Egypt



مصر Egypt
  

<<previous  |  index  |  next>>

5. العواقب التمييزية للطلاق غير المتكافئ

يؤدي نظام الطلاق الذي يتسم بالتمييز المجحف في مصر إلى الإضرار بالمرأة في كل مرحلة من مراحل عملية التطليق؛ ونظرا للآلام والمخاطر التي تحف طلب الطلاق في المحاكم المصرية المثقلة بالقضايا المتأخرة، والتي تفتقر إلى الكفاءة، تضطر الكثيرات من النساء المصريات إلى دفع أزواجهن إلى تطليقهن، وذلك أمر هين عليهم؛ وفي المقابل، توافق المرأة عادة على التضحية بحقوقها المالية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن القوانين التمييزية التي تجعل حق المرأة في المسكن مشروطاً بحضانتها الفعلية للأطفال تمنع المرأة من طلب الطلاق خوفا من أن تصبح بلا مأوى. كما أن انتهاء الحضانة الفعلية للأطفال، بانتقالها إلى الأب عندما يبلغ الأطفال سنا معينة أو بانتقالها إليه بصورة تلقائية في حالة زواج المرأة مرة أخرى، يمثل نتيجة تمييزية أخرى لنظام الطلاق المعمول به في مصر.

أما إذا وجدت المرأة في نفسها الشجاعة الكافية لمحاولة إنهاء زواجها عن طريق المحاكم المصرية – وهي عملية قد تستغرق عدة سنوات – فمن المرجح أن تجد المرأة نفسها وقد وقعت في براثن العوز والفاقة أثناءها؛ حيث لا يحق لها وهي لا زالت متزوجة الانتفاع بأي صورة من صور الإعانات الاجتماعية التي تقدمها الدولة. وهذه العواقب المؤسفة للطلاق في مصر تؤدي إلى إحجام المرأة عن طلب الطلاق من الزوج أصلا، أو تقودها إلى حياة بائسة بعد طلاقها.

العواقب الخفية: التنازل عن الحقوق تجنبا لإجراءات التطليق للضرر

لم نتحدث عن بيت الزوجية، فأنا عندي أطفال [صغار]. المسكن من حقي، لكننا لم نتحدث عنه، فكل ما كنت أريده هو الخلاص من الزواج.

ـ هنية كريم، 33 سنة، القاهرة، 21 يونيو/حزيران 2004.

من العواقب الخفية التي كثيرا ما تترتب على نظام الطلاق غير المتكافئ في مصر، الذي يعطي للرجل مزايا كبيرة، أن الكثيرات من النساء المصريات يؤثرن التنازل عن حقوقهن تجنبا للدخول في إجراءات الطلاق أصلا. والمعتاد أن هذا النوع من التفاوض يعني موافقة المرأة على التنازل عن كل حقوقها في النفقة، ومسكن الزوجية، وحضانة الأطفال، وكثيرا ما يتضمن دفع رسوم الطلاق التي يتقاضاها المأذون حتى يطلقها زوجها.122 وهذا النوع من الطلاق (طلاق الإبراء)، الذي يبدؤه الرجل الذي توافق زوجته على التنازل عن كل شيء في مقابل التخلص من الزواج، يعتبر أسرع (وإن كان أبهظ) وسيلة أمام المرأة لإنهاء الزواج؛ كما يعتبر نتاجا ثانويا لنظام الطلاق بالغ التمييز في مصر، الذي يجعل المرأة مضطرة إلى اللجوء لخيارات شبه مستحيلة. ولذلك فإن العديد من الرجال في مصر يعرفون تماما مدى المصاعب التي تواجهها المرأة في المحاكم، ويقررون استغلال الموقف.

ففي حالة من هذه الحالات، وهي حالة امرأة قاهرية عمرها 24 سنة تدعى مروى إسماعيل، وافقت الزوجة على التنازل عن كل حقوقها المالية من أجل الطلاق. وكان زوجها قد اصطحبها إلى المأذون منذ ثلاث سنوات وجعلها توقع على ورقة تتنازل فيها عن حقوقها. وقالت مروى إسماعيل: "لم آخذ أي شيء سوى ملابسي عندما تركت البيت. أما هو فأخذ كل شيء". ووافق الزوج أمام المأذون على إعطائها نفقة شهرية قدرها 100 جنيه (16 دولارا) للإنفاق على أطفالهما الثلاثة. وعلى الرغم من هذا التعهد، فإنه لم يدفع أبدا أي مبلغ لهم، ولم تره مطلقته منذ ذلك الحين. وقد رفع محاميها منذ عام ونصف العام دعوى للمطالبة بالإنفاق على الأطفال وتوفير مسكن لهم، وبناء على هذه الدعوى قضت المحكمة بنفقة شهرية قدرها 350 جنيهاً (57 دولارا) للإنفاق على الأطفال، و180 جنيهاً (29 دولارا) لإيجار الشقة، ولكن الحكم لم ينفذ حتى اليوم.123

