Syria Syria |
I. الملخص
تقوم الحكومة السورية بالتضييق الشديد على حريات نشطاء حقوق الإنسان في التعبير عن آرائهم وفي التجمع على شكل جمعيات. وفي ظل الأحكام القانونية المقيدة والتعسفية؛ فإن منظمات حقوق الإنسان تتعرض لرفض الشهر على الدوام وتتحمل استمرار عملها على نحو غير مستقر ومن دون صفة قانونية. والأسوأ أن أجهزة الأمن تُعرِّض نشطاء حقوق الإنسان لتدقيق ومتابعة صارمة ومضايقات تتضمن حظر السفر والاعتقالات والمحاكمات.
ويوثق هذا التقرير هذه القيود عن طريق فحص السياق القانوني الذي يعمل فيه هؤلاء النشطاء والممارسات الحكومية التي يتعرضون لها. ويستند التقرير إلى مقابلات موسعة تم إجراءها مع ممثلين من كافة منظمات حقوق الإنسان السورية، ومحامين مستقلين وأعضاء من المجتمع الدبلوماسي الدولي في دمشق.
وعلى الرغم من أن الدستور السوري يصون الحق في حرية التجمع والتعبير، إلا أن الحكومة قد استعانت باستمرار حالة الطوارئ والتشريعات المُقيِّدة، مثل قانون عام 1958 الخاص بالجمعيات (قانون رقم 93)، وهذا بغرض التضييق على ممارسة النشطاء لحقوقهم الأساسية. وقد اعتمدت الحكومة على هذه القوانين لتتجاوز بها الضمانات الدستورية لكي تصبح الجهة الوحيدة التي تحدد كيفية اجتماع السوريين ومن منهم يحق لهم تكوين الجمعيات. وبموجب أحكام القانون رقم 93 فإن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية تتحكم في شهر كافة منظمات المجتمع المدني ولها نفوذ واسع للتدخل في الإدارة الداخلية والعمليات اليومية لأي منظمة منها. وعلى كافة المنظمات أن تخطر وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل باجتماعاتها ويحق لممثلي الوزارة حضور هذه الاجتماعات. فضلاً عن أن الوزارة تتمتع بسلطة تنظيم العلاقات الخاصة بأية جمعية محلية بالمجتمع الدولي، بحيث تضمن أن الجمعيات المحلية مقيدة لأقصى حد في قدرتها على تمويل عملياتها أو السعي للحصول على النصح أو الخبرات أو الدعم أو التعاون من الخارج.
ومشكلة قانون رقم 93 ليست فقط في لهجة مواده وأحكامه، بل أيضاً في الطريقة التعسفية التي تطبق بها الحكومة أحكامه. والعامل الوحيد المُستَخدم في التنبؤ بدرجة التقييد في التحكم في جمعية ما، هي النسبة التي تقوم بها الجمعية بكيل الانتقاد للحكومة في أنشطتها وعملها.
وبالإضافة للقانون رقم 93، فإن السلطات الحكومية تعتمد أيضاً على حالة الطوارئ المستمرة في تبني إجراءات مقيدة لكتم أصوات الانتقاد ولمنعها من العمل كجمعيات معترف بها قانوناً.
والنتيجة هي أن السلطات السورية قد رفضت شهر أي من جمعيات حقوق الإنسان التي تقدمت بطلب الشهر. ومن دون الصفة القانونية، فهذه الجمعيات تعمل حسب مزاج السلطات وتعيش في حالة خوف مستمرة من أن يتم إغلاقها في أية لحظة ومن سجن أعضائها لانتهاكهم القانون.
إلا أن العائق الأخطر في وجه حقوق وحريات مجتمع حقوق الإنسان السوري لا يكمن في القانون، بل في دور أجهزة الأمن التي تتمتع بنفوذ واسع، والتي تضايق بشكل منهجي جمعيات حقوق الإنسان وتنتقد قادتها وأنشطتها وتمويلها. وهذه الأجهزة الأمنية كثيراً ما تتجاوز في عملها أحكام القوانين السورية الصارمة، إلى الإيقاف التعسفي لاجتماعات لجمعيات حقوق الإنسان، ومنع النشطاء من السفر واعتقالهم وإحالتهم إلى المحكمة جراء اتهامات ذات طابع سياسي.
وكثيراً ما تبرر الحكومة السورية عدم تحملها للانتقاد بالقول بأنها حالياً خاضعة للتهديد من قبل الولايات المتحدة ودول غربية أخرى تسعى لعزلها، وإن أي انتقاد موجه للحكومة لن يكون إلا خدمة لمصالح هذه القوى الأجنبية. إلا أن القمع الحكومي لنشاط حقوق الإنسان ليس ظاهرة حديثة في سوريا، وضحاياه ليست لديهم في العادة صلة بالقوى الغربية وهم أنفسهم ينتقدون السياسة الأميركية في المنطقة. ومنذ وصول حزب البعث إلى السلطة عام 1963، والسلطات السورية تُسكت أي شكل من أشكال الانتقاد. ومع وصول بشار الأسد إلى السلطة عام 2000 انتعشت الآمال في زيادة تحمل الانتقاد، لكن سرعان ما خبت هذه الآمال فجأة عندما قامت السلطات السورية بعد عام بشن حملة على حركة المجتمع المدني الوليدة.
وأياً كان مبرراتها لرفضها احترام حقوق المواطنين السوريين، فإن تداعيات الأفعال الحكومية واضحة: حماية السلطات من أي انتقاد أو محاسبة. وثمة نتيجة أخرى هي أن القوانين والممارسات المقيدة جعلت مجتمع حقوق الإنسان السوري ضعيفاً للغاية ومعزولاً أشد العزلة. وبالمقارنة بجمعيات حقوق الإنسان في الشرق الأوسط، فهؤلاء النشطاء لديهم أقل الصلات بالجمعيات والشبكات الدولية.
وبعزل جمعيات حقوق الإنسان، فإن الحكومة السورية لا
تقتصر على التضييق على النشطاء في حقهم في التعبير عن أنفسهم أو الاجتماع
بحرية. بل هي أيضاً تحرم الشعب السوري من حراك مجتمع يتمكن فيه الأفراد من
محاسبة الحكومة على انتهاكات حقوق الإنسان. 1 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع ناشط حقوقي سوري (تم حجب الاسم)، دمشق، 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2006.
|