطس/آب، قام فيه المقاتلون بإرغام القناة على وقف بثها، وإشعال النيران في منزل المدير، وخطف 3 موظفين ما زالوا في عداد المفقودين. كما تم استهداف منازل وممتلكات أشخاص آخرين مرتبطين بقناة العاصمة، وكذلك منزل الصحفي حسام الوحيشي. .
وبحسب الحكومة الليبية، قامت قوات من مليشيات فجر ليبيا بالاعتداء على منزل رئيس الوزراء عبد الله الثني في 25 أغسطس/آب، مجبرين عائلته على المغادرة، كما قاموا العبث بالمنزل وإشعال النيران فيه. وفي 27 أغسطس/آب قالت الحكومة إن "عصابات إجرامية" أحرقت منزل القائم بأعمال وزير النقل عبد القادر الزنتاني.
في حالات أخرى قامت المليشيات باستهداف أشخاص من الزنتان ومؤيدي كرامة ليبيا، إضافة إلى أشخاص كانت المليشيات المصراتية قد هجرتهم قسراً من مدينة تاورغاء في أعقاب نزاع 2011 بسبب تأييد سكان تاورغاء المزعوم لمعمر القذافي.
وقد ورد في تقرير بتاريخ الأول من سبتمبر/أيلول أصدرته لجنة الأزمات بالمجلس البلدي للزنتان أن منازل ما لا يقل عن 80 عائلة من الزنتان في طرابلس قد "تعرضت للاعتداء والنهب"، وأن 80 رجلاً من الزنتان قد تعرضوا للاحتجاز أو الخطف أو أصبحوا في عداد المفقودين.
في 30 أغسطس/آب قام مسلحون من قوات درع ليبيا، وهي مليشيا منتمية إلى تحالف فجر ليبيا، بالاعتداء على مخيم للنازحين من تاورغاء في طرابلس، فقتلوا رجلاً واحداً وأصابوا عدة أشخاص. وقالت هيومن رايتس ووتش إن على المجموعات المسلحة، وعلى الحكومة الليبية أيضاً، اتخاذ خطوات عاجلة لوقف انتهاك حقوق سكان تاورغاء الذين تم تهجير 40 ألفاً منهم قسريا.
ويبدو أن الجانبين يحتجزان أشخاصاً تم اعتقالهم أثناء القتال، رغم انقطاع أخبار بعضهم منذ احتجاز قوات المليشيات لهم. اختفى عبد المعز بانون، الناشط المقيم في طرابلس، منذ قيام أفراد مليشيات مرتبطة بفجر ليبيا على ما يبدو باعتقاله من أمام منزله في 25 يوليو/تموز. أما سليمان زوبي عضو البرلمان السابق فقد احتجزه أفراد ميليشيا برق النصر المنتسبة إلى الزنتان منذ 21 يوليو/تموز، كما قالت عائلته لـ هيومن رايتس ووتش.
قالت هيومن رايتس ووتش إن كافة المحتجزين من جانب الفصائل المتحاربة ينبغي أن يلقوا معاملة إنسانية وأن تتم حمايتهم من التعذيب أو غيره من ضروب إساءة المعاملة، اتفاقاً مع القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.
وقد أفاد مجلس طرابلس المحلي في 25 أغسطس/آب بنزوح ما لا يقل عن 12600 عائلة بسبب العنف. وقال مسؤولون من مجلس تاورغاء المتمركز بطرابلس، يوم 29 أغسطس/آب، إن أغلبية العائلات الألف المقيمة في 3 مخيمات مؤقتة في طرابلس، مخصصة للنازحين من تاورغاء، قد غادرت المخيمات في غمار الظروف المتدهورة والخوف من الهجمات الانتقامية. وذكر تقرير للأمم المتحدة بتاريخ 4 سبتمبر/أيلول أن 100 ألف شخص قد نزحوا بفعل أحداث العنف الأخيرة في ليبيا، وغادر البلاد 150 ألفاً آخرين، وبينهم مهاجرون.
ويقع على كافة الأطراف المتحاربة في ليبيا إلزام بالتقيد بقوانين الحرب، كما أن بعض الانتهاكات الجسيمة لقوانين الحرب، عند ارتكابها بنية إجرامية، تعتبر جرائم حرب. ويقع مرتكبو جرائم الحرب أو من يأمرون بها أو يساعدون أو يمارسون مسؤولية القيادة فيها تحت طائلة الملاحقة من جانب المحاكم الليبية أو المحكمة الجنائية الدولية، المختصة بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وإبادة العرق المرتكبة في ليبيا منذ 15 فبراير/شباط 2011، بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1970.
