Would you like to read this page in English?
Yes

التعذيب عواقب من الإفلات

إدارة بوش وسوء معاملة المحتجزين

الإفلات من عواقب التعذيب

إدارة بوش وسوء معاملة المحتجزين

ملخص....
التوصيات
إلى الرئيس الأمريكي
إلى الكونغرس الأمريكي
إلى الحكومة الأمريكية
إلى الحكومات الأخرى
خلفية: التبرير الرسمي للجرائم المُرتكبة بحق المحتجزين
. تعذيب المحتجزين في عمليات مكافحة الإرهاب الأمريكية
برنامج احتجاز وكالة الاستخبارات المركزية (السي آي أيه)
مواقع الاحتجاز السرية
قضية أبو زبيدة: أول محتجز ضمن برنامج استجواب السي آي أيه
تضخم برنامج وكالة الاستخبارات المركزية (السي آي أيه)
برنامج تسليم وكالة الاستخبارات المركزية (السي آي أيه)
عمليات الاستجواب المقترنة بالإكراه طرف الجيش
انتهاكات محققي الجيش في أفغانستان وغوانتانامو العراق
الموافقة على أساليب الاستجواب العسكري غير القانونية
انتشار الأساليب التي جرت الموافقة عليها
III. المسؤولية الجنائية الفردية
عدم قانونية الإساءات المذكورة
أشكال المسؤولية أمام القانون
تمثيل الإغراق يعتبر تعذيب
أساليب الاستجواب التي صرّح بها وزير الدفاع رامسفيلد تعتبر تعذيباً ومعاملة سيئة
برنامج الاحتجاز السري الخاص بالسي آي أيه شمل وقائع اختفاء قسري ومعاملة سيئة
المشورة القانونية المقدمة من مكتب الاستشارات القانونية لا تحصن المسؤولين من الإدانة بالتعذيب والاختفاءات
واجب التحقيق وتوفير الإنصاف
القادة الأربعة الأهم
الرئيس جورج دبليو بوش
نائب الرئيس ديك تشيني
وزير الدفاع دونالد رامسفيلد
مدير السي آي أيه جورج تينيت
مسؤولون آخرون
ملحق: إجراءات الدول الأجنبية للتصدي لإساءة معاملة المحتجزين من طرف الولايات المتحدة
ألمانيا: شكاوى ضد رامسفيلد وآخرين
فرنسا: شكوى ضد رامسفيلد
إسبانيا: التحقيقات مع مسؤولين أمريكيين
قضية "مسؤولو بوش الستة"
التحقيق في قيام مسؤولين أمريكيين بأعمال تعذيب
التدخل الدبلوماسي من طرف الولايات المتحدة
شكر وتنويه – ومنهج التقرير

ملخص

سألني جورج تينيت إن كان مسموح له باستخدام تقنيات الاستجواب المُحسّنة، وتشمل تمثيل الإغراق، على خالد شيخ محمد... قلت له: "طبعاً!"
-الرئيس السابق جورج دبليو بوش، 2010.[1]
لم يعد ثمة شك فيما إذا كانت الإدارة الحالية قد ارتكبت جرائم حرب. السؤال الوحيد الباقي بلا إجابة هو إن كان من أمروا باستخدام التعذيب سيُحاسبون.
-ميجور جنرال، أنطونيو تاغوبا، يونيو/حزيران 2008.[2]

هل يجب أن يخضع الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش للتحقيق على تصريحه باستخدام تقنية "تمثيل الإغراق" وغيرها من الانتهاكات بحق المحتجزين، وهو الأسلوب الذي أقرت الولايات المتحدة – ودول أخرى كثيرة – منذ فترة طويلة بأنه تعذيب؟ هل يجب أن يُحاسب كبار المسؤولين الأمريكيين الذين صرحوا بالاختفاءات القسرية بحق المحتجزين ونقلهم إلى بلدان أخرى حيث يُرجح تعرضهم فيها للتعذيب، على ما ارتكبوا من أفعال؟

في عام 2005 نشرت هيومن رايتس ووتش تقريراً بعنوان "الإفلات من عواقب التعذيب؟" عرضت فيه أدلة دامغة تستوجب فتح تحقيقات جنائية مع كل من وزير الدفاع في ذلك الحين دونالد رامسفيلد ومدير الاستخبارات المركزية (السي آي أيه) جورج تينيت، وكذلك الليفيتانت جنرال ريكاردو سانشير (قائد القوات الأمريكية سابقاً في العراق) والجنرال جيفري ميلر، القائد السابق لمنشأة الاحتجاز الأمريكية العسكرية في خليج غوانتانامو في كوبا.

هذا التقرير يتابع ما بدأه التقرير المذكور أعلاه، عن طريق تلخيص المعلومات التي توفرت للعامة منذ نشر التقرير الأول، عن الدور الذي لعبه المسؤولون الأمريكيون الأكثر مسؤولية عن صياغة سياسات الاستجواب والاحتجاز إثر هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 على الولايات المتحدة، كما يحلل هذه المعلومات على ضوء القوانين الأمريكية والدولية. بناء على هذه الأدلة، ترى هيومن رايتس ووتش أن هناك أسانيد كافية كي تفتح الحكومة الأمريكية لتحقيق جنائي شامل في الجرائم المزعوم ارتكابها على صلة بالتعذيب والمعاملة السيئة للمحتجزين، وبرنامج الاحتجاز السري التابع للاستخبارات المركزية (السي آي أيه)، وتسليم المحتجزين إلى حيث يتعرضون للتعذيب. مثل هذا التحقيق لابد بالضرورة أن يركز على الجرائم المزعوم ارتكاب التالية أسمائهم لها: الرئيس السابق جورج دبليو بوش، ونائب الرئيس ديك تشيني، ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، ورئيس السي آي أيه جورج تينيت.

مثل هذا التحقيق لابد أيضاً أن يشمل فحص أدوار مستشارة الأمن القومي كونداليزا رايس والمحامي العام جون أشكروفت، وكذلك المحامين الذين قاموا بصياغة "مبررات" قانونية للتعذيب، ومنهم ألبرتو جونزالس (مستشار الرئيس والمحامي العام فيما بعد)، وجاي بايبي (رئيس مكتب الاستشارات القانونية بوزارة العدل سابقاً OLC)، وجون ريزو (القائم بأعمال المستشار العام للسي آي أيه)، وديفيد أدينغتن (مستشار نائب الرئيس)، وويليام جيه. هاينز الثاني (مستشار عام وزارة العدل)، وجون يوو (نائب المحامي العام عن مكتب الاستشارات القانونية).

وهناك معلومات هامة كثيرة ما زالت سرّية وطي الكتمان. على سبيل المثال، هناك الكثير من الوثائق الحكومية الداخلية الخاصة بسياسات وممارسات الاستجواب والاحتجاز، ما زالت مصنفة بصفتها سرية، وغير متوفرة للعامة. طبقاً للاتحاد الأمريكي للحريات المدنية ACLU، الذي سعى للإفراج عن آلاف الوثائق بموجب قانون حرية المعلومات FOIA، فما زالت هناك بين الوثائق الأساسية المحجوبة، عشرات المستندات، بينها أمر الرئيس في سبتمبر/أيلول 2001 الذي صرّح بإنشاء "المواقع السرية" الخاصة بوكالة الاستخبارات المركزية – أو السجون السرية – وكذلك سجلات المفتش العام لوكالة الاستخبارات المركزية (السي آي أيه).[3] كما أن الكثير من الوثائق التي أُفرج عنها، وبينها تقرير المفتش العام للاستخبارات المركزية وتقارير وزارة العدل ولجنة مجلس الشيوخ، فيها أجزاء كثيرة محجوبة، مما يعيق فهم أحداث وقرارات أساسية.

ترى هيومن رايتس ووتش أن الكثير من هذه الوثائق قد تضم معلومات تُجرّم المسؤولين، وتعزز من الأدلة في التحقيقات الجنائية التي قد تبدأ بناء على المعلومات الواردة تفصيلاً في هذا التقرير. كما تعتقد هيومن رايتس ووتش أن هناك أدلة قوية بما يكفي – من المعلومات المتوفرة بالفعل على مدار السنوات الخمس الماضية – للتوصل إلى تصريح هؤلاء المسؤولين وإشرافهم على انتهاكات متفشية وجسيمة للقوانين الأمريكية والدولية، وأيضاً بما يكفي للتوصل إلى إخفاقهم في العمل على وقف المعاملة السيئة ومعاقبة المسؤولين عنها بعد أن أصبحوا على دراية بالانتهاكات الجسيمة. فضلاً عن ذلك، فبينما مسؤولي إدارة بوش زعموا بأن خيارات الاحتجاز والاستجواب كانت بموجب تصريح جاء إثر مناقشات موسعة ومراجعات قانونية من محاميّ وزارة العدل، فهناك أدلة قوية حالياً تفيد بأن القيادات المدنية طلبت أن يقوم محامون معينون بقرارات سياسية من الإدارة السابقة، بالخروج بتبريرات قانونية لدعم تقنيات الاستجواب المسيئة، في مواجهة المعارضة القائمة من المسؤولين القانونيين الذين يعتبر العمل بالقانون عملهم الطبيعي.

هناك حاجة لتحقيق مستقل مستفيض ونزيه ومستقل بشكل حقيقي، للنظر في برامج الاحتجاز غير القانوني، والاستجواب بالإكراه، وتسليم الأفراد إلى بلدان يتعرضون فيها للتعذيب – وكذلك الدور الذي لعبه كبار المسوؤلين بالحكومة. أولئك الذين صرحوا وأمروا وأشرفوا على التعذيب وغيره من انتهاكات القانون الدولي، وأيضاً من تورطوا في مسؤولية القيادة، لابد من التحقيق معهم ومقاضاتهم إذا استدعت الأدلة ذلك.

اتخاذ مثل هذه الإجراءات والتصدي للقضايا المُثارة في هذا التقرير أمر بالغ الأهمية من أجل تأمين وضع الولايات المتحدة على الساحة الدولية، ولابد أن يتم إذا كانت الولايات المتحدة تأمل في أن تمسح بقعة أبوغريب وغوانتانامو، وإذا كانت تريد أن تؤكد على سمو مبدأ سيادة القانون بالنسبة لها.

إن هيومن رايتس ووتش لا تبدي أي رأي كان فيما يخص ذنب أو إدانة أي من المسؤولين بموجب القانون الأمريكي، كما لا تدّعي أنها تعرض رواية شاملة وكافية لجميع المتورطين من المسؤولين، وتنفي أن هذا التقرير يخدم غرض تقرير أو مذكرة قانونية. بل إنها تعرض التقرير في قسمين أساسيين: قسم خاص بتلخيص سياسات وممارسات إدارة بوش الخاصة بالاحتجاز والاستجواب، والآخر يعرض تفصيلاً الأدلة الخاصة بالمسؤولية الجنائية لأفراد هم من بين المسؤولين الأساسيين بالإدارة السابقة.

الطريق المؤدي إلى الانتهاكات المعروض تفصيلاً هنا بدأ إبان أيام من وقوع هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 من القاعدة على نيويورك وواشنطن، عندما بدأت إدارة بوش في صياغة جملة من السياسات والإجراءات والممارسات تخص المحتجزين المقبوض عليهم في عمليات عسكرية وعمليات لمكافحة الإرهاب خارج الولايات المتحدة. الكثير من هذه الإجراءات والممارسات خرقت قوانين الحرب والقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الجنائي الفيدرالي الأمريكي. فضلاً عن أن الأساليب المنطوية على الإكراه التي وافق عليها بعض كبار المسؤولين الأمريكيين شملت تقنيات تكررت إدانة الولايات المتحدة لها بصفتها تعذيب أو معاملة سيئة عندما مارستها أطراف أخرى.

على سبيل المثال.. صرحت إدارة بوش بممارسات الاستجواب بالإكراه من قبل الاستخبارات المركزية والجيش، وكانت ترقى لدرجة التعذيب، وقامت بصياغة برنامج غير قانوني للاحتجاز السري (يخص وكالة الاستخبارات المركزية)، بموجبه يتم احتجاز الأفراد في أماكن غير معلومة، دون إخطار ذويهم، أو السماح للجنة الدولية للصليب الأحمر بمقابلتهم، أو توفير أي إشراف على معاملتهم. كما تم تسليم المحتجزين بصورة غير قانونية إلى بلدان مثل سوريا ومصر والأردن، حيث يُرجح تعرضهم هناك للتعذيب. وبالفعل تعرض كثيرون منهم للتعذيب، وبينهم المواطن الكندي ماهر عرار، الذي وصف تعرضه للضرب المتكرر بالأسلاك الكهربية والكابلات أثناء مدة 10 أشهر قضاها في سوريا، حيث أرسلته الولايات المتحدة إلى هناك في عام 2002. يظهر من الأدلة أن التعذيب في مثل هذه الحالات لم يكن نتيجة مؤسفة للتسليم، بل كان هو الغرض من عمليات التسليم.

في الوقت نفسه، فإن المحامين المُعينين بقرارات سياسية في الإدارة قاموا بصياغة مذكرات قانونية سعت لتوفير الغطاء القانوني لسياسات الإدارة الخاصة بالاحتجاز والاستجواب.

وكنتيجة مباشرة لقرارات إدارة بوش، تعرض المحتجزين رهن الولايات المتحدة للضرب، مع ضربهم بالجدران، وإجبارهم على الجلوس في صناديق صغيرة، والتعرض لعمليات تمثيل الإغراق – عمليات تهديد بالإعدام يتعرضون فيها للإحساس بالغرق. وهناك شخصان يُزعم أنهما من كبار مسؤولي القاعدة، خالد شيخ محمد وأبو زبيدة، تعرضا لعملية تمثيل الإغراق 183 و83 مرة على التوالي.

وقد تعرض المحتجزون في منشآت احتجاز تديرها الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق وغوانتانامو لمعاملة سيئة لفترات طويلة، أحياناً لمدة أسابيع وشهور. شمل هذا الإجبار على اتخاذ أوضاع "مجهدة"، والتعريض للعري لفترات طويلة، والحرمان من النوم ومن الطعام والشراب، والتعريض لدرجات حرارة بالغة البرودة وشديدة الحرارة، ووضعهم في ظلام تام مع تشغيل موسيقى صاخبة لأسابيع. وتشمل الانتهاكات الأخرى في العراق الضرب والخنق والانتهاكات الجنسية والتهديد بالإعدام. وفي غوانتانامو، أُجبر بعض المحتجزين على الجلوس على فضلاتهم، وبعضهم تعرضوا لإهانات جنسية من قِبل محققات. وفي أفغانستان تم ربط المحتجزين بالسلاسل إلى الجدران، وتم وضعهم في الأصفاد بشكل يجعل من المستحيل عليهم النوم أو الرقاد، مع تشديد الأصفاد على أيديهم ومعاصمهم، مما أصابها بالتورم والكدمات.

هذه الانتهاكات التي وقعت في عدة قارات لم تكن نتيجة تصرفات فردية من جنود أو عملاء استخبارات خالفوا القواعد، بل هي نتيجة قرارات من قيادات عليا في الولايات المتحدة، تعمدوا بها لي عنق القواعد وتجاهلها. كما أنه، وكما هو وارد في التقرير، فقد أصبح معروفاً الآن أن مسؤولي إدارة بوش أعدوا وطوروا قراراتهم الأولية وتصريحهم بعمليات الاحتجاز، حتى في مواجهة معارضة داخلية وخارجية، شملت تحذيرات بأن العديد من تصرفاتهم تخرق القوانين الدولية والأمريكية. وعندما انتشرت تقنيات الاستجواب غير القانونية الممارسة على المحتجزين بحيث تجاوزت ما هو مُصرح به صراحة، أدار هؤلاء المسؤولون وجوههم إلى الاتجاه الآخر وتجاهلوا الأمر ولم يبذلوا جهداً لوقف هذه الممارسات.

ثمن الإفلات من العقاب

تجاهل الحكومة الأمريكية لحقوق الإنسان أثناء مكافحة الإرهاب في السنوات التالية على 11 سبتمبر/أيلول 2001 يُضعف من موقف الولايات المتحدة الأخلاقي، ويعتبر مثالاً سلبياً للحكومات الأخرى، ويقوض من جهود الحكومة الأمريكية لتقليل العداء للولايات المتحدة في شتى أنحاء العالم.

وبشكل خاص، فإن استخدام السي آي أيه للتعذيب والاختفاءات القسرية والسجون السرية كان غير قانوني وغير أخلاقي وغير مثمر إطلاقاً. هذه الممارسات شوهت سمعة الولايات المتحدة وموقفها في إطار عمليات مكافحة الإرهاب، وأضرت بفرص التعاون الاستخباراتي، وأشعلت شرارة الغضب والازدراء في أوساط المسلمين، الذين تعتبر معاونتهم ضرورية للغاية لإماطة اللثام عن والحيلولة دون التهديدات الإرهابية العالمية.

ولقد اتخذ الرئيس باراك أوباما بعض الخطوات الهامة نحو السير على مسار جديد عندما قام بإلغاء السجون السرية التابعة للسي آي أيه ومنع استخدام التعذيب، لدى توليه السلطة في يناير/كانون الثاني 2009. لكن هناك إجراءات أخرى واجبة لم تتُخذ بعد، مثل إنهاء ممارسة الاحتجاز لأجل غير مسمى دون محاكمة، وإغلاق أبواب مركز الاحتجاز في غوانتانامو ووضع نهاية لعمليات تسليم المحتجزين لبلدان تمارس التعذيب. والأهم، أن التزام الولايات المتحدة بحقوق الإنسان أثناء مكافة الإرهاب سيبقى موضع شك ما لم تقم الإدارة بمواجهة انتهاكات الماضي. السبيل الوحيد لتصديق أن الحكومة الأمريكية قد وضعت حد لهذه المخالفات هو التعامل بشكل كامل وجدّي مع المسؤولين عن الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان بعد 11 سبتمبر/أيلول.

وبدون المحاسبة الحقيقية على هذه الجرائم، فإن من ارتكبوا هذه الانتهاكات باسم مكافحة الإرهاب سيشيرون إلى إساءة معاملة الولايات المتحدة للمحتجزين لإبعاد الانتقاد عن مسلكهم الخاص. وبالفعل، فعندما تكون هناك حكومة ذات قدر كبير من الهيمنة والنفوذ مثل الحكومة الأمريكية تتحدى بشكل صريح القوانين التي تحظر التعذيب – وهو من مبادئ حقوق الإنسان الأساسية – فهي بذلك وكأنها تدعو الآخرين لعمل المثل. لقد تضررت مصداقية الولايات المتحدة المطلوبة كنصير لحقوق الإنسان عن طريق ما تبين من وقوع أعمال تعذيب وسوف تستمر مصداقيتها في التضرر طالما يتمتع صناع السياسات المشاركين في أعمال جنائية بالإفلات التام من العقاب.

وكما هو الحال في بلدان سبق أن وضعت نهاية للتعذيب وغيره من الجرائم الجسيمة التي ارتكبها قادتها، فهناك ضغوط سياسية كبيرة داخل الولايات المتحدة للحيلولة دون ذلك. يؤكد بعض المعلقين على أن أي جهد للتصدي لانتهاكات الماضي سيكون ضاراً سياسياً، وربما يعرقل من قدرة الرئيس أوباما على الضغط من أجل تحقيق الأهداف الخاصة بالسياسات.

هذا الرأي يتجاهل الثمن الباهظ لعدم التحرك. فأي إخفاق في إجراء تحقيق في التعذيب سيُفهم منه عالمياً أنه قد تم التغاضي عمداً عن أنشطة غير قانونية، وأن الباب ما زال مفتوحاً لمزيد من الانتهاكات.[4] لا يمكن للولايات المتحدة أن تكون مقنعة في رفضها لانتهاكات حقوق الإنسان الفاضحة هذه ما لم تتعامل معها كجرائم وليست "خيارات سياسية".

وعلى الجانب الآخر، فإن مزايا إجراء تحقيق جنائي موثوق ونزيه عديدة بلا حصر. على سبيل المثال، فهذه التحقيقات تعني إرسال الولايات المتحدة أقوى رسالة ممكنة عن أنها ملتزمة بالقطيعة مع استخدام التعذيب. فالمحاسبة ترفع من مقام الولايات المتحدة الأخلاقي فيما يخص حقوق الإنسان أثناء مكافحة الإرهاب بأسلوب ملموس ومقنع أكثر بكثير من أي مبادرة تمت حتى الآن، وتعتبر مثالاً مشرفاً للحكومات التي تنتقدها الولايات المتحدة على ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان بحق شعوب تعاني من هذه الانتهاكات نفسها، وربما يكشف عن مثالب قانونية ومؤسسية أدت إلى استخدام التعذيب في المقام الأول، مع الإشارة إلى سبل ممكنة لتحسين فعالية الحكومة في مكافحة الإرهاب. كما يقلل كثيراً من احتمال فتح تحقيقات وملاحقات قضائية ضد مسؤولين أمريكيين من أطراف أجنبية – وهو ما حدث بالفعل وبدأ في إسبانيا – بناء على مبدأ عالمية الاختصاص القضائي، بما أن هذه الملاحقات القضائية الدولية لا تبدأ إلا مع إخفاق الحكومة المعنية في الملاحقة والمحاسبة.

إرساء قواعد المحاسبة

رد إدارة بوش على اكتشافات انتهاك حقوق المحتجزين – بما في ذلك فضيحة انتهاكات أبوغريب  التي وقعت عام 2004 – كان رد فعل يتمثل في تقليص الأضرار وليس البحث عن الحقيقة والمحاسبة. أغلب تحقيقات الإدارة منذ عام 2004 وبعده تعوزها الاستقلالية أو العمق الكافيين لاستكشاف قضية انتهاكات حقوق السجناء بشكل كامل. جميع التحقيقات تقريباً أجريت من قبل الجيش أو السي آي أيه، وتركزت على عنصر واحد من عناصر معاملة المحتجزين. ولم تنظر أي من هذه التحقيقات في قضية التسليم للتعذيب، ولم تفحص أي منها دور القيادات المدنية الذين لهم سلطة على سياسة معاملة المحتجزين.

ويعتبر سجل الولايات المتحدة الخاص بالمحاسبة الجنائية على إساءة معاملة المحتجزين سجلاً مؤسفاً. في عام 2007 جمعت هيومن رايتس ووتش معلومات عن حوالي 350 قضية بادعاءات بالتعرض لانتهاكات، شملت أكثر من 600 مسؤول أمريكي. ورغم تعدد الانتهاكات وكونها ممنهجة، فإن قلة من الأفراد العسكريين قد عوقبوا، ولم يُحاسب مسؤول واحد بوكالة الاستخبارات المركزية. أرفع المسؤولين الذين تمت ملاحقتهم قضائياً على انتهاكات حقوق السجناء كانوا الليفيتانت كولونيل ستيفن جوردن، الذي حوكم عسكرياً عام 2006 على دوره في فضيحة أبوغريب، لكن تمت تبرئته في عام 2007.

وعندما أصبح باراك أوباما رئيساً في عام 2009 – غير محمل بأعباء فضيحة انتهاك حقوق السجناء – كانت فرص المحاسبة تبدو في تحسن. بصفته مرشح رئاسي، تحدث أوباما عن الحاجة لـ "تحقيق مستفيض" في سوء معاملة المحتجزين.[5] بعد انتخابه، قال إنه لابد من فتح ملاحقات قضائية إذا "تبين مخالفة شخص ما للقانون بشكل واضح"، لكنه أعرب عن غير ذلك عندما قال إنه يعتقد أن "علينا ألا ننظر إلا للأمام ولا ننظر إلى الماضي".[6]

في 24 أغسطس/آب 2009 تم الإفراج عن تقرير المفتش العام للسي آي أيه المحجوب منذ فترة طويلة، عن ممارسات الاستجواب، لكن بعد حجب أجزاء كثيرة منه، مع الكشف عن ممارسات غير قانونية جديدة، فأعلن المحامي العام إريك هولدر عن تعيينه المحامي العام المساعد جون دورهام لإجراء "مراجعة مبدئية لما إذا كان قد تم خرق القوانين الفيدرالية على صلة بالاستجواب لمحتجزين بعينهم خارج أراضي الولايات المتحدة". إلا أن هولدر أضاف: "وزارة العدل لن تلاحق قضائياً أي شخص تصرف من واقع حسن النية بناء على الإرشاد القانوني الذي تلقاه من مكتب الاستشارات القانونية، فيما يخص أسلوب استجواب المحتجزين".[7]

جاء بيان هولدر متفقاً مع الرئيس أوباما عندما أفرج عن سلسلة من مذكرات تعود لعهد بوش: "في معرض الإفراج عن هذه المذكرات، فإن قصدنا هو التأكيد على أن من نفذوا واجبهم بنية حسنة بموجب استشارات قانونية من مكتب الاستشارات القانونية بوزارة العدل، لن يتعرضوا للملاحقة القضائية". هذه التصريحات في حد ذاتها تتسق مع قانون معاملة المحتجزين لعام 2005، الذي يدافع عن المسؤول ضد الاتهامات الجنائية في حالة:

إن لم يكن يعرف بأن الممارسات القائمة غير قانونية وإن كان الإنسان صاحب الحدس السليم العادي والفهم الطبيعي للأمور لا يرى في الممارسات أمر غير قانوني. الاعتماد على النية الحسنة استناداً إلى المشورة القانونية عامل هام، من بين عوامل أخرى، لابد من الالتفات إليه أثناء تقييم ما إذا كان الشخص صاحب الحدس العادي والسليم والفهم الطبيعي للأمور سيرى في الممارسات محل النظر أمر غير قانوني.[8]

المشكلة أن الاستشارة القانونية محل النظر هنا – كما وردت في مذكرة من صياغة مكتب الاستشارات القانونية والتي تعتبر نص ذت طبيعة آمرة للرئيس وجميع الهيئات التنفيذية الأخرى – هي في حد ذاتها تصرح بالتعذيب والمعاملة السيئة. ترى المذكرة أنه من القانوني اللجوء لممارسات مثل تمثيل الإغراق، وكذلك الحرمان من النوم لفترات طويلة، والضرب بعنف بالجدران، وإجبار السجناء على العري، وتحديد الإقامة في صناديق صغيرة معتمة. الجدير بالذكر أن جميع المذكرات قد تم سحبها فيما بعد من قبل مسؤولين جدد بمكتب الاستشارات القانونية أثناء فترات لاحقة من إدارة بوش.

