HUMAN RIGHTS WATCH

الأردن: حالات الوفاة في السجون بسبب الاحتراق تحتاج لتحقيق مستقل

تحقيقات الشرطة تتجاهل الأدلة بالإضافة إلى ترهيب الشهود

(نيويورك - 8 مايو/أيار 2008) – طالبت هيومن رايتس ووتش اليوم الملك عبد الله بأن يأمر بإجراء تحقيق مستقل حول الظروف المحيطة بوفاة ثلاثة سجناء في 14 أبريل/نيسان الماضي في سجن الموقر شرق العاصمة الأردنية عمان. وقالت هيومن رايتس ووتش إنه وبالرغم من الأدلة المتوفرة عن وجود إساءة معاملة وسلوك جرمي محتمل من قبل مسؤولي السجن؛ إلا أن إدارة جهاز الشرطة أبلغت هيومن رايتس ووتش بأن التحقيق الذي يجرونه حول الحادث سيثبت براءة مسؤولي السجن ويؤكد بأنهم تصرفوا بشكل صحيح

وقالت المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش سارة ليا ويتسن: "تحقيق الشرطة هو محاولة لتبييض الأحداث التي أدت إلى وفاة ثلاثة سجناء حرقاً في الأردن". وأضافت: "لقد فقد التحقيق كل مصداقيته".  
 
ومنذ وفاة السجناء الثلاثة قامت الشرطة بوضع العديد من نزلاء سجن الموقر ممن كانوا شهوداً على الأحداث في الحبس الانفرادي، ومنع مسؤولي الأمن المحامين وعائلات السجناء ومحققي حقوق الإنسان من زيارتهم. وأفاد شهود العيان بأن الشرطة قامت بترهيبهم وأنها تجاهلت روايات تشير إلى أن اثنين على الأقل من السجناء الذين ماتوا حرقاً قد تعرضا لتعذيب شديد قبيل اشتعال الحريق؛ مما ألقى بظلال من الشكوك حول ما إذا كانت وفاة السجناء قد حصلت بالفعل بشكل عرضي. وأصدر المركز الوطني لحقوق الإنسان تقريراً في 16 أبريل/نيسان استند فيه على التحقيقات التي أجراها داخل سجن الموقر يوم 15 أبريل/نيسان أكد فيه على حدوث سوء معاملة وضرب داخل السجن قبيل اشتعال الحريق.  
 
وما لا جدال فيه أنه في ظهيرة يوم 14 أبريل/نيسان قام 28 سجينا في الزنزانة رقم 3 من مهجع (أ) في سجن الموقر المشيد حديثاً بإضرام النار بـ بطانيات النوم الأسفنجية للاحتجاج على ما يجري في السجن، وشارك في الاحتجاج سجناء يقطنون في الزنزانة المجاورة بالصراخ وإيذاء أنفسهم بأدوات حادة، ورداًَ على ذلك قام الحرس المحيط بالسجن (الدرك) بالدخول إلى مبنى السجن لتأمين الزنازين التي اشتعل فيها الحريق. وما حصل بعد ذلك هو محل خلاف، ولكن في النهاية حين نجح الدفاع المدني في إخماد الحريق في الزنازين تم العثور على الجثث المحترقة لكل من فراس العطي و حازم زيادة وإبراهيم العليان.  
 
وادعت الشرطة أن السجناء سدوا باب الزنزانة باستخدام الأسرّة لمنع حرس السجن من فتحه، إلا أن أحد شهود العيان نفى ذلك ووصف بالتفصيل كيف كان يصرخ السجناء على رجال الدرك وحراس السجن لفتح باب الزنزانة التي اشتعلت فيها النيران، لكنهم وقفوا موقف المتفرج لنحو 10 دقائق قبل أن يفتحوا أبواب الزنزانة المشتعلة، كما قال شاهدا عيان آخران إنه وقبل فتح الباب قام رجال الدرك بإطلاق عبوة غاز داخل الزنزانة. وذكرت التقارير أن رجال الدرك أطلقوا النار على أحد السجناء وأصابوه في صدره بطلقة واحدة أو أكثر من الرصاص المطاطي، وحين فتح رجال الدرك الباب ادعى شهود العيان أن كل المساجين وعددهم 28 غادروا الزنزانة. فيما أشار المركز الوطني لحقوق الإنسان إلى أن أبواب الزنازين تفتح إلى الخارج مما يسمح لحراس السجن بفتحها بغض النظر عن أي حواجز توضع من داخلها.  
 
