مُلخص
منذ أطاح الجيش المصري بمحمد مرسي، أول رئيس مصري مُنتخب، في 2013، أعطت حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي الضوء الأخضر لحملة قمعية طالت جميع أنحاء البلاد، بحق المتظاهرين، والمعارضين، والخصوم السياسيين، والصحفيين المستقلين، والمدافعين عن حقوق الإنسان. لاحقت أجهزة الأمن المصرية واعتقلت عشرات الآلاف تعسفا. توصلت هيومن رايتس ووتش إلى أن جرائم التعذيب ضد المحتجزين في مصر ممنهجة ومنتشرة على نطاق واسع، ويُرجح أنها تشكل جرائم ضد الإنسانية. وتوصلت "لجنة مناهضة التعذيب" بـ "الأمم المتحدة" في يونيو/حزيران 2017 إلى أن الحقائق تؤدي إلى "استنتاج لا مفر منه هو أن التعذيب يُمارس بشكل منهجي في مصر".
ضمن هذه الحملة القمعية، لجأ عناصر الشرطة و"قطاع الأمن الوطني" بوزارة الداخلية إلى الاعتقال التعسفي وإساءة المعاملة والتعذيب، بحق مئات الأطفال. فاقم أعضاء النيابة والقضاة هذه الانتهاكات عبر انتهاكات إجراءات التقاضي السليمة والمحاكمات الجائرة.
كريم حميدة علي هو مجرد واحد من الأطفال ضحايا حملة الحكومة القمعية، التي أضعفت سيادة القانون في مصر إلى درجة محوها تماما. يحظر القانونان الدولي والمصري للطفل استخدام عقوبة الإعدام ضد الأطفال. لكن السلطات القضائية المصرية حكمت حكما ابتدائيا على كريم بالإعدام، في أبريل/نيسان 2019، على جرائم يُزعم ارتكابه إياها وهو في سن 17 عاما، أثناء مظاهرة أضرت بواجهة فندق دون أن تؤدي إلى إصابات أو وفيات. احتجز عناصر الأمن الوطني كريم لأكثر من شهر سرا، ولم يعرّفوا أسرته بمكانه، وعذّبوا الفتى حتى اعترف، كما قالت أسرته لنا. في أكتوبر/تشرين الأول 2019، بعد حملة استنكار واسعة، ألغى القاضي في قضية كريم عقوبة الإعدام، بدعوى أنه لم يكن يعرف بأن المدعى عليه طفل، وحكم عليه بدلا من الإعدام بالسجن عشر سنوات. لم تأمر المحكمة بإجراء تحقيق جاد حول الادعاء بتعرض كريم للتعذيب، كما ينص القانونان المصري والدولي، واستخدمت اعترافه كأساس للإدانة. قال قريب لكريم: "لم يراعِ كونه طفلا".
هذا التقرير، الصادر بالتعاون بين هيومن رايتس ووتش و"بلادي- جزيرة الإنسانية" ("بلادي")، يوثق انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها مسؤولو الأمن المصريون ضد 20 محتجزا من الأطفال، بينهم كريم، وقد تم توقيفهم جميعا وملاحقتهم قضائيا بزعم مشاركتهم في مظاهرات أو في أحداث عنف سياسي. احتجزت السلطات الأطفال في مواقع بمختلف أنحاء مصر، منها الإسكندرية والقاهرة ودمياط والجيزة والإسماعيلية والمنصورة وشمال سيناء والقليوبية والشرقية. وفي حالة شمال سيناء، أخفى عناصر الأمن عبد الله بومدين البالغ من العمر 12 عاما طيلة ستة أشهر، وعرّضوه للتعذيب بمحاكاة الإغراق والصعق بالكهرباء، ثم وضعوه في الحبس الانفرادي نحو 100 يوم، على ما يبدو لأن أخيه الأكبر انضم إلى جماعة "ولاية سيناء" التابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية". سبق أن وثقت هيومن رايتس ووتش ارتكاب قوات الأمن في شمال سيناء الاحتجاز التعسفي، والإخفاء القسري، والإعدام خارج نطاق القضاء بحق الأطفال.
كان اثنان من الأطفال الآخرين المشمولين بهذا التقرير في سن 13 عاما فقط عندما قُبض عليهما، ومنهما فتاة، هي نادين ن. قُبض على جميع الأطفال تعسفا، دون أوامر توقيف، واحتُجز تسعة منهم على الأقل مع بالغين، وهو الأمر الذي يحظره القانون المصري.
ليست القضايا الموثقة في هذا التقرير إلا النذر اليسير من مئات حالات الانتهاكات من قبل قوات الأمن المصرية بحق الأطفال ومحتجزين آخرين، منهم أطفال تم التحقيق معهم للاشتباه بالانخراط في سلوك مثلي، وهي الحالات التي تغطيها بلادي، وهيومن رايتس ووتش، ومنظمات أخرى ووسائل إعلام عديدة منذ 2014. تشير جميع المعلومات المتوفرة إلى أن الاحتجاز التعسفي والانتهاكات ضد المحتجزين، وبينهم أطفال، في عهد حكومة السيسي، هي ممارسات موسعة وممنهجة.
التعذيب وسوء المعاملة
قال 14 من الأطفال الموثقة حالاتهم في هذا التقرير إنهم تعرضوا للتعذيب أثناء الحبس الاحتياطي، عادة أثناء الاستجواب. وفي حالتين إضافيتين، تعرض طفل لتهديدات لفظية لكي يعترف بجرائم، وتعرض آخر للضرب المبرح من حراس السجن.
قال أحد الصبية إن المحققين قيدوه بمقعد لثلاثة أيام. قال سبعة أطفال إن عناصر الأمن صعقوهم بالكهرباء أثناء الاستجواب، وبينهم طفلان قالا إن رجال الأمن عرضوهما لصدمات كهربية في الوجه، ببنادق صاعقة، وقال اثنان آخران إن رجال الأمن صعقوهما في العضو الذكري. قال طفل أخفته السلطات وعذبته وهو في سن 16 عاما لأحد أقربائه إنه يخشى "ألا أتمكن من الزواج أو أن أُرزق بأطفال"، بسبب ما فعله به عناصر الأمن أثناء استجوابه.
قال طفلان آخران – عمرهما 14 و17 عاما – وقد احتُجز كل منهما في قضية منفصلة، إن بعد إخفائهما، علقهما رجال الأمن من الذراعين ما أدى إلى الإصابة بخلع في مفصل الكتف. قال الصبي البالغ من العمر 14 عاما إن سجينا آخر تصادف أنه طبيب تمكّن من إعادة المفصل إلى موضعه، في الزنزانة. قال الصبي البالغ من العمر 17 عاما إن أحد رجال الأمن أثناء الاستجواب فتح فمه وبصق فيه. وبعد أسبوع من التعذيب رهن الاحتجاز، اعترف بتدمير ممتلكات عامة.
وفي حالات أخرى، لجأ عناصر الأمن إلى التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة بحق الأطفال. قال طفلان إن عناصر الأمن حرموهما من البطانيات والثياب الدافئة لأيام في زنازين بدون تدفئة وممرات بمراكز الأمن في الشتاء. تم إيداع ثلاثة أطفال في الحبس الانفرادي، وحُرم ثلاثة على الأقل من الزيارات العائلية على مدار سنوات رهن الاحتجاز. أجبر ضابط أمن حمزة هـ. على "الوقوف على أطراف أصابع القدم ووضع مسامير مدببة تحت قدميه الحافيتين" لساعات، بعدما سمع العاملون بالسجن الفتى وهو يتحدث إلى سجين آخر في زنزانته، وهو الأمر الذي كان محظور عليهم، على حد قول أحد أقاربه. كان يوم عيد ميلاده "وهو يكره عيد ميلاده الآن، ولا يريد الاحتفال به ثانية". وقال شريف س. الذي تعرض لحروق بليغة وقت القبض عليه إنه عندما طلب من الشرطة رعاية طبية "ردوا بضربي بقسوة"، وإنه عندما رفض التعاون مع تعليمات الشرطة لمساعدتهم في القبض على مشتبه به آخر: "انفتحت أبواب جهنم"، إذ ضربه رجال الأمن وصعقوه، على مدار أربع ساعات.
الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري
لم يُقبض على أي من الأطفال الموثقة حالاتهم في هذا التقرير بناء على أمر قضائي، وهو التزام ينص عليه كل من القانون المصري والقانون الدولي، مع استثناء القبض على الأفراد أثناء التلبس بارتكاب الجريمة. تعرض جميع الأطفال الـ 20 – باستثناء واحد – للإخفاء القسري على يد قوات الأمن، وفي إحدى الحالات طالت مدة الاختفاء لأكثر من عام، واحتُجزوا في مقار الأمن الوطني، ومعسكرات "الأمن المركزي"، ومواقع أخرى لا تُعد من منشآت الاحتجاز الرسمية بموجب القانون المصري. أنكر الأمن أي علم بأماكن أو مصائر الأطفال أمام عائلاتهم، إلى أن مثل الأطفال أخيرا أمام النيابة، وكان هذا يحدث عادة بعد أسابيع أو شهور. يطالب القانون المصري السلطات بعرض جميع المحتجزين أمام النيابة في ظرف 24 ساعة من التوقيف، لكن في 19 حالة، خالف مسؤولو الأمن هذا النص القانوني، وأفلتوا من العقاب على المخالفة. ذكرت النيابة كذبا في تلك الحالات أن تاريخ توقيف الطفل هو اليوم السابق على يوم مثوله أمامها.
يشكّل الاختفاء القسري، بموجب القانون الدولي، جريمة تشمل توقيف أو احتجاز شخص من قبل مسؤولين بالدولة أو أعوان لها، أو أشخاص يتصرفون بموجب صلاحيات وسلطات أو بدعم أو قبول من الدولة، مع القيام بعد ذلك برفض الإقرار بالتوقيف أو الكشف عن مصير أو مكان الشخص.
انتهاكات إجراءات التقاضي السليمة والمحاكمات غير العادلة
اتهم أعضاء النيابة الأطفال اتهامات فضفاضة ومبهمة، أو تنتهك حقهم في حرية التعبير والتجمع. أدانت محكمة فتاة عمرها 14 عاما بالتخطيط للمشاركة في تجمع غير قانوني كان قد تم في واقع الأمر إلغاؤه. فيما بعد، خفف قاضٍ الحكم الصادر عليها إلى السجن عامين. وهناك صبي عمره 14 عاما تعرض للتعذيب، في ظل إخفائه قسرا لمدة شهر، ومكث في الحبس الاحتياطي ثلاث سنوات بناء على اتهامات متصلة بما قالت السلطات إنه "نشر المناخ التشاؤمي" ضمن مؤامرة مزعومة من أجل بث "أنباء كاذبة" تضر بمصر.
من بين الأطفال المشمولين بالتقرير، هناك تسعة أطفال مضت قضاياهم إلى مرحلة المحاكمة، ولم يحصل أي من هؤلاء على فرصة حقيقية لتحضير الدفاع. قاضت السلطات صبيا قُبض عليه وهو عمره 16 عاما، في قضية بها 300 متهم آخرين، أغلبهم بالغون، وقد مضت المحاكمة في جلسات جماعية دون إتاحة فرصة حقيقية للحديث أو حتى مقابلة المحامين.
حوكم خمسة من الأطفال التسعة أمام محاكم عسكرية، ولديها صلاحيات موسعة في قضايا الأمن الوطني والاعتداءات على المؤسسة العسكرية والتعديات المزعومة على الممتلكات العامة. يجب ألا يُحاكم الأطفال أمام محاكم جنائية اعتيادية مع بالغين في المقام الأول، ويجب ألا يُحاكم مدنيون (ناهيك عن الأطفال) أمام محاكم عسكرية، تحدّ من توفير حقوق إجراءات التقاضي السليمة والمحاكمة العادية. سبق أن وثقت هيومن رايتس ووتش حكم محكمة عسكرية على طفل عمره ثلاثة أعوام بالسجن المؤبد في محاكمة جماعية انعقدت في فبراير/شباط 2016 لـ 116 مدعى عليهم، على صلة بمظاهرات مزعومة. فيما بعد أقرّ الجيش بأنه كان يقصد محاكمة صبي هارب عمره 16 عاما يتشابه اسمه مع اسم الطفل الأصغر.
يبدو أن هناك أطفال آخرين وقعوا ضحايا ملاحقات قضائية ملفقة وزاخرة بالانتهاكات. أوقفت الشرطة طارق ت. حين كان عمره 16 عاما، أثناء مداهمة لبيت عائلة صديق له، وهو مُناصر لـ "الإخوان المسلمين"، أثناء زيارة طارق للبيت، وحوكم بتهمة الانضمام إلى تنظيم محظور. احتجزت الشرطة طارق في قسم شرطة محلي مع أطفال آخرين، وبعضهم "حاولوا إغلاق باب الزنزانة من الداخل" خشية النقل إلى منشأة لاحتجاز الأحداث بعيدة عن عائلاتهم وبسبب تصورهم أن الظروف هناك ستكون أسوأ، على حد قول والده. من ثم اتهمت السلطات جميع الأطفال – وبينهم طارق – بارتكاب أعمال شغب، وحكمت عليهم محكمة بالسجن عامين. عندما أنهى طارق عقوبته وحان وقت إخلاء سبيله، وضعته النيابة في محاكمة أخرى أمام محكمة عسكرية، بتهمة الهجوم على منشأة لـ الأمن الوطني، رغم أنه كان في منشأة احتجاز الأحداث بتاريخ وقوع الهجوم المزعوم.
غياب بدائل الاحتجاز
بسبب الضرر الدائم الذي يلحق بالأطفال بسبب الاحتجاز لأي مدة كانت، ينص القانون الدولي على ضرورة ألا يُحتجز الأطفال إلا كحل أخير ولأقصر وقت ممكن. يحظر قانون الطفل المصري احتجاز الأطفال تحت سن 15 عاما، ويحظر احتجاز الأطفال برفقة البالغين.
