HUMAN RIGHTS WATCH

تونس

أحداث عام 2007

يهيمن كل من الرئيس زين العابدين بن علي والحزب الحاكم - التجمع الدستوري الديمقراطي - على مجريات الحياة السياسية في تونس. وتستخدم الحكومة خطر الإرهاب والتطرف الديني ذريعةً لقمع المعارضة السلمية. وثمة تقارير متواترة تتمتع بالمصداقية تتحدث عن استخدام التعذيب وسوء المعاملة لانتزاع الاعترافات من المشتبه فيهم أثناء احتجازهم. كما يتعرض السجناء المحكومون إلى سوء معاملةٍ متعمد.

وتتسامح الحكومة مع أحزاب المعارضة الصغيرة إلى حد ما. في أكتوبر/تشرين الأول 2007، وفي حكمٍ يبدو أنه سياسي الدوافع، أمرت محكمة في تونس بإخلاء مقر دورية الموقف الأسبوعية الصادرة عن الحزب الديمقراطي التقدمي من مقرها الذي تتخذه منذ 13 عاماً، على أساس أن الحزب استخدم المكتب كمقر له، في مخالفة لعقد إيجاره. والحزب الديمقراطي التقدمي هو أحد الأحزاب القانونية القليلة التي تهجر بالانتقاد للحكومة. ورفضت الحكومة لعب أي دور فيما أطلقت عليه خلافٌ بين أطراف خاصة. إلا أن مقر الدورية لم يتم إخلائه بعدما قام الرئيس بن علي (حسب التقارير) بمناشدة صاحب العقار بأن يحل النزاع، بعد شهر من الاحتجاجات المحلية والدولية الداعمة للموقف.  
 
وبحلول يوليو/تموز عفى بن علي عن 21 سجيناً سياسياً وأطلق سراحهم بشروط، ثم 10 آخرين في نوفمبر/تشرين الثاني. وكان غالبيتهم من قيادات حزب النهضة الإسلامي المحظور الذين دخلوا السجن في أوائل التسعينات، حين حكمت محكمة عسكرية على 265 من أعضاء الحزب والمتعاطفين معه بناء على اتهامات مشكوك في صحتها بالتخطيط لقلب نظام الحكم. وعلى الرغم من هذه الإفراجات، إلا أن عدد السجناء السياسيين استمر في التزايد، مع اعتقال السلطات لأعداد من الشباب في مداهمات شملت جميع أرجاء البلاد واتهمتهم بموجب قانون مكافحة الطوارئ لعام 2003. وصعبت السلطات من حياة السجناء السياسيين المفرج عنهم، بمراقبتها لهم عن قرب، وحرمانهم من جوازات السفر وغالبية الوظائف التي تقدموا لها، كما هددت بعضهم باعتقالهم مجدداً إذا تكلموا عن حقوق الإنسان أو السياسة.  
 
المدافعون عن حقوق الإنسان  
رفضت الحكومة الاعتراف رسمياً بأية منظمة حقوقية مستقلة بشكل فعلي كانت قد تقدمت بطلب تسجيل خلال العقد الماضي؛ ثم إنها تُعمد إلى التذرع بالوضع "غير القانوني" للمنظمة حتى تعيق نشاطاتها. فعلى سبيلِ المثال، في 6 يونيو/حزيران 2007 حاصرت الشرطة مكتب تونس الخاص بالمجلس الوطني للحريات في تونس غير المعترف به، ومنعت دخول ممثلي المجتمع المدني إليه، ممن جاءوا لإبداء التضامن مع المجلس. كما منعت الشرطة اجتماعاتً للجمعية الدولية للتضامن مع السجناء السياسيين غير المعترف بها.  
 
واستمرت الرابطة التونسية لحقوق الإنسان، وهي منظمة معترف بها رسمياً، في مواجهة القضايا التي يرفعها عليها أعضاء منشقين عنها. وتبين من السياق العام أن هذه القضايا الخاصة تعد جزءاً من القمع... فقد حكمت المحاكم لصالح المدعين على العموم، وقدمت غطاء لعمليات الشرطة الموسعة الهادفة إلى منع غالبية اجتماعات الرابطة في فروعها في جميع أنحاء البلاد.  
 