روايات شهود العيان  
 
وفقا لاثنين من شهود العيان فإن الحريق كان قد أُخمد حين تم فتح الأبواب للسماح للسجناء بالخروج من الزنازين، وقال أحد شهود العيان إن قوات الدرك قامت وبضراوة بضرب السجناء الذين خرجوا من الزنزانة بشكل أدى إلى "فتح وشق جماجمهم". فيما سجل المركز الوطني لحقوق الإنسان في تقريره وجود أثار الدماء على أرضيات وجدران غرف المهجع وفي ساحات التشميس.  
 
وبعد ذلك – كما قال شهود عيان - قام الدرك بدفع 18 شخصاً إلى داخل الزنزانة رقم 3 مجدداً، ومن بين الـ 18 شخصاً السجناء الثلاثة الذين وُجدت جثثهم إضافة إلى كل من ماجد خاطر وعبد الخفش ومحمد الطبش وفيصل العدوان الذين لا يعرف الآن مكان وجودهم. وبعد أن أعيد إغلاق باب الزنزانة وداخلها الأشخاص الـ 18 اشتعل حريق أكبر وهو الحريق الذي أخمده الدفاع المدني عند وصوله بعد 15- 20 دقيقة لاحقاً، حسب رواية شاهدي عيان. المركز الوطني لحقوق الإنسان أشار في تقريره إلى وجود نقطة إطفاء ضغط عالي تبعد حوالي أربعة أمتار فقط عن باب المهجع الذي اشتعلت فيه النار.  
 
وقبل يوم من الحادث كانت هيومن رايتس ووتش قد التقت مع مدير مديرية الأمن العام اللواء مازن القاضي الذي وعد بأن تكون مديرية الأمن العام (والتي تشمل إدارة الشرطة وإدارة السجون) شفافة بالكامل في تعاملها هيومن رايتس ووتش. كما تحدثت هيومن رايتس ووتش مع مسؤولين في إدارة الشرطة في 15 أبريل/نيسان و20 أبريل/نيسان و5 مايو/أيار. وقام أحد باحثي هيومن رايتس ووتش بزيارة إلى خارج السجن في 15 أبريل/نيسان وشاهد حضورا أمنياً مكثفاً. وأصر المسؤولون على عدم وجود سوء معاملة من قبل رجال الأمن بما فيه قوات الدرك أو حرس السجن فيما يخص حريق 14 أبريل/نيسان وأن تحقيق الشرطة سيحسم ذلك قريباً.  
 
الأهالي تُركوا في الظلام  
 
عائلات السجناء الثلاثة الذين لقوا حتفهم وشهود عيان أبلغوا هيومن رايتس ووتش أن السجناء الثلاثة الذين توفوا كانوا قد اشتكوا خلال الزيارات اليومية التي جرت قبل الحريق من سوء المعاملة وخصوصا من قبل النقيب عامر قطيش، حيث ادعوا أنه قام بإهانتهم وضربهم. وادعى شاهد عيان أن هذا الضابط قام في 13 أبريل/نيسان بتعليق كل من فراس العُطي وحازم زيادة – وهما اثنان من السجناء الثلاثة الذين احترقوا خلال الحريق- لمدة أربع إلى خمس ساعات على الجدار وأيديهم مقيدة خلف ظهورهم (بطريق الشَبح المعروفة في التعذيب) بينما كان يقوم بضربهم. وكان ذلك رداً على واقعة أن 100 سجين بدأوا إضراباً عن الطعام في ذلك اليوم احتجاجا على سوء المعاملة التي يتلقونها. عائلات سجناء وشهود عيان أبلغوا هيومن رايتس ووتش أن الضابط قطيش يرتبط بعلاقة سيئة مع كل من زيادة والعطي تعود إلى فترة سابقة قضاها السجينين في سجن مختلف. كما نقل بأن السجين العطي حاول تنبيه أحد زواره في السجن من أن الضابط قطيش قد وجه لهم تهديدات مزعومة وذلك قبل خمسة أيام فقط من الحريق. وقال أحد شهود العيان إن قطيش هدد العطي وزيادة وسجينين آخرين بسوء المعاملة مجدداً وذلك قبل ساعات فقط من الحريق الذي اندلع في 14 أبريل/نيسان. وتحدث ثلاثة شهود عيان عن عمليات التفتيش الصباحية المتكررة والضرب والإهانة على أيدي حراس السجن واستخدام (الشبح) كأسلوب تعذيب للسجناء الذين يقاومون عمليات التفتيش.  
 
