لا مفرّ من الجحيم
محتجز يقف خارج مرحاض في مركز احتجاز عين زارة، طرابلس، 5 يوليو/تموز 2018.
مُلخص تنفيذي
إذا فرّ شخص من الجحيم، كيف يُمكنك إمساكه وإرجاعه إلى الجحيم؟
- بامبا (31 عاما)، من ساحل العاج، وصل إلى إيطاليا في أكتوبر/تشرين الأول 2016
عبدول، رجل يتحدث بصوت منخفض، غادر دارفور في 2016 لما كان في سنّ 18. ذهب إلى مصر، حيث سجل نفسه لدى "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" (مفوضية اللاجئين). ولكنّه يئس من الحصول على إعادة توطين، فقرّر الذهاب إلى ليبيا ليحاول الوصول إلى برّ الأمان في أوروبا. أمضى 3 أشهر في مستودع يملكه مهرب في صبراتة، واجه فيه "الكثير من المعاناة"، ثمّ فرّ إلى طرابلس. انتظر هناك حتى مطلع مايو/أيار 2018، ليتمكن ذات فجر من حشر نفسه في زورق مطاطي كان على متنه أكثر من 100 شخص آخرين ليُبحروا من الخُمس، وهي مدينة ساحلية شرق طرابلس. لكن رحلتهم لم تدم طويلا، حيث اعترض "حرس السواحل الليبي" الزورق المطاطي بعد زهاء 4 ساعات من الإبحار.
لما تحدثنا معه في منتصف يوليو/تموز، كان عبدول يتعافى مما قال إنه تعذيب على يد حرّاس مركز احتجاز الكراريم قرب مصراتة، حيث كان محتجزا في ظروف مزرية ومكتظة وغير صحية لشهرين. قال إن الحراس ضربوه بخرطوم أسفل قدميه ليُجبروه على الاعتراف بمساعدة 3 رجال آخرين على الهروب. تحطمت آمال عبدول، وصار فقط يأمل في أن يُنقل إلى مركز احتجاز في طرابلس، حيث كان يرجو الوصول إلى وكالات الأمم المتحدة التي ربما تساعده.
تجربة عبدول تُجسّد الكفاح والآمال المنكسرة والتعذيب الذي يعيشه الكثير من المهاجرين وطالبي اللجوء في ليبيا اليوم. فهم يجدون أنفسهم تحت رحمة مهرّبين بلا ضمير، وأسرى في سوق تستغل أبسط احتياجات الانسان في الحياة والكرامة ليقعوا ضحية للامبالاة أو العداء الصريح تجاه المحتاجين إلى الحماية والسلامة.
في يوليو/تموز 2018، زارت باحثتان من "هيومن رايتس ووتش" 4 مراكز احتجاز في طرابلس ومصراتة وزوارة، ووثقتا ظروفا لاإنسانية مثل الاكتظاظ الشديد، الظروف غير الصحية، نوعية الأكل والماء الرديئة التي تؤدي إلى سوء التغذية، غياب الرعاية الصحية اللازمة، وروايات مفزعة عن العنف الذي يمارسه الحراس، والذي يشمل الضرب والجلد والصعق بالكهرباء.
يواجه الأطفال المهاجرون نفس الأخطار التي يواجهها المحتجزون البالغون في ليبيا. شهدت هيومن رايتس ووتش أعدادا كبيرة من الأطفال، منهم أطفال حديثو الولادة، محتجزين في ظروف غير ملائمة على الإطلاق في مراكز احتجاز في عين زارة، تاجوراء، ومصراتة. يحتاج هؤلاء الأطفال والقائمون عليهم، بما يشمل الأمهات المرضعات، إلى التغذية اللازمة، والرعاية الصحية لكليهما غائبة أو ناقصة كثيرا. كما لا توجد أنشطة منتظمة للأطفال، مثل ساحات اللعب أو أي نوع من التعليم المدرسي. حوالي 20 بالمئة من الذين وصلوا أوروبا عبر البحر قادمين من ليبيا في الأشهر التسعة الأولى من 2018 كانوا أطفالا دون 18 سنة. الأطفال أيضا غير محميين من الانتهاكات، فقد وثقنا مزاعم اغتصاب وضرب لأطفال من قبل الحراس والمهربين.
بموجب أحكام القانون الدولي، احتجاز المهاجرين في ليبيا تعسفيا لكونه مطولا، وغير محدد بمدة زمنية، ولا يخضع لمراجعة قضائية.
كبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي يدركون المحنة التي يواجهها المهاجرون المحتجزون في ليبيا. في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، قال مفوض الهجرة في الاتحاد الأوروبي، ديمتري أفراموبولوس: "نعي جميعا الظروف المروعة والمهينة التي يعيش فيها بعض المهاجرين في ليبيا". وقد أكد هو ومسؤولون كبار آخرون في الاتحاد مرارا وتكرارا أن الاتحاد الأوروبي يريد تحسين الأوضاع، وهو اعتراف بالانتهاكات الجسيمة والواسعة. إلا أن مقابلات هيومن رايتس ووتش مع المحتجزين وموظفي مراكز الاحتجاز ومسؤولين ليبيين وعاملين في المجال الإنساني كشفت أن جهود الاتحاد الأوروبي لتحسين ظروف مراكز الاحتجاز والمعاملة داخلها لم يكن لها أي أثر يُذكر.
تعاون "الاتحاد الأوروبي" مع ليبيا في مجال الهجرة قد يُسهم في تغذية هذه الحلقة من الانتهاكات الجسيمة. يقدم الاتحاد الأوروبي الدعم إلى حرس السواحل الليبي ليعترض المهاجرين وطالبي اللجوء في عرض البحر ويقودهم إلى ليبيا حيث يُحتَجَزون تعسفا، وهناك يواجهون ظروفا لاإنسانية ومهينة وخطر التعذيب والعنف الجنسي والابتزاز والعمل القسري.
منذ 2016، كثف الاتحاد الأوروبي جهود منع انطلاق الزوارق من ليبيا. يبرّر صناع القرار وقادة الاتحاد هذا التركيز على أنه ضرورة سياسية وعملية لتعزيز السيطرة على الحدود الخارجية لأوروبا و"كسر نموذج عمل المهربين"، فضلا عن أنه ضرورة إنسانية لمنع هجرة القوارب المحفوفة بالمخاطر. في الواقع، هذا النهج القاضي بتصدير المشكلة ينتج عنه تجنب المسؤوليات القانونية التي تنشأ عن وصول المهاجرين وطالبي اللجوء إلى الاتحاد عبر الاستعانة بأطراف خارجية للسيطرة على الهجرة.
أنفقت مؤسسات الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء ملايين اليوروهات على برامج لتعزيز قدرات "حكومة الوفاق الوطني" التي مقرها طرابلس – وهي إحدى سلطتين متنازعتين في ليبيا، وسلطتها نابعة بشكل كبير من تحالفات غير مستقرة مع ميليشيات وليس من سيطرتها على المناطق – لاعتراض الزوارق المُبحرة من ليبيا واحتجاز الأشخاص المقبوض عليهم في مراكز يواجهون فيها ظروفا مُزرية. لعبت إيطاليا – وهي البلد العضو في الاتحاد الأوروبي الذي يقصده أغلب المُبحرين من ليبيا – دورا قياديا في تقديم المساعدات المادية والتقنية إلى حرس السواحل الليبي. تخلت إيطاليا عن جميع مسؤولياتها تقريبا في تنسيق عمليات الإنقاذ في عرض البحر في محاولة للحد من عدد الواصلين إلى سواحلها.
تسببت العوائق القانونية والبيروقراطية في عرقلة معظم عمليات الإنقاذ وسط البحر المتوسط. ورغم تراجع عمليات الإبحار في البحر التوسط منذ منتصف 2017، فإن إمكانية الموت في عرض البحر قبالة الساحل الليبي ارتفعت بشكل كبير من 1 عن كل 42 حالة في 2017 إلى 1 عن كل 18 حالة في 2018، بحسب مفوضية اللاجئين.
تسببت المواجهات التي شهدتها طرابلس بين جماعات مسلحة متنافسة في أغسطس/آب-سبتمبر/أيلول 2018، والتي دامت شهرا، في مشاكل ومخاطر إضافية على المهاجرين المحتجزين. أثناء هذه المواجهات – التي أثبتت هشاشة السلطة التي تمارسها حكومة الوفاق الوطني وتسببت في قتل مدنيين وتدمير ممتلكات مدنية – هرب الحراس من مركزَي احتجاز على الأقل عندما اقترب منهم القتال، وتركوا المحتجزين داخلها دون حماية. نقلت السلطات بعد ذلك مئات المحتجزين إلى مراكز احتجاز بالعاصمة، فزادت من اكتظاظها. كما عطل القتال مؤقتا المساعدات الإنسانية التي يقدمها الاتحاد الأوروبي لمراكز الاحتجاز وبرامج الأمم المتحدة لطالبي اللجوء المعرضين للخطر وإعادة المهاجرين إلى بلدانهم.
منذ نهاية 2017، كثفت مفوضية اللاجئين و"المنظمة الدولية للهجرة"، وهي أيضا من وكالات الأمم المتحدة، البرامج الممولة من الاتحاد الأوروبي لمساعدة طالبي اللجوء والمهاجرين على مغادرة ليبيا بأمان، وهي دولة لا يوجد بها قانون لجوء ولا نظام طلب لجوء. حتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2018، أجلت مفوضية اللاجئين 2,069 طالب لجوء من ليبيا إلى مركز عبور في نيامي بالنيجر للنظر في طلبات لجوئهم، ومن ثمة إعادة توطينهم في أوروبا أو بلدان أخرى. غير أن هذا البرنامج يعاني من محدودية قدرات المفوضية في ليبيا وسلطتها وكذلك من الفجوة بين عدد الأماكن المخصصة لإعادة التوطين التي عبّرت الدول المستضيفة عن استعدادها لتقديمها وعدد اللاجئين المحتاجين إليها. حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2018، أجلت مفوضية اللاجئين أيضا 312 شخصا إضافيين مباشرة إلى إيطاليا، و95 إلى مركز للعبور الطارئ تابع للمفوضية في رومانيا.
ساعدت المنظمة الدولية للهجرة 30 ألف شخص على العودة من ليبيا إلى بلدانهم عبر "برنامجها الإنساني الطوعي" بين يناير/كانون الثاني 2017 ونوفمبر/تشرين الثاني 2018. رغم أن البرنامج كان قيما في مساعدة المحتاجين إلى الحماية والراغبين في العودة إلى بلدانهم بأمان، إلا أن توصيف الطوعي لا ينطبق عليه بما أن البدائل الأخرى المتاحة تنحصر في احتمال الاحتجاز التعسفي لفترة غير محددة في ليبيا أو خوض الرحلة الخطرة والمكلفة عبر المتوسط.
على الرغم من هذه البرامج، تسببت عمليات الاعتراض المتزايدة التي ينفذها حرس السواحل الليبي المدعوم من الاتحاد الأوروبي إلى ارتفاع عدد المهاجرين وطالبي اللجوء المحتجزين في ليبيا. في يوليو/تموز 2018، وقت إجراء بحوث التقرير، كان هناك ما بين 8 آلاف و10 آلاف شخص في مراكز احتجاز رسمية، بعد أن كان العدد 5,200 في أبريل/نيسان 2018.
المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة داخل مراكز الاحتجاز الليبية التي يتناولها هذا التقرير تنتهك القانون الدولي. تتحمل السلطات الليبية مسؤولية هذه الانتهاكات وعدم محاسبة الجناة. تدرك مؤسسات الاتحاد الأوروبي سوء المعاملة وظروف الاحتجاز اللاإنسانية في ليبيا التي يعانيها تم اعتراضهم. بالفعل، يقدم الاتحاد الأوروبي الدعم الذي يهدف إلى تحسين هذه الظروف في الاحتجاز. ومع ذلك، رغم أن هذا الدعم كان له تأثير ضئيل على الوضع، إلا أن الاتحاد لا يزال يتبع خطة معيبة لتعزيز قدرات حرس السواحل الليبي على اعتراض المهاجرين وطالبي اللجوء وإعادتهم إلى ليبيا. وحيثما أسهم الاتحاد الأوروبي وإيطاليا وحكومات أخرى بشكل ملموس في انتهاكات المعتقلين، فقد كانوا متواطئين في تلك الانتهاكات.
تعقيدات الهجرة الدولية وكثرة التحديات التي تواجهها ليبيا اليوم لا تبرر المعاملة الوحشية التي يلقاها المهاجرون وطالبو اللجوء واللاجئون في هذا البلد.
التوصيات الأساسية
المنهجية
أجرت هيومن رايتس ووتش بحوث هذا التقرير في ليبيا بين 4 و12 يوليو/تموز 2018. رغم أننا طلبنا من وزارة الداخلية التابعة لحكومة الوفاق الوطني تمكيننا من دخول جميع منشآت الاحتجاز التي يديرها "جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية" التابع لها في الغرب الليبي، إلا أن الجهاز سمح لنا فقط بزيارة 4 مراكز لاحتجاز المهاجرين في عين زارة، تاجوراء، زوارة، ومصراتة. جميع المقابلات مع المحتجزين جرت على انفراد وبعيدا عن سمع الحراس. لم يحدد موظفو مركز الاحتجاز الأفراد الذين تحدثنا إليهم. كان بإمكان الحراس رؤيتنا عند إجراء المقابلات، لكن لم يكن بوسعهم سماعنا. قال لنا شخص آخر أجرينا معه مقابلة – وكان قد فرّ بعد زيارتنا بأسابيع – إن أحد الحراس ضغط عليه ليخبره بالأسئلة التي وجهناها إليه وبأجوبته لنا.
أجرينا 66 مقابلة فردية مع مهاجرين وطالبي لجوء، و7 مقابلات جماعية مع ما مجموعه 41 شخصا. تحدثنا إلى 33 امرأة، 66 رجلا، 4 فتيات غير مصحوبات أعمارهن بين 8 و17 عاما، و4 صِبية غير مصحوبين أعمارهم بين 13 و16 عاما. وفرت لنا المقابلات معلومات عن أوضاع مراكز الاحتجاز، ومعطيات عن مجموعات أشخاص من نفس الجنسية، وتجارب مشتركة عند الاعتقال والاعتراض في عرض البحر. جميع الشهادات الفردية المفصّلة في التقرير تقريبا حصلنا عليها من مقابلات فردية، رغم أن بعض المقابلات الجماعية سمحت أيضا بجمع معطيات خاصة بالأفراد ضمن المجموعات. دارت المقابلات بالإنغليزية والفرنسية والعربية، وشارك فيها أشخاص من إثيوبيا، إريتريا، بنغلاديش، ساحل العاج، غامبيا، كاميرون، مالي، السودان (دارفور)، سوريا، سيراليون، الصومال، فلسطين، مصر، المغرب، ونيجيريا.
في كل مركز احتجاز زرناه، قابلت هيومن رايتس ووتش مدير المركز وكبار الموظفين فيه. كما قابلت هيومن رايتس ووتش رئيس جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، ومسؤولين كبار في حرس السواحل الليبي التابع لحكومة الوفاق الوطني، منهم القائد والمتحدث الرسمي باسمه، ورؤساء بعثات المنظمة الدولية للهجرة ومفوضية اللاجئين، وكذلك موظفين في منظمات دولية غير حكومية. كما قابلت هيومن رايتس ووتش ممثلين عن "بعثة الاتحاد الأوروبي للمساعدة على إدارة الحدود الليبية" وسفير إيطاليا بليبيا في ذلك الوقت.
يتضمن هذا التقرير أيضا معطيات حصلنا عليها في مقابلات أجريناها في إيطاليا مع مهاجرين وطالبي لجوء سنة 2016 وعلى متن باخرة إنقاذ تابعة لمنظمة غير حكومية في 2017.
تم تغيير أسماء جميع المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء الذين قابلناهم لحمايتهم. وفي جميع الحالات، أخبرت هيومن رايتس ووتش الأشخاص الذين قابلتهم بأنهم لن يحصلوا على أي خدمة شخصية أو أي فائدة أخرى لقاء شهاداتهم، وبأن المقابلات ذات طبيعة طوعية صرفة.
قررت هيومن رايتس ووتش تقديم إحاطة إلى مدير جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية عند انتهاء المهمة البحثية حول سوء المعاملة وظروف الاحتجاز غير الإنسانية. لم نتحدث عن حالات فردية مع موظفي المراكز لحماية المحتجزين من انتقام محتمل.
عملا بالمعايير الدولية، جميع الأشخاص الذين قابلناهم وهم دون 18 عاما يُعتبرون أطفالا.
هذا التقرير يغطي فقط أعمال الاحتجاز وتعاون الاتحاد الأوروبي في الغرب الليبي، ولا يشمل نظام الاحتجاز وأنشطة حراس السواحل في الشرق الليبي التي تنفذها قوات تابعة لـ "الجيش الوطني الليبي" و"الحكومة الانتقالية". رغم أن الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء يدعمون فقط حكومة الوفاق الوطني ومقرها طرابلس وليست لهم علاقات رسمية مع الحكومة المنافسة لها في الشرق، إلا أن بعض الدول، ومنها إيطاليا والمملكة المتحدة وفرنسا، تجري اجتماعات مع الجنرال خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي.
