ملخّص
قالت تمارا: "كانت المرة الأولى التي أكتشف فيها أنّه يمكن معاملتي بهذه الطريقة. كنّا في مظاهرة، ما الخطأ في ذلك؟ لم أتوقع أبدا أني سأمثل أمام محكمة عسكرية". تمارا واحدة من 14 متظاهرا أُوقِفوا خلال إحدى احتجاجات عام 2015، على خلفية عجز الحكومة عن حل أزمة النفايات، وتجري محاكمتهم أمام محكمة عسكرية، ويواجهون أحكاما قد تصل إلى السجن لثلاث سنوات.
نظام المحاكم العسكرية في لبنان هو نظام قضائي استثنائي خاضع لسلطة وزارة الدفاع. لديه صلاحية واسعة لمحاكمة المدنيين، بما يشمل قضايا التجسس، الخيانة، التهرب من الخدمة العسكرية، الاتصال غير الشرعي بالعدو (إسرائيل)، أو حيازة الأسلحة؛ الجرائم التي تمس مصالح الجيش أو قوى الأمن الداخلي أو الأمن العام؛ بالإضافة إلى أي نزاع بين مدنيين من جهة، وعسكريين أو عناصر أمن أو موظفين مدنيين في وزارة الدفاع، الجيش، أجهزة الأمن، أو المحاكم العسكرية من جهة أخرى. الولاية الواسعة التي تتمتع بها المحاكم العسكرية تعني أن المدنيين قد يمثلون أمام محكمة عسكرية على خلفية أي تعاط مع الأجهزة الأمنية أو موظفيها. الأطفال أيضا يُحاكَمون في محاكم عسكرية عند اتهامهم بإحدى هذه التهم. حسب جمعية "الاتحاد لحماية الأحداث في لبنان"، حوكم 355 طفلا في محاكم عسكرية في 2016.
عبّر مدّعى عليهم ومحامون ومنظمات حقوقية لبنانية عن قلقهم من استخدام مسؤولي وزارة الدفاع والجيش سلطة المحاكم العسكرية الواسعة كأداة تخويف وانتقام ضد التعبير والنشاط السياسيَّين.
قال أحد المتظاهرين الذين يمثلون أمام محكمة عسكرية: "تم اتهامي لأني من الوجوه المعروفة، أنا شخص لا عنفي بامتياز. يحاولون جعلي مثلا، فيقولون 'يمكننا توقيفك وسجنك. إن رفعت صوتك سنُسكتُك'".
في السنوات الأخيرة، وجّهت النيابة العامة العسكرية تهما إلى محامين ونشطاء حقوقيين تكلموا عن التعذيب الذي يُمارسه الجيش اللبناني. في قضية أخرى، أدانت محكمة عسكرية امرأة بتهمة "الإساءة إلى المؤسسة العسكرية"، بعدما قالت لصحفية إنها اغتُصِبت وعُذِّبت أثناء احتجازها لدى الجيش.
هيكلية المحاكم العسكرية ونظام تعيين القضاة فيها يقوّضان كفاءتها واستقلاليتها وحيادها. فوزير الدفاع هو من يعيّن القضاة العسكريين، الذين لا يشترط عليهم الحصول على شهادات أو تدريب في القانون. يبقى ضباط الجيش العاملون كقضاة تابعين لوزارة الدفاع خلال خدمتهم. إضافة إلى ذلك، يخضع حضور المحاكمات العسكرية لقيود، وبالتالي يصعب على المنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام مراقبتها بحرية.
وصف أشخاص خضعوا لمحاكمات عسكرية ومحامون انتهاكات متعددة للحق في أصول المحاكمات العادلة، عانوا منها هم وموكلوهم في المحاكم العسكرية. من ضمنها، الاستجواب بغياب المحامي، سوء المعاملة والتعذيب والاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي، استخدام الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب، الاحتجاز المطوّل قبل المحاكمة، القرارات الصادرة بدون شرح، الأحكام التي تبدو تعسفية، والحق المحدود بالاستئناف.
وثّقت "هيومن رايتس ووتش" 10 حالات حيث قال مدنيون احتجزهم عناصر الجيش إنهم تعرّضوا للتعذيب في مراحل عدة من احتجازهم، بما فيها الاستجواب. في 8 من هذه الحالات، تم تعذيب المحتجزين الذين حوكِموا في محاكم عسكرية بتُهم تتعلق بالإرهاب والأمن، وانتُزعت منهم اعترافات قسرية ثم استُخدِمت كدليل ضدهم في المحكمة. غالبا ما يوضع المحتجزون لدى الجيش بمعزل عن العالم الخارجي ويُستَجوَبون بغياب محام. وصفت منظمات حقوقية ومحامون لبنانيون نمطا مقلقا من التعذيب الذي بدا متكررا في حالات المحتجزين لدى الجيش. في إحدى الحالات التي وثّقتها هيومن رايتس ووتش كان الاعتراف القسري دليل الإدانة الوحيد المُقدّم ضد أحد المتهمين. قال محام: "أنا أقلق دائما من الاستجوابات العسكرية، فهناك دائما شكل من أشكال العنف".
قال محامون يمثّلون متهمين أمام المحاكم العسكرية وموظفو منظمات حقوقية محلية إن هناك حالات تعذيب في المحاكم العسكرية أكثر منها في المحاكم المدنية. عللوا ذلك بأن الاستجوابات يُشرف عليها عناصر من الجيش، وأن الادعاءات المقدَّمة، مثل الإرهاب، تزيد احتمال استخدام التعذيب خلال الاستجواب، بسبب غياب المحامين والحجز بمعزل عن العالم الخارجي أثناء الاعتقال السابق للمحاكمة لدى الجيش.
قال ناجون إنهم تعرّضوا للضرب والتعذيب النفسي والصعق بالكهرباء و"البلانكو" (تعليق المحتجَز من معصميه المقيّدين خلف ظهره)، وأُمِروا بتوقيع إفادات وهم معصوبي الأعين. في إحدى الحالات، قالت امرأة لأحد الصحفيين إنها تعرّضت للاغتصاب والتعذيب خلال احتجازها لدى الجيش. في حالة أخرى، احتُجز لاجئ سوري للاشتباه بمثليته الجنسية وتعرّض لفحص شرجي، وهو إجراء يدّعي تقديم "دليل" على ممارسات مِثلية ولكنه أحد أشكال المعاملة القاسية، اللاإنسانية، والمهينة التي قد ترقى في بعض الأحيان إلى التعذيب.
كما وثّقت هيومن رايتس ووتش حالتين حيث عذّب عناصر الجيش طفلين وانتزعوا منهما اعترافات قسرية. مَثُلَ الطفلان أمام المحكمة العسكرية. قالت أم أحدهما: "صرخت من تحت الأرض عندما رأيته... لم أصدق أن هذا ابني. لا يمكنك وصف المشهد. كان وجهه ملطخا بالدم ومتورّما ومزرقّا. بالكاد رأيته 5 دقائق وكان يرجوني لإخراجه من هناك".
قال 4 محامين لـ هيومن رايتس ووتش إن أحكام المحاكم العسكرية متضاربة وتعسفية، وإنهم غالبا ما يتوقعون إدانة المتهمين بغض النظر عن الأدلة ضد موكّليهم.
حسب محامين لبنانيين، حق الاستئناف محدود في نظام المحاكم العسكرية، واستخدام الاعترافات المنتزَعة عن طريق التعذيب بهدف إدانة المتهم لا يُعَدّ سببا للاستئناف.
في رسالة ردا على أسئلة وجهتها هيومن رايتس ووتش، قالت وزارة الدفاع: "القضاء العسكري يحترم في جميع نصوصه القواعد القانونية الوطنية والدولية كافة وخاصة لجهة احترام حقوق الإنسان".
ترى "لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان" و"الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي" الأممي أنه لا يجب استخدام المحاكم العسكرية لمحاكمة مدنيين. سعت منظمات المجتمع المدني في لبنان طويلا إلى استثناء المدنيين من صلاحيات المحاكم العسكرية بسبب مخاوف من غياب المحاكمات العادلة في ظل هذا النظام.
يجب ألا يمثل المدنيون أمام محاكم عسكرية، حيث لا تُصان حقوقهم، وتحديدا الأطفال الذين يجب ألا يحاكموا عسكريا تحت أي ظرف.
على لبنان إصلاح نظام المحاكم العسكرية بصورة عاجلة عبر استثناء المدنيين والأطفال من اختصاص المحاكم العسكرية، وضمان أن يرفض القضاة جميع الاعترافات والأدلة المنتَزَعة تحت التعذيب. وعليه ضمان حق وجود محام أثناء الاستجواب وتجريم كل أوجه التعذيب. على وزارة الدفاع إحالة كل مزاعم التعذيب إلى النيابة العامة، واعتماد سياسة تقضي بعدم التسامح مطلقا مع أي من أوجه التعذيب والمعاملة اللاإنسانية والمهينة. كما عليه ضمان استقلال وحياد جميع القضاة، بما في ذلك ضمان ألا يتبع أي قاض للتسلسل الهرمي للجيش.
توصيات
للبرلمان اللبناني
- تعديل المادة 24 من قانون القضاء العسكري لعام 1968 لمنع محاكمة المدنيين وجميع الأطفال أمام المحاكم العسكرية.
- تعديل المادة 49 من قانون أصول المحاكمات الجزائية لضمان، بوضوح، حق المتّهمين بتوكيل محام أثناء الاستجواب.