وبعد الحريق قامت إدارة السجن بوضع كل السجناء الناجين من الزنزانة رقم 3 في المهجع (أ) إلى جانب نحو 100 سجين آخر ممن شاهدوا الأحداث إما في زنازين انفرادية أو بشكل منفصل عن بقية نزلاء السجن وذلك بعد أن تمت معالجتهم بشكل سريع من استنشاق الدخان والحروق أو الجروح الناجمة عن الضرب. وبحلول فجر 15 أبريل/نيسان قاموا بنقل ما بين 15 إلى 60 سجيناً إلى سجون أخرى، ووفق ما أبلغ أحد أفراد عائلة أحد السجناء هيومن رايتس ووتش، فإن العائلات والمحامين لم يتمكنوا من زيارة السجناء الذين تم عزلهم وذلك "بأوامر من وزير الداخلية". وتعرف هيومن رايتس ووتش على الأقل خمس عائلات لم تتمكن من زيارة أقاربهم في السجن منذ ذلك الحادث، كما تم منع ممثلي المركز الوطني لحقوق الإنسان الذي زار السجن من مقابلة هؤلاء السجناء.  
 
كما ذكر شهود العيان أن الشرطة مارست ضغوطاً على السجناء الذين تم نقلهم لتبرئة قوات الأمن من مقتل السجناء وحذرتهم من الإشارة إلى أن الشكاوى حول التعذيب قد تسببت في إثارة الاحتجاج.  
 
وفي 20 أبريل/نيسان وبعد أربعة أيام من نشر نتائج التحقيق الذي أجراه في سجن الموقر قدم المفوض العام للمركز الوطني لحقوق الإنسان استقالته من منصبه.  
 
وقالت سارة ليا ويتسن إن على "الملك عبدالله، بموجب الالتزام بقانون حقوق الإنسان؛ تشكيل هيئة مستقلة لديها سلطة قضائية للتحقيق في ممارسات التعذيب والاحتجاجات وردة الفعل التي حدثت استجابة للحريق في سجن الموقر بعد أن ظهر وبوضوح عدم قدرة سلطات الشرطة على مُساءلة كوادرها".  
 
وأعربت هيومن رايتس ووتش عن قلقها من أنه ورغم وجود أدلة تثبت وجود مسؤولية جنائية على أفراد من جهاز الأمن العام إلا أنه توجد هناك عراقيل أمام محاكمتهم. ففي الأردن تتولى محكمة شرطة الولاية الكاملة عن كل القضايا التي يُحاكم فيها أفراد جهاز الشرطة الذين يتم اتهامهم بارتكاب جرائم. ويقوم مدير الأمن العام بتعيين ضباط شرطة كقضاة في محكمة الشرطة إلى جانب تعيين مدعي عام محكمة الشرطة، كما يمتلك مدير الأمن صلاحية تخفيض العقوبة. ومثل هذه المحكمة لا تستوفي أي معيار من معايير الرقابة القضائية المستقلة.  
 
كما أن سجل محكمة الشرطة غير مشجع في المساءلة في قضايا الانتهاكات، ففي مارس/آذار 2008 قضت محكمة الشرطة بسجن اثنين من ضباط الشرطة الذين قاموا بضرب أحد نزلاء سجن العقبة حتى الموت لمدة عامين ونصف العام، ولكن ذلك لم يتم إلا بعد جهود خاصة بذلتها أسرة الفقيد والسفارة الأميركية في عمان وهيومن رايتس ووتش من أجل تقديم الجناة إلى العدالة. وقبل هذه الجهود فإن محكمة الشرطة لم تكن قد وجهت للضابطين سوى تهمتي "إساءة استعمال السلطة" و "انتهاك الأوامر والتوجيهات". وفي ديسمبر/كانون أول 2007 حكمت محكمة الشرطة بسجن مدير سجن سواقة لمدة شهرين بتهمة "ممارسة السلطة بشكل غير مشروع بشكل تسبب بالأذى" وبعد ذلك استبدلت عقوبة الحبس بغرامة قدرها 120 ديناراً أردنياً (حوالي 170 دولاراً أميركياً). وكان مدير السجن قد قام بضرب وحلق بالقوة رؤوس ولحى نحو 2100 نزيل في سجن سواقة أكبر سجون الأردن وذلك في أول يوم عمل له كمدير للسجن.