HUMAN RIGHTS WATCH

مصر

تعرض سجل مصر السلبي في مجال حقوق الإنسان في العديد من الجوانب، إلى انتقاداتٍ عامةٍ لم يسبق لها مثيل في عام 2005، إذ تحدى ناشطو الديمقراطية في مصر ربع قرن من الحكم التسلطي للرئيس حسني مبارك. وضغطت الإدارة الأمريكية على الرئيس المصري لتشجيع حقوق الإنسان الأساسية مثل حرية التعبير والتجمع. وقد فاز الرئيس مبارك بسهولة بولايةٍ رئاسيةٍ خامسة عبر الانتخابات الرئاسية التنافسية الأولى التي جرت أوائل سبتمبر/أيلول. وقد جرت الانتخابات المذكورة دون حوادث في أغلب الأحوال، لكن الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية في البلاد في شهر نوفمبر/تشرين الثاني تميزت بتجاوزاتٍ مفرطة، بل وبالعنف من جانب القوى الموالية للحكومة في بعض الحالات أيضاً. كما لا تزال قضايا هامة من غير علاج، مثل ممارسة التعذيب بشكل روتيني. وتستمر حالة الطوارئ لتوفر أساساً للاحتجاز التعسفي والمحاكمات أمام المحاكم العسكرية ومحاكم أمن الدولة. ويستمر احتجاز ما يقارب 15,000 شخصاً لمددٍ طويلة دون توجيه تهمة في ظل أحكام قانون الطوارئ، وذلك طبقاً لجمعية حقوق الإنسان لمساعدة السجناء التي تتخذ من القاهرة مقرا لها. وقد أدى عددٌ من الهجمات بالسيارات المفخخة ضد المواقع السياحية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2004 إلى مزيدٍ من الاعتقالات الجماعية والاحتجاز التعسفي وإلى وجود ادعاءات ذات مصداقية بوجود التعذيب.

حالة الطوارئ  
كان آخر تمديد أجرته الحكومة للعمل بقانون الطوارئ (القانون رقم 162 لعام 1958) قد تم في شهر فبراير/شباط 2003، وعليها أن تعيد تمديد العمل به في مايو/أيار 2006 أو ينتهي مفعوله. وقد كان هذا القانون، بما يفرضه من حظرٍ على التظاهرات والتجمعات العامة، ساري المفعول أثناء حملة الانتخابات الرئاسية، لكن الحكومة لم تتدخل في التجمعات العامة ذات الصلة بالحملة الانتخابية. وقد أشار الرئيس مبارك إلى أنه سيعلق قانون الطوارئ أو يتركه من غير تمديد، لكن ذلك لن يتم إلا بعد وضع ما وصفه بأنه "قانونٌ صارمٌ وحاسم يزيل الإرهاب ويقتلع خطره من الجذور". ويخشى المدافعون المصريون عن حقوق الإنسان أن يكرّس هذا التشريع كثيراً من السمات المرفوضة في قانون الطوارئ.  
 
العنف السياسي والأمن الداخلي  
أدى انفجارٌ ضخم لسيارةٍ مفخخة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2004، استهدف فندق هيلتون بطابا قرب الحدود مع إسرائيل، إلى قتل أكثر من ثلاثين شخصاً وجرح أكثر من مئة. وقد أعلنت الحكومة في 25 أكتوبر/تشرين الأول أنها حددت تسعة أشخاص مسئولين عن الانفجار، كان خمسةٌ منهم رهن الاحتجاز بينما قُتل اثنان أثناء تنفيذ الهجوم وظل اثنان منهم طلقاء. لكن مباحث أمن الدولة التابعة لوزارة الداخلية قامت خلال الأشهر التالية باعتقالاتٍ جماعيةٍ تعسفية في مدينة العريش وحولها، وهي المركز التجاري والإداري لشمال سيناء، حيث اعتقلت حوالي 2,500 – 3,000 شخصاً. وفي أبريل/نيسان 2005 أعلن المجلس القومي لحقوق الإنسان، وهو مجلسٌ معيّن من قبل الحكومة، في تقريره السنوي الأول أن مالا يقل عن ألفي شخص لا يزالون رهن الاحتجاز دون تهمة.  
 