أما المعارضون والمدافعون عن حقوق الإنسان فيخضعون لرقابةٍ شديدة، ولمنع تعسفي من السفر، وللطرد من العمل، وقطع الخدمة الهاتفية، والاعتداءات الجسدية، ومضايقة أقاربهم، وأعمال سرقة وتخريب تحيط بها الشكوك، إضافةً إلى حملات قذف وافتراء من خلال الصحافة. وفي 24 يوليو/تموز أخرجت السلطات من السجن الصحفي محمد عبّو بشرط استمرار مراقبته خارج السجن، وكان قد قضي ثلثي الحكم الصادر بحقه بثلاثة أعوام ونصف وتم فرضه عليه جراء نشرهِ لانتقادات قاسية بحق الرئيس بن علي على منتديات على الإنترنت. وحتى نوفمبر/تشرين الثاني كانت السلطات مستمرة في رفض سفر عبّو إلى الخارج. وفي يونيو/حزيران مددت السلطات تعسفاً من فترة نفي عبد الله الزويري من عامين إلى خمسة أعوام، وهو منفي في منطقة نائية تقع على مسافة خمسمائة كيلومتر من بيت عائلته في تونس. والزويري معارضٌ صريحٌ للحكومة وناشطٌ حقوقي.  
 
نظام القضاء  
يفتقر القضاء إلى الاستقلالية، وكثيراً ما يتغاضى النواب العموميون والقضاة عن مزاعم التعرض إلى التعذيب حتى عندما يقدم المحامون شكاوى رسمية بهذا الشأن. ويصدر قضاة الحكم أحكامهم على المتهمين استناداً، فقط أو بشكل أساسي، إلى اعترافاتٍ منتزعةٍ قسراً أو إلى أقول شهود لا يحظى المتهمون بفرصة مواجهتهم في المحكمة.  
 
واصلت اللجنة الدولية للصليب الأحمر برنامجها لزيارة السجون التونسية. لكن السلطات ترفض السماح لمنظمات حقوق الإنسان المستقلة بزيارتها. وخلال عام 2007 وضعت سلطات السجون عدداً صغيراً من النزلاء في الحبس الانفرادي لفترات مطولة، وهي ممارسة تنطوي على الإساءة تردد أنها توقفت بعدها تعهدت الحكومة في عام 2005 بالقضاء عليها.  
 
وأفاد المحتجزون بتعرضهم لمجموعة من الوسائل الخاصة بالتعذيب والمعاملة السيئة أثناء استجواب الشرطة لهم. والوسائل الأكثر تكراراً، طبقاً للمحامين والمنظمات الحقوقية، هي الحرمان من النوم والتهديد باغتصاب المحتجز أو قريبة له، والضرب، خاصة على القدمين (الفلكة)، وربط المحتجزين وتعليقهم من السقف أو على قضيب في وضع "شواء الدجاجة".  
 
وقد صدقت تونس على اتفاقية مناهضة التعذيب وفعلت تشريعاً قوياً يُعرف ويجرم أفعال التعذيب. إلا أنه على الرغم من تقديم شكاوى رسمية من قبل المحامين بالنيابة عن المتهمين في مئات الحالات خلال الأعوام القليلة الماضية، فلم يعرف الرأي العام بقضية واحدة تحمل فيها موظف حكومي مسئولية تعذيب أشخاص محتجزين جراء اتهامات سياسية الدوافع.  
 
حرية الصحافة  
لا تقدم أيٌّ من وسائل الإعلام المطبوعة أو المسموعة أو المرئية تغطيةً نقديةً لسياسات الحكومة، عدا حفنة من الصحف المستقلة محدودة التوزيع التي تتعرض إلى المصادرة من حينٍ لآخر. وفي تونس الآن محطات إذاعة وتلفزة خاصة، لكن الملكية الخاصة هنا غير مرادفةٍ للاستقلالية. وتقوم الحكومة بحجب عدد من مواقع الإنترنت السياسية أو المعنية بحقوق الإنسان والتي تقدم مواد نقدية عن تونس.  
 