I. المهاجرون وطالبو اللجوء واللاجئون في ليبيا
لطالما كانت ليبيا مقصدا للمهاجرين الباحثين عن عمل، ودولة عبور للمهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين الراغبين في الوصول إلى الاتحاد الأوروبي.[1] يوجد اختلاف كبير في تقدير عدد هؤلاء في ليبيا، فبالإضافة إلى المهاجرين وطالبي اللجوء المحتجزين والذين تراوح عددهم بين 8 آلاف و10 آلاف عندما أجرينا الزيارة، تقدر الأمم المتحدة عدد طالبي اللجوء خارج مراكز الاحتجاز بأكثر من 680 ألفا. من جهة أخرى، يوجد عدد آخر مجهول من المحتجزين في المخازن وغيرها من مراكز الاحتجاز غير الرسمية التي تديرها شبكات المهربين والميليشيات.[2] في إطار عملها المقيّد بشدّة (انظر أدناه)، سجلت مفوضية اللاجئين 55,912 طالب لجوء ولاجئ في ليبيا حتى منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2018، ينحدرون أساسا من سوريا، العراق، وإريتريا.[3]
بعد انتفاضة 2011 والنزاع المسلح اللذين أدّيا إلى سقوط معمر القذافي بعد 42 سنة في الحكم، حصلت استراحة قصيرة تلتها موجة أخرى من العنف في كافة أنحاء البلاد في 2014. تسبب ذلك في انهيار السلطة المركزية وبروز 3 سلطات في البداية – صارت سلطتان في ما بعد – تتنازع الشرعية. أدى الاضطراب السياسي المستمر والصراعات المسلحة الطويلة منذ 2014 إلى إغراق البلاد في أزمة اقتصادية ازدهر خلالها التهريب، بما في ذلك تهريب البشر. صار تهريب البشر والاتجار بهم اليوم تجارة تدر ملايين اليوروهات في البلاد، ومصدر عيش أساسي للكثير من الليبيين.[4]
هناك حكومتان تتنافسان على الشرعية والسيطرة على البلاد. يعترف مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأوروبي بحكومة الوفاق الوطني ومقرها طرابلس غرب البلاد، دون الحكومة الانتقالية التي مقرها مدن البيضاء وطبرق وبنغازي في شرق البلاد. اشتبكت الميليشيات المرتبطة بوزارتَي الداخلية والدفاع التابعتين لحكومة الوفاق الوطني مع ميليشيات أخرى مرتبطة بالجيش الوطني الليبي والحكومة الانتقالية في عدة مناطق في البلاد. جميع محاولات المصالحة السياسية باءت بالفشل. وفي الجنوب الليبي الممتد، أحد مراكز التهريب في المنطقة، تقاتل جماعات مسلحة من التبو والطوارق والعرب بعضها البعض من أجل السيطرة على المنطقة والموارد. تسبب القتال في انهيار اقتصاد البلاد والخدمات العامة، بما في ذلك منظومات الصحة العامة، الأمن، والقضاء.[5] لايزال حوالي 200 ألف شخص نازحين داخليا بسبب النزاعات.[6] وفي الغرب الليبي، تدير الميليشيات نقاط التفتيش وشرطة الأحياء والسجون، وتوفر الأمن للشركات الخاصة مثل البنوك والمؤسسات العامة، كالوزارات والسجون ومراكز احتجاز المهاجرين. كما تشارك الميليشيات في الأعمال الاجرامية، مثل التهريب والابتزاز.[7]
في أغسطس/آب 2018، اندلع قتال في طرابلس بين جماعات مسلحة مرتبطة بوزارتي الداخلية والدفاع التابعتين لحكومة الوفاق الوطني. كانت الجماعات تتنافس على السيطرة على المناطق والدخل الذي توفره المؤسسات الحيوية في العاصمة. انتهى القتال باتفاق وقف إطلاق نار بوساطة من الأمم المتحدة يوم 26 سبتمبر/أيلول 2018، لكنه قتل 100 شخص على الأقل وأصاب 500 آخرين على الأقل، أغلبهم من المدنيين.[8] كما نُقل مهاجرون من مركزي احتجاز على الأقل إلى منشآت أخرى في طرابلس، بينما أفادت تقارير بإطلاق سراح مئات الآخرين من مركز ثالث. تسبب القتال في تعطل الخدمات التي تقدمها المنظمات غير الحكومية ووكالات الأمم المتحدة. وبسبب انعدام الأمن، قلصت منظمة "أطباء بلا حدود" الإنسانية طواقمها وأنشطتها الطبية مؤقتا في المراكز التابعة لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية في طرابلس.[9]
وثقت هيومن رايتس ووتش انتهاكات يرتكبها المهربون والميليشيات والعصابات الإجرامية بحق المهاجرين في ليبيا منذ أكثر من 10 سنوات، شملت الاغتصاب، الضرب، القتل، الخطف مقابل فدية، الاستغلال الجنسي، والعمل القسري.[10] في يوليو/تموز، قالت لنا كاميلا (23 عاما)، صومالية محتجزة في مركز عين زارة، إنها كانت محتجزة مع زوجها من قبل مهربين في مكان ما في جنوب ليبيا، مع حوالي 400 شخص آخرين، لمدة 3 أشهر في أواخر 2017 وبداية 2018. قالت إنها تعرضت للاغتصاب بشكل متكرر: "اغتصبني رجل ضخم، ليبي، ولم يستطع زوجي منعه من ذلك، فقد كانوا يصوبون سلاحا نحو رأسه. كان يفعل ذلك بي كل ليلة، وإذا قلت له 'لا تلمسني'، كان يضربني". عندما تحدثنا إلى كاميلا، كانت حاملا في الشهر السابع. قالت إن الحمل ناتج عن الاغتصاب.[11]
الكثير من المهاجرين الذين يتعاملون بالمهربين طواعية ليسهلوا لهم رحلة الهجرة يجدون أنفسهم ضحايا للاتجار بالبشر، الذي يعرّفه القانون الدولي على أنه تجنيد أو نقل أو إيواء أو استقبال أشخاص بواسطة "التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من القسر... أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر، لغرض الاستغلال".[12]
هناك أدلة كثيرة على أن المهربين يعملون بدرجات متفاوتة من التواطؤ مع المسؤولين الحكوميين والميليشيات. خلص تقرير سري أعده "فريق خبراء الأمم المتحدة" عن ليبيا، تسرب للصحافة في فبراير/شباط 2018 وراجعته هيومن رايتس ووتش، إلى أن أغلب جماعات التهريب لها صلات بمؤسسات أمنية رسمية. في هذا التقرير، عبّر فريق الخبراء عن قلقه من "احتمال استخدام منشآت وأموال الدولة من قبل الجماعات المسلحة والمهربين لتعزيز سيطرتهم على طرق الهجرة".[13] استمع فريق الخبراء إلى شهادات إريتريين قالوا إن "قوة الردع الخاصة"، ميليشيا مرتبطة بوزارة الداخلية التابعة لحكومة الوفاق الوطني، اعتقلتهم ثم سلمتهم إلى شبكات التهريب.[14] في يونيو/حزيران 2018، فرض مجلس الأمن الدولي عقوبات على 6 ليبيين متهمين بتهريب البشر والاتجار بهم، ومنهم عبدالرحمن الميلاد، رئيس وحدة حرس السواحل في زوارة، التابعة شكليا على الأقل إلى حرس السواحل المنضوي تحت وزارة دفاع حكومة الوفاق الوطني.[15]
في سبتمبر/أيلول 2018، كررت مفوضية اللاجئين دعوتها إلى كل الدول "لتسمح للمدنيين (مواطنين ليبيين ومقيمين سابقين في ليبيا ومواطني الدول الأخرى) الفارين من ليبيا بدخول أراضيها". كما حثت المفوضية جميع الدول على تعليق الإعادة القسرية لأي شخص إلى أي جزء من ليبيا، بما في ذلك كل شخص يتم إنقاذه أو اعتراضه في البحر، وأكدت على ضرورة عدم اعتبار ليبيا "دولة ثالثة آمنة" عند رفض طلبات اللجوء من أشخاص عبروا ليبيا.[16] لكن مفوضية اللاجئين لم تتخذ موقفا واضحا من برامج بناء القدرات التي يقدمها الاتحاد الأوروبي لحرس السواحل الليبي، رغم أن الأشخاص الذين تعترضهم أو تنقذهم هذه القوات يُحتَجزون في ظروف لاإنسانية ومهينة وتعسفية بحكم القانون، لأن الاحتجاز مطول وبلا نهاية ولا يخضع لمراجعة قضائية.
الاحتجاز
يتعرض الأجانب الذين لا يحملون إذنا لدخول ليبيا – بصرف النظر عن سنهم – إلى الاحتجاز على أساس قوانين من حقبة القذافي تُجرّم دخول البلاد والبقاء فيها أو مغادرتها دون وثائق، وتعاقبه بالسجن والغرامات والعمل القسري.[17]
احتجاز المهاجرين في ليبيا قد يكون بلا نهاية لأن القانون لا يحدد فترة قصوى، وينص فقط على أن يكون الاحتجاز متبوعا بالترحيل. كما لا توجد إجراءات رسمية تسمح للمحتجزين بالاتصال بمحام أو بفرصة للاعتراض على قرار احتجازهم. الاحتجاز المطول للبالغين والأطفال أطول من الفترة الضرورية لإتمام الترحيل ودون الحصول على مراجعة قضائية يرقى إلى الاحتجاز التعسفي، وهو محظور بموجب القانون الدولي.
علمت هيومن رايتس ووتش بحالة واحدة فقط أفرجت فيها السلطات الليبية على ما يبدو عن مهاجرين من مراكز احتجاز عبر مسار قضائي. في هذه الحالة، أُفرِج عن 5 فلسطينيين وسوريَّيْن، عقب اعتراضهم في البحر واحتجازهم في مركز تاجوراء، بعد أن دفعوا غرامات مالية بسبب دخول البلاد والخروج منها بطريقة غير مشروعة. قال مدير مركز تاجوراء لـ هيومن رايتس ووتش إن هؤلاء الأشخاص وُجدوا في وقت لاحق على متن سفينة إنقاذ رست في إسبانيا في يونيو/حزيران 2018.[18]
جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، التابع لوزارة داخلية حكومة الوفاق الوطني، هو المسؤول عن تشغيل مراكز الاحتجاز الرسمية. عندما زارت هيومن رايتس ووتش ليبيا في يوليو/تموز 2018، قال اللواء محمد بشر، مدير جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، إنه يوجد 8,672 محتجزا موزعين على 16 مركزا، بعد أن كان عددهم 5,200 في أبريل/نيسان.[19] وكانت تقديرات المنظمة الدولية للهجرة تشير في ذلك الوقت إلى وجود 9,300 مهاجر وطالب لجوء في مراكز الاحتجاز الرسمية.[20] يتغير عدد المراكز الرسمية بمرور الزمن، والأساس المعتمد في فتح هذه المراكز وإغلاقها يبقى غامضا. رغم أن بعض المراكز يعمل بها موظفون تابعون لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، إلا أن أغلبها خاضع للسيطرة الفعلية لأي جماعة مسلحة تسيطر على الحي حيث يوجد المركز.
عند زيارة هيومن رايتس ووتش، كان مركز عين زارة محروسا من قبل الميليشيا المعروفة باسم "الكتيبة 42" أو "كتيبة الشيخ" (نسبة إلى قائدها حكيم الشيخ) التي تسيطر على معظم مدينة عين زارة. لاحظت الباحثتان وجود عربات مسلحة لا تحمل أي علامات خارج المركز ودخول عناصر الميليشيا إلى المكان. أما في مركز تاجوراء، فكانت توجد ميليشيا تُسمى "كتيبة الضمان" بقيادة محمد دريدر، وهي المسؤولة عن توفير الأمن لمجمع السجن الذي يحتوي على منشأة تابعة لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية وسجن منفصل تابع لوزارة العدل. لاحظت الباحثتان وجود رجال مسلحين تابعين للميليشيا داخل المجمع. كما كانت هناك وحدة تابعة لـ "المنطقة العسكرية الوسطى"، جماعة مسلحة تابعة لحكومة الوفاق الوطني أغلبها من مصراتة، هي المسؤولة عن أمن منشأة الكراريم. كان هناك رجال مسلحون داخل مجمع الكراريم أثناء الزيارة. وفي مركز احتجاز زوارة، كانت توجد ميليشيا تُسمى "قوة حماية زوارة"، تابعة لـ "المجلس العسكري بزوارة"، هي المسؤولة عن توفير الأمن للبلدة، بما في ذلك مركز الاحتجاز.
كما لاحظنا سابقا، تدير الميليشيات والجماعات المسلحة عددا غير محدد من مراكز الاحتجاز غير الرسمية. قال طالب لجوء من دارفور لـ هيومن رايتس ووتش إنه كان محتجزا لمدة أسبوعين في معسكر "اللواء 301"، وهي جماعة مسلحة مكونة في أغلبها من مصراتة ومساندة لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس، وأُجبر على العمل دون مقابل.[21] تقدم أطباء بلا حدود مساعدات طبية وإنسانية إلى المهاجرين وطالبي اللجوء في مراكز الاحتجاز الرسمية في ليبيا. في تقرير أصدرته في ديسمبر/كانون الأول 2017، قالت المنظمة إنه "يُمكن الاستيلاء على أماكن احتجاز غير رسمية وتصنيفها كمراكز رسمية بين عشية وضحاها، والعكس صحيح... وعندما يسيطر على المكان مديرون أو حراس جدد، قد يتغير نظام الاحتجاز، ليصبح أكثر أو أقل عنفا، ويُسمح أو يُمنع تقديم الخدمات من قبل الأمم المتحدة أو المنظمات غير الحكومية".[22]
بينما اعتُقل بعض المحتجزين في المراكز التابعة لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية أثناء مداهمات لمعسكرات التهريب والمنازل الخاصة وفي عمليات توقيف في الطريق، بات الارتفاع الحاصل في عمليات الاعتراض التي ينفذها حرس السواحل الليبي يزيد من عدد المحتجزين ويساهم في اكتظاظ المراكز وتدهور ظروفها. تحدثت مفوضية اللاجئين عن "تدهور خطير" في الظروف، بات ينتج عنه تزايد في الشغب والاحتجاج.[23] قال على الأقل 59 من أصل 107 محتجزين قابلناهم في 4 مراكز احتجاز في يوليو/تموز 2018 إنه تم اعتراضهم أو إنقاذهم من قبل حرس السواحل الليبي. الطبيعة التعسفية وغير المحددة زمنيا لاحتجاز المهاجرين تعني أن طرق خروج الأشخاص من الاحتجاز تكون تمييزية وغير رسمية، وفي الغالب خطرة واستغلالية.
يُفرج عن بعض المحتجزين ليعملوا في المنازل الخاصة أو المزارع أو بالبناء. يحصل بعضهم على أجر لقاء عمله، ثم يُسمح لهم بالمغادرة أو الهروب. لكن هيومن رايتس ووتش استمعت إلى شهادات متعددة لأشخاص أجبروا على العمل دون مقابل. احتُجز إيسوف (31 عاما)، من ساحل العاج، وكنا قد قابلناه على متن سفينة إنقاذ تابعة لمنظمة غير حكومية في أكتوبر/تشرين الأول 2017، لفترة قصيرة في مركز تاجوراء في 2016، لكن سرعان ما أطلق سراحه لأنه اختير ليقوم بأعمال بناء في ممتلكات رجل. قال: "لا لا لا، لم يدفع لي مالا، ولم يتركني أذهب. هربت. انظري، يجعلونك تعملين، وعندما تنتهين يعيدونك إلى السجن".[24] كما تمكن عثمان (25 عاما)، من مالي، من الهروب بعد أن أخرج من مركز احتجاز أبو سليم، حيث كان محتجزا منذ 8 أشهر، ليعمل في البناء.[25] قال موسى (16 عاما)، المحتجز في مركز تاجوراء، لـ هيومن رايتس ووتش: "أحيانا، يستطيع الصبية الخروج والعمل في المزارع، لكنني لا أرغب في فعل ذلك. يجعلونك تعملين لأشهر ثم ربما يبيعونك لشخص آخر".[26]
قال سليمان (30 عاما)، من دارفور بالسودان، إنه أجبر على العمل دون أجر لصالح جماعة مسلحة بينما كان محتجزا في مركز تابع لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية في طرابلس يُسمى "طريق المطار".