وفي 23 يوليو/تموز 2005، هاجم ثلاثةٌ من الانتحاريين بسيارات مفخخة فندقاً وسوقين سياحيين في شرم الشيخ الواقعة على الحافة الجنوبية لشبه جزيرة سيناء، فقتلوا سبعةً وستين شخصاً. وقد ادعت المسؤولية عن الهجوم ثلاث مجموعات لم تكن معروفةً سابقاً. ورغم اعتقال قوات الأمن كثيراً من المشتبه بهم في الأيام التي أعقبت الهجوم، فقد احتجزت في أواخر شهر أغسطس/آب 500 – 600 شخصاً أثناء تمشيط منطقة جبل هلال بشمال سيناء. وحتى أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2005، لم تكن الحكومة قد قدمت أية معلومات بشأن ما إذا كان أيٌّ من مئات المعتقلين قد أخلي سبيله أو وجِّهت إليه تهمةٌ تتعلق بذلك الهجوم.  
 
وفي أبريل/نسيان، أدت ثلاثة حوادث إطلاق نار وهجمات بمتفجرات صغيرة في القاهرة إلى مقتل ثلاثة سيّاح، إضافةً إلى المهاجمين، كما أدت إلى جرح أكثر من اثني عشر شخصاً معظمهم من المصريين.  
 
وفي أكتوبر/تشرين الأول، قالت القيادة العسكرية الأمريكية في العراق أن 78 مصرياً (وهو أكبر رقمٍ للقادمين من بلدٍ واحد) كانوا من بين المقاتلين الأجانب البالغ عددهم 312 والذين تم أسرهم حتى ذلك الوقت بسبب ما ادعي من مشاركتهم في حركة التمرد هناك.  
 
التعذيب  
تقوم قوات الأمن والشرطة بتعذيب المحتجزين والإساءة إليهم على نحوٍ منتظم، وخاصةً أثناء استجوابهم. وقد كان التعذيب يستخدم في الماضي ضد المنشقين السياسيين أساساً، لكنه تفشّى في أقسام الشرطة في السنوات الأخيرة، وصار يستهدف المواطنين العاديين أيضاً. وفي عام 2004 تحدثت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان عن 292 حالة تعذيب معروفة بين يناير/كانون الثاني 1993 وأبريل/نيسان 2004. وقد أفضت 120 حالة من هذه الحالات إلى وفاة السجين أو المشتبه به. وطبقاً للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان فإن ثمة 12 حالة وفاة أخرى وقعت في أماكن الاحتجاز التابعة للشرطة أو قوات الأمن، وذلك بين مايو/أيار 2004 ويوليو/تموز 2005. وقد وثّقت هيومن رايتس ووتش والمنظمة المصرية لحقوق الإنسان ادعاءات ذات مصداقية بحدوث التعذيب أثناء الاستجواب قدمها العديد من الأشخاص الذين اعتقلوا في أعقاب تفجيرات طابا المذكورة أعلاه. كما أكد أحد كبار مسئولي وزارة الداخلية في فبراير/شباط 2005 لمنظمة هيومن رايتس ووتش أن الحكومة لم تقم، في السنوات التسع عشرة الماضية، بأي تحقيق جنائي مع مسئولي مباحث أمن الدولة بشأن التعذيب أو إساءة المعاملة، كما لم تتخذ أية تدابير تأديبية رغم وجود الكثير من الادعاءات ذات المصداقية بشأن الانتهاكات الخطيرة في أماكن الاحتجاز التابعة لمباحث أمن الدولة.  
 
القيود على حرية التعبير والتنظيم  
ينتقص قانون الجمعيات المصري رقم 84 لعام 2002 بشدةٍ من حرية التنظيم إذ يعطي الحكومة سيطرةً غير مبررة على إدارة المنظمات غير الحكومية وعملها. ويفرض القانون عقوبات جزائية بحق الناشطين "غير المرخص لهم"، بمن فيهم "المنخرطين في نشاطات سياسية أو نقابية تخص الأحزاب السياسية أو النقابات"، وكذلك عند ممارسة المنظمة غير الحكومية نشاطاتها قبل الترخيص الرسمي لها، أو تلقيها التبرعات دون موافقةٍ مسبقة من وزارة الشؤون الاجتماعية.  
 
