Lebanon



Lebanon Lebanon
  

الملحق 4: رد جيش الدفاع الإسرائيلي على رسالة هيومن رايتس ووتش

لقد حاولت إسرائيل، رغم إدراكها مدى خطورة التهديد الذي يشكله نمو حزب الله وتعزيز مواقعه في جنوب لبنان خلال السنوات التي سبقت هجومه على إسرائيل في 12 يوليو/تموز 2006 الذي أطلق شرارة الحرب الأخيرة، ممارسة ضبط النفس واستخدام الوسائل الدبلوماسية لوقف أعمال حزب الله ضد إسرائيل. وقد طالبت إسرائيل مراراً، في الأمم المتحدة وفي كل مكان، بوقف غارات حزب الله وبأن تتولى الحكومة اللبنانية مسؤولياتها وواجبها في مد سيطرتها على جنوب لبنان.

وحتى بعد هجوم حزب الله في 12 يوليو/تموز، حاولت إسرائيل تجنب التصعيد. فقد أعطت الحكومة الإسرائيلية سوريا وحزب الله مهلة 72 ساعة لوقف نشاطات حزب الله على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية وإطلاق سراح الجنديين الإسرائيليين المختطفين لتجنب نشوب الحرب. ولكن المهلة انتهت دون رد والغارات الصاروخية على إسرائيل ازدادت كثافة.

المبادئ الهادية لأعمال جيش الدفاع الإسرائيلي

تعهد جيش الدفاع الإسرائيلي، رداً على التهديد الذي تشكله الغارات الصاروخية التي يقوم بها حزب الله، ورغم عدم التزام هذا الأخير بمبادئ القانون الإنساني، بالالتزام بالمبادئ المعروفة لقانون النزاع المسلح. وبالفعل توضح أوامر جيش الدفاع الإسرائيلي وعقيدته وقواعد التعليم فيه أن على الجنود التصرف وفق القانون والعرف الدوليين بما في ذلك انفاقيات جنيف. وعلى سبيل المثال، يلزم الأمر رقم 330133 الصادر عن قائد الأركان كل جندي في جيش الدفاع الالتزام ببنود اتفاقيات جنيف. وانظروا أيضاً النشرة التعليمية الصادرة عن جيش الدفاع الإسرائيلي مؤخراً حول قانون النزاع المسلح بعنوان "قانون الحرب في الميدان"، والتي توضح أيضاً التزام جيش الدفاع الإسرائيلي بمبادئ وأحكام القانون الدولي.

وبغرض الالتزام بمبادئ القانون الإنساني الدولي هذه يبرز عدد من الأسئلة الهامة المتعلقة بأي عملية يتم تناولها، ومنها: 1) هل الهدف بذاته هدف عسكري مشروع؟ و2) وحتى لو كان كذلك، فهل يمكن أن ينجم عن ضربه أضرار وخسائر في صفوف المدنيين والممتلكات لا تتناسب مع الميزة العسكرية؟

الأهداف العسكرية المشروعة

التعريف المقبول عموماً لـ"الهدف العسكري" هو التعريف الوارد في المادة 52 (2) من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف:

تنحصر الأهداف العسكرية فيما يتعلق بالأعيان على تلك التي تسهم مساهمة فعالة في العمل العسكري سواء كان ذلك بطبيعتها أم بموقعها أم بغايتها أم باستخدامها، والتي يحقق تدميرها التام أو الجزئي أو الاستيلاء عليها أو تعطيلها في الظروف السائدة حينذاك ميزة عسكرية أكيدة.

وفيما يخص الأهداف العسكرية ينص "قانون الحرب في الميدان" الصادر عن جيش الدفاع لإسرائيلي على أن: "الهدف العسكري المعرض للقصف هو الهدف الذي يساهم من حيث طبيعته أو موقعه أو غرضه أو استخدامه مساهمة فعالة في الحملة العسكرية للطرف الآخر، والذي سيحقق تحييده ميزة عسكرية أكيدة للطرف المهاجم". ويتابع شارحاً أن هناك أشياء معينة محصنة بشكل طبيعي ضد الاستهداف مثل المراكز الطبية والكادر الطبي والأماكن الدينية والموجودات الثقافية والاحتياجات الأساسية للسكان المدنيين مثل (المنتجات الغذائية والمناطق الزراعية والمراكز الصحية)، والأماكن التي يؤدي قصفها إلى مخاطر بيئية وعناصر الدفاع المدني.