من بين الحالات الـ 20 الموثقة في هذا التقرير، سمحت السلطات المصرية ببديل للاحتجاز في حالة طفل واحد، كان عليه الذهاب مرتين في الأسبوع لمركز الشرطة لإثبات الحضور. لكن لم يتحقق هذا إلا بعد احتجازه 11 شهرا، بما شمل إيداعه لخمسة أشهر في زنزانة بقسم الشرطة كانت مزدحمة لدرجة أن النزلاء كانوا يتبادلون النوم على ورديات لمدة ست ساعات، وكان أغلب النزلاء من البالغين.
ظروف الاحتجاز المزرية والحرمان من التعليم
وصف الأطفال الذين وضعتهم السلطات في الحبس بمعزل عن العالم الخارجي بمراكز احتجاز غير رسمية – والأطفال الذين أودعوا بمراكز احتجاز رسمية – كيف كانت الزنازين مزدحمة بالنزلاء، وكيف تم احتجازهم برفقة بالغين، مع حرمانهم من الطعام الكافي. عمرو أ.، البالغ من العمر 17 عاما، قال إن قوات الأمن الوطني أخفته وعذبته قبل نقله إلى مركز احتجاز الأحداث، الذي تمكنت أمه أخيرا من زيارته فيه، بعد انقضاء ثلاثة أشهر. في البداية، لم تتعرف على ابنها وشبهته بالهيكل العظمي، بينما قال طفل آخر إنه كان يدخل حجرة التحقيق جائعا بعد مرور يوم كامل دون تناوله أي طعام، وإنه كان يتقاسم بقايا طعام عساكر الشرطة مع السجناء الآخرين.
حُرم العديد من الأطفال من فرصة التعليم أثناء احتجازهم، رغم نصّ القانون المصري على حصولهم على التعليم. هناك صبي احتُجز بمركز الشرطة ولم يتمكن من الدراسة أو دخول الاختبارات المدرسية، فأضرب عن الطعام للمطالبة بإحالته إلى سجن يتمكن فيه من الاستمرار في تعليمه. في حالة أخرى، تعرض صبي للإخفاء القسري 13 شهرا، وخلال تلك الفترة لم يتمكن من الدراسة لأنه لم يكن بمركز احتجاز رسمي، وشأنه في ذلك شأن جميع الأشخاص المخفيين قسرا. وقال أهالي صبي آخر إنهم لم يتمكنوا من إعادته إلى المدرسة طيلة شهور بعد الإفراج عنه.
الحلول الممكنة
توصلت دراسة صدرت في مايو/أيار 2019 إلى أن المحاكم المصرية حكمت بالإعدام على 11 طفلا منذ 2013، ولا يشمل هذا العدد كريم حميدة علي. منذئذ، إما أخلي سبيلهم أو خففت عقوباتهم. على الحكومة المصرية أن تخفف فورا أية أحكام بالإعدام صدرت بحق أطفال. على الحكومة أيضا تعديل قانون القضاء العسكري بحيث لا يُحاكم أي أطفال أمام محاكم عسكرية بغض النظر عن الجريمة المدعى وقوعها. ولابد من محاسبة مسؤولي الأمن على الانتهاكات، بما يشمل التعذيب المزعوم للأطفال.
ينص قانون الطفل المصري لعام 1996 على إنشاء محاكم وتدابير حماية خاصة للأطفال المتنازعين مع القانون، منها بدائل للاحتجاز برفقة بالغين، كما يعاقب احتجاز الأطفال مع بالغين. لكن يبدو أن السلطات خالفت هذه النصوص القانونية الهامة، إضافة إلى نصوص قانونية أخرى، مع الإفلات من العقاب في جميع الحالات الموثقة في هذا التقرير. يكمن جزء من المشكلة في وجود استثناء بقانون الطفل المصري يسمح للنيابة العامة أو نيابة أمن الدولة بإحالة الأطفال المتهمين بجرائم في تواطؤ مع بالغين إلى المحاكم الجنائية. على مصر إلغاء هذا الاستثناء من القانون. كما عليها إنهاء احتجاز الأطفال، الذي يشكل ممارسة متفشية، وعادة ما يكون هذا الاحتجاز لأسباب سياسية غير مشروعة، وليس لأسباب تمس إنفاذ القانون وضمان السلامة العامة.
لدى قوات الأمن المصرية – بدعم من النيابة العامة ونيابة أمن الدولة والنيابة العسكرية والقضاة – سجل حافل من الإفلات من العقاب، وهي الظاهرة التي زادت حدة في عهد الحكومة الحالية. على الحكومة دعوة خبراء الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي المعنيين بالتعذيب والاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري لإجراء زيارات، وأن تلتزم بحماية بعثاتهم من الانتقام، وتنفذ توصياتهم.
على الحكومات الأجنبية أن تجمد صفقات بيع الأسلحة للحكومة المصرية، إلى أن تُنهي انتهاكاتها الواسعة والممنهجة والخطيرة بحق المحتجزين – وبينهم الأطفال – طرف الشرطة وجهاز الأمن الوطني. بعد القتل الجماعي للمتظاهرين في مصر في أغسطس/آب 2013، اتفقت الدول أعضاء الاتحاد الأوروبي على مراجعة مساعدتها الأمنية وتجميد صادرات الأسلحة التي قد تُستخدم في القمع الداخلي. لكن تجاهلت 12 دولة أوروبية على الأقل هذا الاتفاق، ومنها جمهورية التشيك، وهي من الموردين الرئيسيين للأسلحة الصغيرة إلى الشرطة المصرية، وفرنسا، التي تقدم سيارات "رينو" و"شيربا" تستخدمها الشرطة على نطاق واسع، لأغراض شملت قمع المظاهرات السلمية في سبتمبر/أيلول 2019.[1] وتقدم الولايات المتحدة نحو 3 ملايين دولار سنويا لتمويل أعمال مكافحة الإرهاب الخاصة بالشرطة والأمن الوطني، ونحو 2 مليون دولار لتدريب الشرطة و"احترام حقوق الإنسان أثناء إنفاذ القانون".[2]
على الحكومات الأجنبية التي تقدم مساعدات للحكومة المصرية أن تضغط علانية من أجل المحاسبة على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الأطفال. لقد تلقت الحكومة المصرية أكثر من 100 مليون يورو كمنح من الاتحاد الأوروبي سنويا منذ 2014.[3] تذرعت الإدارة الامريكية باعتبارات الأمن الوطني لإلغاء شروط "الكونغرس" على جزء من المساعدة العسكرية الأمريكية لمصر بمبلغ 1.3 مليار دولار، للسنة المالية 2019، وهي الشروط التي كانت تطالب مصر بإخلاء سبيل المعتقلين السياسيين والتحقيق في الإخفاءات القسرية، ومحاسبة عناصر وضباط الأمن الذين انتهكوا حقوق الإنسان.
التوصيات
إلى الحكومة المصرية
- المراجعة العاجلة لجميع القضايا التي حُكم على أطفال فيها بالإعدام وتخفيف الأحكام.
- التحقيق وضمان المحاسبة على التعذيب والاختفاء القسري وغير ذلك من ضروب إساءة معاملة الأطفال، من قبل عناصر وضباط الأمن الوطني، والشرطة، والجيش.
- إنهاء الاحتجاز التلقائي للأطفال وتفعيل بدائل للاحتجاز.
- ضمان مثول جميع الأطفال المحتجزين للاشتباه بجريمة أمام مسؤولين بالقضاء على وجه السرعة، وأن يمثلهم محامون، بما يتفق مع قانون الطفل المصري.
- إعلان حظر أية محاكمات عسكرية للأطفال، والتعجيل بإحالة الأطفال الخاضعين للملاحقة القضائية أمام محاكم عسكرية حاليا إلى محاكم مدنية أو إخلاء سبيلهم.
- تجميد تنفيذ أية قوانين تسمح بالملاحقة القضائية للأطفال مع بالغين، مثل أن يُتهم طفل في قضية جنائية مع بالغين، وإلغاء البنود القانونية التي لها هذا الأثر ومنها المادة 122 من قانون الطفل.
- إصدار دعوة مفتوحة لمقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالتعذيب، وفريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاختفاء القسري أو غير الطوعي، وفريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاحتجاز التعسفي، واللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، والالتزام بالحماية والتعاون الكاملين مع هذه البعثات، بما يشمل إتاحة زيارتها للأطفال المحتجزين بمراكز الشرطة ومنشآت الأمن الوطني والسجون.
- السماح للهيئات الدولية المنشأة بموجب معاهدات حقوق الإنسان بأن تستقبل الشكاوى الفردية من الأطفال حول التعذيب والاختفاء القسري وغير ذلك من الانتهاكات الخطيرة، بما يشمل التصديق على البروتوكول الاختياري الأول لـ "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، والبروتوكول الاختياري الثالث لاتفاقية حقوق الطفل، وإصدار إعلان بموجب المادة 22 من اتفاقية مناهضة التعذيب.
- التصديق على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري.
- ضمان عدم احتجاز أطفال مع بالغين وأن تفي منشآت احتجاز الأحداث بالمعايير الدولية.
- ضمان قدرة جميع الأطفال المحتجزين على الحصول على كتب مدرسية ومواد دراسية وتعليمية، وأماكن للدراسة، وأن يتمكنوا من دخول الاختبارات.
إلى المفوضية الأوروبية والدول أعضاء الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والدول الأخرى الداعمة للحكومة وقوات الأمن المصرية
- تجميد المساعدات لجميع القوات الحكومية المصرية ومنها المقدمة إلى الجيش والشرطة وجهاز الأمن الوطني، وهي الجهات المسؤولة عن الانتهاكات الموسعة والممنهجة والخطيرة لحقوق الإنسان، وتشمل توقيف الأطفال واحتجازهم بشكل غير قانوني والإساءة إليهم، وهذا حتى يتم تنفيذ تدابير محاسبة حقيقية بحق الضباط والعناصر الذين توجد ادعاءات قابلة للتصديق بشأن انتهاكهم لحقوق الإنسان، وحتى يتم تنفيذ إصلاحات تتعلق بالانتهاكات ضد المحتجزين.
- الضغط علنا على الحكومة المصرية لكي تتخذ خطوات حقيقية لإنهاء انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها قوات الأمن، بما يشمل إنهاء، وضمان المحاسبة على، الاختفاء القسري والتعذيب وسوء المعاملة والاحتجاز برفقة البالغين وانتهاكات إجراءات التقاضي السليمة والمحاكمات غير العادلة للمحتجزين، ومنهم الأطفال.
إلى الدول أعضاء مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة
- إدانة الانتهاكات التي تقع بمراكز الاحتجاز في مصر، بما يشمل الانتهاكات بحق الأطفال.دعوة الأطراف الأخرى إلى ربط دعم قوات الأمن والحكومة المصرية بإنهاء الاختفاء القسري، والتعذيب، وسوء المعاملة، والاحتجاز برفقة البالغين، وانتهاكا إجراءات التقاضي السليمة والمحاكمات غير العادلة للمحتجزين، ومنهم الأطفال، والمحاسبة على هذه الانتهاكات.
المنهجية
يستند هذا التقرير إلى مقابلات مع خمسة محتجزين أطفال سابقين بعد الإفراج عنهم، ومع أقارب 15 طفلا رهن الاحتجاز حاليا، من قبل باحثين تابعين لكل من "بلادي" و"هيومن رايتس ووتش". تراوحت أعمار الأطفال وقت القبض عليهم واحتجازهم بين 12 و17 عاما. قدّم الأطفال والأهالي موافقتهم المستنيرة على إجراء المقابلات. وقد وقعت الجرائم المزعومة التي أوقف الأطفال على ذمتها بين 2014 و2019.
في الحالات حيث أدين الأطفال وحُكم عليهم، كان لدى الأهالي والمحامين الموكَّلين عن الأطفال نسخ من وثائق المحاكم، وقد أطلعونا عليها. وفي بعض الحالات، تمكن الأهالي والمحامون من تقديم أرقام القضايا وتفاصيل عن المحاكم التي حاكمت الأطفال، وتمكن الباحثون من تدعيم شهاداتهم بشأنها بتقارير إعلامية. راجعت المنظمتان أدلة داعمة أخرى، منها رسائل من الأهالي إلى مسؤولي السجون تطالب بالرعاية الطبية، أو بتصاريح لدخول اختبارات مدرسية، أو محتوى على مواقع التواصل الاجتماعي. وفي بعض الحالات، شهد المحامون الموكلون عن الأطفال أيضا على انتهاكات بحق الأطفال من قِبل المسؤولين.
تم تغيير الأسماء إلى أسماء مستعارة، باستثناء الحالات المذكور فيها خلاف ذلك، مع حجب تفاصيل تكشف عن الهوية، مثل المواقع والتواريخ الدقيقة للمقابلات، وهذا لحماية المحتجزين وعائلاتهم من أي انتقام من السلطات المصرية.
.Iانتهاكات قوات الأمن بحق الأطفال
وثّقت هيومن رايتس ووتش ومنظمة "بلادي" الحقوقية، ومقرها الولايات المتحدة، حالات 20 طفلا وطفلة تعرضوا للانتهاكات على يد قوات الأمن أثناء احتجازهم، في محافظات بمختلف أنحاء مصر. طبقا للأطفال وعائلاتهم، فقد تعرضوا جميعا للتوقيف التعسفي. مسؤولو الأمن ملزمون قانونا بإحالة المحتجزين إلى النيابة العامة، والتي تتبع القضاء، في ظرف 24 ساعة من القبض عليهم، لكن لم يتحقق هذا الشرط إلا في حالة واحدة من الحالات التي يوثقها التقرير. الأطفال الـ 19 الآخرون تعرضوا للإخفاء القسري لفترات دامت من خمسة أيام إلى 13 شهرا. تعرض 13 طفلا على الأقل للتعذيب البدني أثناء الاستجواب، وتعرض آخر للتهديدات اللفظية ليعترف بجرائم، وهناك طفل واحد آخر على الأقل تعرض للضرب بقسوة من قبل مسؤولي السجن.