وبينما المسؤولون الأمريكيون الذين تصرفوا بنية حسنة بناء على أحكام قانونية رسمية يتمتعون بشكل عام بالحصانة بموجب القوانين الأمريكية من الملاحقة القضائية، فهذا لا يعني أن وزارة العدل عليها اعتناق الرأي العام القائل بأن جميع المسؤولين الذين يتحملون مسؤولية أساليب التعذيب الواردة صراحة في مذكرات مكتب الاستشارات القانونية يتمتعون عامة بالحماية من التحقيق الجنائي. أن تتبنى وزارة العدل مثل هذا الموقف، فهذا يعني المخاطرة بإضفاء الشرعية على إستراتيجية قانونية تسعى لإبعاد المسؤولية الجنائية عن مخالفات معينة، عن طريق الاستباق بصياغة دفاع قانوني عنها. إذا تبين أن مثل هذه الخطة ناجحة، فهذا يعني أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة قد تلجأ إلى إجراءات قانونية مماثلة للحماية من قبيل المذكور.

وأثناء تقييم "النية الحسنة" لأولئك الذين زعموا بالاستناد إلى إرشاد مكتب الاستشارات القانونية ليس أكثر، فإن وزارة العدل عليها أن تبحث بشكل نشط، في كل قضية على حدة، فيما إذا كان الإنسان الذي يتمتع بالحكم المنطقي على الأمور في وقت اتخاذ تلك القرارات سيقتنع بأن هذه الممارسات قانونية. يبدو من غير القابل للتصديق أن القضايا التي شهدت أكثر الانتهاكات جسامة ستمر بنجاح بهذا الاختبار. ومن غير المرجح تحديداً أن المسؤولين الكبار الذين يتحملون مسؤولة التصريح بالتعذيب سوف يتمتعون بالحماية بموجب هذه القواعد، لا سيما إذا كانوا قد ضغطوا من أجل توفير غطاء قانوني، من مكتب الاستشارات القانونية، أو إذا كان لهم تأثير على صياغة المذكرات التي يزعمون أنها تحميهم حالياً.

لكي تنظر وزارة العدل بالأساس في تصرفات المحققين غير رفيعي المستوى، فهذا بدوره خطأ؛ فإن هذا يعكس سوء فهم أساسي في كيفية وأسباب وقوع الانتهاكات. سواء كانت أساليب الاستجواب المنطوية على الإكراه قد وافقت عليها وزارة الدفاع أو في إطار برنامج الاحتجاز السري التابع للسي آي أيه، فقد كانت قرارات جاءت من أعلى لأسفل تورط فيها كبار المسؤولين الأمريكيين، المسؤولين عن صياغة والتصريح بالممارسات المسيئة والإشراف عليها.

أسانيد التحقيق

على مدار السنوات القليلة الماضية، ظهرت أدلة جديدة في السجلات العامة بشأن تطور سياسات الاحتجاز غير القانوني والتعذيب والمعاملة السيئة للمحتجزين طرف الولايات المتحدة. بفضل قضايا قانون حرية المعلومات تحديداً التي رفعها الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية ومركز الحقوق الدستورية، التي أدت لظهور أكثر من مائة ألف ورقة من الوثائق الحكومية بشأن معاملة المحتجزين؛ أصبح السجل العام حالياً يضم أغلب أجزاء تقرير من المفتش العام للسي آي أيه عن ممارسات الاحتجاز، وكذلك أوراق بحثية من السي آي أيه، وتقارير حكومية أخرى، و"مذكرات التعذيب" سيئة السمعة، التي تنص على مبررات قانونية مقدمة للإدارة، بموجبها يمكنها ممارسة تقنيات الاستجواب المسيئة.[9] وهناك كم كبير من المعلومات تم الكشف عنه أثناء تحقيق من قبل لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، التي أصدرت تقريراً عن انتهاكات حقوق المحتجزين في عام 2008 تم إلغاء تصنيفه كوثيقة سرية في عام 2009.[10] وقد أصدر مفتش عام وزارة العدل تقريراً عن تورط مكتب التحقيقات الفيدرالية FBI في انتهاكات حقوق المحتجزين في عام 2008،[11] وأصدر مكتب المسؤولية المهنية بوزارة العدل تقريراً عن دور محاميّ الوزارة في صياغة مذكرات قانونية تبرر تقنيات الاستجواب المسيئة.[12] وقد ظهر تقرير من اللجنة الدولية للصليب الأحمر – يُرجح أنه قد تم تسريبه عن طريق مسؤولين أمريكيين – يصف بدوره معاملة المحتجزين "الأهم" المحتجزين طرف السي آي أيه.[13] فضلاً عن ذلك، فقد قام محتجزون سابقون وأشخاص كشفوا عن الانتهاكات من الداخل برواية شهاداتهم، والكثير من المسؤولين تحدثوا عن أدوارهم. إلا أنه كما هو وارد في هذا التقرير، فهناك أدلة أساسية كثيرة – بدءاً من أمر الرئيس بوش الذي صرح بـ "المواقع السوداء" للسي آي أيه – ما زالت سرية.

في هذا التقرير، فإن استنتاجنا يتلخص في أننا نعتقد بوجود أدلة قوية تستوجب فتح تحقيق جنائي مع كل من التالية أسمائهم:[14]

الرئيس جورج دبليو بوش: الذي كانت له السلطة الأولى فيما يخص عمليات الاحتجاز والتصريح ببرنامج الاحتجاز السري التابع للسي آي أيه، والذي تعرض أثناءه العديد من الأفراد للاختفاء في الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي لفترات طويلة. وقد صرّح ببرنامج التسليم للدول، الذي كان يعرف أو كان يجب أن يعرف، أنه سيؤدي إلى وقوع تعذيب. وأعترف علناً بأنه وافق على استخدام السي آي أيه للتعذيب، لا سيما أسلوب تمثيل الإغراق، على اثنين من المحتجزين. لم يستخدم بوش مطلقاً سلطته لأجل وقف المعاملة السيئة أو لمعاقبة المسؤولين عنها.

نائب الرئيس ديك تشيني: الذي كان القوة المحركة وراء إرساء سياسات الاحتجاز غير القانونية وصياغة المبررات القانونية لهذه السياسات. ترأس وحضر اجتماعات عديدة تمت خلالها مناقشة عمليات محددة للسي آي أيه، بدءاً بتمثيل إغراق المحتجز أبو زبيدة عام 2002. وكان من أعضاء مجلس الأمن القومي "لجنة القيادات"، الذي وافق وصرح فيما بعد باستخدام تمثيل الإغراق وغيره من أشكال التعذيب والمعاملة السيئة في سياق برنامج السي آي أيه الخاص بالاستجواب. اعترف تشيني علناً بأنه كان على دراية باستخدام "تمثيل الإغراق".

وزير الدفاع دونالد رامسفيلد: وافق على أساليب الاستجواب غير القانونية التي يسرت استخدام التعذيب والمعاملة السيئة من قبل أشخاص بالجيش الأمريكي في أفغانستان والعراق. كان رامسفيلد يتابع عن كثب عمليات الاستجواب في غوانتانامو الخاصة بمحمد القحطاني الذي تعرض لمدة ستة أسابيع لتقنيات استجواب بالإكراه ترقى للتعرض للتعذيب. وكان من أعضاء لجنة القيادات بمجلس الأمن القومي، التي وافقت على استخدام التعذيب على محتجزي السي آي أيه. لم يمارس رامسفيلد مطلقاً سلطته المخولة له بوقف استخدام التعذيب والمعاملة السيئة على المحتجزين، حتى بعد أن عرف بأدلة على وقوع انتهاكات طوال السنوات الثلاث التي بدأت منذ مطلع عام 2002.

مدير وكالة الاستخبارات المركزية جورج تينيت: الذي صرح وأشرف على استخدام السي آي أيه لتمثيل الإغراق، أي الخنق شبه التام عن طريق الإغراق، ووضع الأفراد في أوضاع مجهدة، واستخدم الضوء والضوضاء في إزعاج السجناء والحرمان من النوم، وغير ذلك من أشكال التعذيب والمعاملة السيئة. وكان من أعضاء لجنة القيادات بمجلس الأمن القومي التي وافقت على استخدام التعذيب ضمن برنامج استجواب السي آي أيه. تحت توجيهات تينيت، قامت السي آي أيه أيضاً بـ "إخفاء" المحتجزين، باحتجازهم لفترات طويلة بمعزل عن العالم الخارجي في مواقع سرية، وتسليمهم (نقلهم) إلى بلدان يُرجح أن يتعرضوا فيها للتعذيب، وقد تعرضوا فيها للتعذيب بالفعل.

فضلاً عن ذلك، فلابد من التحقيق الجنائي في صياغة المذكرات القانونية التي سعت لتبرير التعذيب، وكانت السند وراء التصريح بالاحتجاز السري طرف السي آيه أيه. المحامون الحكوميون المتورطون بينهم ألبرتو جونزالس، مستشار الرئيس ثم المحامي العام، وجاي بايبي، مساعد المحامي العام عن مكتب الاستشارات القانونية بوزارة العدل، وجون ريزو، القائم بأعمال مستشار عام وكالة الاستخبارات المركزية، وديفيد أدينغتن، مستشار نائب الرئيس، وويليام هاينز الثاني، مستشار عام وزارة الدفاع، وجون يوو، نائب مساعد المحامي العام بمكتب الاستشارات القانونية بوزارة العدل.

لجنة مستقلة غير منحازة

يستحق الرأي العام الأمريكي والرأي العام العالمي تحقيق كامل وعلني يكشف عن معدل الانتهاكات التي وقعت إثر هجمات 11 سبتمبر/أيلول، بما في ذلك كيف ولماذا وقعت. الملاحقات القضائية – التي تركز على المسؤولية الجنائية للأفراد – لن تكشف عن معلومات كافية. هناك حاجة إلى لجنة تحقيق مستقلة وغير منحازة لأي طرف من الأطراف، على غرار لجنة 9-11، كي تفحص إجراءات وتحركات الجهاز التنفيذي والسي آي أيه والجيش والكونغرس، وأن تخرج بتوصيات لضمان عدم تكرار هذه الانتهاكات المتفشية والممنهجة مرة أخرى.[15]

التحقيقات التي أجرتها الحكومة الأمريكية إما كانت مقتصرة – كالتي بحثت في انتهاكات عاملين بالجيش في أماكن بعينها في زمن معين – أو تعوزها الاستقلالية، مثل تحقيقات الجيش. تحقيقات الكونغرس كانت مقتصرة على التقصي حول هيئة معينة أو وزارة محددة. والأشخاص الذين خططوا أو شاركوا في البرامج المذكورة لم يتحدثوا بعد بما لديهم.

الكثير من الوثائق الأساسية الخاصة باستخدام التقنيات المسيئة ما زالت سرية. ما زالت هناك الكثير من النقاط الغامضة غير الموصولة. يمكن للجنة مستقلة غير منحازة أو ترسم الصورة الأوضح للأسباب الكامنة وراء الانتهاكات، وكذلك التبعات الإنسانية والقانونية والسياسية لسياسات الحكومة غير القانونية.

التوصيات

إلى الرئيس الأمريكي

·يجب أمر المحامي العام بفتح تحقيق جنائي في ممارسات احتجاز واستجواب الحكومة الأمريكية منذ 11 سبتمبر/أيلول 2001، بما في ذلك برنامج احتجاز وكالة الاستخبارات المركزية (السي آي أيه). يجب أن يشمل التحقيق:

    • فحص دور المسؤولين الأمريكيين، بغض النظر عن رتبهم أو مناصبهم، الذين شاركوا وصرحوا وأمروا وتولوا مسؤولية القيادة عن التعذيب أو المعاملة السيئة أو غير ذلك من ممارسات الاحتجاز غير القانونية، بما في ذلك الاختفاءات القسرية والتسليم لأجل التعذيب.

إلى الكونغرس الأمريكي

·يجب تشكيل لجنة مستقلة وغير منحازة للتحقيق في سوء معاملة المحتجزين طرف الولايات المتحدة منذ 11 سبتمبر/أيلول 2001، بما في ذلك أعمال التعذيب والاختفاء القسري والتسليم لأجل التعذيب. لابد أن تتولى هذه اللجنة:

    • عقد جلسات استماع، وأن تتمتع بسلطات الأمر بالاستدعاء للتحقيق وإلزام الأطراف بتقديم الأدلة المتوفرة لديهم، وأن تكون متمكنة من تقديم توصيات بتعيين مدعي خاص معني بالتحقيق في الجرائم المحتملة، إذا لم يكن المحامي العام قد بدأ مثل هذا التحقيق.

إلى الحكومة الأمريكية

·يجب بالاتساق مع التزاماتها بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب، أن تضمن الحكومة الأمريكية نيل ضحايا التعذيب للإنصاف القضائي، على أن يشمل ذلك إمداد الضحايا بالتعويضات إذا استلزم الأمر، بعيداً عن السياق القضائي.

إلى الحكومات الأخرى

·ما لم تفتح الحكومة الأمريكية تحقيقات جنائية موثوقة في شأن دور كبار المسؤولين في إساءة معاملة المحتجزين منذ 11 سبتمبر/أيلول 2001، يجب ممارسة مبدأ الاختصاص القضائي العالمي وأشكال الاختصاص القضائي الأخرى المتوفرة بموجب القوانين الدولية والوطنية، من أجل مقاضاة المسؤولين الأمريكيين المزعوم تورطهم في مخالفات جنائية ضد المحتجزين، في خرق للقانون الدولي.

I. خلفية: التبرير الرسمي للجرائم المُرتكبة بحق المحتجزين

في 11 سبتمبر/أيلول 2001، قامت أربع طائرات مدنية على متنها عناصر من تنظيم القاعدة بالارتطام ببرج التجارة العالمي بمدينة نيويورك، وبمبنى وزارة الدفاع (البنتاغون) في واشنطن العاصمة، مما أودى بحياة نحو 3000 شخص. بعد الهجمات بثلاثة أيام، سعى الرئيس بوش للحصول على قرار – وحصل عليه بالفعل – من الكونغرس، يصرح له باستخدام "جميع القوى الضرورية والمناسبة" ضد المسؤولين عن هذه الهجمات.[16] وفي ظرف اسابيع، بدأت العمليات العسكرية الأمريكية ضد القاعدة المدعومة من حكومة طالبان في أفغانستان. وقام مسؤولون كبار بإدارة بوش بالتصديق علناً وخفية على سياسات في إطار "الحرب العالمية ضد الإرهاب" المُعلنة، مما سمح للولايات المتحدة بالالتفاف حول التزاماتها القانونية الدولية.

وفي 16 سبتمبر/أيلول 2001، قال نائب الرئيس ديك تشيني في حوار متلفز على شاشات الإن بي سي في برنامج "قابل الصحافة":

كما أن علينا العمل في شق مظلم، إن كان لي أن استخدم هذا التعبير. سوف ننفق وقتاً في الظل، في عالم الاستخبارات. الكثير مما نحتاج عمله هنا سيتم بهدوء، دون أي مناقشات، باستخدام موارد وأساليب متوفرة لهيئاتنا الاستخباراتية، إذا كنا نريد أن ننجح في مسعانا. هذه هي طبيعة العالم الذي يعمل فيه هؤلاء الناس، ومن ثم فمن الضروري لنا أن نستخدم كل ما بوسعنا من سبل، بالأساس من أجل تحقيق هدفنا.[17]

في الشهادة التي تم تحضيرها للكونغرس في سبتمبر/أيلول 2002، قال مدير وحدة مكافحة الإرهاب في السي آي أيه في ذلك الحين كوفير بلاك: "هناك ما هو "قبل 11 سبتمبر/أيلول" وما بعده، بعد 11 سبتمبر/أيلول، نُزعت الأقنعة وأصبح اللعب على المكشوف".[18]

أثناء اجتماع لـ "وزارة الحرب" التابعة لمجلس الأمن القومي في 15 سبتمبر/أيلول، عرض رئيس السي آي أيه جورج تينيت، خيارات بعمليات سرية للسي آي أيه، تشمل القبض على مشتبهين بالإرهاب خارج البلاد ونقلهم إلى بلدان ثالثة، وكذلك أشار إلى عمليات أخرى.[19] بعد يومين، في 17 سبتمبر/أيلول، وقع الرئيس بوش على مذكرة ما زالت سرية تصرح للسي آي أيه باحتجاز واستجواب مشتبهين بالانتماء بالعضوية لتنظيم القاعدة وآخرين يُعتقد أنهم تورطوا في الهجمات.[20]

وبمساندة من المستشار القانوني لنائب الرئيس تشيني، ديفيد أدينغتن، قام كبار المحامين بالإدارة – منهم مستشار قانوني البيت الأبيض في ذلك الحين ثم المحامي العام، ألبرتو جونزالس – بصياغة سلسلة من المذكرات لبناء الإطار القانوني من أجل الالتفاف حول قيود القانون الدولي الخاصة باستجواب السجناء.[21] هذه المذكرات خرجت بآراء مفادها بالأساس أن اتفاقيات جنيف لعام 1949، معاهدات زمن الحرب المؤسسة لهذا الفقه بالأساس، لا تنطبق على الأفراد المحتجزين على صلة بالنزاع المسلح في أفغانستان.

وقد صدرت مذكرة في 9 يناير/كانون الثاني 2002 من صياغة جون يوو، نائب مساعد المحامي العام عن مكتب الاستشارات القانونية بوزارة العدل، تنصح وزارة الدفاع بأن اتفاقيات جنيف لا تنطبق على أعضاء القاعدة لأنهم ليسوا دولة ومن ثم فهم ليسوا أطرافاً في الاتفاقيات. المذكرة قالت إن الاتفاقيات لا تنطبق أيضاً على طالبان، لأنه لا يمكن اعتبارها حكومة، بما أن أفغانستان "دولة عاجزة" (Failed State). كما قالت المذكرة بأن الرئيس يمكنه تعليق العمل باتفاقيات جنيف، وأن قوانين الحرب العرفية لا تُلزم الولايات المتحدة لأنها لا تعتبر من القوانين الفيدرالية.[22]

ويليام هـ. تافت الرابع، مستشار قانوني وزارة الخارجية، حذر من أن القول بأن الرئيس يمكنه تجميد العمل باتفاقيات جنيف "معيب قانوناً" وأن منطق المذكرة "غير سليم وغير كامل أيضاً". القول بأن أفغانستان "دولة عاجزة" ولم تعد طرفاً في اتفاقيات جنيف، على حد قوله، "يناقض الموقف الرسمي في الولايات المتحدة وفي الأمم المتحدة والدول الأخرى التي تنظر في هذا الموضوع".[23]

وفي مذكرة أساسية وهامة بتاريخ 25 يناير/كانون الثاني 2002، جادل جونزالس بأن الرئيس عليه إعلان قوات طالبان في أفغانستان والقاعدة، خارج نطاق اتفاقيات جنيف. هذا، على حد ما كتبه، يعني الحفاظ على "مرونة" الولايات المتحدة في "الحرب ضد الإرهاب" وهو الأمر "الذي في رأيي... أراه يعني عقم قواعد جنيف فيما يخص استجواب أسرى العدو". كما حذر جونزالس بأن المسؤولين الأمريكيين المتورطين في تقنيات الاستجواب القاسية يمكن أن يُلاحقوا بتهمة ارتكاب جرائم حرب بموجب القوانين الأمريكية إذا طُبقت الاتفاقيات.[24]

وكتب جونزالس أنه "من الصعب التنبؤ بثقة" في كيفية تطبيق الادعاء الأمريكي لمحاذير اتفاقيات جنيف ضد "المخالفات البينة ضد الكرامة الإنسانية" و"المعاملة الإنسانية"". وقال بأن إعلان طالبان ومقاتلي القاعدة غير محميين بموجب اتفاقيات جنيف "يقلص كثيراً من تهديد الملاحقة الجنائية داخلياً". وأعرب جونزالس للرئيس بوش عن قلق القيادات العسكرية من أن هذه السياسات قد "تقوض من العقيدة القتالية الأمريكية التي تركز على الحفاظ على أعلى معايير السلوك في القتال، ويمكن أن تدخل عنصراً من عدم اليقين إزاء حالة العدو".[25] تم تجاهل بواعث القلق هذه، لكن ثبت أن لها ما يبررها.

تقابل وزير الخارجية كولين باول مرتين مع بوش لمناقشة قلقه إزاء مذكرة يوو. كما أبدى بواعث قلق مشابهة الجنرال ريتشارد مايرز، رئيس أركان الجيش، وغيره من القادة العسكريين.[26] قال باول بأن إعلان الاتفاقيات غير منطبقة يعني "العودة مدة قرن من الزمان في السياسة الأمريكية وممارساتها الداعمة لاتفاقيات جنيف مع تقويض تدابير الحماية الخاصة بقوانين الحرب فيما يخص قواتنا، سواء في هذا النزاع تحديداً أو بشكل عام".[27]

ورداً على اعتراضات باول وآخرين، عدّل بوش قليلاً من الأمر المُقترح، لكنه فعل هذا بشكل يحرم المحتجزين فعلياً من تدابير حماية الاتفاقيات: في 7 فبراير/شباط 2002، أعلن بوش أنه بينما ستطبق الولايات المتحدة "مبادئ" اتفاقيات جنيف على الأسرى من طالبان، فلن ترى في أي منهم "أسرى حرب" لأن الولايات المتحدة لا تعتقد أنهم يستوفون متطلبات الاتفاقيات بأنهم قوة مسلحة، بما أنه لا توجد هيراركية عسكرية لديهم، ولا يرتدون زياً رسمياً، ولا يحملون السلاح بشكل مباشر ومفتوح، ولا يجرون العمليات بموجب قوانين وأعراف الحرب. وقال إن الحكومة الأمريكية تعتبر اتفاقيات جنيف غير منطبقة على الأسرى من القاعدة، رغم أنه "ومن وجهة نظر سياساتنا، فإن القوات المسلحة الأمريكية ستستمر في معاملة المحتجزين بشكل إنساني، إلى الدرجة الملائمة وبما يتفق مع الضرورة العسكرية، بشكل متسق مع مبادئ جنيف".[28]

هذه القرارات قامت بالضرورة بتفسير اتفاقيات جنيف بالشكل الملائم لأغراض الإدارة. والأهم، أنها خفضت من درجة مراعاة القانون الدولي القائمة واجبة الاتباع، إلى مستوى "المبادئ"، التي يبدو من الكلام المذكور أنه يجب ألا يُراعى أي شيء سواها. جميع الأفراد المحتجزين على صلة بأي نزاع مسلح، سواء كانوا مستحقين لوضع أسرى الحرب أو لا،[29] فإنهم ما زالوا مستحقون لتدابير الحماية الأساسية الواردة في القانون الدولي.[30] على سبيل المثال فإن "الضمانات الأساسية" الموصوفة في المادة 75 من البروتوكول الإضافي لعام 1977 الخاص باتفاقيات جنيف لعام 1949 فيما يخص حماية ضحايا النزاعات المسلحة الدولية (البروتوكول الأول)، الذي تعتبره الولايات المتحدة منذ فترة طويلة يعكس القانون الدولي العرفي (ممارسة على نطاق واسع بدعم من الدولة مقبولة بصفة القانون)، هذا البروتوكول يحمي جميع المحتجزين من القتل، "التعذيب من جميع الأنواع سواء بدني أو ذهني"، "العقاب البدني" و"المخالفات الجسيمة التي تجترء على كرامة الفرد، لا سيما المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة... وأي شكل من أشكال الاعتداءات غير الأخلاقية".[31]

II. تعذيب المحتجزين في عمليات مكافحة الإرهاب الأمريكية

برنامج احتجاز وكالة الاستخبارات المركزية (السي آي أيه)

في 15 سبتمبر/أيلول 2001، عرض مدير الاستخبارات المركزية جورج تينيت على مجلس الأمن القومي NSC خيارات تخص عمليات للسي آي أيه تشمل اختطاف مشتبهين بالإرهاب في الخارج.[32] بعد يومين، في 17 سبتمبر/أيلول، وقع الرئيس بوش أمراً يُصرِّح للسي آي أيه بقتل واعتقال واحتجاز واستجواب مشتبهين بالإرهاب على صلة بالقاعدة.[33]

في 26 سبتمبر/ايلول، تناقلت التقارير قيام تينيت بإخطار بوش ومجلس الأمن القومي بعمليات تسليم السي آي أيه للمشتبهين، حيث يُنقلون إلى دول ثالثة مثل الأردن ومصر للاحتجاز والاستجواب.[34]

وفي الوقت نفسه، فإن السي آي أيه والجيش الأمريكي في أفغانستان، بدأا في استجواب المحتجزين المقبوض عليهم هناك، أو في باكستان مع تسليمهم للقوات الأمريكية في أفغانستان. في حصن قلي جانغي في شمال أفغانستان، قام العاملون بالقوات الخاصة بالجيش والسي آي أيه باستجواب الأفراد.[35] كما بدأ المحتجزون في التوافد على مقر أمريكي جديد بالقرب من كندهار في جنوبي أفغانستان في نوفمبر/تشرين الثاني 2001 وعلى قاعدة بجرام الجوية على مشارف كابل في ديسمبر/كانون الأول 2001. وخلال أسابيع، بدأت تظهر تقارير إعلامية تزعم إساءة معاملة المحتجزين في قالي جانغي وفي قاعدة كندهار.[36]

المزاعم بالانتهاكات بحق المحتجزين طرف الولايات المتحدة في أفغانستان استمرت في عام 2002. طبقاً لوثائق من الجيش الأمريكي أُفرج عنها في 2004 و2005، فإن أربعة عاملين بالوحدات الخاصة "قتلوا" أفغانياً رهن الاحتجاز في أغسطس/آب 2002.[37] وفي سبتمبر/أيلول 2002 مات محتجز لم يُذكر اسمه أثناء احتجازه طرف السي آي أيه قرب كابل، بحسب التقارير بعد أن عانى من انخفاض في درجات حرارة جسمه.[38] في ديسمبر/كانون الأول 2002، تعرض محتجزان بقاعدة بجرام الجوية للضرب حتى الموت من قبل حراس عسكريين أمريكيين، كانوا مكلفون بالعمل مع عملاء الاستخبارات بعمليات الاستجواب.[39] وقد خلص تحقيق أجري في ديسمبر/كانون الأول 2008 من قبل لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ إلى أن العديد من التقنيات المسيئة التي كانت بانتظار الموافقة الرسمية في غوانتانامو في أكتوبر/تشرين الأول 2002 كانت بالفعل تُمارس في أفغانستان في ذلك الوقت.[40] وقد ظهر تقرير لوزارة الدفاع بتاريخ 2004 من قبل مستشار وزير الدفاع السابق جيمس ر. شليسنغر، أقر بأن عمليات الاستجواب "العدائية" كانت تُمارس في أفغانستان من أواخر 2001 حتى 2002، بما يتجاوز ما تمت الموافقة عليه من قبل دليل الجيش الأمريكي الخاص بالاستجواب.[41]

مواقع الاحتجاز السرية

بموجب أمر الرئيس بوش بتاريخ 17 سبتمبر/أيلول 2001، بدأت السي آي أيه في إنشاء مراكز احتجاز سرية. رغم أنه ما زال هناك الكثير مما لم يُعرف بعد عن طريقة عمل هذه "المواقع السوداء"، التي لم يتم الإقرار بمواقعها قط من قبل الولايات المتحدة، فهناك أدلة قوية تشير إلى أن الولايات المتحدة أنشأت مراكز سرية للاستجواب أو للنقل في أفغانستان وفي غوانتانامو والعراق وليتوانيا والمغرب وباكستان وبولندا ورومانيا وتايلاند.[42] سجون السي آي أيه، التي يُعتقد أنها كانت تعتقل 100 محتجز تقريباً منذ عام 2002،[43] شهدت بعض أفظع انتهاكات حقوق الإنسان، والكثير منها موصوف أدناه.

اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي قابلت 14 من المحتجزين السابقين في مواقع السي آي أيه السوداء بعد نقلهم إلى غوانتانامو، عرضت الوصف التالي لنظام احتجازهم:

طوال فترة احتجازهم طرف برنامج السي آي أيه للاحتجاز – التي تراوحت من 16 شهراً إلى نحو 4 سنوات ونصف السنة و11 محتجزاً من الأربعة عشرة تعرضوا للاحتجاز لأكثر من 3 أعوام – كان المحتجزون في حبس انفرادي دائم وبمعزل عن العالم الخارجي. لم يعرفوا طوال تلك الفترات بمكان احتجازهم، ولم يكونوا على أي اتصال بأفراد باستثناء المحققين والحراس. حتى حراسهم كانوا عادة يرتدون الأقنعة، وباستثناء الحد الأدنى الضروري، لم يكونوا على اتصال بأي شكل من الأشكال بباقي المحتجزين. لم يكن لأي منهم أي اتصال حقيقي – دعك من أي اتصال منتظم – بأي أشخاص من المحتجزين، باستثناء في حالات محددة لغرض التقصي ومواجهة المحتجزين ببعضهم. لم يكن لأي منهم ممثل قانوني. الأربعة عشر شخصاً لم يكونوا على دراية بأي أخبار للعالم الخارجي، باستثناء في فترات لاحقة من احتجازهم، عندما اطلع بعضهم على مطبوعات من صفحات أخبار رياضية على الإنترنت، وتلقى أحدهم حسب الزعم الجرائد.
لم يكن لأي من الـ 14 المذكورين أي اتصال بذويهم، سواء بشكل مكتوب أو عن طريق زيارات عائلية أو باتصالات هاتفية. ومن ثم لم يتمكنوا من إخطار أسرهم بمصائرهم. من ثم، أصبح هؤلاء المذكورين أشخاص مفقودين. في أي سياق، نظراً لطول مدة الاحتجاز، فقد أدى هذا بطبيعة الحال لقلق بالغ  لدى المحتجزين وأسرهم، وهو الأمر الذي يعتبر في حد ذاته من أشكال المعاملة السيئة.
فضلاً عن ذلك، فإن المحتجزين حُرموا من التواصل مع أي أطراف ثالثة مستقلة. من أجل ضمان المحاسبة، هناك حاجة لإخطار العائلات، وإخطار الغير (أطراف ثالثة) باحتجاز الافراد بموجب إجراءات محددة، مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر. مع عدم اتخاذ هذه الإجراءات، على حد علم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بحق أي من الـ 14 محتجزاً أو المحتجزين الآخرين ممن تعرضوا لاحتجاز السي آي أيه، لهو مما يعتبر من اعتبارات القلق الجسيمة.[44]

بعد انكشاف سر مواقع الاحتجاز هذه، أقر بوش في سبتمبر/ايلول 2006 رسمياً بوجود مراكز احتجاز سرية للسي آي أيه، إذ قال:

هناك عدد صغير من قيادات الإرهابيين وعملاء الإرهابيين تم أسرهم أثناء الحرب، وتم احتجازهم واستجوابهم خارج الولايات المتحدة، في برنامج منفصل تديره الاستخبارات المركزية... الكثير من تفاصيل هذا البرنامج – ومنها مكان احتجاز هؤلاء السجناء وتفاصيل أخرى تخص احتجازهم – لا يمكن الكشف عنها.[45]

وقد أمر حسب قوله بنقل الـ 14 محتجزاً طرف السي آي أيه المتبقين إلى غوانتانامو.[46]

وفي 22 يناير/كانون الثاني 2009، في ثاني يوم له في منصبه، أصدر الرئيس أوباما أمراً تنفيذياً بإغلاق برنامج مراكز الاحتجاز السرية الخاص بالسي آي أيه.[47]

قضية أبو زبيدة: أول محتجز ضمن برنامج استجواب السي آي أيه

في أواخر مارس/آذار 2002، قامت السي آي أيه في فيصل آباد في باكستان بالقبض على زين العابدين محمد حسين، المعروف باسم أبو زبيدة. أبو زبيدة تعرض لإطلاق النار عليه أثناء القبض عليه ونُقل إلى مستشفى في لاهور بباكستان، قبل نقله إلى منشأة احتجاز سرية تابعة للسي آي أيه، على ما يبدو كانت في بانكوك بتايلاند.[48]

كان الاعتقاد في البداية أن أبو زبيدة من كبار عملاء القاعدة، وأصبح استجوابه نموذج لدور السي آي أيه الجديد وقتها، فيما يخص الاحتجاز والاستجواب بموجب أمر بوش الصادر في 17 سبتمبر/أيلول 2001.

هناك تقرير صدر في 2009 من لجنة مجلس الشيوخ الخاصة بالاستخبارات في عام 2009 بعنوان "شهادة منزوعة السرية تصف آراء مكتب الاستشارات القانونية بوزارة العدل في برنامج السي آي أيه للاحتجاز والاستجواب"، يصف التقرير تفصيلاً عملية وإجراءات موافقة مجلس الأمن القومي على سياسة استجواب السي آي أيه الخاصة بأبو زبيدة:

تشير سجلات السي آي أيه إلى أن أعضاء مجلس الأمن القومي ومسؤولين كبار آخرين بالإدارة تم إطلاعهم على برنامج احتجاز واستجواب السي آي أيه على مدار البرنامج. في أبريل/نيسان 2002، بدأ محامون من مكتب المستشار العام للسي أي أيه في مناقشات مع المستشار القانوني لمجلس الأمن القومي ومكتب الاستشارات القانونية بشأن خطة السي آي أيه المقترحة بشأن أبو زبيدة والقيود القانونية أثناء عملية الاستجواب. تشير سجلات السي آي أيه إلى أن المستشار القانوني لمجلس الأمن القومي  [جون بيلنغر] أطلع مستشارة مجلس الأمن القومي [كونداليزا رايس]، ونائب مستشار الأمن القومي [ستيفن هادلي]، ومستشار الرئيس [ألبرتو جونزالس]، وكذلك المحامي العام  [جون أشكروفت] ورئيس القسم الجنائي بوزارة العدل [مايكل شرتوف].
طبقاً لسجلات السي آي أيه، لأن السي آي أيه اعتقدت أن أبو زبيدة يحجب معلومات تهدد الأمن أثناء جلسات الاستجواب الأولى، فإن محامين من مكتب الاستشارات العامة للسي آي أيه [يرأسه جون ريزو] قابلوا المحامي العام [جون أشكروفت]، ومستشارة الأمن القومي [كونداليزا رايس]، ونائب مستشار الأمن القومي [ستيفن هادلي]، والمستشار القانوني لمجلس الأمن القومي [جون بيلنغر] ومستشار الرئيس [ألبرتو جونزالس] في أواسط مايو/أيار 2002 لمناقشة الاستخدام المحتمل لأساليب استجواب بديلة تختلف عن الأساليب التقليدية التي يستخدمها أعوان الجيش والاستخبارات الأمريكيون. في ذلك الاجتماع، اقترحت السي آي أيه أساليب استجواب بديلة، شملت تمثيل الإغراق.
مكتب المستشار العام للسي آي أيه بعد ذلك طلب من مكتب الاستشارات القانونية بوزارة العدل تحضير رأي قانوني عن قانونية التقنيات المقترحة. لتمكين المكتب من مراجعة مشروعية التقنيات، وفرت السي آي أيه للمكتب أوصافاً كتابية وشفهية بالتقنيات المقترحة. كما أمد السي آي أيه مكتب الاستشارات القانونية بمعلومات عن الآثار الطبية والنفسية لبرنامج "النجاة والتمويه والمقاومة والفرار" SERE الخاص بوزارة الدفاع، وهو برنامج تدريب عسكري يتلقى خلاله العسكريون تدريباً على مقاومة آليات الاستجواب التي قد يتعرضون لها.[49]

تقنيات البرنامج المذكور كانت تستخدم من قبل وكالة معافاة الأفراد المشتركة JPRA التابعة لوزارة الدفاع لتدريب القوات الخاصة الأمريكية على تحمل أليات الاستجواب المستخدمة من قبل العدو، الذي قد لا يلتزم باتفاقيات جنيف.[50] هذه التقنيات التابعة لبرنامج التدريب المذكور موصوفة في تقرير لجنة مجلس الشيوخ للقوات المسلحة ("تقرير ليفين" أو "تقرير SASC") على النحو التالي:

تجريد الطُلاب من ثيابهم، ووضعهم في أوضاع مجهدة، ووضع أغطية فوق رؤوسهم، وإزعاجهم أثناء نومهم، ومعاملتهم كالحيوانات، وتعريضهم لموسيقى صاخبة وأضواء براقة، وتعريضهم لدرجات حرارة متطرفة. يمكن أن يشمل التدريب أيضاً الصفع على الوجه والجسد، وحتى وقت قريب كان يشمل... تمثيل الإغراق.[51]

كانت السي آي أيه ومجلس الأمن القومي إذن ينصحان بالأساس بأن يستخدم محققو السي آي أيه تقنيات مخصصة للاستجوابات التي كان يجريها الأعداء سابقاً على أسرى الولايات المتحدة، ممن لم يلتزموا – الأعداء – باتفاقيات جنيف.

في مذكراته، يصف بوش الموافقة على تمثيل إغراق أبو زبيدة:

بناء على توجيهاتي، أجرى محامو وزارة العدل والسي آي أيه مراجعة قانونية دقيقة. انتهوا إلى أن برنامج الاستجواب المُحسن يلتزم بالدستور والقوانين المنطبقة جميعاً، بما في ذلك تلك التي تحظر التعذيب.
نظرت إلى قائمة التقنيات. كان هناك اثنتان منها متجاوزة إلى حد بعيد، حتى وإن كانت قانونية. أمرت السي آي أيه بعدم استخدام هذين الأسلوبين. وهناك تقنية أخرى، هي تمثيل الإغراق. لا شك أن الإجراء قاس، لكن الخبراء الطبيين أكدوا للسي آي أيه أن هذا الإجراء لا يؤدي لضرر مستديم.
...كنت لأفضل أن نحصل على المعلومات بطريقة أخرى. لكن الاختيار بين الأمن والقيم كان اختياراً حقيقياً. إن لم أصرح بتمثيل الإغراق على قيادات القاعدة الأهم، كنت بهذا لأقبل خطراً داهماً يتمثل في احتمال تعرض الولايات المتحدة للهجمات. في أعقاب 11/9، كان هذا خطراً لست مستعداً لتقبله. مسؤوليتي الأهم كرئيس كانت حماية البلد. وافقت على استخدام تقنيات الاستجواب.[52]

وجاء في تقرير لجنة مجلس الشيوخ أيضاً:

في 13 يوليو/تموز 2002، طبقاً لسجلات السي آي أيه، تقابل محامون من مكتب السي آي أيه التابع للمستشار العام للوكالة مع المستشار القانوني لمجلس الأمن القومي، ونائب مساعد المحامي العام المسؤول عن مكتب الاستشارات القانونية بوزارة العدل، ورئيس القسم الجنائي بوزارة العدل، ورئيس جهاز العاملين بمكتب التحقيقات الفيدرالية، ومستشار الرئيس، لتوفير رؤية عامة عن خطة الاستجواب المقترحة لأبو زبيدة. في 17 يوليو/تموز 2002، طبقاً لسجلات السي آي ايه، تقابل مدير الاستخبارات المركزية [جورج تينيت] مع مستشارة الأمن القومي [كونداليزا رايس]، التي نصحت بأن بإمكان السي آي أيه استخدام الاستجواب المقترح على أبو زبيدة. هذه النصيحة، التي فوضت للسي آي أيه المضي قدماً في الاستجواب بهذه الطريقة كسياسة، تمت الموافقة عليها كمسألة قانونية من قبل مكتب الاستشارات القانونية.
وفي 24 يوليو/تموز 2002، طبقاً لسجلات السي آي أيه، فقد نصح مكتب الاستشارات القانونية شفاهة السي آي أيه بأن المحامي العام انتهى إلى أن بعض تقنيات الاستجواب المقترحة قانونية، وفي 26 يوليو/تموز، تم التصريح بأن تمثيل الإغراق أمر قانوني. أصدر مكتب الاستشارات القانونية رآيين كتابيين ورسالة، تفيد بخلاصة هذه الاستنتاجات بتاريخ 1 أغسطس/آب 2002.[53]

مذكرتا 1 أغسطس/آب الصادرتان عن مكتب الاستشارات القانونية، من توقيع مساعد المحامي العام جاي بايبي وكُتبتا أغلب أجزاء كل منهما من قبل نائب مساعد المحامي العام جون يوو، ضمتا ما أصبح يُعرف فيما بعد بـ "مذكرة بايبي الأولى" أو "مذكرة التعذيب". انتهت المذكرة إلى أن تعذيب محتجزي القاعدة المحتجزين يمكن "تبريره"، وأن القوانين الدولية ضد التعذيب "ربما تكون غير دستورية إذا طُبقت على الاستجوابات" التي "تُجرى في سياق الحرب القائمة". المذكرة أضافت أن مبدأ "الضرورة والدفاع عن النفس يمكن أن يوفرا تبريرات للقضاء على أي مسؤولية جنائية" على المسؤولين الذين عذبوا محتجزي القاعدة.[54]

كما تبنت المذكرة رؤية ضيقة للغاية فيما يخص الأعمال التي تعتبر في عداد التعذيب. أشارت المذكرة إلى سبع ممارسات قضت المحاكم الأمريكية بأنها تشكل تعذيباً: الضرب المبرح بالعصي أو الهراوات، والتهديد بالموت، والحرق بالسجائر، والتعريض للصدمات الكهربية في الخصيتين، والاغتصاب أو التحرش الجنسي، وإجبار السجين على مشاهدة تعذيب شخص آخر. ثم انتهت إلى النصح بأن "آليات الاستجواب لابد إذن أن تكون مماثلة لتلك المذكورة في طبيعتها المتطرفة ونوع الضرر الذي تلحقه، كي تصبح مخالفة للقانون". المذكرة أكدت على أن "الألم البدني الذي يرقى للتعذيب لابد أن يكون مساوياً لكثافة الألم المصاحب للإصابة البدنية، مثل الفشل في أداء أجهزة وأعضاء بالجسد، أو اعتلال وظائف جسدية، أو حتى الموت". كما ترى المذكرة أن "التعذيب الذهني" لا يشمل إلا الأعمال التي تؤدي إلى "ضرر نفسي جسيم لفترة طويلة، مثل أن تدوم لشهور أو لسنوات".[55]

هناك مذكرة ثانية صادرة عن بايبي، تم نزع السرية عنها في عام 2009، تتناول قانونية 10 تقنيات استجواب محددة، تشمل تمثيل الإغراق، بحق أبو زبيدة (الذي وصف في المذكرة بالخطأ على أنه "أحد أصحاب أعلى المناصب في منظمة القاعدة الإرهابية"). الرأي الموصوف بقدر كبير من التفصيل، يعرض كيفية استخدام التقنيات، ويشمل ذلك وضع المحتجز "في صندوق احتجاز صغير مع حشرة" إذ "بدا أنه يعاني من خوف من الحشرات"، وكذلك أسلوب تمثيل الإغراق، الذي انتهت مذكرة بايبي إلى أنه لا يشكل تعذيباً، لأنه لا يؤدي إلى "ضرر عقلي مستديم".[56]

في ظل هذه الموافقات، بدأ مسؤولو السي آي أيه في استخدام أساليب الاستجواب الأكثر إساءة على أبو زبيدة. طبقاً لصحيفة نيويورك تايمز، "في بعض الأوقات، كان السيد أبو زبيدة ضعيفاً من إصاباته، وكان مجرداً من ثيابه وكان في زنزانة دون فراش أو بطانية. كان يقف أو يرقد على الأرض الخالية، أحياناً مع تعديل درجة حرارة مكيف الهواء بحيث وعلى حد قول أحد المسؤولين، يزّرق لون جسد أبو زبيدة. في بعض الأوقات، كان المحققون يشغلون موسيقى صاخبة للغاية، لفرق موسيقية مثل "ريد هوت تشيلي بيبر"".[57] طبقاً لتقرير اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فإن أبو زبيدة زعم أنه تعرض للضرب بقوة بالحائط الخرساني. تم إجراء عملية تمثيل الإغراق على أبو زبيدة 83 مرة.[58]

فيما بعد قال أبو زبيدة للجنة الدولية للصليب الأحمر أنه أثناء تعريضه للإغراق، كان يجاهد لتحرير نفسه من قيوده، مما أصابه بالألم في مواضع الجراح، وأنه كان يتقيأ في كل مرة يتعرض فيها "للاختناق":

كان... يتم وضعي على ما يبدو أنه سرير مستشفى، ويتم تقييدي بشدة بالأحزمة إلى السرير. وكانت توضع قماشة سوداء على وجهي ثم يقوم المحققون بصب المياه المعدنية على القماش حتى لا أتمكن من التنفس. بعد دقائق يتم إزالة القماشة ويتم قلب السرير بحيث يصبح في وضع رأسي. ضغط القيود على جراحي كان مؤلماً للغاية. كنت أتقيأ. كان الفراش يُعاد بعد ذلك إلى الوضع الأفقي ويتم تنفيذ نفس أسلوب التعذيب مرة وأخرى بالقماشة السوداء الموضوعة على وجهي مع صب المياه من الزجاجة. في تلك المرة، كان رأسي مُنحى للخلف أكثر من الطبيعي، وتم صب المياه لفترة أطول. رحت أقاوم القيود، محاولاً التنفس، لكن بلا جدوى. قلت لنفسي إنني سأموت، فقدت السيطرة على تبولي. منذ ذلك الحين أصبحت أفقد السيطرة على التبول في أوقات الشدة.
ثم تم وضعي في صندوق طويل. أثناء وجودي في الصندوق كنت أسمع موسيقى صاخبة، وهناك من يخبط بقوة مراراً على الصندوق من الخارج. حاولت الجلوس على الأرض، لكن لأن المساحة ضئيلة، مال دلو البول وانقلب عليّ... ثم أخرجوني وتم لف منشفة مرة أخرى حول عنقي، وتم ضربي بالجدار، وكان مجلداً بالخشب، وتكرر ضرب وجهي بالحائط من قبل نفس المحققين كالسابق.[59]

في عام 2007 قال أبو زبيدة لمحكمة خليج غوانتانامو أن بعض المعلومات التي قدمها للمحققين أثناء تعريضه لما أسماه "تعذيب" لم تكن حقيقية.[60]

قامت السي آي أيه بتصوير استجوابات أبو زبيدة بالفيديو. إلا أنه في عام 2005 قامت الوكالة بتدمير 90 تسجيل فيديو لاستجواب أبو زبيدة، مما أدى إلى فتح تحقيق جنائي مع المسؤولين. في نوفمبر/تشرين الثاني 2010، أكد مسؤولو وزارة العدل أنه لا توجد اتهامات يمكن نسبها على صلة بتدمير شرائط الفيديو.[61]

حتى كتابة هذه السطور، كان أبو زبيدة ما زال في غوانتانامو. لم تُنسب إليه اتهامات بأي جرائم. رغم أن بوش وصف أبو زبيدة بأنه "أحد أهم عملاء القاعدة الذين يخططون وينظمون لتدمير الولايات المتحدة"،[62] ففي عام 2009، أقرّت وزارة العدل بأن أبو زبيدة ليس له "أي دور مباشر أو معرفة مسبقة بالهجمات الإرهابية بتاريخ 11 سبتمبر/أيلول 2001".[63] بينما ما زال هناك الكثير من الشك حول قيمة المعلومات التي وفرها، فإن صحيفة واشنطن بوست، انتهت إلى أنه "لم يتم الكشف عن مخطط واحد نتيجة لتعذيب واعترافات أبو زبيدة، طبقاً لمسؤولين سابقين رفيعي المستوى بالحكومة، كانوا يتابعون التحقيقات معه عن كثب".[64]

تضخم برنامج وكالة الاستخبارات المركزية (السي آي أيه)

الكثير من تقنيات الاستجواب التي استخدمت مع أبو زبيدة تم استخدامها لاحقاً على محتجزين آخرين طرف السي آي أيه، منهم عبد الرحيم النشيري، الذي تم القبض عليه في الإمارات شهر أغسطس/آب 2002، ورمزي بن الشيب، الذي قُبض عليه في باكستان في سبتمبر/أيلول 2002، وخالد شيخ محمد، المقبوض عليه في باكستان في مارس/آذار 2003، ورضوان عصام الدين، المعروف أيضاً باسم الحنبلي، المقبوض عليه في بانكوك في أغسطس/آب 2003.

في فبراير/شباط 2008، أكد كل من مدير السي آي أيه مايكل هايدن ورئيس مكتب الاستشارات القانونية ستيفن برادبوري، أن تمثيل الإغراق استخدم على محتجزي السي آي أيه، وأشار هايدن إلى أن تمثيل الإغراق استخدم على النشيري، وأبو زبيدة، وخالد شيخ محمد تحديداً.[65] قابلت اللجنة الدولية للصليب الأحمر 14 محتجزاً "هامين" بعد أن نُقلوا إلى غوانتانامو واكتشفت أن ثلاثة منهم حسب المزاعم قد تعرضوا لتمثيل الإغراق، من بين التقنيات غير القانونية التي مورست عليهم.[66] طبقاً لتقرير اللجنة:

أساليب المعاملة السيئة المزعوم ممارستها شملت التالي:

الخنق عن طريق صب المياه على قماشة تغطي الأنف والفم [تمثيل الإغراق]، وادعى بالتعرض لهذا الأسلوب ثلاثة من الأربعة عشر.
الوقوف في أوضاع مُجهدة لفترات طويلة، مجردين من الملابس، مع مد الذراعين والربط بالسلاسل، فوق الرأس، كما زعم 10 من الـ 14، لفترات تراوحت بين يومين إلى ثلاثة أيام بلا انقطاع، ولمدة دامت شهرين إلى ثلاثة شهور بشكل متقطع، وأثناء تلك الفترة كان المحتجزين يُحرمون أحياناً من ارتياد دورة المياه، حسب مزاعم أربعة محتجزين اضطروا للتبرز والتبول على أنفسهم.
الضرب باستخدام حلقة مربوطة حول رقبة المحتجز، باستخدامها لضرب الرأس بقوة والجسد بالجدار، حسب زعم ستة من الأربعة عشر.
الضرب والركل، ويشمل ذلك الصفع واللكم، والركل على أجزاء من الجسد والوجه، بزعم تسعة من الأربعة عشر.
الوضع داخل صندوق صغير يقيد كثيراً من الحركة، بحسب زعم محتجز واحد.
التجريد تماماً من الثياب لفترات طويلة، حسب زعم 11 من المحتجزين، أثناء الاحتجاز والاستجواب مع التعريض للمعاملة السيئة، هذا العرى الجبري يدوم لفترات تتراوح بين عدة أسابيع إلى عدة شهور.
الحرمان من النوم، بزعم 11 من 14 محتجزاً، على مدار أيام من الاستجواب، عن طريق الإجبار على اتخاذ أوضاع مجهدة ومؤلمة (جلوساً أو وقوفاً)، والرش بالمياه الباردة واستخدام الموسيقى أو الضوضاء الصاخبة. تم وضع أحد المحتجزين على مقعد لفترات طويلة ممتدة.
التعريض لدرجات حرارة باردة، بزعم أغلب الأربعة عشر، لا سيما الوضع في زنازين باردة وحجرات استجواب باردة، وبالنسبة لسبعة منهم، باستخدام مياه باردة تُصب على الجسد، أو وعلى حد زعم ثلاثة منهم، لف الجسد بشرائح بلاستيكية كبيرة وغمرها بالماء البارد ولا يطل من الشرائح إلا الرأس.
وضع الأيدي في الأصفاد و/أو الأقدام لفترات طويلة، بالنسبة للكثير من الأربعة عشر.
التهديد بالمعاملة السيئة للمحتجز و/أو أسرته، بزعم 9 من الـ 14.
الإجبار على حلق الرأس واللحية، بزعم 2 من الأربعة عشر.
الحرمان/تقييد توفير الطعام الصلب من 3 أيام إلى شهر، بعد الاعتقال، بزعم 8 من الأربعة عشر.