أخرجوني من السجن لأنظف الشوارع والمؤسسات والجامعات، وأعمل في معسكر الكتيبة 301، لكني لم أحصل على أجر. بقيت حوالي 14 يوما، وتعودت على النوم في المعسكر [الكتيبة 301]. كنت أحصل على وجبة واحدة في اليوم، وأحيانا لا أحصل على شيء. احتج بعضنا، فأخذوا رجلا اسمه نصرالدين، وأطلقوا النار على رجله.[27]
الطريقة الأخرى لضمان الخروج من الاحتجاز هي دفع رشوة للحراس أو مسؤولي القنصلية.[28] قال صبي (16 عاما) كان قد وصل إلى إيطاليا في 2017 لـ هيومن رايتس ووتش إنه دفع مالا ليخرج من مركز احتجاز تاجوراء، ثم "اتجه مباشرة من السجن إلى المركب".[29]
بعض المحتجزين يحاولون الهروب من مراكز الاحتجاز بطرق خطيرة. قال لنا محتجزون في مركز تاجوراء إن العديد من الرجال حاولوا الهروب قبل أسابيع من زيارتنا. ورغم أن بعضهم نجحوا في ذلك، إلا أن الحراس أطلقوا النار فأصابوا العديد من الآخرين. قال محتجز في مركز الكراريم في مصراتة إنه تعرض للتعذيب بعد أن ساعد 3 رجال على الهروب.[30] كما سمعت هيومن رايتس ووتش عن العقاب الجماعي للمحتجزين بعد محاولات الهروب. على سبيل المثال، قال الصبي البالغ من العمر 16 عاما المذكور أعلاه إن حراس مركز تاجوراء ضربوا "الجميع" بعد أن حاولت مجموعة من المحتجزين الهروب.
بعض ممثلي القنصليات في طرابلس يزورون مراكز الاحتجاز أو يجرون مقابلات عبر "سكايب" مع مواطني بلدانهم لتسهيل إعادتهم. قال مدير مركز عين زارة إن أغلب المحتجزين، وخاصة المواطنين السودانيين، يرفضون مقابلة سفاراتهم، رغم أنه يذكر أن ممثلا عن الحكومة السودانية أقنع ذات مرة مجموعة من السودانيين بالعودة إلى بلادهم. بحسب محتجز فلسطيني مُفرج عنه، هناك مزاعم بترحيل طالب لجوء فلسطيني من غزة، كان قد أمضى عاما ونصف في مركز طريق السكة في طرابلس، إلى مصر ثم إلى غزة.[31]
كما سمعنا عن زيارات يُجريها موظفو السفارة الصومالية إلى مركزَي عين زارة وتاجوراء، كانت إحداها في نفس يوم زيارتنا لمركز تاجوراء. الصوماليون من ضمن الجنسيات التسع التي تستطيع مفوضية اللاجئين تسجيلهم كأشخاص محل قلق بسبب افتراض حاجتهم إلى الحماية. الجهود التي يبذلها المسؤولون الصوماليون لتحديد المواطنين الصوماليين وترحيلهم تثير قلقا عميقا ما لم يتمكن هؤلاء المواطنين من الاتصال بمفوضية اللاجئين لتحديد احتياجهم إلى الحماية والمخاطر في حال العودة.
حتى أكتوبر/تشرين الأول 2017، تمكنت مفوضية اللاجئين من ضمان إطلاق سراح طالبي اللجوء المعرضين للخطر بشكل خاص – لا سيما النساء والأطفال والحالات الطبية الحرجة والطارئة – والاعتناء بهم. في 2017، أطلق سراح 1,428 شخصا ووضعوا تحت رعاية المفوضية.[32] قال لنا فرع مفوضية اللاجئين بليبيا إن السلطات الليبية لم تسمح منذ ذلك الحين بالإفراج عن أشخاص للمفوضية إلا بهدف ترحيلهم إلى دولة ثالثة.[33] بقي مركز "العبور والمغادرة" التابع لمفوضية اللاجئين في طرابلس، الذي يستطيع استيعاب ألف شخص من المفرج عنهم من مراكز الاحتجاز، فارغا 5 أشهر حتى مطلع ديسمبر/كانون الأول 2018 في انتظار الحصول على ترخيص نهائي من السلطات الليبية.[34] هذا المركز من شأنه ضمان بعض حرية التنقل لطالبي اللجوء الذين يعيشون فيه.
وأخيرا، تُشغل مفوضية اللاجئين برنامجا لإجلاء طالبي اللجوء، وتشغل المنظمة الدولية للهجرة برنامجا لإعادة المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية بعد مغادرة مراكز الاحتجاز الليبية. نتناول هذين البرنامجين في القسم التالي.
II. التعاون بين الاتحاد الأوروبي وليبيا في مجال الهجرة
رغم انعدام الاستقرار في ليبيا، عمّق الاتحاد الأوروبي منذ 2015 شراكته مع حكومة الوفاق الوطني بشأن مراقبة الهجرة. هذا التعاون نابع من رغبة الاتحاد في تصدير مسؤولية مراقبة الهجرة إلى دول خارج حدوده. منذ 2016 على الأقل، برر صناع القرار وقادة الاتحاد هذه المقاربة بالضرورة السياسية والعملية للسيطرة على الحدود الخارجية لأوروبا، فضلا عن كونها ضرورة إنسانية هدفها وقف هجرة القوارب المحفوفة بالمخاطر. في يونيو/حزيران 2018، أعاد قادة الاتحاد التأكيد على التزامهم بـ "الاستمرار في هذه السياسة وتعزيزها لمنع التدفق غير القابل للسيطرة الذي حصل في 2015 وزيادة الحد من الهجرة غير الشرعية في الطرق القائمة والناشئة... ووقف المهربين العاملين في ليبيا أو غيرها... لكسر نموذج عمل المهربين، وبالتالي منع الخسائر الفادحة في الأرواح".[35]
من آثار هذه المقاربة تجنب المسؤولية القانونية الناجمة عن وصول المهاجرين وطالبي اللجوء إلى مناطق الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك المياه الإقليمية، أو خضوعهم لولاية الاتحاد. تؤكد قوانين الاتحاد وسوابقه القضائية الحق في التماس اللجوء والإجراءات العادلة والمعاملة الإنسانية.[36]
الحسابات السياسية تؤثر أيضا على الخيارات السياسية. قال ماركو منيتي – وزير الداخلية الإيطالي في حكومة رئيس الوزراء باولو جنتيلوني، الداعم لتعاون أكبر مع السلطات الليبية في مجال الهجرة ومهندس السياسات الرامية إلى الحدّ من عمليات الإنقاذ التي تقوم بها المنظمات غير الحكومية في البحر المتوسط – إن "قبولنا باستحالة تنظيم تدفق الهجرة وتسليم مفاتيح الديمقراطيات الأوروبية للمتاجرين بالبشر ليس حلا بديلا، بل هو أصل المشكلة".[37] الموقف القائل إن اعتماد سياسات هجرة أكثر صرامة سيجلب دعما من الأحزاب المعادية للهجرة تبين أنه ليس صحيحا، فـ "الحزب الديمقراطي" الذي ينتمي إليه منيتي مُني بهزيمة كبرى في الانتخابات الوطنية في مطلع 2018، وخليفته ماتيو سالفيني عن "حزب الرابطة" المعادي للهجرة أيضا سيعرقل بعد ذلك عمليات إنزال السفن التابعة للمنظمات غير الحكومية، وسيهدد بإعادة المهاجرين الذين تنقذهم القوات الإيطالية إلى ليبيا في انتهاك للقانون الدولي، وسيستمر في تعاون وطيد مع السلطات الليبية.[38]
المساعدات المالية لليبيا هدفها تحسين قدراتها في مراقبة السواحل، لا سيما من قبل حرس السواحل، وفي اعتراف بالقضايا الحقوقية التي أثيرت، معالجة المشاكل المزمنة والمنتظمة التي يعاني منها نظام احتجاز المهاجرين في ليبيا. خصص الاتحاد الأوروبي 266 مليون يورو من "صندوق الطوارئ المخصص لأفريقيا" لبرامج متصلة بالهجرة في ليبيا، و20 مليون يورو إضافية للمساعدات الثنائية.[39] المساعدات المالية من الاتحاد دعمت جهودا إيجابية مثل التدريب، وتحسين تسجيل المهاجرين وطالبي اللجوء، ومساعدة عدد محدود من الناس على الخروج من الاحتجاز التعسفي. إلا أن هذا التمويل لم يساعد في خفض أعمال العنف المنهجية والظروف المزرية المتفشية على نطاق واسع في مراكز احتجاز المهاجرين.
دعم حرس السواحل الليبي
بناء قدرات حرس السواحل والبحرية الليبيَّين التابعين لحكومة الوفاق الوطني هو لبنة أساسية في سياسة الاحتواء التي يتبناها الاتحاد الأوروبي. عملية مكافحة التهريب EUNAVFOR MED – المعروفة أيضا بـ "عملية صوفيا" – تشمل برنامجا تدريبيا انطلق في أكتوبر/تشرين الأول 2016 موجه إلى الضباط وضباط الصف والبحارة في البحرية وحرس السواحل الليبيين، الخاضعين نظريا على الأقل لوزارة دفاع حكومة الوفاق الوطني. حتى يونيو/حزيران 2018، شارك 213 موظف من حرس السواحل والبحرية في دورات تدريبية، من أصل 3,385 موظفا.[40] أشار تقرير سري لـ "بعثة الاتحاد الأوروبي للمساعدة على إدارة الحدود الليبية" في 2018 إلى أن موظفي حرس السواحل يتضمنون "عددا غير معلوم" من المقاتلين الثوريين السابقين الذين قاتلوا لإسقاط القذافي في 2011، ثم أدمجوا في حرس السواحل الليبي بعد 2012. بحسب التقرير، لم يحصل أي منهم على أي تدريب مطلقا.[41]
لعبت إيطاليا دورا قياديا في جهود الاتحاد الأوروبي لبناء قدرات السلطات الليبية لتأمين حدود ليبيا والقيام بدوريات في البحر المتوسط. بصفتها قوة استعمارية سابقة، تحظى إيطاليا بعلاقات تاريخية وسياسية واقتصادية عميقة مع ليبيا، وكانت لها اتفاقات تعاون هامة في مجال الهجرة مع حكومة القذافي.[42] أغلب المهاجرين وطالبي اللجوء الذين يبحرون من ليبيا يصلون إلى السواحل الإيطالية. لطالما اشتكت الحكومات الإيطالية المتعاقبة من عدم تقاسم دول الاتحاد الأوروبي الأخرى مسؤولية المعالجة القانونية واستقبال الوافدين الجدد، وردّت على الارتفاع الملحوظ في عدد الواصلين منذ 2014 بسياسات ترمي إلى وقف التدفق، رغم انعكاساتها الوخيمة على حقوق الإنسان.[43] أكثر من أي بلد أوروبي آخر، تخصص إيطاليا موارد مادية وسياسية كبيرة لتمكين السلطات الليبية وإضفاء شرعية على اعتراضها واحتجازها لأي شخص يحاول مغادرة البلاد عبر البحر.
في فبراير/شباط 2017، وقعت إيطاليا مذكرة تفاهم مع حكومة الوفاق الوطني بشأن مراقبة الهجرة. وفرت إيطاليا منذ ذلك الوقت 4 زوارق دورية بموجب اتفاق يعود إلى 2008. وفي أغسطس/آب 2018، صوّت البرلمان الإيطالي لصالح مرسوم حكومي يمنح حرس السواحل الليبي 12 زورق دورية، فضلا عن 1,370,000 يورو لصيانة السفن وتدريب موظفي حرس السواحل الليبي.[44] كجزء من هذه الحزمة، قدّمت الحكومة الإيطالية في أكتوبر/تشرين الأول 2018 سفينة دورية طولها 27 مترا لـ "تعزيز قدرات مراقبة السواحل ومكافحة الاتجار غير المشروع".[45]
كما تنفذ إيطاليا مشروعا يموله الاتحاد الأوروبي لمساعدة ليبيا على إنشاء مركز لتنسيق الإنقاذ البحري، يُتوقع أن يبدأ عمله في 2020. في غضون ذلك، أنشئت غرفة عمليات ليبية على متن سفينة إيطالية راسية في طرابلس. قال العقيد أبو عجيلة عمار، مدير عمليات البحث والإنقاذ في حرس السواحل الليبي، لـ هيومن رايتس ووتش: "ننسق مع مركزي تنسيق الإنقاذ البحري في روما ومالطا، وغرفة العمليات موجودة هناك لتحسين التعاون".[46]
حرس السواحل الليبي ليس له القدرة على ضمان تغطية مستمرة أو استجابة سريعة لكل حالة طارئة في كافة المنطقة التي حددتها ليبيا من طرف واحد كمنطقة بحث وإنقاذ. في تقرير تسرب في مارس/آذار، أشارت عملية EUNAVFOR MED إلى "الوضعية السيئة للبنى التحتية" في غرفة العمليات، محدودية المهارات في اللغة والبرمجيات لدى الموظفين، ونقص في الوقود والمعدات.[47] بحسب معلومات جمعتها هيومن رايتس ووتش من مقابلات أجرتها مع قادة في حرس السواحل الليبي في طرابلس ومصراتة في يوليو/تموز 2018، فإن الوحدات الليبية ليس لديها قوارب ملائمة، وتعاني من مشاكل صيانة مزمنة ومن نقص في الوقود، ما يحد من قدرتها على تشغيل دوريات حتى في المياه الإقليمية الليبية والوصول بسرعة إلى المراكب المحتاجة إلى الإغاثة.[48]
بالاعتماد بشكل كبير على المساعدات التقنية والمساعدات المتصلة بالمراقبة التي تقدمها إيطاليا، كثف حرس السواحل الليبي عمليات الاعتراض في النصف الأول من 2018. اعترض 12,490 شخصا في الأشهر السبعة الأولى من 2018، بارتفاع يقدر بـ 41 بالمئة مقارنة بنفس الفترة من 2017.[49] مع نهاية 2018، كان حرس السواحل الليبي قد اعترض 15,235 شخصا بحسب إحصاءات مفوضية اللاجئين.[50]
في يونيو/حزيران 2018، اعترفت "المنظمة البحرية الدولية"، وهي منظمة حكومية دولية تابعة للأمم المتحدة، بمنطقة بحث وإنقاذ واسعة تابعة لليبيا. في اجتماع مع مسؤولين كبار من المنظمة البحرية الدولية في أبريل/نيسان 2018، ناقشت خلاله هيومن رايتس ووتش أدلة عن محدودية القدرات، السلوك المتهور والخطير لحرس السواحل الليبي، مزاعم بشأن تواطؤ هذه القوات مع المهربين، والمخاطر التي يواجهها المهاجرون وطالبو اللجوء الذين يُرجعون إلى ليبيا، قال المسؤول إن التنسيق بين مراكز تنسيق الإنقاذ البحري كان كافيا، وإنه "لا يمكن التعميم بالقول إن ليبيا ليست مكانا آمنا" بموجب بنود القانون البحري الحالي.[51] كما أوضح أن دور المنظمة البحرية الدولية هو تسجيل المناطق المعلنة مناطق بحث وإنقاذ عندما يكون الإعلان متسقا مع بنودها ومتفقا عليه من قبل الدول المجاورة.[52]
الاعتراف بمنطقة بحث وإنقاذ خاصة بليبيا تزامن مع اعتماد الحكومة الإيطالية الجديدة لنهج متشدد، شمل إغلاق موانئها أمام مجموعات الإنقاذ غير الحكومية، والتمادي في سياسة نقل المسؤولية في المياه الاقليمية إلى حرس السواحل الليبي، منذ مايو/أيار 2017 على الأقل، حتى في حال توفر سفن مجهزة بشكل أفضل على مسافة قريبة من الحوادث، ومنها زوارق الدوريات وسفن البحرية الإيطالية نفسها.[53] الغموض الذي يكتنف عمليات الإنقاذ والإنزال، فضلا عن الملاحقات القضائية وضبط السفن والأعمال الإدارية الرامية إلى منع مراكب الإنقاذ من دخول الموانئ، أجبرت منظمات الإنقاذ غير الحكومية على تعليق عمليات الإنقاذ وسط البحر المتوسط لأشهر.[54] في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني، عادت 3 منظمات دولية إلى المياه الاقليمية المقابلة لليبيا للقيام بأعمال بحث وإنقاذ.[55]
تتلقى السفن التجارية نداءات للاستجابة لحالات طارئة، وتجد نفسها مجبرة على تسليم المهاجرين وطالبي اللجوء إلى حرس السواحل الليبي في عرض البحر أو إنزالهم مباشرة في ليبيا. في العديد من الحالات، أصدرت إيطاليا تعليمات للسفن التجارية أثناء المراحل الأولى من عمليات الإنقاذ بترك التنسيق للسلطات الليبية.[56] تُبرز مقاومة الأشخاص الذين يتم إنقاذهم واحتجاجهم على تسليمهم إلى ليبيا خوفهم المبرر من العودة القسرية إلى الاحتجاز اللاإنساني والمهين.[57] في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، استخدمت القوات الليبية الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي لإنزال حوالي 80 شخصا بعنف من سفينة الشحن "نيفين" في ميناء مصراتة، بعد أن رفضوا النزول منها لمدة 10 أيام. تقيدت السفينة نيفين بتعليمات مركز تنسيق الإنقاذ البحري الإيطالي، فأنقذتهم في المياه الإقليمية ثم رست بهم في مصراتة.[58] قدّر مراقبون على الأرض عدد المصابين بـ 11 شخصا، كان من بينهم 3 إصاباتهم ناتجة عن استخدام الذخيرة الحية. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التأكد بشكل مستقل من هذه المعلومة. نُقل 50 منهم إلى مراكز الاحتجاز، بينما سُجن 29 آخرون بحسب تقارير بتهم جنائية تتعلق بالخطف والقرصنة.
