HUMAN RIGHTS WATCH

السعودية: رغم القيود المفروضة.. الزيارة تكشف عن إساءات

هيومن رايتس ووتش تكشف انتهاكات بحق النساء والأطفال والأجانب

(نيويورك، 16 فبراير/شباط 2007) ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم أن الحكومة السعودية أبدت استعداد جديد لمناقشة حقوق الإنسان في البلاد من خلال دعوة هيومن رايتس ووتش لزيارة المملكة، إلا أن السلطات عمدت أيضاً إلى منع الوصول إلى المحاكمات وأماكن الاحتجاز.  

وخلال بعثة تقصي حقائق أوفدتها هيومن رايتس ووتش إلى السعودية في مهمة استمرت أربعة أسابيع من شهر ديسمبر/كانون الأول، ركز الباحثون على سلسلة من قضايا حقوق الإنسان من بينها المحاكمات غير المنصفة، واحتجاز الأطفال، والقيود المفروضة على الشخصية القانونية للمرأة، والإساءات بحق خادمات المنازل الوافدات.  
 
وقد رتبت هيئة حقوق الإنسان السعودية التابعة للحكومة لقاءات للبعثة مع مجموعة كبيرة من كبار المسئولين، كان من بينهم مساعد وزير الداخلية ووزير الشؤون الخارجية ورئيس مجلس القضاء الأعلى، ورئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذلك وزراء العمل والتربية والتعليم والشؤون الاجتماعية. وأبدت عدة وزارات رغبتها في دعوة هيومن رايتس ووتش إلى السعودية مرة ثانية لمناقشة نتائج البعثة بالتفصيل.  
 
ووضعت السلطات السعودية باحثي هيومن رايتس ووتش تحت المراقبة على مدار الساعة؛ على أن أحداً لم يقم بمرافقة الباحثين أثناء تجوالهم بحرية في أنحاء الرياض أو جدة أو نجران أو المنطقة الشرقية. وفضلاً عن اجتماعهم بالمسئولين السعوديين، التقى الباحثون أكثر من 300 شخص بغية جمع المعلومات حول انتهاكات حقوق الإنسان. وعبّر عدد كبير ممن تمت مقابلتهم عن خشيتهم انتقام الحكومة.  
 
وقالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "تعكس دعوة الحكومة السعودية لـ هيومن رايتس ووتش انفتاح جديد في مناقشة قضايا حقوق الإنسان المحلية"، وتابعت تقول: "بتقييدها قدرة هيومن رايتس ووتش على الوصول إلى السجون، ورفضها منح موافقة عامة على مراقبة المحاكمات؛ فقد ظهرت الحكومة السعودية بمظهر من ما زال يخفي الكثير".  
 
ولم تبدأ الحكومة بعد في تطبيق قوانين أقرتها في الفترة من 2000 إلى 2002 لحماية حقوق المتهمين الجنائيين، فهي على سبيل المثال ما زالت لا تقوم بإبلاغ هؤلاء المتهمين بحقهم في توكيل محامٍ، ويعاني المحامون صعوباتٍ في الحصول على الوثائق الحكومية اللازمة لإعداد دفوعهم، رغم أن القانون السعودي ينص على أن "على الدوائر الرسمية ... أن تمكّن [المحامين] من الاطلاع على الأوراق وحضور التحقيق".  
 
وما زالت المحاكم السعودية والإجراءات القضائية مغلقة في وجه الجمهور إلى حد كبير؛ إذ رفض القضاة في جدة ونجران السماح بحضور باحث من هيومن رايتس ووتش جلسات محاكمات جزائية، ضاربين عرض الحائط بالمادة 155 من نظام الإجراءات الجزائية السعودي لعام 2002 التي تنص على أن تكون "جلسات المحاكم علنية"، وكثيراً ما يزعم متهمون سابقون أن قضاة المحاكم الجنائية يصدرون قرارات الإدانة استناداً إلى أدلة أو شهادات واهية. وهم لا يصدرون صكاً شرعياً مكتوباً أحياناً، كما جرى في المحاكمات السياسية المتعلقة بانتفاضةٍ مزعومة في نجران عام 2000.  
 
وخلال زيارة هيومن رايتس ووتش لسجن الحائر جنوب الرياض كشف بعض السجناء عن أنهم تعرضوا إلى إساءات جسدية، وأنهم ظلوا رهن الاحتجاز لفترة تجاوزت فترة العقوبة المقررة، وهذا في حالة السجناء الأجانب خاصةً؛ كما مروا بحالات تأخير مطول لا تفسير له قبل المحاكمة أو أثناءها، وكشفت السفارات الأجنبية عن حالات تأخير استمرت عدة أسابيع أو أشهر قبل إبلاغها باعتقال مواطنيها، وتحتجز المباحث العامة آلاف الموقوفين الأمنيين لمدة تستمر شهوراً أو سنوات من غير محاكمة أو توجيه اتهام، ومن غير الاتصال بمحاميهم؛ ومن المحتجزين أشخاص يشتبه في صلتهم بالتمرد في العراق، إضافة إلى المعارضين السياسيين. وتنص المادة 114 من نظام الإجراءات الجزائية على "إحالة [المتهم] إلى المحكمة المختصة, أو الإفراج عنه"، وذلك بعد ستة أشهر من القبض عليه.  
 