... كل من الأساليب المذكورة كانت... تُطبق مقترنة بأساليب أخرى، أو بالتزامن، أو بالتتالي.[67]

تقرير المفتش العام للسي آي أيه، الذي صدر أخيراً بعد حجب أجزاء كثيرة منه في عام 2009، يعرض تفصيلاً وقائع تشمل محاكاة الإعدام (التهديد بالإعدام الوشيك) وتمثيل الإغراق، وعمليات محاكاة الإعدام كانت باستخدام بندقية نصف آلية غير معبأة بالذخيرة، واستخدام الغاز للتسبب في تقيؤ السجناء وتهديد محتجز عارٍ معصوب العينين بمثقاب كهربائي، وتهديدات بالقتل وتهديدات ضد الأهل، والضغط على نقاط في الجسد للتسبب في الإغماء المتكرر.[68]

التضخم في برنامج السي آي أيه الخاص بالاحتجاز تمت مناقشته والتصريح به فيما بعد، في اجتماع للبيت الأبيض في مطلع عام 2003، وهذا بعد بدأه بالفعل. وكما ورد في سرد الأحداث الذي قدمته لجنة مجلس الشيوخ في عام 2009:

في ربيع 2003 طلب مدير السي آي أيه [جورج تينيت] تأكيداً على السياسات والممارسات الخاصة ببرنامج الاستجواب. في يوليو/تموز 2003، طبقاً لسجلات السي آي أيه، تقابل قادة مجلس الأمن القومي لمناقشة تقنيات الاستجواب المستخدمة في برنامج السي آي أيه. طبقاً لسجلات السي آي أيه، فإن مدير الوكالة [جورج تينيت] ومستشار عام السي آي أيه [جون ريزو] حضرا اجتماعاً مع نائب الرئيس [ديك تشيني] ومستشارة الأمن القومي [كونداليزا رايس]، والمحامي العام [جون أشكروفت]، والقائم بأعمال مساعد المحامي العام المعني بمكتب الاستشارات القانونية [إد ويلان]،[69] ونائب مساعد المحامي العام [ربما جون يوو] ومستشار الرئيس [ألبرتو جونزالس] والمستشار القانوني الخاص بمجلس الأمن القومي [جون بيلنغر] لوصف تقنيات استجواب السي آي أيه، وتشمل تمثيل الإغراق. طبقاً لسجلات السي آي أيه، ففي نهاية الاجتماع، عاود قيادات المجلس التأكيد على أن برنامج السي آي أيه قانوني ويعكس السياسة الخاصة بالإدارة.[70]

يضيف التقرير أنه في 16 سبتمبر/أيلول 2003 "بناء على طلب من مستشاة الأمن القومي [رايس]، قام مدير الاستخبارات المركزية [تينيت] فيما بعد بإطلاع وزير الخارجية [باول] ووزير الدفاع [رامسفيلد] على تقنيات استجواب السي آي أيه.[71]

يبدو أن معدل عمل برنامج الاحتجاز والاستجواب الخاص بالسي آي أيه تراجع مؤقتاً في عام 2004، بعد فضيحة أبوغريب وتقرير انتقادي من المفتش العام للسي آي أيه أُرسل إلى البيت الأبيض في مايو/أيار 2004.

وقد ثار جدل واسع داخل السي آي أيه حول البرنامج، مما أدى لفتح التحقيق في الموضوع من قبل مكتب المفتش العام للوكالة، وتم التحقيق في عام 2003 و2004. في 7 مايو/أيار 2004، بعد أسابيع قليلة من أنباء الإساءة للمحتجزين في أبوغريب، قام المفتش العام للوكالة، جون هيلغرسن، رغم توبيخه من قبل نائب الرئيس الغاضب ديك تشيني حسب الزعم،[72] قام بإصدار تقرير سري، وتم إرسال نسخة منه إلى أعلى المستويات بالبيت الأبيض والسي آي أيه ورئيس اللجنة ونائب رئيس اللجنة وأعضاء مجلس الشيوخ باللجنة المنتخبة للاستخبارات.[73]

تقرير مفتش عام السي آي أيه يبدو أنه أدى لقلق بالغ في أروقة البيت الأبيض. طبقاً لسرد لجنة مجلس الشيوخ للأحداث، فإن مستشار عام السي آي أيه جون ريزو حضر اجتماعاً في مايو/أيار 2004 مع ألبرتو جونزالس وديفيد أدينغتن وجون بيلنغر وعدد من "كبار مسؤولي وزارة العدل" لمناقشة برنامج السي آي أيه وتقرير المفتش العام.[74] رئيس مكتب الاستشارات القانونية الجديد، جاك غولدسميث، يبدو أنه أثار بواعث القلق الخاصة بالتحليل القانوني في مذكرات مكتب الاستشارات القانونية الأقدم، وفي يونيو/حزيران 2004 سحب غولدسميث تقرير 1 أغسطس/آب 2002 غير السري الخاص بالوضع الفيدرالي للتعذيب.[75] لأسباب غير واضحة، لم يسحب مكتب الاستشارات القانونية تقرير 1 أغسطس/آب 2002 السري الخاص باستجواب أبو زبيدة.

إلا أنه في مايو/أيار 2005 أصدر رئيس مكتب الاستشارات القانونية الجديد، ستيفن برادبوري ثلاث مذكرات للسي آي أيه، تتبنى الكثير من الآراء السابقة الواردة في مذكرة بايبي المطبقة على أبو زبيدة، و – بعد سنوات من وقوعها – التصريح بالتوسع في تقنيات سبق الموافقة عليها في عام 2002، لممارستها على المحتجزين الآخرين.[76] تم نزع السرية عن مذكرات برادبوري في عام 2009 بالإضافة إلى مذكرة بايبي الثانية.

بعد أن تمت الموافقة على مذكرات برادبوري، التقت لجنة قيادات مجلس الأمن القومي في 31 مايو/أيار 2005. لجنة القيادات، التي أصبح يرأسها ستيفن هادلي وتضم ألبرتو جونزالس وكونداليزا رايس وديفيد أدينغتن بالإضافة إلى آخرين "وافقت" على جميع التقنيات محل النقاش في مذكرات مايو/أيار 2005، ويُفترض أنهم أوصوا الرئيس بأن يعيد التصريح بالبرنامج، وهو ما فعله.[77]

كشف الرئيس بوش عن وجود برنامج الاحتجاز والاستجواب الخاص بالسي آي أيه بعد عام، في كلمة وجهها من البيت الابيض في 6 سبتمبر/ايلول 2006، أقر فيها بأن المشتبهين محتجزين "سراً" خارج الأراضي الأمريكية". وقال أثناء عرضه لمبرراته لوجود برنامج السي آي أيه: "من أسباب عدم نجاح الإرهابيين أن حكومتنا غيرت من سياساتها وأعطت الجيش والاستخبارات وقوات إنفاذ القانون الأدوات المطلوبة لمكافحة العدو وحماية شعبنا والحفاظ على حرياتنا".[78] وقام بوش بمعاودة التأكيد على تصريحه بالبرنامج في يوليو/تموز 2007.[79]

برنامج تسليم وكالة الاستخبارات المركزية (السي آي أيه)

قام السي آي أيه بشكل منتظم بنقل المحتجزين إلى بلدان معروفة بانتهاجها التعذيب كممارسة روتينية، وهي الممارسة المعروفة أحياناً باسم "التسليم الفائق للعادة".

بينما تمارس الولايات المتحدة عملية تسليم المشتبهين بالإرهاب لدول أخرى من قبل 11 سبتمبر/أيلول 2001، فإن ممارسات تسليم السي آي أيه تغيرت بعد وقوع الهجمات. بدلاً من إعادة الأفراد إلى بلدانهم أو دول ثالثة لمواجهة "العدالة" (وإن كانت تشمل كثيراً التعذيب ومحاكمات غير عادلة إلى حد بعيد)، بدأ السي آي أيه في تسليم الافراد لبلدانهم الأم أو دول ثالثة، على ما يبدو لتيسير انتهاج إجراءات الاستجواب المسيئة. [80] السرية المحيطة ببرنامج التسليم تعني غياب أي إحصاءات دقيقة عن الموضوع. أحد الدراسات تبينت وجود 53 حالة، بالإضافة إلى الأفراد المُرسلين إلى أفغانستان أو للاحتجاز في أماكن أخرى بمعرفة الولايات المتحدة وفي مراكز احتجازها.[81] أحد هذه البلدان – الأردن – معروفة بتعذيبها السجناء الأمنيين، وهو أمر معروف للمسؤولين الأمريكيين وقت إجراء عمليات النقل. الكثير من المحتجزين أعيدوا للاحتجاز طرف السي آي أيه فور تلقيهم لفترات مكثفة من الاستجواب في الأردن.

هناك محتجزون كثيرون تم تسليمهم وأصبحوا معروفين بتعرضهم للتعذيب أو يُعتقد أنهم تعرضوا للتعذيب. الحالات التالية موضحة لهذه العمليات:

ماهر عرار، مواطن كندي من أصل سوري كان في إجازة عائلية قد مر بمطار جون إف كينيدي في مدينة نيويورك، تم احتجازه من قبل السلطات الأمريكية التي تحركت بناء على معلومات خاطئة من الشرطة الكندية الملكية.[82] بعد احتجازه بمعزل عن العالم الخارجي نحو الأسبوعين، نقلته السلطات الأمريكية إلى الأردن، حيث تم نقله عبر الحدود وتسليمه للسلطات السورية، رغم تصريحاته للمسؤولين الأمريكيين بأنه سيُعذب إذا أُرسل إلى هناك. وبالفعل تم تعذيبه أثناء احتجازه في سجن سوري، وتعرض للضرب مرات كثيرة بأسلاك كهربية وكابلات.[83] إثر تحقيق موسع من قبل الشرطة الكندية، التي أخلت طرف عرار من جميع الاتهامات الإرهابية، عرضت عليه كندا اعتذاراً رسمياً وتعويض بمبلغ 10.5 مليون دولار كندي (10.75 مليون دولار أمريكي) بالإضافة لرسوم قانونية لتوفير معلومات غير مؤكدة للمسؤولين الأمريكيين.[84] على النقيض، رفضت إدارة بوش مساعدة الكنديين في التقصي وتجاهلت طلب رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر بأن تقر الولايات المتحدة بانتهاج سلوك غير ملائم. عندما قاضى عرار الولايات المتحدة على حرمانه من حقوقه المدنية، قامت إدارة بوش – وإدارة أوباما فيما بعد – بالمجادلة بنجاح بأن القضية ما كان يجب أن يُسمح بفتحها في المقام الأول لأسباب متعلقة بالأمن القومي.[85]

وفي مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2001، تم اعتقال المواطن الأسترالي ممدوح حبيب في باكستان. وزير داخلية باكستان وقتها قال فيما بعد إن حبيب أُرسل إلى مصر بناء على أوامر أمريكية وفي حراسة أمريكية.[86] يقول حبيب إنه أثناء احتجازه في مصر لمدة 6 أشهر، تم تعليقه من خطافات على جدار، وصعقوه بجهاز صعق للماشية، وأجبروه على الوقوف على أطراف أصابعه في حجرة ممتلئة بالماء، وهددوه بكلب بوليسي.[87] في عام 2002 نُقل حبيب إلى مصر من قاعدة بجرام الجوية في أفغانستان، ثم إلى غوانتانامو. في 28 يناير/كانون الثاني 2005، تمت إعادة حبيب من غوانتانامو إلى سيدني في أستراليا.[88] وفي عام 2010 قاضى حبيب الحكومة الأسترالية، بدعوى أن المسؤولين الاستراليين تواطئوا في سجنه بلا جريرة والاعتداء عليه في باكستان ومصر وغوانتانامو.[89] وفي يناير/كانون الثاني 2011 دفعت الحكومة الأسترالية لحبيب مبلغاً لم يُكشف عنه، لتسوية المسؤولية القانونية للحكومة في القضية.[90]

في ديسمبر/كانون الأول 2001، سلمت السلطات السويدية المصريين أحمد عجيزة ومحمد الزارع إلى عملاء للسي آي أيه في مطار بروما في ستوكهولم. قام العملاء بتجريدهما من الثياب ووضعوا أشياءً في مؤخرة كل منهما، وقاموا بإلباسهما حفاظات وأوفرول وغموا أعينهما، ووضعوا غطاء رأس على كل منهما. ثم تم وضعهما على متن طائرة مؤجرة من الولايات المتحدة وتم نقلهما إلى مصر.[91] حسب التقارير تم تعريض الرجلين بشكل متكرر للصدمات الكهربية وأشكال أخرى من سوء المعاملة، وشهد تعرضهما لهذه الانتهاكات أيضاً سجن طرة سيئ السمعة في القاهرة.[92]

وفي 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2003، تبين أن أسامة مصطفى نصر – المعروف أيضاً باسم "أبو عمر" – قد أصبح مفقوداً في ميلان. في عام 2004، اتصل بزوجته وأصحابه في ميلان وادعى بأنه قد تم توقيفه في الشارع من قبل "أشخاص غربيين" وأجبروه على ركوب سيارة، وأخذوه إلى قاعدة جوية.[93] من القاعدة الجوية نُقل نصر جواً إلى القاهرة عن طريق المانيا، وتم تسليمه لأمن الدولة في مصر، بسجن طرة.[94] وهناك، على حد قول نصر، تم تعذيبه بالكهرباء والضرب والتهديد بالاغتصاب والتحرش بعضوه التناسلي.[95] صحيفة صنداي تايمز البريطانية أفادت بأن نصر "زعم تعرضه للتعذيب على يد أمن الدولة في القاهرة لدرجة أنه فقد السمع بإحدى أذنيه".[96] وفي فبراير/شباط 2007، بعد أربعة أعوام من احتجازه، تم الإفراج عن نصر بموجب قرار محكمة مصرية، خلصت إلى أن سبب احتجازه "غير سليم".[97] إثر تحقيق لاحق للشرطة ثم الإدانة، في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2009، أدان قاضٍ في ميلان غيابياً 22 عميلاً للسي آي أيه، وكولونويل بالقوات الجوية الأمريكية، واثنين من عملاء الاستخبارات الإيطالية، بتهمة الاختطاف – الإدانة الأولى والوحيدة في العالم، ضد أفراد تورطوا في برنامج التسليم الفائق للعادة الخاص بالسي آي أيه.[98] تأكدت أحكام الإدانة بعد الاستئناف، بل وزادت الأحكام. تلقى كل منهم أحكاماً تراوحت بين سبعة إلى تسعة أعوام، وأُمروا بدفع مليون يورو (1.44 مليون دولار) لنصر، و500 ألف (720469 دولارا) لزوجة نصر.[99] وحتى الآن ترفض الحكومة الإيطالية طلب الادعاء بالسعي لتسليم العملاء الأمريكيين للعدالة في إيطاليا.[100]

في نوفمبر/تشرين الثاني 2001، تم القبض على المواطن الألماني والمعارض السوري محمد حيدر الزمار،[101] في المغرب ونُقل جواً إلى سوريا.[102] قالت مصادر حكومية مغربية للمراسلين بأن السي آي أيه طلبت منهم تسليم زمار ونقله إلى سوريا،[103] وشارك عملاء السي آي أيه في جلسات استجوابه في المغرب.[104] تم نقل زمار إلى نفس السجن السوري الذي احتجزوا فيه ماهر عرار.[105] وفي 1 يوليو/تموز 2002، ذكرت مجلة تايم:

قال مسؤولون أمريكيون لمجلة تايم أنه لم يكن هناك أمريكيون في نفس الحجرة مع السوري الذي استجوب زمار. المسؤولون الأمريكيون في دمشق أرسلوا أسئلة كتابية للسوريين، الذين كانوا يعودون إليهم بإجابات زمار. ويفضل مسؤولو وزارة الخارجية هذا الإجراء لأنه يعزل الحكومة الأمريكية عن أي أعمال تعذيب ربما قد تُطبق على زمار. وبعض المسؤولين في وزارة الخارجية اشتبهوا في تعرض زمار للتعذيب.[106]

محمد سعد إقبال مدني، مواطن باكستاني تم القبض عليه في جاكرتا بأندونيسيا في 9 يناير/كانون الثاني 2002. قال مسؤولون ودبلوماسيون أندونيسيون لواشنطن بوست أن هذا قد تم بناء على طلب من السي آي أيه. بعد أيام، تقدمت مصر بطلب رسمي لأندونيسيا بتسليم مدني على خلفية جرائم غير محددة على صلة بالإرهاب. إلا أنه وطبقاً لـ "مسؤول حكومي أندونيسي رفيع... كانت هذه عملية أمريكية برمتها... وتقدمت مصر خلالها لإتمام تعاملات رسمية".[107] وفي 11 يناير/كانون الثاني، قال مسؤولون أندونيسيون إن مدني نُقل إلى طائرة جالف ستريم 5 برخصة أمريكية من مطار عسكري، ونُقل بها إلى مصر للاستجواب.[108] وأفادت صحيفة النيويورك تايمز بأن إقبال قال إنه تعرض للضرب وتقييد اليدين وشد القيود عليه بشكل مؤلم، وتغطية الرأس بقناع، مع إعطاءه عقاقير وتعريضه لصدمات كهربية، لأنه أنكر معرفته ببن لادن، وحُرم من النوم ستة أشهر". وعلى حد قوله: "يغطون عيني وأبقى واقفاً لأيام بلا توقف".[109] وفي 11 سبتمبر/أيلول 2004، أفادت صحيفة التايمز اللندنية بأنه رغم طلبات معلومات متكررة من أقارب مدني: "لم يُسمع عنه أو يعرف بشأنه أي شيء" منذ أن أُخذ من جاكرتا.[110] إلا أنه نُقل بعد ذلك إلى قاعدة بجرام الجوية في أفغانستان،[111] ومن هناك إلى غوانتانامو.[112] ذكر فيما بعد أنه حاول الانتحار.[113] وفي نهاية المطاف أعيد في أغسطس/آب 2008، بعد أن قضى أكثر من ست سنوات محتجزاً طرف الولايات المتحدة. في ذلك الوقت تناقلت التقارير أنه أصبح يعاني من صعوبات في المشي وأن أذنه اليسرى أصيبت بعدوى، وأنه يخضع لجراحة على يد جراح باكستاني، وأنه يتلقى علاج طبيعي لآلام الظهر، وأنه "يعتمد على كوكتيل من المضادات الحيوية وأدوية علاج الاكتئاب".[114]

عمليات الاستجواب المقترنة بالإكراه طرف الجيش

موافقة مجلس الأمن القومي على تقنيات الاستجواب المقترنة بالإكراه من قبل السي آي أيه في عام 2002، هيأت الساحة للموافقة على أساليب غير قانونية مماثلة لاستجواب الجيش في غوانتانامو وأفغانستان والعراق للمشتبهين.

انتهاكات محققي الجيش في أفغانستان وغوانتانامو العراق

يبدو أن عمليات الاستجواب المسيئة طرف الجيش بدأت في أفغانستان منذ ديسمبر/كانون الأول 2001 واستمرت رغم حجم التغطيات الإعلامية الكبير عليها، وربما شجعها تهميش وتجاهل المسؤولين الأمريكيين لاتفاقيات جنيف.

هناك تقارير صادرة عن عملاء مدنيين من مكتب التحقيقات الفيدرالية شهدوا على انتهاك حقوق المحتجزين على يد العاملين بالجيش في غوانتانامو – ومنها تقييد المحتجزين بالسلاسل لإجبارهم على الجلوس فوق فضلاتهم – عززت من روايات المحتجزين السابقين الذين وصفوا تعرضهم للجلوس في أوضاع مؤلمة، والحبس الانفرادي لفترات مطولة، وتهديدهم بكلاب عسكرية، والتهديد بالتعذيب والقتل، والتعريض لفترات طويلة لأجواء وباردة وضوضاء صاخبة لفترات طويلة.[115] وهناك مزاعم عن وجود مقاطع فيديو لقوات مكافحة الشغب العسكرية أثناء قيام الحراس بلكم بعض المحتجزين وربط محتجز بقائم لاستجوابه، وإجبار نحو 12 محتجزاً على التجرد من الثياب من الخصر لأخمص القدمين.[116] وقال محتجزون سابقون إنهم تعرضوا لمدة أسابيع وشهور للحبس الانفرادي – والذي كانت الحرارة فيه إما حارة للغاية أو باردة للغاية بالاستعانة بمكيفات الهواء – كعقاب على عدم التعاون مع المحققين أو لخرق قواعد السجن.[117]

الكثير من الأساليب الممارسة على المحتجزين من قبل العسكريين في سجن أبوغريب ومواقع أخرى بالعراق تشابه تلك الانتهاكات المستخدمة سابقاً في أفغانستان وغوانتانامو، ومنها الإجبار على الوقوف، وتقييد أيدي المحتجزين لإجبارهم على اتخاذ أوضاع مؤلمة، أو وضعهم في أماكن احتجاز ضيقة، والحرمان من النوم لفترات طويلة، والتعريض لدرجات حرارة باردة.[118]

وقد شاعت الانتهاكات في شتى أنحاء العراق منذ أواخر عام 2003 وفي عام 2004. الحالات الموثقة تشمل الضرب والخنق،[119] والانتهاكات الجنسية،[120] والتهديد بالإعدام،[121] والتعذيب بالصعق بالكهرباء.[122] أفادت هيومن رايتس ووتش في تقاريرها في عام 2006 بوقوع انتهاكات جسيمة من قبل وحدة المهمات الخاصة في العراق، ومنها مزاعم بالضرب والتعريض لدرجات حرارة عالية ومنخفضة والتهديد بالإعدام والحرمان من النوم، وأشكال متعددة من ضروب التعذيب النفسي والمعاملة السيئة، والوضع في أوضاع مجهدة، وفي إحدى الحالات، إعطاء السجين بولاً ليشربه.[123] هذه الانتهاكات تلقت تحقيقات عسكرية داخلية وتغطية إعلامية من عام 2004 إلى 2006.[124]

الموافقة على أساليب الاستجواب العسكري غير القانونية

بينما سعت إدارة بوش لتصوير قرار السماح للجيش باستخدام أساليب استجواب مسيئة على أنه قرار يعود لغوانتانامو،[125] فإن تأمل الأحداث – ومنها الواردة في كتاب للمحامي فيليب ساندس – يشير إلى أن القرار جاء من أعلى، من وزير الدفاع رامسفيلد، ومستشار وزارة الدفاع العام هاينز، ومستشار نائب الرئيس ديك تشيني القانوني، ديفيد أدينغتن، ومستشار البيت الأبيض ألبرتو جونزالس، وآخرين.[126]

بدأ مكتب وزير الدفاع في ديسمبر/كانون الأول 2001 في التقصي بشأن تقنيات برنامج تدريب معافاة الأفراد SERE.[127] وبعد فترة قصيرة، قام العاملون ببرنامج JPRA بتوفير: مواد تدريب لمحققي غوانتانامو في فبراير/شباط 2002،[128] تدريب للعاملين بمكتب رئيس السي آي أيه المنتشرين في أفغانستان وغوانتانامو في مارس/آذار 2002، وعلى الأقل "خطة استخدام" واحدة كتابية، لتوزيعها على مختلف وكالات الجيش والأمن المعنية بجمع المعلومات في أبريل/نيسان 2002،[129] ومواد كتابية ونصائح عن استخدام تقنيات استجواب SERE من الاخصائيين النفسيين العاملين مع المحققين في غوانتانامو في يونيو/حزيران ويوليو/تموز 2002. التقنيات المستخدمة في تدريبات برنامج SERE لتحمل الاستجواب تشابه الكثير من الممارسة بعد ذلك مباشرة في أفغانستان وغوانتانامو. وتشمل تلك التقنيات تعرية المحتجزين لأغراض الإهانة، وخرق التابوهات الثقافية أو الدينية، واستخدام الإجبار على الوقوف والتعريض لدرجات حرارة منخفضة للغاية والحرمان من النوم فترات طويلة.

