Jordan



Jordan Jordan
  

ملحق: ثلاث وقائع تعذيب في السجون

الحالة الأولى: العقبة

نيويورك، 17 سبتمبر/أيلول 2007

سعادة العقيد عبد الكريم الردايدة
رئيس إدارة الشؤون القانونية
مديرية الأمن العام
عمان
المملكة الأردنية الهاشمية

سعادة العقيد عبد الكريم الردايدة،

تتابع هيومن رايتس ووتش عن قرب التحقيقات الخاصة بالملاحقة القضائية للأشخاص الضالعين في ضرب فراس (صبيح) زيدان في سجن العقبة، حيث تم العثور عليه ميتاً صبيحة يوم 10 مايو/أيار 2007.

وتسرنا الإشارة إلى أن المركز الأردني الوطني للطب الشرعي قد أصدر تقريراً معدلاً بالتشريح لزيدان. كما نشير إلى أن الملاحقة القضائية قيل في تقارير إنها تبعاً للتعديل قد ارتقت إلى الاتهام بـ "الضرب المبرح المفضي إلى الموت" ضد بعض المتهمين من مركز إصلاح وتأهيل العقبة التابع لمديرية الأمن العام.

إلا أننا ما زال يراودنا القلق من أن الجهود التي يبذلها الادعاء لم تستنفد تماماً كل السبل لإثبات حقيقة وقوع الأحداث المفضية إلى موت زيدان في سجن العقبة، وتحديد كل الأشخاص المسؤولين عن هذا. ويستند قلق هيومن رايتس ووتش بالأساس إلى معلومات جمعناها أثناء زيارة إلى سجن العقبة في 27 أغسطس/آب، وأيضاً بناء على متابعتنا للتحقيق وجهود الادعاء إلى الآن.

وقد تكلمنا في سجن العقبة إلى ستة سجناء سردوا تفصيلاً حادث الضرب الذي تعرض له زيدان. وقال بعضهم إن المحققين لم يسألوهم أبداً عن أقوالهم. وقال بعضهم إن المدعي لم يقم إلا بزيارة أو اثنتين إلى السجن لجمع الأدلة. وأشاروا جميعاً إلى وجود مضايقات مستمرة من قبل العاملين بالسجن لكي لا يشهدوا، أو لا يتعرفوا – في حالة استدعائهم –إلى العاملين المسؤولين عن الضرب.

كما تعتقد هيومن رايتس ووتش أنه كان يجب بذل المزيد لإنقاذ حياة زيدان. إذ كان يجب تدخل ضباط آخرين، بما أن بعضاً من حادث الضرب وقع على مرأى من الجميع. وكان على الضابط الجالس في حجرة مراقبة الفيديو أن يرى الضرب على الشاشة وأن يتدخل. وكان على العاملين بالمستشفى الذي تلقى فيه زيدان العلاج في 9 مايو/أيار أن يجدوا أمامهم شخصاً معرضاً لضرب مبرح، إلا أنهم قرروا تجاهل الفحص وإرساله ثانية إلى السجن. وأخيراً، فإن الظروف التي وجدت فيها مادة الكلوميبرامين في دماء زيدان وكيفية دخولها إلى دمه، لم يتم التحقيق فيها على نحو كامل.

كما نقدم قائمة بالأسئلة التي تم توجيهها إلى الادعاء (انظر المرفق طيه) لمساعدته على السعي للحصول على إجابات على الأسئلة المتصلة بأسباب الوفاة والمسؤولين عنها. وقد حصلت هيومن رايتس ووتش على روايات من مسؤولين بسجن العقبة والسجناء تلقي بالضوء على بعض من هذه الأسئلة التي نشارككم إياها أدناه. وقد حافظنا على سرية أسماء الأشخاص الذين تكلموا إلينا بناء على طلبهم. وأسماء الشهود الأساسيين مدرجة لدينا في حالة ما إذا قررتم اعتبار شهاداتهم مفيدة.

برجاء ألا تترددوا في الاتصال بي طلباً لطرح أية أسئلة إضافية. أتطلع قدماً للتواصل معكم بشأن مجريات الملاحقة القضائية والمحاكمة.

مع كامل الاحترام،

كريستوف ويلك

هيومن رايتس ووتش

المرفقات:

قائمة بالأسئلة الموجهة إلى الادعاء

نسخة إلى:

1) سعادة الدكتور باسم عوض الله، مدير مكتب جلالة الملك

2) الفريق الركن محمود ماجد العيطان، مدير مديرية الأمن العام

3) سعادة الأستاذ شاهر بك المفوض العام للمركز الوطني لحقوق الإنسان

4) أسرة فراس زيدان

مذكرة بشأن التحقيق في معاملة فراس زيدان بمركز إصلاح وتأهيل العقبة، 6 إلى 10 مايو/أيار 2007

عثر سجين في سجن العقبة على فراس إسماعيل محمود زيدان ميتاً في زنزانته الانفرادية في الصباح الباكر من 10 مايو/أيار 2007، بعد أن قام حراس السجن بضرب زيدان بشدة على مدى الأيام الثلاثة السابقة على ذلك التاريخ. وقد عومل زيدان "بأسلوب غريب" في مستشفى الأميرة هيا العسكري بالعقبة في 9 مايو/أيار، وهو اليوم السابق على وفاته.

سبب الوفاة وحالة زيدان الصحية

وجد تشريح أولي تم إجرائه في العقبة بتاريخ 10 مايو/أيار، أربعة كدمات وسحجات على رأس زيدان وظهره ومؤخرته وخاصرته. وتقرير التشريح الأول الصادر عن مركز عمان الوطني للطب الشرعي، بتاريخ 12 مايو/أيار، والذي أدرج يوم 11 مايو/أيار بالخطأ على أنه يوم الوفاة، وجد أن ثمة "كدمات كثيرة ومتنوعة... تغطي حوالي 15 إلى 20% من الجسد، بالإضافة إلى حالة استسقاء حاد في الرئتين". وقد خلص تقرير تشريح ثالث غير مؤرخ صادر عن المركز الوطني، واشتمل على اختبار معملي، إلى أن سبب الوفاة هو "فشل حاد في التنفس" ناجم عن "آثار الكلوميبرامين السامة" في "تركيز 14.3 ملليغرام في ملليلتر دماء، يتعدى بمائة ضعف التركيز العلاجي المقبول".

وقد قدمت هيومن رايتس ووتش تقارير التشريح هذه للمراجعة على يد طبيب باثولوجي شرعي عمل بشكل موسع على التعرف إلى آثار التعذيب، واستشرنا عدة أطباء نفسيين مرموقين في الولايات المتحدة بشأن الجرعات والآثار الخاصة بالكلوميبرامين، وكذلك بشأن أعراض تناول جرعة زائدة. وقد وجد هؤلاء الخبراء أن تقرير التشريح الثالث هو تقرير تم إجراؤه جيداً، لكنهم أبدوا شكاً حول الجرعات الكبيرة للغاية من الكلوميبرامين الموجودة في الجسد.

وقد انتهى المركز الوطني للطب الشرعي من إعداد تقرير تشريح رابع، بتاريخ 21 أغسطس/أب، بناء على إعادة اختبار عينات الدم والمرارة، ووجد فيه أن مستويات الكلوميبرامين في الدم بلغت 0.45 ميكروغرام لكل ملليمتر من الدماء، وحدد سبب الوفاة على أنه "تعاظم عوامل مشتركة... وهي الإصابات والأنزفة وأثر النهي العصبي السمبثاوي، بالإضافة إلى الآثار السمية لعقار الكلوميبرامين، واعتلال عضلة القلب".