وقد رفضت السلطات الموافقة على تواجد مراسل لمحطة الجزيرة العربية التلفزيونية، وهو لطفي حاجي. ومنع رجال شرطة في ثياب مدنية حاجي من الحضور للتصوير وبث التقارير في عدة مناسبات. وحاجي أيضاً رئيس نقابة الصحفيين التونسيين المستقلة، والتي رفضت السلطات إضفاء الوضع القانوني عليها.  
 
تدابير مكافحة الإرهاب  
منذ عام 1991، لم يقع في تونس إلا هجومٌ إرهابيٌّ دمويٌّ واحد، وهو هجومٌ بسيارةٍ مفخخة استهدف كنيساً يهودياً في جزيرة جربة في أبريل/نيسان 2002. وقد ادعت القاعدة مسئوليتها عن ذلك الهجوم. و تزعم السلطات التونسية أنها تقف منذ عهدٍ بعيد في طليعة مكافحي الإرهاب والتطرف. ويتضمن قانونٌ صدر عام 2003 لمساندة "الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب ومكافحة غسل الأموال" تعريفاً فضفاضاً للإرهاب. ومثل تعريف قانون العقوبات للإرهاب، فإن التعريف يشمل "التحريض على الكراهية العرقية أو الدينية والأصولية بغض النظر عن الوسائل المستخدمة"، مما يفتح الاحتمال أمام مقاضاة الأشخاص جراء التعبير عن الرأي السياسي أو تكوين الجمعيات باعتبار أن هذه جرائم إرهابية.  
 
ومنذ تطبيق القانون، اعتقلت السلطات مئات الشباب في البلدات في جميع أنحاء البلاد واتهمتهم بموجب أحكامه. ولم تتهم الحكومة قط غالبية من أدانتهم فيما بعد بالتخطيط أو ارتكاب أفعال معينة تنطوي على العنف، بل اتهمتهم بالانضمام إلى الحركات الجهادية بالخارج أو تحريض الآخرين على الانضمام إليها. وكثيراً ما تحرم السلطات المشتبه بهم المحتجزين بموجب هذا القانون من حقوقهم. ويتم احتجاز الكثير منهم لدى الشرطة حبساً انفرادياً بمعزل عن العالم الخارجي وهذا قبل عرضهم للمثول أمام المحكمة، وهذا لفترات تتجاوز الستة أيام المقررة حسب القانون. وتعرض الشرطة الكثيرين منهم للتعذيب وغيرها من ضروب المعاملة السيئة. ويستجوب قضاة التحقيق الكثيرين من المتهمين دون إخطارهم بحقهم في توكيل محامي في هذه المرحلة من القضية، ويتجاهلون دائماً طلباتهم بالفحص الطبي للتحقق من وجود أدلة على سوء المعاملة.  
 
وبين ديسمبر/كانون الأول 2006 ويناير/كانون الثاني 2007، وقعت مصادمات لقوات الأمن مع جماعة متمردة ومسلحة خارج العاصمة، وهو أول حادث من نوعه في تاريخ تونس المعاصر.  
 
وفي 18 يونيو/حزيران أرسلت الولايات المتحدة إلى تونس اثنين من الرعايا التونسيين، وهما عبد الله حاجي ولطفي الأغا، اللذان كانا رهن الاحتجاز منذ خمسة أعوام كمشتبه بهم في أفعال إرهابية بمركز احتجاز خليج غوانتانامو. وسرعان ما نقلتهما تونس إلى الاحتجاز، إذ يواجه الأغا الآن اتهامات بخدمة منظمة إرهابية أثناء تواجده بالخارج، والحاجي يواجه إعادة محاكمة له بعد إدانته غيابياً باتهامات مماثلة. واتهم حاجي الشرطة بصفعه وتهديده لدى وصوله. وقضي كل منهما ستة أسابيع في حبس انفرادي تام. وحكمت محكمة مدنية على الأغا في 24 أكتوبر/تشرين الأول بالسجن ثلاثة أعوام وحكمت محكمة عسكرية على حاجي في 14 نوفمبر/تشرين الثاني بالسجن سبعة أعوام.  
 