- تعديل المادة 401 من قانون العقوبات من أجل تجريم كل أشكال التعذيب وسوء المعاملة واعتماد تعريف التعذيب المنصوص عليه في "اتفاقية مناهضة التعذيب".
- تمويل "المعهد الوطني لحقوق الإنسان" ورفده بطاقم من الخبراء المؤهلين والمستقلين، وضمان قدرته على زيارة جميع أماكن الاحتجاز كلما أراد وبالطريقة التي يختارها، دون خوف من عقاب أو انتقام.
- تعديل قانون القضاء العسكري لعام 1968 لكي ينص صراحة على وضع قضاة المحاكم العسكرية خارج التسلسل الهرمي للجيش.
لوزارة الدفاع والمحكمة العسكرية
- زيادة شفافية إجراءات المحاكمات العسكرية، بما في ذلك نشر معلومات أساسية عن عدد وحالة القضايا المتعلقة بمدنيين وجعل المحاكمات علنية.
- ضمان إبلاغ المحتجزين، بعد وصولهم إلى مراكز الاحتجاز، بحقهم في الاتصال بمحام أو أفراد عائلاتهم ومعارفهم؛ مقابلة المحامي؛ وإحالتهم بسرعة أمام قاض.
- إنشاء نظام مركزي ومُتاح لتلقّي ومعالجة الشكاوى ضد عناصر الجيش بسبب ارتكابهم انتهاكات بحق المشتبه بهم أو أفعال أخرى منافية للقانون، وضمان إمكانية متابعة الشكوى عبر رقم خاص بها.
- إحالة جميع مزاعم التعذيب وسوء المعاملة الواردة عن طريق آلية تقديم الشكاوى، أو المعروفة بوسيلة أخرى، إلى المدعي العام وإعلان ونشر نتائج جميع التحقيقات المتعلقة بالتعذيب وسوء المعاملة.
- التحقيق مع العناصر ومعاقبة المدانين منهم بارتكاب التعذيب وسوء المعاملة، الحجز التعسفي، أو عدم إحالة المحتجزين سريعا إلى القاضي.
- ضمان عدم قبول القضاة بأي اعتراف أو دليل مُنتزَع تحت التعذيب.
- الأمر بأن يقوم أطباء مستقلون، لم يخترْهم العناصر في مكان الاحتجاز، بالكشف على المرضى في غياب أي عنصر من الجيش وتوثيق أي آثار للتعذيب أو سوء معاملة. إرفاق نسخة عن الكشف الطبي بملفات قضية المشتبه بهم.
- ضمان إمكانية التعرّف إلى جميع أفراد القوات المسلحة اللبنانية عبر شارة تحمل الاسم والرتبة على الزِّيّ في جميع الأوقات.
- تقديم إجراءات احترازية لحماية النساء المحتجَزات من كل أشكال الانتهاكات، بما فيها الانتهاكات على أساس الجنس، وضمان حضور عناصر نسائية دائما، أثناء توقيف النساء المحتجَزات ونقلهن واستجوابهن.
- إلغاء أي إدانة لمتهم تمّت على أساس اعترافات انتزِعَت بالقوة.
- ضمان وصول عاملين اجتماعيين إلى الأطفال المحتجَزين لدى الجيش وحضورهم خلال استجواب الأطفال كما تنص المادة 34 من قانون الأحداث اللبناني.
لوزارة العدل
- توجيه النيابة العامة للتحقيق في جميع مزاعم التعذيب وسوء المعاملة التي تتهم مسؤولين، بغض النظر عن رتبتهم أو موافقة الضباط الأعلى رتبة، في حال قدمت الضحية أو عائلتها شكوى رسمية أو لم تفعل.
للمعهد الوطني لحقوق الإنسان والآلية الوقائية
- مراقبة جميع أماكن الاحتجاز دوريا، بما فيها تلك التي تديرها وزارة الدفاع، وتقديم أي دليل على التعذيب أو سوء المعاملة إلى النيابة العامة.
- مراقبة محاكمات المحاكم العسكرية للوقاية من استخدام الاعترافات القسرية والأدلة المُنتزَعة تحت التعذيب لمحاكمة المتهمين.
الدول المانحة
- تشجيع الحكومة اللبنانية على الالتزام بتوصيات هذا التقرير.
- مراقبة المساعدات المالية والتقنية المقدَّمة إلى وزارة الدفاع لضمان أنها لا تصب في دعم سياسات أو برامج أو ممارسات تنتهك القوانين الدولية، بما فيها التعذيب وسوء المعاملة.
- تمويل المعهد الوطني لحقوق الإنسان والآلية الوقائية.
- ضمان أن المساعدات المقدَّمة إلى وزارة الدفاع تدعم تنمية المراقبة الداخلية وآليات المحاسبة داخل القوات اللبنانية المسلحة، بما فيها هيئة مستقلة للتحقيق في مزاعم التعذيب وسوء المعاملة.
- الامتناع عن تمويل وحدات القوات المسلحة التي يثبت انتهاكها حقوق الإنسان وجعل استئناف تمويل هذه الوحدات مرهونا بإقرار إصلاحات تضمن توقّف الانتهاكات ومحاسبة الانتهاكات السابقة.
للسلطات اللبنانية
- قبول طلب المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني باستقلال القضاة والمحامين لزيارة لبنان.
منهجية التقرير
أُجرِيَ البحث من أجل هذا التقرير بين أغسطس/آب 2014 وديسمبر/كانون الأول 2016. أجرت هيومن رايتس ووتش 41 مقابلة مع أشخاص حوكِموا أمام محاكم عسكرية وعائلاتهم ومحامين وقضاة ونشطاء وممثلين عن منظمات المجتمع المدني والحكومة اللبنانية. تأكدنا من روايات الشهود، عندما استطعنا، بمقارنتها مع مصادر وشهادات أخرى، بما يشمل المحامين والأقارب.
أُجرِيَت المقابلات في بيروت وطرابلس وسهل البقاع. حرصت هيومن رايتس ووتش على إجرائها في أماكن آمنة وخاصة. أُجريَت 4 مقابلات عبر الهاتف. استعضنا عن الأسماء الحقيقية للأشخاص الذين تمّت مقابلتهم بأسماء مستعارة لحمايتهم من أي تبعات لانتقاد الجيش، أو لأن قضاياهم مازالت مفتوحة في المحاكم العسكرية. في الحالات التي استخدمنا فيها أسماء مستعارة ذكرنا ذلك في التذييل. قد لا يتوافق الاسم المستعار مع دين المتحدث في المقابلة. في بعض الحالات حجبنا بعض المعلومات الإضافية المعرِّفة، بهدف حماية سلامة الأشخاص وخصوصيتهم.
أبلغت هيومن رايتس ووتش جميع الذين تمّت مقابلتهم بطبيعة البحث وهدفه ونيّتَنا نشر التقرير مع المعلومات المجمَّعة. وأبلغنا جميع المشاركين المحتمَلين في المقابلات أنهم غير ملزَمين بالتكلّم معنا وأن هيومن رايتس ووتش لا تقدم أي خدمات إنسانية مباشرة، وأنه بإمكانهم التوقف عن التكلّم معنا أو الامتناع عن إجابة أي سؤال بدون أي عواقب. حصلنا على موافقة شفهية لكل مقابلة وحرصنا على عدم تعريض المشاركين فيها للصدمة مجددا. لم يتقاض الأشخاص الذين تمت مقابلتهم أي بدل مادي مقابل التكلم مع هيومن رايتس ووتش.
لم نقم بأي مسح أو دراسات إحصائية، إنما بنينا نتائجنا على مقابلات معمّقة استكملناها بتحليل كمية كبيرة من المواد المنشورة وغير المنشورة. قابلت هيومن رايتس ووتش، في إطار البحث، عدة منظمات في لبنان منها "ألف" و"الكرامة" و"المفكرة القانونية". راجع هذا التقرير مكتب بدري وسليم المعوشي للمحاماة وشركة محاماة لبنانية أخرى، ومحام لبناني. كما بعثنا رسائل لوزارة الدفاع وقيادة الجيش والشرطة العسكرية ومخابرات الجيش والمحكمة العسكرية، وقدمنا طلبا لحضور محاكمة المتظاهرين في 30 يناير/كانون الثاني 2017 في المحكمة العسكرية، وقابلنا مسؤولا في وزارة الشؤون الاجتماعية. ردت وزارة الدفاع على هيومن رايتس ووتش في 5 يناير/كانون الثاني 2017 وضمنّا هذا الرد في الملحق الثالث بهذا التقرير. لم تتلق هيومن رايتس ووتش أي رد على طلب حضور المحاكمة العسكرية في 30 يناير/كانون الثاني 2017.
حجبت هيومن رايتس ووتش هوية بعض المنظمات التي قابلها باحثونا، بناء على طلبها لعدم التأثير على عملياتها الجارية.