كما تفرض مصر ضوابط صارمة على التنظيمات السياسية أيضاً. ففي يوليو/تموز 2005 أقر مجلس الشعب تعديلات طالبت الحكومة بإدخالها على قانون الأحزاب السياسية رقم 40 لعام 1956 تنص على التسجيل القانوني للأحزاب الجديدة بشكلٍ آلي ما لم تُرفض طلباتها من قبل لجنة شؤون الأحزاب السياسية التي يرأسها رئيس الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم. كما يمنح القانون المعدَّل لجنة شؤون الأحزاب السياسية سلطة تعليق نشاط حزب قائم إذا وجدت أن ذلك من مقتضيات "المصلحة الوطنية"، وكذلك سلطة إحالة من تدَّعي أنه يخرق هذا القانون إلى النيابة العامة.  
 
كما عدلت الحكومة أيضاً قانون الحقوق السياسية رقم 73 لعام 1956 حيث فرضت عقوبات جزائية على الصحفيين والمطبوعات التي تُدان بنشر "معلومات كاذبة" يقصد منها التأثير على نتائج الانتخابات. ولم تقم الحكومة بأية خطوات لمتابعة ما التزم به الرئيس مبارك علناً في فبراير/شباط 2004 من تعديلٍ لقانون الصحافة لعام 1996 بغية إلغاء العقوبات الجزائية، وغيرها، في حالة بعض الجرائم مثل القذف والتشهير. وطبقاً لمراقبي حقوق الإنسان المصريين، فقد قامت النيابة العامة باستدعاء 22 صحفياً وكاتباً، خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2005، لاستجوابهم بشأن اتهامات بالتشهير وجهت إليهم بعد أن كتبوا مقالاتٍ تنتقد مسئولين حكوميين.  
 
إساءة معاملة أطفال الشوارع  
تقوم الحكومة، دورياً، بحملات اعتقال بحق أطفال الشوارع المشردين أو الهاربين الذين لم يرتكبوا أية جريمة. وأثناء احتجازهم، يتعرض كثيرٌ منهم للضرب والاعتداء الجنسي والابتزاز من قبل الشرطة ومن قبل المحتجزين البالغين. كما تحرمهم الشرطة من الطعام والفراش والرعاية الطبية. ولا تقوم السلطات برقابةٍ منتظمة على شروط احتجاز الأطفال، كما لا تحقق في حالات الاعتقال التعسفي أو إساءة المعاملة أثناء الاحتجاز، ولا تعاقب المسئولين عن ذلك. وفي كثيرٍ من الحالات تقوم الشرطة باحتجاز الأطفال لعدة أيام بشكلٍ غير قانوني قبل إحالتهم إلى النيابة العامة بتهمة كونهم "عرضة للانحراف".  
 
حقوق المرأة  
رغم الإصلاحات الأخيرة لقوانين الأسرة والجنسية في مصر، فلابد من القيام بخطوات إضافية لتعديل القوانين التي تمارس التمييز ضد النساء والفتيات، ومن أجل الملاحقة القضائية للعنف المستند إلى نوع الجنس، ومن أجل ضمان حقوق المواطنة المتساوية للنساء والفتيات. وتجعل قوانين الأحوال الشخصية التمييزية الخاصة بالزواج والطلاق والوصاية والإرث من المرأة مواطناً من الدرجة الثانية في ميدان الحياة الخاصة وتضعف من مركزها القانوني. أما قانون العقوبات فلا يمنع العنف المنزلي فعلياً ولا يعاقب عليه، وعادةً ما تكون الشرطة غير متعاطفة مع مصالح النساء والفتيات اللواتي يتعرضن للضرب.  
 
عدم التسامح الديني والتمييز ضد الأقليات الدينية  
بالرغم من أن الدستور المصري يضمن حقوقاً متساوية بصرف النظر عن الدين، فإن التمييز ضد المسيحيين المصريين وانعدام التسامح إزاء البهائيين وإزاء المذاهب الإسلامية غير السنية يظل مشكلةً قائمة. ويعترف القانون المصري بالتحول إلى الدين الإسلامي، لكنه لا يعترف بالتحول من الإسلام إلى أديان أخرى. ويواجه المسلمون الذين يتحولون إلى المسيحية صعوبةً في الحصول على وثائق شخصية جديدة، وقد اعتقل بعضهم بتهمة تزوير تلك الوثائق. كما أن القانون يحظر المؤسسات والنشاطات الاجتماعية البهائية.  
 