لم يحدث في أي من الحالات أن حققت النيابة أو المحاكم بشكل حقيقي في الانتهاكات أو في الاعترافات التي يُدعى كونها منتزعة بالإكراه من الأطفال. في حالة واحدة، قال الطفل إن وكيل النيابة هدد صراحة بـ "أن يعيدني إلى الضابط" المسؤول عن تعذيبه، إذا لم يعترف بالجريمة المدعى عليه بها. إضافة إلى التواطؤ في انتهاكات قوات الأمن، فاقم الادعاء من الضرر اللاحق بالأطفال إذ أمر بتمديد حبسهم الاحتياطي لفترات مطولة، فهناك صبي حبس احتياطيا 30 شهرا، رغم أن الحد الأقصى للحبس الاحتياطي في مصر هو عامان. وفي تسع حالات على الأقل، احتُجز الأطفال مع بالغين، في مخالفة للقوانين المصرية، ورغم إشراف النيابة والمحاكم. وصف تسعة أطفال على الأقل التعرض لظروف الاحتجاز المتدهورة، بما يشمل الازدحام وعدم نظافة الزنازين، وغياب الطعام الملائم والكافي، والحرمان من الأدوية والرعاية الطبية المناسبة، والتعليم. وفي جميع الحالات حيث أحيل الأطفال إلى المحاكمة، حاكمتهم محاكم مدنية اعتيادية ومحاكم عسكرية، وليس محاكم أحداث كما ينص قانون الطفل المصري.
كريم حميدة علي، 17 عاما
قبضت مجموعة من الرجال بعضهم بثياب مدنية وآخرون ببزات رسمية – عرّفوا عن أنفسهم بأنهم من الأمن الوطني –على كريم حميدة علي من بيته في يناير/كانون الثاني 2016، في العمرانية بالجيزة. وقت توقيفه كان عمره 17 عاما. وبعد أكثر من ثلاث سنوات، حكمت محكمة على كريم بالإعدام على خلفية اتهامات بحيازة متفجرات والإضرار بمنشآت عامة، بموجب قوانين مكافحة الإرهاب، في القضية رقم 45 لعام 2016. فيما بعد خفف القاضي الحكم عليه إلى السجن عشر سنوات، عندما قيل له إن كريم كان طفلا وقت وقوع الجرم المزعوم.
تستند هذه القضية، الضالع فيها 26 مدعى عليهم بينهم 11 طفلا آخرين، إلى مظاهرة في 2016 أشعل خلالها المتظاهرون ألعابا نارية وخرّبوا واجهة فندق "ثري بيراميدز" بمنطقة الهرم في الجيزة، دون التسبب في أية وفيات أو إصابات، بحسب تصريحات وزارة الداخلية حول الواقعة.[4] اعتقل عناصر الأمن الوطني كريم ويُزعم أنه تعرض ومعه طفل واحد آخر على الأقل في القضية (هو حمزة هـ. وحالته مذكورة أدناه)، للإخفاء القسري والتعذيب.
لم تكن عائلة كريم تعرف بمكانه إلى أن ظهر في نيابة أمن الدولة في 9 فبراير/شباط بعد أكثر من شهر على توقيفه، وكانت تلك أيضا المرة الأولى التي يتواصل فيها مع محام. قالت عائلته إنها عرفت فيما بعد أن عناصر الأمن الوطني اعتقلوا كريم وعذّبوه، بما يشمل صعقه بالكهرباء، في قسم شرطة العمرانية، ثم نقلوه إلى مقر الأمن الوطني بمدينة 6 أكتوبر. تمكنت عائلة كريم من التواصل معه عندما نُقل إلى قسم شرطة آخر في حي الهرم، وفقدت الاتصال به مجددا عندما أحيل إلى السجن، لكنهم قادرة حاليا على زيارته في محبسه، بحسب قولها.
قال كريم لوكيل النيابة إنه تعرض للتعذيب ليعترف، لكن بحسب عائلته ومحاميه، لم يحقق وكيل النيابة في ادعائه كما يطالب القانون المصري. ثم إنه اعترف كذبا بجرائم، منها الانضمام إلى تنظيم محظور، وحيازة متفجرات، والإضرار بمنشآت عامة. قال أحد أقارب كريم: "لم يراع أحد كونه طفلا، وحكمت عليه المحكمة بالإعدام رغم سنه".
حددت "الجبهة المصرية لحقوق الإنسان"، وهي مجموعة حقوقية مستقلة، 11 من 26 مدعى عليهم في القضية، تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عاما، وتسعة منهم رهن الاحتجاز.[5] أفادت المنظمة المذكورة بأن 21 من المدعى عليهم الـ 26 الذين حوكموا في القضية اختفوا قسرا لفترات تراوحت بين أسبوعين وثلاثة أشهر، ولم يُتح لـ 19 منهم مقابلة محامين أثناء فترة الاستجواب الأولى أمام النيابة. يُزعم أن 13 مدعى عليهم تعرضوا للتعذيب، لكن أحال الادعاء أربعة منهم فقط إلى الطب الشرعي للفحص، وليس في سجلات المحكمة أية إشارة إلى فحص الطب الشرعي.[6]
تنص المادة 111 من قانون الطفل المصري على أن: "لا يُحكم بالإعدام ولا بالسجن المؤبد ولا بالسجن المشدد" على المتهم الذي لم تجاوز سنه 18 عاما وقت ارتكاب الجريمة. مع ذلك، ففي 6 أبريل/نيسان 2019، حكم القاضي ناجي شحاته من محكمة جنايات الجيزة على كريم بالإعدام، ومعه ستة متهمين بالغين آخرين.[7] تعرض الحُكم لانتقادات جماهيرية شديدة لكون كريم طفلا، بعدما أحال القاضي شحاته أوراق المتهمين إلى المفتي، أعلى سلطة دينية في مصر، لأخذ رأيه، كما ورد في القانون المصري.[8] ثم قال القاضي إن لائحة الإدانة ووثائق المحكمة لم تذكر أن كريم طفل وخفف عقوبة كريم إلى السجن عشر سنوات.[9] يمكن لكريم الطعن على حُكم السجن عشر سنوات الصادر بحقه.[10]
أنهى كريم تعليمه الثانوي وهو في السجن، وهو حاليا في الفرقة الثانية بكلية تجارة في جامعة حلوان، ويدرس من السجن.
طبقا لمنظمة "ريبريف" الحقوقية الدولية، فقد حكمت المحاكم المصرية على 12 طفلا آخرين على الأقل بالسجن منذ 2011، بينها 10 أحكام إعدام مبدئية صدرت في جرائم يُزعم وقوعها أثناء حكم السيسي.[11] أكدت المحاكم خمسة من أحكام الإعدام المبدئية هذه.[12] حتى مارس/آذار 2020، جميع هؤلاء الأطفال إما أخلي سبيلهم أو خُففت عقوباتهم.[13]
عبد الله بومدين نصر الدين عكاشة، 12 عاما
عبد الله بومدين كان نائما في بيت أمه بمدينة العريش في شمال سيناء، عندما داهمت قوات عسكرية البيت وقبضت عليه ليلة 31 ديسمبر/كانون الأول 2017. كان الصبي عمره 12 عاما حينئذ. قبل ذلك قبضت قوات عسكرية على والد عبد الله، بومدين نصر الدين، في 5 ديسمبر/كانون الأول 2017، وأخفته قسرا. اشتبهت العائلة بأن الاعتقالين على صلة بشقيق عبد الله الأكبر، عبد الرحمن، وكان عمره 21 عاما حينئذ، وكان قد اتصل بالأسرة قبل أيام من توقيف الأب ليقول إنه انضم إلى ولاية سيناء، الفرع المحلي لـ داعش.
أخفى رج الأمن عبد الله قسرا لأكثر من ستة أشهر. عندما ظهر في قسم شرطة الأزبكية بالقاهرة في يوليو/تموز 2018، قال للمحامي إنه احتُجز في عدة مقرات أمنية في شمال سيناء، منها مقر الأمن الوطني في العريش، والقاعدة العسكرية للكتيبة 101، وأن رجال الأمن عرضوه لتعذيب مروع، من ضرب وصعق ومحاكاة إغراق. قيّدوا يديه بالأصفاد وعلقوه من يده اليمنى، وبها إعاقة، على حد قوله. أشعل المحققون النار تحت إطار سرير حديدي وأجبروا عبد الله على الرقود على الحديد الساخن. كما حرم الأمن الصبي من الحصول على الطعام الكافي والاستحمام. وذات مرة، وهو محتجز في قسم شرطة في شمال سيناء، على حد قول عبد الله للمحامي، سمع صرخات متواصلة من امرأة يبدو أنها كانت تتعرض للتعذيب، وهدده الضباط بأن أمه ستلقى نفس المصير إذا لم يكشف معلومات لهم عن أخيه.
أثناء فترة احتجازه الأولى، في مقر الأمن الوطني في العريش، قال عبد الله إنه رأى والده لكن لم يتمكن من الحديث معه، مع قيام رجال الأمن بتجريد الأب من ثيابه وتعذيبه. لا تعرف الأسرة إذا كان الأب على قيد الحياة حتى الآن.
لم تعرف الأسرة أي شيء عن عبد الله بعد اعتقاله إلا حين أحيل إلى قسم شرطة الأزبكية في القاهرة، في يوليو/تموز 2018. ومن قسم الشرطة، نقلت نيابة أمن الدولة الصبي إلى فرع التجمع الخامس بالقاهرة، حيث وفي 2 يوليو/تموز استجوبوه في غياب محاميه، في مخالفة للقانون المصري. اتهمته النيابة بالانضمام إلى تنظيم إرهابي، والمساعدة في زرع متفجرات، والإضرار بالأمن الوطني، وأضافوا اسمه إلى قضية أمن الدولة 570 لعام 2018. ووجهت اتهامات إلى شقيقه عبد الرحمن في نفس القضية. ذكرت الصحف الموالية للحكومة أن 12 مدعى عليهم في القضية على الأقل هم "أقارب" لرجال متوفين أو مدانين في قضايا إرهاب.
أودع العناصر بقسم شرطة الأزبكية عبد الله في الحبس الانفرادي في منشأة الأحداث بالقسم طيلة فترة الـ 100 يوم التالية، بحسب محاميه. خلال تلك الفترة، منعت الشرطة الزيارات العائلية عن الصبي ولم تقدم إليه الرعاية الطبية أو تسمح له بالاستحمام، ما أدى إلى إصابته بأمراض جلدية، بحسب المحامي. يحظر القانون الدولي فرض الحبس الانفرادي لمدد طويلة على الأطفال. قدمت الشرطة إلى الصبي نفس الطعام الذي تقدمه لباقي السجناء، وهو قطعة خبز وقطعة جبن كل يوم. ومع الوقت، تحسنت معاملة عبد الله قليلا، إذ سمحت الشرطة للمحامي بجلب ثياب نظيفة له، وطعام أكثر، وصابون، ومستلزمات نظافة شخصية.
تدهورت صحة عبد الله أثناء الاحتجاز بسبب نقص الرعاية الطبية لحساسيته التنفسية المزمنة، وغياب علاج طبيعي لعلاج إعاقته البدنية، في يده اليمنى، بحسب بيان مشترك صادر عن سبع منظمات حقوقية مصرية في أكتوبر/تشرين الأول 2018. في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2018، تقدم محامي عبد الله بشكاوى عاجلة إلى النائب العام وإلى الخط الساخن بـ "المركز القومي للطفولة والأمومة". بعد ستة أيام، أخطر المركز القومي المحامي بأن المركز تواصل مع مكتب حقوق الإنسان بوزارة الداخلية، بشأن قضية عبد الله. لم تتواصل السلطات مع عبد الله.
كان عبد الله في الصف السابع وقت القبض عليه، ولم يتمكن من استكمال تعليمه أثناء إخفائه واحتجازه بحسب المحامي.
تجاهلت السلطات المصرية أحكام المحاكم وخلفت وعودها للأسرة بإخلاء سبيل عبد الله. في 27 ديسمبر/كانون الأول 2018، حكمت محكمة استئناف الأحداث بإخلاء سبيل عبد الله وتسليمه إلى أولياء أمره. بعد 14 يوما من صدور الحكم، نقلت السلطات الصبي إلى قسم شرطة ثان في العريش. في 18 يناير/كانون الثاني 2019، قال أحد رجال الشرطة في المركز لشقيقة عبد الله الأكبر أن توقع على وثيقة تؤكد أنها استلمت شقيقها ووعدها بإحالته إليها في اليوم التالي. عندما عادت لتستلمه، أنكر الضباط معرفتهم بمكانه. فقدت الأسرة الاتصال معه بعد ذلك.
في 12 أبريل/نيسان 2019، قُتل شقيق عبد الله في هجوم على مدينة العريش، بحسب الأسرة. اطلعت هيومن رايتس ووتش على حكم محكمة صدر في أغسطس/آب 2019 لوزارة الداخلية بالكشف عن مكان عبد الله. وحتى فبراير/شباط 2020، لم تكن الوزارة قد امتثلت للحكم على حد قول المحامي. رأت شقيقة عبد الله شقيقها لآخر مرة بقسم الشرطة في العريش في 18 يناير/كانون الثاني 2019، طبقا لعدة برقيات اطلعت عليها هيومن رايتس ووتش وكانت الأسرة قد أرسلتها إلى السلطات القضائية والأمنية.
حمزة هـ.، 14 عاما
اعتقلت قوات الأمن الوطني حمزة حين كان عمره 14 عاما، من بيته في ساعة متأخرة من الليل، في بدايات عام 2016، جراء مشاركته في مظاهرة أمام فندق "ثري بيراميدز" بالجيزة، وهي نفس المظاهرة التي أدّت إلى توقيف كريم حميدة علي.[14] اتهمت نيابة أمن الدولة حمزة بالانضمام إلى تنظيم محظور والتخطيط لهجمات استهدفت مؤسسات الدولة.[15] حكم القاضي ناجي شحاته على حمزة بالسجن عشرة أعوام.[16]
طبقا لمصدر مقرب من الأسرة:
كان حمزة نائما، وعليه اختبار مدرسي في الصباح. أيقظوه وطلبوا الاطلاع على بطاقته، لكنه قال إنه لم يستخرج بطاقة بعد [يتقدم الأطفال بطلب بطاقات شخصية في سن 16 عاما]. أجرى الضابط عدة مكالمات هاتفية ليخبر [المسؤولين الآخرين] بأنه طفل، لكن في النهاية قرر أن يأخذه. حاول والده أن يذهب معهم لكنهم هددوه ورفضوا إخبارنا بقسم الشرطة الذي سيذهبون إليه.