I.الخلفية
هيكلية المحاكم العسكرية وصلاحياتها
نظام المحكمة العسكرية هو نظام قضائي استثنائي يخضع لصلاحيات وزارة الدفاع.[1] تُقسَم إلى 3 أجزاء، تتضمن محكمة التمييز العسكريّة والمحكمة العسكرية الدائمة (يشار إليها عموما على أنها المحكمة العسكرية) والقاضي العسكري المنفرد. تخضع إجراءات المحكمة العسكرية لأحكام قانون أصول المحاكمات الجزائية وقانون القضاء العسكري لعام 1968.[2]
المحاكم العسكرية، كما هو مُحَدَّد في قانون القضاء العسكري، تملك صلاحيات النظر في الجرائم ضد الأمن الوطني والجرائم التي يرتكبها العسكريون أو التي ترتكب ضدهم، الجرائم ضمن المنشآت العسكرية، والجرائم ضد العسكريين الأجانب.[3]
تنص المادة 24 من قانون القضاء العسكري على أن المحاكم العسكرية تملك صلاحية النظر في جميع الجرائم، مهما كان نوعها، التي تمس مصلحة الجيش أو قوى الأمن الداخلي أو الأمن العام.[4] تملك المحاكم صلاحية محاكمة المدنيين في قضايا تتعلق بالتجسس والخيانة والتهرب من التجنيد وحيازة الأسلحة والاتصال غير الشرعي مع العدو (إسرائيل)، وكذلك أي نزاع بين المدنيين والعسكريين أو عناصر الأمن أو المدنيين الموظفين في وزارة الدفاع أو الجيش أو أجهزة الأمن أو المحاكم العسكرية.[5] قد يحاكَم الأطفال أمام المحاكم العسكرية.[6]
في الهيئات الناظرة في الجرائم الخطيرة، مثل الجنايات، يترأس المحكمة العسكرية ضابط في الجيش يعاونه 4 قضاة آخرين، 3 منهم ضباط جيش رُتبهم دون رتبة الرئيس.[7] أما في الهيئات الناظرة في الجرائم الأقل خطورة، مثل الجنح، يعاون رئيس المحكمة قاضيان، أحدهما قاض عدلي والآخر ضابط في الجيش أدنى رتبة. يعين وزير الدفاع القضاة العسكريين، الذين لا يُشترط عليهم التمتع بشهادات أو تدريب في القانون. لكن، بحسب وزارة الدفاع، "معظم هؤلاء الضباط مجازون في الحقوق ومنهم من يحمل شهادة دراسات عليا في القانون".[8]
طوال خدمتهم كقضاة، يبقى العسكريون تابعين مباشرة لوزير الدفاع.[9] تكون جلسات المحكمة العسكرية علنية في المبدأ، ولكن قد تصبح سرية بموجب قرار يصدره رئيس المحكمة.[10] في رد على أسئلة من هيومن رايتس ووتش، أقرّت وزارة الدفاع بحق المتهمين بـ "محاكمة عادلة و[علنية] وشفافة"؛ كتبت وزارة الدفاع: "إن [المحاكمة] أمام المحكمة العسكرية هي علنية ولا تتم جلسة من دون حضور مندوبين ومراسلين لوسائل الإعلام (صحف وتلفزيونات) وبعض الجلسات تم نقلها مباشرة على التلفزيون، باستثناء بعض الدعاوى التي تتعلق بالآداب العامة".[11] ولكن الدخول إلى المحكمة مقيّد لأنها تقع ضمن منطقة عسكرية، ما يعني أن المنظمات الحقوقية في لبنان لا تستطيع الدخول ومراقبة المحاكمات العسكرية بحرية دون إذن مسبق من رئيس المحكمة.[12] أرسلت هيومن رايتس ووتش طلبا إلى المحكمة العسكرية في 14 ديسمبر/كانون الأول 2016 لحضور جلسة 30 يناير/كانون الثاني 2017، لكن لم تتلق أي جواب.
تم اقتراح العديد من مسودات القوانين لتغيير هيكلية المحكمة العسكري، آخرها مسودة وزارة العدل في 2015. ولكن شكّك محامون حقوقيون لبنانيون بتعريف القانون للإرهاب وإنشائه هيكلية لتنظيم قضائي موازٍ وكونه لا يستثني المدنيين من صلاحيات المحكمة العسكرية.[13]
قضية المتظاهرين
إحدى أبرز القضايا أمام المحكمة العسكرية تتعلق بـ 14 متظاهرا أُوقِفوا خلال احتجاجات على عدم حل الحكومة أزمة إدارة النفايات في 2015 ويواجهون الآن تهما أمام المحكمة العسكرية.[14] في 17 يوليو/تموز 2015، أغلقت السلطات اللبنانية مطمر الناعمة الذي استقبل نفايات بيروت وجبل لبنان منذ 1998 بدون إيجاد خطة بديلة. بينما تراكمت النفايات على الأرصفة، احتل المتظاهرون الشارع محتجين على شلل الحكومة بوجه تكدّس النفايات وعجزها عن التوصل إلى حل.[15]
استخدمت قوى الأمن القوة المفرطة لتفريق المحتجين، بما في ذلك في 19 و22 و23 أغسطس/آب 2016، ما شكل خرقا لمعايير حقوق الإنسان. قال شهود إن قوى الأمن فتحت خراطيم الماء دون إنذار وركلت المتظاهرين وضربتهم بالهراوات واستخدمت الطلقات المطاطية وعبوات الغاز المسيّل للدموع ومدافع المياه وأعقاب البنادق. بحسب التقارير، أطلقت قوى الأمن الذخيرة الحية في الهواء لتفريق المتظاهرين.[16]
قال شهود لـ هيومن رايتس ووتش إن في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2015 استخدمت القوى الأمنية مجددا القوة لتفريق المتظاهرين بعدما حاولوا إزالة الحاجز الأمني، بما شمل استخدام مدافع الماء وضرب المتظاهرين. أوقفت قوى الأمن الداخلي بعض المتظاهرين لغاية 11 يوما، ويواجه 14 منهم محاكمات أمام المحكمة العسكرية.[17]
II.محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية
بإمكان المحاكم العسكرية في لبنان محاكمة المدنيين بقضايا مثل التجسس، الخيانة، التهرب من الخدمة العسكرية، الاتصال غير الشرعي بالعدو (إسرائيل)، أو حيازة الأسلحة؛ الجرائم التي تمس مصالح الجيش أو قوى الأمن الداخلي أو الأمن العام؛ بالإضافة إلى أي نزاع بين مدنيين من جهة، وعسكريين أو عناصر أمن أو موظفين مدنيين في وزارة الدفاع، الجيش، أجهزة الأمن، أو المحاكم العسكرية من جهة أخرى. [18]اتّساع صلاحيات المحاكم العسكرية ليطال أي نزاع بين المدنيين والعسكريين يعني أن المدنيين قد يحاكَمون في هذه المحكمة بسبب أي تعاط مع القوى الأمنية أو موظفيها. هيكلية المحاكم العسكرية، عدم اشتراط تمتع القضاة العسكريين بالخلفية أو التدريب القانونيَّين، وتعيينهم مباشرة من قِبل وزير الدفاع وخضوعهم للوزارة، كل هذا يقوّض كفاءة المحاكم واستقلالها وحيادها.