في تصريح بتاريخ 25 يوليو/تموز حذرت مدعية المحكمة الجنائية الدولية من أن مكتبها "لن يتردد في التحقيق وملاحقة مرتكبي الجرائم بموجب اختصاص المحكمة في ليبيا، وبصرف النظر عن مكانتهم الرسمية أو انتمائهم". ومع ذلك فإن مدعية المحكمة الجنائية الدولية لم تفتح حتى الآن تحقيقا جديداً رغم الانتهاكات المستمرة في ليبيا والتي قد ترقى إلى مصاف جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية.
في 27 أغسطس/آب مرر مجلس الأمن القرار رقم 2174 (2014) الذي يوسع العقوبات الدولية القائمة على ليبيا بحيث تشمل الأشخاص المتورطين أو المؤيدين لأفعال "تهدد السلم أو الاستقرار أو الأمن في ليبيا، أو تعرقل أو تقوض استكمال انتقالها السياسي بنجاح". وتشمل تلك الأفعال "تخطيط أو توجيه أو ارتكاب أفعال تنتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان أو القانون الإنساني الدولي المنطبقة، أو الأفعال التي تشكل انتهاكات لحقوق الإنسان".
وقد أعاد مجلس الأمن في القرار رقم 2174 التذكير بقراره من سنة 2011 القاضي بإحالة الوضع في ليبيا إلى المحكمة الجنائية الدولية، وأعاد التأكيد على أهمية المحاسبة للأشخاص المسؤولين عن جرائم خطيرة، بمن فيهم المتورطين في اعتداءات على مدنيين.
قالت سارة ليا ويتسن: "يخاطر المسؤولون عن انتهاكات، أو من يغضون الطرف عنها، بالوقوع تحت طائلة عقوبات محتملة أو الملاحقة القضائية الدولية على جرائم حرب".
للاطلاع على بيانات تفصيلية من الضحايا وخلفية عن الإطار القانوني والأطراف المتحاربة، يرجى مواصلة القراءة أدناه.
الإطار القانوني
بموجب نظام روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية، تتضمن جرائم الحرب المنطبقة على نزاع مسلح غير دولي مثل ذلك الجاري في غربي ليييا: استهداف أفراد مدنيين أو تجمعات سكانية مدنية؛ والقتل والمعاملة القاسية لغير المحاربين؛ ونهب ممتلكات خصم أو تدميرها أو الاستيلاء عليها إلا عندما تستلزم الضرورة العسكرية هذا.
وبحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر، يتحدد مدى انطباق القانون الإنساني الدولي على نزاع يضم أطرافاً غير حكومية بعاملين رئيسيين: شدة النزاع ومستوى التنظيم وسيطرة القيادة على الطرف غير الحكومي. ولكي يتم الاعتراف بجماعة مسلحة كطرف في نزاع غير دولي، يتعين على الجماعة التمتع "بقدر أدنى من التنظيم والانضباط ـ يكفي لتمكينها من احترام القانون الإنساني الدولي". وينبغي أن تكون الجماعة "قادرة من جهة على تخطيط وتنفيذ عمليات عسكرية متطاولة ومنسقة، وقادرة من جهة أخرى على فرض الانضباط باسم سلطة فعلية".
وفي الشأن الليبي، خاصة في النزاع الدائر غربي ليبيا، انخرطت الأطراف في قتال مطول وعنيف منذ 13 يوليو/تموز. وما زال النزاع المسلح في غرب ليبيا مستمراً في منطقة ورشفانة، على الأطراف الغربية لطرابلس. وتضم الأطراف المتحاربة جهات حكومية ـ الحكومة الليبية ـ ومليشيات غير حكومية على السواء. وتبدو المليشيات المتورطة كلها منظمة وخاضعة للانضباط الهرمي.
الأطراف المتحاربة
يتكون تحالف الزنتان من عدة جماعات مسلحة كانت تسيطر على مطار طرابلس منذ نهاية 2011، إضافة إلى مواقع أخرى مثل مجمع الدعوة الإسلامية وعدة معسكرات عسكرية، ومنها واحد بمنطقة السواني في طرابلس. وقد حصلت المليشيات المنتسبة إلى الزنتان ـ كتيبة أمن المطار، وكتيبة الصواعق وكتيبة القعقاع بقيادة عثمان مليقطة، وكتيبة المدني، وكتيبة برق النصر ـ على الدعم من قبيلة ورشفانة المتمركزة على أطراف طرابلس الغربية، ضمن آخرين.