وفي يوليو/تموز 2002، مع صياغة مذكرات بايبي للسماح بالتقنيات المسيئة على أبو زبيدة، طلب نائب مستشار عام وزير الدفاع، ريتشارد شيفرن، بالنيابة عن المستشار العام هاينز، خططاً في دروس برنامج SERE، وقائمة بتقنيات الاستجواب  المستخدمة في تدريبات SERE، ومذكرة تصف "الآثار النفسية طويلة الأجل" لتدريب SERE على الطلاب، وعلى الأخص آثار تقنية تمثيل الإغراق، وهي وثيقة مُنحت أيضاً للسي آي أيه ومكتب الاستشارات القانونية أثناء صياغة مذكرة أبو زبيدة في 1 أغسطس/آب 2002.[130] ورد في تقرير لجنة مجلس الشيوخ الخاصة بالاستخبارات:

قائمة تقنيات SERE شملت أساليب مثل الحرمان من استخدام الحواس، والحرمان من النوم، واتخاذ أوضاع مؤلمة، وتمثيل الإغراق، والصفع... السيد شيفرن نائب مستشار عام وزارة الدفاع للاستخبارات، أكد أن الغرض من الطلب هو "مراجعة هندسة" هذه التقنيات.[131]

وفي أواسط سبتمبر/أيلول 2002، قام العاملون في JPRA بتدريب العاملين في غوانتانامو باستخدام تقنيات مسيئة مستخدمة في تدريبات SERE. [132]

بعد أسبوع، في 25 سبتمبر/ايلول 2002، قام وفد من كبار المسؤولين بزيارة غوانتانامو لمناقشة عمليات الاستجواب هناك.[133] شملت المجموعة مستشار وزير الدفاع هاينز ومستشار عام السي آي أيه ريزو ورئيس القسم الجنائي بوزارة العدل مايكل شيرتوف ومستشار نائب الرئيس أدينغتن ("الرجل المسؤول" حسب محامي الجيش الحاضر)،[134] وجونزالس، مستشار الرئيس. طبقاً لتقرير لجنة مجلس الشيوخ، فإن قائد غوانتانامو، الميجور جنرال مايكل دونلافي أطلع المجموعة على عدد من القضايا، شملت "القيود على السياسات" التي تؤثر على عمليات الاستجواب. الجنرال دونلافي قال لفيليب ساندس إن المجموعة ناقشت استجواب محمد القحطاني، وهو محتجز مشتبه بالتورط المباشر في هجمات 11 سبتمبر/أيلول. وقالت الليفيتانت كولونيل ديان بيفر، مستشارة الجنرال دونلافي الأولى مؤكدة رواية دونلافي: "أرادوا أن يعرفوا ما نفعله للتوصل إلى معلومات هذا الرجل... وكان أدينغتن مهتماً بمعرفة كيفية إدارتنا للأمر"، وقالت لساندس إن المجموعة أبلغتهم رسالة مفادها: "فعل اللازم لتحقيق الهدف".[135]

بحلول 11 أكتوبر/تشرين الأول 2002، أرسل دونلافي مذكرة ورأي قانون مرفق من قبل الليفيتانت كولونيل بيفر إلى الجنرال جيمس هيل من القيادة الجنوبية، يطلب فيه التفويض باستخدام تقنيات استجواب عدوانية.[136] شملت تقنيات تهدف إلى إهانة وحرمان السجناء من حواسهم، وشملت الوضع في أوضاع مؤلمة، والإجبار على الوقوف، والحبس الانفرادي لفترة تصل إلى 30 يوماً، والحرمان من الصوت والضوء، والاستجواب لمدة 20 ساعة متصلة، وإزالة الأغراض الدينية الخاصة بهم، والحرمان من الثياب، والإجبار على حلق الشعر واللحية، والتلاعب بالمخاوف الفردية لدى كل منهم، مثل الخوف من الكلاب. وهناك فئة أعلى من التقنيات شملت استخدام "الاتصال البدني الخفيف غير الجارح" مثل الإمساك بالشخص ونخزه ودفعه خفيفاً واستخدام سيناريوهات تهدف إلى إقناع المحتجز بأن الموت أو الألم الممض على وشك أن يصيبه، سواء هو أو أسرته، والتعريض لدرجات حرارة باردة والتعريض للماء، وتمثيل الإغراق.

في أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2002، تم إرسال الوثائق إلى الجنرال هيل وجنرال ريتشارد مايرز، رئيسا أركان الجيش، بتوصيات بأن وزير الدفاع يصرح بالتقنيات المذكورة في القائمة.

وفي 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2002، قام الكولونيل بريت مالو، القائد الأول في قوة التحقيق الجنائي في غوانتانامو، الذي أثار بواعث القلق من قبل حول تقنيات الاستجواب المسيئة مع كبار المسؤولين في البنتاغون، مع آخرين، قام بإبداء مخاوفه القانونية مع قائد غوانتانامو الجنرال جيفري ميلر ومستشار وزير الدفاع هاينز.[137]

وهناك عميل للمباحث الفيدرالية، يُدعى جيم كليمينت، وهو محامٍ ومسؤول ادعاء سابق، ذكر أن خطط الاستجواب المقترحة تخرق قوانين التعذيب الفيدرالية وأن الاستجوابات قد تؤدي إلى ملاحقات قضائية،[138] وهي بواعث القلق التي شاركه فيها مدير المباحث الفيدرالية روبرت مولر ومحامين رفيعي المستوى في مكتب المستشار العام لوزارة الدفاع.[139] في الوقت نفسه، أفادت المباحث الفيدرالية مكتب المستشار العام لوزارة الدفاع بالإساءات القائمة.[140]

إلا أن المستشار العام هاينز قدم التقنيات لوزير الدفاع رامسفيلد للموافقة عليها في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2002، مع خطاب مقدمة من صفحة واحدة ينصح بأن يوافق على أغلب التقنيات – لكن ليس تمثيل الإغراق.[141] وافق رامسفيلد على التقنيات الموصى بها، وشملت:

            "استخدام أوضاع مجهدة (مثل الوقوف) بحد أقصى أربع ساعات".
            "استخدام منشأة منعزلة للحبس بحد أقصى 30 يوماً".
            "يمكن وضع غطاء على رأس المحتجز أثناء عملية نقله وعملية استجوابه".
            "الحرمان من الضوء والمحفزات السمعية".
            "إزالة جميع أغراض الراحة (وتشمل المواد الدينية)".
            "الإجبار على حلاقة شعر الرأس والوجه، إلخ".
            "إزالة الثياب".
            "استخدام مخاوف المحتجز الفردية (مثل الخوف من الكلاب) لإقلاقه".[142]

أضاف رامسفيلد ملحوظة بخط اليد يصرح فيها بهذه التقنيات: "أنا أقف من 8 إلى 10 ساعات يومياً. كيف تُحدد ساعات الوقوف بأربع ساعات؟"[143]

أولئك الذين قُبض عليهم أو تم اعتقالهم أثناء النزاع المسلح الدولي في العراق وأفغانستان كان من الواجب معاملتهم بصفة أسرى الحرب، وأن يُمنحوا تدابير الحماية المستحقة لأسرى الحرب بموجب اتفاقية جنيف الثالثة.[144] على كل حال فإن تقنيات الاستجواب بالإكراه المستخدمة كانت في خرق لتدابير الحماية المكفولة لجميع المحتجزين بموجب المادة 3 المشتركة في اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 (المادة الثالثة المشتركة) وغيرها من محاذير المعاملة اللاإنسانية الواردة في القانون الدولي العرفي.[145] أي شخص مسؤول عن تنفيذ أو الأمر بالتعذيب أو غيره من أشكال المعاملة اللاإنسانية للمحتجزين، سواء كانوا من أسرى الحرب أو لا، يمكن ملاحقته قضائياً بتهم ارتكاب جرائم حرب.

خلال أسابيع، كان مسؤولو برنامج SERE في وحدة JPRA يدربون من جديد محققي غوانتانامو.[146] لكن الجدل استمر بعد صدور أمر رامسفيلد.

مستشار عام البحرية ألبرتو مورا أبدى مخاوفه لمدير البحرية، جوردن إنغلاند، وبموافقة من إنغلاند تحدث إلى مستشار وزارة الدفاع هاينز ثلاث مرات لتحذيره من المسؤولية الجنائية المحتملة بشأن استجواب القحطاني ومذكرة رامسفيلد بتاريخ 2 ديسمبر/كانون الأول 2002. تم عرض اعتبارات مورا أيضاً على نائب وزير الدفاع بول ولفويتز، وجان دالتون، المستشارة العامة لرئاسة الأركان، وعلى رامسفيلد نفسه.[147] وفي 9 يناير/كانون الثاني 2003، حذر مورا هاينز من أن "سياسات الاستجواب يمكن أن تهدد منصب الوزير رامسفيلد ويمكن أن تضر بالرئاسة نفسها".[148] كما ترك مورا مذكرة مع هاينز، كتبها قائد قوات البحرية ستيفن غالوتا، ذكر فيها أن بعض التقنيات التي صرح بها رامسفيلد في أمره الصادر بتاريخ 2 ديسمبر/كانون الأول 2002، لو نُظر إليها وحدها، وخاصة لدى جمعها معاً، يمكن أن ترقى لكونها أعمال تعذيب، وأن بعضها يعتبر اعتداءات، وأن أغلب هذه التقنيات، خلو من أي غرض قانوني، تعتبر في حد ذاتها "غير قانونية".[149]

وفي 15 يناير/كانون الثاني 2003، أرسل مورا إلى هاينز مسودة مذكرة خطط أن يوقعها، مفادها أن التقنيات غير قانونية ويستتبعها المسؤولية الجنائية، وذكر أنه سيوقع على الوثيقة، ما لم يتم إلغاء قرار رامسفيلد بتاريخ 2 ديسمبر/كانون الأول 2002. قال هاينز لمورا إنه ناقش اعتبارات مورا مع رامسفيلد وأن رامسفيلد في الواقع ألغى أمره بتاريخ 2 ديسمبر/كانون الأول 2002 الذي صرح به في نفس اليوم، أي 15 يناير/كانون الثاني 2003، وأنه أمر بـ "فريق عمل للمراجعة" على سياسة الاستجواب.[150]

بعد أن وفر مكتب الاستشارات القانونية تفسيراً لمشروع القانون ومذكرة في مارس/آذار 2003 عن إعادة استخدام الكثير من المبررات الواردة في مذكرات 2002 المقدمة للسي آي أيه، أصدر رامسفيلد مذكرة جديدة في 16 أبريل/نيسان 2003، وفيها بينما تم فرض قيود إضافية على قواعد ديسمبر/كانون 2002، تم السماح ببعض التقنيات التي تتجاوز المسموح به في اتفاقيات جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب أو المدنيين المحتجزين.[151] وبالفعل، فإن مذكرة وزير الدفاع في حد ذاتها تذكر فيما يخص عدة تقنيات – ومنها الحبس الانفرادي وحرمان المحتجزين من المزايا – أن "الدول التي تعتقد في ضرورة خضوع المحتجزين لتدابير حماية أسرى الحرب" قد تجد هذه التقنيات مخالفة لهذه التدابير.

ورغم إلغاء رامسفيلد في 15 يناير/كانون الثاني 2003 للقرار، فإنه يبدو من تقرير لجنة مجلس الشيوخ أن "موافقة رامسفيلد قبل ستة أسابيع استمرت في التأثير على سياسات الاستجواب".[152]

انتشار الأساليب التي جرت الموافقة عليها

توصل تحقيق وزارة الدفاع الذي ترأسه جيمس ر. شليسنغر إلى أن "التقنيات [التي وافق عليها رامسفيلد] في غوانتانامو انتقلت إلى أفغانستان والعراق، حيث لم تُطبق هناك بشكل محدود أو مع مراعاة الإشراف عليها وتأمينها".[153]

وعلى النقيض من الاهتمام الممنوح لتقنيات الاستجواب في غوانتانامو، فلم يكن هناك نظام استجواب محدد للسجناء في أفغانستان. طبقاً لمراجعة عمليات استجواب وزارة الدفاع التي أجراها نائب الأدميرال ألبرت ت. تشيرش الثالث، فإن القيادة العسكرية الأمريكية في أفغانستان قامت في يناير/كانون الثاني 2003 بتقديم قائمة بتقنيات الاستجواب، بناء على طلب مقدم إليها، إلى رئاسة أركان الجيش والقيادة المركزية.[154] تضم القائمة تقنيات "مماثلة" لتلك التي وافق عليها رامسفيلد فيما يخص غوانتانامو، لكن قال تشيرش إنها وصلت إلى هناك من تلقاء نفسها. عندما لم تسمع قيادة أفغانستان بشكاوى "فسرت هذا الصمت على أن هذه التقنيات... لا اعتراض عليها من القيادة، ومن ثم تعتبر سياسة مقبولة".[155]

وصدر في عام 2006 تقرير عن مفتش عام وزارة الدفاع عن الإساءة للمحتجزين، أوضح كيف أن التقنيات المطبقة في أواخر عام 2002 قد أعيدت صياغتها في مطلع 2003 عن طريق "التخصيب المتبادل" مع الإساءات التي وقعت في أفغانستان وهاجرت إلى العراق.[156] تقرير لجنة مجلس الشيوخ لعام 2008 عرض تفصيلياً كيف أن مسؤولي وحدة المهمات الخاصة SMUTF  في أفغانستان زاروا غوانتانامو أواخر عام 2002، وقارنوا منهجهم مع تقنيات JPRA وبدأوا في الوصول إلى قائمة رسمية أكثر بالتقنيات المصرح بها تحديداً. يبدو أن المسؤولين في أفغانستان بدأوا في وضع جملة من السياسات بناء على التقنيات المستخدمة بالفعل وغيرها مما عرفوا به من رحلتهم إلى غوانتانامو.

هناك شق كبير من سياسات وحدة المهمات الخاصة يستند إلى تصريح رامسفيلد بتاريخ 2 ديسمبر/كانون الأول 2002 باستخدام التقنيات الخاصة بالاستجواب في غوانتانامو، وإلى المنطق القانوني الغالب الوارد في قرار بوش بتاريخ 7 فبراير/شباط 2002 برفض تطبيق اتفاقيات جنيف على أسرى القاعدة وطالبان، حتى رغم أن المحتجزين في العراق كانوا ذات طبيعة مختلفة وكونهم مجموعة مغايرة من المقاتلين. الغريب أن التقنيات الواردة في تصريح رامسفيلد الخاص بغوانتانامو الصادرة في ديسمبر/كانون الأول 2002، ظهرت في وثائق سياسات وحدة المهمات الخاصة في يناير/كانون الثاني 2003 حتى رغم أن التصريح الأصلي قد تم إلغاءه.

الإساءات التي تورطت فيها وحدة المهمات الخاصة في العراق، المذكورة أعلاه، يبدو أنها تستند إلى سياسات الوحدة في أفغانستان.[157] تقرير المفتش العام لوزارة الدفاع لعام 2006 وتقرير لجنة مجلس الشيوخ الخاصة بالاستخبارات لعام 2008 توصلا تحديداً إلى أن وحدة المهمات الخاصة في العراق استندت في سياسات الاستجواب الأولى الخاصة بها إلى "إجراءات العمليات المعيارية" SOP التي استخدمتها وحدة المهمات الخاصة في أفغانستان.[158]

وهناك مسؤولو استخبارات عسكرية آخرين في العراق استندوا في سياسات الاستجواب المتبعة طرفهم على سياسات وحدة المهمات الخاصة في أفغانستان والعراق. كارولين وود، التي ساعدت على صياغة سياسات الاستجواب للقوات غير الخاصة في أفغانستان في أواخر 2002 – وشاركت في ضرب سجينين هناك حتى الموت في ديسمبر/كانون الأول 2002 – كانت متمركزة في العراق، ومسؤولة عن عمليات استجواب أبوغريب في أواسط 2003، تحت القيادة المشتركة الجديدة للقوات (CJTF-7). في يوليو/تموز 2003، صاغت الكابتن وود سياسة استجواب مقترحة، تستند إلى أدلة أفغانستان والعراق الإرشادية الصادرة عن وحدة المهمات الخاصة، وشملت مقترح باستخدام الحرمان من النوم و"الحرمان من الأوضاع المريحة" (جلوساً أو وقوفاً أو ركوعاً)، وتواجد كلاب مدربة عسكرياً، والاستجواب لفترات تصل إلى 20 ساعة يومياً، والعزلة في الحبس، والصياح وتشغيل الموسيقى الصاخبة، والتحكم في درجات الإضاءة".[159] أقرت وود بأنه، حتى عندما بدأت، كان المحققون يستخدمون بالفعل "الأوضاع المجهدة" على المحتجزين.[160] يبدو أن القيادة المشتركة الجديدة للقوات سعت للحصول على مداخلات من عاملين استخباراتيين آخرين لضمها إلى "قائمة مطلوبة" من تقنيات الاستجواب.[161] في 27 أغسطس/آب 2003، عاودت وود تقديم قائمة بتقنياتها، وأضافت "الحرمان من الحواس" إلى القائمة.[162]

القائد العسكري الأعلى في العراق، الجنرال ريكاردو سانشيز، وافق على سياسة وود المقترحة، التي تم تمديدها في 14 سبتمبر/أيلول 2003. التقنيات المسيئة التي تمت الموافقة عليها، بالإضافة إلى التقنيات المستخدمة من قبل وحدات المهمات الخاصة، كانت من بين تلك المستخدمة في أبوغريب، حتى بداية عام 2004.[163]

III. المسؤولية الجنائية الفردية

عدم قانونية الإساءات المذكورة

الأعمال والإساءات الواردة في هذا التقرير تخرق عدة مواد من القانون الفيدرالي الأمريكي، ويشمل قانون الجرائم والإجراءات الجنائية، والفصل 18 من القوانين الأمريكية (U.S.C.) الذي يحظر: التعذيب (القسم 2340A (a))، والاعتداء (القسم 113)، والتحرش الجنسي (الأقسام 2241 و2246)، والاختطاف (القسم 1201) والقتل (1111-1112 و2332) والأعمال التي تخرق الحقوق (على سبيل المثال الأقسام 241 و242، التي تحظر التآمر لحرمان الأفراد من حقوقهم القانونية)، وجرائم الحرب (القسم 2441)، والتآمر والتواطؤ في جرائم عنف (الأقسام 371 و373)، والتآمر لارتكاب أعمال تعذيب (القسم 2340 A (c)).

قانون جرائم الحرب لعام 1996 ينص على عقوبات جنائية لكل من قام داخل الولايات المتحدة أو خارجها بارتكاب جريمة حرب، سواء كان الجاني أو الضحية من أعضاء القوات المسلحة الأمريكية أو مواطن أمريكي. "جريمة الحرب" معرفة بصفتها أي "خرق جسيم" لاتفاقيات جنيف لعام 1949 التي تخرق المادة 3 المشتركة في الاتفاقيات الأربع. "الخرق الجسيم" يشمل "القتل العمد، والتعذيب والمعاملة اللاإنسانية" لأسرى الحرب أو المدنيين المصنفين على أنهم "أشخاص محميين". المادة 3 المشتركة في الاتفاقيات تحظر القتل والتشويه والمعاملة القاسية والتعذيب و"العدوان الجسيم على كرامة الأفراد، لا سيما المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة".[164]

قانون اللجان العسكرية لعام 2006 راجع قانون جرائم الحرب وحدّ من تعريف جرائم الحرب، بأثر رجعي. بالنتيجة، فإن المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة للمحتجزين في عمليات مكافحة الإرهاب الأمريكية إثر هجمات 11 سبتمبر/ايلول لم يعد من الممكن اتهام مرتكبيها بجرائم الحرب بموجب القانون. إلا أن هذا لا يغير من المسؤولية القانونية عن القتل والتعذيب.

قانون مكافحة التعذيب (قانون أمريكي رقم 18 قسم 2340A) ينص على عقوبات جنائية على أعمال التعذيب، ويشمل ذلك محاولة ارتكاب التعذيب أو التآمر لارتكاب عمل من أعمال التعذيب، خارج الأراضي الأمريكية بغض النظر عن جنسية الجاني أو الضحية.[165]

قانون مكافحة التعذيب يعرف التعذيب على أنه "أي عمل يرتكبه فرد يعمل بموجب القانون يقصد به تحديداً إحداث ألم بدني أو نفسي أو معاناة (باستثناء الألم المتولد عن العقوبات القانونية أو بشكل عارض) على شخص آخر تحت حراسته أو تحت سيطرته المادية".[166]

بعض الجرائم المذكورة أعلاه تخضع لأحكام القيود القانونية. بموجب القوانين الفيدرالية، فإن الاتهامات الخاصة بجرائم الاعتداء والاختطاف وأعمال ضد الحقوق، لابد في الحالة الطبيعية أن توجه للمتهمين خلال خمس سنوات من تاريخ حدوثها.[167] عندما يوجد دليل على جريمة في دولة أخرى، وهو ربما ما حدث في حالة بعض الجرائم المحتملة المذكورة أعلاه، فإن الحدود الزمنية المفروضة يمكن تمديدها إلى فترة ثلاث سنوات إضافية، مما يعني مرور ثماني سنوات على تاريخ ارتكاب الجريمة.[168]

بالنسبة لجرائم التعذيب، فإن أحكام الحدود القانونية تمد الفترة لثماني سنوات على الأقل.[169] وهناك دفوع مقبولة بأن الحدود القانونية على هذه الجرائم لا وجود لها بالمرة.[170]

جرائم القتل والاعتداء الجنسي وجرائم الحرب التي تؤدي إلى الوفاة لا تخضع للحدود الزمنية المذكورة في القانون.

التآمر. بالإضافة إلى الجرائم المذكورة أعلاه، فهناك أدلة كافية لفتح تحقيق جنائي فيما إذا كان مسؤولي إدارة بوش قد تورطوا في مؤامرة إجرامية لارتكاب أعمال مثل التعذيب وجرائم الحرب. هذه المؤامرة تشمل في الحد الأدنى المسؤولين الكبار المذكورين في هذا التقرير بالإضافة إلى المحامين الذين عكفوا على صياغة المذكرات الساعية لتبرير التعذيب.

التآمر على ارتكاب جريمة فيدرالية قد يخضع لأحكام القانون الفيدرالية الخاصة بالتآمر (قانون فيدرالي رقم 18 U.S.C. قسم 371)،[171] وقد يخضع أيضاً لأحكام قانونية محددة تخص جرائم ومخالفات كبرى، أكثرها اتصالاً بحالتها هذه هو التآمر لارتكاب جريمة تعذيب (القانون الفيدرالي 18 U.S.C. قسم 2340A(c)).[172]

العناصر الأساسية المطلوبة لنسب تهمة التآمر بموجب القانون الفيدرالية 18، قسم 371، تشمل:

(i) اتفاق شخصين أو أكثر (ii) القيام بارتكاب جريمة فيدرالية عن علم وبشكل طوعي، مع (iii) المعرفة بالأهداف الأساسية للمؤامرة، (iv) الاعتماد المتبادل بين المتآمرين، (v) ارتكاب "عمل صريح" بغرض تطبيق المؤامرة.[173]

من بين "الأعمال الصريحة" المؤدية لإنجاز المؤامرة، بالإضافة إلى سوء المعاملة في حد ذاتها، هناك التحضير أو التبني لمختلف المذكرات القانونية والأوامر التنفيذية والموافقات الرسمية وغير الرسمية.[174]

وجود قصد أو نية محددة عنصر أساسي في ثبوت المؤامرة الإجرامية.[175] من الضروري إظهار أن المتآمر كان يقصد الاتفاق على إنجاز عناصر من المخالفة أو الجريمة المقصودة.[176] بينما هناك بعض المسؤولين قد يجادلون بأن التصريح بصحة مسلكهم من قبل مكتب الاستشارات القانونية بوزارة العدل يخفف من مطلب "القصد الواضح"، فإن هذه الحجة تصبح قطعاً فاشلة إذا تمكن المدعون من إظهار أن عمل مكتب الاستشارات القانونية كانت في حد ذاته من عناصر المؤامرة، أو وكما هو موضح أدناه، كان هؤلاء المسؤولون ذات دور أساسي في الضغط من أجل توفير الغطاء القانوني من مكتب الاستشارات القانونية، أو قاموا بالتأثير على عملية صياغة المذكرات التي يزعمون الآن أنها تحميهم. بالإضافة إلى ذلك، ليس من الضروري أن يكون المتآمرون على دراية أو اعتزموا الخوض في المؤامرة كي يخرقوا القانون الفيدرالي بالمعنى الحرفي للكلمة. فكما أوضحت المحكمة العليا:

أحكام قانون المؤامرة العام، قانون 18 U.S.C. قسم 371، لا توفر أي سند نصي لفكرة أن ثبوت الذنب بالتآمر يعني معرفة المدعى عليه بأن مسلكه يخرق القانون الفيدرالي. أحكام قانون التآمر توضح أنه من غير القانوني أن يقوم المرء بمجرد "التآمر... لارتكاب جريمة ضد الولايات المتحدة". القراءة العادية لهذه الكلمات تفيد بأنه بما أن بإمكان المرء خرق القانون الجنائي بمجرد التورط في مسلك محظور، فإن التآمر لارتكاب هذا الخرق ليس أكثر من اتفاق للتورط في المسلك المحظور.[177]

بينما التآمر عرضة لحدود توجيه الاتهام في ظرف خمس سنوات، بموجب القانون، فإنه يعتبر جريمة قائمة لا تنتهي حتى يرتكب آخر المتآمرين آخر عمل صريح من أعمال المؤامرة.[178] في الحد الأدنى، فإن معاودة الرئيس بوش التصريح ببرنامج احتجاز السي آي أيه في يوليو/تموز 2007[179] يعتبر في حد ذاته عمل صريح، مما يدفع بحدود فترة توجيه الاتهام إلى يوليو/تموز 2012. ولا توجد حصانة من الملاحقة القضائية أمام المحاكم الأمريكية على الأعمال الموصوفة في هذا التقرير.[180]

أشكال المسؤولية أمام القانون

لم يرتكب مسؤولو الإدارة الأمريكية الكبار المذكورين انتهاكات مادية بأنفسهم. إلا أن المدراء المدنيين والقادة العسكريين يمكن تحميلهم المسؤولية الجنائية بصفتهم من أمروا أو حرضوا أو عاونوا أو تساهلوا مع ارتكاب جريمة. هذا من المبادئ المعترف بها في القانونين الأمريكي[181] والدولي.[182]

فضلاً عن ذلك، فإن مبدأ "مسؤولية القيادة" أو "مسؤولية الأعلى درجة" تحمل الأفراد في مناصب مدنية أو عسكرية في ظروف معينة  المسؤولية الجنائية على أوامرهم أو صلاحياتهم المستخدمة. هناك ثلاث عناصر مطلوبة لإثبات هذه المسؤولية الجنائية:

1)لابد من وجود علاقة رئيس ومرؤوس.

2)الرئيس لابد أن يكون قد عرف أو لديه سبب لمعرفة أو المرؤوس كان على وشك ارتكاب جريمة أو ارتكب جريمة.

3)أخفق الرئيس في اتخاذ الإجراءات المطلوبة والمعقولة لمنع الجريمة أو معاقبة الجاني.