في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2018، بقي مركب صيد إسباني، "نويسترا مادري دي لوريتو" (Nuestra Madre de Loreto)، 10 أيام في عرض البحر وعلى متنه 11 شخصا كان قد أنقذهم في المياه الإقليمية. رفض ربان المركب اتباع التعليمات المتعلقة بإنزالهم من ليبيا، وبعضها صادر عن الحكومة الإسبانية. في 2 ديسمبر/كانون الأول 2018، سمحت مالطا بالإنزال شرط أن يُنقل كل من يتم إنزالهم بعد ذلك إلى إسبانيا.
ارتفع معدل الوفاة في كل محاولة عبور بشكل ملحوظ. قدّرت مفوضية اللاجئين نسبة المفقودين بواحد من كل 18 شخصا في الفترة من يناير/كانون الثاني إلى يوليو/تموز 2018، مقارنة بواحد من كل 42 في نفس الفترة من 2017.[59] كما قدّرت المنظمة الدولية للهجرة ارتفاع نسبة الوفاة في كل محاولة عبور من 2.1 بالمئة في 2017 إلى 3.1 بالمئة في 2018. بحسب المنظمة، سُجلت 20 حالة وفاة في أبريل/نيسان و11 في مايو/أيار، بينما قدّرت عدد المتوفين أو المختفين في يونيو/حزيران 2018 بـ 564 شخصا.[60] أبرزت تحليلات إحصائية أجراها "المعهد الايطالي للدراسات السياسية الدولية" اعتمادا على بيانات المنظمة الدولية للهجرة ومفوضية اللاجئين أن معدل الوفيات في عرض البحر بالنسبة إلى الأشخاص الذين حاولوا خوض الرحلة ارتفع في ظل غياب دوريات الإنقاذ التابعة لمنظمات غير حكومية من 2.3 بالمئة إلى 7 بالمئة.[61] أشارت خريطة لأهم حالات الغرق رسمها المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية بين 6 يونيو/حزيران و31 يوليو/تموز 2018 – وراح ضحيتها 15 شخصا – إلى أن الكثير من هذه الحوادث حصلت في مناطق كانت بها في الماضي دوريات تابعة لمنظمات إنقاذ غير حكومية.[62]
قالت ألكسندرا (25 عاما)، أم لطفلين من غانا، وكانت قد أبحرت من ليبيا مع زوجها كوفي (32 عاما)، إنهما بقيا على متن مركب مع 180 شخصا آخر في يونيو/حزيران، بعد أن اعترضهم حرس السواحل الليبي، وشاهدا جثثا لمهاجرين:
تفاجأنا لما جاءنا حرس السواحل الليبي، فقد كنا في البحر الأزرق [عبارة يستخدمها المهاجرون للإشارة إلى المياه الدولية]. كان معنا نساء وأطفال على متن القارب، والماء بدأ يتسرب إليه. أثناء الإنزال في ميناء الخُمس، شاهدت 5 جثث أنزلت من مركب آخر. كانت رائحتها كريهة ومغطاة بالذباب. أُجبرنا على النوم ليلة واحدة في الميناء. جثث الأموات لم تُنقل طوال بقائنا هناك.[63]
لما قابلنا ألكسندرا، كانت هي وزوجها رهن الاحتجاز.
بعض من قابلناهم تحدثوا عن أعمال ترهيب أو عنف من قبل حرس السواحل الليبي أثناء اعتراضهم. قالت جوانا (34 عاما)، من كاميرون وأم لثلاثة أطفال، إنها كانت على متن قارب مع 170 شخصا آخرين في المياه الدولية بعد إبحار دام 10 ساعات في مطلع يونيو/حزيران 2018 لما اقتربت منهم سفينة تابعة لحرس السواحل:
ألقى الرجال في القارب الليبي الكبير حبلا نحونا، وفي البداية رفضنا شدّه إلى مركبنا. أطلق الليبيون النار في الهواء وهددونا قائلين: "إن لم تشدوا الحبل إلى مركبكم، سنطلق عليكم النار". ولذلك شددنا الحبل، فبدأوا بنقل الناس إلى مركبهم.[64]
تحدث أحمد (26 عاما)، فلسطيني من غزة، عن حادث مماثل في مايو/أيار 2018 لما اقترب حرس السواحل من المركب الذي كان على متنه بعد 11 ساعة من الإبحار، في محاولته الثانية للوصول إلى أوروبا. قال إنهم كانوا يشاهدون سفينة كبيرة برتقالية اللون:
بعض الأشخاص قفزوا من مركبنا وشرعوا يسبحون نحو المركب الأجنبي... لكن 2 من الليبيين الثلاثة الذين كانوا على متن سفينة الإنقاذ الكبيرة، واحد من حرس السواحل و2 كانا في زيّ عسكري، أطلقوا النار في الماء قربهم. كما اقتربوا كثيرا من مركبنا وشرعوا في إحداث موجات لتخويفنا. ذعر الناس وشرعوا في الصعود إلى سفينتهم. اقتادونا إلى الخُمس.[65]
هذا الحادث ربما هو الذي أبلغت عنه منظمة "إس أو إس ميديترانيه" لتي لها سفينة إنقاذ تُسمى "أكواريوس" ولونها برتقالي وأبيض يوم 7 مايو/أيار، والذي لاحظ خلاله الطاقم أشخاصا يقفزون إلى الماء. قالت منظمة الإنقاذ إن حرس السواحل الليبي رفض عروضها المتكررة بتقديم المساعدة، وأمر السفينة بمغادرة المكان.[66]
قال سفير إيطاليا في ليبيا آنذاك جيوزيبي بيرون لـ هيومن رايتس ووتش إن التدريب أدى إلى "تحسن ملحوظ" في أداء حرس السواحل الليبي. أقرّ بأن حراس السواحل "ربما كانوا عدائيين بشكل مفرط [في بعض الأحيان]"، لكنه أضاف: "واجهنا حرس السواحل الليبي بشأن سلوكهم العنيف، لكنهم دافعوا عن ذلك قائلين إنهم مضطرون لحماية المهاجرين عندما يكون هناك تهديد للحياة. نحاول وضع سيناريو حيث يعاملون الأفارقة باحترام".[67]
المساعدات الإنسانية في مراكز الاحتجاز
أعلنت مؤسسات ودول الاتحاد الأوروبي مرارا أنها لا تموّل جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية الليبي بشكل مباشر، لكنها تحول تمويلها بأكمله إلى وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية لتحسين أوضاع مراكز الاحتجاز وتقديم المساعدات المادية والطبية للمحتجزين.[68] صرفت الحكومة الإيطالية 2 مليون يورو عبر وكالة التنمية التابعة لها إلى 7 منظمات غير حكومية إيطالية لتقديم مساعدات لمحتجزين في 3 مراكز احتجاز في طرابلس، وقدمت عروضا لبرنامج بقيمة 4.2 مليون يورو خاص بخمسة مراكز خارج طرابلس (غريان، صبراتة، زوارة، الخُمس، وجنزور).[69] تشمل البرامج الموجهة إلى مراكز الاحتجاز تقديم مساعدات مادية (أفرشة وأغطية وملابس)، والأكل ومستلزمات النظافة للرجال والنساء والرعاية الطبية (بما في ذلك حملات مقاومة الجرب)، ومساعدات لتحسين الأوضاع الصحية العامة.
أخبر موظفون في منظمات إغاثة دولية عاملة في ليبيا هيومن رايتس ووتش بضعف التنسيق وحتى النزاعات بين الفاعلين الإنسانيين، بما في ذلك وكالات الأمم المتحدة، وغياب أي أطر لتفادي النزاعات وتقييم التواصل بين المساعدات الإنسانية وسياق النزاع لتفادي الآثار السلبية. كما عبّر هؤلاء المراقبون بشكل أعم عن قلقهم من أن تغذي المساعدات للمحتجزين في المراكز الرسمية – على أهميتها الحيوية – منظومة الاحتجاز المسيء والتعسفي، وتحجب سياسات مراقبة الهجرة التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي.[70] التمس الأشخاص الذين قابلناهم عدم الكشف عن هويتهم لضمان استمرار وصولهم إلى مراكز الاحتجاز وعلاقاتهم مع السلطات الليبية وسلطات الاتحاد الأوروبي.
يُسمح لموظفي المنظمة الدولية للهجرة ومفوضية اللاجئين بالمساعدة في عمليات الإنزال في 12 ميناء رسميا على طول الساحل الغربي بين مصراتة وزوارة. كل وكالة مسؤولة عن 6 نقاط إنزال، تقدّم فيها مساعدات مادية أساسية (معدات الصحة)، فحوصات طبية سريعة، رغم أنها ليست منتظمة ولا تشمل كل من يتم إنزالهم، وتسجيل المعطيات الأساسية عن كل شخص، التي غالبا ما تقتصر على الاسم والجنسية.
شهادات الأشخاص الذين اعترضهم حرس السواحل الليبي توحي بأن هذه الوكالات الأممية لم تكن حاضرة في عمليات الإنزال، إما لأنها حصلت في مواقع غير رسمية أو بعيدة، أو حصلت أثناء ساعات متأخرة من الليل، أو لأن الوكالات لم تستطع إرسال موظفين.
قال مولوغيتا (27 عاما)، من إثيوبيا وكان محتجزا في زوارة لما قابلناه، إنه لم تكن توجد أي منظمات دولية عندما تم إنزاله في تلك المدينة في يونيو/حزيران 2018. أخذت مجموعة من الرجال يرتدون أزياء رسمية مختلفة وملابس مدنية أموالهم وهواتفهم الخلوية، وضرب أحدهم مولوغيتا لما طلب أغراضه. قال: "أجبرونا على إبقاء رؤوسنا منخفضة، فكان مستحيلا معرفة من ضربني".[71]
سولومون (20 عاما)، من سيراليون وله شقيق أصغر منه كان قد غرق مع آخرين لما حاولوا العبور إلى أوروبا بقارب يوم 29 يونيو/حزيران، قال أثناء مقابلتنا معه إن موظفي جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية أخذوا هواتف جميع الأشخاص أثناء الإنزال. أضاف أنهم أخذوا أموال بعضهم عند وصولهم إلى مركز الاحتجاز ولم يعيدوا إليهم أي شيء.[72]
تحاول وكالات الأمم المتحدة تنظيم تسجيل جميع المهاجرين في نقاط الإنزال باستخدام لوحات إلكترونية تسجل المعطيات الأساسية. يوضع الأشخاص في مراكز احتجاز ثم ربما يُنقلون إلى مراكز أخرى دون الاحتفاظ بأي سجلات، أو يغادرون تلك المراكز بطرق مختلفة، تشمل نقلهم إلى شبكات التهريب أو دفع الرشاوى أو إخراجهم من قبل الميليشيات للقيام بأعمال قسرية أو الهروب. لا تحتفظ مراكز الاحتجاز بسجلات منتظمة تحمل اسم وجنسية وسن كل شخص يُنقل إليها، وهذا يعني أن جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، وكذلك وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الحاضرة في مراكز الاحتجاز، لا تحتفظ بسجلات للأشخاص ولا تستطيع العثور عليهم مجددا.[73]
في مطلع سبتمبر/أيلول 2018، أصدرت مفوضية اللاجئين بيانا صحفيا ذكرت فيه أن المهربين والمتاجرين بالبشر ينتحلون صفات موظفيها في نقاط الإنزال وغيرها من المواقع.[74] أوحت رواية هوى (19 عاما)، من مالي، حول إنزالها في الخُمس في مطلع يونيو/حزيران، باحتمال وجود مهربين في المكان. فقد قالت إنها "متأكدة أن بعض الأشخاص تمكنوا من الفرار من الميناء بعد دفع المال... أعطونا هاتفا خلويا للاتصال بأحد المعارف في ليبيا ليطلقوا سراحنا. حاولت الاتصال، لكنهم بعد ذلك اضررت إلى صعود الحافلة".
هناك محتجزة أخرى في مركز مصراتة ربما قابلت أيضا أشخاصا بصفات منتحَلة أثناء الإنزال. قالت لـ هيومن رايتس ووتش: "شرطة الأمم المتحدة أخذت منا أموالنا" أثناء إنزالنا في الخُمس في بداية يوليو/تموز. وأضافت: "كان لدى زوجي 250 يورو، لكنهم أخذوها منه".[75]
الإجلاء والإعادة إلى الوطن
بالتوازي مع جهوده الجماعية لمنع هجرة المراكب من ليبيا، يؤمن الاتحاد الأوروبي برامج الأمم المتحدة المتعلقة بمساعدة المهاجرين وطالبي اللجوء على الخروج من الاحتجاز التعسفي في ليبيا. رغم أن هذه البرامج ساعدت أعدادا كبيرة من الأشخاص على تفادي المعاملة والأوضاع اللاإنسانية، إلا أنها لم تفعل الكثير لمعالجة المشاكل المنتظمة التي يعاني منها احتجاز المهاجرين في ليبيا، وتُستخدم للتغطية على ظلم سياسة الاحتواء التي ينتهجها الاتحاد.
بدعم مالي من الاتحاد الأوروبي، شرعت مفوضية اللاجئين في ديسمبر/كانون الأول 2017 في إجلاء طالبي اللجوء الأكثر عرضة للخطر إلى خارج ليبيا نحو مركز العبور في نيامي في النيجر. في نيامي، يخضع طالبو اللجوء إلى عملية تحديد وضع اللجوء بهدف إعادة توطينهم. حتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2018، أُجلي 2,069 شخصا إلى النيجر، فضلا عن 312 آخرين تم إجلاؤهم مباشرة إلى إيطاليا، و95 إلى مركز عبور المفوضية في رومانيا.[76] بعد إجلاء تم يوم 16 أكتوبر/تشرين الأول، قالت مفوضية اللاجئين: "واجه موظفو المفوضية تحديات أمنية كبيرة وقيودا على تحركاتهم لإنجاز عملية الإجلاء مع ازدياد التوتر بين الميليشيات المتناحرة مما أدى إلى تبادل لإطلاق النار بشكل متقطع وسقوط صواريخ في مطار طرابلس".[77]
بين ديسمبر/كانون الأول 2017 ومنتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2018، أعيد توطين 860 لاجئا فقط خارج النيجر، نحو 7 دول تابعة للاتحاد الأوروبي (بلجيكا، فنلندا، فرنسا، ألمانيا، هولندا، السويد، والمملكة المتحدة) وسويسرا وكندا والولايات المتحدة. إضافة إلى ذلك، أعيد توطين 104 أشخاص مباشرة من ليبيا إلى كندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والسويد. وحتى منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2018، تعهدت 9 دول تابعة للاتحاد الأوروبي، النرويج، سويسرا، وكندا بإعادة توطين 3,886 شخصا مباشرة من ليبيا أو عبر النيجر.[78]
تواجه مفوضية اللاجئين قيودا شديدة. ورغم أن ليبيا طرف في "اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية حول اللاجئين" لعام 1969، إلا أنها ليست طرفا في "اتفاقية اللاجئين" لعام 1951، وليس لها أي آليات لحماية الأشخاص الفارين من الاضطهاد، ناهيك عن العراقيل العملية والأمنية للقيام بذلك في ليبيا اليوم.
رغم أن مفوضية اللاجئين تعمل في ليبيا منذ 1991، إلا أنها لم توقع بعد على مذكرة تفاهم مع حكومة الوفاق الوطني تُحدد ولايتها، وهو إجراء معتمد في الدول التي توجد بها مكاتب للمفوضية. لم تحقق المفاوضات المتعلقة بمذكرة التفاهم تقدما يُذكر. تسمح السلطات الليبية للمفوضية بتسجيل طالبي اللجوء واللاجئين من 9 بلدان فقط، وهي إريتريا، السودان، جنوب السودان، الصومال، إثيوبيا (من قومية أورومو فقط)، العراق، سوريا، اليمن، وفلسطين. لكن طالبي اللجوء من هذه البلدان غير معفيين من الاحتجاز. بحسب مفوضية اللاجئين، أُنزل 3,700 مواطن من هذه البلدان في الساحل الغربي لليبيا في الأشهر الثمانية الأولى من 2018 ووضعوا رهن الاحتجاز.[79] وهذا يعني أن المفوضية لا تستطيع تسجيل طالبي لجوء من بلدان أخرى يحتاجون إلى الحماية، وبالتالي فهم لا يستطيعون الاستفادة من الإجلاء.
كما تُسهل مفوضية اللاجئين عودة طالبي اللجوء المحتجزين حاليا في ليبيا إلى البلدان التي سجلوا فيها أول مرة لدى الوكالة. بحسب فرع المفوضية في ليبيا، وافقت 3 بلدان – هي السودان وإثيوبيا وتشاد – على استرجاع الأشخاص في هذه الأوضاع، بينما تستمر الوكالة في أعمال مناصرة لدى بلدان أخرى.[80]
يقدم الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء أيضا دعما هاما لبرنامج المنظمة الدولية للهجرة بشأن "إعادة التوطين الإنساني الطوعي" من ليبيا إلى بلدان المنشأ. منذ يناير/كانون الثاني 2017، أعادت المنظمة الدولية للهجرة حوالي 30 ألف شخص إلى بلدانهم.[81] يحصل المستفيدون على مبالغ مالية صغيرة ومساعدة على إعادة الإدماج، تشمل المشورة والمساعدة على التدريب أو التعلم، وفي بعض الحالات تقدم أموالا للشروع في نشاط يدرّ دخلا. تتغير إجراءات إعادة الإدماج بحسب بلد المقصد.[82]
يُعرف البرنامج بـ "العودة الإنسانية الطوعية"، ويقدم خدمة حيوية للناس الذين تحول حلمهم بالهجرة إلى كابوس والراغبين في العودة إلى بلدانهم بأمان وقادرين على ذلك. تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى العديد من المحتجزين الذين عانوا من خسائر كبيرة وانتهاكات طيلة رحلاتهم، ويرغبون في العودة إلى بلدانهم.
