HUMAN RIGHTS WATCH

لبنان

أحداث 2006

توقفت الخطوات المترددة التي اتخذها لبنان باتجاه الإصلاح والاستقرار في أعقاب اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري وما أعقبه من انسحاب القوات السورية، وذلك إثر اندلاع الحرب بين حزب الله وإسرائيل، في 12 يوليو/تموز 2006. وأدى النزاع، الذي دام 34 يوماً، إلى إلحاق الدمار بالبلاد فضلاً عن مصرع نحو ألف مدني.  

واستمر تحقيق الأمم المتحدة في حادث اغتيال الحريري و14 حالة أخرى من حالات الاغتيال، مع احتمال أن تشكل الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة محكمة دولية لمحاكمة المسؤولين عن هذه الحوادث. ومع ذلك، ظلت المحاسبة أمراً بعيد المنال بالنسبة لعائلات ما يقرب من 17 ألف شخص "اختفوا" خلال الحرب الأهلية الدامية في لبنان وبعدها (1975-1990).  
 
وما برح اللاجئون الفلسطينيون المقيمون في لبنان يواجهون التمييز، إذ تحرمهم القوانين اللبنانية من الحصول على السكن الملائم والعمل في العديد من الوظائف. أما العراقيون الذين فروا إلى لبنان هرباً من بلدهم الذي مزقته الحرب فيجدون أنفسهم عرضةً لخطر الترحيل. وبالرغم من نضال مؤسسات المجتمع المدني، فما زال القانون اللبناني يتسم بالتمييز ضد المرأة في جوانب شتى، من بينها حرمان المرأة من منح جنسيتها لأطفالها أو لزوجها. ولا تزال العاملات المهاجرات اللائي يعملن خادمات في المنازل عرضةً للإيذاء على وجه الخصوص، إذ يقدم المخدومون على انتهاك حقوقهن الأساسية بصفة منتظمة، دون أن تتوفر لهن فرصة تُذكر للإنصاف القانوني. وتمارس جماعات حقوق الإنسان نشاطها بحرية في لبنان، إلا إن بعض المدافعين عن حقوق الإنسان تعرضوا للمضايقة في عام 2006.  
 
الحرب بين حزب الله وإسرائيل  
تفيد تقديرات الحكومة اللبنانية بأن الحرب بين إسرائيل وحزب الله أسفرت عن مقتل 1189 شخصاً (أغلبهم من المدنيين)، وإصابة 4399 شخصاً، بالإضافة إلى نزوح ما يقرب من مليون شخص. وكان ثلث القتلى والمصابين تقريباً من الأطفال. كما ألحقت الهجمات الإسرائيلية أضراراً واسعة النطاق بالبنية الأساسية والبيئة الطبيعية، وأدت إلى تدمير ما لا يقل عن 15 ألف منزل. وواجه العائدون إلى المناطق التي نزحوا منها نقصاً في المياه والكهرباء، بالإضافة إلى انخفاض سبل الحصول على الرعاية الطبية وغيرها من الخدمات العامة. وأدى الدمار إلى إلحاق أضرار بجميع قطاعات الاقتصاد في البلاد تقريباً، مما أثر بشكل مباشر على أرزاق مئات الألوف من اللبنانيين. وذكرت منظمة أوكسفام أن زهاء 85 بالمئة من المزارعين اللبنانيين فقدوا بعضاً من محاصيلهم أو جميعها.  
 
وفي سياق عملياته العسكرية، انتهك الجيش الإسرائيلي قوانين الحرب مراراً من خلال عدم التمييز بين المقاتلين والمدنيين. ويزعم الجيش الإسرائيلي أن ارتفاع نسبة الوفيات بين المدنيين خلال الحرب ترجع إلى قيام حزب الله بإخفاء صواريخه ومقاتليه في القرى والبلدات، غير أن هجمات الجيش الإسرائيلي التي تسببت في أغلب الوفيات بين المدنيين وقعت أحياناً في أماكن لم تكن هناك أدلة على وجود مقاتلي أو أسلحة حزب الله حتى على مقربة منها. وقد وجهت قوات الجيش الإسرائيلي في بعض الحالات تحذيرات مسبقة للمدنيين تطالبهم بالجلاء عن المناطق التي يُرجح أن تتعرض للهجوم، إلا إن مثل هذه التحذيرات لا تعفي أي طرف محارب من واجبه في قصر هجماته على المحاربين. وفي جنوب لبنان ظل كثير من الناس في أماكنهم برغم التحذيرات، وذلك بسبب السن أو العجز أو المسؤولية عن قطعان الماشية والمحاصيل، أو عدم القدرة على تحمل الأجرة الباهظة التي يطلبها أصحاب سيارات الأجرة للجلاء عن ديارهم، أو الخوف من أن يتحولوا إلى ضحايا آخرين لقصف الطرق على أيدي قوات الدفاع الإسرائيلية. ونتيجة لذلك كان لعمليات القصف دون تمييز التي شنها الجيش الإسرائيلي نتائج مدمرة بالنسبة للمدنيين.  
 