واستبعدت نتائج التقرير أن كمية الكلوميبرامين الموجودة في جسد زيدان هي السبب الوحيد للوفاة. إلا أن هيومن رايتس ووتش تود لفت انتباهكم إلى النقاط التالية:

طبقاً للمادة 24 من قانون مراكز الإصلاح والتأهيل (قانون رقم 9 لعام 2004)، فإنه "على طبيب المركز أن يجري فحصاً طبياً للنزيل ويرفع تقريراً بحالته الصحية في أي من الحالات التالية: أ) مع الدخول إلى المركز [الخاص بالنزيل] وقبل إطلاق سراحه منه ولدى نقله من مركز إلى آخر، ب) قبل وضع النزيل في الحبس الانفرادي وبعد إخراجه منه".

وطبقاً لمسؤول بإدارة سجن العقبة، تكلم إلى هيومن رايتس ووتش في 27 أغسطس/آب، فإن زيدان "لم يتلق أبداً فحصاً طبياً أو علاجاً طبياً أثناء وجوده بالسجن". وكان يجب أن يفحص طبيب زيدان لدى دخوله في 6 مايو/أيار. وقال مسؤول السجن إن الطبيب في العادة يفحص السجين الجديد "يوم دخوله أو في اليوم التالي على دخوله"، بما أن الطبيب يأتي إلى سجن العقبة فقط من الساعة التاسعة صباحاً إلى الواحدة ظهراً أيام الاثنين والأربعاء والخميس. فإن زيدان لهذا كان يمكن أن يفحصه الطبيب صباح الاثنين 7 مايو/أيار، بعد حوالي 14 ساعة من دخوله السجن.

ودكتور محمد (اسمه الكامل غير معروف)، وهو طبيب سجن العقبة الذي كان موجوداً في الخدمة يوم 27 أغسطس/آب، قال لـ هيومن رايتس ووتش إنه لا يمكنه وصف عقاقير نفسية للمرضى، قائلاً إن الطبيب المختص بهذا في العيادة الصحية بسجن العقبة هو من يمكنه هذا. ولا توجد معلومات تشير إلى أن زيدان قد تعاطى الكلوميبرامين قبل دخوله سجن العقبة أو أنه تعاطى العقار أثناء وجوده بالسجن من طبيب. إلا أن عامر جميل، من الرصيفة، وفهد الكعبة، من مادبا، واللذان قيل إنهما أصبحا الآن في سجن سواقة، كانا جارين لزيدان في الجناح 1، حيث قضي 10 ساعات من التاسعة صباحاً إلى السابعة مساءً من يوم الاثنين 7 مايو/أيار. وقال رفاق السجن في الجناح 1 إن جميل وكعبة كانا يحصلان على عقاقير علاج نفسي من الحراس يومياً، وإن الأقراص المعنية كانت تدعى "روش 2". وكذلك فقد أخطرت إدارة السجن هيومن رايتس ووتش أنها تبقي عقاقير السجناء في أمانة للتخزين، حيث يترك السجناء كل متعلقاتهم لدى دخولهم، وأن العقاقير المطلوب وضعها في التبريد توضع في مبرد السوق، حيث يوجد سجين يعمل بذلك المكان. ويبدو أن الأمانة ومنطقة السوق يسهل للحراس الولوج إليهما. والسجلات الطبية كفيلة بإظهار أي العقاقير التي كانت بسجن العقبة تحتوي على الكلوميبرامين، ومن تلقاها، ومن اطّلع عليها من 6 إلى 10 مايو/أيار.

وفي 9 مايو/أيار، وحوالي الساعة الثانية والنصف مساءً (قال آخرون إنه ربما كان ذلك في وقت لاحق من اليوم)، اصطحب مسؤولو السجن زيدان إلى مستشفى الأميرة هيا العسكري، حيث حقن أحد الأطباء زيدان بجرعة من هالوبيرودول، بناء على وصف الحراس بأنه "يعاني مشكلات نفسية". والظاهر أن الطبيب لاحظ وجود الكدمات على ذراعي زيدان المكشوفين، لكنه لم يجر فحصاً أو يسأل مزيداً من الأسئلة، وأخرجه ليعود إلى السجن.

والمادة 29 من قانون السجون تنص على أنه "1) إذا توفي نزيل، ... ب) على طبيب المركز تقديم تقرير عن حالة النزيل المتوفي في المركز وبصورة خاصة ما يلي: 1) نوع المرض الذي يشكو منه وتاريخ بدء تأثره به، 2) تاريخ آخر كشف أجراه الطبيب قبل الوفاة، 3) تاريخ الوفاة ووقت حدوثها". وتقرير التشريح الأول فقط، الذي تم إعداده في العقبة، يذكر زيارة زيدان لمستشفى الأميرة هيا العسكري. ولا يوجد سجل طبي عن زيدان وقت الوفاة، ولم تذكر أي من التقارير زمن الوفاة.

الضرب المبرح المتكرر

تشير تقارير التشريح إلى علامات للضرب المتفشي، وتقرير التشريح الرابع يدرج قائمة بإصابات ناجمة عن الضرب باعتبارها أحد العوامل التي أدت إلى الوفاة. وطبقاً لمسؤولي إدارة السجن وشهود العيان من السجناء الذين تكلمت إليهم هيومن رايتس ووتش، فإن زيدان دخل سجن العقبة حوالي الساعة 7 مساء يوم الأحد 6 مايو/أيار، وعومل بشكل طبيعي (من تسجيل وحلاقة). وفي ذلك الوقت أفاد شاهد عيان كان قد تكلم مع زيدان، بأنه كان يتصرف بشكل طبيعي. وبعد الساعة 8 مساءً، وضع الحراس زيدان في زنزانة الحبس (الشبكة)، ولها قضبان معدنية ومكانها خارج أجنحة السجن الرئيسية. وأي مسؤول يمر بجناح السجين في طريقه إلى مبنى الإدارة سيجد الشبكة تعترض طريقه. وقد وجدت هيومن رايتس ووتش أنه من المعتاد وضع السجناء الجدد في الشبكة لفترة تتراوح بين ساعات قليلة ويوم واحد.

وقد عرضت إدارة السجن وبعض شهود العيان روايات متعارضة حول ما إذا كان الحراس قد ضربوا زيدان في الشبكة للمرة الأولى ليلة الأحد أو صبيحة الاثنين. ويقال إن هاني التكارنة كان في الشبكة مع زيدان في الليلة الأولى.

وفي يوم الاثنين 7 مايو/أيار، وقبل الساعة 9 صباحاً، وضع الحراس زيدان في الجناح رقم 1، حيث شغل السرير الأول في الصف الأيمن من الأسرة، و/أو السرير المواجه له والموازي للجدار. وهناك، على حد قول زملائه من النزلاء، بدأ يتصرف بشكل غريب، إذ شرب المياه من فنجان بلاستيكي فيه أعقاب سجائر، وسب الآخرين وضرب رأسه بالحائط، لكنه هدأ مع حلول المساء. وقالت إدارة السجن إنه سب السجناء والسلطات وإن الحراس أبعدوه نتيجة شكاوى من زملائه من السجناء. وقال السجناء إنه في وقت متأخر من عصر اليوم التالي، حوالي الساعة 7 مساءً، دخل الحراس لافي العميري، وموسى الحويطات، وقادر الطورة دخلوا إلى الحجرة. وكان زيدان جالساً في السرير السفلي الخاص بمحمود جواد، الذي كان متغيباً لمثوله أمام المحكمة. وقال الحراس لزيدان أن يرتدي ثيابه، وحين رفض، نزل العميري والحويطات من السرير العلوي وضربا زيدان في وجهه وصدره بحذائيهما، قبل أن يصطحبانه إلى الخارج. وتوجد في صحيفة اتهام الادعاء أسماء مختلفة قليلاً عن أسماء الحراس هذه.