لأكثر من شهر لم تتمكن أسرة حمزة من الحصول على أي معلومات عن مصيره: لم يقرّ أي من أقسام الشرطة الخمسة التي زاروها باحتجازه، ولم يصلهم رد على الطلبات المكتوبة بالحصول على معلومات التي أرسلوها إلى المحامي العام والنائب العام. وفي الجلسة أمام نيابة أمن الدولة، وجد الصبي عسكريا تعاطف معه و"طلب منه أن يتصل بنا" على حد قول قريبه. وعبر العسكري، أخبرهم حمزة بأنه أحيل إلى معسكر الأمن المركزي في القاهرة.
عندما ذهبت العائلة إلى المعسكر، أنكر العناصر والضباط أنهم يحتجزون الصبي، لكن أقروا باحتجازه عندما عادت الأسرة بعد خمسة أيام، على حد قول قريبه. بعد تسعة أيام، سمحوا المسؤولون للأسرة بزيارة حمزة، وقد أخبرهم ببعض ما تعرض له، بحسب قريبه:
لدى توقيفه، أخذوه إلى قسم شرطة. في الصباح التالي نُقل إلى مقر للأمن الوطني. وأثناء اليومين الأولين من استجوابه، صعقه العساكر بالكهرباء في عضوه الذكري وفي رأسه ولسانه. وفي اليوم الثالث علقوه من ذراعيه فأصيب بخلع في الكتفين. تركوه في ممر لثلاثة أيام، وكان الوقت شتاء، وكان يجلس على الأرض دون غطاء. ثم قال إنه نزل عدة طوابق تحت الأرض إلى زنزانة. وتصادف أن سجينا آخر في الزنزانة طبيب. وافق الجنود على شراء مضاد حيوي ودواء، وعالج الطبيب كتفيه.
بعد ثلاثة أسابيع من القبض عليه، دخل ضابط زنزانة حمزة في مقر الأمن الوطني فيما كان الطفل يتكلم مع محتجز آخر، وهو أمر محظور. أخرجه الضابط من الزنزانة وأجبره على الوقوف على أطراف أصابع قدميه مع وضع مسامير حادة تحت كعب قدميه. ظل على وضعه هذا لساعات، بحسب ما قال لقريبه.
على مدار الشهرين التاليين، تكرر تجديد نيابة أمن الدولة احتجاز حمزة. لم يتمكن من الحديث إلى محامٍ حتى حانت جلسته الثانية، بعد 48 يوما على اعتقاله. يحتوي ملف النيابة الذي اطلعت عليه بلادي وهيومن رايتس ووتش على تاريخ مزور لتوقيفه، وهو نفس يوم مثول حمزة لأول مرة أمام النيابة، وليس التاريخ الحقيقي الذي يسبق ذلك التاريخ بستة أسابيع تقريبا، عندما أوقف وأخفي قسرا.[17] وثّقت هيومن رايتس ووتش وبلادي استخدام تواريخ التوقيف المزورة في قضايا أخرى للاختفاء القسري. ثم أحالت النيابة قضيته إلى فرع الإرهاب بمحكمة جنايات القاهرة.
زارت الأسرة حمزة في معسكر الأمن المركزي مرة كل أسبوع، وكانت مدة الزيارة خمس دقائق تقريبا. يتوقعون نقله إلى السجن بعد أن يحل عيد ميلاده الـ 18، ومعه ثلاثة أطفال آخرين من المحتجزين معه في المعسكر. جاري احتجازه برفقة بالغين، على حد قول قريبه.
أثناء الاحتجاز سُمح لحمزة بدخول الاختبارات المدرسية، "وفي الصف الـ 11، كان الثاني على دفعته في المدرسة" لأن المعتقلين السياسيين المحتجزين معه ساعدوه في الدراسة، على حد قول قريبه. لكنه أجّل سنته الأخيرة بالثانوية "لأن ليس معه أحد يساعده الآن ولا يمكنه الدراسة".
وسام و.، 17 عاما
تم القبض على وسام تعسفا في ديسمبر/كانون الأول 2017. كان عمره 17 عاما حينئذ. احتجزته قوات الأمن لأكثر من عام قبل إخلاء سبيله. سبب اعتقاله غير معروف، وإن كان وقت القبض عليه في طريقه إلى مظاهرة في القاهرة، ضد القرار الأمريكي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. أمره رجل أمن بثياب مدنية بأن يسلمه بطاقته وهاتفه، ونقله إلى عهدة مجموعة من رجال الشرطة. أخذوا وسام إلى قسم للشرطة مع أربعة أشخاص آخرين لا يعرفهم، بينهم – بحسب وسام – "رجل كان يسير مع صاحبته وسأل الدورية كيف يذهب لعنوان معين، فقبضوا عليه".[18]
بعد يومين، نقلت الشرطة وسام إلى نيابة أمن الدولة، حيث قال إن المسؤولين هناك هددوه: "إذا تكلمت سندعك تخرج. إذا لم تتكلم فسوف نحبسك". وبعد استجوابه لست ساعات، حتى الثالثة فجرا، دون السماح له بمقابلة محامٍ، اعترف بالمشاركة في المظاهرة. تعرضت للاستجواب بشكل متصل على مدار الأيام التالية، وخلال تلك الفترة "لم يكن معنا شيء نأكله سوى بقايا طعام العساكر. كنا ندخل الاستجواب ونحن جوعى". أمرت نيابة أمن الدولة باحتجاز وسام 15 يوما، وكان لا يزال لم يقابل محام، واتهمته بالانضمام إلى تنظيم إرهابي.
بحث والدا وسام عنه في المستشفيات ومديرية الأمن، لكن لم تتمكن الأسرة والأصدقاء من معرفة مكانه طيلة ثلاثة أيام، إلى أن نُقل من النيابة إلى قسم الشرطة، حيث احتُجز خمسة أشهر إضافية. كانت مساحة زنزانته 3 x 3 أمتار، وبها 15 إلى 18 محتجزا، بينهم بالغون. قال وسام إن زنزانته كانت مكتظة بالسجناء لدرجة "أننا كنا ننام على ورديات: مجموعة تنام ست ساعات، وتبقى مجموعة أخرى مستيقظة". أدى الافتقار إلى النوم إلى زيدة مرضه العصبي المزمن، على حد قوله. استغرق الأمر عدة أسابيع قبل أن يوافق طبيب السجن على طلب الأسرة إدخال أدويته إليه. وقال إن الزيارات العائلية كانت لا تدوم لأكثر من خمس دقائق.
فيما بعد أحيل وسام إلى سجن بالقاهرة حيث كانت زنزانته أكبر، وتمكّن من النوم ليلا، وكان يُسمح له بالخروج إلى الهواء الطلق. وبدلا من إتاحة التعليم، "تعلمت في السجن صناعة عقود الزينة". أفرجت عنه السلطات في 2019 مع إلزامه بالذهاب إلى مركز الشرطة يوميا، لكن التحقيق الجنائي معه مستمر.
بدر ب.، 16 عاما
أوقفت قوات الأمن بمطار القاهرة بدر حين كان عمره 16 عاما في 2017، أثناء محاولته السفر للتعلم في الخارج، بحسب قريبته سوزان ب.، التي ذهبت معه إلى المطار لتودعه[19] "أخذه رجال الأمن بالمطار إلى مكتب خاص وقالوا إن الإجراءات معه ستنتهي سريعا. لم يظهر بعد ذلك. وبعد ساعات قال ضابط أمن وطني إن بدر قد نُقل إلى الأمن الوطني، ثم اختفى"، دون التوضيح إلى أي مقر نُقل، أو بأي مدينة، على حد قول سوزان.
عرضه عناصر الأمن على النيابة العامة في القاهرة بعد عدة أيام، لكن فقط بعد "أن تعرض لتعذيب شديد" على حد قول أسرته. زعمت السلطات أن بدر كان يخطط للسفر إلى سوريا للانضمام إلى "أحرار الشام"، وهي جماعة مسلحة معارضة للحكومة السورية.
لم يتمكن بدر من الاتصال بمحام أو بأسرته طيلة شهور، رغم أنه عُرض على النيابة. وبعد احتجازه في البداية بمنشأة للأمن الوطني، نقله الأمن إلى مركز شرطة حيث تم احتجازه مع البالغين، ثم إلى معسكر الأمن المركزي. ضربه حراس السجن وأصابوه في ظهره أثناء تفتيش من إدارة السجن، "لكن إدارة السجن رفضت علاجه إلى أن أصبحت حالته حرجة ولم يعد قادرا على الوقوف على قدميه"، على حد قول أحد أقاربه.
في الشهر التالي على احتجازه، اتصل رجال الأمن الوطني بإحدى قريبات بدر وأخبروها أن بإمكانها مقابلته في مقر للأمن الوطني. لكن قبض عليها الأمن الوطني لدى وصولها واتهموها في نفس القضية. قال أحد الأقارب الآخرين: "كانت تظهر في المحكمة مقيّدة بالأصفاد معه". احتجزت السلطات بدر وقريبته تعسفا لعدة أسابيع بعدما أمر القاضي بإخلاء سبيلهما في 2018.
قالت سوزان إنه بينما كان بدر محتجزا، طعنت أسرته أمام وزارة التعليم ليُسمح له بالاستمرار في الدراسة، لكن لم يُقبل الطلب. أفرجت السلطات عن بدر دون محاكمة بعدما قضى 19 شهرا في الاحتجاز. لم تتمكن أسرته من "إتمام الإجراءات اللازمة لكي يستأنف دراسته" و"راحوا يحيلونا من إدارة على إدارة بسبب موقفه السياسي"، على حد قول أحد الأقارب.
ماجد م.، 14 عاما وقت وقوع الجريمة المزعومة
في مطلع 2017، اعتقل عناصر أمن في سيارات مصفحة ماجد عندما كان في بيت أحد أقاربه. كان عمره 17 عاما وقت الاعتقال. بحسب أحد الأقارب، في اليوم السابق وهو في المدرسة، سأله مُعلم عن اسمه ثم أجرى اتصالا، وقال "ماجد معي"، ما يشير إلى أن أجهزة الأمن طلبت من المُعلم إخبارها بمكان الفتى. تكرر اتصال الأسرة بالسلطات، لكن لم تتمكن من معرفة مكان احتجازه إلا بعد مرور أربعة أشهر.
عرفت الأسرة بمكانه عندما مثل أمام النيابة بعد أكثر من أربعة أشهر على احتجازه.[20] وصف ماجد الانتهاكات التي تعرض لها في الاحتجاز حين قابل الأسرة، التي تعتقد أن ما تعرض له يرقى لمصاف التعذيب. في الاحتجاز، على حد قوله: "تعرضت للإهانة، وحدثت لي أشياء كثيرة"، بحسب أحد أقاربه. قاوم إطلاعهم على التفاصيل، لكنه أعرب عن خوفه من تبعات التعذيب: "إذا أفرجوا عني، قد لا أتمكن من الزواج أو أن أُرزق بأطفال ".
بعد القبض عليه تعسفا، واحتجازه في مكان سري، أحالت السلطات ملف ماجد إلى المحكمة العسكرية أواخر 2017. اتُهم بقتل رجال شرطة، والتحريض على القتل، وحيازة أسلحة بصورة غير قانونية، والعضوية في حركة "حسم" المسلحة المحظورة، ومحاولة قتل النائب العام المساعد. وقعت الجرائم المزعومة في 2014 و2015، عندما كان ماجد يبلغ من العمر 14 عاما لا أكثر.
كان من بين أكثر من 300 مدعى عليهم، و25 منهم كانوا أطفالا وقت وقوع الجرائم المزعومة في القضية، المعروفة بالقضية 64 عسكرية لعام 2017، وتنظرها المحكمة الجنائية العسكرية.[21] كان يمكن أن يواجه ماجد وأطفال عديدون آخرون عقوبة الإعدام، لكن أخلي سبيلهم من قبل محكمة عسكرية في 9 مارس/آذار 2020.
طبقا لتحليل أجرته بلادي والجبهة المصرية لحقوق الإنسان لوثائق النيابة الخاصة بـ 130 مدعى عليهم في القضية العسكرية 64، قال 120 مدعى عليهم إنهم تعرضوا للإخفاء القسري، وقال 77 شخصا إنهم تعرضوا للتعذيب البدني أو النفسي.[22] استعرض الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي معاملة أربعة أطفال في القضية، ودعا إلى إطلاق سراحهم فورا من الاعتقال التعسفي، ملاحظا من جملة انتهاكات أخرى أنهم لم يبلَّغوا بالتهم الموجهة إليهم طوال 56 إلى 95 يوما، وأنهم احتُجزوا دون عرضهم على قاضٍ بين 339 إلى 439 يوما.[23]
راوغ مسؤولو الأمن في الإجابة على الأسئلة أمام المحكمة العسكرية حول تاريخ اعتقال ماجد، وكانت إجاباتهم الصريحة لتؤدي إلى إثبات اختفاءه القسري، على حد قول أحد أقاربه، الذي أضاف: "حضرت جلسة بالمحكمة وسأل القاضي أحد رجال الأمن الوطني عن تاريخ توقيفه، فقال: لا أتذكر، لا أعرف".
أحالت السلطات ماجد إلى سجن شديد الحراسة في 2017، حيث تعرض لعدة قيود تنتهك حقه في استقبال الزيارات الأسرية وزيارات المحامي وتحضير الدفاع، بحسب الأسرة. قال أحد الأقارب: "لم يتمكن من مقابلة محاميه حتى اليوم. لم يُسمح للمحامي بزيارته في السجن، وكانت زيارات السجن ممنوعة على الأسرة. عندما تكون أمام الجيش، فأنت في جحيم". اطلعت هيومن رايتس ووتش وبلادي على رسائل كتبتها الأسرة إلى سلطات السجن تطلب فيها السماح بزيارة ماجد، لكن دون جدوى. لم يُسمح لماجد بالاتصال بأسرته، على حد قولهم: "لا نعرف [أي شيء] عن المعاملة في الحبس. لا نعرف شيئا عن أسباب توقيفه. ودائما ما نسأل لماذا، لكن دون إجابة".
