HUMAN RIGHTS WATCH

المغرب

لا يزال سجل المغرب متناقضاً في مجال حقوق الإنسان. فقد أنجز المغرب خطوات كبيرة نحو معالجة انتهاكات الماضي وأتاح فسحةً مهمةً للمعارضة والاحتجاج العلنيين في السنوات الأخيرة، لكن السلطات تواصل، بمساعدة المحاكم المنقادة لها، استخدام التشريعات القمعية لمعاقبة الخصوم المسالمين، كما تستخدم الشرطة القوة المفرطة لتفريق المظاهرات، وخاصةً في المناطق النائية.

وقد تراجعت اعتقالات من يشتبه بأنهم من الإسلاميين المتطرفين في عامي 2004 و2005، لكن عدة مئات ممن اعتقلوا في الأسابيع التي أعقبت تفجيرات الدار البيضاء في مايو/أيار 2003 مازالوا في السجن حتى إعداد هذا التقرير في أواخر 2005. وقد تم احتجاز كثيرٍ من هؤلاء، لأيام أو أسابيع، في أماكن سرية أثناء استجوابهم، وتعرضوا إلى سوء المعاملة وإلى التعذيب أحياناً، ثم أدينوا بصلتهم بالخلايا الإرهابية عبر محاكماتٍ غير منصفة. وقد كانت التقارير بشأن سوء معاملة من اعتقلوا منذ عام 2004 أقل تواتراً.  
 
وفي 14 أبريل/نيسان 2005، أصدر الملك محمد السادس عفواً ملكياً عن 44 إسلامياً. لكن مئاتٍ غيرهم ظلوا في السجن بمن فيهم أكثر من عشرين من المحكوم عليهم بالإعدام بعد هجمات الدار البيضاء عام 2003. (لم ينفذ المغرب أية أحكام إعدام منذ عام 1993). وفي مايو/أيار قام السجناء الإسلاميون بإضرابٍ واسع عن الطعام للمطالبة بتحسين ظروف السجن وإعادة محاكمتهم أو إطلاق سراحهم. وقد أدى عفوان ملكيان صدرا في أغسطس/آب ونوفمبر/تشرين الثاني إلى إطلاق سراح 77 و164 سجيناً إسلامياً على التوالي.  
 
وأدى إصلاح قانون الأسرة، الذي دخل حيز التطبيق عام 2004، إلى رفع السن الأدنى لزواج المرأة من 15 إلى 18 عاماً، وجعل الأسرة مسؤوليةً مشتركة بين الزوجين وأبطل فرض طاعة الزوج على الزوجة، وأخضع تعدد الزوجات إلى إشرافٍ قضائيٍّ صارم. لكن مازالت ثمة مخاوف بشأن عدم تعوّد القضاء على هذا الإصلاحات وبشأن عدد من الثغرات القانونية التي تسمح للقضاة باستخدام القواعد الدينية في اتخاذ قراراتهم بشان القضايا التي لا يشملها النص القانوني.  
 
وتوجد في المغرب إحدى أعلى نسب عمالة الأطفال في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. أما نسب الالتحاق بالمدارس بين أطفال العاملين فهي من أدنى النسب خارج دول أفريقيا السوداء. ويعمل 11% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين السابعة والرابعة عشر (أي حوالي 600 ألف طفل). وفي عام 2004، رفع المغرب السن الأدنى للعمل إلى 15 عاماً، وهو السن الأدنى لمغادرة المدرسة، لكنه لم يبذل إلا جهداً قليلاً حتى الآن لتطبيق الحظر على تشغيل من لم يبلغوا السن القانونية أو لملاحقة من يسيئون إلى الأطفال العاملين.  
 
النظام القضائي والإصلاحات القانونية  
لقد حسّنت التعديلات التي أجريت على قانون المحاكمات الجنائية في أكتوبر/تشرين الأول 2003 من حقوق المتهمين. وتعزز المواد 396 – 415 من حق المتهم بالاستئناف، وقد كانت وراء قيام محاكم الاستئناف في عام 2005 بتخفيف الأحكام الصادرة بحق كثيرٍ من المتهمين المدانين بموجب قانون مكافحة الإرهاب.  
 
