فعلت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون كل شيء باستثناء الموافقة علنا على القمع السعودي في الداخل وفي الخارج. تقاعُس الولايات المتحدة المتكرر عن محاسبة السعودية على قائمة طويلة من انتهاكات حقوق الإنسان زاد من جرأة الحكومة السعودية وسمح لها بالعمل في ظل إفلات تام من العقاب بينما تزداد الانتهاكات فظاعة.
في أواخر أغسطس/آب، نشرت "هيومن رايتس ووتش" تقريرا يتناول بتفاصيل مروعة كيف تقتل القوات السعودية مئات المهاجرين، بينهم نساء وأطفال، عند الحدود الجبلية النائية مع اليمن. وثق الباحثون استخدام قوات حرس الحدود السعوديين للأسلحة المتفجرة ضد المهاجرين وطالبي اللجوء الإثيوبيين الذين يحاولون العبور إلى السعودية. الهجمات واسعة النطاق ومنهجية.
التفاصيل في الأدلة التي جمعتها هيومن رايتس ووتش كارثية للغاية. قال أحد الناجين: "لم ينجُ سوى سبعة أشخاص من أصل 150 في ذلك اليوم. كانت أشلاء الضحايا متناثرة في كل مكان". قال فتى (17 عاما) إن حرس الحدود أجبروه وناجين آخرين على اغتصاب فتاتين بعد أن أعدموا مهاجرا آخر رفض اغتصاب فتاة أخرى.
الانتهاكات المفصلة في هذا التقرير تشكل تصاعدا حادا في عدد عمليات القتل محددة الهدف وطريقة تنفيذها. الاحتجاز التعسفي والتعذيب وسوء المعاملة على يد القوات السعودية أمر شائع على درب الهجرة هذا، لكن لم يسبق أن شهدنا هذا القتل الممنهج للمهاجرين العُزّل، النساء والأطفال ضمنا، وعلى هذا النطاق.
لم تواجه السعودية قط عواقب فعلية على انتهاكات سابقة ارتكبتها في وضح النهار وموثقة بتفاصيلها. في الواقع، أُحيطت السلطات الأميركية بعمليات المهاجرين عند الحدود السعودية اليمنية منذ أكثر من سنة.
بضع سنوات فقط انقضت من حكم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان (38 سنة) والذي يبدو أنه سيستمر لعقود، مع ذلك شكلت هذه السنوات واحدة من أسوأ الفترات التي مرت على حقوق الإنسان في التاريخ الحديث لبلده. في كل عام، تتزايد الانتهاكات السعودية في ظل حكمه وتتقاعس الولايات المتحدة مرة بعد مرة عن تنفيذ تهديداتها بمحاسبته، وفي الوقت نفسه تغازل المملكة لتعزيز مصالح واشنطن الاقتصادية والأمنية.
لم توثق هيومن رايتس ووتش أي تورط مباشر لولي العهد أو أي مسؤول سعودي في عمليات قتل المهاجرين عند الحدود. لكن إذا تبين أن هذه العمليات جزء من سياسة قتل صريحة للدولة، فإنها قد ترقى إلى جريمة ضد الإنسانية.
عدم المحاسبة على الانتهاكات السابقة زادت من جرأة ولي العهد. ومن ضمن هذه الانتهاكات، القتل العنيف للصحفي جمال خاشقجي، وتقطيع جسده على يد مسؤولين سعوديين في قنصلية بلادهم في إسطنبول في 2018؛ وجرائم الحرب الجلية التي ارتُكبت خلال الحرب المدمرة في اليمن، مثل الغارة على مراسم عزاء في أكتوبر/تشرين الأول 2016 والتي قتلت أكثر من 100 شخص وجرحت أكثر من 500، من ضمنهم أطفال؛ بالإضافة إلى تصاعد القمع الداخلي.
رغم تعهده بجعل السعودية "منبوذة"، تقاعس الرئيس الأميركي جو بايدن عن السعي إلى محاسبة ولي العهد على دوره في جريمة خاشقجي. الوضع القانوني (كما حددته وزارة الخارجية الأميركية) الذي يقضي بعدم إمكانية مقاضاة ولي العهد خلال توليه رئاسة الحكومة في بلاده، وهو المنصب الذي يشغله رسميا منذ تعيينه رئيسا للوزراء في سبتمبر/أيلول 2022، يسلط الضوء أكثر على هذا التقاعس عن المحاسبة رغم تقييم للاستخبارات الأمريكية نُشر في فبراير/شباط 2021 والذي يفيد بأن بن سلمان وافق على قتل خاشقجي.
في اليمن أيضا، تملص القادة السعوديون من المحاسبة. خلال شغله منصب وزير الدفاع بين 2015 و2022، أشرف ولي العهد على الغارات غير القانونية، بما فيها جرائم حرب واضحة قتلت أعداد كبيرة من المدنيين. قصف التحالف بقيادة السعودية والإمارات مدنيين يمنيين أكثر من مرة، ثم تمكن من الالتفاف على مساعي المجتمع الدولي لمحاسبته.