ويجب التأكيد على أنه إذا كان موقع ما هدفاً عسكرياً مشروعاً فإنه لا يكف عن كونه كذلك بسبب وجود مدنيين في جواره. وأكثر من ذلك، تنص المادة 28 من معاهدة جنيف الرابعة على:

لا يجوز استغلال أي شخص محمي بحيث يجعل وجوده بعض النقط أو المناطق بمنأى عن العمليات الحربية.

ومن الواضح أن الوضع المتعمد للأهداف العسكرية في قلب المناطق المدنية يشكل انتهاكاً خطيراً للقانون الإنساني، ومن يقرر وضع هذه الأهداف في هذه المناطق يجب أن يتحمل مسؤولية الضرر الذي يلحق بالمدنيين جراء هذا القرار. وكما يلاحظ الخبير في القانون الدولي البروفسور يورام دينشتاين:

إذا وقع ضحايا مدنيون جراء محاولة وضع دروع بشرية لحماية المقاتلين أو الأهداف العسكرية فإن المسؤولية الجوهرية تقع على كاهل الطرف الذي عرض المدنيين الأبرياء للخطر.

وعلى كل حال فإن موقف جيش الدفاع إزاء الاستخفاف القاسي القلب من قبل أولئك الذين يختبئون خلف المدنيين، لا يعفي الدولة من الرد على هذه الغارات بمسؤولية لتجنب أو على الأقل للحد من الإصابات بين المدنيين وممتلكاتهم خلال العمليات. وهذا يثير على نحو خاص قضية التناسب المعقدة.

التناسب

هناك شرط قانوني آخر هو أن يكون الضرر المحتمل بين المدنيين والممتلكات المدنية نتيجة الهجوم متناسباً مع الفائدة العسكرية المتوقعة.

ويشرح الميجور جنرال أ. بي. في. روجرز، مدير سابق للخدمات القانونية العسكرية البريطانية، المغزى من هذا المبدأ:

إن المدنيين والممتلكات المدنية معرضة، رغم أنها ليست أهدافاً عسكرية، للمخاطر العامة للحرب، بمعنى أن الغارات التي تشن على العسكريين وعلى الأهداف العسكرية قد تسبب ضرراً عارضاً. فقد لا يكون من الممكن قصر دائرة التأثير فقط على الهدف الذي تتم مهاجمته... إن عناصر القوات المسلحة ليست مسؤولة عن مثل هذا الضرر العارض، شرط أن يكون متناسباً مع الميزة العسكرية المتوقعة من الهجوم.

وفي حين أن المبدأ واضح، إلا أن تقدير الميزة العسكرية المتوقعة مقابل الضرر المرافق المحتمل قد يكون أمراً صعباً جداً في الممارسة، ولاسيما في أتون نزاع مسلح. لقد أشارت اللجنة التي تم تشكيلها لدراسة القصف الذي قام به الناتو على يوغسلافيا السابقة في تقريرها إلى المدعي العام في محكمة الجنايات الدولية من أجل يوغسلافيا، إلى الصعوبات الخاصة التي تبرز حين تكون الأهداف العسكرية واقعة في مناطق ذات كثافة سكانية عالية:

والإجابة على هذه الأسئلة ليست بسيطة. وقد يكون من الضروري حل كل حالة على حدة، وقد تختلف الإجابات اعتماداً على خلفية وقيم صانع القرار. ومن غير المرجح أن يعطي مدافع عن حقوق الإنسان وقائد عسكري مجرب القيم النسبية ذاتها للميزة العسكرية وللأضرار التي لحقت بغير العسكريين... ويقترح أن يتم تحديد القيم النسبية كما تبدو "لقائد عسكري متعقل".

ومقياس التناسب الذي يطبق في حالة النزاع المسلح (jus in bellum) أوسع من المقياس الذي يطبق تحت مبادئ الدفاع عن النفس خارج سياق حالة حرب فعلية (jus ad bellum). ولكن تجدر الإشارة إلى أن السياسات التي طبقها جيش الدفاع الإسرائيلي في الميدان تنسجم حتى مع هذا المقياس الصارم للتناسب. ويجب أن نذكر، في فيما يخص الدفاع عن النفس، أن القانون الدولي يشترط أن يقاس تناسب الرد على هجوم ما بما هو ضروري لإزالة كامل التهديد وليس بالهجوم المحدد الذي تعرضت له الدولة. وكما كتبت روزالين هيغينز، حالياً رئيسة محكمة العدل الدولية:

 لا يمكن أن يكون التناسب قياساً على ضرر محدد سابق – بل يجب أن يكون قياساً على الهدف الإجمالي المشروع لإنهاء الاعتداء.