وما برح استخدام إسرائيل المكثف للذخائر العنقودية من بواعث القلق الملحَّة أيضاً. وتفيد تقديرات الأمم المتحدة بأن إسرائيل أطلقت ذخائر عنقودية تحوي ما بين 2.6 و4 ملايين قنبلة صغيرة على لبنان، مخلفةً ما يقرب من مليون قنبلة لم تنفجر ومن ثم فهي تمثل خطراً داهماً، إذ أدت حتى كتابة هذا التقرير إلى سقوط ما يربو على 20 قتيلاً و100 جريح، كثير منهم إصابتهم خطيرة. كما تفيد تقديرات الأمم المتحدة بأن إسرائيل نشرت 90 بالمئة من هذه القنابل الصغيرة في عمليات قصف عمَّت جانباً كبيراً من جنوب لبنان في الأيام الثلاثة الأخيرة التي سبقت وقف إطلاق النار.  
 
ومن جانبه، أطلق حزب الله آلاف الصواريخ على المدن والبلدات والقرى في شمال إسرائيل، مستخدماً أنواعاً مختلفة من صواريخ أرض أرض غير الموجهة. وقتلت هذه الصواريخ 39 مدنياً إسرائيلياً وجرحت مئات آخرين. وعبأ حزب الله بعض هذه الصواريخ بما يزيد على أربعة آلاف من كرات الصلب المضادة للأفراد التي تنطلق متناثرة عند الارتطام. وتسببت هذه الكرات في كثير من حالات الوفاة والإصابة التي وقعت بين المدنيين. كما أطلق حزب الله صواريخ عنقودية صينية الصنع يحوي كل منها 39 من الذخائر المتفجرة، إضافة إلى كرات الصلب المهلكة. وسقط ما لا يقل عن 113 من مثل هذه الصواريخ العنقودية على إسرائيل وتسببت في سقوط قتيل واحد و12 جريحاً، حسبما أفادت الشرطة الإسرائيلية. وألحقت الصواريخ أيضاً أضراراً بمنازل المدنيين، وأعمالهم، والبيئة الطبيعية، والاقتصاد. ووجَّه حزب الله بعض صواريخه، على ما يبدو، نحو أهداف عسكرية، وأصاب تلك الأهداف في بعض الأحيان، إلا إن كثيراً من صواريخه سقط على مناطق مدنية بعيدة عن أي هدف عسكري ظاهر. وتُعَدُ مثل هذه الهجمات انتهاكاً لقوانين الحرب، إذ تمثل في أحسن الأحوال هجمات دون تمييز على مناطق مدنية، وفي أسوأها هجمات متعمدةً على المدنيين.  
 
التحقيق في مقتل رفيق الحريري  
واصلت لجنة التحقيق الدولية المستقلة، التي عينتها الأمم المتحدة، تحقيقها في مقتل رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري. وفي يونيو/حزيران، اعتمد مجلس الأمن الدولي القرار رقم 1686، الذي وسع صلاحيات اللجنة لتشمل مساعدة السلطات اللبنانية في التحقيقات الخاصة بعمليات الاغتيال الأخرى ذات الدوافع السياسية، ومحاولات الاغتيال والتفجيرات التي وقعت منذ أكتوبر/تشرين الأول 2004.  
 
وحقق المسؤولون اللبنانيون ومسؤولو الأمم المتحدة تقدماً نحو إنشاء محكمة لمحاكمة المسؤولين عن قتل الحريري، ولكن لم يكن قد تم التوصل إلى اتفاق نهائي وقت كتابة هذا التقرير. وظل رهن الاحتجاز أربعة من القادة السابقين في المخابرات وأجهزة الأمن اللبنانية، إثر القبض عليهم في 30 أغسطس/آب 2005، وهم: اللواء علي الحاج، والعميد ريمون عازار، واللواء الركن جميل السيد، والعميد الركن مصطفى حمدان.  
 