وبعد هذا، سمع السجناء زيدان يصرخ، وهذا على ما يبدو تأثراً بالضرب، وكان صوته قادماً من اتجاه الشبكة. وفي تلك الليلة، أفاد شهود العيان بأن الطورة والعميري والحويطات ضربوا زيدان في الشبكة بأربعة أسلاك كهربية بيضاء وعصي. وثمة شاهد محتمل آخر على هذه الأحداث، هو سيزار إبراهيم هنية. وفي ذلك الحين كان يوجد أربعة أشخاص في الشبكة معه، لكن الحراس لم يضربوا غير زيدان، الذي راح يسب الحراس والسجناء على حد سواء. وقال شهود العيان إن الحراس لم يضربوا زيدان في رأسه. بل ضربوه حوالي 15 إلى 20 مرة، وفي كل مرة لمدة خمس دقائق. وظل في الشبكة حتى حوالي الساعة الواحدة صباحاً، وبعد هذا رافقه الحراس إلى زنزانة الحبس الانفرادي. وكان زيدان يسير وحده في ذلك الحين على حد قول الشهود.

وصباح الأربعاء 9 مايو/أيار، شاهد أحد السجناء زيدان وكان راقداً عارياً في زنزانة الحبس الانفرادي. وكان ينزف ويسيل اللعاب من فمه. وكان زيدان شبه فاقداً للوعي. وقام كل من السجناء بدر يحيى بركة، وعلي صالح الكارادونا، ووجدي سلامة أبو قادوم، ومأمون حرب ومحمود نايف المؤمني، بإلباس زيدان ثيابه وحمله إلى الشبكة. وهناك قام الحارس حسن طلاق بضرب زيدان بشدة بسلك كهربي حوالي 15 دقيقة.

وقال سجناء آخرون بالجوار إنهم سمعوا صرخات قادمة من الشبكة حوالي الساعة 9 مساءً وتعرفوا فيها على صوت زيدان. وقالوا إن أصوات الضرب استمرت حوالي 30 دقيقة. وقال شهود العيان إن الحارس موسى الحويطات ضرب زيدان بسلك كهربي يبلغ من الطول متراً واحداً، وكان خاصاً بجهاز مكيف كهربائي وفيه عُقد. وفي ذلك الحين كان زيدان مقيداً بالسلاسل في الشبكة، ويديه إلى الخارج وقد جلس القرفصاء لأن أصفاد يديه كان مربوطة على ارتفاع منخفض بأحد القضبان المعدنية. وكان زيدان لا يرتدى سوى سرواله. وقال أحد شهود العيان إن ضرب الحويطات استغرق حوالي 10 دقائق.

وقال السجناء إنه في الساعة العاشرة صباحاً، تم نقل زيدان ثانية إلى الحجز الانفرادي. وحين وصل حراس الوردية الليلية حوالي الساعة الرابعة مساءً، رأى شهود العيان الحراس يضربون زيدان ثانية، وهذه المرة في ردهة المطبخ، وهي قريبة من زنازين الحبس الانفرادي. وقيل إن الحارس لافي العميري كان أحد الأشخاص الذين ضربوا زيدان، بما أنه كان يعمل في ورديتين متعاقبتين ذلك اليوم. وهذه المرة لاحظ شهود العيان وقوع الضرب على الرأس وخروج الدماء و"مادة بيضاء" من منطقة قريبة من صدغ السجين. وأحد الشهود الإضافيين في هذه الأحداث هو عاصم الششتاوي من العقبة (ربما أصبح الآن في سجن معن).

وقبل أو بعد الضرب مباشرة، قيل إن الحراس اصطحبوا زيدان إلى المستشفى. وطبقاً لأحد شهود العيان، ضرب الحراس زيدان بعد عودته من المستشفى في ردهة المطبخ، وهذا مساء يوم 9 مايو/أيار. وعثر سجين على زيدان ميتاً في زنزانته في أثناء تقديم الإفطار صباح اليوم التالي، 10 مايو/أيار.

مشكلات قائمة بخصوص التحقيق والملاحقة القضائية

طبقاً لإدارة سجن العقبة، فإن المدعي العام للعقبة قد زار السجن بعد وفاة زيدان بقليل. وطبقاً للسجناء فإن مدعي العقبة جاء مرتين، مرة بعد وفاة زيدان، والأخرى في أواسط يوليو/تموز.

وطبقاً لأقوال بعض السجناء، فقد أدلى العديد من سجناء العقبة الحاليين والسابقين بأقوال للمدعي. إلا أن شهود عيان آخرين على ضرب زيدان قالوا إنه لم يطلب منهم أن يدلوا بأقوالهم. وقال كل السجناء الذين على دراية بالأحداث التي وقعت إن المدعي لم يسأل سوى مقابلة أشخاص بعينهم ولم يطلب مقابلة بعض الشهود المهمين. وكذلك فإن عدة سجناء ممن قابلوا المدعي قالوا إنه مهتم بالأساس بطريقة تعاطي زيدان للعقاقير، وليس بالضرب الذي تعرض له.

واشتكى كل الشهود من مضايقات الحراس، خاصة الحارس حسن طلاق، وأيضاً من نزار وصلاح (الأسماء بالكامل غير معروفة). وقالوا إن الحراس أصدروا التهديدات نحوهم وضد عائلاتهم، بينما في مرات أخرى فضلوهم في المعاملة وأخبروهم ألا يشهدوا، أو إذا كانوا قد أدلوا بأقوال بالفعل، بألا يتعرفوا إلى الحراس أو يعيدوا سرد حادث الضرب في المحكمة.

وقال السجناء إن أربعة من الحراس الخمسة الذين شاركوا في الضرب قد وجهت إليهم تهمة جنائية وبالتالي تركوا الخدمة بالسجون، ولكن يبقى حارس واحد [تم حجب الاسم] كان مشاركاً بدوره في الأحداث. وقالوا إن مضايقات الشهود مستمرة، حتى تاريخ 27 أغسطس/آب.

ومن المرجح أن حراس آخرين شاهدوا الضرب المتكرر، أو على الأقل علموا بوقوعه، بما أن الشبكة في منطقة مكشوفة. كما فحصت هيومن رايتس ووتش حجرة المراقبة في مركز إصلاح وتأهيل العقبة في 27 أغسطس/آب. وقال مسؤول المراقبة، الذي قال إنه يعمل بهذا المنصب منذ عام، إن مراقبة الفيديو تتم لمدة 24 ساعة يومياً. والمراقبة تتم بالحاسب، مع وجود خمس شاشات كمبيوتر كبيرة تعرض ثماني لقطات لثماني كاميرات على كل من الشاشات، بالإضافة إلى عرض بث كاميرا واحدة كبيرة في وسط الشاشة. وتصور الكاميرات الردهات وغيرها من الأماكن العامة، مثل قاعة الطعام. وكان واضحاً تمام الوضوح في 27 أغسطس/آب جزء من منطقة تقع داخل الشبكة والمساحة المحيطة بها، وكذلك منطقة الردهة القريبة من زنازين الحبس الانفرادي، وإن لم يظهر على الشاشة ما بداخل الزنازين. ووصف مسؤول المراقبة وظيفته بأنها القيام بالمراقبة، وفي حالة وقوع اضطرابات، أن يسجل ما وقع. وقال إنه لا يتم الاحتفاظ بتسجيلات منتظمة.

كما تشير هيومن رايتس ووتش إلى أن التهم السابقة بـ"الإهمال في أداء الواجب" و"مخالفة الأوامر" و"إساءة استعمال السلطة" كما جاءت في صحيفة الاتهام بتاريخ 3 يونيو/حزيران، قيل إنها قد تغيرت إلى "الضرب المبرح المفضي إلى الموت"، طبقاً لأقوال شخص على دراية بمجريات التحقيق.

وندعوكم لأن تزيدوا من جهودكم الرامية لجمع كل الأدلة ذات الصلة، بما فيها روايات شهود العيان، والسجلات الطبية والعلاج الطبي، لتحديد كافة المسؤولين عن وفاة فراس زيدان، بمن فيهم الذين كان عليهم التدخل لمنع وفاة زيدان أثناء تأدية واجبهم كمسؤولين بالسجن أو كعاملين طبيين.