نجحت السعودية، تساندها الإمارات، في قيادة حملة ضغط عنيفة لإنهاء ولاية "فريق الخبراء البارزين الدوليين والإقليميين بشأن اليمن"، وهو هيئة دولية محايدة ومستقلة أنشأها "مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة" في 2017 للإبلاغ عن الانتهاكات والتجاوزات المتعلقة بحقوق الإنسان في اليمن.
لم تأت الولايات المتحدة بأي فعل مقابل تفاقم الانتهاكات الداخلية التي أصبحت مرعبة أكثر فأكثر. العام الماضي، أصدرت محكمة سعودية حكما صادما بسجن سلمى الشهاب، طالبة الدكتوراه في جامعة بريطانية، 34 عاما لمجرد انتقادها البسيط للحكومة السعودية على حسابها على تويتر. مؤخرا، زادت السلطات السعودية من بطشها مجددا عبر إصدار حكم إعدام في حق محمد الغامدي، شقيق داعية وأكاديمي بارز ومنتقد للحكومة منفي إلى المملكة المتحدة، بسبب تغريداته.
تحتاج مواجهة تصاعد الانتهاكات إلى تحرك عام قوي حاسم وفوري، وليس تصريحات "القلق" غير الكافية بالمرة التي اعتدنا عليها.
يتعين على الولايات المتحدة على الأقل أن تدعم آلية مستقلة تدعمها الأمم المتحدة للتحقيق في الجرائم ضد الإنسانية المحتملة التي ارتكبتها السعودية ضد المهاجرين عند الحدود مع شمال اليمن.
يتعين على الولايات المتحدة أيضا أن تراجع دورها في دعم قطاعات من القوات السعودية المسلحة التي قد تكون ارتكبت هذه الجرائم، وغيرها. خلال السنوات الثماني الأخيرة، دربت "قيادة المساعدة الأمنية في الجيش الأميركي" حرس الحدود السعوديين في برنامج انتهى في يوليو/تموز. يؤدي موظفون عسكريون أميركيون أدوارا في مختلف قطاعات النظام الأمني السعودي، أكثر مما هو مُعلن. يجب أن تكون هذه الارتباطات أمرا يتاح للجميع الاطلاع عليه وأن تخضع لرقابة الكونغرس.
اكتشفت هيومن رايتس ووتش، عند أحد مراكز الحرس السعودي بالقرب من الحدود مع اليمن، مركبة محصّنة ضد الألغام والكمائن متوقفة ويبدو أنها مجهزة بمدفع رشاش ثقيل مثبّت في برج على سقفها؛ قد يكون سلاح من هذا النوع استُخدم في الجرائم ضد الأثيوبيين التي وثقناها. على الولايات المتحدة وموردي الأسلحة الآخرين للسعودية أن يتأكدوا مما إذا كان حرس الحدود السعوديون يستخدمون أسلحتهم ومعداتهم لارتكاب عمليات القتل الجماعي وجرائم أخرها.
أعلنت الحكومة الأثيوبية أنها ستعمل مع السعودية للتحقيق في عمليات القتل، لكنه تعهد فارغ يصدر عن حكومة أفيد مؤخرا بأنها شاركت في عملية تطهير عرقي، ولم تُبدِ حتى الآن أي نية في السماح بالمعاقبة عن هذه الجريمة في صفوفها. هناك أيضا مخاوف بشأن ضعف وعدم استقلالية القضاء في أثيوبيا، وبشأن مصداقية ونطاق التحقيقات التي أُجريت إلى الآن.
يتعين على الولايات المتحدة مهما كانت الظروف ألا تدعم مبادرة من شأنها أن تسمح للسعودية بالتحقيق مع نفسها. يُعد دعم تحقيق تجريه السعودية أسوأ من عدم إجراء أي تحقيق؛ إذ من شأن ذلك أن يسمح للسعودية بالتنصل من المسؤولية مرة جديدة، كما فعلت في قضية خاشقجي وغيرها من الانتهاكات.
كتبت هيومن رايتس ووتش إلى السلطات السعودية قبل نشر التقرير التفصيلي عن العنف ضد المهاجرين الأثيوبيين بأسابيع، طلبا لتعليقها. لم يتلق باحثونا أي رد. أجاب السعوديون عن أسئلة بعض الصحفيين، وحتى هذه الإجابات رفضت نتائج هيومن رايتس ووتش واعتبرتها "باطلة" و "لا أساس لها"، دون أي دليل يدعم هذا الإنكار.
هذا الرفض الوقح غير كاف: يتعين على الولايات المتحدة والحكومات الأخرى التي قدمت دعما للسعودية أن تطلب إجابات وتسعى إلى المحاسبة. من واجب الولايات المتحدة وغيرها أيضا التحقيق في تواطؤهم، ومحاسبة أنفسهم، وأن يوقفوا ليس فقط لا مبالاتهم بالانتهاكات الحقوقية للسعودية، بل مساهماتهم في الانتهاكات أيضا.