لكن المحاكم تواصل إنكار حق المتهمين في المحاكمة المنصفة في الدعاوى ذات الصبغة السياسية، كما تتجاهل مطالبة المتهمين الذين يدّعون التعرض إلى التعذيب بإجراء الكشف الطبي عليهم، وترفض استدعاء شهود النفي، وتصدر أحكامها على المتهمين بالاستناد فقط إلى اعترافات من الواضح أنها انتزعت قسراً. أما الملاحقة القضائية لموظفي الدولة جراء إساءتهم إلى الأفراد المحتجزين لديهم فهي أمرٌ نادر.  
 
وتكشف محاكمة الصحفي علي المرابط عام 2005 عن انعدام استقلال القضاء. فقد قامت جمعيةٌ ليست معروفة حتى الآن بمقاضاة هذا الصحفي المعروف بتهمة القذف لأنه استخدم مصطلح "لاجئين" بدلاً من مصطلح "أسرى" للإشارة إلى الصحراويين الذين يعيشون في مخيمات تندوف بالجزائر بدلاً من مصطلح "الأسرى" لدى منظمة البوليساريو (التي تعمل لاستقلال الصحراء الغربية) الذي تفضل السلطات استخدامه في الإشارة إليهم. وفي 12 أبريل/نيسان 2005، وجدت محكمةٌ في الرباط أن أقواله تحمل صفة القذف إلى درجة تسمح بتغريمه ومنعه من الكتابة الصحفية لعشر سنوات.  
 
حرية الاجتماع والتنظيم  
إن حرية التنظيم التي يكفلها الدستور مقيدة في الممارسة العملية. فطبقاً لمرسومٍ صدر عام 2003، ليس على مؤسسي أية جمعية إلا إشعار السلطات بإنشائها. لكن السلطات تعرقل هذه العملية أحياناً بأن ترفض إصدار ما يؤكد بأنها قد تلقت الإشعار.  
 
وتحتاج معظم أنواع الاجتماعات العامة إلى موافقة وزارة الداخلية التي يمكنها أن ترفض الموافقة إذا رأت أن الاجتماع "مخلٌّ بالنظام العام". ويكثر اتخاذ هذا القرار عندما يتضمن برنامج المجتمعين انتقاداً لسياسات الحكومة. وغالباً ما تجري الاحتجاجات العامة في العاصمة الرباط حيث لا تعترضها السلطات عادةً. لكن الشرطة المسلحة بالهراوات تقوم بتفريقها بعنفٍ ووحشية أحياناً.  
 
أما قمع المتظاهرين في المناطق البعيدة فيجري بعنفٍ أكبر. ففي 11 مايو/أيار، اعتقلت الحكومة ثلاثةً من منظمي إحدى المسيرات في منطقة الريف كانت تطالب بالإغاثة من آثار الزلزال، وذلك بتهمة "إهانة الموظفين الحكوميين والمسؤولين المنتَخبين" و"تشجيع الناس على العصيان". وبعد ثمانية أيام، عندما تظاهر آلاف السكان المحليين احتجاجاً على اعتقالهم استخدمت قوات الأمن المعززة بالطائرات العمودية القوة والغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين. كما جرى اعتقال 35 شخصاً وصدرت أحكامٌ على تسعةٍ منهم بالحبس من ستة أشهر إلى تسعة. وفي نوفمبر/تشرين الثاني، أطلق سراح من لم تنتهِ أحكامهم بموجب عفوٍ ملكي.  
 
وفي الصحراء الغربية تواصل السلطات ملاحقة دعاة الاستقلال ولا تتردد في إخماد الاحتجاجات. وفي أواخر مايو/أيار وأوائل يونيو/حزيران، انفجرت المظاهرات المنادية بالاستقلال في مدينة العيون ثم انتشرت إلى المدن الأخرى. وفي بعض الحالات، ألقى المتظاهرون بالحجارة وزجاجات المولوتوف على الشرطة. وقالت منظمة العفو الدولية أنها تلقت "تقارير متطابقة" عن استخدام قوات الأمن "القوة المفرطة عند تفريق المتظاهرين وتنفيذ الاعتقالات". كما أفادت منظمة العفو الدولية أن ضباط الأمن كانوا في بعض الحالات يضربون "المتظاهرين في مكان المظاهرة ’لمعاقبتهم‘ على معتقداتهم السياسية". وقد اعتقلت السلطات أكثر من 100 شخص، وحُكم على 21 منهم بالسجن لمدد تصل إلى ستة أعوام، وذلك بتهمٍ منها "المشاركة في عصابة إجرامية" و"استخدام الأسلحة" و"تخريب الممتلكات العامة" و"ممارسة العنف بحق موظفي الدولة أثناء قيامهم بمهامهم".  
 