وعليه فإن حق الدفاع عن النفس لا يتضمن فقط الإجراءات المطبقة لمنع التهديد المباشر، بل أيضاً الإجراءات اللازمة لمنع الهجمات التالية. وهذا يعني في حالة إسرائيل أن يقاس ردها ليس بالهجوم المبدئي الذي قام به حزب الله عبر الحدود، ولا حتى بالأربعة ألاف صاروخ التي أطلقها على قرى ومدن شمال إسرائيل، بل أيضاً بالتهديد الذي تشكله عشرات آلاف الصواريخ التي كدسها حزب الله ولا يزال يتلقاها من سوريا وإيران.

من النظرية إلى الممارسة – عمليات إسرائيل في لبنان

لقد تبنت إسرائيل مبادئ القانون الإنساني الدولي التي ذكرناها أعلاه وقد رسخها جيش الدفاع الإسرائيلي في أوامره وعقيدته وقواعده التعليمية. ففيما يخص موضوع اختيار الأهداف مثلاً يؤكد "قانون الحرب في الميدان" الصادر عن جيش الدفاع الإسرائيلي ليس فقط على التمييز بين الأهداف العسكرية والأهداف المدنية بل أيضاً على أنه "في حالات الشك بأن موقعاً مدنياً قد تحول إلى هدف عسكري... فيجب الاستمرار في اعتباره مدنياً حتى يثبت العكس".

وعلى غرار ذلك، فإن موقف جيش الدفاع الإسرائيلي فيما يخص موضوع التناسب واضح.

فحتى حين لا يكون من الممكن عزل المدنيين عن الغارة ولا يكون ثمة من بديل للهجوم، على القائد أن يمتنع عن الهجوم الذي يتوقع أن يلحق الأذى بالمدنيين حين لا تتناسب الميزة العسكرية مع الضرر المدني الناجم عنه.

وعملياً يتطلب هذا من جيش الدفاع الإسرائيلي ومن القائد الميداني أن يقيم الميزة العسكرية الأكيدة والأذى المرافق المحتمل إلحاقه بالمدنيين اللبنانيين. وفيما يخص الميزة العسكرية الأكيدة تجدر الإشارة إلى أن الميزة المتحققة لا تحسب من الغارة المحددة بل من العملية العسكرية ككل. وكما يشير الدليل العسكري الألماني:

يشير تعبير "الميزة العسكرية" إلى الميزة التي يمكن توقعها من هجوم ما ككل وليس فقط من أجزاء معزولة ومحددة من الهجوم.

يجب تقييم إمكانية إلحاق الأذى بالمدنيين جراء العمل العسكري على ضوء هذه الاعتبارات. إن تعمد حزب الله وضع مخازن الأسلحة ومنصات إطلاق الصواريخ في قلب المراكز المدنية، وفي حالات كثيرة داخل الأبنية السكنية وتحتها، عنى أن هذا الخطر على المدنيين كبير جداً.

وعلى كل حال فإن وجود المدنيين في منطقة لا ينفي عن الهدف العسكري كونه هدفاً مشروعاً. هذا هو القانون الذي ذكرناه أعلاه والذي عكسته الدولة في الممارسة. وهكذا يقول مثلاً دليل جيش الدفاع الأسترالي:

ووجود المدنيين في أو حول هدف عسكري لا يغير من كونه هدفاً عسكرياً. فالمدنيون المتواجدون في جوار هدف عسكري لا بد أن يتعرضوا للخطر الذي يتعرض له الهدف العسكري.

ورغم ما سبق، لا بد من القول إن إسرائيل، حتى حين كان المدنيون في جوار الأهداف العسكرية، جهدت لتجنب أو للحد من الإصابات بينهم. فكان يتم دراسة كل عملية على حدة لضمان انسجامها مع القانون الدولي، بما في ذلك مقياس التناسب. وغالباً ما عنى ذلك إلغاء العملية العسكرية المقترحة حين كان يتوقع أن تكون الخسائر في الأرواح والممتلكات المدنية عالية جداً. وعنى في حالات أخرى تنفيذ العملية العسكرية بطريقة تحد كثيراً من الضرر العارض، من حيث التوقيت والجوانب العملية للغارة. وأخيراً، كانت إسرائيل، حيثما أتيح لها ذلك دون تعريض العملية العسكرية للخطر، تنبه السكان المحليين عبر مختلف الوسائل، مثل رمي المناشير والبث الإذاعي والاتصال مع القادة المحليين لكي يبتعدوا عن المنطقة التي يتحرك فيها حزب الله وعن المناطق التي يتم فيها تخزين الأسلحة.