لا تراه أسرته إلا في "الصندوق الزجاجي العازل للصوت" الخاص بالمتهمين في جلسات المحكمة، لكن القاعة تكون مزدحمة للغاية بسبب العدد الكبير للمدعى عليهم، بحسب قول أحد أقاربه. "كل مرة نراه من على بُعد 12 أو 13 متر، يفصلنا عنه زجاج، وحاجز معدني، ثم طبقة زجاج أخرى. كل الكلام بيننا يكون بالإشارة". وفي الجلسات، تمكن الفتى من تعريف الأسرة ببعض احتياجاته في الحبس، فتترك الأسرة له احتياجاته في "صندوق الأمانات" في السجن مرة في الشهر، "أشياء مثل القمصان أو السراويل، والأدوية والفيتامينات التي تعوّض عدم التعرض للشمس".
كان ماجد في السنة النهائية بالثانوية العامة وقت القبض عليه. لم يتمكن من استكمال السنة الدراسية بسبب اختفائه المطول. ثم وبعد إحالته إلى السجن في العام التالي، سُمح لماجد بدخول اختباراته في مادتين، لكن سلطات السجن "لم تسمح لنا بإعطائه كتب في السجن" على حد قول قريب له. اطلعت هيومن رايتس ووتش وبلادي على فاكسات أرسلتها عائلة ماجد إلى مسؤولي السجن على مدار فترة احتجازه، لطلب السماح له بدخول الاختبارات. رسب ماجد في الاختبارات التي مُنع من الدراسة لها. ذهبت الأسرة إلى إدارة المدرسة الثانوية، التي قالت إن قواعد دخول الجامعة تقتضي عدم إعادة اختبارات الثانوية أكثر من مرتين، من ثم فلديه فرصة واحدة إضافية لدخول الاختبارات. "لذا قررنا تأجيل الاختبار وندعو الله أن يعينه".
عمرو أ.، 16 عاما وقت وقوع الجريمة المزعومة
اعتُقل عمرو بدوره في قضية قضاء عسكري 64 لعام 2017، مع اتهامه بجرائم وقعت في 2015، وهو في سن 16 عاما. أوقفه عناصر أمن بثياب مدنية في أغسطس/آب 2016، دون إبراز مذكرة توقيف، وهو في طريقه إلى درس خصوصي ببلدته في دلتا النيل، بحسب أسرته. كان عمره 17 عاما وقت توقيفه. عصبوا عينيه وأخذوه إلى قسم الشرطة حيث قضى ليلة واحدة، ثم احتُجز نحو ثلاثة أشهر في منشأة تابعة للأمن الوطني. بحسب أفراد من العائلة ومصدر آخر، عذب عناصر الأمن عمرو، واحتجزوه مع بالغين، ولم يعرضوه على أي مسؤول قضائي. لم تعرف أسرته بمكانه خلال تلك الفترة. وقد تلقوا مكالمات هاتفية مقلقة، على حد قول أحد أقاربه: "أكثر من مرة تصلنا مكالمات تقول: تعالوا خذوا جثته من القاهرة... وقال أحدهم في مكالمة أخرى: تعالوا إلى المستشفى. وزعم أحد المتصلين أنه حي، ثم يزعم آخر أنه ميت. لم نعرف هوية المتصلين".[24]
بعد أكثر من ثلاثة أشهر، في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، عرفت أسرة عمرو أنه مثل أمام نيابة أمن الدولة في القاهرة. ثم نُقل من الاحتجاز لدى الأمن الوطني إلى منشأة للأحداث. قال قريبه:
وصل هناك الساعة 2 صباحا. سمح له الأخصائي الاجتماعي بالاتصال بي على الهاتف. قال لي: "هاتوا لي كل الطعام المغذي. لم آكل منذ ثلاثة أشهر"، فجلبنا له طعام، وثياب، ومعجون أسنان، ومراهم للتقرحات والجروح التي تعرض لها بسبب غياب النظافة. كان قد فقد الكثير من الوزن. عندما رأيته لم أكن متأكدا: أهذا ولدي أم لا؟... كان يرتدي نفس الثياب منذ ثلاثة أشهر، لا حمام، لا ماء، لا شيء". رفض إخباري بما حدث له [أثناء الاحتجاز طرف الأمن الوطني] حتى لا أحزن، لكن ما عرفته منه أنهم لم يعرضوه على النيابة حتى اختفت آثار التعذيب.
زارت الأسرة عمرو في مركز احتجاز الأحداث مرة أسبوعيا، وكانوا يسافرون خمس ساعات ثم ينتظرون ساعة، ليقابلوه 30 أو 45 دقيقة. احتُجز في زنزانة مع 10 أطفال آخرين، وكان يُسمح لهم بالخروج من الزنزانة ساعتين يوميا للتريّض، وبدأ يتعافى من مرضه الذي تعتقد أسرته أنه أصيب به بسبب تدهور مستوى النظافة في مكان احتجازه السابق. في 2017، أحالت نيابة أمن الدولة قضيته إلى القضاء العسكري ضمن القضية 64، على حد قول أحد أقاربه.
لدى بلوغ عمرو سن 18 عاما، أحيل من منشأة الأحداث إلى مركز شرطة آخر، حيث تم احتجازه لأكثر من شهر. كان يُسمح له بالخروج من الزنزانة وقت زيارة الأسرة فقط، وقال لأسرته إن الزنزانة مزدحمة لدرجة أنه لا يتمكن في أحيان كثيرة من النوم. طبقا لأقارب عمرو، فإن الشرطة إما تسرق الطعام والأدوية والمواد الأخرى التي يجلبوها له، أو لا تسلمها له. عندما كانوا يجلبون صابونة لعمرو، "كنا نكسرها إلى قطعتين، لأنها إذا ظلت سليمة فإنهم [الحراس] سيأخذوا الصابونة ويبيعوها للسجناء بالداخل".
انضم إلى إضراب عن الطعام للمطالبة بظروف أفضل، لكن السلطات بمركز الشرطة أحالته إلى "سجن العقرب" شديد الحراسة في القاهرة.[25] قال أحد أقاربه إن سجينا آخر محتجز مع عمرو تمكن من إيصال رسالة إلى أمه، قال فيها إن المحتجزين يُحرمون من الطعام والماء الكافيين عقابا لهم على الإضراب عن الطعام.
في السجن، يُسمح للأهالي بإرسال نقود للمحتجزين لاستخدامها في مقصف السجن، لكن نحو% 60 فقط من النقود تصل إلى المحتجزين، على حد قول قريب عمرو. بعد تفتيش الزنازين بإمعان، قام حراس السجن ذات مرة بتجريد عمرو والسجناء الآخرين من ممتلكاتهم، باستثناء "الثياب التي كانوا يرتدونها، وبطانية واحدة" بحسب رسائل أرسلت من سجناء عديدين إلى الأهالي.
منذ اعتقال عمرو، تمكّنت أسرته من رؤيته مرة واحدة أثناء جلسات المحاكم. قال أحد أقاربه إن أثناء الجلسات يفصلهم عن عمرو مسافة عشرة أمتار، و"هناك صف من رجال الشرطة يقفون إلى جوار القفص، والأهالي على الجانب الآخر، وهناك نافذة عليها أسلاك أمامهم، والصوت لا يصل. علينا التواصل بلغة الإشارة، لكن لا نفهم كل شيء". عمرو، بالإضافة إلى أطفال آخرين عدة، كانوا يواجهون عقوبة الإعدام، لكن برّأتهم محكمة عسكرية في 9 مارس/آذار 2020.
زياد ز.، 15 عاما
أوقفت قوات الأمن زياد، ين كان عمره 15 عاما، في مطلع 2015، أثناء مظاهرة في القاهرة، فيما كان يرافق شخصا مصابا إلى مستشفى الزيتون، بحسب أسرته. قال قريب له لـ هيومن رايتس ووتش:
قضينا ثلاثة أيام لا نعلم أين هو، أو أي شيء عنه، وبحثنا في المستشفيات. كان طفلا وليست معه بطاقة شخصية أو أي شيء. قالوا إن هناك حالات وفاة مجهولة في المستشفيات. بعد ثلاثة أيام، اتصل بنا شخص وقال: "ابنكم في القسم [مركز الشرطة]".[26]
قام عناصر الأمن بضرب، وصعق، وتهديد زياد على مدار ثلاثة أيام من الاستجواب والتعذيب، قبل عرضه على النيابة العامة، على حد قول قريبه. اطلعت هيومن رايتس ووتش وبلادي على وثيقة تُظهر طلب زيد الرعاية الطبية في قسم الشرطة، حيث وطبقا لأقاربه، قال الصبي إن العناصر علقوه من ذراعيه لتعذيبه، في حجرة يسميها السجناء "التلاجة". وصفت قريبة لزيد شكله عندما رأته بعد ذلك:
كان جسمه كله منتفخا نتيجة للضرب المبرح. كان مصابا في ساقيه وهناك ندبات على باطن قدميه، وانتفاخ. وكان لون النصف العلوي من قدميه – حفظك الله – أسود اللون، وهناك جرح كبير. كان مصابا بالحمى ويشعر بالإرهاق طوال الوقت. ما كان ليوافق أي طبيب على دخول قسم الشرطة ليكشف عليه، فذهبنا إلى المسجد ووجدنا طبيبا عسكريا وافق على الذهاب معنا.
بعد أن عرضت الشرطة زياد على النيابة العامة، استُجوب دون وجود محامي. لم تعرضه النيابة على محكمة الطفل، لكن أمرت باحتجازه مع البالغين وكان في القضية نفسها 30 شخصا بالغا، على حد قول أحد أقاربه.
أمر القضاة مرتين بإخلاء سبيل زياد، لكن في النهاية حكموا بقبول استئنافات النيابة باستمرار حبسه. حكمت محكمة جنايات بالقاهرة على زيد بالسجن عشر سنوات بناء على اتهامات بالمشاركة في مظاهرات غير قانونية وارتكاب أعمال عنف والانضمام إلى تنظيم إرهابي، وتخريب ممتلكات خاصة وعامة.
احتُجز زياد عامين في قسم شرطة، وعاما آخر في قسم شرطة آخر، ثم أحيل إلى القسم الأول مجددا. وكانت الزنازين مزدحمة للغاية. وعلى مدار 12 يوما أثناء عامه الثالث رهن الاحتجاز، لم يتمكن من الجلوس أو النوم في زنزانته بالمرة. قال قريبه: "كان في الزنزانة حينئذ 150 شخصا، وكانوا يتبادلون الأدوار في النوم".
فراس ف.، 14 عاما
فراس، وهو طالب بالمدرسة، كان عمره 14 عاما عندما اعتقلته الشرطة في 2014 من بيته في القاهرة، بتهمة ارتداء تي-شيرت عليه كتابات تنتقد الحكومة.[27] وصف أحد أقاربه كيف داهمت قوات الأمن البيت بعنف و"أحدثوا جلبة وكأنه زلزال".[28] "قلت لهم خذوني واتركوه، لكنهم أخذوني إلى تحت، ثم دفعوني جانبا وأخذوا فراس".
تبعت الأسرة سيارة الشرطة إلى القسم. ورغم أنهم مُنعوا من الحديث إليه، نقل رجل شرطة رسائل بينهم وسمح للأسرة بتقديم بعض مستلزمات النظافة الشخصية والطعام للصبي. اعتقلت الشرطة عدة أطفال آخرين في نفس القضية، على حد قول والده، لأنهم كانوا يرتدون تي-شيرت "ألتراس نهضاوي"، وهي مجموعة مؤيدة للإخوان المسلمين المحظورة، وكذلك تي-شيرت يؤيد عمرو حسين، وهو عضو بألتراس الزمالك، قتلته قوات الأمن في 2013. فيما بعد، نقلت السلطات فراس إلى معسكر الأمن المركزي حيث لم يتمكن من رؤية أسرته لأسابيع، وتم احتجازه مع البالغين. هناك محام يمثل فراس ومحتجزين أطفال آخرين قال لـ هيومن رايتس ووتش إنه حينئذ كان هناك ما يُقدر بـ 160 طفلا في المعسكر.[29] وبعد أربعة أشهر رهن الاحتجاز، أخرجت السلطات فراس دون تهم.
قبض الأمن على فراس مرة أخرى في أواخر 2016 بتهمة الانضمام إلى تنظيم إرهابي ونشر معلومات كاذبة "لبث التشاؤم" وترويع السلم. أتى قبل الفجر إلى بيته رجال في ثياب مدنية، في سيارات مصفحة، وخرّبوا الأثاث وسرقوا بعض النقود، وصادروا الهواتف الخلوية. طبقا لقريب له كان حاضرا: "هددوا بقتله إذا تحدثنا" عما حدث من مخالفات أثناء المداهمة. لم تتمكن أسرة فراس من معرفة مكانه لشهر، حتى عرفوا أنه سيُعرض على النيابة بمدينة شمال القاهرة. عندما قابلوه هناك، قال إنه احتُجز في مقر للأمن الوطني، حيث ضربه العناصر وعذبوه بالكهرباء.
ثم نقلته السلطات إلى قسم شرطة، حيث تمكن من استخدام هاتف خلوي و"تمكنت الأسرة من التواصل معه في المساء بعد الغروب"، على حد قول قريب له. احتجزته السلطات بقسم الشرطة مع البالغين، ونُقل إلى سجن "ما إن بلغ 18 عاما" على حد قول أسرته.
لا تضم سجلات المحكمة ما يشير إلى اعتراف فراس، رغم التعذيب. احتجزته السلطات لأكثر من ثلاث سنوات في الحبس الاحتياطي، في مخالفة للقوانين المصرية، التي تسمح بالحبس الاحتياطي بحد أٌقصى عامين. لم يتمكن من حضور جنازة أمه عندما ماتت في يناير/كانون الثاني 2018، على حد قول قريب له. أُفرج عنه بتدابير احترازية بحكم محكمة في النصف الثاني من 2019.