كما أننا نشعر بأبلغ الانزعاج من الروايات الخاصة بمضايقة الشهود، والتصريحات الصادرة من كبار مسؤولي إدارة الأمن العام التي يحاولون بها الخلط في حقيقة أن الحراس ضربوا زيدان أو أن الضرب لم يكن متصلاً بوفاته، والمعلومات غير المتسقة في تقارير التشريح التي على صلة بوجود الكلوميبرامين في دماء زيدان.

ونتوقع منكم اتخاذ خطوات فورية لإيقاف أشكال التدخل هذه في مجريات العدالة.

*          *          *

أسئلة للادعاء:

1) هل قام طبيبٌ باختبار فراس لدى دخوله إلى السجن، كما جاء في نص المادة 24 من قانون مراكز التأهيل والإصلاح؟

2) إذا كانت الإجابة بالإيجاب، هل قمتم بطلب  تقارير وسجلات طبية وحصلتم عليها؟

3) هل سعى فراس للحصول على رعاية طبية في السجن؟

4) هل حصل فراس على رعاية طبية في السجن؟

5) هل أمرتم بتحليل الدم الذي كان على الدشداشة لتحديد مصدر الدماء و/أو إن كانت الدماء ملوثة بمادة سامة، حتى يتسنى تحديد الوقت الذي يُزعم بأن فراس قد أُعطي فيه هذه المادة؟

6) هل فحص طبيبُ السجن فراس في السجنِ قبل نقله إلى مستشفى الأميرة هيا؟ وإذا كان قد فعل، فهل طلبتم التقارير الطبية الخاصة بالسجين الخاصة بيوم 9 مايو/أيار 2007 وحصلتم عليها؟

7) هل حصلتم على التقارير الطبية الخاصة بفراس والتي تم تحريرها بشأن علاجه الطبي في مستشفى الأميرة هيا في 9 مايو/أيار 2007؟

8) ما هو زمن الوفاة على وجه التحديد؟

9) هل تراقب وزارة الصحة دخول عقار الكلوميبرامين إلى الأردن؟ وهل توزيعه وبيعه وتوزيعه على المشترين يخضع لأي قوانين أخرى؟

10) هل تراقب الحكومة توزيع الكلوميبرامين على المراكز الطبية الأردنية؟

11) هل يتم الاحتفاظ بالكلوميبرامين في مركز سجن العقبة الطبي؟ وهل أجريتم بحثاً في السجن لتحديد مصدر هذه المادة؟

12) هل تم العثور على الكلوميبرامين أو وُجد أنه يتم تعاطيه في السجون الأردنية من قبل؟ وهل قابلتم طبيب السجن بسؤاله عن (أ) حالة فراس الصحية في السجن؛ و (ب) الخلفية المحتملة لتعاطي فراس الكلوميبرامين وهو رهن الاحتجاز وأسلوب تعاطيه له؟

13) هل يتم استخدام الكلوميبرامين في مستشفى الأميرة هيا؟ وهل أصدرتم الأمر بجردِ هذا العقار في مستشفى الأميرة هيا؟

14) هل وجهتم السؤال لطبيبة قسم الطوارئ بالمستشفى بما إذا كانت قد أعطت فراس جرعة من الكلوميبرامين عن قصدٍ أو دون قصد؟

15) هل أجريتم بحثاً في المنازل والخزائن وأماكن الإقامة، إلخ، الخاصة بأي من المتهمين المدانين أو غيرهم من المشتبه فيهم بحثاً عن الكلوميبرامين؟

16) هل تحققتم من أن المسؤولين والمشرفين بالسجن يتبعون الإجراءات التي يستوجب القانون اتّباعها أثناء وضعهم لفراس في الحبس الانفرادي، كما جاء في نص المادة 24 من قانون مراكز التأهيل والإصلاح؟

17) هل توصلتم إلى نظرية عن كيفية دخول الكلوميبرامين إلى جسد فراس؟ وما هي؟

18) لأجل استبعاد احتمال تعاطي الكلوميبرامين طوعاً، هل استشرتم أخصائي في علم السموم بشأن طول المدة الزمنية التي يستغرقها المرء قبل أن يلقى حتفه، جراء دخول الكلوميبرامين إلى جسمه بجرعة تبلغ 100 مرة ضعف المستوى المسموح به لتعاطي هذا العقار علاجياً؟ أو بشأن الأعراض التي قد تبدو على رجل يتمتع بصحة جيدة وجسد قوي؟

19) هل حصلتم على نسخة من حكم محكمة العقبة التي حكمت على فراس؟ وهل قابلتم المشاركين في المحاكمة لسؤالهم عن حالة فراس الصحية والعقلية في ذلك الحين؟

20) هل أجريتم تحليلاً مستفيضاً للصور التي تم التقاطها في مركز الطب الجنائي لضمان أنها (أ) كاملة ولم يتم حجب صور أخرى عن الادعاء؛ و(ب) أن الصور تبدي نفس الاستنتاج القائل بأن 15 إلى 20% من جسد فراس كان مصاباً بالكدمات؟

21) هل أجريتم مقابلات مستفيضة مع المحتجزين والسجناء في سجن العقبة بالإضافة لمن تم إطلاق سراحهم من السجن أثناء فترة عمل الحراس المتهمين؟ ليستنى لكم معرفة ما إذا كانت ثمة حوادث ضرب أو غيرها من أشكال الانتهاك البدني قد وقعت، وماذا كانت النتائج، إن وجدت، لهذه الحوادث؟

22) هل أجريتم بحثاً عن خلفية ما إذا كانت ثمة سجون أردنية أخرى تعاني من مضاعفات صحية جراء التسمم بالعقاقير الطبية بشكل عام، والكلوميبرامين على الأخص، خلال الأعوام الخمسة الماضية؟

23) هل قابلتم العاملين بقسم الطوارئ في مستشفى الأميرة هيا أو العاملين في مركز طبي آخر يتولى علاج نزلاء سجن العقبة، بغرض تحديد وتيرة تقديم المركز لخدمات طبية لنزلاء سجن العقبة، وما هي أنواع العلاج الطبي التي يتم توفيرها؟

24) توجد بعض الأدلة والقرائن القوية وشهادات الشهود التي تظهر أن فراس قد تعرض للضرب المبرح. وبما أن ثمة شكوك قوية تحوم حول كيفية تعاطي الجرعة القاتلة من الكلوميبرامين المزعومة، فما هو السبب الذي لم يتم من أجله التقدم بتهم القتل ضد المتهمين أو غيرهم من المجهولين الذين ربما قد تسببوا في تلقي فراس جرعة سامة من هذه المادة؟

الحالة الثانية: سواقة

مذكرة، 5 سبتمبر/أيلول 2007

إلى: خالد المجالي، وزارة الداخلية، إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل

نسخة إلى: محمد السرجان، وزارة الداخلية، إدارة حقوق الإنسان؛ سعادة المفوض ساهر بك، المركز الوطني لحقوق الإنسان.

من: كريستوف ويلكى، 5 سبتمبر/أيلول 2007

بشأن: أحداث مركز إصلاح وتأهيل سواقة في 26 أغسطس/آب 2007.

عزيزي السيد مجالي،

أتقدم إليكم بالشكر على مجهوداتكم في تيسير زيارة هيومن رايتس ووتش الأخيرة لمجموعة من مراكز الإصلاح والتأهيل الأردنية، خاصة زيارة العودة لسجن سواقة في 26 أغسطس/آب.

وكما قد تعرفون، فقد رأينا عدداً كبيراً من النزلاء المُصابين في ذلك اليوم، والذين وكما هو واضح ألحقوا الإصابات بأنفسهم. كما قامت هيومن رايتس ووتش بتوثيق أعمال الضرب الجماعي وحلق الرؤوس واللحى قسراً في سواقة بعد زيارتنا الأولى هناك في 21 أغسطس/آب. ومن الواضح أن الإصابات كانت احتجاجاً على عمليات الضرب السابقة وعلى الحلق القسري.