العمليات ضد البنية التحتية التي كانت مستخدمة لدعم النشاط الإرهابي

كان المبدأ الموجه الذي تبناه جيش الدفاع الإسرائيلي هو الاقتصار على استهداف البنية التحتية التي كانت تساهم إلى حد بعيد في القدرات العملياتية لإرهابيي حزب الله. وعنى هذا أن الغارات الإسرائيلية اقتصرت على البنية التحتية للنقل. وبقيت البنى التحتية الأخرى (الطبية والثقافية والصرف الصحي والمياه... إلخ) دون أي ضرر يذكر.

وقد وجهت جميع عمليات جيش الدفاع الإسرائيلي في لبنان ضد أهداف عسكرية مشروعة ولاسيما فيما يخص البنية التحتية، وقد شملت التالي:

الجسور والطرق: كان نشاط الجماعات الإرهابية في لبنان يعتمد على طرق النقل الرئيسية التي كانت تتلقى عبرها الأسلحة والذخائر إضافة إلى منصات إطلاق الصواريخ والإمدادات العسكرية الإرهابية. وقد كان الهدف من تدمير الطرق الرئيسية منع أو إعاقة الإرهابيين من التخطيط والإعداد لغاراتهم. كما كان الهدف هو منع تهريب الجنديين الإسرائيليين المختطفين إلى خارج البلاد.

وهناك إقرار واسع في ظل القانون الدولي باعتبار طرق النقل التي يمكن أن تخدم أغراضاً عسكرية هدفاً عسكرياً مشروعاً. ففي تعقيبها على البروتوكولات الإضافية على اتفاقيات جنيف، تدرج اللجنة الدولية للصليب الأحمر في قائمة الأهداف العسكرية التي تعتبرها ذات "أهمية عسكرية معترف بها عموماً":

"طرق ووسائل النقل (الخطوط الحديدية والطرق والجسور والأنفاق والقنوات) التي لها أهمية عسكرية أساسية".

ويقترح كراس القوى الجوية الأميركية مقياساً عملياً مفيداً لقياس الأهمية العسكرية لخطوط النقل، حيث يسأل ما إذا كانت "تساهم مساهمة فعالة في العمل العسكري المعادي بحيث أن الاستيلاء عليها أو تدميرها أو تحييدها يقدم فائدة عسكرية واضحة في ظل الظروف الحاكمة حينها".

ورغم المبررات العملياتية لاستهداف الطرق الرئيسية في لبنان، فقد سعى جيش الدفاع الإسرائيلي جاهداً لضمان وجود ما يكفي من الطرق المفتوحة لتمكين المدنيين من مغادرة مناطق النزاع وللسماح بمرور المساعدات الإنسانية، كما سعى لتقليل الأذى اللاحق بالسيارات المدنية إلى الحد الأدنى.

مدرجات مطار بيروت الدولي – رأى جيش الدفاع الإسرائيلي أن تعطيل المدرجات يشكل إحدى أهم الطرق وأكثرها ملاءمة لمنع وصول التعزيزات والأسلحة والإمدادات العسكرية للمنظمات الإرهابية. كما كان استجابة لتقارير تتحدث عن نية حزب الله بنقل الجنديين المختطفين من لبنان بالطائرة.

وتعتبر المطارات أهدافاً عسكرية مشروعة عموماً. فدليل القانون الكندي الإرشادي عن النزاع المسلح، مثلاً، يشير إلى أن "الموانئ والمطارات تعتبر عموماً أهدافاً عسكرية"، في حين تدرج اللجنة الدولية للصليب الأحمر في قائمة الأهداف العسكرية: "المطارات ومنصات إطلاق الصواريخ وتجهيزات القواعد البحرية".

وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن جيش الدفاع الإسرائيلي في عملياته ضد مطار بيروت حرص على أن لا يلحق الضرر بالمرافق المركزية للمطار بما في ذلك الرادار وأبراج المراقبة، بشكل يسمح للمطار بمواصلة مراقبة الطيران فوق مجاله الجوي.