الأطراف الدولية الأساسية  
لطالما كانت الولايات المتحدة أكبر مقدِّمٍ للمساعدات العسكرية والاقتصادية لمصر. ففي عام 2005 بلغت المساعدات العسكرية 1.3 مليار دولار، والاقتصادية 535 مليون دولار. ووردت تقارير بأن مساعد وزير الخارجية روبرت زوليك قد حذر مسئولين مصريين زاروا الولايات المتحدة أوائل عام 2005 بأن 200 مليون دولار من المساعدات السنوية سوف تُجمَّد ما لم يُطلق سراح أحد قادة المعارضة وهو أيمن نور. وفي سبتمبر/أيلول، استضافت مصر مناورات النجم الساطع المشتركة التي تستمر ستة أسابيع ويشترك فيها 8,600 جندي أمريكي إضافةً إلى 8,000 جندي من عشرة بلدانٍ أخرى.  
 
وقد قال الرئيس جورج بوش في مايو/أيار 2005 أنه "يرحب" بقرار الرئيس مبارك بالسماح بانتخابات رئاسية تنافسية، وانتقد حادثة الضرب المشهورة التي تعرض لها معارضون على يد أنصار الحزب الحاكم في 25 مايو/أيار. كما ألغت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس زيارةً لمصر كانت مقررةً في شهر فبراير/شباط احتجاجاً على حبس أيمن نور. وعندما زارت القاهرة في يوليو/حزيران عبرت عن قلقها من أن "أنصار الديمقراطية المسالمين في مصر ... ليسوا بمأمنٍ من العنف. ويجب أن يأتي يومٌ يحل فيه حكم القانون محل مراسيم الطوارئ". وقد تبنى كلٌّ من بوش ورايس علناً مطلب وجود مراقبين دوليين للانتخابات، لكن الحكومة المصرية أصرت على معارضة وجودهم أثناء انتخابات سبتمبر/أيلول.  
 
كما وتبقى اتفاقية الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبي، والتي دخلت حيز التطبيق في يونيو/حزيران 2004، مشروطةٌ "باحترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية"، لكن انتهاكات مصر لحقوق الإنسان لم تؤثر على عمل هذه الاتفاقية كما يبدو. ففي أواخر عام 2005، باشرت مصر والاتحاد الأوروبي المفاوضات بشأن خطة العمل بموجب سياسة الجوار الأوروبي، لكن إحراز التقدم في هذه المفاوضات لم يكن مؤكداً حيث أفادت الأنباء أن مصر تعارض إدخال عدد من الالتزامات المتصلة بحقوق الإنسان.  
 
وفي سبتمبر/أيلول، بدأت المملكة المتحدة بهدوء مساعيها لإبعاد ثلاثة إسلاميين مصريين محاولةً الحصول على تأكيدات دبلوماسية مصرية بعدم إساءة معاملة هؤلاء الثلاثة إذا تمت إعادتهم إلى مصر، وذلك رغم فشل مساعي الحصول من القاهرة على تأكيدات من هذا النوع في عام 1999 بشأن واحد من هؤلاء الثلاثة، وهو هاني السباعي. وقد طلبت السفارة البريطانية من المجلس القومي لحقوق الإنسان، المعين من قبل الحكومة، لعب دورٍ رقابي، لكن المجلس رفض هذا الطلب. واعتباراً من شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2005، كانت هناك تقارير قابلة للتصديق تقول بأن المملكة المتحدة تسعى إلى التوصل إلى مذكرة تفاهم مع الحكومة المصرية تتضمن تعهداً بعدم تعرض الأشخاص المبعدين من المملكة المتحدة إلى التعذيب أو سوء المعاملة.  
 
وقد رفضت مصر طلب مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالتعذيب بتوجيه دعوة له إلى زيارة البلاد، وهو الطلب المقدَّم منذ عام 1996. وقد قالت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب في قرارٍ لها في مايو/أيار 2005 أن السويد قد خرقت الحظر المطلق المفروض على التعذيب من خلال ترحيل أحمد عجيزة المشتبه بأنه إرهابي إلى مصر في عام 2001، ولاحظت اللجنة أن لمصر تاريخاً مؤكداً من الانتهاكات المتعلقة بالتعذيب، وخاصةً في تعاملها مع من يشتبه بأنهم إرهابيون (لمزيدٍ من التفاصيل أنظر الفصل الخاص بالاتحاد الأوروبي).