لطالما أقرت القوات المسلحة الأمريكية بمبدأ مسؤولية القيادة.[183] أول وأهم قضية أمريكية شملت "مسؤولية القيادة" هي تلك الخاصة بالجنرال تومويوكي ياماشيتا، قائد القوات اليابانية في الفلبين في الحرب العالمية الثانية، الذي ارتكبت قواته أعمالاً وحشية ضد السكان المدنيين وأسرى الحرب. الجنرال ياماشيتا، الذي فقد كل قيادة أو سيطرة أو اتصالات له بقواته، رغم ذلك تمت إدانته في المحكمة العسكرية الدولية في طوكيو، بناء على مبدأ مسؤولية القيادة. أكدت المحكمة العليا الأمريكية على الحُكم، قائلة بأن ياماشيتا  من واقع منصبه كقائد للقوات اليابانية في الفلبين، كان تحت "واجب يتمثل في اتخاذ الإجراءات اللازمة، ضمن صلاحياته وفي الظروف القائمة بحماية أسرى الحرب والسكان المدنيين".[184]

تمثيل الإغراق يعتبر تعذيب

"تمثيل الإغراق" مصطلح حديث نسبياً لأحد أشكال التعذيب بالمياه، يعود إلى فترة محاكم التفتيش الإسبانية تقريباً، وقتها كان يُسمى: tormenta de toca.[185] تم استخدام هذا الأسلوب من طرف بعض أقسى النظم الديكتاتورية في التاريخ الحديث، منهم الخمير الحمر في كمبوديا، وكان معروفاً باسم "الغمر" أو submarinoعندما جرت ممارسته من قبل النظم الديكتاتورية العسكرية في أمريكيا اللاتينية في السبعينيات والثمانينيات.[186] بينما يُشار إلى هذا الأسلوب عادة باسم "محاكاة الإغراق" فإن الخبراء أكدوا أن استخدام هذا المصطلح يعني الإخفاق في الكشف عن الضرر الحقيقي الذي يلحقه بالضحايا، وهو أنه فعلياً يؤدي إلى الإحساس بالغرق ومضاعفاته.[187] كما تمت الموافقة عليه للاستخدام بمعرفة السي آي أيه، فهو مخصص للتسبب في "الإحساس بالاختناق وما يستتبع ذلك من إحساس بالذعر".[188] في أبريل/نيسان 2006، ذكر أكثر من مائة أستاذ قانون أمريكيين في رسالة للمحامي العام ألبرتو جونزالس أن تمثيل الإغراق يعد تعذيباً، وأنه من الجرائم التي يعاقب عليها القانون الفيدرالي الأمريكي.[189] بصفته مدير وكالة استخبارات وزارة الدفاع الأمريكية، فإن الجنرال مايكل د. مابلس في عام 2008 قدم شهادة، في رأيه، بأن تمثيل الإغراق يخرق قوانين الحرب.[190] وقد نُظر إلى تمثيل الإغراق على أنه أسلوب تعذيب من قبل وزارة الخارجية الأمريكية،[191] ومن مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان،[192] ولجنة مناهضة التعذيب،[193] ومقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالتعذيب،[194] ومقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحماية حقوق الإنسان أثناء مكافحة الإرهاب،[195] بالإضافة إلى جهات أخرى.

المحاكم الأمريكية والمحاكم في أماكن أخرى تكرر تحديدها لتمثيل الإغراق، أو تنويعات عليه، بصفته في عداد التعذيب وأنه جريمة حرب:[196]

·إثر ظهور معلومات إبان تحقيق من الكونغرس بأن القوات الأمريكية ضالعة في التعذيب بالماء، فيما عُرف باسم "العلاج بالماء" أثناء احتلالها للفلبين مطلع العقد الأول من القرن العشرين، تمت محاكمة العديد من الضباط الأمريكيين عسكرياً، وأحدهم – الجنرال إدوين غلين – وُقف عن العمل لمدة شهر وغُرّم مبلغاً من المال لأنه صرح بهذه الممارسة.[197]

·هناك لجان عسكرية أمريكية كثيرة في الحرب العالمية الثاني، معنية بالقوات التي حاربت في المحيط الهادئ، تبينت أن مختلف أنواع تمثيل الإغراق تعتبر في عداد جرائم التعذيب، بما في ذلك قضية "الولايات المتحدة ضد ساوادا"، ومقاضاة الضباط اليابانيين المسؤولين عن تعذيب قوات "دوليتل".[198]

·المحكمة العسكرية الدولية للشرق الأقصى، المنعقدة على يد الجنرال دوغلاس مكارثر في عام 1946، والتي أدانت وتبينت تفشي استخدام تمثيل الإغراق وتنويعاته من قبل الجيش الياباني، بصفتها أعمال تعذيب. أصدرت عدة أحكام على من نفذوا هذه الأساليب وعلى من أمروا بها.[199]

·في عام 1968، ظهرت مقالة في الواشنطن بوست، في صفحتها الأولى، معها صورة لجندي أمريكي يشرف على التعذيب بالماء على جندي من شمال فيتنام، مما أدى حسب التقارير إلى محاكمته عسكرياً.[200]

·في قضية من أكثر من 10 ألاف مدعى فلبيني ضد حكومة فرديناند ماركوس في الفلبين، تبينت محكمة أمريكية في عام 1995 أن التعذيب بالماء من بين أكثر انتهاكات حقوق الإنسان التي مورست على أرض الواقع.[201]

·في عام 1983 انتهت محكمة فيدرالية إلى أن التعذيب بالماء مسلك إجرامي بموجب القانون الأمريكي، عندما أدين المأمور جيمس باركر من مقاطعة سان جاكينتو بتكساس وثلاثة من أعوانه من قبل المحلفين بالتورط في هذه الممارسة. تلقى كل منهم أحكاماً بالسجن لفترات طويلة. لدى الطعن، رأى القاضي أن المأمور سمح بتحول مسؤولي إنفاذ القانون إلى "مجموعة من البلطجية. عملية إنفاذ القانون تحت تصرفه تحرج دكتاتور أي دولة قمعية".[202]

·ذكر الرئيس أوباما والمحامي العام إريك هولدر أن تمثيل الإغراق يعتبر تعذيب.[203]

·العديد من مسؤولي إدارة بوش، مثل مدير الاستخبارات القومية، مايك مك-كونيل ووزير الأمن الداخلي توم ريدج، أقرا علناً أيضاً بأن تمثيل الإغراق تعذيب.[204]

أساليب الاستجواب التي صرّح بها وزير الدفاع رامسفيلد تعتبر تعذيباً ومعاملة سيئة

في ديسمبر/كانون الأول 2002، صرّح وزير الدفاع رامسفيلد بجملة من تقنيت الاستجواب والاحتجاز، شملت الأوضاع المجهدة وتغطية الرأس أثناء الاستجواب والحرمان من الإنارة والمحفزات السمعية بالكامل، واستخدام المخاوف الشخصية للمحتجزين (مثل الخوف من الكلاب) لإقلاقهم.[205]

هذه الأساليب تخرق تدابير الحماية المكفولة لجميع المحتجزين – سواء مقاتلين أو مدنيين – بموجب قوانين النزاع المسلح، ويمكن أن ترقى لكونها تعذيب أو معاملة لاإنسانية.  بالنسبة للمحتجزين الذين يعتبرون أسرى حرب أو من يستحقون معاملة أسرى الحرب، فإن إساءة المعاملة باستخدام هذه الأساليب يعتبر خرقاً جسيماً لاتفاقيات جنيف. الانتهاكات الجسيمة لقوانين الحرب المرتكبة بقصد إجرامي، بما في ذلك الخروقات الجسيمة لاتفاقيات جنيف، تعتبر جرائم حرب.

الدليل الميداني للجيش الخاص باستخلاص المعلومات الاستخباراتية المطبق وقت تصريح رامسفيلد بمختلف تقنيات الاستجواب، وهو الدليل FM 34-52، يذكر مثالاً على التعذيب كالتالي: "إجبار شخص على الوقوف أو الجلوس أو الركوع في أوضاع غير طبيعية لفترات مطولة". يشمل التعذيب النفسي: "الحرمان من النوم بشكل غير اعتيادي"، والذي ربما قد يكون نتيجة للتصريح باستخدام الإضاءة والموسيقى الصاخبة. دليل الجيش الميداني يحظر ايضاً أشكال الإكراه ومنها التهديدات. ولعل الأهم أن الدليل الميداني يوجه الجنود، في حالة الشك، إلى سؤال أنفسهم: "إذا كانت الإجراءات التي تفكر فيها في حال ارتكاب العدو لهذه الأعمال ضد أسرى حرب أمريكيين، فهل تعتقد أنها تخرق القانون الدولي أو القانون الأمريكي؟"[206]

لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب نظرت في أمر تقنيات مثل تلك التي تعتبر تعذيباً.[207] ودعت الولايات المتحدة تحديداً إلى "إلغاء أي أساليب استجواب، وتشمل أساليب الإهانة الجنسية و"تمثيل الإغراق" والقيود القصيرة غير المريحة واستخدام الكلاب للتسبب في الخوف، التي تعتبر تعذيباً أو معاملة قاسية أو لاإنسانية أو مهينة، في جميع أماكن الحجز التي تسيطر عليها سيطرة فعلية، من أجل الالتزام بالتزاماتها المترتبة على الاتفاقية.[208]

في تقريره لعام 2004 إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، حدد المقرر الخاص بالأمم المتحدة المعني بالتعذيب أن تقنيات الاستجواب من هذا النوع تخرق اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من أشكال العقوبة أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة:

لقد تلقى مؤخراً المقرر الخاص معلومات عن بعض الأساليب المُدانة من حيث المبدأ والمستخدمة في الحصول على معلومات من مشتبهين بالإرهاب. وهي تشمل وضع المحتجزين في أوضاع مجهدة و/أو مؤلمة، وحرمانهم من النوم والضوء لفترات طويلة، وتعريضهم لدرجات حرارة عالية ومنخفضة بشكل متطرف وتعريضهم لضوضاء صاخبة وضوء براق وتغطية رؤوسهم وحرمانهم من الثياب وتجريد المحتجزين من الثياب وتهديدهم بالكلاب. الفقه القانوني الدولي والإقليمي لحقوق الإنسان واضح في إدانته لهذه الأساليب كونها تخرق المحاذير المفروضة على المعاملة السيئة والتعذيب.[209]

وقد نبذت الحكومة الأمريكية نفسها هذه الأساليب بصفتها مما يدخل في نطاق التعذيب عندما تمارسها الدول الأخرى، ومنها بورما (الإجبار على الجلوس في وضع القرفصاء أو البقاء لفترات طويلة في أوضاع مجهدة)، وفي مصر (تجريد السجناء من ثيابهم وتغمية عيونهم)، وإريتريا (ربط اليدين والقدمين في أوضاع مؤلمة لفترات طويلة)، وإيران (الحرمان من النوم والتعليق لفترات طويلة في أوضاع مؤلمة)، والعراق (الحرمان من الطعام والشراب)، والأردن (الحرمان من النوم)، والسعودية (الحرمان من النوم)، وتونس (الحرمان من الطعام والشراب)، وتركيا (الوقوف لفترات طويلة والحبس الانفرادي.[210] كما انتقدت تقارير وزارة الخارجية الأمريكية لحقوق الإنسان مصر على تعرية السجناء وتغمية عيونهم وسكب الماء البارد عليهم، وانتقدت تونس وإيران وليبيا على استخدام الحرمان من النوم. وانتقدت ليبيا على تهديد السجناء المكبلين بالقيود بالكلاب، وكوريا الشمالية على إجبارها السجناء على الوقوف والجلوس لفترات طويلة لحد الانهيار.[211]

من أساليب رامسفيلد، فإن أسلوب "الخوف من الكلاب... لإحداث القلق" يستحق اهتماماً خاصاً. تهديد سجين بالتعذيب لحمله على الكلام يعتبر من أشكال التعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.[212] تهديد السجين بكلب حراسة شرس لا يختلف من وجهة نظر القانون عن توجيه فوهة بندقية إلى رأس شخص. وبالطبع فالعديد من الصور من أبوغريب تُظهر كلاباً غير مكممة الأفواه تستخدم في ترهيب السجناء، وأحياناً أثناء تكومهم على أنفسهم في خوف منها، وهم عراة. وكما أشار الجنرال فاي في تقريره عن أبوغريب "عندما تستخدم الكلاب لتهديد وترهيب السجناء، فهناك خرق واضح للقوانين والأنظمة المنطبقة".[213]

برنامج الاحتجاز السري الخاص بالسي آي أيه شمل وقائع اختفاء قسري ومعاملة سيئة

برنامج الاحتجاز السري التابع للسي آي أيه، الذي شمل الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي لفترات طويلة دون محاكمة، خرق المحاذير القائمة في القانون الدولي ضد الاختفاء القسري. الاختفاء يخرق أو يهدد بخرق جملة من القواعد الواردة في القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك الحرمان من الحرية تعسفاً، والتعذيب وتهديد الحق في الحياة.

يفرض القانون الأمريكي قيوداً على معاملة المشتبهين بالإرهاب قيد الاحتجاز. المحكمة العليا الأمريكية قضت في عام 2004 بأن التصريح باستخدام القوة العسكرية – الذي أصدره الكونغرس بعد 11 سبتمبر/أيلول 2001 وصرح للرئيس بالتحرك ضد القاعدة والأطراف المتحالفة معها – منح الرئيس سلطة اعتقال مقاتلي العدو. إلا أن القاضية ساندرا داي أوكونور، متحدثة عن هيئة المحكمة، قالت: "بالقطع فإننا نتفق على أن الاحتجاز لأجل غير مسمى لغرض الاستجواب غير مصرح به".[214]

كما أن قانون العلاقات الخارجية الأمريكي يقر منذ زمن طويل بأن "الاحتجاز لفترة مطولة دون اتهامات أو محاكمة" و"التسبب في إخفاء الأشخاص عن طريق الاختطاف والاحتجاز العشوائي للافراد" يعتبر "خرق جسيم للقانون الدولي لحقوق الإنسان".[215]

الاحتجاز المطول دون إقرار بوقوعه وبمعزل عن العالم الخارجي، للأفراد في منشآت احتجاز السي آي أيه يعتبر اختفاء قسرياً بموجب تعريف القانون الدولي. الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأفراد من الاختفاء القسري ("اتفاقية مناهضة الاختفاء القسري") تعرف الاختفاء القسري بأنه "اعتقال أو احتجاز أو اختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية، من قبل أعوان للدولة أو أفراد أو جماعات من الأفراد يتصرفون من واقع هذه الصلاحيات، بدعم أو بمعرفة من الدولة، ويلي هذا الإجراء رفض الاعتراف بحرمان الشخص من الحرية أو إخفاء مصير أو مكان الشخص المختفي، مما يعني وقوع هذا الشخص خارج نطاق حماية القانون".[216]

اتفاقية مناهضة الاختفاء القسري ورد فيها أن "لا يجوز احتجاز أحد سراً".[217] إعلان الأمم المتحدة لحماية جميع الأفراد من الاختفاء القسري، الذي أقرته الجمعية العامة عام 1992، ينص على أن جميع المحتجزين لابد من احتجازهم في أماكن احتجاز معروفة رسمياً، وأن يتم توفير معلومات دقيقة عن المحتجزين وأماكن احتجازهم فوراً لأسرهم ومستشاريهم القانونيين، وأي اشخاص آخرين لهم مصالح مشروعة في هذه المعلومات.[218]

وقد أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة ولجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة أن "الاحتجاز في أماكن سرية" يمكن أن "ييسر من ارتكاب التعذيب وغيره من أشكال المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة" وأنه يمكن "أن يشكل هذا في حد ذاته شكل من أشكال هذه المعاملات".[219] فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاختفاءات القسرية أو غير الطوعية استنكر "التسليم الفائق للعادة المستخدم في نقل المشتبهين بالإرهاب إلى بلدان أخرى لأغراض الاستجواب المسيئة. تستمر المعلومات في بلوغ الفريق العامل، عن تواجد مراكز احتجاز سرية، بينما يتم احتجاز المشتبهين بالإرهاب في عزلة تامة عن العالم الخارجي. في [هذا الموقف] حال اختفاء الناس. وكما تم التوثيق، فإن الاختفاء في العادة يسبق التعذيب وحتى الإعدام بمعزل عن القضاء".[220]

فيما يخص قوانين النزاع المسلح، فإن المؤتمر الدولي الخامس والعشرين للصليب الأحمر لعام 1986 أدان "أي عمل يؤدي إلى الاختفاء القسري أو غير الطوعي للأفراد أو الجماعات".[221] المؤتمر السابع والعشرين الدولي للصليب الأحمر والهلال الأحمر، في خطة العمل الخاصة به للفترة 2000 إلى 2003، طلب من جميع الأطراف في النزاع المسلح اتخاذ إجراءات فعالة لضمان "منح أوامر صارمة لمنع أي انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك... الاختفاء القسري".[222]

وهناك تقرير سري صادر عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر تم تسريبه للإعلام في عام 2010 ورد فيه أن نظام الاحتجاز السري الذي يديره السي آي أيه "في حد ذاته يعتبر من أشكال المعاملة السيئة".[223] انتهت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى أن الظروف التي يُحتجز في ظلها المحتجزين طرف السي آي أيه "ترقى لكونها... اختفاء قسري".[224]

المشورة القانونية المقدمة من مكتب الاستشارات القانونية لا تحصن المسؤولين من الإدانة بالتعذيب والاختفاءات

سلسلة الآراء القانونية والمذكرات التي أصدرها محامو إدارة بوش بشأن المحتجزين منذ سبتمبر/أيلول 2001، يبدو أنها قد صدرت لحماية المسؤولين الأمريكيين من التعرض للمسؤولية الجنائية. هذه الآراء كُتبت إلى حد بعيد على يد مكتب الاستشارات القانونية بوزارة العدل. بناء على أنظمة وزارة العدل فإن المكتب مسؤول عن "تحضير الآراء الرسمية للمحامي العام، وتسليم آراء غير رسمية ومشورة قانونية لمختلف الهيئات الحكومية، ومعاونة المحامي العام على أداء مهامه بصفته المستشار القانوني للرئيس..."[225]

في 25 يناير/كانون الثاني 2002، صدرت مذكرة للرئيس بوش ومستشار البيت الأبيض ألبرتو جونزالس، تنصح ضد تطبيق اتفاقيات جنيف على محتجزي القاعدة وطالبان، وذكرت أن هناك سبب "إيجابي" لحرمان المحتجزين من حماية اتفاقيات جنيف يتمثل في "التقليل إلى حد بعيد من الأخطار الخاصة بالملاحقة الجنائية الداخلية بموجب قانون جرائم الحرب".

ثم أوضح جونزالس للرئيس أنه "من الصعب التنبؤ بدوافع الادعاء والمستشارين الخاصين الذين قد يقررون في المستقبل السعي وراء اتهامات لا ضرورة لها بناء على القسم 2441 [قانون جرائم الحرب]. قراركم [بأن اتفاقيات جنيف غير منطبقة] من شأنه أن يشكل أساساً معقولاً لعدم تطبيق القسم 2441، وهو ما قد يمثل دفاعاً صلباً من أي ملاحقات قضائية في المستقبل".[226]

وقد أكد بوش وآخرون على أنهم يوافقون على تقنيات الاحتجاز والاستجواب المذكورة أعلاه فقط بعد مراجعة محاميّ وزارة العدل لها. على سبيل المثال، في مقابلة على شاشات التلفزيون بعد أن انتهت فترة رئاسته، أوضح بوش أنه وافق على "تمثيل الإغراق": "بعد أن كانت لدينا آراء قانونية تمكننا من هذا".[227]

القانون الدولي لا يسمح بدحوض دفاعية من قبيل "الخطأ في تطبيق القانون" أو "السلطة الحكومية" في جرائم التعذيب.[228]

بموجب القانون الأمريكي، فإن المتهم لا يمكنه التذرع، عامة، بدفاع "المشورة القانونية".[229] وكما أشار القاضي ريتشارد بوسنر: "إذا تم إعطاء مشورة غير معقولة تبرر بشكل تلقائي السلوك الإجرامي، فإن المجرمين لا يمكن أن يتاح لهم حصانة مباشرة وأكيدة".[230]

وفي الوقت نفسه، بفإن اعتبارات إجراءات التقاضي السليمة يبدو أنها تنفي الإدانة عن المدعى عليه المشتبك في سلوك باعتماد معقول على تفسير رسمي للقانون. نموذج قانون العقوبات Model Penal Code ينص على أن اعتقاد المرء بأن سلوكه قانوني كدفاع عندما يقوم المدعى عليه "بالعمل باعتماد معقول على بيان رسمي، يُنظر إليه فيما بعد على أنه غير سليم أو خاطئ، ضمن... تفسير رسمي لصلاحيات الهيئة الرسمية أو معاون الهيئة الرسمية المكلف بالتفسير... للقانون المعرف للمخالفة المعنية".[231]

هناك إذن استثناء لمبدأ خطأ في تطبيق القانون "في الظروف حيث تنبع الغلطة من اعتماد المدعى عليه المعقول على تصريح مسؤول – وإن كان خاطئاً أو منسوخاً فيما بعد – مخول سلطة قانونية.... المبدأ في بعض الحالات قد يحمي ويضفي الصحة على اعتماد المدعى عليه المعقول على الآراء الاستشارية الرسمية، مثل رأي المحامي العام".[232]

بموجب القسم 1004 (a) من قانون معاملة المحتجزين لعام 2005، المكتوب بعد اكتشاف مخالفات أبوغريب والإفراج عن مذكرات التعذيب، فإن مقاضاة المسؤولين جراء عمليات الاحتجاز والاستجواب قد يظهر كدفاع ضدها أنهم: "لم يكونوا يعرفون بأن الممارسات المعنية غير قانونية وأن الشخص ذو الحس الطبيعي والفهم المنطقي لا يعرف بأن هذه الممارسات غير قانونية. الاعتماد على المشورة القانونية بنية حسنة لابد أن يكون عاملاً هاماً، من بين عوامل أخرى، يُنظر إليه أثناء النظر فيما إذا كان الشخص ذو الحس الطبيعي والفهم المنطقي ليعرف بأن هذه الممارسات غير قانونية".[233]

بموجب هذه القواعد والسوابق القضائية إذن، فإن مسألة الاعتماد على إرشاد مكتب الاستشارات القانونية كونه "معقول" و"بنية حسنة" يستند إلى الحقائق، بما في ذلك طبيعة الأعمال والأساليب التي تورط فيها المدعى عليهم أثناء تحضير الإرشاد القانوني المذكور.[234]

وكما ورد في مقالة بالدورية الأمريكية للقانون الدولي:

لا يمكن لهذه المذكرات في حد ذاتها أن تعزل أو تحصّن الافراد المتورطين أو المتواطئين في أعمال تعذيب وجرائم حرب من المسؤولية الجنائية الدولية والمحلية على ما ارتكبوا من أعمال. من المعروف والثابت أن المشورة القانونية – حجة أن "محامي قال لي أن هذا لا عيب فيه" – لا يمكن أن تخدم كعذر  لخرق القانون، لا سيما في القضايا التي يتم فيها السعي للحصول على مشورة قانونية عمداً ومنحها لنفس الغرض، أي وهو الحصول على مبرر.[235]

في سياق الممارسات من قبيل تمثيل الإغراق والوضع في أوضاع مجهدة لفترات طويلة، والاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي لمدد طويلة، فمن الصعب تصديق أن الشخص ذو الحس السليم والتفكير المنطقي سيرى في هذه الممارسات أمراً قانونياً.