محطة تلفزيون المنار – استخدمت محطة المنار التابعة لحزب الله في نقل رسائل إلى الإرهابيين للتحريض على الأعمال الإرهابية. وتتضمن قائمة الأهداف العسكرية المقبولة الصادرة عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر: "تجهيزات البث ومحطات التلفزة". وعلى غرار ذلك، أشارت اللجنة التي شكلت لدراسة قصف الناتو ليوغسلافيا في حديثها عن قصف الناتو لمحطات الإذاعة التلفزيون في بلغراد قائلة: "إذا استخدمت وسائل الإعلام للتحريض على الجرائم تصبح هدفاً مشروعاً... وبقدر ما كان هدف القصف الفعلي هو قطع شبكة الاتصالات فقد كان هدفاً مقبولاً من الناحية القانونية".

مخازن الوقود – يعتمد النشاط الإرهابي من بين أشياء أخرى على التزود المنتظم بالوقود الذي لا يمكن للإرهابيين التحرك دونه. ولهذا السبب تم استهداف عدد من مستودعات الوقود التي كانت تستخدم بشكل أساسي في العمليات الإرهابية. ويبدو من المعلومات التي حصلت عليها الاستخبارات الإسرائيلية أن هذه الخطوة ساهمت كثيراً في الحد من قدرة المنظمات الإرهابية.

وهناك الكثير من الإشارات على شرعية استهداف محطات الطاقة والوقود. فكراس القانون الكندي عن النزاع المسلح، مثلاً، يدرج "مناطق تخزين البترول" على أنها "أهداف عسكرية مقبولة عموماً"، في حين تتضمن قائمة اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن الأهداف العسكرية "محطات تزويد الطاقة الأساسية للدفاع الوطني، مثل الفحم أو غيره من الوقود أو الطاقة الذرية، ومصانع إنتاج الغاز أو الكهرباء الموجهة بشكل رئيسي للاستهلاك العسكري".

ومن الشكاوى التي رفعت ضد إسرائيل ما يتعلق بانسكاب النفط على الشواطئ اللبنانية أثناء الحرب. ودون أي تعليق عن صحة مثل هذه الشكاوى، لا بد من التشديد على أن إسرائيل ضمنت العبور الجوي والبحري لأية مساعدة قدمت بهذا الخصوص، حتى وسط الحصار الجوي والبحري الذي اضطرت إلى فرضه لأسباب أمنية وعملانية.

وبعيداً عن هذه الأمثلة المحددة عن البنية التحتية التي كانت تخدم تنظيم حزب الله الإرهابي، حرصت إسرائيل على تجنب إلحاق الضرر بالمباني والخدمات المدنية. وقد ذكر الصحفي وليم إم. أركين من صحيفة واشنطن بوست الذي زار لبنان خلال الحرب هذه النتائج. فقد كتب فيما يتعلق بتدمير بيروت:

إن مجرد رحلة قصيرة بالسيارة من ضاحية بيروت الجنوبية تعيدك إلى البولفارات الصاخبة؛ فبعد أن تتجاوز مجموعة قليلة من الأحياء تصل إلى مخازن فخمة وفنادق خمسة نجوم. فبعيداً عن أحياء حزب الله تجد المدينة طبيعية. الكهرباء ساطعة كما كانت قبل اندلاع الحرب، واللبنانيون المنفتحون على العالم يتحدثون بالهواتف النقالة. وحتى المطار الدولي الذي تم قصفه يعاد فتحه. إن قراءة دقيقة لما جرى ولما تعنيه بيروت الجنوبية قد يرسم صورة مختلفة. لدى إسرائيل الوسائل لإحداث دمار أكبر ولكن هذا لا يعني أنها بذاتها أكثر وحشية من حزب الله، فهذا الحزب لو كان يمتلك صواريخ أكبر وأكثر دقة، لفعل بلا شك أكثر مما فعلته إسرائيل.

أنواع الأسلحة المستخدمة

استخدمت إسرائيل في مجرى الحرب في لبنان طيفاً من الأسلحة والذخائر في مساعيها الرامية إلى مواجهة التهديد الإرهابي. وقد كانت جميع الأسلحة، وطريقة استخدامها من قبل جيش الدفاع الإسرائيلي، في اتساق مع القانون الإنساني الدولي. وكانت الذخائر العنقودية من بين الأسلحة التي استخدمت. وهذه الأسلحة غير محرمة من القانون الدولي – لا من القانون الدولي العرفي ولا من معاهدة الأسلحة التقليدية التي تشكل إسرائيل طرفاً فيها. فهناك عشرات الدول التي تمتلك هذه الأسلحة وقد استخدمها العديد منها.