وفي مقابلة أخرى أجرتها منظمة هيومن رايتس ووتش مع امرأة عمرها 24 عاما وتدعى جيهان خلود، قالت إنها شعرت أنها مضطرة للاختيار بين العيش مع ضرة والطلاق سريعا بقبول التنازل عن كل حقوقها المادية. وأوضحت ذلك بقولها:

تزوج امرأة أخرى سبق لها الزواج. وقال "يمكنك أن تأتي، لكنها ستبقى". فرفضت. [ثم] قال "إما أن ترجعي وإما أن أطلقك إذا تنازلتي عن كل شيء".124

وتتعرض المرأة الأمية خصوصا للاستغلال بهذه الطريقة، كما قالت إحداهن لمنظمة هيومن رايتس ووتش:

قبل أن يأتي ليطلقني – لأنني كنت أريد أن أعمل – جاء إلي بورقة كبيرة مليئة بكلام كثير، وقال "وقعي هنا". فوقعت وتنازلت عن كل شيء. وبعدها لم يعطني إلا 50 جنيها [8 دولارات]. وقال إنه سيدفع 50 جنيها شهريا للأطفال، وكان أحيانا يرسلها، وأحيانا لا يرسلها. وعندما أذهب لمقابلته يغلق الباب في وجهي. كما أنه رجل سيئ. فعندما أذهب [لبيته] قد يحاول أن يفعل [معي] بعض الأمور السيئة المحرمة لأنني الآن مطلقته. كأن يلمسني مثلا. لذلك لا أستطيع الذهاب.125

حقوق المسكن والحضانة في مهب الريح

عندما تنجح المرأة في التغلب على العقبات القانونية والبيروقراطية الكأداء وتحصل على الطلاق، تظل أوضاعها بعيدة عن الاستقرار؛ فالقانون المصري يقيد حق المرأة في المسكن المناسب بعد الطلاق بفترة حضانتها الفعلية للأطفال، الأمر الذي يجعل المرأة التي ليس لها أطفال، والمرأة التي لم تعد حاضنة، معرضة دائما لخطر التشرد. ففي ظل القانون المصري ليس للمرأة نصيب في مسكن الزوجية، وليس لها حق قانوني فيه. بل إن مسكن الزوجية يعتبر ملكا مقصورا على الزوج في حال الزواج والطلاق. وفي حالة عدم الحضانة التي تستدعي وجود بيت لتربية "أطفال الزوج"، فإن المرأة ليس لها حق في بيت الزوجية بعد الطلاق. وينص القانون المصري على أن الزوج المطلق ما عليه إلا أن "يهيئ لصغاره من مطلقته ولحاضنتهم المسكن المستقل المناسب".126 وهكذا فإن المطلقات اللاتي قضين سنوات أو عقوداً يرعين بيت الزوجية ويسهمن في بنائه يصبحن بلا حق في ملكيته.

ويلاحظ أن قوانين الطلاق في مصر لا تعكس المعايير المقبولة دوليا ولا تراعي مصلحة الطفل.127 فالقانون ينص على أن الحضانة الفعلية لأي طفل جاء ثمرة للزواج تنتقل بصورة تلقائية إلى الأب في سن العاشرة من عمر الأولاد والثانية عشرة من عمر البنات، ما لم يتوصل الأبوان إلى اتفاق بديل خارج نطاق القضاء، وما لم يأمر القاضي بتمديد حضانة الأم.128 والتهديد بفقد حضانة الأطفال يجعل المرأة المطلقة معرضة دائما لخطر التشرد فور بلوغ الأطفال سن انتقال الحضانة إلى الزوج السابق. ومن ثم فإن حق المطلقة في الإقامة في مسكن الزوجية أو الحصول على ما يلزم للإقامة في غيره يتوقف كلياً على حضانتها للأطفال؛ فمتى انتهت حضانتها لهم انتهى حقها في المال اللازم للسكن.129