فضلاً عن ذلك، فهناك أدلة قوية على أن المبادرة بتقنيات الاستجواب المسيئة جاءت بالأساس من قيادات مدنية بالإدارة، وأن المحامين الذين عينتهم الإدارة تعيينات سياسية صاغوا مبررات قانونية في مواجهة معارضة المسؤولين الحكوميين المشتغلين بالحكومة مع تعاقب الإدارات. كما قال المعلق السياسي أنطوني لويس: "المذكرات وكأنها مشورة مقدمة من محامي لعصابة لزعيم المافيا عن كيفية التحايل على القانون والبقاء بعيداً عن الزنزانة. تفادي الملاحقة القضائية هو التيمة الغالبة على هذه المذكرات".[236] الصحفية جان ماير انتهت في كتابها "الجانب المظلم" إلى أن بوش وتشيني "حوّلا مكتب الاستشارات القانونية بوزارة العدل إلى أداة سياسية".[237] قالت ماير إن أحد المسؤولين، ولم تذكر اسمه، من إدارة بوش وصفته بصفة "محامٍ محافظ" قال لها: "لم يهتموا إذا كانت الآراء ستصمد أمام التدقيق. كانوا يريدون فحسب أن يضغطوا على الزر فيقال: "مكتب الاستشارات القانونية يقول إن هذا الأمر قانوني". كانوا يريدون أن يخبرهم المحامون أن مهما فعلوا فلا بأس".[238] وبالفعل، بعد أن قام اثنان من قيادات المكتب – جاك غولدسميث ثم دان ليفين – لبوش وتشيني صعوبات فيما يخص قضية التعذيب، مُنح ستيفن برادبوري في عام 2005 وظيفة مكتب الاستشارات القانونية "بشكل مؤقت" إلى أن انتهى من رأيه الذي خلص إلى اعتبار تمثيل الإغراق أمراً قانونياً. وحسب التقارير، ففي اليوم التالي أرسل بوش اسمه إلى التعيين الرسمي.[239]

قبل انتهاء مدته في البيت الأبيض بقليل، أقر تشيني بأن "أمضينا قدراً كبيراً من الوقت والجهد في الحصول على المشورة القانونية من مكتب الاستشارات القانونية، وهو المكان الذي يلجأ إليه المرء في الحصول على مثل هذه الآراء، من وزارة العدل، بما أنه توجد خطوط حمراء فيما يخص ما يمكن أن نفعله وما لا يمكن أن نفعله".[240]

فضلاً عن ذلك، يظهر من السجلات أنه حتى قبل طلب مسؤولي الإدارة من مكتب الاستشارات القانونية المشورة بشأن تقنيات الاستجواب، فإن السي آي أيه لجأ إلى رئيس مكتب القسم الجنائي بوزارة العدل، مايكل شيرتوف، لطلب "تنازل مقدماً" عن الملاحقة القضائية عن الأعمال المصاحبة لاستجواب المحتجزين – أي وثيقة شاملة من القسم الجنائي بالوزارة بأنه لن يقاضي المسؤولين المشاركين في الاستجوابات. رفض شيرتوف تقديم هذا التنازل.[241]

مكتب المسؤولية المهنية بوزارة العدل، الذي حقق في مسلك مساعد المحامي العام جاي بايبي ونائب مساعد المحامي العام جون يوو، أثناء صياغة مذكرات أغسطس/آب 2002 انتهى إلى أن يوو "ارتكب عمداً خطأ مهنياً عندما خرق واجبه في ممارسة الحكم القانوني المستقل بتقديم الرأي القانوني المستفيض والموضوعي والصريح". بايبي، حسب القول، تصرف "بشكل متهور وفي تجاهل" لالتزاماته بتوفير التحليل القانوني المستقل.[242]

قام يوو بإطلاع مستشار البيت الأبيض جونزالس عدة مرات بالمشورة المقدمة بمذكرة 1 أغسطس/آب 2002 أثناء صياغتها، وكذلك المحامي العام أشكروفت، ومستشار تشيني، ديفيد أدينغتن، ومستشار وزارة الدفاع ويليام هاينز، ومستشار السي آي أيه جون ريزو، ومستشار الأمن القومي القانوني جون بيلينغر.[243] بيلنغر الذي أصبح المستشار القانوني لوزارة الخارجية في عام 2007، قال لمكتب المهنية إنه خلص لأن يوو "تحت ضغوط قوية للغاية" لتحديد ما إذا كان برنامج الاستجواب قانونياً.[244] طبقاً لتقرير مكتب المهنية، فإن محامي وزارة العدل باتريك فيلبين قال إنه عندما أثار الاعتبارات الخاصة بقسم من المذكرة يزعم وجود سلطات رئاسية شاملة لتقرير ما هو قانوني، قال له يوو: "إنهم يريدون الأمر كذلك" وفيما بعد أوضح أن السي آي أيه ربما اقترحت ذلك، وهو الزعم الذي أنكره القائم بأعمال مستشار عام السي آي أيه في ذلك التوقيت، جون ريزو.[245]

أما جاك غولدسميث، الذي ترأس مكتب الاستشارات القانونية من 2003 إلى 2004، فقال للمكتب أن مذكرة يوو في أغسطس/آب 2002 كانت "ملغزة بالأخطاء" وأنها "كانت جهد من جانب واحد لإزالة أي عوائق يفرضها قانون التعذيب".[246]

نفس الضغط ربما مورس في عام 2005 لإعادة الموافقة على المذكرات الصادرة من قبل ستيفن برادبوري، عندما قال رئيس المكتب بيلينغر لمكتب المهنية أن استنتاجات برادبوري كانت "مناقضة للفهم المعتنق بشكل طبيعي للاتفاقية [اتفاقية مناهضة التعذيب] وأن المذكرة كتبت مقلوبة رأساً على عقب للوصول للنتيجة المطلوبة".[247] دانييل ليفين، الذي وبصفته القائم بأعمال مكتب الاستشارات القانونية قام بصياغة مذكرات استبدلت مذكرات يوو، أفاد بأن البيت الابيض "ضغط" عليه كي يؤكد على الدعم القانوني من المكتب لتقنيات استجواب السي آي أيه.[248] نائب المحامي العام جيمس كومي كتب في عام 2005 بريداً إلكترونياً بأن المحامي العام جونزالس قال له إنه تحت الضغط من تشيني للتوصل إلى آراء تدحض مخاوف الكونغرس من برنامج السي آي أيه:

في اجتماع الجمعة الماضية مع بات [فيلبين]، ومع المحامي العام [جونزالس] وستيف برادبوري [الرئيس الجديد لمكتب الاستشارات القانونية الذي خدم فيلبين تحته]... أعربت عن مخاوفي، قائلاً إن التحليل معيب وأن هناك تحفظات كبرى على الرأي الثاني. أوضح المحامي العام [جونزالس] أنه تحت ضغط كبير من نائب الرئيس لإتمام المذكرتين، وأن الرئيس بنفسه أثار الموضوع الأسبوع الماضي، ربما بناء على طلب نائب الرئيس، ووعد المحامي العام بأن المذكرات ستكون جاهزة في وقت مبكر من هذا الأسبوع.... سبق أن قال باتريك أن ستيف [برادبوري] تأتيه ضغوط مشابهة من هارييت مايرز [مستشارة البيت الابيض] ومن ديفيد أدينغتن للتوصل إلى الآراء.[249]

واجب التحقيق وتوفير الإنصاف

بموجب القانون الدولي، على الدول الالتزام بالتحقيق في المزاعم القابلة للتصديق بوقوع جرائم حرب وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان على يد مواطنيها وأعوان قواتها المسلحة، أو التي تقع ضمن اختصاص الدولة القضائي، وأن تلاحق قضائياً، على النحو الواجب، أولئك المسؤولين عنها.[250]

جرائم الحرب خروقات جسيمة للقانون الدولي الإنساني تُرتكب على نحو واعٍ – أي عمداً أو من واقع الإهمال – وتترتب عليها المسؤولية الجنائية الفردية.[251] يمكن تحميل الأفراد المسؤولية الجنائية على ارتكاب جرائم الحرب مباشرة أو على جرائم الحرب المرتكبة بموجب أوامرهم.[252] ويمكن تحميلهم المسؤولية الجنائية على محاولة ارتكاب جرائم حرب، وكذلك التخطيط والتحريض والمعاونة والتيسير والتسهيل والتغاطي عن هذه الجرائم.[253]

كما يترتب على الولايات المتحدة واجب التحقيق في الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان وأن تعاقب الجناة.[254] وبصفة الولايات المتحدة دولة طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فعليها التزام بضمان أن أي شخص تُنتهك حقوقه "لابد أن يحصل على تعويض وإنصاف فعال" عندما يرتكب هذه الانتهاكات مسؤولون أو أعوان حكوميون. أولئك الساعون للتعويض والإنصاف، ينظم حقهم هذا السلطات القضائية أو الإدارية أو التشريعية المختصة. عندما يمنح لهم، فسبل الإنصاف هذه تنفذها السلطات المختصة.[255]

كما يمكن للقادة المدنيين والعسكريين أن يخضعوا للملاحقة القضائية على جرائم حرب وانتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان من واقع مسؤولية القيادة، بما أنهم كانوا يعرفون، أو يجب أن يعرفوا بارتكاب جرائم حرب، ولم يتخذوا من الإجراءات ما يكفي لمنعها أو معاقبة المسؤولين عنها.[256]

إلا أنه لم تقدم محكمة أمريكية فيدرالية – ولا المحكمة العليا – التعويض القضائي للأفراد المزعوم قيامهم بالتعذيب وغير ذلك من أشكال المعاملة السيئة، بما في ذلك التسليم للتعذيب، في قضايا ما بعد 11 سبتمبر/أيلول. وقد قالت إدارة بوش وإدارة أوباما على حد سواء ونجحتا في تبرير أن هذه القضايا غير قابلة للنظر بموجب امتيازات أسرار الدولة القائمة في القانون الأمريكي. امتياز أسرار الدولة يسمح لرؤساء الأقسام التنفيذية الإتيان بدليل في المحكمة على أساس أن الدليل معلومات سرية تضر بالأمن القومي أو العلاقات الخارجية إذا تم كشفها.[257]

في الماضي، تم الإقرار بمسألة أسرار الدولة من قبل المحاكم، بمعنى السماح للجهاز التنفيذي للدفع بأن هناك معلومات معينة ضمن الأدلة ممنوع الكشف عنها، مع السماح بالنظر في القضية.[258] إلا أن المحاكم التي نظرت في مزاعم إساءات إدارة بوش اعتمدت على تفسير أوسع للامتيازات الخاصة بالسرية، بعدم حجب أدلة معينة، بل عدم النظر في القضية منذ مراحلها الأولى.[259] وفي قضايا أخرى شملت مزاعم بالتعذيب والمعاملة السيئة، نجح محامو الحكومة بالدفع بأن المزاعم يفترض حسب القانون الفيدرالي أنها لو نُظر فيها فسوف تُواجه بالعديد من أنواع الحصانة.[260] المحاكم بقبولها هذه الأشكال المتعددة من الدفاعات القانونية، وشملت امتيازات أسرار الدولة، رفضت حتى مجرد النظر، دعك من إصدار أحكام، في ادعاءات الضحايا واستحقاقاتهم.

التحقيق والإحالة للادعاء مطلوب في كل الانتهاكات الجسيمة لقانون حقوق الإنسان، لكن التعويض النقدي وغيره من أشكال التعويض يمكن أن يتم توفيرها أيضاً.[261] اتفاقية مناهضة التعذيب، والولايات المتحدة دولة طرف فيها تقضي بأن ضحية التعذيب "يستحق الإنصاف والحق النافذ في التعويض العادل والملائم" بما في ذلك إعادة التأهيل والتعويض للذين ينفق عليهم، عندما يتوفى الضحية.[262]

وقد اقترحت محكمة أمريكية التعويض كسبيل للمقاضاة الجزئية في بعض الانتهاكات الواردة في هذا التقرير.[263] باقتراح أن تبحث الحكومة الأمريكية عن خيارات أخرى لإنصاف المدعي الذي قاموا بتعذيبه بعد تسليمه لدولة أخرى، أشارت محكمة استئناف الدائرة التاسعة إلى أن هناك حكومات أخرى، مثل البريطانية، قامت بالتزامات مماثلة.[264] كما اشارت لأن من سلطة الكونغرس التحقيق في الأخطاء المزعومة وفرض قيود لضبط النفس على الجهاز التنفيذي للدولة.[265]

القادة الأربعة الأهم

بناء على المعلومات المعروضة أعلاه، فإن هيومن رايتس ووتش ترى بأن هناك أسانيد كافية كي تأمر الحكومة الأمريكية بفتح تحقيق جنائي شامل في جرائم الحرب المزعومة وانتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة على صلة بالتعذيب والمعاملة السيئة للمحتجزين، وبرنامج الاحتجاز السري الخاص بالسي آي أيه، وتسليم المحتجزين للتعذيب. مثل هذا التحقيق لابد أن يركز بالضرورة على السلوك الإجرامي المزعوم للمسؤولين الكبار الأربعة التالي ذكرهم: جورج دبليو بوش، وديك تشيني، ودونالد رامسفيلد، وجورج تينيت، وآخرين غيرهم. تعرض هيومن رايتس ووتش الأدلة المتوفرة للعامة الآن، لكنها لا تتبنى أي رأي بشأن ذنب أو براءة أولئك المسؤولين المذكورين أو غيرهم.

الرئيس جورج دبليو بوش

الرئيس بوش كان القائد الأعلى للقوات المسلحة الأمريكية، وأعلى مسؤول تنفيذي في الحكومة الأمريكية، ويمارس سيطرة كاملة على جميع أجهزتها التنفيذية، بما في ذلك السي آي أيه. كثيراً ما ترأس بوش اجتماعات الأمن القومي وتم إطلاعه بالتفصيل وبشكل متكرر وروتيني على جميع الأمور المتصلة بالأمن القومي.

وافق بوش على تقنيات الاستجواب بالإكراه، بما في ذلك تمثيل الإغراق، وأمر ببرنامج الاحتجاز السري الخاص بالسي آي أيه، ووافق على برنامج التسليم غير القانوني. فضلاً عن ذلك، فبعد أن عرف بوقوع انتهاكات جسيمة، لم يتدخل بوش مطلقاً لوقفها أو للسي لملاحقة المسؤولين عنها قضائياً.

بوش وافق على تمثيل الإغراق وغيره من أساليب الاستجواب غير القانونية

أقر بوش في عدة مناسبات بموافقته على تمثيل الإغراق على المحتجزين، وبينهم خالد شيخ محمد وأبوزبيدة.

أول إقرار منه جاء في 11 أبريل/نيسان 2008، في مقابلة مع مارثا راداتز من محطة أيه بي سي نيوز:

راداتز: "أفادت أي بي سي نيوز هذا الأسبوع بأن مسؤولين كبار بالأمن القومي اجتمعوا ووافقوا – بينهم نائب الرئيس ديك تشيني – على تقنيات الاستجواب المحسنة، ومنها تمثيل الإغراق، لممارستها على المحتجزين".
بوش: "نعم".
راداتز: "هل لديك مشكلة مع هذا الأمر؟"
بوش: "لا، قصدي، في الواقع، قلت للشعب أننا فعلنا هذا. كما قلت لهم [مسؤولي الأمن القومي] أن الأمر قانوني. لدينا آراء قانونية تمكننا من هذا. و، لا، ليست لدي مشكلة مع هذا الموضوع، في أثناء محاولة معرفة ما يعرفه خالد شيخ محمد".
... ونعم، أنا أعرف بأن فريق الأمن القومي اجتماع للنظر في هذا الموضوع. ووافقت عليه. ولا أعرف ما الجديد في هذا الكلام، لا أعرف ما المقلق أو المروع فيه".[266]

وفي مذكراته المنشورة، كتب بوش بأنه عندما اقترحت السي آي أيه تقنيات شملت تمثيل الإغراق على أبو زبيدة:

نظرت إلى قائمة التقنيات. كان هناك اثنتان منها متجاوزة إلى حد بعيد، حتى إذا كانت قانونية. أمرت السي آي أيه بعدم استخدام هذين الأسلوبين. وهناك تقنية أخرى كانت تمثيل الإغراق. لا شك أن الإجراء قاس [...] كنت لأفضل أن نحصل على المعلومات بطريقة أخرى. لكن الاختيار بين الأمن والقيم كان اختياراً حقيقياً. إن لم أصرح بتمثيل الإغراق على قيادات القاعدة الأهم، كنت بهذا لأقبل خطراً داهماً يتمثل في احتمال تعرض الولايات المتحدة للهجمات. في أعقاب 11/9، كان هذا خطراً لست مستعداً لتقبله.

وافقت على استخدام تقنيات الاستجواب".[267]

كما أقر في مذكراته بأنه وافق على تمثيل الإغراق على خالد شيخ محمد:

سألني جورج تينيت إن كان مسموح له باستخدام تقنيات الاستجواب المُحسّنة، وتشمل تمثيل الإغراق، على خالد شيخ محمد... قلت له: "طبعاً!"[268]

في 19 مايو/أيار 2009، أكد تشيني هذا الرواية لبوب شيفر، من سي بي إس، برنامج "واجه الأمة":

شيفر: كم كان يعرف الرئيس بوش تحديداً عن الأساليب المستخدمة؟ نعرف أنك – وكما قلت – قد وافقت عليها...

تشيني: صحيح.

شيفر: ... وبعد فترة، في أي وقت، هل كان يعرف الرئيس بوش بكل ما تعرفه أنت؟

تشيني: بالطبع، نعم، لدي كل الأسباب المتوفرة للاعتقاد بأنه كان يعرف، كان يعرف الكثير عن البرنامج، ولقد صرح به بنفسه. أعني، كان هذا قرار على المستوى الرئاسي. والقرار جاء من الرئيس. ووقع عليه بنفسه.[269]

في مارس/آذار 2008 أصدر بوش فيتو على تشريع يضم مادة تطالب بالتزام تقنيات استجواب السي آي أيه بدليل الجيش الميداني الأمريكي بشأن الاستجواب، وهو الدليل المانع لبعض تقنيات الاستجواب، ومنها تمثيل الإغراق. أوضح بوش أن التشريع "يصادر واحد من أهم الأدوات في الحرب على الإرهاب... أن يقوم برنامج السي آي أيه باحتجاز واستجواب قيادات إرهابية هامة وعملاء إرهابيين". الحد من تقنيت استجواب السي أي أيه على الواردة في دليل الجيش الميداني، على حد قوله، هو أمر خطير لأن الدليل متوفر علناً ويسهل الاطلاع عليه.[270]

بوش أمر ببرنامج الاحتجاز السري الخاص بالسي آي أيه ووافق على برنامج التسليم

في 17 سبتمبر/أيلول 2001، تناقلت التقارير توقيع الرئيس بوش على مذكرة، يبدو أنها مازالت سرية، تصرح للسي آي أيه بقتل واعتقال واحتجاز واستجواب أعضاء القاعدة وغيرهم من المتورطين في هجمات 11 سبتمبر/أيلول. ليس من المعروف إن كان بوش قد وافق على مذكرة بالاحتجاز السري، منفصلة، أو أن المذكرة الخاصة بـ 17 سبتمبر/أيلول تغطي الأمرين.[271]

في مذكراته، أوضح بوش أن القرار اتخذ بنقل أبو زبيدة إلى "موقع آمن في دولة أخرى حيث يكون للسي آي أيه سيطرة كاملة على الأمر".[272] في كلمته بتاريخ 6 سبتمبر/أيلول 2006، مع الإقرار ببرنامج الاحتجاز الخاص بالسي آي أيه، أقر بوش بأن المشتبهين كانوا يُحبسون "سراً" خارج الولايات المتحدة. [273]

كما هو موصوف أعلاه، كان بوش حاضراً لاجتماع الأمن القومي في 26 سبتمبر/أيلول 2001، عندما وصف مدير السي آي أيه جورج تينيت برنامج تسليم السي آي أيه، طالباً، حسب قول بوب وورد: "متى سنبدأ بمناقشة هذه الأمور بأريحية؟"[274]

بوش كان يعرف أو كان يجب أن يعرف بأن الكثير من المحتجزين المسلمين يُرجح تعرضهم للتعذيب والمعاملة السيئة، ولم يتخذ خطوات لوقف البرنامج أو لمعاقبة المسؤولين عنه. في نوفمبر/تشرين الثاني 2003، بعد أيام من الإفراج عن المواطن الكندي ماهر عرار من الاحتجاز طرف سوريا، أعلن بوش أن الحكومة السورية خلّفت "ميراث من التعذيب والاضطهاد والبؤس والخراب".[275]

نائب الرئيس ديك تشيني

لعب نائب الرئيس ديك تشيني دوراً محورياً في صياغة سياسة الاحتجاز. تشيني كان يدير كل شيء، على حد قول مسؤول سابق بالسي آي أيه لجان ماير.[276] كان عضواً في "لجنة قيادات" مجلس الأمن القومي، التي وافقت على سياسات الاستجواب. وبمساعدة مستشاره الأول ديفيد أدينغتن، كان القوة السياسية الأساسية الضاغطة على محامي مكتب الاستشارات القانونية لتبرير استخدام أساليب الاستجواب بالإكراه.[277]

تحدث تشيني علناً عن عملية الموافقة الكاملة لسياسات استجواب السي آي أيه، بما في ذلك دوره، على سبيل المثال قال لصحيفة واشنطن تايمز:

وقعت على الأمر بالموافقة، وكذلك فعل آخرون. لم أكن السلطة الأولى في الموضوع كما هو واضح. بصفتي نائب الرئيس، لم أقم بإدارة كل شيء. لكنني كنت في الموضوع. حسبت أن هذا هو الشيء الصحيح الواجب عمله.[278]

تشيني وافق على برنامج تسليم السي آي أيه

كما ذكرنا أعلاه، فإن تشيني كان من بين مسؤولي البيت الابيض الأساسيين الذين اطلعوا على عمليات اختطاف وتسليم السي آي أيه، وناقش هذه العمليات مع الرئيس. تشيني، بالإضافة إلى مستشارة الأمن القومي كونداليزا رايس، ترأس اجتماعات الأمن القومي التي نوقشت فيها عمليات تسليم السي آي أيه. أشار على الرئيس بالتصريح بعمليات تسليم السي آي أيه، وسعى لاستصدار التصريح الرسمي من الرئيس، ووافق على عمليات بعينها. كان نائب الرئيس تشيني يعرف أو له أن يعرف بعمليات التسليم كونها تؤدي للتعذيب.

تشيني وافق على تمثيل الإغراق وغيره من تقنيات الاستجواب غير القانونية

كأحد المدراء الأساسيين لاجتماعات الأمن القومي، صرح تشيني ببرنامج احتجاز السي آي أيه. في اجتماع في يوليو/تموز 2003 لقيادات الأمن القومي، قام تشيني وقيادات أخرى بـ "التأكيد على أن برنامج السي آي أيه قانوني ويعكس سياسات الإدارة".[279] شمل هذا تمثيل الإغراق.

في أكتوبر/تشرين الأول 2006، دافع تشيني عن استخدام تمثيل الإغراق، بأنه أمر "لا جدل حوله"، ووافق على تأكيد أحد مذيعي الراديو بأن "الشطف في الماء" قد يؤدي للتوصل لمعلومات استخباراتية قيمة من المشتبهين بالإرهاب.[280] وفي أغسطس/آب 2009، قال تشيني:

كنت أعرف بتمثيل الإغراق. ليس في حالة معينة تحديداً، بل كسياسة عامة نوافق عليها.[281]

وزير الدفاع دونالد رامسفيلد

هيأ وزير الدفاع رامسفيلد الظروف لكي يقوم عناصر من القوات المسلحة الأمريكية بارتكاب أعمال تعذيب وجرائم حرب أخرى بعد أن وافق على تقنيات استجواب تخرق اتفاقيات جنيف واتفاقية مناهضة التعذيب.

أدلى رامسفيلد بتصريحات عديدة تشير إلى أن الولايات المتحدة ليست ملزمة بمعاملة المحتجزين بما يتفق مع القانون الدولي. ورغم أن هذا الأمر لا يمثل جريمة في حد ذاته، فإنه يساعد على تهيئة الأوضاع في صفوف القوات المسلحة لتيسير هذه الانتهاكات. كما أنه بهذا أوضح أنه من غير المرجح اتخاذ إجراءات قانونية ضد مسؤولي الجيش الذين لا يلتزمون بمتطلبات القانون الدولي.

وصف رامسفيلد أول محتجزين يصلون إلى غوانتانامو من أفغانستان في 11 يناير/كانون الثاني 2002، بأنهم "مقاتلين غير قانونيين" ولا يستحقون وضع أسرى الحرب. وقال: "المقاتلون غير القانونيين لا يستحقون أي حق بموجب اتفاقيات جنيف"،[282] متجاهلاً أن الاتفاقيات توفر تدابير حماية صريحة لكل الأشخاص المحتجزين في أي نزاع مسلح دولي، بما في ذلك غير المستحقين للمعاملة كأسرى حرب. رفض الالتزام القانوني الأمريكي بالقانون الدولي بقوله إن الحكومة "ستعامل في أغلب الحالات أولئك الافراد بشكل متسق إلى حد معقول مع اتفاقيات جنيف، بالحد الملائم".[283] بعد فضيحة أبوغريب، قال في مايو/أيار 2004 إن اتفاقيات جنيف "لا تنطبق تحديداً" في العراق لكن هناك "قواعد أساسية" للتعامل مع السجناء.[284]

سلوك رامسفيلد إزاء قوانين النزاع المسلح هيأت أجواء ربما تم فيها التخفيف من قيود المعايير القانونية طرف القوات الأمريكية. في مايو/أيار 2004 على سبيل المثال، قال أحد عناصر فرقة الشرطة العسكرية رقم 377 لصحيفة نيويورك تايمز أن وصف السجناء في أفغانستان بأنهم "مقاتلين أعداء" غير خاضعين لاتفاقيات جنيف أسهم في الإساءة إليهم. وقال: "قيل لنا إنهم لا أحد، إنهم مجرد من مقاتلي العدو. أعتقد أن منحهم التمييز عن الجنود غيّر من السلوك وقواعد التعامل معهم".[285]

بالمثل، ففي الحديث عن القرار الخاص بتطبيق اتفاقيات جنيف فقط في حالة كون قواعدها "ملائمة" و"متفقة مع الضرورة العسكرية"، قال المستشار القانوني لوزارة الخارجية ويليام هـ. تافت إن:

تم حلّ أولئك المسؤولون عن معاملة المحتجزين في غوانتانامو من رباط الإرشادات القانونية لمعاملة المحتجزين الواردة في اتفاقيات ومذكورة في دليل الجيش الميداني منذ عقود. مع عدم خضوعهم لقواعد واضحة وإثر غضوط من القيادات للوصول لمعلومات عن خطط وممارسات القاعدة، كان من المتنبأ به أن أولئك الذين يديرون عمليات الاستجواب سوف يتمادون في نهاية المطاف.[286]

وافق رامسفيلد على أساليب الاستجواب بالإكراه، ومنها تلك التي ترقى لحد التعذيب. كما هو مذكور أدناه، فقد راقب عن كثب الاستجواب المسيئ لمحمد القحطاني في عام 2002 وربما ذلك الخاص بجون ووكر ليند، أو المعروف باسم "الطالباني الأمريكي" أواخر عام 2001.

منذ الأيام الأولى للحرب في أفغانستان، كان رامسفيلد يعرف من خلال الجلسات وتقارير اللجنة الدولية للصليب الأحمر وتقارير منظمات حقوق الإنسان والتقارير الإعلامية بأن عناصر الجيش الأمريكي يجرون استجوابات بالإكراه، ومنها التعذيب. إلا أنه لا يوجد دليل على أنه مارس سلطته لوقف التعذيب والمعاملة السيئة للمحتجزين أو للتصرف ضد المسؤولين عن هذه الأعمال.