وخلال مقابلات مع زهاء 100 امرأة سعودية من الأكاديميات والمربيات والطبيبات والممرضات، وثّقت هيومن رايتس ووتش كيف تؤدي ولاية الأمر التي يمارسها الرجال على النساء الراشدات إلى حرمانهن من العمل والتعليم والصحة وحرية التنقل. وغالباً ما توجب السياسات الحكومية صراحةً موافقة ولي الأمر على جملة من النشاطات اليومية. وهذا النظام القائم على فكرة نقص الأهلية القانونية للمرأة في اتخاذ قرارات بنفسها، أو انعدامها، تُلحق الضرر بجميع السعوديات على اختلاف انتماءاتهن الاجتماعية والاقتصادية. وفي حين يجري تفسير الولاية على أنها حمايةٌ للمرأة؛ فهي تعجز عن حماية بعض من أهم حقوقها الأساسية.  
 
ويواجه العمال الأجانب في السعودية شروطاً قانونية صعبة؛ فهم لا يحصلون على تأشيرات الدخول إلا عن طريق أرباب عمل سعوديين لهم القدرة على ترحيلهم في أي وقت، أو على منعهم من العودة إلى بلدانهم عن طريق حجز جوازات سفرهم ورفض التوقيع على تأشيرات الخروج من البلاد. وتتعرض خادمات المنازل الوافدات خاصةً إلى خطر انتهاك حقوقهن؛ فهن مستبعدات من دائرة حماية قانون العمل ومن التماس الإنصاف عبر محاكم العمل؛ ويفرض كثيرٌ من أرباب العمل قيوداً صارمةً على اتصالاتهنّ. وتقول وزارة العمل إنها بصدد وضع أحكام إضافية تشمل الخدم المنزليين.  
 
وتعد الإساءة إلى العمال متفشية في المملكة العربية السعودية، ومن أشكالها عدم دفع الأجور لأشهر أو سنوات، وطول ساعات العمل من غير استراحة أسبوعية، وكذلك اقتصار حركة العامل على نطاق مكان العمل. وقد وثقت هيومن رايتس ووتش أيضاً عدداً من حالات الإساءة الجسدية، والإساءات الجنسية، والعمل القسري، والاتجار بالبشر. وليس لدى العمال الوافدين إلا أقل القدرة على التفاوض في محاكم العمل بسبب قلة مواردهم المالية، وضعف الخبرة في المعارك القانونية المطولة؛ على أن الشرطة ووزارة الشؤون الاجتماعية يساعدان خادمات المنازل أحياناً في تحصيل أجورهن.  
 
وتعمد الشرطة السعودية إلى احتجاز أطفال المشتبه فيهم بشكل متكرر، حتى في الجنح البسيطة، ومن بينها الاتهام الغامض بمخالفة "قواعد الأخلاق". وقد يتم الزج بهؤلاء الأطفال في الحجز الانفرادي وفرض عقوبات جسدية بحقهم. ويتعرض الأطفال المحتجزون إلى خطر الإساءة من جانب النزلاء الآخرين في إصلاحيات الأحداث بالرياض؛ لأن المسئولين لا يولون اهتماماً كافياً لتصنيف الأطفال وفصلهم عن بعضهم البعض ومراقبتهم، وخاصةً في المهاجع الضخمة التي تخضع لرقابة ضعيفة. ومع كون القاصرين لا يمثلون أمام محاكم الراشدين، فمن الممكن أن يواجهوا نفس الأحكام التي يواجهها هؤلاء؛ إذا وجد القاضي أنهم يعتبرون من "البالغين"، وقد صدرت أحكام إعدام بحق بعض الأطفال، ومنهم من لم يتجاوز 13 عاماً.  
 
وتشهد فرص النقاش العلني لقضايا حقوق الإنسان في السعودية تحسناً تدريجياً، رغم بقاء هذا النقاش خاضعاً لرقابة محكمة؛ ففي عام 2004، أوعزت الحكومة بتشكيل الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، وهي تهتم أساساً بالإساءات الأسرية، والإيدز، وبدائل عقوبة الحبس. وفي وقت سابق من هذا العام، علقت الجمعية للمرة الأولى على بعض القضايا الحساسة، من قبيل قيام أحد القضاة بالتفريق قسراً بين زوجين متراضيين، وكذلك اعتقالات المعارضين السياسيين في جدة.  
 
وفي عام 2005، أنشأ الملك هيئة حكومية لحقوق الإنسان لم يجر تعيين أعضاء إدارتها إلا في يناير/كانون الثاني الماضي، أي بعد تأخير بلغ 16 شهراً. وقد مثل هذا التأخير الكبير في تعيينها، واستبعاد النساء منها، وكذلك تعيين بديلٍ عن مرشح يمثل الأقلية الإسماعيلية، خطوة إلى الوراء. لكن وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل اعتبر إنشاء الهيئة، وغير ذلك من التطورات التي شهدها العقد المنصرم، "تحولاً دراماتيكياً في التوجه" الخاص بحقوق الإنسان.  
 
للإلمام بخلفية عامة عن حالة حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية، يُرجى الاطلاع على الفصل الخاص بالمملكة العربية السعودية في التقرير العالمي لـ هيومن رايتس ووتش لعام 2007:  
http://hrw.org/arabic/docs/2006/12/31/saudia15115.htm