صلاحيات واسعة: تخويف واقتصاص من المدنيين
حسب متهمين ومحامين ومنظمات حقوقية لبنانية، استخدمت المحاكم العسكرية اتّساع صلاحياتها لتخويف أفراد أو الانتقام منهم، لأسباب سياسية ولقمع أي معارضة، منهم المتظاهرون ضد سوء إدارة الحكومة للنفايات في 2015. قال أحد المحامين لـ هيومن رايتس ووتش إن "التدخل السياسي كثيف في المحاكم العسكرية" بسبب خضوعها لوزارة الدفاع، فهم "مقرّبون جدا من السياسيين لدرجة أنهم لا يمكنهم أن يكونوا حياديين".[19]
يحفل تاريخ المحاكم العسكرية بمحاكمة النشطاء والصحفيين والمحامين الحقوقيين.[20] وجدت منظمة ألف الحقوقية المحلية في أحد تقاريرها أن "منذ إنشائها... تم استخدام المحكمة العسكرية كأداة سياسية في كثير من الحالات لقمع الرأي العام".[21] قال باحث في منظمة حقوقية محلية: "تُستَخدَم المحاكم العسكرية كأداة تخويف".[22]
14 محتجا احتجزتهم قوى الأمن الداخلي، بعد المظاهرات احتجاجا على عجز لبنان عن حل أزمة إدارة النفايات في 2015، ينتظرون محاكمتهم أمام المحكمة العسكرية بتهم القيام بأعمال شغب واستعمال القوة مع عناصر الأمن أثناء أدائهم وظيفتهم وتدمير ممتلكات. يُحاكَمون في إطار نظام المحاكم العسكرية لأن التهم الموجهة إليهم تتضمن صدامات بين مدنيين والقوى الأمنية. في حال إدانتهم، قد تصل العقوبة إلى السجن 3 سنوات. [23]24 محتجا آخرين على الأقل ينتظرون توجيه اتهامات إليهم أمام المحكمة العسكرية أيضا. [24]
قابلت هيومن رايتس ووتش 3 من المتظاهرين الذي أبدوا صدمتهم من إمكانية محاكمتهم عسكريا بسبب مشاركتهم بمظاهرة. قالت فاديا: "يعاملونك كأنهم يتكلمون مع أبو بكر البغدادي"، بإشارة إلى زعيم تنظيم "الدولة الإسلامية" (المعروف أيضا بـ "داعش"). [25]
المحتجون الثلاثة ومحاميان تكلما مع هيومن رايتس ووتش زعموا أن الصلاحيات الواسعة التي تملكها المحكمة العسكرية على المدنيين تُستَخدَم للانتقام من المحتجين وقمع المعارضة. قال جواد، أحد المحتجين: "اتُّهمت لأني من الوجوه المعروفة، أنا شخص لا عنفي بامتياز. يحاولون جعلي مثلا فيقولون 'يمكننا توقيفك وسجنك. إن رفعت صوتك سنُسكتك'".[26] وصفت تمارا، إحدى المحتجات، كيف كانت المعاملة التي تلقتها أمام المحكمة العسكرية تهدف إلى تخويفها، قالت:
كانت المرة الأولى التي أكتشف فيها أنّه يمكن معاملتي بهذه الطريقة. كنّا في مظاهرة، ما الخطأ في ذلك؟ لم أتوقع أبدا أني سأمثل أمام محكمة عسكرية... المعاملة في المحكمة العسكرية بغيضة جدا. لست عسكرية، أنا لا أرتدي الزيّ، لا يمكنهم معاملتي كجندية... فليرسلوني إلى محكمة مدنية لا مانع لدي بذلك. لكن يجب ألا أكون في المحاكم العسكرية، هذا ليس مكاننا. أنا متخوّفة مما قد يحصل عندما أذهب إلى المحكمة. [27]
المتّهَمون الذين يمثلون أمام المحكمة العسكرية يُعَدّون محتجزين يوم مثولهم. عليهم الحضور باكرا ولا يُسمَح لهم بمغادرة المبنى حتى انتهاء جلستهم وبعد أن تكون السلطات قد بحثت في سجلاتهم وتأكّدت من خلوّها من أي قضايا جارية، وهو إجراء قد يأخذ ساعات. قال جواد: "عليك انتظار "النشرة" قبل السماح لك بالرحيل، أضعت 4 ساعات. لا يحترموننا كمواطنين. لا أتمكن من العمل في أيام ذهابي إلى المحكمة، أنا أضيع الوقت".[28]
في قضية أخرى، قالت ليال الكياجي إنها تعرضت للتعذيب أثناء احتجازها في وزارة الدفاع، ثم الاغتصاب لاحقا من قبل عناصر مخابرات الجيش في مركز الاحتجاز التابع لها في الريحانية عام 2013. قالت إنها تعرضت للتوقيف بسبب نشرها على "فيسبوك" رسائل تؤيد رجل الدين أحمد الأسير، الذي يُزعَم أن مؤيديه فتحوا النيران على حاجز للجيش في 2013، ما أدى إلى اشتباكات دامت يومين قضى خلالها 18 عسكريا و28 من مؤيدي الأسير. [29]
بعد حديثها مع صحفية عن احتجازها، احتجزت مخابرات الجيش، مرة أخرى، الكياجي في صيدا في 21 سبتمبر/أيلول 2015. قابلت هيومن رايتس ووتش الكياجي خلال احتجازها في 9 أكتوبر/تشرين الأول. قالت إن بعد توقيفها في سبتمبر/أيلول، ضغط عليها المحققون في وزارة الدفاع لسحب مزاعم الاغتصاب التي نقلتها وسائل الإعلام.[30] وجه النائب العام العسكري تهما ضد الكياجي في 22 أغسطس/آب 2016 وأدانتها المحكمة العسكرية بـ"الإساءة إلى المؤسسة العسكرية"، وحكمت عليها بالمدة التي كانت قضتها في الاحتجاز.[31]
في يوليو/تموز 2011، استجوبت مخابرات الجيش سعد الدين شاتيلا، عضو بمنظمة الكرامة الدولية، لأكثر من 7 ساعات وتركزت الأسئلة حول عمله في توثيق انتهاكات حقوق الإنسان في لبنان، وتحديدا قضايا التعذيب. لاحقا، حقق معه مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية مجددا وأحاله إلى قاضي التحقيق بتهمة "نشر معلومات تمس بسمعة الجيش اللبناني".[32] بعد 6 أشهر، في فبراير/شباط 2012، أنهى قاضي التحقيق جميع التحقيقات ضد شاتيلا دون توجيه تهم. اعتبرت الكرامة الحادثة "محاولة واضحة لترهيب المدافعين عن حقوق الإنسان".[33]
في 2006، مثل المحامي والناشط الحقوقي د. محمد مغربي أمام المحكمة العسكرية بتهمة "التحقير بالمؤسسة العسكرية وضباطها"، بعد أن ألقى كلمة أمام وفد من الاتحاد الأوروبي في بروكسيل انتقد فيها دأب الحكومة اللبنانية على استخدام القضاء العسكري في محاكمة معارضيها من المدنيين. ذكر د. المغربي للوفد أن القضاة العسكريين ينقصهم التدريب القانوني الكافي، وندد باستخدام التعذيب لانتزاع الاعترافات بالإكراه من المشتبه بهم الذين يمثلون أمام المحاكم العسكرية.[34]
هيكلية المحكمة: محكمة غير متخصصة، غير مستقلة، غير محايدة
تقوّض هيكلية المحاكم العسكرية الحق بمحاكمة عادلة، بما في ذلك الحق بالمثول أمام محكمة متخصصة ومستقلة ومحايدة والحق بمحاكمات علنية.[35] يعيّن وزير الدفاع، بالتشاور مع الجيش وقوى الأمن، القضاة العسكريين في بداية كل عام.[36] ويرأس المحكمة العسكرية ضابط في الجيش لا يزال في الخدمة، يعاونه في قضايا الجرائم الخطيرة، مثل الجنايات، 4 قضاة واحد منهم فقط قاض عدلي بينما الآخرون هم ضباط جيش من رتب دون رتبة الرئيس، ولا يشترط تمتعهم بتدريب قانوني. أمّا في قضايا الجرائم الاقل خطورة، مثل الجنح، فيعاون الرئيس ضابط دونه رتبة، لا يشترط تمتعه بخلفية قانونية، بالإضافة إلى قاض عدلي.[37]
سيطرة القضاة العسكريين بدون تدريب قانوني وتدني رتبة بعض القضاة وحقيقة أن القضاة العسكريين يبقون تابعين مباشرة لوزارة الدفاع، كل ذلك يقوّض كفاءة المحكمة واستقلالها وحيادها.[38] سأل أحد المحامين اللبنانيين: "انتماء شخص للتسلسل الهرمي للجيش يخلق شكلا من عدم الحياد، فكيف نتأكد أنه لا ينفذ الأوامر؟"[39] وقال محام آخر يرافع أمام المحكمة العسكرية: "المعاون العسكري، المتدني الرتبة، لن يخالف قرارات رئيس المحكمة".[40]
وجدت لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة أن "الحق بالمثول أمام محكمة مستقلة ومحايدة هو حق مطلق بدون أي استثناء".[41]
الإجراءات المتبعة لتعيين القضاة، وعدم تمتعهم بالتدريب القانوني، وغياب المراقبة والمحاكمات العلنية تقوّض الحق الأساسي بمحاكمة عادلة الإجراءات المناسبة.[42] قال محام لبناني آخر، في المحاكم العسكرية "ينعدم احتمال تأمين دفاع جيد".[43]
يقول تقرير للمنظمة الحقوقية اللبنانية، ألِف، إن "مع استحداث المحكمة العسكرية الحديثة عام 1968، سهّل الجهاز القضائي ممارسات الحرمان من الحقّ في محاكمة عادلة والاعتقال والتوقيف التعسفي، بما في ذلك الحجز بمعزل عن العالم الخارجي".[44]
سعت منظمات المجتمع المدني في لبنان طويلا إلى استثناء المدنيين من صلاحيات المحاكم العسكرية بسبب مخاوف تتعلق بالمحاكمات العادلة. في 2012، حثّت مجموعة منظمات غير حكومية السلطات اللبنانية على التوقف عن إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية بحجة أنها "فشلت في التزام المعايير والشّروط الدّوليّة للمحاكمات العادلة" وتخلق "جوّا ملائما لانتهاك حقوق المتّهمين، وتخلق جوّا من عدم المحاسبة، والحصانة غير القانونيّة، وكافّة الإساءات الأخرى والتّجاوزات لحكم القانون".[45] ويكمل التقرير: "إنّ المحكمة العسكريّة في لبنان، كانت ومنذ نشأتها، نظاما منفصلا دون أي ضوابط أو رقابة".[46]
في 2015، أرسلت المقررة الخاصة المعنية باستقلال القضاة والمحامين إلى لبنان تطلب دعوة للقيام بزيارة قطرية، لكنها لم تتلق أي رد.[47]
III. التعذيب واستخدام الاعترافات القسرية
توثّق هيومن رايتس ووتش ومنظمات المجتمع المدني اللبناني منذ سنوات التعذيب النمطي من قِبَل الجيش.[48]
يقول المحامون الذين يرافعون أمام المحكمة العسكرية وموظفو المنظمات الحقوقية اللبنانية إن هناك حالات تعذيب في المحاكم العسكرية أكثر من المحاكم المدنية؛ يعللون ذلك بأن قيام أفراد الجيش بالاستجواب وطبيعة الادعاءات المقدَّمة، مثل الإرهاب، تزيد من احتمال استخدام التعذيب خلال جلسات الاستجواب، بسبب غياب المحامين عن هذه الجلسات والاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي الذي غالبا ما يتم قبل توجيه التهم.[49]
وثّقت هيومن رايتس ووتش 10 حالات لمدنيين محتجزين لدى الجيش قالوا إنهم تعرّضوا للتعذيب في عدة مراحل من احتجازهم، بما في ذلك جلسات الاستجواب، ولم يتمكن أحد منهم من الوصول إلى محام أو عائلاتهم خلال الاستجواب.