غير أن الوصول إلى برنامج العودة الإنسانية الطوعية هو واحد من طرق قليلة تمكّن المحتجزين من استعادة حريتهم من الظروف والمعاملة المزرية في الاحتجاز، ولذلك تنتفي الطبيعة الطوعية للبرنامج.
قال إسحاق (21 عاما)، من نيجيريا وهو محتجز في مركز تابع لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية في زوارة:
قال لي الحراس هنا إنني لا أستطيع الخروج ما لم أوافق على العودة إلى بلادي. ولذلك لم يبق أمامي أي خيار. إن بقيت هنا... هي مسألة وقت فقط قبل أن أغير رأيي وأخرج. جاء موظفو المنظمة الدولية للهجرة وطلبوا من جميع النيجيريين الخروج. قالوا إنهم سيعطوننا 50 يورو.[83]
قال لنا حمزة (31 عاما)، من المغرب، إن العنف الذي يمارسه حراس مركز زوارة أثر على قراره بالتسجيل للعودة إلى بلاده مع مسؤول من السفارة قبل يوم واحد من حديثنا معه. قال: "في البداية، لم أكن أرغب في العودة، لكني الآن غيرت رأيي. هناك مغاربة آخرون يرغبون في المغادرة أيضا".[84]
قال عامل إغاثة في ليبيا طلب عدم الكشف عن هويته إن ما تقوم به المنظمة الدولية للهجرة هو أساسا ترحيل الأشخاص نيابة عن السلطات الليبية دون مقابل. كما قال إن عمليات الإعادة هذه، وعمليات الإجلاء التي تقوم بها مفوضية اللاجئين، ليست حلولا مفيدة على المدى البعيد، ولن تجدي نفعا في إفراغ مراكز الاحتجاز بسبب النسب المرتفعة لعمليات الاعتراض المتبوعة بالاحتجاز التلقائي. قال إن إلغاء تجريم الدخول والإقامة، وخلق مسارات تضمن تسوية الأوضاع في ليبيا أساسية لمعالجة الانتهاكات في حق المهاجرين في البلاد.[85]
بدأ إسحاق رحلته مع شقيقه، وكان يأمل في العمل بإيطاليا لتوفير المال ثم الدراسة في المملكة المتحدة ليصبح محاميا. كان يرغب في مساعدة والدته الأرملة والمريضة. لكنه وقع أسيرا لدى مهربين في سبها، مدينة في الجنوب تعتبر مركزا رئيسيا للمهاجرين. وهناك، قال إسحاق إنهم قتلوا شقيقه وحرقوه في بطنه وذراعه اليسرى لابتزاز مزيد من المال من عائلته. قال: "أجبرت على الاتصال بوالدتي لطلب المال، لكنها لا تملك مالا، وكانت تبكي. كانت تلك آخر مرة تحدثت فيها معها. هي لا تعلم أن شقيقي قتل وأنا ما زلت على قيد الحياة".[86]
إسحاق ليس خائفا على حياته أو حريته في بلاده، كان أمامه خيار العودة إلى نيجيريا لتجنب الاحتجاز، لكن ذلك يعني أن أحلامه بالهجرة ستتحطم. إلا أن آخرين يواجهون خطر الإعادة القسرية إلى أماكن يواجهون فيها مخاطر كبيرة. تؤكد مفوضية اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة أن لديهما نظام إحالة متبادل، لكن بالنظر إلى القيود على مجال عمل مفوضية اللاجئين، يصير واضحا أن بعض الأشخاص المحتاجين إلى الحماية أمامهم خيارات قليلة جدا.
بعض المحتجزين الذين يقدمون طلبات لجوء قد يختارون المشاركة في برنامج العودة الخاص بالمنظمة الدولية للهجرة، وهو خيار أسرع من التسجيل لدى مفوضية اللاجئين وانتظار الإجلاء. أفادت تقارير أن الصوماليين، الذين يستطيعون التسجيل لدى المفوضية، باتوا يقدمون على العودة إلى ديارهم بشكل أكبر. في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، أعادت المنظمة الدولية للهجرة 124 صوماليا إلى العاصمة الصومالية مقديشيو.[87] علّق فنسان كوشتيل، المبعوث الخاص للمفوضية للوضع في وسط البحر المتوسط، على "تويتر"، قائلا إن المنظمة الدولية للهجرة ومفوضية اللاجئين تقدمان مشورة مشتركة إلى الصوماليين، وإن الكثير منهم "غادروا البلاد بسبب المشاكل الأمنية الكبيرة... العوز والجوع وبواعث القلق الأمنية [في ليبيا] وانعدام البدائل الأخرى أسباب تدفعهم إلى العودة".[88]
قال فرع المنظمة الدولية للهجرة في ليبيا إن برنامجه "له طبيعة طوعية صرفة"، وإن موظفيه يتأكدون من أن يتخذ المهاجرون "قرارات مستنيرة بشأن العودة، ومنها عدم الخوف من الاضطهاد عند العودة".[89]
يبدو أن المنظمة الدولية للهجرة ومفوضية اللاجئين ليس لهما القدرة الكافية للاستجابة للاحتياجات الهائلة للمهاجرين وطالبي اللجوء المحتجزين. استمعت هيومن رايتس ووتش إلى شكاوى متكررة من المهاجرين وطالبي اللجوء، ومن سلطات الاحتجاز الليبية أيضا، بأن المنظمة الدولية للهجرة والمفوضية تقومان بزيارات نادرة، وليس لهما القدرة على تسجيل عدد كاف من الناس في كل زيارة. قالت مجموعة من 13 امرأة من ساحل العاج محتجزات في مركز عين زارة لـ هيومن رايتس ووتش في 5 يوليو/تموز 2018 إن حرس السواحل الليبي اعترضهن في عرض البحر في منتصف يونيو/حزيران. كُنّ يرغبن في العودة إلى ديارهن ويشعرن بالإحباط لأنهن لم يُسجّلن لدى المنظمة الدولية للهجرة.[90] كما شهدت هيومن رايتس ووتش احتجاجا في مركز تاجوراء قادته مجموعة تتكون أساسا من دارفوريين للمطالبة بالتسجيل لدى مفوضية اللاجئين.
في ردودهما عن استفسارات بشأن قدرات كل منهما، قدّمت المنظمة الدولية للهجرة ومفوضية اللاجئين معطيات عن ولايتيهما وإنجازاتهما. قال فرع المنظمة الدولية للهجرة في ليبيا إن فرقه تزور مراكز الاحتجاز في طرابلس بشكل يومي، وتزور المراكز الموجودة في المدن الأخرى بشكل منتظم لتقديم "مساعدات إنسانية مباشرة وخدمات صحية وعمليات تدقيق تتعلق بالحماية (تشمل إحالة الأشخاص الراغبين في الحصول على حماية دولية إلى مفوضية اللاجئين) والتسجيل في برنامج العودة الإنسانية الطوعية".[91] في أكتوبر/تشرين الأول 2018، أطلقت مفوضية اللاجئين حملة تسجيل دامت يومين سجلت خلالها 660 شخصا، منهم دارفوريون، في مركز زوارة. شملت الحملة جميع مراكز الاحتجاز في طرابلس ومدينة الزنتان الجبلية، وستتوسع لتشمل مراكز أخرى في الغرب الليبي وداخل مصراتة وحولها.[92]
III. الانتهاكات في مراكز الاحتجاز الليبية
هذا المكان كالجحيم. يتظاهرون بالطيبة، ثم يجلدوننا [يصعقوننا] بالكهرباء. ضربوني 3 مرات، أثناء تقديم الطعام. يُجبروننا على الجلوس في الشمس أو الوقوف والنظر مباشرة إلى الشمس. اعترضنا، فضربونا. يقتادون الناس إلى الغرفة الأمامية ويضربونهم. أخذوني هناك، وقيدوا يديّ وضربوني أسفل الرجلين. ضربوا صديقي أيضا على رأسه.
- إلايجا (26 عاما)، من سيراليون، محتجز في مصراتة، 10 يوليو/تموز 2018
في 2014، نشرت هيومن رايتس ووتش تقريرا عن احتجاز المهاجرين في ليبيا. في 8 من أصل 9 مراكز زرناها حينها، شهدنا اكتظاظا كبيرا وظروفا صحية مزرية ورعاية طبية غير كافية. كما وثقنا أعمال تعذيب، شملت الضرب بجميع الطرق، الحرق بالسجائر، الصعق بالكهرباء، والجلد مع التعليق من الشجرة.[93] ثم جاءت زياراتنا في يوليو/تموز 2018 لتؤكد أن الأوضاع والمعاملة مازالت تُمثل كابوسا، رغم جهود المنظمات الدولية غير الحكومية ووكالات الأمم المتحدة الممولة من قبل الاتحاد الأوروبي.
الانتهاكات
في أوائل يوليو/تموز 2018، زارت هيومن رايتس ووتش 4 مراكز تابعة لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية: مركزان في تاجوراء وعين زارة بضواحي طرابلس، مركز زوارة في بلدة تحمل نفس الاسم قرب الحدود مع تونس، ومركز الكراريم قرب مدينة مصراتة شرق طرابلس. شهدنا اكتظاظا وأوضاعا غير صحية ورعاية طبية غير كافية، وسمعنا شهادات عن الأكل والماء السيئين كمّا وكيفا في جميع المراكز.
رغم أن النساء محتجزات في أماكن منفصلة عن الرجال في المراكز الأربعة، إلا أن أيا من المراكز لا يستجيب للتوجيهات الدولية بشأن أوضاع ومعاملة النساء رهن الاحتجاز. فجميع الحراس كانوا رجالا. المنظمات الدولية غير الحكومية لا تستطيع تقديم رعاية صحية تُذكر للأمهات وفي مرحلة ما قبل الولادة، ومستلزمات الرعاية الصحية في فترة الطمث غير كافية. كما تنعدم تقريبا خيارات الحصول على رعاية صحية بدنية ونفسية للنساء ضحايا العنف الجنسي قبل وأثناء الاحتجاز. تشير الروايات التي جمعتها منظمات حقوق الإنسان ووكالات الأمم المتحدة إلى أن العنف الجنسي ظاهرة متفشية على امتداد رحلة الهجرة وداخل مراكز الاحتجاز.[94]
في كل مركز زرناه، اشتكى الموظفون من نقائص مادية، وعبّروا عن مخاوف أمنية وصحية تتعلق بالحراس، ومنها غياب التأمين الصحي وتطعيم الموظفين، وعدم اكتراث المنظمات الإنسانية الدولية باحتياجات الموظفين. قالوا جميعا إن الحكومة تتأخر في الدفع للمتعاقدين من القطاع الخاص لتوفير الأكل والماء ومواد التنظيف، وهو ما أثر كثيرا على الطعام المقدم إلى المحتجزين كمّا وكيفا. في مصراتة، قال لنا مدير المركز إن الشركات التي تقدم الخدمات تنفق يوميا 1.5 دينار ليبي (دولار واحد) على كل محتجز، بدل 10 دنانير (7 دولارات).[95] وكنتيجة لذلك، لا يقدم أي مركز غلالا أو خضروات طازجة أو لحوم على الإطلاق.
لا يوجد أي مركز احتجاز فيه موظفون مختصون في الرعاية الصحية. تقدم منظمات الإغاثة ووكالات الأمم المتحدة بعض الرعاية الطبية، منها رعاية الأمومة والرعاية اللاحقة للولادة، لكن وصولها إلى المراكز محدود.
في مصراتة وتاجوراء وزوارة، سمعنا روايات مفزعة من بالغين وأطفال عن العنف الذي يمارسه الحراس، مثل الضرب والجلد والصعق بالكهرباء. قال المحتجزون في جميع المراكز إن الحراس يعاملونهم بخشونة ويهينونهم.
لحماية المهاجرين وطالبي اللجوء من انتقام محتمل من موظفي مراكز الاعتقال، قررت هيومن رايتس ووتش إطلاع محمد بشر، مدير جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، على بواعث قلقها العميق من الأوضاع اللاإنسانية والمعاملة السيئة عند انتهاء بعثتها، بدل إطلاع مديري السجون أثناء الزيارات.[96] وبعد أسبوع، وزع العقيد بشر رسالة على جميع مديري المنشآت التابعة لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية يأمرهم فيها باحترام القوانين الليبية والمعايير والبروتوكولات الدولية في تعاملهم مع المحتجزين، والتعاون مع منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية في المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان، ووضع أنشطة ترفيهية للمهاجرين، مثل النزهات الشاطئية وأنشطة الأطفال.[97]
قال العقيد بشر إنه علق عمل 3 موظفين تابعين لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية في 3 مراكز احتجاز، وأحالهم على النيابة العامة بعد شكاوى تتعلق بسوء السلوك.[98] لم تزر هيومن رايتس ووتش هذه المراكز الثلاثة في 2018، ولا تعلم بأي إجراءات تأديبية بحق موظفي المراكز الأربعة التي زرناها.
لم يردّ العقيد بشر على رسالة وجهتها إليه هيومن رايتس ووتش يوم 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2018 استعرضت فيها نتائجها، والتمست منه معلومات عن تنفيذ المبادئ التوجيهية أو أي إجراءات تأديبية.
مصراتة
مصراتة مدينة رئيسية تقع على مسافة 209 كيلومتر شرق طرابلس. يقع مركز احتجاز المهاجرين الخاص بها في مدرسة سابقة في منطقة الكراريم، جنوب المدينة مباشرة. سُمح لنا بدخول طابقين في أحد أجزاء المبنى. يُحتجز الرجال في الطابق السفلي، في غرف تفتح على رواق يُمكن الوصول إليه عبر باب له قضبان حديدية. سرنا في الرواق فشاهدنا رجالا واقفين أو جالسين أو مستلقين على الأرض على طول المكان. هناك حمّام في طرف الرواق فيه إلى 3 أو 4 مراحيض فيها ثقوب في الأرض مغطاة بالبراز. كما زرنا قسم النساء في الطابق العلوي، وهو مكوّن من غرفتين واسعتين فيهما أفرشة وأغراض متناثرة على الأرض. لم نطلع على مراحيض النساء. سمحت لنا السلطات بمقابلة المحتجزين على انفراد خارج المبنى. هتف الكثير من الرجال والنساء طالبين مقابلتنا، لكننا تمكنّا من مقابلة عدد قليل منهم فقط.
بحسب المدير، كان مركز الكراريم يأوي 472 محتجزا لما زرناه: 381 رجلا، 64 امرأة، و27 طفلا تصل أعمارهم إلى 12 عاما ويعيشون مع قريباتهم في قسم النساء. كما قال المدير إنه لم يكن يوجد أطفال بين 12 و18 عاما. أقرّ بوجود اكتظاظ، لكنه ألمح إلى أن الظروف المادية السيئة سبهها تقصير المنظمات غير الحكومية:
هناك اكتظاظ، والناس ينامون في الممرات. الأكل وظروف المعيشة والسكن سيئة، سيئة، سيئة... لم تقدم المنظمات غير الحكومية أي شيء منذ بداية العام. نحتاج إلى أغطية وأفرشة ومواد تنظيف. من المفترض أن أحرق الأفرشة عندما يغادر أصحابها، لكني لا أملك عددا كافيا. في بعض الأحيان، يُجبر محتجزان على تقاسم فراش واحد.[99]
كما قال المدير إنهم يفتقرون إلى طعام الأطفال والفوط الصحية للنساء، ما يجبر موظفي المركز على شرائها من "جيوبا أو الحصول عليها من المنظمات الخيرية".[100]
اشتكى العديد من المحتجزين من منعهم من الخروج ومن رداءة الأكل والشراب. قالت ماري كلير (30 عاما)، من كاميرون وكانت ضمن مجموعة تم اعتراضها في البحر في منتصف أبريل/نيسان ثم نُقلت إلى مركز مصراتة بعد أسبوع: "إنهم [الحراس] عنيفون. يأتون إلينا بالأسلحة. لم يُسمح لي يوما بالخروج، وأنا محتجزة هنا [منذ أن أتيت]. لا أحد يخرج [إلى الساحة]".[101]
قالت أوبوتا (31 عاما)، نيجيرية كانت قد أمضت أسبوعين في المركز بعد أن اعترضها حرس السواحل الليبي:
يضربوننا بخرطوم إن لم نقف في طابور مستقيم [للأكل]. لم يضربوني أبدا، فأنا أتجنب ذلك. في الغالب لا أخرج للحصول على أكل خوفا من أن أضرب. يضربون الرجال كثيرا. أثناء فطور الصباح، يخرج الرجال أولا. ضربوا رجلا بشدة وصعقوه بالكهرباء. وضعوه في غرفة قريبة منا، وكنا نسمع صراخه. ربما الخميس الماضي، حاول رجل من سيراليون الفرار لكنهم قبضوا عليه. ضربوه حتى أغمي عليه. احتججنا على ذلك، كانت جميع النسوة تصرخ، فتراجع الضرب منذ ذلك الحين.[102]
كما قالت إن حارسا ضرب امرأة بهراوة مغروسة بالمسامير جرحت يدها، قبل زيارتنا بأسبوع. وأضافت أن نفس الحارس ضرب امرأة أخرى، "لكن في هذه الحالة على الأقل اعتذر".