يوسف ي.، 13 عاما
كان يوسف تلميذا بالمدرسة الإعدادية، عمره 13 عاما، عندما قبضت عليه قوات من الجيش والشرطة في بدايات 2015. قال أحد الجيران وقد شهد على المداهمة: "بدا أن القوات مترددة بعدما وجدوه طفلا" ثم سمع رجال الأمن يطلبون عبر اللاسلكي تأكيد أمر الاعتقال "إلى أن سمعت شخصا عبر اللاسلكي يقول: هاتوه".[30]
قال أحد الأقارب إن الأسرة اعتقدت أن قوات الأمن نقلت يوسف إلى مديرية الأمن، لكن عندما ذهبوا ليسألوا عنه، قيل لهم إنه نُقل إلى السجن. ثم نُقل إلى قاعدة عسكرية، كما عرفت الأسرة لاحقا. أول مرة تمكن الفتى من مقابلة أسرته كانت بعد 13 شهرا من القبض عليه، في 2016، بعد أيام من مثوله أمام نيابة أمن الدولة. حتى ذلك الحين، كان رد المسؤولين على أسئلة أسرته هو أنهم "أنكروا وجوده بالأساس"، على حد قول أحد الأقارب. هناك محتجز سابق رأى يوسف في سجن العزولي داخل قاعدة الجلاء العسكرية في الإسماعيلية، وهو مركز احتجاز سري، قال إن الفتى "عومل معاملة سيئة" هناك.[31]
أضيف يوسف كمتهم إلى قضية نيابة أمن دولة 502 لعام 2015، بدعوى ارتكابه جرائم منها التخطيط لـ 27 هجمة وتنفيذها، ومنها محاولات اغتيال للرئيس السيسي وولي العهد السعودي السابق محمد بن نايف، ضمن أنشطة ولاية سيناء، وهي جماعة مسلحة تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية )داعش(.[32] وقعت الكثير من الجرائم المزعومة بينما كان يوسف محتجزا لدى السلطات خلال اختفائه 13 شهرا. طبقا لقريب له ولمحامي، فإن أوراق النيابة ذكرت كذبا أن يوسف اعتقل في 2016، قبل عرضه على النيابة بقليل، على ما يبدو للتظاهر بأن احتجازه يتفق مع المطلب الدستوري بعرض المتهم على النيابة في ظرف 24 ساعة من القبض عليه.[33]
ضمت القضية 502 لعام 2015 أكثر من 290 متهما، بينهم عشرة أطفال على الأقل. في 21 يونيو/حزيران 2015، أحالت نيابة أمن الدولة القضية 502 إلى القضاء العسكري.[34] في أغسطس/آب 2017، قررت المحكمة العسكرية إخراج الأطفال العشرة من القضية، وبينهم يوسف، وإعادتهم إلى نيابة أمن الدولة.[35] قال قريب ليوسف حول الأطفال في القضية: "كنا ننتظر إخلاء سبيلهم، لكن فوجئنا بأنهم أعيدوا إلى القضية [قضية أمن الدولة]".
في 2016، أحالت السلطات يوسف وكان عمره حينئذ 15 عاما، إلى سجن المستقبل في الإسماعيلية حيث احتُجز مع البالغين. قال قريب له: "اعتبر السجن الجديد فندق خمس نجوم، لأنه رأى الكثير وتعرض للكثير".
قال إنه [السجن السابق] كان الأسوأ. بعدما خرج حاول أن يصبرنا ويقول لنا: "طالما ما زلت بعقلي فأنا بخير. طالما أنا خارجه [أي السجن القديم] فاعتبروني في البيت" كان يُصاب بحالات عصبية وينتفض، لكن الحمد لله اختفت تلك الحالات تدريجيا.
مع أن يوسف كانت لديه أعراض عصبية، رفض مسؤولو السجن في البداية طلبات أسرته بعرضه على طبيب دماغ وأعصاب، رغم إحالة من طبيب إلى استشاري أمراض عصبية. بعد أكثر من 14 شهرا من نقله إلى "سجن المستقبل"، وافقت النيابة العسكرية على الطلب. يكشف عليه طبيب السجن مرة في الشهر ولا يكتب له سوى مسكنات للآلام، على حد قول أسرته. ويمكنهم زيارته مرة أسبوعيا.
رغم أن التعليم إلزامي في مصر حتى سن 15 عاما، فقد رفضت السلطات إتاحة التعليم ليوسف بالمرة، ولم يتمكن من دخول اختباراته على مدار أول عامين من احتجازه، كما قالت أسرته، وهذا رغم طلبات مكتوبة تقدمت بها لإدارة السجن. لم يتمكن من دخول اختباراته أثناء سنته الأولى وراء القضبان، "لأنه لم يكن محتجزا رسميا"، إذ كان احتجازه غير قانوني. وبعد نقله إلى سجن المستقبل، اتبعت أسرته إجراءات مطولة، استغرقت عاما آخر، حتى حصلت على إخطار بأنه تعرض للاحتجاز، وما يثبت من مدرسته أنه تلميذ فيها، وشهادة بأنه بحاجة إلى دخول اختباراته. أتم عامه المدرسي واختباراته الخاصة بالسنة التاسعة من التعليم الأساسي وهو محتجز.
في 2018، أمرت نيابة أمن الدولة بالإفراج المشروط عن الأطفال في قضية 502، وبينهم يوسف، بعد أن أحيلت القضية إلى المحاكمة في 2019 ألغت محكمة التدابير الاحترازية وأمرت بالإفراج الكامل عن الأطفال، بحسب تقارير إعلامية مصرية.[36]
طارق ط.، 16 عاما
واجه طارق اتهامات في ثلاث قضايا مختلفة، على ما يبدو لإبقائه محتجزا منذ القبض عليه في سن 16 عاما في يناير/كانون الثاني 2014. في أحدث القضايا، حبسته السلطات احتياطيا لأكثر من 30 شهرا، في مخالفة للقوانين المصرية التي تحدد مدة الحبس الاحتياطي بعامين كحد أقصى.[37]
في يناير/كانون الثاني 2014، بعد أشهر قليلة من اعتقال الشرطة أبيه، وهو محام كان يدافع عن المعتقلين السياسيين، رافق طارق قريبا له لزيارة أشخاص في بيتهم، وقت أن داهمته الشرطة، بمدينة في شمال مصر. قال أحد أقاربه: "كانوا يعرفون أنه طفل، وراحوا يسألون: أين والده، لكن عندما اكتشفوا من هو أبوه، أخذوه إلى السجن" ومعه أربعة بالغين آخرين. طارق، الذي تدعم أسرته الإخوان المسلمين، اتُهم بالانضمام إلى تنظيم محظور، مع عشرات الأطفال والشبان الآخرين.
بعد عام تقريبا، حكم قاضٍ ببراءة طارق وأمر بالإفراج عنه، لكن في تلك الأثناء أصدرت النيابة اتهامات جديدة تعود إلى احتجازه السابق في يناير/كانون الثاني 2014. احتُجز مع عشرات الأطفال الآخرين في مؤسسة للأحداث، بحسب قريب له وبموجب أوراق القضية. قال قريب طارق: "عرف الأطفال أن السلطات ستنقلهم إلى مؤسسة أحداث أخرى في القاهرة. أغلق بعضهم باب الزنزانة وحاولوا منع الشرطة من الدخول". ضربتهم واستخدمت سيارة واحدة في نقلهم جميعا، رغم كثرة عددهم، إلى مركز الاحتجاز.[38] حُكم على طارق مثل الأطفال الآخرين في القضية، بالسجن عامين بتهمة التحريض على أعمال الشغب ومهاجمة رجال الشرطة، بحسب تقارير إخبارية وبناء على أوراق النيابة التي أمدت الأسرة هيومن رايتس ووتش بها. بدأ طارق بقضاء عقوبته في منشأة الأحداث.
كان طارق طالبا في الثانوية وقت القبض عليه، وقد التمس من وزارة التعليم أن توجه منشأة احتجاز الأحداث إلى السماح له بدخول اختباراته المدرسية، لكن لم تتم الموافقة على طلبه. حين أصبح في سن 18 عاما، نقلته السلطات من منشأة الأحداث إلى سجن، حيث نجحت أسرته في إدخال الكتب المدرسية إليه، لكن الدراسة صعبة، على حد قول أحد الأقارب: "لا يوجد معلمون. الزنزانة مساحتها 4 x 4 أمتار، وبها مرحاض في ركنها، وداخلها 25 شخصا، أو أسوأ، ربما 40 شخصا. لا يوجد مكان للدراسة". كان طارق وسط فترة اختبارات الثانوية عندما أتم سنته الثانية من عقوبة السجن، بحسب قريب له وبحسب سجلات المحكمة التي قدمتها الأسرة لـ هيومن رايتس ووتش، لكن سلطات السجن نقلته إلى منشأة أخرى لمدة خمسة أيام، لمنعه من الانتهاء من جميع اختباراته ذلك العام.
كان يجب إخلاء سبيل طارق في 2017، لكن النيابة اتهمته بجرائم جديدة أخطر: المشاركة في مظاهرة خرّبت مبنى حكوميا. يُزعم أن هذه الجريمة وقعت في 2016، عندما كان طارق محتجزا في منشأة الأحداث. نُقل إلى سجن مشدد الحراسة وحوكم أمام محكمة عسكرية. قال قريب لطارق حينئذ: "الشاهد الوحيد [ضده] كان رجل شرطة لم يظهر عندما استدعته المحكمة". حكمت المحكمة العسكرية بأنها غير مختصة بالتحقيق في القضية وأحالتها مرة أخرى إلى نيابة أمن الدولة، التي بدأت جلساتها في 2019 وأمرت باستمرار حبس طارق احتياطيا. يدرس طارق التجارة الأعمال بالمراسلة مع جامعة خاصة.
محمود م.، 16 عاما
اعتقل عناصر الأمن الوطني محمود م. في 2017 وأخفوه قسرا، بعد شهور من صدام قوات الأمن مع سكان بلدته في دمياط. كان عمره 16 عاما حينئذ. قال أحد أقاربه: "اختفى لنحو ثلاثة أشهر قبل أن يتصل بنا أحدهم ويقول: محمود في النيابة".[39] قُبض عليه من البيت، لكن النيابة ذكرت في تقريرها كذبا أن الشرطة أوقفته في اجتماع انعقد للتخطيط لمظاهرات وللتحريض على العنف، على حد قول قريبه. اتهمت النيابة العامة محمود بالانضمام إلى تنظيم إرهابي وحيازة أسلحة بصورة غير قانونية.
قال قريبه إن عناصر الأمن الوطني: "قضوا ثلاثة أيام يعذبونه باستخدام كافة أنواع التعذيب، من الصعق بالكهرباء والضرب بالعصي المعدنية، وعلقوه رأسا على عقب من قدميه". وأضاف: "لثلاثة أيام، لم يرَ النور". ثم نُقل إلى معسكر للأمن المركزي حيث، وطبقا لقريبه، حُرم من الطعام الكافي، ووضع في الحبس الانفرادي مع حرمانه من دورة المياه، وتكرار ضربه وإهانته.
ثم نقلته السلطات إلى مركز شرطة قريب من بلدته. بعد ثلاثة أشهر من القبض عليه، أسقطت عنه جميع الاتهامات وأخلي سبيله، لكن قريبه قال إنه بسبب استهدافه من قبل الأمن مرة، فالأسرة تخشى على مستقبله.
بلال ب.، 17 عاما
قُبض على بلال ب. في 2018 من قبل رجال قالوا إنهم من الأمن الوطني، وادعّوا أنهم يريدون التحقيق معه في مركز الشرطة. كان عمره 17 عاما حينئذ. على مدار الأيام الأربعة التالية، وُضع بلال – وكان طالبا بالثانوية – في الحبس الانفرادي مع عزله عن العالم الخارجي. قال: "لم أعرف شيئا عن والديّ ولم يعرفا شيئا عني". لم يتمكن بلال من التواصل مع محام ولم يعرف بالاتهامات المنسوبة إليه. ثم نقلته السلطات من قسم الشرطة إلى منشأة للأمن الوطني، والمكانان في القاهرة. قال بلال إن في منشأة الأمن الوطني: "ربطوني بكرسي لثلاثة أيام" ما سبب ألما بالغا. "كان يدخل شخص كل بضع ساعات ويسألني بعض الأسئلة، ويسبّني ثم يغادر". طلب عدم نشر معلومات إضافية عن قضيته. قال: "أنا خائف. هددوني وقالوا لا تتكلم عن الموضوع أبدا".
شريف س.، 16 عاما
كان شريف عمره 16 عاما عندما أوقفته الشرطة في 2015، بعدما صوّر مظاهرة في القاهرة الكبرى.[40] قال لـ هيومن رايتس ووتش إنه أصيب بحروق في رأسه ويديه عندما ألقى المشاركون في المظاهرة زجاجات "مولوتوف" على واجهة إحدى الشركات.
فر شريف من المنطقة لكن سقط منه هاتفه الخلوي، الذي عثرت عليه الشرطة فتعقبته إلى بيته، وقبضت عليه ووضعته في ميكروباص بدون ألواح أرقام. أخذوا شريف بالسيارة وهو ملفوف بالضمادات بسبب حروقه إلى قسم الشرطة، حيث ضربه رجل شرطة على رأسه بهراوة.
قال رئيس المباحث في قسم الشرطة الذي تم احتجاز شريف فيه للفتى إنه سيُخلى سبيله إذا اتصل بمتهم آخر وخدعه حتى يقبضوا عليه، لكن عندما اتصل شريف بالمتهم، حذره قائلا إنه يكلمه من قسم الشرطة. وبسبب عصيانه هذا، "انفتحت أبواب جهنم"، على حد قول الصبي. أضاف: "بدأوا حوالي الساعة 11 ليلا واستمروا حتى الساعة 3 فجرا. ضربوني على حروقي وكهربوني [بالعصي المكهربة]". عندما طلب الصبي الرعاية الطبية، "ردت الشرطة بأن ضربتني ضربا مبرحا" على حد قوله.
وصف شريف بالتفصيل كيف تم تعذيبه طيلة أربعة أيام مع حرمانه من الرعاية الطبية وتغيير الضمادات، لإجباره على الاعتراف. فقد وعيه أكثر من مرة بسبب الألم. وفي اليوم الرابع فقد وعيه بعدما قام رجل ذكر رجال الشرطة بالقسم أنه ضابط أمن وطني، بتقييد معصميه معا بالأصفاد وراء ظهره، ثم قيد كاحليه وأرجع ظهره للوراء واستخدم مجموعة أصفاد ثالثة في تقييد يديه بقدميه. ثم هددته الشرطة حتى يعترف، في بيان مسجل بالفيديو، بأنه حصل على نقود لتصوير مقاطع فيديو والتقاط صور تحضيرا لقيام عضو تنظيم تابع للإخوان المسلمين بإحراق بنايات ومؤسسات مهمة.