حرية الصحافة  
غالباً ما يكون انتقاد الصحافة للسلطات صريحاً، لكنه مقيدٌ بقانون الصحافة الذي يفرض أحكاماً بالحبس على القذف أو على التعابير المنتقدة "للإسلام أو لمؤسسة الملكية أو لوحدة التراب الوطني" المغرب (وهي عبارةٌ يُفهم منها الإشارة إلى سيادة المغرب المتنازع في الصحراء الغربية).  
 
وفي 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2004، أقر البرلمان قانوناً بتحرير البث الإذاعي والتلفزيوني. لكن القانون يفرض على وسائل الإعلام الأجنبية الحصول على ترخيص لإقامة محطاتها في المغرب من أجل "الاحترام الدقيق لقيم الملكية وتراثها فيما يخص الإسلام ووحدة التراب الوطني".  
 
وطبقاً لمنظمة مراسلين بلا حدود، فقد تم الاعتداء على عشرة صحفيين على الأقل، أو جرى اعتقالهم أو إبعادهم، أثناء محاولتهم تغطية التوترات في الصحراء الغربية في الفترة الواقعة بين أبريل/نيسان ويونيو/حزيران 2005. ولم تكن تلك المرة الأولى التي يسيء فيه المغرب معاملة الصحفيين في محاولة للسيطرة على التغطية الإخبارية لتلك المنطقة.  
 
وفي 28 يونيو/حزيران 2005، مثلت ناديا ياسين من الحركة الإسلامية للعدل والإحسان أمام المحكمة للرد على اتهامها "بمهاجمة مؤسسة الملكية" بعد أن نقلت عنها صحيفة الأسبوعية الجديدة قولها أن الملكية لا تناسب المغرب وأنها على وشك السقوط.  
 
وفي 15 أغسطس/آب، حكمت محكمةٌ في الدار البيضاء على أحمد رضا بن شمسي وكريم البخاري من أسبوعية TelQuel بالحبس مع وقف التنفيذ وبغرامةٍ ماليةٍ كبيرة بتهمة القذف بحق إحدى البرلمانيات عندما انتقدا سيرتها المهنية. كما أدين علي المرابط بجرم القذف في عام 2005، كما ورد أعلاه.  
 
الاعتراف بانتهاكات الماضي  
في عام 2005، واصلت هيئة الإنصاف والمصالحة، التي أطلقها الملك عام 2004، بحثها في الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان والمرتكبة بين عامي 1956 و1999 مثيرةً نقاشاتٍ تخرق المحرمات بشأن القمع الذي مورس في الماضي. وبين ديسمبر/كانون الأول 2004 ومايو/أيار 2005، استمعت الهيئة إلى شهادات حوالي 20 ألف من الضحايا وورثتهم، كما نظمت سبع جلسات استماع علنية للضحايا (جرى بعضها أمام عدسات التلفزيون). ومن المقرر أن تنجز الهيئة بنهاية عام 2005 تقريرها الذي يوثق تاريخ القمع في المغرب ويحدد مقدار التعويض الذي يجب أن تدفعه الدولة للضحايا.  
 
ويشير منتقدو الهيئة إلى أنها لا تستطيع تسمية المرتكبين علناً أو معاقبتهم، الأمر الذي يضعف مساهمتها في إنهاء حالة الإفلات من العقاب. ولا يزال عددٌ ممن يشتبه بارتكابهم انتهاكاتٍ خطيرة أثناء الفترة التي تجري دراستها يحتلون مناصب عالية أو يشغلون مقاعد برلمانية.  
 