كيمي، امرأة نيجيرية كانت حامل في الشهر السابع، قالت لنا إن حارسا ضربها بخرطوم لما كانت ذاهبة إلى الطابق السفلي لجلب الماء. "أمرني بالعودة إلى أعلى، وضربني على ذراعي بخرطوم".[103] هوى (19 عاما)، من مالي، كانت حاملا منذ 8 أشهر ونصف عندما قابلناها. قالت أيضا إن أحد الحراس ضربها قبل يوم واحد، لما كانت تسير على الدرج نزولا وصعودا لتمارس الرياضة. "ضربني بيده على ظهري. قال إنه سيأخذني بعيدا ليعاقبني".[104]
قالت ألكسندرا (25 عاما)، من غانا:
يوجد سوء معاملة وضرب هنا. [الحراس] يقفلون الأبواب على النساء في الداخل لأيام. يصرخون عليهن ويضربوهن ويجلدوهن على أيديهن حتى وإن كن حوامل. حاول رجل الفرار، فربطوا عنقه برجليه كالكلب حتى لا يستطيع التحرك. ضربوه بشدة. كان يبكي كالمرأة. إن حاول أحد الهروب، يضربون جميع الأشخاص الذين يحملون نفس الجنسية.[105]
حدثنا رجال ونساء عن "الحبس الوحداني" في الطابق الثاني، قرب قسم النساء، الذي يوضع فيه المحتجزون لعقابهم. وُضع عبدول (20 عاما)، من دارفور، هناك بعد أن ساعد 3 رجال على الهروب:
كانوا ثلاثة: مصري وسوداني وسيراليوني. أمسكوا بالسيراليوني وضربوه أسفل قدميه بخرطوم. كما ضربونا في الغرفة الأمامية، جميعا. ضربوني أسفل قدميّ وعلى ساقيّ لأعترف بأنني ساعدتهم على الهروب. أنكرت، لكن الرجال الآخرين قالوا إني فعلت لأنهم كانوا خائفين جدا. ثم أخذوني إلى "الحبس الوحداني"، الغرفة المقابلة لحيث كانت النساء. حبسونا هناك. الرجال والنساء بدأوا يصرخون مطالبين بإطلاق سراحنا. رأيت الحراس في الأسفل [عبر الشباك] يصوبون أسلحتهم نحو النساء ويهددوهن بإطلاق النار. كان يوجد 9 رجال آخرين في الحبس الوحداني، ولا أعلم لماذا كانوا هناك. أمضيت 5 ساعات هناك.[106]
تحدث بعض من قابلناهم عن رجال تعرضوا للصعق الكهربائي. قال إلايجا (26 عاما)، من سيراليون، إن 4 رجال كانوا يتعرضون بشكل دائم إلى الصعق بالكهرباء.
هناك رجل من مالي، صعقوه بالكهرباء منذ شهرين. لا يفعل سوى الجلوس على الأرض. كان يتحدث بشكل طبيعي، واليوم صار يحدق أمامه فقط. أخذوه إلى المستشفى لكنه عاد في نفس الوضع. هناك 3 رجال آخرين مثله هنا بسبب الصدمات الكهربائية.
شاهدت هيومن رايتس ووتش واحدا من هؤلاء الرجال. كان جالسا في الممر قرب المراحيض وركبتاه مثنيتان، ويداه فوقهما، وهو يحدق أمامه.
قال أحمد (26 عاما)، من فلسطين، إنه غادر غزة منذ 3 سنوات بعد أن تعرض إلى التهديد والسجن وسوء المعاملة من قبل "حماس". قال إنه تعرض مع آخرين إلى الضرب في مركز مصراتة. قال: "حاول أشخاص من السودان الهروب أثناء تواجدهم في العيادة، فقام الحراس بتجميع المتواجدين لدى الطبيب وضربوهم بأنابيب بلاستيكية. ضربوني قليلا، لكن الآخرين ضربوهم كالحيوانات. كان عقابا جماعيا".[107]
في مكالمة هاتفية للمتابعة بعد إطلاق سراحه، قال أحمد إنه نُقل إلى طريق المطار، مركز احتجاز في طرابلس، بعد يومين من زيارة هيومن رايتس ووتش، وبعد احتجاز دام شهرين عانى فيه من سوء المعاملة.[108]
قال محتجزان إنه يمكن للمحتجزين دفع رشوة للسلطات لتفرج عنهم من مركز الكراريم. قال ناصر (48 عاما)، من سوريا: "لا أستطيع العودة إلى سوريا، سيعدموني. في هذا المكان، يعاملونك كإرهابي. ليس هناك رحمة ولا أمل. لكن بوسعك دفع رشوة للخروج من السجن".[109] وأضاف أحمد، الفلسطيني: "دفع سوداني ومصري رشاوى من أجل الخروج. تعلم مفوضية اللاجئين أنني في هذا المركز، ولذلك لن تقبل سلطات السجن رشوة مني لكي أغادر".[110]
زوارة
تقع زوارة على مسافة 118 كيلومترا غرب طرابلس، على الساحل القريب من الحدود التونسية. حتى وقت قريب، كانت زوارة مركز تهريب ونقطة انطلاق رئيسية للمراكب المتجهة نحو أوروبا. يقع المركز، المكون من بنايات متصلة ذات طابق واحد، على طريق ترابية خارج المدينة. يُحتجز النساء والأطفال في جناح به 3 غرف، تُستخدم منها اثنتان فقط، لها أبواب مفتوحة على ممر ينتهي بباب له قضبان. بينما يُحتجز الرجال في جناح منفصل يحتوي على 15 زنزانة، شاهدت هيومن رايتس ووتش 7 منها عبر قضبان البوابة الحديدية في مدخل الجناح.
قال لنا المدير إن المركز كان فيه 590 محتجزا أثناء زيارتنا، منهم 18 امرأة و7 أطفال، رغم أن طاقة الاستيعاب الرسمية لا تتجاوز 450. كما قال إن أكثر المجموعات في المركز هم من نيجيريا بحوالي 150 شخصا، ومن بنغلاديش بحوالي 111 شخصا. قال أيضا إن إدارة المركز لم تطلب نقل محتجزين إلى منشآت أخرى لأن حوالي 100 نيجيري سيُعادون إلى بلادهم في الأيام التالية عبر المنظمة الدولية للهجرة. أضاف أن نفس المنظمة وعدت بإعادة 30 من بنغلاديش إلى بلادهم قريبا، رغم أنه يبقى من غير الواضح متى ستتم إعادة باقي المجموعة. كما قال المدير إن البنغاليين، وكذلك 60 ماليا، وافقوا جميعا على العودة الطوعية بعد مقابلات بالسكايب مع سفاراتهم. كما أضاف أن عمليات النقل بين زوارة وطرابلس صعبة بسبب محاولات هروب المهاجرين والأضرار التي تلحق بالحافلات من الداخل.[111] وجدت هيومن رايتس ووتش قاصرين غير مصحوبين وأطفالا محتجزين في المنشأة.
كما تحدث المدير عن نقائص مادية كبيرة: "نحتاج إلى أغطية وأسرة ومستلزمات النظافة الشخصية. ليس لدينا بطارية لمولد الكهرباء. يُفترض أن أحرق الأسرّة وأعوضها بأخرى عندما يغادر الناس، لكن ليس لدينا ما يكفي منها. جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية لا يعطينا شيئا".[112]
بينما كان لدى النساء الـ 18 والأطفال السبعة مساحة كافية في غرفهن الزهيدة، يعاني قسم الرجال من اكتظاظ شديد. لم تستطع باحثتا هيومن رايتس ووتش من تجاوز الباب ذي القضبان الحديدية ودخول الممر لأن الرجال الجالسين أو الواقفين هناك يحتلون الفضاء بأكمله تقريبا. كل الغرف المقابلة للممرّ كانت مكتظة بالرجال الذين لا يغادرونها أبدا رغم الحرارة الخانقة. برّر المدير ذلك بنقص الموظفين القادرين على حراسة هذا العدد الكبير من الرجال في ساحة المنشأة. لم يكن يُسمح للنساء والأطفال بالخروج إلا نادرا أيضا. في مايو/أيار، ذكرت أطباء بلا حدود أن المركز كان فيه أكثر من 800 شخص؛ من المستحيل تخيُّل كيف كان يمكن وضع هذا العدد الكبير في المساحة التي رأيناها. حددت أطباء بلا حدود طاقة استيعاب المركز بـ 200 شخص.[113]
أكدت المقابلات التي أجريناها مع 29 محتجزا في المركز أنهم محبوسون داخل الجناح – سواء في الغرف أو الممرات – كامل اليوم تقريبا، ولا يُسمح لهم بالخروج إلا للاغتسال في أحواض بالخارج. قال محتجز من إثيوبيا لم يكن يرتدي سروالا إنه أضاع ملابسه في البحر قبل أسبوعين من زيارتنا تقريبا، وكان يرتدي فقط قميصا ومنشفة حول حزامه. قال صامويل (29 عاما)، وهو خياط من نيجيريا: "نخرج فقط للاغتسال، ولا يحصل ذلك يوميا. يعاملوننا كمجرمين، يحبسوننا في الغرف، وهي حارة جدا ولا توجد بها تهوية. لا يوجد فضاء كاف لكي نستلقي جميعا، ولذلك نتناوب على ذلك". أمان (20 عاما)، من إريتريا، قال محاولا التحدث بالإنغليزية إنه يوجد حوالي 40 شخصا في زنزانته، مضيفا: "لا نخرج أبدا، دائما بالداخل". كما قال إنه غادر بلاده لأنه "لا عدل، لا ديمقراطية، لا سلام، لا تعليم. غادرت لأنني أجبرت على أن أكون جنديا. إن عدت، سيطلقون عليّ النار".[114]
قال 6 ممن قابلناهم إن الحراس يضربون المحتجزين بشكل عشوائي عندما يتدخلون لفضّ العراك داخل الزنزانات المكتظة. كما قال آخران إنهما تعرضا للتهديد بالضرب. قال إسحاق (21 عاما)، من نيجيريا: "لا يسمحون لنا بالخروج أبدا... الأمر شبيه بالاختناق. بعض الحراس يهتمون لأمرنا، لكن البعض الآخر يدفعون بنا إلى الزنزانات [من الممر] عندما نُصدر ضجيجا كبيرا، ويضربوننا عندما يحصل عراك".[115] كما قال إدريس (21 عاما)، من نيجيريا أيضا: "الحراس يستخدمون العصي لضرب الناس".[116]
حمزة (31 عاما)، من المغرب وتم اعتراضه في البحر مرتين في مارس/آذار ومايو/أيار 2018 مع مجموعة من 120 شخصا، قال: "الطقس حار جدا ولا نحصل على غذاء كاف. وإن حصل مشكل بين شخصين، يغلقون جميع أبواب الزنزانات ليلقنونا درسا. يحبسونا بالداخل لعدة ساعات، حتى أثناء تقديم الأكل، ويضربونا بالهراوات الخشبية والأنابيب البلاستيكية".[117]
مجدي (32 عاما)، من مصر، وكان قد أمضى 25 يوما في المركز عندما زرناه، كان يرتدي ملابسه مقلوبة. قال: "لا يسمح لنا بالخروج للاستحمام سوى مرة كل 10 أيام، لدرجة أن ملابسي مليئة بالقمل والبراغيث". المياه قليلة جدا". كما قال: "في بعض الأحيان هناك ضرب. لا تستطيع التحدث بحرية لأنهم [الحراس] عنيفون ويصرخون 'اخرس'، 'اسكت'. في بعض الأحيان يستخدمون العصي الخشبية، وأحيانا أخرى يستعملون النعال لضرب الناس".[118]
كما قال مجدي إنه تعرض إلى السرقة في مديرية شرطة زوارة. قال: "احتجزت في منزل في زوارة [من قبل مهربين] ثم اعتقلتني مديرية شرطة زوارة. أخذت الشرطة جواز سفري وأموالي، أخذوا مني كل ممتلكاتي ولم يرجعوها لي".[119]
تاجوراء
تقع تاجوراء إلى الشرق من وسط العاصمة طرابلس، ويوجد مركز الاحتجاز داخل مجمع يتكون من مبان متعددة على شكل مستودعات، وبه سجن آخر يعرف بسجن الضمان، وهو تابع لوزارة العدل. لما زرنا المركز يوم 8 يوليو/تموز 2018، قال لنا مديره إنه كان يأوي أكثر من 1,100 شخص: حوالي ألف رجل، 100 امرأة، و26 طفلا دون 14 سنة. كل الأطفال الذين تجاوزوا سن 14 يتم اعتبارهم بالغين.
من بين المحتجزين عرب وأفارقة من جنوب الصحراء: من الصومال، إريتريا، إثيوبيا، النيجر، نيجيريا، السودان، وكاميرون. بحسب المدير، جُلب أغلب الأشخاص إلى المركز بعد أن تم
اعتراضهم أو إنقاذهم عرض البحر، وبعضهم حاول العبور مرات عدة. تحدث عن حالة امرأة سودانية لها طفلان "اعتُقلت" في البحر يوم 10 يونيو/حزيران 2018، ثم احتُجزت لوقت وجيز في تاجوراء قبل أن تعاد إلى المركز بعد محاولة عبور ثانية يوم 1 يوليو/تموز. يبقى من غير الواضح كيف غادرت المرأة المركز بعد فشل محاولتها الأولى في الوصول إلى أوروبا على متن مركب.[120]
تمكنت هيومن رايتس ووتش من دخول 3 مبان لوقت وجيز، قسمان يحتجز فيهما النساء والأطفال، وقسم آخر يُحتجز فيه الرجال. كان وضع المنشآت الصحية في الأقسام التي زارها الباحثون مزريا.
أثناء سيرنا في اتجاه المباني التي يُحتجز بها الناس، بدأت مجموعة من المحتجزين بالاحتجاج والمطالبة بالتسجيل لدى مفوضية اللاجئين. بحسب المدير، هناك 600 سوداني كانوا قد دخلوا في إضراب عن الطعام قبل زيارتنا بيوم واحد احتجاجا على بطء إجراءات التسجيل. كما قال إنهم جميعا يطالبون بإعادة التوطين رغم أن بعضهم عرض عليهم إطلاق سراحهم، ومنهم امرأة حامل، إلا أنهم جميعا رفضوا. كان هناك حوالي 20 رجلا واقفين في نصف دائرة يحملون لافتات كتب على إحداها: "إن كان الموت حلا للاجئين، فمرحبا بالموت". منعنا موظفو المركز من تصوير الاحتجاج. قال رحيم (22 عاما)، من دارفور وهو محتجز في تاجوراء منذ سنة: "نحن نفقد عقلنا ونحن ننتظر. تسجل المفوضية الإريتريين، ثم عليهم الانتظار لأشهر. في العادة هم لا يسجلون الدارفوريين. إن استمر الوضع هكذا، فعليهم ألا ينقذونا في البحر، لأن ذلك أفضل من البقاء هنا".[121]
قدّمت مجموعة محتجزين من دارفور رسالة لـ هيومن رايتس ووتش خلسة عبرت فيها عن إحباطها العميق وموقفا بأن مفوضية اللاجئين "لا تكترث لمسألة لاجئي دارفور". بحسب الرسالة، اعتُقلت المجموعة من قبل السلطات في صبراتة في أكتوبر/تشرين الأول 2017، لما انتصرت إحدى الميليشيات على ميليشيا أخرى واكتشفت وجود حوالي 14 شخص محتجزين في مستودع تهريب.[122] احتُجزت المجموعة في مركز غريان 4 أشهر، ثم نقلت إلى مركز طريق المطار. كما احتُجزت هناك 3 أشهر قبل أن تُنقل إلى مركز تاجوراء في أبريل/نيسان 2018. لم يُسجل أي منهم لدى المفوضية. قالوا: "أمضينا فترة طويلة لا نعلم ما مصيرنا، ونحن ننتظر تدخل المنظمات من أجل سلامتنا... نرجو من مفوضية اللاجئين أن تهتم بمسألتنا واخراجنا إلى مكان آمن... (شكرا جزيلا لكم)، نرجوكم ساعدونا".[123]
قالت مفوضية اللاجئين إنها سجلت 600 شخص في تاجوراء أواخر أكتوبر/تشرين الأول، منهم أشخاص من دارفور.[124]
بينما كنا نجري المقابلات، حصلت جلبة في قسم النساء، فقد شدت امرأة شابة حبلا في الحمام وحاولت شنق نفسها. بعد أن أُنزلت، شاهدتها باحثتا هيومن رايتس ووتش ومعها امرأة أخرى في ما بدت أنها نوبات عصبية، حيث كانت المرأتان ممددتين على الأرض الاسمنتية وعيونهما تدوران والزبد خارج من فميهما، بينما تصرخ النساء الأخريات طلبا للنجدة. مثل المراكز الأخرى، لم يكن يوجد في مركز تاجوراء موظفون طبيون أو أطباء تابعون لمنظمات غير حكومية أو لوكالات الأمم المتحدة في ذلك الوقت. قال موظفو المركز إنهم اتصلوا بسيارة إسعاف. ومع تكشف هذه الأحداث، شدّت امرأة أخرى حبلا في الحمام، لكن تم منعها. لم يقدّم الحراس أي مساعدة للمرأتين الممددتين على الأرض، وكنا مضطرين للمغادرة قبل وصول الموظفين الطبيين.