عندما عرضت الشرطة شريف على النيابة أخيرا، بعد أيام من القبض عليه، ضربه عنصر آخر من أمن الوطني في حضور وكيل النيابة، على حد قوله. تكرر تجديد النيابة لحبسه فترات 15 يوما، ثم 45 يوما.
قال شريف لـ هيومن رايتس ووتش إن الشرطة احتجزته أربعة أشهر في زنزانة مزدحمة بالنزلاء بقسم الشرطة، مع مشتبهين جنائيين بالغين، قبل نقله إلى معسكر للشرطة يُستخدم كسجن. قال: "أنهيت اختبارات المدرسة الثانوية في السجن"، كما فعل خمسة أشخاص آخرين كانوا معه قُبض عليهم وهم في سن الطفولة، على حد قوله.
قال شريف إن محكمة أمرت بإخلاء سبيله بكفالة 5 آلاف جنيه مصري (321 دولار) في أغسطس/آب 2016. بعد إخلاء سبيله، حصل على منحة دراسة جامعية بالخارج وتمكن من الفرار من مصر. ومن المتوقع صدور حُكم في القضية في مارس/آذار 2020.
إضافة إلى المذكور، أضافت النيابة العسكرية فيما بعد اسم شريف إلى قضية عسكرية متهم بها عدة أفراد بالعضوية في تنظيم إرهابي هاجم فرع مصرف وماكينة صرف آلي في مطلع 2015، قبل الهجوم الآخر الذي اتُهم فيه شريف بقليل. تبين أن شهادات الشهود الثلاثة ضد شريف في ملف قضيته العسكرية – وقد اطلعت عليها هيومن رايتس ووتش – لم تذكره أو أي من المتهمين، إنما ورد في الشهادات وجود تجمهر من حوالي 500 شخص مجهولين يرتدون أقنعة، اقتحموا بناية وأضروا بالبنك وماكينة الصرف الآلي بزجاجات المولوتوف. لا توجد إشارة إلى هذه الهجمات ضمن اتهامات المحكمة المدنية ضد شريف أو في اعترافه المنتزع بالإكراه. لم تدّع النيابة العسكرية أن الهجمات أصابت أفراد أمن أو مدنيين. وفي 2017، أدانت المحكمة العسكرية شريف غيابيا وحكمت عليه بالسجن عشر سنوات.
قال شريف إن محاميه أخطره في 2019 بأن محكمة أضافت اسمه إلى "قائمة الإرهاب"، لكن لم تكن لديه معلومات إضافية. وضعت المحاكم المصرية آلاف الأفراد على قوائم "الإرهابيين" دون إخطار مسبق أو فرصة للطعن على هذه الإضافة للقوائم أمام المحكمة، ما عرضهم لتجميد الأصول، وحظر السفر، وإلغاء جوازات سفرهم.[41]
اضطر شريف لإيقاف دراسته الجامعية بالخارج عندما طلبت منه السلطات بالدولة التي سافر إليها أن يقدم تقريرا من الشرطة المصرية يفيد بخلو سجله الجنائي من الجرائم، على حد قوله. غادر الدولة وهو الآن في دولة ثالثة يلتمس فيها اللجوء.
يحيى ي.، 17 عاما
في 2015، بعد عيد ميلاده الـ 17 بقليل، كان يحيى يشتري الآيس كريم ببلدة على دلتا النيل، عندما أمسك به ثلاثة رجال شرطة في ثياب مدنية ورموه في ميكروباص. كانت الشرطة تتعامل مع مظاهرة قريبة، لكن يحيى لم يشارك بها و"لم أكن أعرف حتى ماذا يحدث إلى أن قام شخص [في الميكروباص] بضربي بقوة على قفا رأسي وقال لي أن أجلس واضعا يدي فوق رأسي".[42]
في قسم الشرطة، جرجر رجال الشرطة يحيى للطابق العلوي من شعره، وهو معصوب العينين، وضربوه على رأسه بهراوة مكسوة بالجلد "60 أو 70 مرة". قيدوا يديه وراء ظهره ورفعوا يديه وعلقوه فانخلع كتفاه. اتهمته الشرطة بتخريب ممتلكات عامة وكهربوه "على رأسي وأذني وأصابع قدمي ويدي وفي العضو الذكري والشرج" أكثر من مرة. أجبره رجل شرطة على فتح فمه "وبصق في فمي ثم أغلقه لكي ابتلع البصقة".
قال يحيى إنه احتُجز في البداية في حجرة صغيرة بقسم الشرطة مع ثمانية رجال، وكانوا مقيدين بالأصفاد إلى بعضهم البعض. كان الوقت منتصف الشتاء لكن الشرطة "جعلتنا ننام [في حجرة غير مدفأة] والنوافذ مفتوحة" و"كان هناك رجل مسنّ مقيد بي تبوّل على نفسه بسبب البرد". وبعد سبعة أيام، أدلى يحيى باعتراف كاذب في مقطع فيديو واعترف فيه بمعرفة المتهمين، لكن في الحقيقة "لم أكن أعرف سوى [بعض] هؤلاء الرجال". أوقف رجل شرطة يحيى ومحتجزين آخرين إلى جوار بندقية آلية ومواد كيميائية وأخذ صورا لهم.
مثل أمام النيابة بعد خمسة أيام، حيث لم يمثله محام. قال يحيى: "كان على ثيابي دماء وكتفاي مخلوعتين ولم أتمكن من السير باستقامة" قال للنيابة إن الشرطة عذبته لكي يعترف. رد وكيل النيابة بلا اهتمام على شهادته التفصيلية عن كيف تعرض للتعذيب وقال: "أنت تتفرج على أفلام أكشن كثيرا، أليس كذلك؟" هدده وكيل النيابة "بإعادتي إلى الضابط" الذي عذبه، على حد قول يحيى، ما لم يعترف بالاتهامات الخاصة بالانضمام إلى تنظيم إرهابي والمشاركة في هجوم و"نشر مناخ تشاؤمي" في البلد.
أمضى يحيى فترة الـ 30 يوما التالية في زنزانة بقسم الشرطة بها 80 شخصا، وأغلبهم بالغون، وأصبح مريضا. أرسلته الشرطة إلى قسم الطوارئ بالمستشفى لكن رفضوا قبول إحالة الطبيب إياه إلى طبيب غدد. نُقل إلى منشأة للأحداث حيث ظل هناك إلى أن أُرسل إلى قسم شرطة آخر عندما بلغ 18 عاما.
طلب يحيى حينئذ إرساله إلى سجن رسمي لأن "كنت أدرس [لاختبارات الثانوية] وأريد مكان لي، وليس قسم شرطة". وعندما رفضت الشرطة، أضرب عن الطعام 11 يوما ثم نُقل إلى سجن، لكن أحيلت قضيته إلى محكمة عسكرية وكان مقرها على مسافة 12 ساعة. قال يحيى إنه نُقل ومعه المتهمين الآخرين إلى الجلسات ومنها في شاحنة مكتظة تفتقر للتهوية، وأن مسؤولي السجن عاقبوه أحيانا بنقله إلى المحكمة في الشاحنة، حتى دون وجود مواعيد جلسات. وفي أواخر 2016 بعد عامين تقريبا رهن الاحتجاز، حُكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، تشمل الوقت الذي قضاه محتجزا، ثم أخلي سبيله بعد ذلك.[43]
نادين ن.، 13 عاما
قالت نادين إنها اعتُقلت خمس مرات، الأولى وهي في سن 13 عاما، في 2013، في القاهرة. قالت إنها لا تعرف لماذا أخذتها الشرطة ومعها صديقتين إلى مركز الشرطة، حيث قامت الشرطة بضربهن وتقييدهن بالأصفاد وطرح أسئلة مبهمة عليهن مثل: "من أنت وماذا فعلت وأين كنت"، على حد قولها.[44] عندما وصل والداها إلى مركز الشرطة، منعتهما الشرطة من رؤيتها. أخلي سبيلها بعد الساعة 2 صباحا.
في العام التالي، وهي في الصف الثامن من التعليم الأساسي، كانت نادين وصديقات لها في طريقهن إلى خارج المدرسة بحي آخر في القاهرة عندما أوقفهن رجال شرطة في ثياب مدنية، على ما يبدو ضمن تعامل الشرطة مع مظاهرة قريبة لم تنضم إليها الفتيات. قالت: "جرجرونا من شعرنا وأخذونا إلى قسم الشرطة، حيث ضربونا عندما دخلنا". قيدت الشرطة الفتيات وأمرتهن بالوقوف في الردهة طوال الليل، دون طعام أو مياه، مع السماح لهن بدخول دورة المياه مرة واحدة فقط. حوالي الساعة 7 صباحا، على حد قول نادين، عصب شرطي عينيها وأخذها إلى حجرة حيث صعقها شرطي آخر بعصا مكهربة، وقال: "أنت كنت في المظاهرة"، فقالت له لا كنت في المدرسة. قالت: "بالطبع لم يصدقني". استُجوبت نحو عشر دقائق. الساعة 9 صباحا أخذتها الشرطة إلى نيابة أمن الدولة في القاهرة الجديدة/التجمع الخامس. هُناك، سُمح لها بمقابلة محامي وتم استجوابها، مع التحفظ عليها في منطقة مخصصة للحجز، ثم أعيدت إلى قسم الشرطة في شاحنة مكتظة بالمحتجزين، ما اضطرها إلى تفويت موعد اختبارها المدرسي ذلك اليوم. في اليوم التالي نقلتها الشرطة إلى النيابة مرة أخرى، حيث عرفت باتهامها بـ "التظاهر ومقاومة السلطات والانضمام إلى تنظيم إرهابي" على حد قولها.
في قسم الشرطة، كانت محتجزة في زنزانة مكتظة بالفتيات والنساء الأخريات "لم أتمكن من الجلوس"، كما قالت. وصفت كيف تحرش بها المحتجزون الذكور هي والسجينات الأخريات فيما كن يسرن إلى دورة المياه أو الحمام: "كانت الردهة مليئة بالمحتجزين [الذكور] ويمكن لهم فتح نافذة زنزانتنا بسهولة. كانت الزنزانة بها بعض التهوية لكن فقدت محتجزة حامل وعيها بسبب دخان السجائر المنبعث من زنزانة المحتجزين الرجال" على حد قول نادين. كانت الزيارات الأسرية لا تزيد عن دقائق. أخلي سبيلها دون اتهامات بعد أربعة أيام، إثر طعن على قرار النيابة.
في 2014، أدانت محكمة نادين غيابيا وحكمت عليها بالسجن عامين بتهمة المشاركة في مظاهرة بدون تصريح، لكن أسرتها طعنت على الحكم وتم تخفيفه إلى حكم بالخدمة المجتمعية، طبقا لسجل القضية الذي اطلعت عليه بلادي.
في وقت لاحق من 2014 في شهر رمضان، قبضت الشرطة على نادين من بيتها واحتجزتها ومعها عدة فتيات أخريات بتهمة التخطيط للمشاركة في مظاهرة أخرى، كانت في الحقيقة قد ألغيت ولم تنعقد، كما ادعت. في البداية احتجزت الشرطة الفتيات في قسم ثم أحالتهن إلى مقر للأمن الوطني في نفس الحيّ بالقاهرة. عصّب رجال الشرطة عينيها وأمروها بفتح هاتفها الخلوي، وفيه رسائل ضد الحكومة، واستجوبوها. بعد خمسة أيام من الاحتجاز في مركز الشرطة، استجوبتها النيابة "تقريبا ربع ساعة" ثم أخلت سبيلها.
في يناير/كانون الثاني 2016، عندما كان عمرها 16 عاما، قبضت الشرطة على نادين مرة أخرى، بعد القبض على بعض أقاربها بقليل بتهمة تأييد الإخوان المسلمين، على ما يبدو بسبب صلتها الأسرية بالأقارب المحتجزين وليس بسبب الاشتباه في أي سلوك إجرامي من طرفها. أخذوها إلى قسم الشرطة حيث رأت أحد أقاربها. قالت: "خلعوا حجابي وقيدوا يديّ" لكن أخلوا سبيلها فيما بعد دون اتهامات.
الاعتقال التعسفي والإخفاء بحق الأطفال أثناء مظاهرات سبتمبر/أيلول 2019 وبعدها
بعد المظاهرات المعارضة للحكومة التي خرجت في عدة مدن مصرية في سبتمبر/أيلول 2019، أوقفت السلطات أكثر من 4,400 شخص، بينهم متظاهرون، وساسة، ومحامون، ومارة، وأطفال. وثّقت بلادي أسماء ومعلومات أخرى تخص نحو 100 من أصل ما يُقدر بـ 180 طفلا، قُبض عليهم بين 20 و28 سبتمبر/أيلول. قابلت هيومن رايتس ووتش ثلاثة من هؤلاء الأطفال أثناء إعداد هذا التقرير.
قال صبيان عمرهما 16 و17 عاما، وفتاة عمرها 17 عاما، إنهم تعرضوا للاختفاء القسري بين سبعة وتسعة أيام قبل مثولهم أمام النيابة. أضافت النيابة الأطفال – وقد قُبض عليهم في تواريخ وأماكن مختلفة – إلى نفس القضية، بموجب نفس الاتهامات المتعلقة بالتجمهر غير القانوني، وإساءة استخدام مواقع التواصل، ودعم تنظيم إرهابي.