وتنحاز تلك الجماعات معاً إلى عملية الكرامة العسكرية التي بدأها اللواء السابق خليفة حفتر في مايو/أيار في شرقي ليبيا "للقضاء على الإرهاب". وتساند العملية الحكومة بقيادة رئيس الوزراء عبد الله الثني، العاملة حالياً من شرق ليبيا. ويشتمل تحالف الكرامة في الشرق على ضباط بالجيش الليبي، والقوات الجوية الليبية بقيادة صقر الجروشي، وقوات الجيش الخاصة المعروفة بقوات الصاعقة بقيادة العقيد ونيس بو خامدة.
في الشرق الليبي تتصدى قوات عملية الكرامة لتحالف من المليشيات الإسلامية، هو مجلس شورى ثوار بنغازي ويشتمل على قوات من درع ليبيا بقيادة وسام بن حميد، أنصار الشريعة في بنغازي بقيادة محمد الزهاوي، ولواء 17 فبراير، وكتيبة راف الله السحاتي، وأنصار الشريعة في درنة بقيادة سفيان بن قمو، ومجلس شورى شباب الإسلام في درنة، والجيش الإسلامي في درنة.
وقد بدأ تحالف فجر ليبيا حملته العسكرية في يوليو/تموز رداً على ما زعم أنه "انقلاب" اللواء حفتر على المؤسسات الليبية الشرعية، فبدأ الحملة بالهجوم على مواقع مليشيات الزنتان في طرابلس المتحالفة مع عملية الكرامة.
وفجر ليبيا هو تحالف من مليشيات مصراتة وطرابلس ومناطق أخرى، وبينها مليشيات إسلامية. ويضم قوات درع ليبيا للمنطقة الغربية، وكتيبة السويحلي، وكتيبة الحلبوص، وكافة مليشيات مصراتة بقيادة البرلماني السابق صلاح بادي، وكتيبة فرسان جنزور، وفصائل ذات ميول إسلامية من طرابلس ومنها قوات يقودها نائب وزير الدفاع السابق خالد الشريف، ومليشيا من منطقة بو سليم بقيادة عبد الغني الككلي، ومليشيا في قاعدة معيتيقة العسكرية، وكتيبة النواصي بقيادة عبد الرؤوف كارة، وأفراداً من غرفة عمليات ثوار ليبيا بقيادة شعبان هدية، وقوات من بلدات خمس ومسلاتة وغريان والزاوية وصبراتة ونالوت وجادو. وقد قام أفراد من المجلس التشريعي الليبي السابق، المؤتمر الوطني العام، مدعومين من فجر ليبيا، بانتخاب عمر الحاسي رئيساً للوزراء في 25 أغسطس/آب، كمنافس للحكومة الحالية ومجلس النواب الذين يعارضونهم.
بيانات عن الاعتداءات
قناة العاصمة التلفزيونية
قالت فوزية البلعزي، المديرة التنفيذية لقناة العاصمة التلفزيونية الخاصة في طرابلس، لـ هيومن رايتس ووتش إن القناة التلفزيونية تعرضت للاعتداء مرتين، في 23 و24 أغسطس/آب، على يد جماعة من المليشيات تتبع فجر ليبيا، وكانت قد اتهمت القناة سابقاً بالانحياز إلى عملية الكرامة. قالت البلعزي في معرض تقييم التلفيات بعد ساعات قليلة من الاعتداء الأول على القناة في نحو الثالثة صباحاً إنه تسبب في تلفيات واسعة النطاق لغرفة التحكم الرئيسية، التي "انصهرت"، والقسم الفني المحتوي على الكاميرات وغيرها من المعدات، التي تعرض معظمها للتدمير أو السرقة. وقع الاعتداء الثاني بعد ظهر 24 أغسطس/آب.
قالت البلعزي إن المعتدين من فجر ليبيا خطفوا 3 من الموظفين: حسام مرعي فني تقنية المعلومات، وسعد زغلوب المسؤول عن توضيب الأفلام (المونتاج)، وطارق الدريسي العامل بقسم الغرافيك. وقالت إنهم ما زالوا في عداد المفقودين.