وطبقا للقانون المصري، يجب على القاضي أن يمنح المطلقة الحاضنة الحق في الاختيار بين العيش في بيت الزوجية أو في سكن بديل مستأجر لها (حتى نهاية فترة الحضانة، حيث يسمح للمطلق عندئذ بالعودة لمسكن الزوجية بالأطفال).130 وإذا كانت معظم النساء يرغبن في الإقامة في بيت الزوجية، فلم تكن هناك سوى امرأة واحدة من بين المطلقات الخمسين تقريبا التي التقت بهن هيومن رايتس ووتش تقيم فعلا في بيت الزوجية. أما الغالبية العظمى التي تسمح لهن حضانة الأطفال الصغار بالإقامة في مسكن الزوجية فيحرمن من هذا الحق؛ ومعظمهن الآن يعشن مع آبائهن بعد أن طردهن أزواجهن السابقون من بيوتهن. وقد أفادت كثيرات من النساء اللاتي التقت بهن المنظمة أنهن لا يدرين أن لهن حقا قانونيا في الإقامة في مسكن الزوجية أو في سكن بديل. وقالت أخريات إنهن لم يستطعن تحمل العبء الثقيل للمعركة القانونية المستمرة.

ومن هذه النساء ندا شبانة، وعمرها 24 عاما، التي عادت إلى بيت أبيها بطفلين صغيرين بعد أن أتى زوجها بزوجة ثانية. وكان زوجها، وهو سائق سيارة أجرة، يؤذيها بدنيا ومعنويا، حيث قالت: "تركت البيت فورا وعدت إلى أهلي... وفقدت كل متعلقاتي".131 ومن باب المفارقة فأن المرأة الوحيدة بين من قابلناهن التي ظلت مقيمة في بيت الزوجية، وهي هبة عثمان البالغة من العمر 36 عاما، تود لو كانت تقيم في مكان آخر؛ فهي تعيش مع أطفالها الثلاثة في بيت الزوجية وهو شقة من حجرة واحدة بحمام مشترك، وبلا مطبخ في محافظة القليوبية. وقد توقف مطلقها عن دفع إيجار الشقة وترك البيت قذرا في أشد الحاجة للإصلاح. وعلى الرغم من أنه لم يطردها، فإنه يأبى أن يدفع الإيجار، تاركا إياها وأطفالها معرضين لخطر التشرد.132

وجدير بالذكر أن نظام الإسكان الشعبي الردئ الذي يفتقر بشدة للموارد في مصر لا يكاد يقدم أي دعم لتلك النساء إلا فيما ندر. فقد طُردت فايزة كمال، البالغة من العمر 59 عاما، من مسكن الزوجية مع أطفالها الخمسة. فأقامت عند أمها منذ طردها من البيت، ولكن أخاها قد يطلب منها أن تغادره عند عودته من العمل بالخارج. وقد تقدمت بطلب للحصول على إسكان شعبي، كما قالت لمنظمة هيومن رايتس ووتش:

منذ ست سنوات تقدمت بطلب للحصول على سكن في عابدين [أحد أحياء القاهرة] فقالوا إنني يجب أن أدفع 1008 جنيهات [296 دولارا في ذلك الوقت]. وطبعا لم أدفع. أين أذهب بأطفالي؟ هل تنام ابنتي في الشارع؟133

وبعض الأزواج يحرمون زوجاتهم من حق الحضانة هكذا وبدون أي إجراءات قانونية، ومعظم النساء ليس لديهن الثقة في أن الشرطة مستعدة أو قادرة على حماية حقوقهن، ولذلك فإنهن لا يُبلغن عن هذه الظروف. ومثال ذلك لينا منير، البالغة من العمر 35 عاما، التي كانت متزوجة من فاكهي، وكان زوجها يرفض أن تخرج من البيت في أي وقت من الأوقات، ويضربها بشدة هي وأطفالها بصفة منتظمة. وقالت لينا منير لمنظمة هيومن رايتس ووتش إنها تحملت الإيذاء الجسدي والعذاب سبعة عشر عاما لأنها لم تكن تريد أن تترك أطفالها بدون حماية. وتحكي كيف وصلت إلى حد الانهيار بقولها:

كان يضربني بشدة، حتى لم أعد أستطيع الاحتمال. أخذت الرضيعة [ابنتي] وذهبت إلى بيت أخي. فجرى [الزوج] ورائي وأخذها قائلا "ابنتي لن تعيش مع أغراب".