فريدة ف.، كانت طالبة في الصف الـ 12 وعمرها 17 عاما، قُبض عليها حوالي الساعة 5 مساء 22 سبتمبر/أيلول في وسط البلد في القاهرة، بعدما أوقفها شرطي. طبقا لشخص كان على تواصل مع فريدة ذلك اليوم، أخذ الشرطي هاتفها "وفتح حسابها على واتس-آب ورأى رسائلها النصية إلى صديقاتها حول السياسة. لذا قبض عليها".[45] عندما كفت فريدة عن الرد على هاتفها ولم تعد إلى البيت، خرجت أسرتها تبحث عنها، حوالي منتصف الليل. خلال الأيام السبعة التالية "لم نجد أي معلومات عنها"، على حد قول أحد أٌقاربها، إلى أن ظهرت فريدة في النيابة واتصل محامٍ بالأسرة. عرفوا بأنها محتجزة في قسم شرطة وأرسلوا إليها ثيابا نظيفة وبعض الطعام، لكن لم يتمكنوا من مقابلتها أو الحديث معها. كما حدث مع المتهمين الآخرين في القضية، اتهمت النيابة الفتاة بإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي ودعم تنظيم إرهابي، وأمرت النيابة بتجديد حبسها الاحتياطي مرتين لمدة 15 يوما، بحسب قريبها.
قبضت الشرطة على مروان م.، طالب الثانوية البالغ من العمر 17 عاما، مع قريب آخر له مساء يوم 20 سبتمبر/أيلول وهما يتجولان في سيارة في ميدان التحرير بالقاهرة، على حد قول أحد الشهود.[46] بحسب الشاهد، أوقف الشرطي السيارة لأنه رأى مروان ممسكا بهاتفه الخلوي، وعندما خطر له أنه يصور مقطع فيديو، أمره بتسليم هاتفه. مروان "اختفى تسعة أيام"، وخلال تلك الفترة كان محتجزا في معسكر للأمن المركزي إلى أن عرضت السلطات مروان على النيابة وتمكن من مقابلة محامي، فأخبر الأخير الأسرة. أحيل مروان إلى قسم شرطة حيث تمكنت أسرته من إرسال طعام إليه، لكن لم تتمكن من زيارته أو الكلام معه. أضافت النيابة مروان إلى نفس قضية فريدة ف. واتهمته بالتظاهر ودعم تنظيم إرهابي.
قبضت الشرطة على زيد ز.) 17 عاما( الطالب بالصف الـ 11، في محافظة الغربية، يوم 20 سبتمبر/أيلول فيما كان يتابع مباراة كرة قدم على التلفزيون في أحد المقاهي، بحسب قول أحد أقاربه.[47] تمكن من توصيل رسالة إلى بعض أقاربه، قال فيها إن شخصا واحدا قبض عليه وإنه في سيارة شرطة لكن "تم إغلاق هاتفه بعد هذا ولم نتمكن من الوصول إليه طيلة عشرة أيام"، على حد قول قريبه. وجهت الأسرة رسائل لطلب معلومات إلى مسؤولي الأمن والنيابات في ثلاث محافظات، وكذلك إلى وزير الداخلية والرئاسة، دون رد. وفي مطلع أكتوبر/تشرين الأول، أبلغ محامي الأسرة بأن زيد ظهر في النيابة وصدر ضده قرار بالحبس الاحتياطي 15 يوما. تمكنت أسرته من رؤيته "لدقيقتين" في الأسبوع التالي، ثم نُقل إلى مركز احتجاز مختلف "ومعه سبعة أطفال آخرين في نفس عمره" على حد قول قريبه. قال زيد للأسرة إن وكيل النيابة "سألني ثلاثة أسئلة فقط وأجبت عليها" لكن لم يتح لهم وقت لمناقشة قضيته.
في 23 أكتوبر/تشرين الأول، قال النائب العام حمادة الصاوي في بيان إنه أمر بإخلاء سبيل "الأطفال والنساء والشيوخ" الذين قُبض عليهم بعد مظاهرات 20 سبتمبر/أيلول "التماسا للرأفة". كما قال النائب العام إن على آباء الأطفال المفرج عنهم "بالقيام بمسؤولياتهم قبلهم" فيما يخص التربية، "ليعودوا نافعين للمجتمع".[48] أفرجت السلطات عن فريدة وزيد بعد شهور من الحبس الاحتياطي. لكن بعد أسابيع من صدور البيان، عرفت هيومن رايتس ووتش وبلادي بأن هناك العديد من الأطفال ما زالوا محتجزين على ذمة هذه القضية.
II . انتهاكات القوانين الدولية والمصرية
وقعت الانتهاكات التي ارتكبها مسؤولو الشرطة والأمن الوطني والقضاء ضد الأطفال، كما وثقها هذا التقرير، في منشآت احتجاز مختلفة وأحياء ومدن ومحافظات مختلفة على مدار سنوات عديدة، ولم يتم تعريض أي مسؤولين للجزاء أو المحاسبة.[49] هذه الانتهاكات تخرق القواعد الأساسية للقانون الدولي ونصوص رئيسية في الدستور المصري وقانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية وقانون الطفل.
صدقت مصر على "الميثاق الأفريقي لحقوق ورفاه الطفل" في 2001، وعلى "اتفاقية حقوق الطفل" في 1990.[50] مثل معاهدات حقوق الإنسان الدولية الأخرى، فإن اتفاقية حقوق الطفل تحظر التعذيب وعقوبة الإعدام في الجرائم التي ترتكب في سن الطفولة، وتعيد التأكيد على حقوق الأطفال في حرية التعبير والتجمع والمعتقد، لكن السلطات المصرية جرمت وعاقبت العديد من الأعمال السلمية التي يجب أن تتم حمايتها بموجب هذه الأسانيد، منذ يوليو/تموز 2013.[51] هذه المعاهدات تُلزم الدول بضمان إجراءات التقاضي السليمة للأطفال وحقوق المحاكمة العادلة، مثل الحق في التعريف بسبب التوقيف والحق في موجود محامي، والحجز بمعزل عن البالغين، وإتاحة التعليم والرعاية الصحية والطعام الملائم وتوفير ظروف أخرى. بموجب القانون الدولي، على الدول ألا تحتجز الأطفال إلا كحل أخير ولأقصر فترة مناسبة ممكنة، وعليها أن تضمن قدرتهم على التواصل مع ذويهم. ينص الميثاق على أن "يكون الهدف الأساسي من معاملة كل طفل أثناء المحاكمة، وكذلك إن كان مذنباً بسبب مخالفة القانون الجنائي هو إصلاحه وإعادة اندماجه في أسرته وإعادة تأهيله اجتماعياً".[52]
يساعد "المجلس القومي للطفولة والأمومة" في مصر، الذي أُنشئ عام 1988، في الإشراف على تنفيذ اتفاقية حقوق الطفل.[53] كان آخر استعراض لمصر من قبل لجنة حقوق الطفل في 2011، وخلال الاستعراض تمت الإشارة إلى "عميق أسف" اللجنة على استمرار تعذيب الأطفال وإساءة معاملتهم.[54] تعاونت مصر مع آلية الاستعراض الدوري الشامل بالأمم المتحدة، وكانت أحدث دوراتها في 2019.[55] في استعراض 2019، ذكر "المجلس القومي لحقوق الإنسان" إنه تلقى 484 شكوى اختفاء قسري، وأشارت عدة منظمات لحقوق الإنسان إلى انتشار التعذيب وممارسته منهجيا.[56]
ينص قانون العقوبات المصري على عقوبة السجن بين ثلاث وعشر سنوات لرجال الأمن الذين يعذبون المحتجزين لانتزاع اعترافات.[57] على حد علم هيومن رايتس ووتش وبلادي –آي إتش، فإن السلطات المصرية لم تفتح تحقيقات أو تحاسب أي عنصر أو ضباط أمن في حالات ادعاء التعذيب الـ 13 التي يوثقها التقرير. يتسق هذا مع ثقافة الإفلات من العقاب المنتشرة بشكل أشمل، فيما يخص انتهاكات أجهزة الأمن.[58]
يُطالب الدستور المصري بوجود "أمر قضائي مسبب" في جميع حالات التوقيف والتفتيش والحرمان من الحرية، وأي شخص يتم توقيفه يتم إخطاره كتابةً بسبب القبض عليه ويُسمح له بمقابلة محامي وأسرته.[59] يحظر قانون الإجراءات الجنائية توقيف واحتجاز أي شخص دون أمر قضائي إلا في حالة "التلبس".[60] بموجب هذه القوانين، على الشرطة أن تعرض أي محتجز على النيابة خلال 24 ساعة من القبض عليه، وللمحتجز الحق في مقابلة محامي أثناء الاستجواب أمام النيابة.[61] ينص قانون العقوبات على غرامات والسجن بحد أقصى عامين في حالات التوقيف والاحتجاز غير القانونية، وبالسجن المؤبد مع الأشغال الشاقة على جريمة اختطاف الأطفال.[62] لم يحدث في أي من الحالات التي يوثقها التقرير أن عرض مسؤولو الأمن على الأطفال أو عائلاتهم أو محاميهم أوامر قضائية بالقبض على الطفل.
يحظر القانون المصري توقيف الأطفال في أقسام الشرطة مع البالغين، أثناء مرحلة الحبس الاحتياطي.[63] لكن في تسع من الحالات الموثقة في هذا التقرير، تم احتجاز الأطفال في مراكز شرطة مع بالغين، عادة بعد إخفائهم قسرا واحتجازهم بأماكن ليست من بين منشآت الاحتجاز الرسمية. جميع الأطفال الموثقة حالاتهم في التقرير وصفوا ظروف الاحتجاز على أنها لاإنسانية ومهينة.
يحظر قانون الطفل لعام 1996 المعدل في 2008، الحكم على الطفل – ويُعرف بصفته أي شخص تحت سن 18 عاما – بالإعدام أو السجن المؤبد.[64] يحظر القانون احتجاز الأطفال أو حبسهم أو سجنهم برفقة بالغين، ويطالب بفصلهم بحسب السن والجنس وطبيعة الجريمة.[65] إذا أدين طفل تحت 15 عاما بجريمة، يوضح القانون مجموعة من العقوبات البديلة للحبس.[66] لكن بالنسبة للأطفال في سن 15 وما فوق، ينص القانون على عقوبات بالسجن بحد أقصى ثلاث سنوات في الجُنح، و15 عاما في الجنايات، وإن كان متاحا للقاضي أن يضع الأطفال في سجن الأحداث بحد أقصى خمس سنوات في الجنح وبحد أقصى عشر سنوات في الجنايات.[67] يسمح قانون الطفل المصري للأطفال بأن يودعوا بالحبس الاحتياطي بحد أقصى عامين، وهي نفس المدة الخاصة بالبالغين في قانون الإجراءات الجنائية، مع الخضوع لمراجعة قضائية "أسبوعية".[68] في الحالات التي يوثقها التقرير، عادة ما قام وكلاء النيابة بتجديد الحبس الاحتياطي، ولم يكن القضاة هم من يجددون الحبس الاحتياطي، في خرق لقانون الطفل.
ينص قانون الطفل على أن تُتاح الضبطية القضائية لمسؤولين من تعيين وزير العدل، فيما يخص الجرائم التي يرتكبها أطفال، وأن تتولى محاكم ونيابات أحداث متخصصة الإشراف على القضايا التي يرتكب الجرائم فيها أطفال. لكن في جميع الحالات الموثقة في هذا التقرير، احتُجز الأطفال من قبل الشرطة أو الأمن الوطني، وتمت ملاحقتهم قضائيا ومحاكمتهم في محاكم عادية ومحاكم متخصصة أو عسكرية.[69] هذا لأن هناك مادة أخرى في قانون الطفل تسمح بالملاحقة القضائية والمحاكمة للأطفال إلى جانب البالغين، إذا كان هناك شخص بالغ واحد على الأقل ضالع في الجريمة المزعومة، وهي ثغرة خطيرة في تدابير حماية حقوق الأطفال، استغلتها السلطات في محاكمة الكثير من الأطفال برفقة البالغين، أمام محاكم الجنايات ومحاكم قضايا الإرهاب.[70]
فضلا عن المذكور، يمكن للقضاء العسكري أن يحاكم الأطفال في القضايا التي تدخل ضمن اختصاصه، وله وحده سلطة تقرير أي قضايا تدخل في اختصاصه، بموجب قانون القضاء العسكري المصري لعام 1966.[71] منذ 2014، أحالت السلطات أكثر من 15,500 مدني – بينهم أكثر من 150 طفلا – إلى النيابة العسكرية.[72] صدقت لجنة حقوق الطفل – وهي هيئة الخبراء المعنية بالإشراف على تفسير اتفاقية حقوق الطفل – على الرأي القائل بأن "محاكمات المدنيين أمام محاكم عسكرية ومحاكم أمن الدولة تخالف الحق غير القابل للإلغاء بالمحاكمة العادلة أمام محكمة مختصة ومستقلة ومحايدة" مع الإشارة إلى أن "هذه مخالفة مقلقة أكثر لحقوق الأطفال الذين يجب أن يتم التعامل معهم في الأحوال كافة أمام نظم قضاء متخصصة للأطفال".[73]
في أربع حالات تم توثيقها في هذا التقرير، قال الأطفال إن سلطات السجن منعتهم من الحصول على التعليم أو دخول الاختبارات، في مخالفة للقوانين الدولية والمصرية.[74]
شكر وتنويه
كتب هذا التقرير نائب مديرة قسم حقوق الطفل في هيومن رايتس ووتش بيل فان إسفلد. أجرى البحوث الخاصة بالتقرير في هيومن رايتس ووتش كل من فان إسفلد وعمرو مجدي، الباحث في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومعهما مساعد باحث أول ومنسق أول سابق في القسم المذكور. ومن منظمة "بلادي – آي إتش" الحقوقية التي تعمل من الولايات المتحدة، أجرى البحوث مديرا المنظمة آية حجازي ومحمد حسنين وأخصائيو بحوث.
راجع التقرير وحرره كل من نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جو ستورك، و نائب مديرة قسم حقوق الطفل بيد شيبرد. قدم المراجعة القانونية ومراجعة البرامج المستشار القانوني الأول كلايف بالدوين، ونائب المدير التنفيذي لقسم البرامج توم بورتيوس على التوالي. وقدم مراجعة متخصصة كل من عمرو مجدي وآية حجازي. وساعد في إنتاج التقرير كل من المنسق بقسم حقوق الطفل أليكس فيرث، والمدير الإداري فيتزروي هوبكنز.
نتقدم بكل الشكر إلى الأطفال وعائلاتهم على حديثهم إلينا بشجاعة حول ما تعرضوا له.