تمت الإشارة في العديد من المقابلات الفردية والجماعية أن المحتجزين محبوسون في الداخل كامل الوقت ولا يُسمح لهم بالخروج إلا عندما يأتي الزوار. دخلت باحثة هيومن رايتس ووتش إلى مستودع واسع مقسّم إلى غرفتين بهما أفرشة متناثرة، وتحدثت لفترة وجيزة مع حوالي 50 رجلا من بنغلاديش في حرارة خانقة. قال أحدهم ببساطة: "لا يسمحون لنا بالخروج"، فأوقف حارس المقابلة.
قال الأشخاص الذين قابلناهم إن الأكل الوحيد الذي يقدم إليهم هو المعكرونة، كل يوم، في صحن معدني كبير يتقاسمها كل 4 أشخاص. بعض الرجال ضحكوا لما قلنا لهم إن مدير المركز أخبرنا أن الطعام المكوّن من لحم الدجاج الذي شاهدنا المحتجزين يعدونه هو لكل المحتجزين. قالوا إن ذلك الطعام للحراس.
الكثير ممن قابلناهم، ومنهم طفل، قالوا إن الحراس كانوا عنيفين.
إدوارد (16 عاما)، من سيراليون، كان مسافرا بمفرده قبل أن يُحتجز لشهرين في تاجوراء لما قابلناه. قال إن الحراس ضربوه قبل زيارتنا بيومين: "كنت واقفا بالداخل... جاؤوا وجلدونا، أنا وأغلب أصدقائي. كانوا يهينوننا بالعربية. قبل ذلك بيوم، كانت مفوضية اللاجئين هنا وأردنا التحدث إليهم، لكن الحراس منعونا، ثم في اليوم التالي ضربونا".[125]
كوامي (27 عاما)، من غانا، عاش في طرابلس وحاول العمل بها لكنه فقد الجزء السفلي من رجله اليمنى في سطو عنيف في 2017. ولأنه يرغب في الوصول إلى أوروبا للحصول على رجل اصطناعية، حاول كوامي عبور البحر في مايو/أيار 2018، لكن المركب المطاطي الذي كان على متنه تم اعتراضه من قبل حرس السواحل. مرّ على وجوده في تاجوراء شهران تقريبا. قال لنا إن الحراس ضربوه على وجهه عدة مرات لأنه لا يستطيع الحركة بسرعة.[126]
قال منيب (22 عاما)، من جبال النوبة في السودان، إن 3 رجال وامرأة ماتوا بسبب نقص الطعام والماء بعد 3 أيام في عرض البحر آخر مرة حاول فيها العبور في أبريل/نيسان (رابع محاولة). بعد الإنزال، اقتيد إلى مركز تاجوراء. قال: "في اليوم الثاني، ضربنا [الحراس] بالعصي".[127]
قالت مجموعة من الرجال لـ هيومن رايتس ووتش إن العديد من الرجال أصيبوا أثناء محاولة فرار في منتصف يونيو/حزيران 2018. زعموا أن هؤلاء الرجل محتجزون في مبان مجاورة لم يُسمح لـ هيومن رايتس ووتش بدخولها. ولما سألناه عن محاولة الفرار، قال محمود علي الطوير، مدير الإدارة والإعلام بالمركز، إنهم قبضوا على بعض الرجال، لكن البعض الآخر تمكنوا من الفرار. وأضاف: "القوانين الليبية تسمح لنا باستخدام القوة عند الضرورة لأداء واجباتنا، لكننا لم نستخدمها [في هذه الحالة]".[128] أكدت منظمة إغاثة لـ هيومن رايتس ووتش أن رجلا كسر رجله وأصيب آخر بجروح خطيرة في رأسه في محاولة فرار من مركز تاجوراء في الفترة المذكورة.[129]
تحدثت محتجزة عن استغلال السلطات. قالت أميرة، سودانية لها 4 أطفال من دارفور، وهي محتجزة مع عائلتها منذ أن اعترضهم حرس السواحل الليبي على متن زورق مطاطي في يونيو/حزيران 2018، إن زوجها أخرج من السجن للقيام بأعمال بدنية لكنه لم يحصل على أجر. وبدل ذلك، حصل فقط على بعض الماء وقطعة خبز وحبة طماطم وبصلة.[130]
وثقت هيومن رايتس ووتش شهادات عن العنف في تاجوراء قبل زيارتنا. قال لنا ويلفريد، رجل من بنين، وكنا قد قابلناه على متن سفينة إنقاذ في أكتوبر/تشرين الأول 2017، إن الحراس ضربوه عدة مرات لما كان محتجزا هناك، ومنها مرة بسبب حديثه إلى موظفين في أطباء بلا حدود.[131] كما قالت لنا نورا (26 عاما)، من ساحل العاج، في يونيو/حزيران 2016 إن حارسا اعتدى عليها جنسيا عدة مرات لما كانت محتجزة في تاجوراء في يونيو/حزيران – يوليو/تموز 2015.[132]
عين زارة
داخل الجدران المنخفضة والبوابة الحديدية، يقع مركز عين زارة في مجمع كبير فيه بنايتان في شكل مستودع، كل واحدة مقسّمة إلى غرف شبيهة بالكهوف ومغطاة بالأفرشة وممتلكات المحتجزين الزهيدة. البنايتان منفصلتان بكومة من الأوساخ وبعض الأشجار. يوم زيارتنا، كانت النساء والأطفال جالسين تحت الأشجار، بينما كان الرجال في الفضاء المكتظ داخل المبنى أو في الممر.
قال مدير المركز طارق بهيج موسى إن الإدارة تسمح للمحتجزين بالبقاء في الخارج كامل اليوم لأن المباني تصير حارة جدا، وهناك انقطاعات متكررة للكهرباء. لكنه قال أيضا إن ذلك يسبب مشاكل أمنية.
عندما زرنا المركز في 5 يوليو/تموز 2018، قال لنا المدير إنه كان يأوي 706 محتجزين: 464 رجلا، 191 امرأة، و51 طفلا دون 14 سنة. بحسب المدير، فإن طاقة الاستيعاب الرسمية للمركز هي ألفي شخص، والسلطات تأمل في زيادتها إلى 6 آلاف بعد أعمال البناء. اعتبر المدير جميع الأطفال فوق 14 سنة بالغين، وكان عددهم حوالي 100 يوم زيارتنا. كل المحتجزين في عين زارة كانوا من أفريقيا جنوب الصحراء. قال المدير إن المهاجرين القادمين من دول عربية يُنقلون إلى مركز طريق السكة. كما قال إن جميع المحتجزين في عين زارة تم اعتراضهم أو إنقاذهم من قبل حرس السواحل الليبي، وإن مفوضية اللاجئين أو المنظمة الدولية للهجرة سجلت أسماءهم جميعا عند الإنزال.[133] غير أن محتجزا إثيوبيا في مركز عين زارة قال لـ هيومن رايتس ووتش إنه لم يتم اعتراضه في البحر، بل اعتُقل على يد قوات غير محددة في نقطة تفتيش بطرابلس. وجدت هيومن رايتس ووتش ضمن الأطفال المحتجزين في عين زارة قُصّرا غير مصحوبين.
كانت الظروف الصحية مزرية. كانت المراحيض في مجمع الرجال والتي تمكنت هيومن رايتس ووتش من زيارتها متسخة جدا ورائحتها كريهة. وكانت 5 مراحيض فقط شغالة. بحسب المدير، فإن 15 مرحاضا فقط من أصل 40 كانت شغالة أثناء زيارتنا، لكنه قال إن بقية المراحيض سيتم إصلاحها في الأسبوع التالي. قالت نساء محتجزات في إحدى الغرفتين الواسعتين إنه يوجد مرحاضان فقط لمئة امرأة. اشتكى العديد من المحتجزين للباحثتين من تباعد الوجبات ونقص ماء الشرب. كما اشتكوا من عدم تنوع الأكل، الذي يكون في الغالب معكرونة مطبوخة. أقرّ المدير بحصول "تأخيرات في بعض الأحيان" في تقديم الطعام، وقال إن امرأة حاولت الانتحار بسبب عدم وجود حليب رُضع لطفها.
قال طبيب من "لجنة الإنقاذ الدولية"، وهي منظمة إنسانية تقدم مساعدات إلى المحتجزين في عين زارة، لـ هيومن رايتس ووتش إن انعدام التهوية كان مشكلة كبيرة. أكثر الأمراض شيوعا هي السل والجرب، وكلاهما يتكاثر بسبب الاكتظاظ. تقدم لجنة الإنقاذ الدولية رعاية للأمهات ورعاية ما قبل الولادة، لكنها أشارت إلى أن احتياجات العديد من النساء الحوامل والأطفال في عين زارة التي تتطلب رعاية طبية لا يمكن الاستجابة لها بالشكل الكافي. كما عبّر عن قلقه من ارتفاع عدد المحتجزين. قال: "لما شرعنا في العمل هنا في مايو/أيار، كان العدد لا يتجاوز 350 شخصا. لكن 250 شخصا قدموا الأسبوع الماضي". بحسب المدير، طلبت إدارة المركز من جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية إعداد غرفة منعزلة للمصابين بأمراض معدية، لكن دون جدوى.
أثناء 4 مقابلات جماعية مع محتجزين من إريتريا، الصومال، إثيوبيا، والسودان (دارفور)، اشتكى أغلب الأشخاص من بطء إجراءات تسجيل طالبي اللجوء من قبل المنظمات الدولية.[134]
قال رجل إريتري، كان قد أمضى 3 سنوات بالإجمال في ليبيا: "تزورنا مفوضية اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة كل أسبوع ويعدوننا بالتسجيل. لكن لم يتم تسجيل أي إريتري من الموجودين هنا. لا أحد يرغب في البقاء في ليبيا أو العودة إلى إريتريا. الناس يصابون بالاكتئاب. هذه حياة الكلاب".[135]
المواجهات التي شهدتها طرابلس في أغسطس/آب أثرت بشكل مباشر على مركز عين زارة. قال محتجزون، في رسائل "واتساب" إلى صحفي، إن الحراس غادروا أماكنهم وتركوا المحتجزين دون أكل أو ماء أو حماية صباح 27 أغسطس/آب 2018 لما اقترب القتال من المركز.[136] وفي ليلة نفس اليوم، زعموا أن رجالا مجهولين جاؤوا في حوالي 20 عربة وأخذوا حوالي 100 صومالي إلى وجهة مجهولة. رفض آخرون في المركز الذهاب معهم لأنهم لم يكونوا متأكدين من هوية الرجال. تمكن أحد الصوماليين الذين غادروا المنشأة مع المجموعة المسلحة المجهولة من الاتصال بمحتجز في المركز ليعلمه أنهم حُبسوا في منزل، وبعدها توقف عن الاتصال.[137] ومساء اليوم التالي، نقل باقي المحتجزين، وعددهم بين 300 و400، بعد فترة من التوتر أطلق خلالها رجال بأزياء رسمية النار في الهواء وعلى الأرض داخل المجمع، وضربوهم بالهراوات الحديدية والخشبية لإجبارهم على الصعود إلى حافلات اقتادتهم إلى مركز احتجاز المهاجرين في أبو سليم.[138]
قالت مفوضية اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة إنهما ساعدتا السلطات الليبية في إجلاء حوالي 600 مهاجر وطالب لجوء من عين زارة ومن مركز احتجاز آخر في صلاح الدين. نُقل المحتجزون إلى مركزي أبو سليم وطريق المطار، وكلاهما في طرابلس.[139] قالت المنظمة الدولية للهجرة إنه أُفرج عن 290 مهاجرا في بداية القتال، رغم أنه يبقى من غير الواضح من أي مراكز.[140]
الأطفال المحتجزون
يُحتجز الأطفال المهاجرون وطالبو اللجوء، سواء كانوا مسافرين مع عائلاتهم أو بمفردهم، في نفس الظروف المزرية التي يُحتجز فيها البالغون. تشير مقابلاتنا وتقارير "يونيسف"، منظمة الأمم المتحدة لحقوق الطفل، إلى أن جميع الأطفال الذين يقبض عليهم في المداهمات أو يوقفون في الشوارع أو يُعترضون في البحر يُحتجزون.[141] بحسب مفوضية اللاجئين، أُنزل حوالي 1,200 طفل (مصحوبين وغير مصحوبين) في ليبيا، واحتجزوا في الأشهر السبعة الأولى من 2018.[142] لا توجد أرقام ذات مصداقية عن الأطفال المهاجرين المحتجزين في ليبيا.
جميع المراكز التي زارتها هيومن رايتس ووتش تفصل بين أقسام النساء والرجال. لكن تعريف الطفل كان مختلفا من مركز إلى آخر، ولم يكن أبدا متطابقا مع القانون الدولي، الذي يعتبر جميع الأشخاص دون 18 سنة أطفالا. في مركزي عين زارة وتاجوراء، سجل المديران الأطفال حتى سن 14 سنة فقط، رغم أن مدير مركز تاجوراء أقرّ بأن يونيسف تعتبر الشخص طفلا حتى سن 17 سنة.[143] في مصراتة، قال المدير إنهم يحتجزون أطفالا تتراوح أعمارهم بين شهرين و10 أو 12 سنة، لكن يبقى من غير الواضح ما إذا كان هناك أطفال بين 12 و18، وما إذا كانوا يعتبرونهم بالغين أو قصّرا.[144] يبدو أن الممارسة المعتادة في جميع المراكز هي احتجاز الفتيات والأطفال الصغار غير المصحوبين مع النساء، بينما يُحتجز الصِّبية الأكبر سنا مع الرجال البالغين.
يُمثل الأطفال جزءا صغيرا من مجموع المحتجزين لكنهم معرضون إلى الخطر بشكل خاص في ليبيا، سواء في مراكز الاحتجاز أو عند عبور البحر. وجد مسح أجرته يونيسف حول الأطفال في طريق الهجرة من ليبيا عبر البحر المتوسط أن 75 بالمئة منهم قالوا إنهم تعرضوا للعنف والتحرش والاعتداء من قبل بالغين. كما قال أغلبهم إنهم تعرضوا إلى انتهاكات لفظية ونفسية، وقال نصفهم إنهم تعرضوا إلى اعتداءات بدنية.[145] نحو 20 بالمئة ممن وصلوا إلى الاتحاد الأوروبي من ليبيا في الأشهر التسعة الأولى من 2018 كان أطفالا دون 18 سنة.[146]
شاهدت هيومن رايتس ووتش العديد من الأطفال حديثي الولادة والأطفال الصغار محتجزين في ظروف مزرية في مراكز عين زارة وتاجوراء ومصراتة. هؤلاء الأطفال والقائمون على رعايتهم، بمن فيهم الأمهات المرضعات، لا يحصلون على غذاء كاف. والرعاية الصحية الموجهة للأطفال، وكذلك البالغين، غائبة أو ناقصة جدا. كما لا توجد أنشطة منتظمة للأطفال، ولا توجد ساحات لعب ولا أي نوع من التعليم.
الأوضاع القاسية التي يواجهها الأطفال رهن الاحتجاز، والصدمات التي يمرون بها في بلدانهم الأصلية وعلى طول رحلة الهجرة، بما في ذلك انتهاكات المهربين والمتاجرين بالبشر، قد تكون لها آثار عميقة على الصحة النفسية للأطفال.
نيالا (17 عاما)، طفلة غير مصحوبة من إثيوبيا قابلتها الباحثتان في مركز زوارة، قالت إنها تعرضت إلى الاغتصاب عدة مرات في بداية 2018 لما كانت محتجزة في عنبر أو "مخزن" يملكه مهرّب في بني وليد وسط ليبيا.