وجدت إحدى المنظمات اللبنانية التي توثق استخدام التعذيب أن في أغلب الحالات يحصل التعذيب أثناء جلسات الاستجواب. قال باحث في هذه المنظمة: "في المحاكم العسكرية يُنظَر إلى التعذيب على أنه جزء من العقاب".[50]
في إحدى القضايا التي وثقتها هيومن رايتس ووتش قال شادي، لاجئ سوري، إن عناصر مخابرات الجيش لكموه ورفاقه بالسكن وضربوهم بالعصي، خلال مداهمة شقتهم في جونيه في يناير/كانون الثاني 2016. أضاف أنهم عادوا واعتقلوه أوائل فبراير/شباط على ما يبدو للاشتباه بمثليته الجنسية ونقلوه إلى فرع المخابرات في صربا، قرب جونيه، حيث عصبوا عينيه وجردوه من ملابسه وضربوه بالعصي ولكموه على وجهه. كما قال إنهم في الصباح التالي عصبوا عينيه مجددا وأجبروه على التوقيع على ورقة لم يتمكن من قراءتها وضربوه عندما سأل علام يوقع. ثم نقلوه إلى وزارة الدفاع في اليرزة. واقتادوه، عند وصوله، إلى غرفة تحقيق تحت الأرض حيث ضربه المحقق بكوعه على بطنه ورقبته ورفسه بين رجليه.[51]
أضاف شادي أن العناصر نقلوه بعد ذلك إلى مركز الريحانية التابع للشرطة العسكرية حيث أخذوه إلى غرفة وطلبوا منه نزع ملابسه. هناك طلب شادي الاتصال بأحد الأصدقاء أو محام لكن رُفِض طلبه.[52] قال إنهم كبلوه وطلبوا منه الانحناء في مواجهة الحائط وقال له أحد العناصر: "سأُدخل هذه في شرجك لتحديد عدد المرات التي مارست الجنس فيها"، ثم أدخل العصا فأخذ شادي يصرخ من الألم ويرجو العنصر أن يتوقف.
تفتقر الفحوص الشرجية القسرية إلى أي قيمة إثباتية وهي أحد أشكال المعاملة القاسية غير الإنسانية والمهينة التي ترقى في بعض الأحيان إلى التعذيب.[53]
في قضية أخرى، قالت ليال الكياجي إنها تعرّضت للتعذيب خلال احتجازها في وزارة الدفاع، واغتصبها لاحقا عناصر من مخابرات الجيش في مركز الاحتجاز التابع لها في الريحانية.[54]
قال المحتجزون وأقرباؤهم ومحاموهم إن المحامين والعائلة بالغالب لا يعرفون مكان احتجازهم.[55] قال أحد المحامين لـ هيومن رايتس ووتش: "أنا أقلق دائما من الاستجوابات العسكرية، فهناك دائما شكل من أشكال العنف".[56] وأضاف آخر: "عندما تندرج القضية في السلك العسكري فإنك تُضرَب قبل السؤال عن اسمك".[57]
وثّقت هيومن رايتس ووتش 8 قضايا أخرى لمدنيين يحاكَمون عسكريا بتهم تتعلق بالإرهاب والأمن، قالوا إن عناصر الأمن عذبوهم وأجبروهم على الاعتراف ثم استخدموا هذه الاعترافات كدليل ضدهم. كما وثّقت منظمات أخرى قضايا أمام المحكمة العسكرية حيث انتُزِعت الاعترافات تحت وطأة التعذيب واستُخدِمَت كدليل إدانة.[58] قال أحد المحامين: "المحكمة تعتمد على الاعتراف ولا تقتنع أبدا أن المتهم اعترف تحت التعذيب".[59] في بعض القضايا التي وثقتها هيومن رايتس ووتش قال المتهمون ومحاموهم إن الاعترافات القسرية كانت الدليل الوحيد لإدانتهم الذي قدمته النيابة العامة ضدهم. في قضية واحدة فقط ردّت المحكمة اعترافا قسريا، ولكن حتى هنا لم يبدُ أن السلطات اتخذت أي خطوات للتحقيق مع العناصر الذين عذبوا المتهم أو معاقبتهم.[60]
استخدام الاعترافات المُنتزَعة تحت وطأة التعذيب مسألة تواجه المحاكم غير العسكرية أيضا في لبنان، وتشكّل انتهاكا للقوانين اللبنانية والدولية وتقوّض الحق بمحاكمة عادلة.[61]
قال أحد المحامين إنه مع أن النيابة العامة تستخدم الاعترافات المنتزعة تحت وطأة التعذيب في المحاكم المدنية، لدى المحامين هناك احتمال أكبر للنجاح في ردّ هذه الاعترافات.[62]
إجبار أحدهم على الاعتراف يشكل خرقا للقانون الدولي والمادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني التي تنص على "إن امتنعوا [المتهمون] أو التزموا الصمت فيشار إلى ذلك في المحضر ولا يحق لهم إكراههم على الكلام أو استجوابهم تحت طائلة بطلان إفادتهم".[63] بينما تفرض المادة 401 من قانون العقوبات معاقبة استخدام العنف للحصول على "إقرار عن جريمة"، نادرا ما يحاكم القضاء الأفراد المشتبه باستخدامهم العنف أو إساءات أخرى.[64] في 19 أكتوبر/تشرين الأول 2016، أقر البرلمان اللبناني قانون إنشاء المعهد الوطني لحقوق الإنسان الذي سيضم لجنة للتحقيق في استخدام التعذيب وسوء المعاملة في مراكز الاحتجاز. ولكن لم يقر لبنان، بعد، قوانين تجرّم كل أشكال التعذيب كما تنص اتفاقية مناهضة التعذيب.[65]
روَيْد، من شمال لبنان في منتصف العشرينات من عمره، قال لـ هيومن رايتس ووتش إن أفراد من فرع المعلومات التابع لقوى الأمن الداخلي اعتقلوه في بيروت في ربيع 2014 ونقلوه إلى مركزهم في الأشرفية، حيث أبلغوه بأنه مشتبه بضلوعه في اشتباكات طرابلس. قال إنهم كبلوا معصميه وراء ظهره ورفعوه في الهواء، "لم أتمكن من التنفّس. انقطع نفسي وأغمي عليّ". قال إنه في اليوم التالي نقلوه إلى وزارة الدفاع في اليرزة وهناك أبلغ الضباط بأنه تعرض للتعذيب لدى قوى الأمن الداخلي، فكان الجواب: "إن لم تتكلم سنجعلك تتكلم، لدينا البلانكو [تعليق الضحية من المعصمين المكّبلَين وراء ظهره]، الفروج [تعليق الضحية من القدمين بينما يديه مكبلتين إلى قضيب حديد تحت الركبة] والكهرباء – سنفعل ما تريد. تكلم أو أرسلناك إلى التعذيب!". قال رويد إنه اعترف بجميع التهم الموجّهة إليه خوفا من التعذيب أكثر. أُفرِج أخيرا عنه في أوائل 2015.[66]
نجيب، لبناني آخر، قال أيضا لـ هيومن رايتس ووتش إن العناصر ضربوه وأجبروه على التوقيع على اعتراف خلال استجوابه في وزارة الدفاع في اليرزة، بعد أن أوقفه الجيش في منزله في خريف 2014. قال إنه خلال الاستجواب وجّه العناصر له الصفعات واللكمات على وجهه ورموه على الحائط. قال إنهم أجبروه على الوقوف بجانب الحائط خلال الجلسة لخمس ساعات حتى أُغمِي عليه ووقع أرضا. في اليوم التالي أجبروه على توقيع ورقة بدون معرفة ما كان مكتوبا عليها. وقال إنه بعد يومين مثل أمام قاضي التحقيق في المحكمة العسكرية بتهمة بيع الأسلحة، والدليل الوحيد ضده كان الاعتراف القسري. أُطلق سراحه بعد بضعة أيام بانتظار المحاكمة.[67]
في بعض القضايا، قبلت المحكمة العسكرية بالاعترافات القسرية كأدلة حتى حين تكون آثار التعذيب واضحة على جسد المحتجزين، أو عندما يقولون إنهم أُجبِروا على الاعتراف.