وقد قمنا بتحضير مذكرة لمعاونتكم في تحقيقاتكم الداخلية، وفي تحقيقات الادعاء، إن كان سيتم فتح مثل هذه التحقيقات. كما قمنا بتوثيق شكل ولون ومكان الكدمات في أكثر من عشرة سجناء تعرضوا حسب الزعم للضرب بين 21 و26 أغسطس/آب.

برجاء أن تبقوني على اطلاع على مجال ومسار التحقيقات الداخلية وكذلك على أية إجراءات ملاحقة قضائية يتم اتخاذها.

مع بالغ التقدير والاحترام،

كريستوف ويلكى

باحث

قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

هيومن رايتس ووتش
350 Fifth Avenue, 34th Floor
New York, NY 10118U.S.A.
+1 212 216 1295 (office)
+1 212 736 1300 (fax)
wilckec@hrw.org
www.hrw.org

أحداث مركز إصلاح وتأهيل سواقة في 26 أغسطس/آب 2007

في 21 أغسطس/آب قام ثلاثة من العاملين في هيومن رايتس ووتش ومترجم فوري بزيارة مركز سواقة من التاسعة صباحاً حتى الخامسة والنصف مساءً. وتحدثنا لمدة ساعتين مع المدير هاني المجالي في يومه الأخير كمدير للمركز. ثم قابلنا السجناء في عدة مهاجع وأقسام من المركز، بما في ذلك الحجرة 220 في القسم 1، وزنازين الحبس الانفرادي، ومهجع المحكومين بالقتل ومحاولة القتل، ومهجع المحكومين في قضايا مخدرات، والمهاجع 13 و14 اللذان يستضيفان السجناء الإسلاميين الذين تقع قضاياهم ضمن الاختصاص القضائي لمحكمة أمن الدولة.

وأثناء هذه الزيارة، وثقت هيومن رايتس ووتش عدة إساءات، منها وقائع متكررة بالضرب العمدي والمبرح من قبل العاملين بالأمن، وأصيب بها السجناء كعقاب جراء مخالفات مُتصورة منهم للقواعد.

وحوالي الساعة السادسة مساء يوم 25 أغسطس/آب عرفت هيومن رايتس ووتش بمزاعم بأن السجناء في المركز تعرضوا للإساءة جراء زيارتنا في 21 أغسطس/آب إلى سواقة. وأخطرنا خالد المجالي، المسؤول بإدارة مراكز الإصلاح والتأهيل بما تنامى إلى علمنا من مزاعم وعن رغبتنا في العودة إلى سواقة في اليوم التالي. وقال خالد المجالي إنه أخطر مساعد مدير الأمن العام، وأشار إلى أن علينا إرسال طلب كتابي إلى وزير الداخلية.

وفي الساعة التاسعة صباح يوم 26 أغسطس/آب أرسلت هيومن رايتس ووتش الفاكس المرفق طيه إلى وزير الداخلية طلباً للإذن بزيارة العودة إلى سواقة. وفي الساعة العاشرة صباحاً، وصل إلى سواقة باحثين من هيومن رايتس ووتش ومترجم فوري، حيث دعى المدير الجديد ماجد الرواشدة الوفد إلى زيارة المركز حوالي الساعة العاشرة والنصف صباحاً.

وفي البداية تحدث الوفد إلى الرواشدة زهاء 45 دقيقة. وأقر بأنه أمر بحلق رؤوس ولحى السجناء، لأسباب تتعلق بـ "النظافة"، وعلى الأخص لمنع انتشار القمل. وأوضح "إننا نأخذ إجراءات صارمة لحل المشكلات التي يتسبب بها المشاغبون"، وحدد عددهم بحوالي 50 شخصاً، وهذا "لحماية 90 في المائة من السجناء المحترمين الذين يلتزمون بالقانون"، وممن لا يمكنهم الشكوى من عنف السجناء مع بعضهم البعض "لأن أقاربهم بالخارج قد يتعرضون للخطر في هذه الحالة". ولدى سؤاله عن سبب اتخاذه "إجراءات صارمة"، ذكر الرواشدة أن السبب هو النظافة و"عنف السجناء مع بعضهم". وأثناء آخر عشر دقائق من المحادثة، حضر عميد فايز، المدير الجديد لإدارة مراكز الإصلاح والتأهيل بالأردن. لكنه لم يتحدث.

وبعد الزيارة سألت هيومن رايتس ووتش المدير الرواشدة ثانية عن أية حوادث جدية وقعت منذ بدء توليه للعمل في سواقة وأدت به إلى اتخاذ "إجراءات صارمة". فقال الرواشدة إنه لم تقع أي مشكلات من هذا النوع.

وبعد الساعة 11 صباحاً بقليل، رافق ضابط أمن وقائي وعدة حراس وفد هيومن رايتس ووتش في زيارة السجن. وكان الوضع هادئاً. وفي الممر الأساسي بالطابق السفلي، كانت أبواب بعض المهاجع مفتوحة وكان السجناء يسيرون في حرية، بينما أبواب بعض الأقسام والمهاجع الأخرى مغلقة.

وقدم المدير الرواشدة الوفد إلى سجين متقدم في السن أرانا ندبات قال إنه أصاب نفسه بها. وكان وفد هيومن رايتس ووتش قد شاهد فيما سبق ندبات على الصدر والأذرع والأرجل لدى السجناء في كل السجون الأردنية التي زارها الوفد (الموقر، سواقة، السلط، قفقفا)، وعدد كبير من الحالات في كل من قفقفا وسواقة.

ثم تحدث وفد هيومن رايتس ووتش لفترة موجزة إلى عدة سجناء في مهحع المحكومين بالقتل ومحاولة القتل، وكذلك لفترة أطول مع سجناء من المهاجع 13 و14 التي تضم الإسلاميين. وبينما كان الباحث كريستوف ويلكى في المهجع 13، سمع صراخاً وجلبة صاخبة تنبعث من منطقة تقع إلى يسار وأسفل المهجع 13 (لدى الوقوف بمواجهة مبنى إدارة السجن). وكان هذا حوالي الساعة الثانية عشرة والنصف ظهراً. واستمر الصراخ لفترة موجزة (أقل من دقيقة)، لكنه تكرر عدة مرات، وأحياناً بدا كأنه ينبعث من موقع إلى يمين المهجع 13.ولم تسمع جوان مارينر، التي كانت في المهجع 14 طوال الوقت أي جلبة تنبعث من الخارج.

وبين الساعة 12 و1 ظهراً، قام كل من كريستوف ويلكى وجوان مارينر بإجراء مقابلات مع السجناء بشأن مزاعم الضرب الذي وقع منذ زيارة هيومن رايتس ووتش الأخيرة في 21 أغسطس/آب.

وفي حوالي الساعة الواحدة، غادر كريستوف ويلكى المهجع 13 ونزل السلم، الذي يقع وراء مكتب الطبيب. وأخطر الحراس ويلكى بأن بعض المشكلات قد وقعت وطلبوا منه أن ينتظر قليلاً في فناء ممارسة النشاط البدني. وفي ذلك الحين كان ويلكى ينوي زيارة الأقسام والمهاجع الأخرى في المركز. وبعد عدة دقائق غادر الفناء ورأى عدداً كبيراً من آثار الأقدام الدموية في الممر المفضي إلى مكتب الطبيب. وأثناء الوقوف في الممر لدقائق معدودة، شاهد ويلكى على الأقل 10 سجناء مصابين، أغلبهم لا يرتدون إلى ملابسهم الداخلية، وبعضهم تنزف جراحه بغزارة من الرأس والأطراف، وهم يسيرون متجهين إلى مكتب الطبيب. ولم يتحدثوا إلى ويلكى أو الحراس، وبدا عليهم شيء من الذهول. ثم قاد أحد الحراس ويلكى إلى مكتب الطبيب "لكي ترى بنفسك". وكانت الحجرة الصغيرة مكتظمة بالنزلاء المصابين، وعددهم حوالي 40 سجيناً، والدماء تغطي الأرض والجدران. وكانت الحجرة مزدحمة لدرجة أنه لا مجال للوقوف فيها. وكان طبيب يعمل في دأب بالغ على معالجة الإصابات وتضميد الجراح. وقام السجناء ثلاث مرات على الأقل بحمل سجناء مصابين إلى مكتب الطبيب. وكان بعضهم فاقداً للوعي، وبطن أحد السجناء تتحرك صعوداً وهبوطاً بسرعة بالغة. وأثناء الخروج، تحدث أحد السجناء إلى ويلكى قائلاً أمام الحراس: "قام الحراس بضربنا". ولم يكرر أحد كلمته هذه بعده.