حالات "الاختفاء"  
لم يشهد عام 2006 أي تقدم في كشف النقاب عن مصير اللبنانيين والفلسطينيين وأبناء الجنسيات الأخرى الذين "اختفوا" أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، التي دامت من عام 1975 إلى عام 1990، وبعدها. وتشير تقديرات الحكومة اللبنانية إلى وجود 17.415 حالة من حالات "الاختفاء" هذه، إلا إنه لم يكن قد تم البدء في إجراء أية تحقيقات جنائية أو محاكمات بهذا الصدد حتى كتابة هذا التقرير. ومنذ إبريل/نيسان 2005، دأب أهالي وأصدقاء "المختفين" على تنظيم اعتصامات أمام مكتب الأمم المتحدة في بيروت مطالبين بالحصول على معلومات عن مصير الأشخاص الذين لا يُعرف مصيرهم حتى الآن.  
 
وأفادت بعض الجماعات اللبنانية المعنية بحقوق الإنسان بأن سوريا احتجزت في السجون السورية ما لا يقل عن 640 من ضحايا حالات الاختفاء القسري. إلا إن اللجنة السورية اللبنانية المشتركة، وهي لجنة رسمية تشكلت في مايو/أيار 2005 للتحقيق في تلك الحالات، لم تكن قد نشرت أية نتائج حتى وقت كتابة هذا التقرير.  
 
اللاجئون  
يشكل الفلسطينيون أكبر مجموعة من اللاجئين في لبنان، إذ يوجد قرابة 400 ألف فلسطيني مسجلين لدى وكالة الإغاثة والتشغيل التابعة للأمم المتحدة (أونروا). ويواجه هؤلاء اللاجئون قيوداً واسعة النطاق فيما يتعلق بالسكن والعمل، كما أن ظروفهم المعيشية سيئة. وفي يونيو/حزيران 2005، بدأت الحكومة اللبنانية تسمح للاجئين الفلسطينيين المولودين في لبنان بالعمل في بعض الوظائف اليدوية والمكتبية، إلا إن الحظر المفروض على عملهم في الوظائف المهنية ظل قائماً. ويُعد اللاجئون الفلسطينيون غير المسجلين في لبنان، والذين يتراوح عددهم بين ثلاثة آلاف وخمسة آلاف شخص، أكثر عرضة لهذه المشكلات على وجه الخصوص، إذ لا يمتلكون وثائق هوية صالحة ولا يتلقون أية مساعدات من وكالة الإغاثة والتشغيل أو من الحكومة اللبنانية.  
 
ويعيش في لبنان حالياً نحو 20 ألف عراقي. ولا تقدم السلطات اللبنانية لهم أية خدمات، ولا توجد أية إجراءات لتنظيم وضعهم. ولم ينشئ لبنان حتى الآن نظاماً للحماية المؤقتة بالنسبة لطالبي اللجوء من العراقيين، حسبما طالبت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، بينما تقوم السلطات بصفة منتظمة بترحيل عراقيين قد تكون لديهم ادعاءات وجيهة بخصوص تعرضهم للاضطهاد.  
 
المدافعون عن حقوق الإنسان  
تمارس جماعات حقوق الإنسان نشاطها بحرية في لبنان، إلا إن بعض المدافعين عن حقوق الإنسان والجماعات المعنية بحقوق الإنسان تعرضت لمضايقات من السلطات اللبنانية خلال عام 2006. وفي إبريل/نيسان، قضت محكمة عسكرية أخيراً بإسقاط جميع التهم الموجهة إلى المحامي وداعية حقوق الإنسان د. محمد المغربي. وكان الادعاء العسكري قد وجه إلى د. محمد المغربي تهمة "إهانة المؤسسة العسكرية وضباطها"، بعدما ألقى كلمة في نوفمبر/تشرين الثاني 2003 انتقد فيها لجوء الحكومة اللبنانية إلى استخدام المحاكم العسكرية لمحاكمة مدنيين بسبب معارضتهم. ووقت كتابة هذا التقرير، كانت سميرة طراد، التي تشرف على مركز الحدود الذي يسعى إلى تعزيز حقوق اللاجئين، لا تزال تواجه تهمة القذف والتشهير، وهي تهمة تفتقر إلى تعريف محدد وتعود إلى عام 2003، وتتصل على ما يبدو بنشاطها لصالح اللاجئين.  
 