لم أبلغ الشرطة، لأنني أعرف أنهم لن يفعلوا شيئا؛ إنهم يسجلون البيانات فحسب، ثم ينصرفون. المسألة ليست أن أذهب لأوجه اتهاما فيعيدونهم [الأطفال] إليّ. ليس الأمر بهذه السهولة.134

وحتى عندما تمنح الحضانة للمرأة، فبعض النساء لا يستطعن رعاية الأطفال بالقدر الكافي ما لم يمنحن في الوقت نفسه نفقة مناسبة، ومبلغا مناسبا للإنفاق على الأطفال. وفي حالات كثيرة، تعرف المرأة أن الزوج لن يتكفل بالإنفاق على الأطفال بعد الطلاق (أو تخشى ذلك)، الأمر الذي يجبرها على التخلي عن حق الحضانة من تلقاء نفسها، مثلما أوضحت امرأة بقولها:

أريده [الزوج] أن ينفق عليهم [الأطفال]. فإذا طالبت بالحضانة، فكيف أربيهم؟ إنني لا أعمل... وحتى لو عشت معهم، فلن أستطيع أن أوفر لهم أي شيء.135

تعذر الانتفاع بالإعانات الاجتماعية

يقوم قانون التأمين الاجتماعي على الاعتقاد والافتراض بأن الرجل هو رب الأسرة وعائلها [ماديا]... لكن الحياة تغيرت، فالرجل والمرأة اليوم شريكان في الإنفاق على البيت، وإعالة الأسرة [ماديا]. لكن القانون لم يستوعب ذلك حتى الآن.

د. عائشة راتب، وزيرة الشؤون الاجتماعية سابقا136

إن برامج الرعاية الاجتماعية التي تديرها وزارة التأمينات والشؤون الاجتماعية وفقا لقانون التأمين الاجتماعي تخضع لقواعد مقيدة مثقلة بالأحكام بشأن توزيع الإعانات الاجتماعية، تنطوي على تمييز ضد المطلقات والنساء اللاتي رفعن دعاوى طلاق لا تزال منظورة أمام المحاكم.137 ويعتمد نظام المعاشات في مصر على الافتراض بأن كل الأسر يعولها الرجال، وقد أدى هذا الافتراض إلى سلسلة من الممارسات الإشكالية التي تؤدي إلى إفقار الكثير من النساء المصريات وأطفالهن.

فالمرأة المتزوجة، حتى لو كان لها دعوى طلاق منظورة أمام المحكمة، أو المرأة التي لا يعولها زوجها ماديا، تعتبر تلقائيا غير مستحقة لأي شكل من أشكال الإعانات المادية التي تقدمها الحكومة. بل إن المرأة المتزوجة تحرم من الحصول على معاش الوالدين المتوفيين.138 والافتراض القائم وراء هذه الأوضاع هو أنه مادامت المرأة متزوجة فلا بد أن يعولها زوجها، ومن ثم فهي ليست مسؤولة من الدولة. فكما قالت فايزة كمال، البالغة من العمر 59 عاما، لمنظمة هيومن رايتس ووتش:

[زوجي] لا يرسل إليّ مالا أبدا. لا أدري ماذا أقول لكم. ماذا بقي لي لكي أطلبه؟ إنني أحاول أن أحصل على 50 جنيها [8 دولارات] لأنفق على نفسي... ذهبت لأطلب معاشا، لكنهم قالوا "ما دام لك رجل [زوج]، فلا معاش لك، أما إذا طلقت منه فسنعطيك معاشا". وما دام لم يطلقني، فليس لي الانتفاع حتى بمعاش أمي. كانت تعطيني جزءا منه، أما الآن وقد توفيت وأنا ما زلت متزوجة، فلا أحصل على أي شيء.139

أما أمل خليل، البالغة من العمر 38 عاما ولديها سبعة أطفال، فقد تركها زوجها من ست سنوات، ولم تتلق أي عون مادي منه على الإطلاق. فرفعت دعوى طلاق للضرر منذ سنتين لتحصل على معاش المطلقة، لكن الجلسات كانت تؤجل دائما، وهي بلا مصدر للدخل. فاضطرت لإخراج بناتها البالغات من المدرسة حتى يبدأن في الإسهام في إعالة الأسرة ماديا. وقالت لمنظمة هيومن رايتس ووتش:

لا أطلب أي شيء سوى الطلاق حتى أحصل على المعاش، وهو 70 جنيها [11 دولارا] لأطعم أطفالي. إنني لا أحصل على أي شيء؛ لأنني ليس لدي أوراق طلاق ولا شهادة وفاة.140

وتقدم وزارة التأمينات والشؤون الاجتماعية معاشا للمطلقات الفقيرات. والمطلقة التي تستحق هذه الإعانة يجب ألا يكون لها أي مصدر آخر للدخل، وألا تكون لها أي أملاك، وألا تكون مستفيدة من أي شكل آخر من أشكال الرعاية الاجتماعية.141 أما المطلقة التي لها أطفال فتحصل على مبلغ شهري قدره 70 جنيها (11 دولارا)، بينما المرأة التي لا أطفال لها فتحصل على 50 جنيها (8 دولارات) في الشهر. وإذا تزوجت المطلقة من جديد تنقطع عنها الإعانة الاجتماعية لأنها تعتبر ""مسؤولية" الزوج الجديد، لا الدولة".142

وقد أخبر ممثل لوزارة التأمينات والشؤون الاجتماعية منظمة هيومن رايتس ووتش أن المطلقة ما عليها إلا أن تقدم المستندات التالية لطلب الإعانة الاجتماعية: قسيمة الزواج الرسمية، وعقد الطلاق، وبطاقة شخصية رسمية،143 وعنوانها البريدي.144 إلا أن المنظمة أجرت مقابلات مع نساء قلن إنهن حرمن من الإعانة الاجتماعية لعدم توافر بعض أشكال التوثيق الأخرى لديهن، ومنهن حميدة طارق البالغة من العمر 35 عاما، وهي أم تعول خمسة أطفال وليس لها مصدر للدخل، حيث وصفت محاولتها للحصول على الإعانة الاجتماعية بقولها:

لا أجد من يعطيني معاش [الرئيس] مبارك.145 إنهم لا يوافقون [على إعطائي المعاش]. الكل يقول لي ’أحضري نسخة من شهادة ميلاده‘ [زوجي]. من أين آتي بها؟ إنني أجري طول اليوم حتى أحصل على خمسة جنيهات [0.81 دولار] لأطعم أطفالي... وقد حصلت لتوي على قسيمة الطلاق، ولكن عندما ذهبت للشؤون [الاجتماعية]، قالوا إنهم يريدون شهاة ميلاد زوجي أيضا.146

وبعض النساء يحرمن من الإعانة الاجتماعية بناء على معايير تعسفية، منها أنهن لا يبدو عليهن العوز بالقدر الكافي، كما قالت جيهان خلود، البالغة من العمر 24 عاما، لمنظمة هيومن رايتس ووتش:

أختي تعيش في كندا وقد أرسلت لي سترة جلدية. وعندما ذهبت للشؤون الاجتماعية قالت [إحدى الموظفات بالوزارة] لي ’لا يبدوعليك أنك محتاجة [معاش مطلقة]. هذه السترة ثمنها 500 جنيه‘ [81 دولارا]". فشعرت بالحرج وقررت ألا أرجع ثانية".147

وجدير بالذكر أن زوجة الموظف العمومي عادة ما يحق لها في حالة وفاة الزوج الحصول على معاش الزوج الذي يأخذه عند التقاعد. وإذا كانت المطلقة يحق لها ذلك، فإن المرأة التي ترفع دعوى طلاق يسقط حقها في هذا المعاش. ففي ظل قانون سياسة التأمينات الاجتماعية رقم 79 لعام 1975، تنطبق الشروط التالية على المطلقة التي تريد الحصول على معاش الحكومة عن زوجها السابق المتوفى:

1. ألا تكون هي التي رفعت دعوى طلاق، وأن يكون الطلاق ضد رغبتها.

2. أن تكون قد ظلت على ذمة صاحب المعاش ما لا يقل عن 20 سنة.

3. ألا تكون قد تزوجت ثانية بعد طلاقها.