من الواضح، كما في حالة جميع الأسلحة، أن استخدام الذخائر العنقودية يجب أن يتماشى مع مبادئ قانون النزاع المسلح. وخلال الحرب استخدمت إسرائيل الأسلحة العنقودية كجزء من ردها على التهديد الفريد الذي يشكله حزب الله. وبالتحديد فإن طبيعة الحملة العسكرية والحجم الهائل للغارات الصاروخية – بما فيها الغارات بالذخائر العنقودية – ضد المراكز السكنية في إسرائيل، وحقيقة تمويه منصات الصواريخ عمداً وبمهارة في مناطق تضم أبنية وفي مناطق حراجية كثيفة، هو ما دفع لاتخاذ القرار باستخدام هذه الأسلحة. ولم يتخذ قرار استخدام الذخائر العنقودية لتفادي الغارات الصاروخية إلا بعد تجريب خيارات أخرى تبين عدم كفايتها في تغطية مناطق تواجد منصات الإطلاق. وفي الممارسة تبين بوضوح مدى الفعالية العمليانية لاستخدام الأسلحة العنقودية التي أدت إلى وقف الغارات الصاروخية على المراكز السكنية الإسرائيلية.

ورغم الحاجة الملحة لوقف إطلاق الصواريخ على إسرائيل من جانب حزب الله، أقرت إسرائيل بالحاجة إلى اتخاذ إجراءات لتفادي، أو على الأقل للحد من، الإصابات بين المدنيين. ومن بين الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل طباعة ملايين المنشورات باللغة العربية ونثرها فوق المناطق السكنية للطلب من الأهالي ضرورة مغادرة هذه المناطق لتجنب الأذى الذي قد يلحق بهم بسبب ردنا على نشاط حزب الله. وتم أيضاً بث هذه الرسائل عبر مكبرات الصوت وعبر إذاعة المشرق التي تبث بالعربية من إسرائيل. إلى ذلك، اتصل المسؤولون الإسرائيليون برؤساء البلديات والقادة المحليين لعدد من القرى لضمان إخلاء القرى من السكان.

وقد أطلقت جميع الذخائر العنقودية على أهداف عسكرية مشروعة، ولأسباب إنسانية أطلقت معظم الذخائر العنقودية على مناطق مكشوفة بشكل يترك مسافة أمان عن الأبنية السكنية. وفي الحالات التي تم فيها استخدام الأسلحة العنقودية ضد أهداف عسكرية في جوار مناطق مسكونة، كان يتم توجيهها بشكل خاص إلى مواقع إطلاق الصواريخ ضد إسرائيل، وبعد اتخاذ إجراءات كبيرة لتحذير المدنيين لمغادرة المنطقة. وأكثر من ذلك، بعد وقف الأعمال العسكرية، سلمت إسرائيل قوات اليونيفيل خرائط عن المناطق التي يتوقع أن يكون فيها قذائف غير منفجرة، بما في ذلك القنابل العنقودية، لتسهيل عملية التخلص منها.

القضايا الإنسانية

في سياق الحرب برزت قضايا إنسانية خطيرة كثيرة. ورغم استمرار الحرب، سعت إسرائيل لإيجاد سبل فعالة وعملية لمعالجة هذه القضايا والتخفيف من المعاناة.

ومن هذه المساعي اتخاذ خطوات لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين في لبنان. وقد أعدت غرفة عمليات في تل أبيب لتنسيق الجهود الدولية لتقديم العون إلى لبنان. وكان يرأس الغرفة كبار قادة جيش الدفاع الإسرائيلي وتضم عناصر من وزارة الخارجية الإسرائيلية والأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي.

وفي الوقت نفسه، فتحت إسرائيل "ممراً إنسانياً" لتمكين سفن المساعدة من الوصول إلى لبنان رغم استمرار العمليات الحربية. وتم فتح ممر بحري عبر ميناء بيروت، وممر بري من بيروت باتجاه الشمال إلى الحدود اللبنانية السورية. وطوال فترة الحرب، نسقت إسرائيل القضايا الإنسانية مع المجتمع الدولي، حتى أنها وسعت الممر ليشمل نقاط دخول أخرى، وأنشأت "قيادة إنسانية" خاصة لتوجيه جهود التنسيق. وإلى ذلك، قامت إسرائيل بترتيبات للسماح بهبوط طائرات في مطار بيروت الدولي لنقل بضائع إنسانية إلى سكان جنوب لبنان.