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2006، تعرض مقر المنظمة المعروفة باسم دعم اللبنانيين المعتقلين اعتباطياً (سوليدا)، والتي تسعى للتصدي لممارسة التعذيب، لمداهمة سُرق خلالها القرص الصلب لأحد أجهزة الحاسوب وبعض ملفات العمل. ووقعت عملية السطو في الليلة السابقة على صدور تقرير سوليدا الذي يوثِّق حالات التعذيب في مركز الاحتجاز التابع لوزارة الدفاع. ولا تزال الشرطة اللبنانية تحقق في واقعة السطو.  
 
التمييز ضد المرأة  
بالرغم من مشاركة المرأة بشكل نشيط في جميع مجالات المجتمع اللبناني، فلا تزال هناك بنود تنطوي على التمييز في قوانين الأحوال الشخصية وقوانين الجنسية والقوانين الجنائية المتعلقة بالعنف في محيط الأسرة. ولا يجيز القانون اللبناني حالياً أن تمنح المرأة اللبنانية جنسيتها لزوجها أو أطفالها.  
 
وتتعرض النساء المهاجرات اللاتي يعملن خادمات في المنازل للاستغلال والإيذاء على أيدي المخدومين، بما في ذلك طول ساعات العمل بشكل مفرط وعدم دفع الأجور. ويشير بعض الصحفيين والنشطاء الاجتماعيين إلى أن كثيراً من النساء المهاجرات يعانين من الإيذاء البدني والجنسي على أيدي المخدومين. وقد ذكرت مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالاتجار في الأشخاص، في تقريرها في فبراير/شباط 2006، أن لبنان يُعد معبراً ومقصداً لأعداد كبيرة من الخادمات المهاجرات، وأن عدداً كبيراً منهن يُبعن لاستخدامهن في ظروف عمل تنطوي على الاستغلال.  
 
الأطراف الدولية الرئيسية  
لا يزال مجلس الأمن الدولي يشارك بنشاط في الشؤون اللبنانية. وأدى صدور القرار رقم 1701، في أغسطس/آب 2006، إلى تمهيد الطريق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله وتوسيع قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) في جنوب لبنان. وقد نُشر آلاف من مراقبي حفظ السلام التابعين للأمم المتحدة لمراقبة حدود لبنان الجنوبية ومياهه الإقليمية. وفي الوقت نفسه، واصل مجلس الأمن متابعته لتنفيذ القرار 1559، الذي دعا إلى عدة إجراءات من بينها بسط سيطرة الحكومة اللبنانية على جميع الأراضي اللبنانية، كما واصل متابعة التقدم في التحقيق الدولي بخصوص اغتيال رفيق الحريري.  
 
وظلت فرنسا والولايات المتحدة تحتفظان بدور قوي في لبنان، إذ ترسل الدولتان مسؤولين على مستوى عال لزيارة البلاد بصفة منتظمة. وكانت فرنسا سباقة إلى قيادة قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان بعد توسيعها، كما ظلت أحد الأطراف الرئيسية في قرارات مجلس الأمن بشأن لبنان. وأصبح دور الولايات المتحدة في لبنان أكثر مدعاة للجدل نتيجة الحرب بين حزب الله وإسرائيل، إذ رفضت الحكومة الأمريكية الجهود التي كانت ترمي إلى التوصل إلى وقف إطلاق النار في مرحلة مبكرة خلال الحرب، وكانت قطاعات واسعة من السكان اللبنانيين تعتبر الولايات المتحدة طرفاً في الحرب بسبب دعمها العسكري لإسرائيل.  
 
وبالرغم من انسحاب القوات السورية من لبنان في إبريل/نيسان 2005، فما برحت العلاقات اللبنانية السورية تتسم بالتوتر والتعقيد. ومن بين القضايا الخلافية بين الطرفين رفض سوريا المستمر إقامة علاقات دبلوماسية مع لبنان، وتأثيرها المتواصل على الشؤون اللبنانية. وخلال الحرب بين حزب الله وإسرائيل، استضافت سوريا بترحاب ما يزيد عن 140 ألف لبناني فروا من المناطق التي تعرضت لهجمات.  
 
كما ظلت إيران تلعب دوراً مهماً في لبنان، باعتبارها الحليف الأجنبي الرئيسي لحزب الله، ويرى الكثيرون أنها عنصر أساسي لأي حل بعيد المدى للنزاع بين حزب الله وإسرائيل.