قابلت هيومن رايتس ووتش شابا في منتصف العشرينات من عمره، من جبل محسن، أُوْقِفَ أخوه، باسل، في ربيع 2015 بعد استدعائه إلى مركز "المرابطون" لمخابرات الجيش في طرابلس لإجراء معاملات روتينية كموظف حكومي سابق. اتهمه عناصر المخابرات بالمشاركة باشتباكات في حي باب التبانة المجاور ونقلوه إلى فرع المخابرات في عبيه ثم إلى وزارة الدفاع في اليرزة. قال إن لدى زيارته باسل قال له الأخير إن أفراد مخابرات الجيش عذبوه لدى احتجازه في وزارة الدفاع في اليرزة وأجبروه على الاعتراف. قال: "أخبر باسل القاضي بأنه اعترف تحت وطأة التعذيب ولكن لم يهتم القاضي لذلك. كان وجه باسل متورّما والدم يسيل من أنفه كلما تكلّم. قال إنه لم يتحمل التعذيب فاعترف بكل ما أرادوا".[68] تكلّمت هيومن رايتس ووتش مع محامي باسل الذي أكد أن الاعتراف أُدرِج ضمن الأدلة ضد باسل.[69]
في قضية أخرى قال آلان، لاجئ سوري في منتصف الثلاثينات من عمره، لـ هيومن رايتس ووتش إن عناصر مخابرات الجيش أوقفته في خريف 2015 بينما كانت زوجته تَلِد في المستشفى، وأخذوه إلى أحد مراكزهم. قال:
تُصاب برهبة نفسية عند توقيفك مع ما تسمع عن الذين تعرضوا للتعذيب... قالوا لي إن تهمتي الإرهاب فتوقف قلبي. كبلوا يدي وراء ظهري وعصبوا عيني ثم بدأ الضرب. كانوا يأمروني بالكلام فأجبتهم بأن ليس لدي الوقت لأتكلّم. أجبروني على الوقوف بجانب الحائط وضربوني حتى وقعت أرضا. ضربوني لساعة ونصف، إن أجبت ضربوني، إن لم أُجِب ضربوني. لم أتمكن من التنفس.[70]
قال آلان إن عناصر مخابرات الجيش نقلوه لاحقا إلى وزارة الدفاع في اليرزة حيث تعرّض للمزيد من التعذيب.
بمجرد وصولي بدأ الضرب. ... ينادوننا بأرقام حتى لا نعرف من يوجد غيرنا. عند سماع رقمك تبدأ بالرجفان من الخوف. كنت محتجزا لدى داعش في الرقة لـ 18 يوما، المعاملة ذاتها تقريبا، باستثناء أني هنا كنت أعلم أني لن أُقتَل. تضررت أُذُني من الضرب فاستدعوا الطبيب.[71]
قال محامي آلان: "يعاين طبيب عسكري المحتجزين ولكن لا تُذكَر الإصابات في التقرير. يقول التقرير إن طبيبا عسكريا عاينه ووجده بصحة جيدة".[72] قال آلان إنهم استجوبوه وعذبوه في وزارة الدفاع لأربعة أيام ثم نقلوه إلى المحكمة العسكرية.[73]
حسب محاميه، اتُّهِم آلان بالانتماء إلى تنظيم إرهابي وتمويل الإرهاب على أساس الاعتراف الذي وقّعه معصوب العينين.[74] أدانته المحكمة وحكمت عليه بالسجن سنة.
في إحدى القضايا، قال محتجَز سابق لـ هيومن رايتس ووتش إن المحكمة أمرت بإخلاء سبيله بعدما لحظ قاض عسكري أن اعترافه كان قسريا، ولكن حسب عِلمِه لم يكن هناك تحقيقات بحق الأفراد الذين عذبوه.
حافظ، لبناني من جبل محسن في طرابلس، قال إن قوى الأمن الداخلي أوقفته عند حاجز في عكار في ربيع 2014 وأبلغته أنه مطلوب بتهمة إطلاق النار على الجيش. نُقِل إلى مركز مخابرات الجيش في عبيه وفي اليوم التالي إلى وزارة الدفاع في اليرزة حيث استجوبوه وعذبوه بطريقة البلانكو. قال:
أُغمي عليّ على الفور. آخر ما أذكر أني كنت مرميا أرضا وأصرخ متألما "أنا أعترف، لقد أطلقت النار على الجيش". كان الألم لا يُحتَمَل، وأردت فعل أي شيء ليتوقف. بعد عام ما زلت أخضع للعلاج بسبب الإصابات في كتفي.[75]
قال حافظ إنه عندما مثل أمام قاضية التحقيق خلع قميصه وأراها آثار التعذيب على جسده. أضاف: "القاضية أسقطت قضيته. الشيء الوحيد ضدي كان الاعتراف القسري، فرفضته لأنه كان واضحا أنه انتُزِع تحت التعذيب. الآثار على جسدي لا تكذب".[76]
تعذيب الأطفال ومحاكمتهم أمام المحاكم العسكرية
وثقت هيومن رايتس ووتش، أيضا، استخدام التعذيب لانتزاع اعترافات من الأطفال في المحاكم العسكرية. حسب جمعية الاتحاد لحماية الأحداث في لبنان، تمّت محاكمة 355 طفلا في محاكم عسكرية في 2016.[77]
هيثم، لاجئ سوري، قال لـ هيومن رايتس ووتش إنه بعد توقيفه على حاجز في طرابلس في 2014 بعمر 15، احتُجز لأيام في مركز مخابرات الجيش في عبيه قبل نقله إلى وزارة الدفاع في اليرزة. قال إنه عندما كان لدى المخابرات ضربه العناصر بأيديهم وأرجلهم وأجبروه على الاعتراف بـ "أمور لم أفعلها".[78] وقال إنهم أجبروه في وزارة الدفاع على التوقيع على اعتراف وهو معصوب العينين، استخدموه لاحقا كدليل ضده أمام المحكمة العسكرية حيث كان يُحاكَم بتُهَم إرهاب. قال لـ هيومن رايتس ووتش إن جسده كان مليئا بآثار التعذيب التي رآها القاضي لكن لم يعلّق على الأمر. عندما قابلت هيومن رايتس ووتش هيثم كان أحد الآثار لايزال واضحا في مكان قال إن العناصر ضربوه عليه بأعقاب البنادق.[79]
أوقفت مخابرات الجيش خالد، بعمر 16، في منزله في الشمال في 2014 ونقلته إلى مركز المخابرات. قال محاميه إنه استُجوِب هناك لثلاثة أيام وإن المحققين عصبوا عينيه "ولكموه على وجهه وضربوه بقضيب على ظهره وشتموه وهددوه"، ونقلوه إلى وزارة الدفاع في رابع يوم احتجاز. وقال إنهم هناك علقوه بحبل مربوط بمعصميه وراء ظهره وضربوه. كما وصلوا الأسلاك الكهربائية بأعضائه التناسلية وصعقوه حتى أغمي عليه ثم صبوا عليه المياه الباردة لإيقاظه – حدث كل ذلك بينما يسألونه عن مشتبه بضلوعهم بأعمال إرهابية ويطلبون منه الاعتراف بزرع عبوة ورمي قنابل على حاجز للجيش وانتمائه إلى تنظيم إرهابي. قال محاميه: "لم يكن يعلم من أين يأتي الضرب. اعترف بكل شيء، بصلب المسيح وقتل رئيس الوزراء".[80]
حسب محاميه، قضى خالد 4 أيام في وزارة الدفاع حيث صب المحققون المياه الباردة عليه ووجهوا الضوء الساطع على وجهه لمنعه من النوم. قال المحامي: "كان يسمع أصوات المحتجزين يتعرضون للتعذيب". أضاف أن المحققين أجبروا خالد على توقيع وثيقة معصوب العينين بعد كل جلسة تعذيب، مرة أو مرتين باليوم.[81]
قال محامي خالد إنه حُوِّل إلى المحكمة العسكرية حيث مثل أمام قاضي التحقيق بحضور مندوب لحماية الأحداث ولكن بغياب محام. وجهت النيابة إليه تهم الانتماء إلى تنظيم إرهابي والقيام بأعمال إرهابية، ما قد يؤدي إلى حكم 5-15 سنة سجنا، بحسب محامي خالد. قال المحامي: "قلت للقاضي إنه اعترف تحت الضغط. المحكمة العسكرية لا تسمع. لا يأخذون ذلك بعين الاعتبار".[82] أدانت المحكمة العسكرية خالد وحولت ملفه إلى محكمة الأحداث لأنها لا تملك صلاحية الحكم على الأطفال. سأل المحامي: "لماذا قبلوا الملف إن لم يكونوا يملكون صلاحية الحكم على الأطفال؟ كان يجب تحويله إلى محكمة الأحداث على الفور بدل محاكمته".[83] ينتظر خالد اليوم محاكمة بتهمة الإرهاب في محكمة الأحداث، لكن أُطلق سراحه بكفالة بعد أن قضى نحو سنة محتجزا بين الكبار في سجن روميه.[84]
تملك وزارة الشؤون الاجتماعية برنامجا لدعم الأطفال في مراكز الاحتجاز وتقدم لهم خدمات نفسية، ولكن البرنامج لا يطال المحتجزين لدى الجيش. قال ممثل عن الوزارة: "في قضايا المحتجزين لدى الجيش لا تستطيع [الوزارة] الوصول إليهم".[85] وقال إن القانون اللبناني يفرض وجود عامل اجتماعي بعد 6 ساعات من احتجاز طفل وخلال جلسات الاستجواب، "لكن في الكثير من الأحيان لا تعلن المحكمة العسكرية عن احتجاز الأطفال".[86]
يقدم الاتحاد لحماية الأحداث الدعم الاجتماعي للأطفال الذين يحاكَمون في المحاكم اللبنانية، بحكم اتفاق مع وزارة العدل.[87] لكن قال أحد الموظفين لـ هيومن رايتس ووتش إن العاملين الاجتماعيين بالعادة لا يحضرون جلسات الاستجواب العسكرية لأن الجيش لا ينبئهم دائما باحتجاز أطفال.[88]
IV.الحق بالإجراءات القانونية الواجبة
مقابلة محام وأفراد العائلة أثناء الاحتجاز قبل توجيه الاتهام
يضمن قانون أصول المحاكمات الجزائية حق المشتبه به بالإجراءات الواجبة بما في ذلك الحق بالاتصال بشخص من اختياره (أحد أفراد العائلة أو صاحب العمل) ومقابلة محام. تنص المادة 47 من هذا القانون أن على الضباط العدليون إبلاغ المشتبه به، فور احتجازه، بحقوقه.[89] ولكن أغلب الأشخاص الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش قالوا إنهم لم يُبلَّغوا بالحقوق التي يضمنها قانون أصول المحاكمات الجزائية.