أعتقد أنني حامل في الشهر الرابع. تعرضت إلى الاغتصاب مرتين، 3 مرات لما كنت في المخزن. وضع [المهربون] سلاحا على رأسي واتصلوا بوالديّ. ثم وضعوا الهاتف على أذني وأجبروني على أن أطلب منهما مالا. في البداية دفعوا 4 آلاف [دولار]، وفي المرة الثانية دفعوا 5,500 دولار. الذين اغتصبوني كانوا ليبيين.[147]
لا تقدّم أي من المراكز طعاما خاصا للرُّضع. قال لنا مدير مركز عين زارة: "الشركة المسؤولة عن الطعام لا تجلب طعاما للأطفال الصغار. العقد لا ينص على ذلك".[148] وفي زوارة، كرر الموظفون نفس الشيء وأضافوا: "نحن من يأتي به عند الحاجة".[149] نزوبي (24 عاما)، من نيجيريا وكانت تحمل طفلها البالغ من العمر 3 أشهر لما قابلناها في مركز عين زارة، قالت إن أكثر ما يقلقها هو عدم وجود طعام لطفلها. كما قالت إنها لا تستطيع إرضاعه بسبب حروق في صدرها ناتجة عن تعرضها إلى خليط من الماء والنفط أثناء محاولتها الفاشلة في الوصول إلى أوروبا على متن زورق مطاطي مكتظ في مارس/آذار 2018. انقلب الزورق، ومات أكثر من 36 شخصا قبل أن يأتي حرس السواحل الليبي. وأثناء الإنزال، فُصلت عن زوجها، وهي لا تعلم مكانه.[150] قالت أمينة، سودانية لها 4 أطفال من دارفور، وهي محتجزة مع عائلتها في مركز تاجوراء، إن الأطفال مجبرين على تناول نفس طعام البالغين، والسلطات لم توفر حليب الرضع لطفلها.[151]
في مارس/آذار 2018، تتبعت المنظمة الدولية للهجرة 29,370 طفلا غير مصحوبين في ليبيا، لكنها قالت إن العدد الحقيقي ربما "أكبر من ذلك بكثير".[152] قابلنا 8 أطفال غير مصحوبين تتراوح أعمارهم بين 8 و17 سنة. قال طفل من سيراليون عمره 16 سنة إن حراس مركز تاجوراء ضربوه مع من معه في الزنزانة قبل أيام من مقابلتنا إياه. لم يقل أي طفل منهم إنه مسجل لدى وكالات الأمم المتحدة كطفل غير مصحوب.
في 2018، أنشأت يونيسف، والمنظمة الدولية للهجرة، ومفوضية اللاجئين بروتوكولا لتوفير حماية مشتركة للأطفال غير المصحوبين في ليبيا. كوّنت الوكالات فريق "تحديد المصلحة الفضلى" لمعالجة الوضعيات المعقدة للأطفال خارج الاحتجاز. أول حالة عالجها الفريق في مارس/آذار 2018 كانت لطفلة عمرها 7 سنوات من ساحل العاج توفيت والدتها في البحر فاحتُجزت لدى جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، ثم أعيد لم شملها مع والدها في أبيدجان.[153] حتى أواخر نوفمبر/تشرين الثاني، لم يتمكن فريق تحديد المصلحة الفضلى من حل حالتين أخريين، وهو بصدد البحث عن حلول لستة أطفال آخرين.[154] قالت المنظمة الدولية للهجرة لـ هيومن رايتس ووتش إنها لا تستطيع تحديد المصلحة الفضلى للطفل وهو رهن الاحتجاز لأن "الظروف... لا تسمح بتوفر فضاء خاص والوقت الكافي لإجراء مقابلات معمقة نحتاج إليها في تقرير تحديد المصلحة الفضلى". لكن الوكالة تجري "تقييمات للمصلحة الفضلى" عندما تحدد أطفالا غير مصحوبين رهن الاحتجاز لمعرفة احتياجاتهم و"التأكد من أن العودة (إن رغبوا فيها) في مصلحتهم".[155]
IV. معرفة الاتحاد الأوروبي وإيطاليا بالانتهاكات
يعلم المسؤولون في مؤسسات الاتحاد الأوروبي والسلطات الإيطالية بالانتهاكات الواسعة التي يتعرض لها المهاجرون وطالبو اللجوء في ليبيا بشكل عام، وفي مراكز الاحتجاز التابعة لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية بشكل خاص.
يُقرّ مسؤولو الاتحاد الأوروبي ومؤسساته صراحة بوجود انتهاكات في مراكز الاحتجاز. في سبتمبر/أيلول 2017، قال متحدث باسم "دائرة العمل الخارجي" للاتحاد الأوروبي: "نحن على دراية تامة بالظروف غير المقبولة، والمخزية في غالب الأحيان، واللاإنسانية التي يُعامل بها المهاجرون في معسكرات الاستقبال في ليبيا".[156] كما قال مفوّض الهجرة في الاتحاد الأوروبي ديميتريس أفراموبولوس في نوفمبر/تشرين الثاني 2017: "نعي جميعا الظروف المروعة والمهينة التي يعيش فيها بعض المهاجرين في ليبيا".[157] كما أكد أفراموبولوس ومسؤولون كبار آخرون في الاتحاد مرارا على أن الجزء الأساسي للمقاربة المعتمدة في ليبيا هو دعم جهود تحسين ظروف الاحتجاز، وكذلك عمليات الإجلاء والإعادة، اعترافا بالانتشار الواسع للانتهاكات الخطيرة.[158] في يوليو/تموز 2018، أعاد متحدث باسم المفوضية الأوروبية التأكيد على أن ليبيا لا تتوفر على الظروف الأساسية التي تسمح بإنزال الأشخاص الذين تنقذهم السفن الأوروبية.[159]
قال مسؤولون في الاتحاد الأوروبي وفي الحكومات الحالية لفرنسا، ألمانيا، والمملكة المتحدة والحكومة الإيطالية السابقة لـ هيومن رايتس ووتش إنهم على علم بالانتهاكات التي يتعرض لها المهاجرون وطالبو اللجوء في مراكز الاحتجاز الليبية.[160] غير أن الحكومة الإيطالية الحالية اتخذت موقفا مختلفا، إذ يدافع نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية ماتيو سالفيني عن إعلان ليبيا مكانا آمنا للإنزال، وزار في يونيو/حزيران 2018 منشأة مفوضية اللاجئين في طرابلس – التي لم تبدأ عملها بعد – لـ "مواجهة كل الكذب والحديث عن التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا".[161] لم يزر سالفيني أي مركز احتجاز تابع لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية.
وثقت منظمات حقوقية دولية، منها هيومن رايتس ووتش، ومنظمات إنسانية ووكالات الأمم المتحدة، مثل "المفوضية السامية لحقوق الإنسان"، بعثة الأمم المتحدة لدعم ليبيا، ومفوضية اللاجئين، الانتهاكات في مراكز الاحتجاز.[162] في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، قال المفوض السامي لحقوق الإنسان آنذاك زيد رعد الحسين إن معاناة المهاجرين المحتجزين في ليبيا "تثير سخط الضمير الإنساني" ولا يمكن إصلاح الوضع فقط عبر جهود تحسين ظروف الاحتجاز.[163]
V. الإطار القانوني
المعاملة في مراكز الاحتجاز الليبية التي يتناولها هذا التقرير ترقى إلى المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة. السلطات الليبية هي المسؤولة عن هذه الانتهاكات وعن عدم محاسبة الجناة. قد تتحمل مؤسسات الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء جزءا من المسؤولية عن هذه الانتهاكات من خلال شراكتها مع السلطات الليبية. حيثما أسهم الاتحاد الأوروبي وإيطاليا وحكومات أخرى بشكل ملموس في انتهاكات بحق المهاجرين في ليبيا، فقد كانوا متواطئين في تلك الانتهاكات.
تواطؤ الدولة في الانتهاكات الحقوقية بموجب القانون الدولي
المادة 16 من "مواد لجنة القانون الدولي المتعلقة بمسؤولية الدول عن الأفعال غير المشروعة دوليا" تنص على أن كل دولة تتحمل مسؤولية انتهاكات حقوق الإنسان لما تقدّم عونا أو تساعد دولة أخرى على ارتكاب الانتهاكات.[164] توضح المذكرات التوضيحية أن المساعدة قد تنجر عنها مسؤولية الدولة إن ساهمت "بشكل كبير" في ارتكاب عمل غير مشروع، ولما تقدم هذه الدولة مساعدة مادية تُستخدم في ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان.[165] تقديم مساعدة أساسية إلى وحدات حرس السواحل الليبي لاعتراض الأشخاص في المياه الدولية، مع العلم بأنها تعيد هؤلاء الأشخاص إلى المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة في الاحتجاز التعسفي بليبيا، أو، في حالة الأطفال، عند وجود أسس كافية للاعتقاد بتعرضهم إلى مخاطر غير قابلة للجبر، قد ترقى إلى تقديم العون أو المساعدة على ارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.[166]
لاحظ نيلز ميلزر، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بمسألة التعذيب، أن "أي مشاركة أو تشجيع أو مساعدة مقدّمة" لعمليات انسحاب تتسبب في التعرض إلى خطر حقيقي للتعذيب أو سوء المعاملة "قد تكون غير قابلة للتوفيق مع تفسير وتطبيق حسن النية المتعلقة بحظر التعذيب وسوء المعاملة، بما في ذلك مبدأ عدم الإعادة القسرية".[167] كما قال ميلزر: "إذا كانت الدول الأوروبية تدفع المال لليبيا لمنع المهاجرين من الوصول إلى أمان الاختصاص القضائي الأوروبي، فإننا نتحدث عن المشاركة في جرائم ضدّ الإنسانية، لأنه من المعلوم أن هؤلاء الأشخاص يُعادون إلى معسكرات يحكمها الاغتصاب والتعذيب والقتل".[168]
يقدم الاتحاد الأوروبي وبعض دوله الأعضاء، وخاصة إيطاليا، دعما كبيرا إلى السلطات الليبية لتمكينها من اعتراض المهاجرين الذين يسعون إلى مغادرة ليبيا بحرا. يقدَّم الدعم بهدف تعزيز قدرة السلطات الليبية على اعتراض مثل هؤلاء المهاجرين. ويأتي الدعم على شكل معدات، وتمويل، وتدريب، ومراقبة، ومساعدة استخبارية، وتنسيق. يدرك الاتحاد الأوروبي والدول، بما فيها إيطاليا، أن المهاجرين الذين تعترضهم السلطات الليبية ويُعادون إلى الاحتجاز في ليبيا يُحتجزون تعسفا في ظروف لا إنسانية، معرضين لخطر المزيد من الانتهاكات المحظورة. وفي الواقع، فإنهم يعترفون بذلك عبر توفير الأموال لتحسين ظروف الاحتجاز، لكن هذه الأموال كان لها تأثير ضئيل على الوضع.
وحيثما أسهم الاتحاد الأوروبي وإيطاليا وحكومات أخرى بشكل ملموس في انتهاكات بحق المعتقلين، فقد تواطؤوا في تلك الانتهاكات.
المساعدة على اعتراض المهاجرين الباحثين عن الحماية وإعادتهم إلى ليبيا تنتهك قوانين اللجوء الدولية، لأن ليبيا ليست طرفا في اتفاقية اللاجئين لعام 1951، وليس لها قوانين أو إجراءات خاصة باللجوء. وهذا يعني أن اللاجئين المُعادين لا يحصلون على جبر فعال لحاجتهم إلى الحماية.
قدم 17 شخصا اعترضهم حرس السواحل الليبي في حادثة في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، قُتل فيها نحو 20 شخصا، شكوى ضد إيطاليا أمام "المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان". وتزعم القضية أن إيطاليا تمارس سيطرة فعلية على حرس السواحل الليبي، وبالتالي فهي مسؤولة عن انتهاكات الحقوق الناجمة عن الاعتراض، سواء في البحر أو على الأرض عند العودة إلى ليبيا.[169]
احتجاز المهاجرين
تنص "مبادئ الاحتجاز التوجيهية" الصادرة عن مفوضية اللاجئين، المستندة إلى القانون الدولي، على أن تحتجز السلطات الحكومية طالبي اللجوء البالغين فقط "كملاذ أخير" وفي حالة الضرورة القصوى وكإجراء ملائم لتحقيق هدف قانوني مشروع واعتمادا على تقييمات فردية.[170] كما يجب تحديد المبررات المشروعة للاحتجاز بشكل واضح في القانون، وملاءمتها مع الأسباب المعترف بها بوضوح في القانون الدولي، مثل المخاوف المتعلقة بحصول خطر على الجمهور أو احتمال الفرار أو عدم القدرة على تحديد هوية الفرد. وكقاعدة عامة، لا يجب احتجاز ضحايا التعذيب وغيره من ضروب العنف البدني والنفسي والجنسي البالغ.[171]
تنطبق معايير أكثر صرامة على الأطفال، مثل حظر احتجاز الأطفال لأسباب تتعلق بالهجرة. أكدت "لجنة حقوق الطفل" مرارا وتكرارا على ألا يُحتجز الأطفال على أساس وضع لجوء الوالدين.[172] كما عبّر "الفريق العامل المعني بمسألة الاحتجاز التعسفي" و11 خبيرا من الأمم المتحدة عن نفس الموقف في 2018.[173]
الاحتجاز العائلي واحتجاز الأطفال غير المصحوبين بذويهم لا يتماشى مع المعايير الدولية، وخاصة المبدأ الأساسي المتعلق بـ "مصالح الطفل الفضلى" التي يجب أن تحكم أفعال الدولة تجاه الأطفال.[174] خلصت "لجنة العمال المهاجرين" ولجنة حقوق الطفل إلى أن "الحاجة إلى الحفاظ على شمل الأسرة لا تشكل سببا وجيها يبرر سلب الطفل حريته"، وبدل ذلك "فإن احتجاز المهاجرين من الأطفال والأسر ينبغي أن يكون محظورا بالقانون وينبغي أن يكون إلغاؤه مكفولا في السياسات والممارسات".[175] علاوة على ذلك، يتسبب الحرمان من الحرية في آثار سلبية على قدرة الطفل على تحقيق حقوق أساسية أخرى، تشمل الحق في التعليم والصحة ووحدة الأسرة.[176]
حظر التعذيب وسوء المعاملة بحق المحتجزين
الحظر المطلق للتعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة مكفول في القانون الدولي وتنص عليه عدة اتفاقيات ملزمة لليبيا، لا سيما "اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب"، "اتفاقية حقوق الطفل"، "الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب"، و"العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"،. بموجب كلا الاتفاقيتين، يشمل التعذيب تعمّد إلحاق ألم شديد أو معاناة من قبل مسؤول عمومي بغايات مثل الترهيب والإكراه.
تدعو "قواعد نيلسون مانديلا"، النسخة المعدّلة لـ "قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء"، من بين أمور أخرى، إلى تحديد عدد الأشخاص المحتجزين في الغرفة الواحدة، بحسب حجمها، ترتيبات النوم الملائمة، والمرافق اللازمة للنظافة الشخصية، الملابس والأفرشة والغذاء الملائم، والحصول على الخدمات الصحية. يجب احتجاز النساء في أماكن منفصلة تماما عن الرجال، وحراستهن من قبل نساء.[177] كما تنص قواعد الأمم المتحدة الخاصة بالأطفال المحرومين من حريتهم على ألا يُحتجز الأطفال أبدا مع بالغين.[178]
تنصّ المبادئ التوجيهية لمفوضية اللاجئين، بالاقتران مع "قواعد الأمم المتحدة لمعاملة السجينات والتدابير غير الاحتجازية للمجرمات"، على أن تستجيب المنشآت لحاجيات النظافة الخاصة بالنساء، بما يشمل توفير فُوط صحية وتوفر ضمانات ضدّ العنف القائم على الجنس أو النوع الاجتماعي. كما يجب تعزيز استخدام الحارسات، مع ضرورة وجود حلول وتدابير حماية واضحة للنساء المحتجزات اللاتي يُبلّغن عن انتهاكات. وكقاعدة عامة، يجب ألا تُحتجز النساء الحوامل والمرضعات، ويجب ضمان حصول ضحايا العنف الجنسي إلى الخدمات الطبية الملائمة والرعاية النفسية، بما يشمل اختبارات الحمل.[179]
التوصيات
إلى السلطات الليبية
إلى مؤسسات ودول الاتحاد الأوروبي
إلى الحكومة الإيطالية
إلى المنظمة الدولية البحرية
إلى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين
إلى المنظمة الدولية للهجرة
شكر وتنويه
أجرت بحوث هذا التقرير وكتبته كل من جوديث ساندرلاند، المديرة المشاركة لقسم أوروبا وآسيا الوسطى، وحنان صلاح، باحثة أولى في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. راجع التقرير كلّ من بنجامين ورد، نائب مديرة قسم أوروبا وآسيا الوسطى؛ إريك غولدستين، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ هيلاري مارغوليس، باحثة في قسم حقوق المرأة؛ ومايك بوتشنيك، مستشار أول في قسم حقوق الطفل. قدّم مراجعة قانونية وبرمجية كل من كلايف بالداوين، مستشار قانوني أول، وطوم بورتيوس، نائب مدير البرامج. وقدّم مساعدة في الإخراج كل من إليدا فيكيتش، المنسقة المشاركة في قسم أوروبا وآسيا الوسطى، فيتزروي هيبكنس، مدير إداري، وغريس تشوي، مديرة المنشورات وتصميم المعلومات.
تقر هيومن رايتس ووتش بأن وزارة الداخلية لحكومة الوفاق الوطني أتاحت الوصول إلى مراكز الاحتجاز، وتشكر وزارة الخارجية على تسهيل حصولها على التأشيرات.
تشكر هيومن رايتس ووتش المهاجرين وطالبي اللجوء المحتجزين في ليبيا الذين تحدثوا إلينا.