الأطراف الدولية الرئيسية  
تتمتع الولايات المتحدة بعلاقاتٍ طيبة مع تونس، وهي تدعو إلى تقدم حقوق الإنسان فيها على نحوٍ أكثر وضوحاً مما تفعله إزاء معظم بلدان المنطقة. وفيما تعطي الولايات المتحدة مساعدات مالية قليلة لتونس، فإن وزارة الدفاع توفر لتونس التدريب على مكافحة الإرهاب وبرامج تبادلية للقوات المسلحة.  
 
وكثيراً ما ترسل السفارة الأميركية دبلوماسييها لمراقبة المحاكمات السياسية ولقاء ناشطي المجتمع المدني. وجاء في تقرير وزارة الخارجية "دعم حقوق الإنسان والديمقراطية: سجل الولايات المتحدة" أن "مسؤولو الولايات المتحدة... دعوا الحكومة إلى احترام حرية التجمع وتكوين الجمعيات بعد الاطلاع على حوادث بأنفسهم منعت فيها الحكومة منظمات حقوق الإنسان من عقد الاجتماعات". وفي 28 سبتمبر/أيلول زار السفير ريتشارد سي. غوديك أعضاء الحزب الديمقراطي التقدمي الذين أضربوا عن الطعام احتجاجاً على التهديد بإخلاء مقر الموقف.  
 
أما بخصوص نقل المحتجزين الأمنيين من خليج غوانتانامو، فقد قال السفير غوديك: "لن ننقل أشخاصاً إلى حيث يتعرضون لاحتمال التعذيب أو المعاملة السيئة". إلا أنه لا هو ولا المسؤولون الأميركيون علقوا على سجن تونس والإفادات بسوء معاملة عبد الله حاجي ولطفي الأغا بعد نقلهما من الاحتجاز الأميركي إلى تونس.  
 
ولا تزال اتفاقية الشراكة التونسية الأوروبية سارية المفعول رغم سجل الحكومة في مجال حقوق الإنسان ورغم قيامها بمنع وصول المساعدات الأوروبية إلى بعض المنظمات غير الحكومية. ويعبر بعض المسؤولين الأوروبيين أحياناً عن انتقادهم لسجل حقوق الإنسان لدى شريكتهم تونس، لكنهم إجمالاً يمتدحون العلاقات الثنائية مع تونس.  
 
وما زالت فرنسا تحتل مرتبة الشريك التجاري لتونس والمستثمر الخارجي الأول فيها. وفي عام 2007 أمدت تونس بمساعدات تنموية أكثر مما أمدت بها أي دولة أخرى من حيث نصيب الفرد داخل الدولة من المساعدات. وفي 10 يوليو/تموز زار الرئيس الفرنسي المنتخب حديثاً نيكولا ساركوزي تونس، في فرقة وزير الخارجية برنار كوشنر ووزير الدولة للشؤون الخارجية وحقوق الإنسان راما يادى. ولم يكن لدى ساركوزي شيئاً إلا الإطراء على السلطات التونسية في تعليقاته العامة، لكنه أخبر الصحفيين أنه أثار بعض قضايا حقوق الإنسان في مناقشة خاصة مع الرئيس بن علي، وشملت قضية محمد عبّو. وفي هذه الزيارة الأولى، فعل الرئيس الفرنسي القليل للنأي بنفسه عن الدعم المتفاني للرئيس بن علي (الذي كان يبديه الرئيس السابق جاك شيراك) على الرغم من ممارسات الرئيس التونسي في مجال حقوق الإنسان.