قال أحد المحامين المرافعين أمام المحاكم العسكرية إنه رغم ضمان المادة 47 للحق بالاتصال بمحام، إلا أنه "لا يُطبَّق هذا على الإطلاق".[90] وجدت منظمة ألف اللبنانية في تقرير عام 2013 أنه عمليا لا يتمكن المحامون من حضور الجلسات التمهيدية تحت المادة 47.[91] وقالت محامية أخرى إن المحتجزين يُمنَعون بالعادة من الحق بالاتصال بأحد أفراد العائلة أو بمحام خلال الاستجوابات التي تجريها مخابرات الجيش، والتي تحصل قبل مثول المشتبه به أمام قاض أو مدع عام. وأضافت أنها أحيانا لا تعرف حتى أن موكلها محتجَز أساسا، ناهيك عما إذا كان يخضع للاستجواب أم لا.[92]
في القضايا العشر التي وثقت فيها هيومن رايتس ووتش مزاعم التعرُّض للتعذيب، لم يقل أي من الأشخاص إنه تمكن من الاتصال بمحام قبل التحقيقات. في العديد من الحالات التي وثقتها هيومن رايتس ووتش، لم يُسمَح للمحتجزين بالاتصال بأفراد العائلة أو محام قبل المثول أمام قاض. قال أحد المحامين: "يُخفونَهم عن وجه الأرض حتى يحصلون على اعتراف ثم نكتشف أين كانوا".[93]
قال محامي خالد، الذي أُوقِف بعمر الـ 16، "لم يُسمَح له بالاتصال بمحام، ولم يُسمَح لأحد بالسؤال عنه" لدى تحقيق أفراد من مخابرات الجيش ووزارة الدفاع معه، ثم احتُجِز في المحكمة العسكرية".[94] قالت أمه إن العائلة لم تعرف مكان وجوده لأشهُر، إلى أن أُفرِج عن أحد معارفهم الذي أخبرهم بمكان خالد. قالت إن أباه ذهب إلى المحكمة العسكرية "ظل يقول: ابني هنا، ابني هنا". أضافت: "صرخت من تحت الأرض عندما رأيته. ابني جميل ليس قبيحا. لم أصدق لم أصدق أن هذا ابني. لا يمكنك وصف المشهد. كان وجهه ملطخا بالدم ومتورّما ومزرقّا. بالكاد رأيته 5 دقائق وكان يرجوني لإخراجه من هناك".[95]
التوقيف من قِبل السلطات المتبوع برفض الاعتراف بتوقيف الشخص أو الإفصاح عن مصيره ومكانه يُعَدّ إخفاء قسريا بحسب القانون الدولي.[96]
في قضية أخرى، كان زهير، لبناني في منتصف العشرينات من عمره، قد خضع لعملية جراحية في مستشفى شاهين في التل، شمال لبنان، في أوائل 2015 عندما أوقفته الشرطة العسكرية ومخابرات الجيش، حسب أهله.[97] قال والده لـ هيومن رايتس ووتش إن السلطات احتجزت زهير بمعزل عن العالم الخارجي وإنهم لم يكتشفوا مكانه إلا بعد الإفراج عن أحد معارفهم الذي رأى زهير. مثُل زهير أمام المحكمة العسكرية، ولكن المحكمة لم تسمح لعائلته بحضور الجلسة. قالت أمه لـ هيومن رايتس ووتش: "يُسمَح للمدعومين فقط بالحضور".[98]
قال محامون لـ هيومن رايتس ووتش إنهم غالبا ما يلجؤون إلى معارفهم الشخصية لتحديد مكان موكليهم المحتجزين لدى الجيش.[99] شرح أحد المحامين أنه رغم صعوبة وصول المحامين إلى موكليهم في الاحتجاز بشكل عام في لبنان، خلال الاستجواب العسكري تحديدا لا يستطيع المحامون معرفة إن كان موكلهم محتجزا أو تحديد مكانه.[100] قال آلان، الذي أوقفته مخابرات الجيش ثم نقلته إلى وزارة الدفاع، إن عائلته اضطرت لتوكيل محام من أجل تحديد مكانه.[101]
قال محامي آلان: "لم تكن العائلة تعرف مكانه. لجؤوا إليّ لإيجاده، لو لم أكن على صلة بأحد أفراد القوى الأمنية لما استطعت إيجاده. كان عليّ استخدام معارفي الشخصية، أخذ الأمر عدة أيام".[102]
الاحتجاز المطوّل قبل المحاكمة
قال أحد المحامين المرافعين أمام المحاكم العسكرية لـ هيومن رايتس ووتش إن المتهمين لا يُمنحون إطلاق السراح بكفالة قبل جلسة المحكمة الأولى، ما قد يأخذ سنة في بعض الأحيان.[103] ينتهك الاحتجاز المطوّل قبل المحاكمة الحق بالإجراءات الواجبة الذي يضمنه القانون الدولي؛ تنص هذه الإجراءات على أن الاحتجاز السابق للمحاكمة هو الاستثناء وليس القاعدة العامة، وأن من حق الموقوف أن يحاكم خلال مهلة معقولة أو أن يفرج عنه.[104] وجدت منظمة ألف في تقريرها لعام 2013 عن الاحتجاز التعسفي في لبنان أن "على ضوء طبيعة الإجراءات في المحاكم العسكرية وفي معظم الحالات، يُسجَّل خطر شديد في أن يصبح الاعتقال تعسفيا بطبيعته".[105] تحدد المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية مدة الاحتجاز قبل المحاكمة بمدة أقصاها 6 أشهر، يمكن تجديدها لمرة واحدة، ما خلا "جنايات القتل والمخدرات والاعتداء على أمن الدولة والجنايات ذات الخطر الشامل والإرهاب" والمحكوم عليهم سابقا.[106] وثّقت هيومن رايتس ووتش حالات احتُجز فيها أطفال بعمر 16 لسنة أو أكثر.[107]
إصدار الحكم والحق بالاستئناف
الأحكام الصادرة عن المحاكم العسكرية تبدو تعسفية. قال أحد القضاة لـ هيومن رايتس ووتش إن الأحكام الصادرة عن المحاكم العسكرية لنفس التهم تختلف كثيرا من قضية لأخرى، ما يثير إشكاليات حول الإنصاف والحياد. قال: "على أساس نفس التهمة حرفيا قد يُحكَم على أحدهم بالسجن 6 أشهر بينما يُحكَم على آخرين بالإعدام".[108]
قال محامون يرافعون أمام المحاكم العسكرية لـ هيومن رايتس ووتش إنهم يتوقعون أحكام إدانة دائما. قالت إحداهم: "إذا حُكِم على موكلي بالفترة التي قضاها وغرامة 100000 ل.ل. [66 د.أ.] أعُدّ هذا نجاحا. لقد حصلت على حكم غير مذنب واحد خلال مرافعاتي"، لأن أحدهم أُدين بنفس الجريمة المتهم بها موكلها.[109] قال آخر: "أحكام البراءة نادرة جدا. عندما لا يجدون أي دليل يحكمون على المتهم بالفترة التي قضاها".[110]
يعتمد لبنان عقوبة الإعدام وقد حُكِم على مدنيين بالإعدام في محاكم عسكرية.[111] لكن هناك تعليق غير مُعلَن لعقوبة الإعدام. نُفِّذ آخر إعدام معروف في 2004.[112]
الحق بالاستئناف محدود في نظام المحاكم العسكرية. القضايا المعروضة على القاضي المنفرد يمكن استئنافها أمام المحكمة العسكرية الدائمة. إلا أنه لا يوجد حق باستئناف قرارات المحكمة العسكرية الدائمة بل فقط إمكانية تقديم طلب استئناف، يسمى "طلب النقض"، إلى محكمة التمييز العسكرية. ولكن عمليا، قال محامون إنهم غالبا لا يتبعون هذا الخيار لأن المجال أمام التمييز محدود، ولأن هذه الدعاوى نادرة النجاح. يمكن للأفراد، حسب قانون القضاء العسكري لعام 1968، تقديم طلب النقض إذا كانت القضية خارج اختصاص المحكمة، أو لدى عدم احترام إجراءات أساسية، أو لدى الخطأ في تطبيق المواد القانونية.[113] قال أحد المحامين: "تُرَدّ أغلب الاستئنافات، مع عدم وجود أسس للاستئناف. عادة علينا إيجاد خطأ إجرائي أو مخالفة. لا يُعَدّ التعذيب أساسا للاستئناف".[114] لا تُضطر المحاكم العسكرية بالعادة إلى تقديم أسباب أو شرح مكتوب لقراراتها، ما يصعّب النقض أكثر".[115]
حسب مسودة "المبادئ المنظِّمة لإقامة العدل عن طريق المحاكم العسكرية" (مبادئ المحاكم العسكرية)، يقتصر اختصاص المحاكم العسكرية على محاكم الدرجة الأولى "وينبغي مباشرة إجراءات التظلّم وخصوصا الطعون أمام المحاكم المدنية".[116]
V. المعايير القانونية
بموجب القانون الدولي، يحظر على الحكومات استخدام المحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين طالما يمكن للمحاكم المدنية تأدية الوظيفة.
المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صادق عليه لبنان عام 1972، تضمن حق كل متهم بأن يحاكَم دون تأخير أمام محكمة مختصة، مستقلة وحيادية.[117] اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، وهي الهيئة الدولية المخولة مراقبة الامتثال للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، نصّت على محاكمة المدنيين عسكريا فقط في حالات استثنائية وفي ظل ظروف تقدّم جميع الإجراءات الواجبة.[118] ولاحظَت أن "محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية أو خاصة قد يثير مشاكل خطيرة فيما يتعلق بإقامة العدل بصورة منصفة ومحايدة ومستقلة... وينبغي أن يُحاكَم المدنيون من باب الاستثناء أمام محاكم عسكرية أو خاصة، نحو أن يقتصر ذلك على الدعاوى التي تبيّن فيها الدولة الطرف أن اللجوء إلى هذا النوع من المحاكمات ضروري وله ما يبرره من أسباب موضوعية وجدية، وفي الحالات التي لا تتمكن فيها المحاكم المدنية العادية من إجراء المحاكمات".[119]
عبّر المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب عن قلقه من تدني ضمانات المحاكمة العادلة في المحاكم العسكرية، بسبب "طول فترات الاحتجاز قبل المحاكمة مع عدم إتاحة الفرص الكافية للاستعانة بمحام، وانتهاك مبدأ سرية المعلومات بين المحامي وموكله والقيود الصارمة المفروضة على الحق في الاستئناف والإفراج بكفالة. وعلاوة على ذلك، يساور المقرر الخاص القلق إزاء تدني مستوى المعايير الإجرائية والإثباتية في هذه المحاكم الذي كثيرا ما يشجع بشكل منهجي على اللجوء إلى ممارسات خارجة عن نطاق القانون من قبيل التعذيب من أجل انتزاع اعترافات من المشتبه في ارتكابهم جرائم إرهابية".[120]
أعربت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في ملاحظاتها الختامية عن لبنان لعام 1997 عن القلق "إزاء اتساع نطاق اختصاص المحاكم العسكرية في لبنان، وتشعر أيضا بالقلق إزاء الإجراءات التي تتبعها هذه المحاكم العسكرية، وإزاء عدم إشراف المحاكم العادية على إجراءات المحاكم العسكرية وأحكامها. وينبغي أن تعيد الدولة الطرف النظر في اختصاص المحاكم العسكرية وأن تنقل اختصاص المحاكم العسكرية، في جميع المحاكمات المتعلقة بالمدنيين وفي جميع القضايا المتعلقة بانتهاك حقوق الإنسان من جانب الأفراد العسكريين، إلى المحاكم العادية".[121]
لجنة حقوق الطفل، هيئة الأمم المتحدة المعنية بتفسير اتفاقية حقوق الطفل، شدّدت على أن "يجب الامتناع عن القيام بالإجراءات الجزائية بحق أطفال في المحاكم العسكرية".[122] صادق لبنان على الاتفاق في 1991.
فريق الأمم المتحدة العامل المعني بمسألة الاحتجاز التعسفي وجد أنه "يجب عدم حيازة المحاكم العسكرية صلاحية محاكمة المدنيين، مهما كانت التهم الموجهة إليهم. لا يمكن اعتبارها محاكم مستقلة حيادية بما يتعلق بالمدنيين".[123]
حسب المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية باستقلال القضاة والمحامين، إن "استخدام المحاكم العسكرية أو محاكم الإجراءات الموجزة لمحاكمة المدنيين باسم الأمن الوطني أو حالات الطوارئ أو مكافحة الإرهاب ممارسة شائعة لدواعي الأسف، وتتعارض مع جميع المعايير الدولية والإقليمية وقوانين السوابق المعمول بها". وأعربت في تقرير في 2013 أنه "لا ينبغي تحت أي ظرف أن تمارس محكمة عسكرية منشأة في إقليم دولة معينة ولايتها القضائية لمحاكمة مدنيين متهمين بارتكاب أفعال جنائية في ذات الإقليم".[124]
مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية وتعزيز حقوق الإنسان من خلال العمل لمكافحة الإفلات من العقاب، المقدَّمة إلى لجنة حقوق الإنسان في 2005 تنص على أنه "يجب أن يقتصر اختصاص المحاكم العسكرية على المخالفات العسكرية تحديداً التي يرتكبها العسكريون، باستثناء انتهاكات حقوق الإنسان التي تقع ضمن اختصاص المحاكم الداخلية العادية أو، عند الاقتضاء، ضمن اختصاص محكمة جنائية دولية أو مدولة في حالة الجرائم الجسيمة التي تندرج في إطار القانون الدولي".[125]
ينص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واتفاقية مناهضة التعذيب على عدم جواز استخدام التعذيب أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.[126] كما تفرض اتفاقية مناهضة التعذيب على الدول الأطراف تجريم كل أعمال التعذيب، محاولة التعذيب أو أي تواطؤ ومشاركة في التعذيب؛ ضمان أن تكون هذه الجرائم مستوجبة
العقاب بعقوبات مناسبة تأخذ بعين الاعتبار طبيعتها الخطيرة؛ إجراء سلطاتها المختصة تحقيق سريع ونزيه كلما وجدت أسبابا معقولة تدعو للاعتقاد بأن عملا من أعمال التعذيب قد ارتُكِب؛ ضمان عدم الاستشهاد بأية أقوال يثبت أنه تم الإدلاء بها تحت التعذيب كدليل في الإجراءات، إلا إذا كان ذلك ضد شخص متهم بارتكاب التعذيب؛ مراجعة قواعد الاستجواب، وتعليماته وأساليبه وممارساته، وكذلك الترتيبات المتعلقة بحجز ومعاملة الأشخاص الذين تعرضوا لأي شكل من أشكال التوقيف أو الاعتقال أو السجن في أي إقليم يخضع لولايتها القضائية، وذلك بقصد منع حدوث أي حالات تعذيب.[127]
يضمن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية حق المحتجز بالإجراءات الواجبة، بما في ذلك: إبلاغه بأسباب التوقيف وإبلاغه سريعا بأية تهمة توجَّه إليه؛ تقديمه سريعا أمام أحد القضاة؛ حقه بمحاكمة عادلة وعلنية أمام محكمة مختصة مستقلة حيادية؛ أن يُعطى من الوقت ومن التسهيلات ما يكفيه لإعداد دفاعه وللاتصال بمحام يختاره بنفسه؛ أن يحاكَم خلال مهلة معقولة أو أن يُفرَج عنه؛ والحق باللجوء إلى محكمة أعلى كي تعيد النظر في قرار إدانته وفي العقاب الذي حُكِم عليه به. تمنع الاتفاقية التوقيف أو الاحتجاز التعسفي والاستخدام الروتيني للاحتجاز قبل المحاكمة.[128]
كتبت المقررة الخاصة المعنية باستقلال القضاة والمحامين في تقرير عام 2013 أنه "يجب أن يكون حياد القضاة ظاهرا للمراقب العادي، وأن يتصرفوا بطريقة تؤدي إلى كسب ثقة الجمهور وأصحاب المهن القانونية والأطراف المتقاضية في حياد القاضي ونزاهة السلطة القضائية وتعزز تلك الثقة".[129] بموجب مبادئ المحاكم العسكرية، على القضاة المعينين في المحاكم العسكرية أن "يتمتعوا بالكفاءة، لا سيما فيما يتعلق بالحصول على نفس التدريب القانوني المطلوب من القضاة المهنيين"، كما يجب "حماية الاستقلال القانوني للقضاة من حيث علاقتهم بالتسلسل الهرمي العسكري حماية دقيقة وتجنب أي تبعية مباشرة أو غير مباشرة".[130]
VI. شكر وتقدير
أجرى بحوث هذا التقرير وكتبه بسام خواجا، باحث لبنان في قسم شمال أفريقيا والشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش. قدمت هالي بوبسين، باحثة لبنان السابقة، بحثا وكتابة إضافيين لهذا التقرير. حررت هذا التقرير لما فقيه، نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. قدم مراجعات الخبراء كل من كلايف بالدوين، مستشار قانوني أول، توم بورتيوس، نائب مدير البرامج، بيل فان إسفلد، باحث في قسم حقوق الطفل، وبيل فريليك، مدير قسم حقوق اللاجئين. ساهمت متدربات في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش في هذا التقرير.
أعدت هذا التقرير للنشر أوليفيا هنتر، منسقة التصوير الفوتوغرافي والمطبوعات، خوسيه مارتينيز منسق أول، وفيتزروي هوبكنز، مدير إداري.
تتوجه هيومن رايتس ووتش بالشكر إلى الأشخاص الذين تكرموا بتخصيص الوقت للتحدث معنا حول تجاربهم في الاعتقال العسكري وأمام المحكمة العسكرية. ونحن ممتنون أيضا للمحامين والنشطاء والعاملين في منظمات حقوق الإنسان، منها "ألف"، المفكرة القانونية"، و "مؤسسة الكرامة"، الذين اجتمعوا معنا في لبنان وشاركونا معلومات وخبرات أساسية لهذا التقرير. تود هيومن رايتس ووتش أيضا أن تشكر المفكرة القانونية، "عالم وشركاه"، و"بدري وسليم المعوشي للمحاماة" على مراجعة هذا التقرير وتقديم الآراء حوله قبل نشره.