وبدا من إصابات السجناء المصابين أنها نتيجة لجراح أصيبوا بها بأدوات حادة. وعلى الرغم من أننا رأينا بعض الإصابات في الرؤوس، فإن أغلب الإصابات كانت جروح طولية في الصدر والذراعين والساقين، وهي عميقة بما يكفي لكي تنزف بغزارة. ولم نلاحظ وقوع الإصابات لحظة الإصابة بها، ولا رأينا أي حراس يقومون بملامسة أي من السجناء، باستثناء في إحدى الحالات حين ساعد أحد الحراس سجيناً مصاباً على بلوغ مكتب الطبيب.

وانتظر كريستوف ويلكى لبعض الوقت في حجرة المراقبة خلف الشباك (زنزانة الحجز)، ثم بعد مشاورة الضباط، قرر الذهاب مع بعضهم لإخطار جوان مارينر ومترجمها الفوري بالأحداث واصطحابهما إلى خارج السجن.

وفي المهجع 14 تحدث ويلكى إلى بعض السجناء الإسلاميين، بينما تم اقتياد مارينر والمترجم الفوري عائدين إلى حجرة المراقبة. ومع سير الاثنين إلى هناك، شاهدا العشرات من السجناء الذين ينزفون يمرون إلى جوارهما في الممر، ولا يرتدون إلا ثيابهم الداخلية. وتحدثت جوان مارينر والمترجم الفوري باقتضاب إلى بعض السجناء، وقالوا إن جمهور السجناء يقومون بالاحتجاج على الضرب الذي تعرضوا له مؤخراً. ثم ذهبت مارينر والمترجم الفوري إلى حجرة المراقبة، حيث انتظرا طيلة 15 دقيقة. وأثناء فترة الانتظار مر عدة سجناء ينزفون. كما شاهدا حارساً يدخل الممر الرئيسي ويخرج منه وهو يحمل عصا معدنية (بطول 75 سم تقريباً).

وحوالي الساعة الثانية مساءً، انضم ويلكى إلى مارينر والمترجم الفوري في حجرة المراقبة. ومع خروج أعضاء وفد هيومن رايتس ووتش من المنطقة الأساسية بمركز الإصلاح والتأهيل، شاهدوا ثلاثة سجناء يمرون خارجين إلى منطقة استقبال تقع خلف باب الدخول مباشرة. ولم يكن ثلاثتهم يلقون رعاية طبية في ذلك الحين، لكن شوهدت حركة عناصر طبية ومحفة لدى مغادرة الوفد.

وفي كل من المرات الأربع التي سار فيها داخل مناطق قصيرة من الممرات التي توصل الأقسام ببعضها، شاهد سجناء مصابين قادمون أو ذاهبون من أو إلى الطابق الأرضي إلى يمين حجرة المراقبة (قبالة المبنى الإداري). وكان الحراس قليلين وتركوا البوابات مفتوحة. ولم يستخدم السجناء المصابين والآخرين أية عبارات تهديدية أو إيحاءات تنطوي على التهديد مع أحدهم الآخر، أو مع الحراس أو مع هيومن رايتس ووتش. وسكت صوت الصراخ، وباستثناء بعض السجناء المصابين الذين هرولوا مسرعين إلى مكتب الطبيب، كان الموقف – وإن لم يكن تحت السيطرة – يبدو هادئاً، رغم أن الإصابات لحقت بعدد كبير من السجناء.

وفي الطريق إلى المبنى الإداري، صاح بعض السجناء من مهاجعهم لـ هيومن رايتس ووتش: "أرأيتم؟ هل رأيتم ما يفعلونه هنا؟" كما شاهدت هيومن رايتس ووتش زهاء 40 عنصراً من القوات الخاصة مصطفين في أربع صفوف كل صف من 10 أشخاص، في أقنعة وجه سوداء يرتديها بعضهم، بينما بعضهم الآخر خلعوا عنهم الأقنعة لدى رؤية وفد هيومن رايتس ووتش. وكانوا يحملون هراوات الشرطة وغيرها من الأغراض في أحزمتهم ولم يتمكن وفد هيومن رايتس ووتش من التثبت من كنه هذه الأغراض.

وبين الساعة الثانية والثانية والنصف مساءً، تحدث وفد هيومن رايتس ووتش مجدداً إلى المدير الرواشدة، وأخطروه بالمخاوف الجدية بشأن الانتقام من السجناء الذين تحدثوا إلى هيومن رايتس ووتش في الزيارة السابقة، وخشية الانتقام جراء الزيارة الحالية. ودعونا المدير الرواشدة إلى عدم استخدام العنف ما لم تكن له ضرورة، واستخدام القدر المناسب من القوة لا أكثر. وأظهر لنا الرواشدة عصا معدنية حادة ملفوفة بالقماش من طرفها، بطول 75 سم، وقال إن مثل هذا النوع من الأسلحة هو الذي استخدمه السجناء لإصابة أنفسهم. وقالت هيومن رايتس ووتش للرواشدة إن الإصابات الدموية التي شوهدت بدا عليها أن السجناء أصابوا أنفسهم بها بأنفسهم. وقال الرواشدة إن بعض السجناء أجبروا سجناء آخرين على إصابة أنفسهم.

ولدى مغادرة المركز، لاحظت هيومن رايتس ووتش مجموعة متجمهرة من حوالي 50 عنصراً من القوات الخاصة، بعضهم يرتدي الأقنعة، وأحدهم على الأقل يلعب بأصفاد بلاستيكية بيضاء يضرب بها الهواء كأنه يضرب شخص ما، وآخر يقوم بالشيء نفسه بما بدا ثلاثة كابلات كهربية مجدولة ومعقودة معاً، وآخر يؤرجح في يده مضرب بيسبول، وسخص آخر معه جوال قماشي أصفر يبدو أن داخله عصي تبرز منه. ويبدو أ، الجوال يحتوي على أسلحة ارتجالية. ومع تحرك الوفد بسيارته عبر البوابة الأمامية، وصلت إلى المركز سيارة أخرى تقل زهاء 20 عنصراً إضافياً من القوات الخاصة.

وخارج المبنى الإداري، كانت قوات الدفاع المدني تُحمل ثلاث سيارات إسعاف بالسجناء المصابين. ومع خروج الوفد من المركز، وصلت سيارة إسعاف أخرى. وخلال ساعة من مغادرة المركز، أخطرت هيومن رايتس ووتش المركز الوطني لحقوق الإنسان وقسم حقوق الإنسان بوزارة الداخلية بالحقائق كما شوهدت وتم وصفها في هذه المذكرة.