وقالت البلعزي، التي تحدثت إلى هيومن رايتس ووتش بعد مغادرة ليبيا، إنها فرت من البلاد بسبب تهديد لحياتها عقب الاعتداء الثاني بقليل. وقالت إنها تلقت مكالمة هاتفية من شخص مجهول هدد بشنقها العلني "لتلقين الآخرين ممن رفضوا الاعتذار درسا". وقالت إنها تخاف العودة إلى ليبيا:
لقد ارتبط اسمي الآن بالعاصمة، وهناك من نشر رقم هاتفي وعنواني بمواقع التواصل الاجتماعي. اضطررت للرحيل لأنني خائفة من الاعتقال أو حتى القتل. أنا سيدة، وأشعر بالخوف من الوقوع في أيدي المليشيات. أنت تعرفين ما يفعلونه بالسيدات إذا وقعن في أيديهم.
قال جمعة الأسطى، صاحب قناة العاصمة، لـ هيومن رايتس ووتش إن أفراداً من مليشيات منتسبة إلى فجر ليبيا اعتدوا على منزله ومنزل شقيقه، حسن علي الأسطى، بمنطقة قرجي بطرابلس، في ساعة مبكرة من 25 أغسطس/آب. وقال إن أفراد المليشيات الحاملين لأسلحة ثقيلة اعتدوا بالضرب على مديرة منزل العائلة، وأطلقوا الطلقات داخل المنزل، وكسروا إحدى الخزائن وأخذوا وثائق وصور شخصية.
وقال الأسطى، المقيم مع عائلته بالخارج حالياً، إن أفراداً مجهولين من المليشيات اقتحموا ونهبوا مزرعتين يملكهما مع شقيقه أثناء معركة السيطرة على المطار. وقال أيضاً إن مليشيات فجر ليبيا كانت في 25 أغسطس/آب قد داهمت شركة يملكها شقيقه بسبب ارتباطها بقناة العاصمة، وخطفوا ابن شقيقه وسام حسن الأسطى، وأحد موظفي العاصمة المدعو محمد الهدناوي. وقال إن الاثنين ما زالا في عداد المفقودين.
قال حسام الدين الطيب، وهو صحفي من مصراتة يعمل بقناة العاصمة، قال لـ هيومن رايتس ووتش إنه في 24 أغسطس/آب، أثناء المراحل الأخيرة من معركة السيطرة على مطار طرابلس، قام أفراد من المليشيات بنهب منزله في شارع ولي العهد وإشعال النار فيه. وقال الطيب، الذي كان قد غادر ليبيا قبل هذه الأحداث بـ12 يوماً عقب تلقي تهديدات من أشخاص اتهموه بالتغطية المنحازة ضد فجر ليبيا، قال إن أقاربه زاروا المنزل المخرب فور انتهاء القتال، وقال لـ هيومن رايتس ووتش إن عائلته استحثته مراراً على ترك وظيفته بقناة العاصمة لأنهم شعروا بأنها تعرضهم للخطر.
اعتداءات أخرى
وثقت هيومن رايتس ووتش أيضاً الاعتداء على 3 منازل تخص عائلة واحدة في شارع ولي العهد أو بالقرب منه. وكانت العائلة، التي طلبت عدم تسميتها، قد غادرت المنازل بعد بدء معركة السيطرة على المطار في 13 يوليو/تموز بسبب خطر النيران المنطلقة من المليشيات المتنافسة. ولم يتسن للعائلة تفقد المنازل إلا بعد سيطرة فجر ليبيا على طرابلس في 24 أغسطس/آب.
وقد أفاد أحد أفراد العائلة الذي أمكنه الوصول إلى المنطقة فيما بعد بأن المنزل الواقع بشارع ولي العهد قد تعرض لتلفيات واسعة النطاق، وسرقة أو تهشيم ممتلكات، وإحراق سيارتين. وقال فرد العائلة إن العائلة ليست لها انتماءات أو توجهات سياسية معروفة. تعرض المنزلان الآخران المملوكان للعائلة في المنطقة لتلفيات جسيمة، بحسب إفادة العائلة.
وتحدثت هيومن رايتس ووتش مع 12 من سكان طرابلس الذين فروا من منازلهم مخافة الهجمات الانتقامية، ولجأوا حالياً إلى مصر ومالطا وتونس وتركيا والإمارات العربية المتحدة. وتضم صفوفهم نشطاء وصحفيين ومواطنين عاديين.