ومن القضايا الإنسانية الأخرى إخلاء الأجانب من لبنان. فمن اليوم الأول للحرب، ساعد جيش الدفاع الإسرائيلي في تنسيق عملية إخلاء أكثر من 70 ألف أجنبي من لبنان. وحسب معلوماتنا، تم إنجاز هذه المهمة دون أية خسائر في الأرواح. فقد سمح لما مجموعه 213 سفينة ركاب و123 قافلة برية و196 حوامة بالرسو في لبنان أو بالسفر عبر لبنان لإخلاء الأجانب والسواح. وقد تمكنت القوافل من العبور على طرق متفق عليها بالتنسيق مع جيش الدفاع الإسرائيلي.

كما قدمت المشافي الإسرائيلية العناية الطبية المجانية لأي لبناني أصيب في الحرب. وحسب قول البروفسور زيف. روثشتاين، المدير العام لمركز شيبا الطبي في تل هاشومير:

لسنا المسؤولين عن هذه الحرب. ولا نسأل من المسؤول عنها. لدينا قلب يهودي منفتح. هدفنا هو إنقاذ الحياة وتخفيف المعاناة. إننا لا نكره كما يفعل الإرهابيون... لدينا مساكن للعائلات اللبنانية وطعام مجاني... إننا نمد يدنا لكل من يحتاجنا، بمن فيهم البالغون... وكل النفقات يدفعها المانحون... وإذا ما وصل إلينا طفل ما فإننا لا نسأل ما إذا كان أبوه إرهابياً.

وقد بث هذا العرض عبر أحد ممثلي المشفى في قبرص نظراً إلى أن العديد من اللبنانيين فروا إلى هناك، كما بث على محطات الإذاعات الناطقة بالعربية في المنطقة.

الخلاصة

جرت العمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان في سياق عدم تناظر واضح فيما يخص تطبيق مبادئ القانون الإنساني الدولي: فحزب الله، وبانتهاك واضح لهذه المبادئ، استهدف عمداً المدنيين الإسرائيليين، في حين استخدم المدنيين والمباني المدنية كغطاء لتخزين أسلحته وإخفاء مقاتليه وإطلاق صواريخه على إسرائيل. أما إسرائيل فإنها تلزم نفسها التقيد بمبادئ القانون الإنساني هذه حتى وهي تواجه خصماً يتعمد الاستخفاف بها.

وبفعلها هذا تسعى إسرائيل جاهدة لضمان أن تكون عملياتها العسكرية موجهة ضد أهداف عسكرية مشروعة وأن تحد من الأضرار في صفوف المدنيين، سواء من خلال إلغاء الغارات التي ستتسبب بضرر لا يتناسب مع الميزة العسكرية أو بتنبيه السكان مسبقاً حيثما أمكن ذلك. إن جرداً للممارسة العالمية من شأنه أن يبين أن الخطوات التي اتخذتها إسرائيل لمعالجة الاعتبارات الإنسانية تماثل، وغالباً ما تتفوق على الخطوات التي اتخذتها الكثير من الديمقراطيات الغربية لدى مواجهتها تهديدات مشابهة أو أقل من التهديدات التي تواجهها إسرائيل.

كانت معاناة المدنيين واقعاً مأساوياً على جانبي النزاع. وقد عملت إسرائيل جاهدة للحد من هذه الضريبة، سواء من خلال حماية المدنيين الإسرائيليين أو من خلال السعي للحد من معاناة المدنيين في الجانب اللبناني. وبعد الحرب، شرعت إسرائيل أيضاً بإجراء العديد من التحقيقات والتحاليل للتعلم من دروس الحرب وللتمكن من إدخال التحسينات في المستقبل. ولكن الجهود الإسرائيلية في هذا المجال يجب أن لا تقلل من المسؤولية الجوهرية التي تقع على كاهل من استخدموا المدنيين اللبنانيين دون رحمة وعن قصد كدروع، مسؤوليتهم عن المعاناة الأكيدة التي لحقت بهؤلاء المدنيين جراء ذلك.