4. ألا يكون لها مصدر آخر للدخل.148

ونظرا لأن المرأة التي طلقها زوجها يظل لها الحق في استلام معاش الزوج السابق، فإن هذا يمثل سببا آخر يدفع الكثير من النساء إلى التذلل لأزواجهن لتطليقهن، أو الاستسلام للبقاء في حياة زوجية يكتنفها العنف. أي أن هذا القانون في النهاية يعني معاقبة المرأة التي تشرع في إجراءات الطلاق. وقد أجرت د. إيمان بيبرس، مديرة جمعية تنمية ودعم المرأة، مسحا لهذه القوانين في دراسة عام 2001 عن المرأة المصرية والرعاية،149 فوجدت أن برامج الرعاية الاجتماعية في مصر "تفرض في واقع الحال شكلا معينا من أشكال الأسرة وشكلا معينا من أشكال السلوك الأسري المقبول بمقتضى الشروط التي تضعها للحصول على تلك الرعاية، حيث تستبعد كل من لا يمتثل للأدوار المحددة اجتماعيا ’لربة البيت التي جبلت على التحمل‘.150



[122] يتقاضى المأذون رسوما على تسجيل الزواج والطلاق على أساس المقدرة المالية للطرفين. مقابلة أجرتها منظمة هيومن رايتس ووتش مع د.مصطفى عدلي الغنيم، مأذون شرعي، القليوبية، 16يونيو/حزيران 2004.

[123] منظمة هيومن رايتس ووتش، مقابلة مع مروة إسماعيل، القاهرة، الثامن من يونيو/حزيران 2004. لمزيد من المعلومات التفصيلية انظر القسم المعنون "أحكام قضائية لا تنفذ".

[124] منظمة هيومن رايتس ووتش، مقابلة مع جيهان خلود، القاهرة، الثامن من يونيو/حزيران 2004.

[125] منظمة هيومن رايتس ووتش، مقابلة مع بثينة شعبان، القليوبية، 21 يونيو/حزيران 2004.

[126] المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929، المادة 18 مكرراً ثالثاً (3).

[127] تنص المادة 3 من اتفاقية حقوق الطفل على أنه "في جميع الإجراءات الخاصة بالأطفال، سواء المتخذة من جانب مؤسسات رعاية اجتماعية عامة أو خاصة، أو محاكم أو سلطات تنفيذية أو أجهزة تشريعية، تعد مصلحة الطفل اعتبارا أساسيا". أما في مصر، فعلى الرغم من أن القاضي يمكن أن يمد فترة الحضانة إذا رأى ذلك ضروريا، فإن القانون ينقل الحضانة للأب عند سن معينة بالنسبة للولد والبنت دون مراعاة مصلحة الطفل بالضرورة، الأمر الذي يمثل خرقا للمادة 3 التي تطالب بوضع مصلحة الطفل كاعتبار أساسي عند البت في مسائل الحضانة.

[128] يسمح القانون للقضاة بمد حضانة الأولاد حتى سن 15، والبنات حتى الزواج، إذا رأى القاضي أن المد في مصلحة الأسرة. عبد الله النعيم "قانون الأسرة الإسلامي في عالم متغير: مورد عالمي" (نيويورك: زد للكتب، 2002). الفصل الخاص بمصر، ص 172.

[129] تحرم المرأة المصرية أيضا من حق الحضانة الفعلية إذا تزوجت مرة أخرى أو غادرت البلاد، بينما لا يحرم الرجل مطلقا من الحضانة في الظروف نفسها. رون شاهام "الأسرة والمحاكم في مصر الحديثة: دراسة لأحكام المحاكم الشرعية - 1900-1955" (لايدن: بريل، 1997)، ص 187.

[130] المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929، المادة 18 مكرراً ثالثاً (3).

[131] منظمة هيومن رايتس ووتش، مقابلة مع ندا شبانة، القاهرة، 14 يونيو/حزيران 2004.

[132] منظمة هيومن رايتس ووتش، مقابلة مع هبة عثمان، القليوبية 21 يونيو/حزيران 2004.

[133] منظمة هيومن رايتس ووتش، مقابلة مع فايزة كمال، سوهاج، 24 يونيو/حزيران 2004.

[134] منظمة هيومن رايتس ووتش، مقابلة مع لينا منير، سوهاج، 28 يونيو/حزيران 2004.

[135] منظمة هيومن رايتس ووتش، مقابلة مع هدى حليم، القاهرة، 27 يونيو/حزيران 2004.