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2005، أعلنت هيئة الإنصاف والمصالحة عثورها على جثث 50 من السجناء "المختفين" قرب أحد السجون السرية السابقة، وكان ذلك أول إعلانٍ يتناول مساعي الهيئة لتحديد مكان مئات المغاربة الذين "اختفوا" بين ستينات وثمانينات القرن الماضي بعد أن اعتقلتهم قوات الأمن.  
 
المدافعون عن حقوق الإنسان  
تتسامح الحكومة إلى حدٍّ كبير مع عمل كثير من منظمات حقوق الإنسان الناشطة في الرباط والدار البيضاء. لكن مضايقة نشطاء حقوق الإنسان أكثر شيوعاً في المناطق النائية والمدن الصغيرة. ففي شهري يونيو/حزيران ويوليو/تموز، اعتقلت الشرطة ستةً من المدافعين الصحراويين عن حقوق الإنسان واتهمتهم بالتحريض على الاضطرابات العنيفة في مدينة العيون. وطبقاً للجمعية المغربية لحقوق الإنسان ولمنظمة العفو الدولية، فقد عُذب اثنان منهم أثناء الاستجواب وهما حسين ليدري وإبراهيم نومريا، وهما ينتميان إلى الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، فرع العيون.  
 
الأطراف الدولية الأساسية  
يعتبر المغرب أحد الحلفاء الأساسيين للولايات المتحدة الأمريكية بسبب تعاونه معها في مكافحة الإرهاب، وبسبب توقيعه اتفاقية التجارة الحرة معها عام 2004، وبسبب سياساته الموالية للغرب عموماً. وفي يونيو/حزيران 2004، منحت الولايات المتحدة المغرب صفة "حليف رئيسي خارج الناتو" مما يخفف القيود على مبيعات الأسلحة.  
 
وفي "تقارير البلدان بشأن ممارسات حقوق الإنسان" لعام 2004، أشارت وزارة الخارجية الأمريكية إلى الادعاءات المتعلقة بتعذيب المعتقلين على خلفية الاشتباه بأنهم متطرفون وإساءة معاملتهم. لكن ذلك لم يمنع الولايات المتحدة من إبعاد خمسةٍ منهم كانوا معتقلين في مركز الاحتجاز في خليج غوانتانامو إلى المغرب في أغسطس/آب 2004.  
 
وقد كتبت السفارة الأمريكية إلى منظمة هيومن رايتس ووتش في سبتمبر/أيلول 2005 قائلةً: "تقضي سياسة الولايات المتحدة بالحصول على تأكيدات من الدول المعنية بشأن معاملة المبعدين، وذلك قبل إبعادهم. وقد اتبعت الولايات المتحدة الإجراءات القانونية بشأن المبعدين الخمسة، وهي غير قلقةٍ من إلحاق أي سوء معاملة بهم، كما أنها لم تتلقَّ أية اتهاماتٍ بحدوث ذلك". لكن المسؤولين الأمريكيين اعترفوا بأنهم لم يتحدثوا مع أيٍّ من هؤلاء الخمسة منذ إطلاق سراحهم في المغرب. وقالوا بأنهم تتبعوا حالاتهم عبر طرفٍ ثالث. ومن غير الواضح ما إذا كانت السلطات الأمريكية قد أخذت باعتبارها إمكانية أن يكون الخوف من الانتقام قد منع المحتجزين من قول الحقيقة.  
 
إن اتفاقية الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي نافذةٌ منذ عام 2000. والمغرب أكبر المستفيدين من تمويل برنامج ميدا الخاص بالاتحاد الأوروبي، فقد تلقى 1.25 مليار يورو على شكل هبات خلال العقد الماضي. وتصل موازنة البرنامج للفترة 2005 – 2006 إلى 275 مليون يورو. أما ملاحظات الاتحاد الأوروبي العلنية بشأن حالة حقوق الإنسان في المغرب فهي نادرة.  
 
إن فرنسا هي الشريك التجاري الأول للمغرب، وهي أكبر مصدرٍ للاستثمارات وللمساعدات التنموية العامة. ولم يصرح المسئولون الفرنسيون بأية ملاحظاتٍ علنية على سجلّ حقوق الإنسان في المغرب خلال عام 2005.