قال رجل واحد، نشأ في الزنتان لكنه أقام في طرابلس لسنوات طويلة، قال لـ هيومن رايتس ووتش إنه فر هو وعائلته المكونة من 20 فرداً من منزلهم بمنطقة قرجي في طرابلس عندما سيطر تحالف فجر ليبيا على المدينة، خشية هجمات المليشيا الانتقامية:
لقد دافع عنا جيران كانوا يعرفون عائلتي منذ سنوات عند وصول مليشيات من فجر ليبيا يسألون عن أشخاص من الزنتان. وقاموا بحماية ممتلكاتنا ولم يسمحوا لأحد بإيذائها. كما ساعدنا الجيران في إخراج ابنة عمي في الوقت المناسب قبل وصول مليشيات فجر ليبيا إلى منزلها. فرت ابنة عمي دون خدش، واكتفت المليشيات بإطلاق بعض الطلقات على المنزل ثم رحلت.
الاعتداء على مخيم النازحين من تاورغاء
منذ نهاية نزاع 2011 وثقت هيومن رايتس ووتش اعتداءات متكررة، ومعظمها بأيدي مليشيات من مصراتة، على أشخاص نازحين من بلدة تاورغاء ويقيمون في مخيمات مؤقتة في طرابلس وأماكن أخرى. وقد عملت مليشيات مصراتة على منع نحو 40 ألفاً من سكان تاورغاء السابقين من العودة إلى منازلهم كشكل من أشكال العقاب الجماعي على جرائم يزعم ارتكاب بعض سكان تاورغاء لها أثناء انتفاضة 2011 والنزاع المصاحب لها. كما قامت مليشيات من مصراتة بعمليات اعتقال تعسفي وتضييق بحق سكان تاورغاء النازحين، في إفلات من العقاب. وترقى الطبيعة الممنهجة وواسعة الانتشار لهذا التهجير القسري المستمر إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية.
وقد أخفقت الحكومة الليبية وقوات المليشيات في وقف هذه الاعتداءات، وإنهاء التهجير القسري والسماح للمهجرين بالعودة إلى ديارهم، ومحاسبة المسؤولين، على الرغم من الدعوات الدولية المتكررة إليهم بحماية تجمعات النازحين.
وقد قامت أغلبية عائلات المهجرين من تاورغاء التي يبلغ عددها ألف عائلة تقريبا، والذين كانوا يعيشون في 3 مخيمات في طرابلس ـ مخيم الفلاح، ومخيم طريق المطار، ومخيم الأكاديمية البحرية ـ بمغادرة تلك المخيمات منذ بدء القتال بين قوات فجر ليبيا وكرامة ليبيا في يوليو/تموز، مخافة الاعتداء من مليشيات مصراتة على ما يبدو.
قال أعضاء مجلس تاورغاء المحلي لـ هيومن رايتس ووتش إن أفراد المليشيات خطفوا 22 رجلاً مدنياً من تاورغاء بين منتصف يوليو/تموز و30 أغسطس/آب أثناء فرارهم. وقال أعضاء المجلس إن المليشيات أفرجت عن سبعة من الرجال، لكن معظم الباقين، الذين خطفتهم المليشيات في منطقة الزاوية، محتجزون بسجن الجدايم وأماكن أخرى في أنحاء الزاوية. وقال أعضاء المجلس إن أفراد المليشيات أطلقوا النار على مدني آخر من تاورغاء هو عمران الزليطني، من سكان منطقة بو سليم في طرابلس، أثناء فراره من مليشيات مصراتة عند اقترابها، فجرحوه في كتفه. وبعد ذلك قامت مليشيا من بو سليم باحتجاز الزليطني ونقلته إلى مصراتة.
قال أعضاء مجلس تاورغاء المحلي ونشطاء من تاورغاء لـ هيومن رايتس ووتش إن رجالاً مسلحين ينتسبون إلى قوات درع ليبيا للمنطقة الغربية، وهي جزء من تحالف فجر ليبيا، قاموا في ساعة مبكرة من صباح 30 أغسطس/آب بمهاجمة معكسر الفلاح للنازحين من تاورغاء في طرابلس. وبحسب ممثلي تاورغاء، دخلت المليشيا بالسيارات إلى المخيم الخاوي تقريباً ومعها أسلحة ثقيلة مركبة على شاحنات نصف نقل، وفتحت النار عشوائياً دون تمييز فجرحت 3 من السكان.
وقال سكان تاورغاء إن المليشيا خطفت 6 رجال، وبينهم أحد المصابين، وأخذتهم إلى قاعدتها بمعسكر اليرموك العسكري في منطقة صلاح الدين بطرابلس. وتفاوض أفراد من ممثلي تاورغاء فيما بعد على الإفراج عن خمسة منهم، أما الجريح، إرحيل عبد السلام، فقد توفي أثناء احتجازه.