[136] إيمان بيبرس "ضحايا وبطلات: المرأة والرعاية والدولة المصرية"(نيويورك: زد للكتب، 2001)، ص 92.

[137] تقوم وزارة التأمينات والشؤون الاجتماعية بدور رئيسي في إدارة برامج الإعانات الاجتماعية في مصر، حيث تقدم الوزارة المعونة الاجتماعية والتحويلات النقدية مباشرة من خلال مكاتب الوحدات الاجتماعية التابعة لها في شتى أنحاء مصر. ويمكن تقسيم نظام الرعاية الاجتماعية في مصر الذي تديره الوزارة إلى برنامجين رئيسيين: نظام التأمين الاجتماعي بالمساهمة، الذي يهدف لخدمة الأفراد وهو مشروط بالدخول الفعلي في القوى العاملة (في القطاع العام أو الخاص)، وبرنامج الضمان الاجتماعي، الذي يهدف لخدمة البيت أو الأسرة وهو مشروط بعدم وجود دخل كاف للأسرة، وغياب عائل الأسرة أو عجزه. ومعظم المستفيدين من نظام التأمين الاجتماعي بالمساهمة في مصر هم الرجال الذين يعتبرون أصحاب الحق والعملاء الذين يدفعون من أجل الخدمات المقدمة لهم. كما أن ورثة هؤلاء المستفيدين يحق لهم الانتفاع بجزء من هذا المعاش في حاله وفاة صاحبه. وتدخل معاشات العاطلين والعاجزين والأرامل والمطلقات والنساء التي تركهن أزواجهن ضمن نظام الضمان الاجتماعي. وقال أحد الخبراء إن "المستفيدين من برامج الضمان الاجتماعي يصفهم المسؤولون بأنهم مستفيدون من عطاء الدولة وكرمها. أي أنهم لا يعتبرون أصحاب حق، وإنما متلقين للصدقة". إيمان بيبرس، "ضحايا وبطلات:المرأة والرعاية والدولة المصرية" (نيويورك: زد للكتب، 2001)، ص 84.

[138] إيمان بيبرس، "ضحايا وبطلات:المرأة والرعاية والدولة المصرية" (نيويورك: زد للكتب، 2001)، ص 61.

[139] منظمة هيومن رايتس ووتش، مقابلة مع فايزة كمال، القاهرة 21 يونيو/حزيران 2004..

[140] منظمة هيومن رايتس ووتش، مقابلة مع أمل خليل، القاهرة 21 يونيو/حزيران 2004.

[141]  إيمان بيبرس: "ضحايا وبطلات: المرأة والرعاية والدولة المصرية" (نيويورك: زد للكتب، 2001)، ص 95.

[142]  المصدر السابق، ص 96.

[143]  عدم وجود تحقيق شخصية رسمي يحرم الكثيرات من النساء المصريات من الحق في الانتفاع بمجموعة من الخدمات الاجتماعية في كل عام. وكغيرها من العديد من بلدان المنطقة، لا تشجع مصر النساء على استخراج تحقيق الشخصية على العكس من الرجال؛ فالذكور عليهم استخراج تحقيق للشخصية في سن السادسة عشرة، أما النساء فلا يطلب منهن ذلك مطلقا؛ لأنهن يدرجن دائما على بطاقة الزوج والأب. كما أن الإجراءات البيروقراطية اللازمة لاستخراج هذه البطاقة في سن متأخرة شديدة الثقل على النساء بحيث تصدهن عن محاولة استخراجها.

[144]  منظمة هيومن رايتس ووتش، مقابلة مع ليلى عبد الرازق فرج، وكيل وزارة التأمينات والشؤون الاجتماعية، القاهرة، 28 يونيو/حزيران 2004.

 [145]تعرف برامج الإعانات الاجتماعية عموما باسم الرئيس الذي بدأها.

[146]  منظمة هيومن رايتس ووتش، مقابلة مع حميدة طارق، القليوبية، 16 يونيو/حزيران 2004.

منظمة هيومن رايتس ووتش، مقابلة مع جيهان خلود، القاهرة، 13 يونيو/حزيران 2004.  [147]

[148]  إيمان بيبرس: "ضحايا وبطلات: المرأة والرعاية والدولة المصرية" (نيويورك: زد للكتب)، ص 90.

[149] المصدر السابق.

[150] المصدر السابق، ص 89.


<<previous  |  index  |  next>>December 2004