ملاحظات إضافية:

وصل إلى وفد هيومن رايتس ووتش عدة روايات تتمتع بالمصداقية ومُقنعة حول أحداث 25 أغسطس/آب، وتأكدت لنا أثناء زيارتنا في 26 أغسطس/آب، بشأن أعمال الضرب الجماعي التي وقعت في مركز سواقة يوم الأربعاء 22 أغسطس/آب. وبدءاً من حوالي الساعة الثالثة والنصف مساء ذلك اليوم أجرى المدير الجديد الرواشدة عدة جولات في المركز. وأفادت التقارير أنه قال إنه بناء على أمر مديرية الأمن العام، فهو مفوض باستخدام القوة. وقامت قوات الأمن بدخول كل قسم ومهجع، واحداً تلو الآخر، وقامت بضرب كل السجناء قبل إجبارهم على حلق الرؤوس واللحى. ووقعت أعمال الضرب في الزنازين وفي الفناء الكبير بين مبنى الإدارة وأقسام السجن. ووصف السجناء بصورة متسقة ومنفصلين سماع الصراخ وأصوات الضرب، بالإضافة إلى وصفهم لتعرضهم هم أنفسهم للضرب. وشاهد أحد السجناء حارس سجن توجد آثار دماء على زيه الرسمي.

وقال السجناء إن ضرب كل سجين استغرق ما بين 3 إلى 10 دقائق. وأعمال الضرب بالكامل استغرقت ست ساعات على الأقل، وقال بعض السجناء إنها استغرقت حتى منتصف الليل، أو تسع ساعات. ولاحظ أعضاء وفد هيومن رايتس ووتش وجود عدد من السجناء المصابين بجراح عميقة على ظهورهم وأعلى سواعدهم وعلى أرجلهم، وقيل إنها نتيجة لأعمال الضرب هذه. وشكل الندبات، خاصة على ظهر السجناء، هو في الأغلب بعرض 2 إلى 3 سم والطول من 20 إلى 70 سم، ولونها يتراوح من الأصفر الخفيف إلى الأرجواني الداكن. كما شوهدت بعض الكدمات، وأغلبها على الأرجل والأذرع، وبعضها جراح سطحية طولية على الجلد. بالإضافة إلى أن سجينين على الأقل كانا مصابين بكدمات على رأسيهما من الخلف.

ومات أحد السجناء – علاء الطير – في تلك الليلة، والواضح أن السبب هو التعرض للضرب، حسب ما قال ثلاثة سجناء زعموا أنهم شاهدوا الطير. وأكد المركز الوطني لحقوق الإنسان أن جثة الطير بدا عليها علامات الضرب الشديد. ولم يذكر أي من الناطق باسم الحكومة، سعادة الأستاذ ناصر جوده، ولا الناطق باسم مديرية الأمن العام، اللواء بشير دعجة، أو مدير سجن سواقة الرواشدة، وقوع أعمال الضرب الجماعي، أو أية مزاعم بوفاة شخص أثناء الاحتجاز متأثراً بالضرب، سواء علناً أو لوفد هيومن رايتس ووتش.

*        *        *

الحالة الثالثة: الموقر

الأردن: تحقيقات الشرطة تتجاهل الأدلة بالإضافة إلى ترهيب الشهود

حالات الوفاة في السجون بسبب الاحتراق تحتاج لتحقيق مستقل

(نيويورك - 8 مايو/أيار 2008) – طالبت هيومن رايتس ووتش اليوم الملك عبد الله بأن يأمر بإجراء تحقيق مستقل حول الظروف المحيطة بوفاة ثلاثة سجناء في 14 أبريل/نيسان الماضي في سجن الموقر شرق العاصمة الأردنية عمان. وقالت هيومن رايتس ووتش إنه وبالرغم من الأدلة المتوفرة عن وجود إساءة معاملة وسلوك جرمي محتمل من قبل مسؤولي السجن؛ إلا أن إدارة جهاز الشرطة أبلغت هيومن رايتس ووتش بأن التحقيق الذي يجرونه حول الحادث سيثبت براءة مسؤولي السجن ويؤكد بأنهم تصرفوا بشكل صحيح.

وقالت المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش سارة ليا ويتسن: "تحقيق الشرطة هو محاولة لتبييض الأحداث التي أدت إلى وفاة ثلاثة سجناء حرقاً في الأردن". وأضافت: "لقد فقد التحقيق كل مصداقيته".

ومنذ وفاة السجناء الثلاثة قامت الشرطة بوضع العديد من نزلاء سجن الموقر ممن كانوا شهوداً على الأحداث في الحبس الانفرادي، ومنع مسؤولي الأمن المحامين وعائلات السجناء ومحققي حقوق الإنسان من زيارتهم. وأفاد شهود العيان بأن الشرطة قامت بترهيبهم وأنها تجاهلت روايات تشير إلى أن اثنين على الأقل من السجناء الذين ماتوا حرقاً قد تعرضا لتعذيب شديد قبيل اشتعال الحريق؛ مما ألقى بظلال من الشكوك حول ما إذا كانت وفاة السجناء قد حصلت بالفعل بشكل عرضي. وأصدر المركز الوطني لحقوق الإنسان تقريراً في 16 أبريل/نيسان استند فيه على التحقيقات التي أجراها داخل سجن الموقر يوم 15 أبريل/نيسان أكد فيه على حدوث سوء معاملة وضرب داخل السجن قبيل اشتعال الحريق.

وما لا جدال فيه أنه في ظهيرة يوم 14 أبريل/نيسان قام 28 سجينا في الزنزانة رقم 3 من مهجع (أ) في سجن الموقر المشيد حديثاً بإضرام النار بـ بطانيات النوم الأسفنجية للاحتجاج على ما يجري في السجن، وشارك في الاحتجاج سجناء يقطنون في الزنزانة المجاورة بالصراخ وإيذاء أنفسهم بأدوات حادة، ورداًَ على ذلك قام الحرس المحيط بالسجن (الدرك) بالدخول إلى مبنى السجن لتأمين الزنازين التي اشتعل فيها الحريق. وما حصل بعد ذلك هو محل خلاف، ولكن في النهاية حين نجح الدفاع المدني في إخماد الحريق في الزنازين تم العثور على الجثث المحترقة لكل من فراس العطي و حازم زيادة وإبراهيم العليان.

وادعت الشرطة أن السجناء سدوا باب الزنزانة باستخدام الأسرّة لمنع حرس السجن من فتحه، إلا أن أحد شهود العيان نفى ذلك ووصف بالتفصيل كيف كان يصرخ السجناء على رجال الدرك وحراس السجن لفتح باب الزنزانة التي اشتعلت فيها النيران، لكنهم وقفوا موقف المتفرج لنحو 10 دقائق قبل أن يفتحوا أبواب الزنزانة المشتعلة، كما قال شاهدا عيان آخران إنه وقبل فتح الباب قام رجال الدرك بإطلاق عبوة غاز داخل الزنزانة. وذكرت التقارير أن رجال الدرك أطلقوا النار على أحد السجناء وأصابوه في صدره بطلقة واحدة أو أكثر من الرصاص المطاطي، وحين فتح رجال الدرك الباب ادعى شهود العيان أن كل المساجين وعددهم 28 غادروا الزنزانة. فيما أشار المركز الوطني لحقوق الإنسان إلى أن أبواب الزنازين تفتح إلى الخارج مما يسمح لحراس السجن بفتحها بغض النظر عن أي حواجز توضع من داخلها.

روايات شهود العيان

وفقا لاثنين من شهود العيان فإن الحريق كان قد أُخمد حين تم فتح الأبواب للسماح للسجناء بالخروج من الزنازين، وقال أحد شهود العيان إن قوات الدرك قامت وبضراوة بضرب السجناء الذين خرجوا من الزنزانة بشكل أدى إلى "فتح وشق جماجمهم". فيما سجل المركز الوطني لحقوق الإنسان في تقريره وجود أثار الدماء على أرضيات وجدران غرف المهجع وفي ساحات التشميس.

وبعد ذلك – كما قال شهود عيان - قام الدرك بدفع 18 شخصاً إلى داخل الزنزانة رقم 3 مجدداً، ومن بين الـ 18 شخصاً السجناء الثلاثة الذين وُجدت جثثهم إضافة إلى كل من ماجد خاطر وعبد الخفش ومحمد الطبش وفيصل العدوان الذين لا يعرف الآن مكان وجودهم. وبعد أن أعيد إغلاق باب الزنزانة وداخلها الأشخاص الـ 18 اشتعل حريق أكبر وهو الحريق الذي أخمده الدفاع المدني عند وصوله بعد 15- 20 دقيقة لاحقاً، حسب رواية شاهدي عيان. المركز الوطني لحقوق الإنسان أشار في تقريره إلى وجود نقطة إطفاء ضغط عالي تبعد حوالي أربعة أمتار فقط عن باب المهجع الذي اشتعلت فيه النار.

وقبل يوم من الحادث كانت هيومن رايتس ووتش قد التقت مع مدير مديرية الأمن العام اللواء مازن القاضي الذي وعد بأن تكون مديرية الأمن العام (والتي تشمل إدارة الشرطة وإدارة مراكز الإصلاح والتأهيل) شفافة بالكامل في تعاملها هيومن رايتس ووتش. كما تحدثت هيومن رايتس ووتش مع مسؤولين في إدارة الشرطة في 15 أبريل/نيسان و20 أبريل/نيسان و5 مايو/أيار. وقام أحد باحثي هيومن رايتس ووتش بزيارة إلى خارج السجن في 15 أبريل/نيسان وشاهد حضورا أمنياً مكثفاً. وأصر المسؤولون على عدم وجود سوء معاملة من قبل رجال الأمن بما فيه قوات الدرك أو حرس السجن فيما يخص حريق 14 أبريل/نيسان وأن تحقيق الشرطة سيحسم ذلك قريباً.

الأهالي تُركوا في الظلام

عائلات السجناء الثلاثة الذين لقوا حتفهم وشهود عيان أبلغوا هيومن رايتس ووتش أن السجناء الثلاثة الذين توفوا كانوا قد اشتكوا خلال الزيارات اليومية التي جرت قبل الحريق من سوء المعاملة وخصوصا من قبل النقيب عامر قطيش، حيث ادعوا أنه قام بإهانتهم وضربهم. وادعى شاهد عيان أن هذا الضابط قام في 13 أبريل/نيسان بتعليق كل من فراس العُطي وحازم زيادة – وهما اثنان من السجناء الثلاثة الذين احترقوا خلال الحريق- لمدة أربع إلى خمس ساعات على الجدار وأيديهم مقيدة خلف ظهورهم (بطريق الشَبح المعروفة في التعذيب) بينما كان يقوم بضربهم. وكان ذلك رداً على واقعة أن 100 سجين بدأوا إضراباً عن الطعام في ذلك اليوم احتجاجا على سوء المعاملة التي يتلقونها. عائلات سجناء وشهود عيان أبلغوا هيومن رايتس ووتش أن الضابط قطيش يرتبط بعلاقة سيئة مع كل من زيادة والعطي تعود إلى فترة سابقة قضاها السجينين في سجن مختلف. كما نقل بأن السجين العطي حاول تنبيه أحد زواره في السجن من أن الضابط قطيش قد وجه لهم تهديدات مزعومة وذلك قبل خمسة أيام فقط من الحريق. وقال أحد شهود العيان إن قطيش هدد العطي وزيادة وسجينين آخرين بسوء المعاملة مجدداً وذلك قبل ساعات فقط من الحريق الذي اندلع في 14 أبريل/نيسان. وتحدث ثلاثة شهود عيان عن عمليات التفتيش الصباحية المتكررة والضرب والإهانة على أيدي حراس السجن واستخدام (الشبح) كأسلوب تعذيب للسجناء الذين يقاومون عمليات التفتيش.

وبعد الحريق قامت إدارة السجن بوضع كل السجناء الناجين من الزنزانة رقم 3 في المهجع (أ) إلى جانب نحو 100 سجين آخر ممن شاهدوا الأحداث إما في زنازين انفرادية أو بشكل منفصل عن بقية نزلاء السجن وذلك بعد أن تمت معالجتهم بشكل سريع من استنشاق الدخان والحروق أو الجروح الناجمة عن الضرب. وبحلول فجر 15 أبريل/نيسان قاموا بنقل ما بين 15 إلى 60 سجيناً إلى سجون أخرى، ووفق ما أبلغ أحد أفراد عائلة أحد السجناء هيومن رايتس ووتش، فإن العائلات والمحامين لم يتمكنوا من زيارة السجناء الذين تم عزلهم وذلك "بأوامر من وزير الداخلية". وتعرف هيومن رايتس ووتش على الأقل خمس عائلات لم تتمكن من زيارة أقاربهم في السجن منذ ذلك الحادث، كما تم منع ممثلي المركز الوطني لحقوق الإنسان الذي زار السجن من مقابلة هؤلاء السجناء.

كما ذكر شهود العيان أن الشرطة مارست ضغوطاً على السجناء الذين تم نقلهم لتبرئة قوات الأمن من مقتل السجناء وحذرتهم من الإشارة إلى أن الشكاوى حول التعذيب قد تسببت في إثارة الاحتجاج.

وفي 20 أبريل/نيسان وبعد أربعة أيام من نشر نتائج التحقيق الذي أجراه في سجن الموقر قدم المفوض العام للمركز الوطني لحقوق الإنسان استقالته من منصبه.

وقالت سارة ليا ويتسن إن على "الملك عبدالله، بموجب الالتزام بقانون حقوق الإنسان؛ تشكيل هيئة مستقلة لديها سلطة قضائية للتحقيق في ممارسات التعذيب والاحتجاجات وردة الفعل التي حدثت استجابة للحريق في سجن الموقر بعد أن ظهر وبوضوح عدم قدرة سلطات الشرطة على مُساءلة كوادرها".

وأعربت هيومن رايتس ووتش عن قلقها من أنه ورغم وجود أدلة تثبت وجود مسؤولية جنائية على أفراد من جهاز الأمن العام إلا أنه توجد هناك عراقيل أمام محاكمتهم. ففي الأردن تتولى محكمة شرطة الولاية الكاملة عن كل القضايا التي يُحاكم فيها أفراد جهاز الشرطة الذين يتم اتهامهم بارتكاب جرائم. ويقوم مدير الأمن العام بتعيين ضباط شرطة كقضاة في محكمة الشرطة إلى جانب تعيين مدعي عام محكمة الشرطة، كما يمتلك مدير الأمن صلاحية تخفيض العقوبة. ومثل هذه المحكمة لا تستوفي أي معيار من معايير الرقابة القضائية المستقلة.

كما أن سجل محكمة الشرطة غير مشجع في المساءلة في قضايا الانتهاكات، ففي مارس/آذار 2008 قضت محكمة الشرطة بسجن اثنين من ضباط الشرطة الذين قاموا بضرب أحد نزلاء سجن العقبة حتى الموت لمدة عامين ونصف العام، ولكن ذلك لم يتم إلا بعد جهود خاصة بذلتها أسرة الفقيد والسفارة الأميركية في عمان وهيومن رايتس ووتش من أجل تقديم الجناة إلى العدالة. وقبل هذه الجهود فإن محكمة الشرطة لم تكن قد وجهت للضابطين سوى تهمتي "إساءة استعمال السلطة" و "انتهاك الأوامر والتوجيهات". وفي ديسمبر/كانون أول 2007 حكمت محكمة الشرطة بسجن مدير سجن سواقة لمدة شهرين بتهمة "ممارسة السلطة بشكل غير مشروع بشكل تسبب بالأذى" وبعد ذلك استبدلت عقوبة الحبس بغرامة قدرها 120 ديناراً أردنياً (حوالي 170 دولاراً أميركياً). وكان مدير السجن قد قام بضرب وحلق بالقوة رؤوس ولحى نحو 2100 نزيل في سجن سواقة أكبر سجون الأردن وذلك في أول يوم عمل له كمدير للسجن. (http://hrw.org/english/docs/2007/08/30/jordan16770.htm).