رامسفيلد وافق على أساليب الاستجواب بالإكراه التي تخرق القانون الدولي

كان رامسفيلد من المتورطين بقوة في تفاصيل أساليب استجواب المحتجزين في غوانتانامو. كما ذكرنا أعلاه، ففي 2 ديسمبر/كانون الأول 2002 صرّح بقائمة من التقنيات لاستجواب السجناء في غوانتانامو تمثل توسعاً غير مسبوقاً في مبادئ العسكرية الأمريكية.[287] تشمل هذه الأساليب "الأوضاع المجهدة (مثل الوقوف) لمدة اقصاها 4 ساعات"، و"العزلة... لمدة أقصاها 30 يوماً" و"تغطية الرأس أثناء الاستجواب" و"الحرمان من المؤثرات الضوئية والسمعية" و"إزالة جميع مواد الترفيه (ومنها الأغراض الدينية)" و"الإجبار على حلق الشعر واللحية، إلخ" و"إزالة الثياب" و"استخدام المخاوف الفردية للمحتجزين [مثل الخوف من الكلاب] للتسبب في القلق".[288]

كما سبق الذكر، فإنه بناء على كيفية استخدام هذه الأساليب، يُرجح أنها تخرق الحظر ضد التعذيب والماملة اللاإنسانية للمحتجزين بموجب قوانين النزاع المسلح، بغض النظر عما إذا كان المحتجزين يستحقون معاملة أسرى الحرب من عدمه، والمسؤولين عن هذه الأعمال يمكن مقاضاتهم بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

بعد الاعتراض من مجلس البحرية العام، قام رامسفيلد بالإلغاء المؤقت لموافقته الشاملة على تقنيات الاستجواب المسيئة المذكورة أعلاه بتاريخ 15 يناير/كانون الثاني 2003. بدلاً من إلغاء التقنيات المذكورة بشكل نهائي، أمر بأن يوافق بنفسه على أي استخدام للفئات الأقسى من التقنيات، مما يوحي بأنه استمر في اعتبارها مشروعة. ذكر في مذكرة أن "إذا توصلت إلى أن هناك تقنيات محددة من الفئات المذكورة تستحق التطبيق على حالة فردية معينة، فعليك الرجوع إليّ بطلب استخدامها. لابد أن يشمل مثل هذا الطلب تبرير موسع لاستخدام التقنيات المطلوبة".[289]

أصدر رامسفيلد سياسة الاستجواب النهائية الخاصة بغوانتانامو في 16 أبريل/نيسان 2003. هذه الأدلة الإرشادية، التي كانت تقييدية أكثر من قواعد ديسمبر/كانون الأول 2002، ما زالت تسمح بتقنيات تتجاوز المسموح به في التعامل مع أسرى الحرب بموجب اتفاقيات جنيف.[290] مذكرة رامسفيلد نفسها ورد فيها على صلة بعدة تقنيات – منها العزلة والتجريد من الامتيازات – أن "الدول التي ترى أن المحتجزين مستحقين لتدابير حماية أسرى الحرب" قد ترى في التقنيات ما يخرق تدابير الحماية هذه.[291]

وفي عام 2004، انتهى تقرير شليسنغر إلى أن "التقنيات المذكورة [التي وافق عليها رامسفيلد] لغوانتانامو، انتقلت إلى أفغانستان والعراق حيث لم يكن تطبيقها مقتصراً أو خاضعاً للرقابة".[292]

وكما سبق الذكر، فإن تقنيات الاستجواب بالإكراه تمت الموافقة عليها لأول مرة من قبل رامسفيلد ثم استخدمت في غوانتانامو والعراق وأفغانستان. تقرير شليسنغر انتهى إلى أنه في أفغانستان "شملت التقنيات التجريد من الثياب وحبس الناس في عزلة لفترات طويلة، واستخدام الأوضاع المجهدة، واستغلال الخوف من الكلاب، والحرمان من النوم والمؤثرات الضوئية. الاستجواب في العراق، وكان قد استعان ببعض هذه الأفكار بالفعل، جرى خلاله تنفيذها حتى قبل صدور أي سياسات إرشادية من القيادة في العراق".[293] في أبو غريب بالطبع كانت التقنيات التي وضعها رامسفيلد بنفسه، مثل استخدام الكلاب، من الأعمال البارزة ضمن جرائم الحرب المرتكبة بحق المحتجزين.

انتهى تقرير مجلس الشيوخ إلى أن "وزير الدفاع رامسفيلد بتصريحه على تقنيات الاستجواب في غوانتانامو، كان سبباً رئيسياً للإساءة للمحتجزين هناك".[294]

رامسفيلد راقب الاستجواب بالإكراه لمحمد القحطاني وربما كذلك جون ووكر ليند

في أواخر عام 2002 اهتم رامسفيلد شخصياً باستجواب المحتجز السعودي محمد القحطاني، المشتبه بأنه "العنصر العشرين" في هجمات 11 سبتمبر/أيلول الذي كان ليشارك لولا إبعاد مسؤولي مكتب الهجرة له من مطار أورلاندو. في 2 ديسمبر/كانون الأول 2002 صدرت مذكرة توافق على استخدام الأوضاع المجهدة والعزلة وتغطية الرأس والعينين واستخدام الكلاب، على صلة مباشرة باستجواب القحطاني،[295] الذي رأى رامسفيلد أنه "شخص شرير جداً، شخص لديه معلومات لا شك عن هجمات ضد الولايات المتحدة".[296]

حتى قبل مذكرة 2 ديسمبر/كانون الأول 2002، تلقى الميجور جنرال جيفري ميلر أمراً في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2002 يسمح بالاستجواب العدواني على القحطاني. بينما لا يوجد في سلسلة القيادة الآن من يبدو أنه يتذكر من أصدر الأمر، فقد كان من المفترض طرف الضباط في سلسلة القيادة أن رامسفيلد هو من أصدره.[297] وحتى قبل صدور الأمر المباشر، عندما اعترض عميل المباحث الفيدرالية على معاملة القحطاني، قيل له إن "الوزير" وافق على استجوابه.[298]

طبقاً لمفتش إدارة الجيش الجنرال راندل م. شميدت، فإن رامسفيلد تحدث أسبوعياً مع الجنرال ميلر عن أسلوب الاستجواب، الذي شمل الحرمان لأسابيع من النوم، والأوضاع المجهدة والإهانة الجنسية.[299]

سجل استجواب القحطاني[300] يكشف عن تعرضه لنظام من المعاملة السيئة بدنياً ونفسياً منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2002 وحتى مطلع يناير/كانون الثاني 2003، والتي تكثفت بعد أمر رامسفيلد.[301] على مدار ستة اسابيع، تم حرمان القحطاني عمداً من النوم، مع إجباره على اتخاذ أوضاع مؤلمة، وتهديده بالكلاب وإجباره على أداء حركات وهو مربوط بسلسلة كلب، وتعريضه للتمارين الرياضية جبراً، وإجباره على الوقوف، وتعريضه لإهانات جنسية وإهانات بدنية أخرى. أجبره المحققون على الوقوف عارياً، وقالوا له أن ينبح كالكلب وأن يزمجر، وعلقوا صوراً لنساء عاريات حول عنقه. وبعد أن رفض الماء، أُجبر القحطاني على قبول تقطير وريي للماء في عدة مناسبات، وحُرم من الانتقال لدورة المياه مما أدى لتبوله على نفسه مرتين. وذات مرة أُجبر على الخضوع للحقن الشرجي.[302]

طبقاً لمجلة نيوز ويك، فإن أحد كبار مسؤولي مكافحة الإرهاب في المباحث الفيدرالية كتب إلى وزارة الدفاع يشكو من "تقنيات الاستجواب المسيئة للغاية" في غوانتانامو وذكر كمثال معاملة القحطاني في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول 2002، حتى قبل بدء تدوين السجل، قائلاً إنه يتم استخدام كلب في "أسلوب عدائي للغاية لتهديد المحتجز رقم 63". رسالة المباحث الفيدرالية ورد فيها أن القحطاني "تعرض للعزلة التامة لأكثر من ثلاثة اشهر" و"تظهر عليه سلوكيات تشير لإصابته بصدمة نفسية حادة" (بالحديث إلى اشخاص غير موجودين، وكلامه عن سماعه أصوات صاخبة، والجلوس في وضع القرفصاء في زنزانة مغطى بملاءة لساعات)".[303]

سجل استجواب القحطاني يكشف عن معاناه من مشكلات طبية، منها ارتفاع ضغط الدم وخفقان القلب. أثناء استجوابه، مع تعرضه للحرمان من النوم، انخفض معدل ضربات القلب لدرجة خطيرة، بمعدل 35 ضربة في الدقيقة.[304] مفتش إدارة الجيش الجنرال راندل م. شميدت، وكان قد ذهب لغوانتانامو ورأى القحطاني أثناء "خروجه من تلك الوعكة" قال إنه "كان يبدو في حالة صعبة للغاية... كانت عيناه سوداء كالفحم".[305]

طبقاً لـ غيتانجالي غوتيريز، محامي من مركز الحقوق الدستورية وكان يمثل القحطاني بعد تعذيبه، فإن وزنه تراجع من 160 رطلاً إلى حوالي 100 رطل في أربعة شهور.[306]

ديفيد بيكر، مسؤول الاستخبارات رفيع المستوى في غوانتانامو شارك في صياغة خطة استجواب القحطاني، وقال إن قائد غوانتانامو الجنرال مايكل دونلافي، حتى مغادرته في ديسمبر/كانون الأول 2002 كان يشرف بشكل مباشر على فريق الاستخبارات العسكرية الذي ينفذ استجواب القحطاني وتلقى مكالمات هاتفية منتظمة من نائب رامسفيلد، بول وولفويتز، عن الاستجواب واستجوابات أخرى.[307]

تقرير مجلس الشيوخ أشار أيضاً إلى مكالمات منتظمة من وولفويتز إلى خليفة دونلافي، الجنرال ميلر، وذكر أن مكتب وولفويتز كثيراً ما اتصل بشأن محتجزين بعينهم.[308]

الجنرال شميدت، ومعه الجنرال جون فارلو حققا في انتهاك حقوق المحتجزين في غوانتانامو،[309] قال لمفتش عام الجيش في عام 2005 إنه من الواضح له أنه كان هناك اتصال مباشر بين رامسفيلد من مكتبه في واشنطن والجنرال دونلافي ومن بعده الجنرال ميلر، ومن هناك إلى المحققين مباشرة.[310] قال شميدت إن ميلر كان يتوسط بين رامسفيلد والمحققين، واصفاً ميلر بأنه الشخص المتولي لدور المترجم بين "أوامر وزير الدفاع، لأنه كان على صلة بوزير الدفاع، والقيادة الجنوبية بشكل يومي، بالاتصال بمحققيه ومسؤولي الاحتجاز تحت إمرته".[311] قال شميدت إن ميلر "كان ينفذ ما يحسب أن الوزير يريده، وهو تحديداً الشخص المناسب على هذا المستوى الذي يمثل حلقة الوصل لإجراء هذه العمليات – تطبيق التقنيات، وهو وحده كان الشخص المناسب لمعرفة ما يحدث وما يُطبق من أساليب".[312]

كما صوّر شميدت استجواب القحطاني بشكل عام بأنه كان متسقاً مع موافقة رامسفيلد: "خطة الاستجواب الخاصة... انتهت لأن وزير الدفاع رامسفيلد ألغى  أمره التوجيهي من مستوى السياسات ثم أصبح الأمر مخولاً لقيادة المعسكر على مستوى الاستجواب".[313]

وأضاف شميدت:

عندما يشارك وزير الدفاع شخصياً في استجواب شخص واحد، ونظام المجلس العام كاملاً من كل الأقسام بالجيش ومكتب المستشار العام ووزير الدفاع – ووزير الدفاع نفسه يتم إطلاعه على التطورات...
وأجد أنه من الصعب تخيل – مثل غيري – أنه عندما يكون للوزير رامسفيلد هذا النوع من الاهتمام لدرجة الحديث أسبوعياً مع قيادة القاعدة والقيادة الجنوبية، ويتحدث مع قائد القاعدة شخصياً أيضاً – قال جنرال دونلافي إنه لم يذهب حتى للقيادة الجنوبية، بل كان يتحدث إلى مكتب [الوزير] شخصياً. كان يتعامل معه، وكان رجل وزير الدفاع المسؤول عن الأمر شخصياً في قيادة القاعدة، ولم تكن له علاقة تقريباً بالقيادة الجنوبية. لقد تجاهلهم تقريباً. عندما جاء جنرال ميلر، فهم سلسلة القيادة وانتقل من القيادة الجنوبية إلى وزير الدفاع، لكن ما زالت هناك صلة مباشرة.[314]

قائد القيادة الجنوبية الجنرال جيمس ت. هيل أكد أيضاً أن رامسفيلد ومكتبه تحدث معه بشكل منتظم، وأنه كان يطلع مباشرة من جنرال ميلر على استجواب القحطاني.[315] كما ذكر الجنرال هيل أن ميلر كثيراً ما راقب جلسات الاستجواب. وذكر أيضاً أن رامسفيلد اتصل بنفسه أواسط يناير/كانون الثاني 2003 ليسأل عن استجواب القحطاني. طبقاً لـ هيل، فإن رامسفيلد سأل عن حالة الاستجواب، وأعرب عن قلقه على أفعال الأدميرال ألبرتو مورا الموصوفة أعلاه (كان هذا قبل أيام قليلة من توقف الاستجواب بسبب الجدل القائم حوله). قال هيل إنه سيتصل بميلر، ثم اتصل رامسفيلد مرة أخرى:

اتصلت بالجنرال ميلر. ناقشنا الاستجوابات القائمة. الجنرال ميلر قال إنه يبحث في الأمر بنفسه... نعتقد أننا على وشك التوصل لنتيجة كبيرة. لابد أن نستمر.
اتصلت بوزير الدفاع مرة أخرى وقلت إنني أوصي بما يوصي به الناس على الأرض، بأن هناك معلومات قيّمة. وأننا على وشك التوصل إليها. نحن لا نفعل أي شيء خطأ. إننا نهتم بالموضوع. أحلناه إلى المستشفى، إلى عناية الأطباء. ووزنه يزيد. وهو ليس عرضة لأي إجهاد. نعتقد أننا على وشك التوصل لشيء. وقال الوزير لا بأس.[316]

في الواقع، فإن التقنيات المستخدمة على القحطاني كانت غير قانونية، وتم تحذير رامسفيلد بأنها غير قانونية. في ذلك التوقيت، في يناير/كانون الثاني 2003، كان الأدميرال مورا وغيره من محامي الجيش قد نبهوا رامسفيلد إلى أن التقنيات التي صرح بها في 2 ديسمبر/كانون الأول 2002، والتي كانت مستخدمة على القحطاني في ذلك الوقت، يمكن أن تؤدي للمسؤولية الجنائية.[317]

في نهاية المطاف، فإن السلطة الأعلى للجان غوانتانامو العسكرية، أعلى مسؤول في وزارة الدفاع مشرف على الملاحقات القضائية في غوانتانامو، القاضية العسكرية سوزان ج. كراوفورد، التي خدمت بمنصب المستشار العام للجيش والمفتش العام على وزارة الدفاع، وصلت إلى استنتاج بأن القحطاني تعرض للتعذيب، وأنه لا يمكن مقاضاته بسبب المعاملة السيئة التي تعرض لها. وقالت كراوفورد لبوب وودورد: "لقد عذبوا القحطاني. معاملته تفي بالتعريف القانوني للتعذيب. ولهذا لم أحيل قضيته [للمقاضاة]".[318]

حتى قبل تصريحه بأساليب الاستجواب بالإكراه وقضية القحطاني، يبدو أن رامسفيلد كان يشرف أو على الأقل يعرف بالاستجواب المسيئ لجون ووكر ليند، المعروف باسم "الطالباني الأمريكي" المقبوض عليه في أفغانستان عام 2001. هناك صور عرضها محامي ليند بعد القبض عليه في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2001، وهو مجرد تماماً من ثيابه، ومعصوب العينين، وقيود بلاستيكية حول معصميه، مع ربطه على محفة بشريط لاصق.[319] طبقاً لطلب مقدم في محكمة فيدرالية، فقد تم ترك ليند لأيام على هذا الحال، في حاوية شحن معدنية غير مضاءة وغير مجهزة بالتدفئة، ولم يتم إخراجه منها إلا أثناء الاستجواب.

لأكثر من ثلاثة أسابيع من بعد القبض عليه، كان ليند ما زال مصاباً برصاصة في فخذه، وقال طبيب أمريكي إنه "تنزف ومصابة بعدوى".[320] قيل إنه يعاني من انخفاض درجة حرارة الجسد بسب بعدم التدفئة، وسوء التغذية، والتعرض للأحوال الجوية بلا عازل.[321] بحسب المذكرة المقدمة للمحكمة فإن "طبيب من البحرية... روى أن المحقق العسكري الأساسي المسؤول عن استجواب ليند المبدئي قال للطبيب إن الحرمان من النوم والبرد والجوع إجراءات مستخدمة على ليند أثناء استجوابه".

طبقاً للوثائق الواردة في لوس أنغلس تايمز، فإن المستشار القانوني لرامسفيلد وجه ضباط استخبارات الجيش إلى "عمل اللازم كله" عند استجواب ليند.[322] في المراحل الأولى من استجواب ليند، كانت إجاباته حسب التقارير تُرسل إلى واشنطن على مدار الساعة.[323] قال رامسفيلد في مذكرة يناير/كانون الثاني 2002 لمستشار عام وزارة الدفاع جيم هاينز بأن ليند لابد من إرساله إلى غوانتانامو وليس لمواجهة محاكمة مدنية. وأشار رامسفيلد إلى أنه "لا يهمني حقاً ما يحدث لووكر في هذه المرحلة".[324]

رامسفيلد كان يعرف بأن القوات الأمريكية في أفغانستان والعراق ترتكب أعمال تعذيب وتستعين باساليب استجواب بالإكراه وأخفق في العمل على وقف المعاملة السيئة

يبدو أن رامسفيلد مسؤول من واقع مسؤولية القيادة عن تفشي استخدام التعذيب والمعاملة السيئة من قبل العاملين بالجيش الأمريكي في أفغانستان والعراق. تم إخطاره شخصياً في بداية عام 2002 بشأن سوء معاملة المحتجزين  من قبل وزير الخارجية كولين باول،[325] ومسؤول الولايات المتحدة الأول في العراق بول بريمر،[326] ومسؤولين من الحكومة الأفغانية،[327] وصحفيين.[328] تكرر تحذير اللجنة الدولية للصليب الأحمر إليه أثناء تلك الفترة نفسها،[329] وكذلك تحذير المارشال العسكري، ميجور جنرال دونالد رايدر،[330] وكذلك الكولونيل المتقاعد ستيوارت أ. هيرينغتن، في تقارير داخلية.[331] بالإضافة إلى ذلك، هناك معلومات علنية كثيرة عن الانتهاكات ضد المحتجزين، ومنها صور جون ووكر ليند مربوطاً وهو عارِ ومقيد بالشريط اللاصق إلى محفة في أفغانستان، ومقالات صفحة أولى في الواشنطن بوست ونيويورك تايمز،[332] وتقارير من هيومن رايتس ووتش ومنظمات غير حكومية أخرى. عدد وطبيعة انتشار الانتهاكات علناً، المرتكبة بحق المحتجزين في ثلاث بلدان، يضع رامسفيلد على كل حال في موقف العارف بالأمور عن طريق قنوات العمل الداخلية بالوزارة.[333]

إلا أن رامسفيلد لم يتدخل لمنع المزيد من الجرائم. حتى مع تحذيره علناً وبشكل شخصي من الانتهاكات، فيبدو أنه لم يُصدر مطلقاً أوامر أو أدلة إرشادية محددة لمنع الاساليب الخاصة بالاستجواب بالإكراه، باستثناء سحب موافقته الشاملة على بعض الأساليب في غوانتانامو في يناير/كانون الثاني 2003. وكما سبق الذكر، ففي أواسط 2003 تزايدت الضغوط على المحققين في العراق فلجأوا لاستخدام أساليب أكثر عدوانية.  لو كان رامسفيلد استخدم سلطته بصفته المسؤول المدني المتولي للقوات المسلحة واستخدم منصبه وسلطته لوقف إساءة معاملة المحتجزين، كانت الكثير من الانتهاكات للقانون الدولي  التي ارتكبتها القوات الأمريكي لتتوقف.[334]

مدير السي آي أيه جورج تينيت

منذ أواخر عام 2001 وحتى استقالته في عام 2004، أنشأ جورج تينت وأشرف على برنامج الاحتجاز السري الخاص بالسي آي أيه. تحت إشرافه، قامت السي آي أيه باختطاف وتسليم أشخاص لبلدان معروفة بتعذيب المحتجزين، مع القيام بالتعذيب والمعاملة السيئة للمحتجزين، وإخفاء المحتجزين قسراً في أماكن سرية، كثيراً دون الإقرار باحتجازهم وبلا إشراف على معاملتهم.

وكما قال تينيت في اجتماع مغلق لقيادات الاستخبارات في 10 مارس/آذار 2002، في نيوزيلاندا:

أيها السادة، نحن في حالة حرب... بالنسبة للسي آي أيه، هذا واضح. لا يوجد ما لا يمكننا أن نفعله، لا شيء هنالك لن نجربه، ولا توجد بلد لن نتعامل معها لتحقيق أهدافنا، لوقف العدو. لابد أيها السادة من نزع كل القيود.[335]

تينيت صرح بعمليات اختطاف السي آي أيه وتسليم المحتجزين للتعذيب وأشرف عليها

أشرف تينيت بشكل مباشر على برنامج تسليم السي آي ايه، الذي أدى لتعذيب وإساءة معاملة المحتجزين في الخارج. أثناء اجتماع مجلس الأمن القومي عام 2001، عرض تينيت خيارات لعمليات تسليم سرية للسي آي أيه، ونفذ أوامر باستخدام عمليات التسليم، وأطلع الرئيس والأمن القومي على عمليات التسليم. كان تينيت يعرف أو يجب أن يعرف بأن المحتجزين المنقولين إلى بلدان أخرى يواجهون خطر التعذيب. بلدان الشرق الأوسط التي تم تسليم المحتجزين إليها: مصر وسوريا وباكستان والأردن والسعودية والمغرب – معروفة باستخدامها للتعذيب.

قام تينيت بتصميم والإشراف على برنامج تسليم السي آي أيه. طبقاً لرواية من بوب وودورد، ففي اجتماع لمجلس الأمن القومي في 26 سبتمبر/أيلول 2001:

تحول تينيت إلى بعض العمليات السرية. تمكنت السي آي أيه من العمل على بعض عمليات التسليم للخارج – القبض على المشتبهين بالإرهاب أو اختطافهم في بلدان أخرى. هناك أجهزة استخبارات أجنبية عديدة ما زالت تتعاون أو تم حملها على احتجاز المشتبهين بالإرهاب.[336]

مايكل شوير، رئيس مكتب بن لادن في السي آي أيه، الذي أدار برنامج التسليم، قال: "لم أر مطلقاً مجموعة عمليات خاضعة لتدقيق رئيس الاستخبارات المركزية والأم نالقومي ولجان استخبارات الكونغرس قط، كتلك العمليات".[337] طبقاً لشوير، ففي كل عملية "أعتقد... إما مرت على مدير الاستخبارات أو على مساعد مدير الاستخبارات. إذن، هناك رجل أو اثنين من عناصر الاستخبارات كان يوقع على جميع العمليات".[338]

أفادت مجلة نيوزويك بوجود خلاف بين المباحث الفيدرالية والسي آي أيه أثناء استجواب المشتبه ابن الشيخ الليبي في أفغانستان:

تقدم مسؤولو المباحث الفيدرالية بطلبهم بإدارة استجواب الليبي إلى مدير المباحث الفيدرالية روبرت مولر. مسؤول السي آي أيه في أفغانستان في الوقت نفسه، طلب من مسؤول مكافحة الإرهاب في الوكالة، كوفير بلاك الأمر نفسه. اتصل بدوره بمدير السي آي أيه جورج تينيت، الذي ذهب إلى البيت الأبيض. تم تسليم الليبي إلى السي آي أيه. وقال المسؤول السابق في المباحث الفيدرالية: "كمموا فمه بالشريط اللاصق، وربطوه وأرسلوه إلى القاهرة لينال المزيد من الاستجوابات المرعبة. في المطار ذهب إليه ضابط السي آي أيه وقال له، ستذهب إلى القاهرة. قبل أن تصل إلى هناك سوف أجد أمك وسوف أنكـ..." من ثم فقدنا تلك المعركة" (قال مسؤول بالسي آي أيه أنه ليس لديه تعليق على هذا الكلام).[339]

وفيما يخص الليبي، كتب تينيت في مذكراته أن:

كنا نعتقد أن الليبي لديه معلومات هامة تهدد الأمن في ذلك الوقت، فنقلناه إلى دولة ثالثة للمزيد من الاستجواب. ظهرت مزاعم بأننا فعلنا هذا مع علمنا بأن سيُعذب، وهذا غير حقيقي.[340]

تينيت كان يعرف أو له أن يعرف بأن المحتجزين الجاري تسليمهم سيتعرضون للتعذيب

أفادت مجلة نيوزويك، من مصادر في الكونغرس، أنه في جلسة سرية لأعضاء مجلس الشيوخ بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول بقليل، وُجه السؤال لتينيت إن كانت الولايات المتحدة تخطط لتسليم مشتبهين من القاعدة لحكومات معروفة بقسوتها. أفادت النيوزويك أن "تينيت ذكر أنه ربما كان من الأفضل في بعض الأحيان أن يبقى هؤلاء المشتبهين في أيدي حكومات أجنبية، ربما تستخدم أساليب استجواب أكثر عدوانية".[341]

وفي اجتماع مارس/آذار 2002 في نيوزيلاندا المذكور أعلاه، تناقلت التقارير قول جيمس بافيت – مدير العمليات السرية لتينيت: "سوف نتعاون مع الهيئات الاستخباراتية التي لا تتردد مطلقاً فيما تفعله لحمل المحتجزين على الكلام".[342]

تسليم المشتبهين بالإرهاب بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول تم الإبلاغ عنه لأول مرة في صحيفة الواشنطن بوست في ديسمبر/كانون الأول 2002، التي وصفت عمليات النقل لبلدان منها سوريا وأوزبكستان وباكستان ومصر والأردن والسعودية والمغرب، حيث يعتقدون أن المحتجزين تعرضوا للتعذيب أو غير ذلك من أشكال المعاملة السيئة. ورد على لسان أحد المسؤولين: "نحن لا نستخرج المعلومات منهم بالقوة. بل نرسلهم إلى دول أخرى تستخرها بالقوة".[343] بعد ذلك، وصفت كل من مجلة النيويوركر، والـ بي بي سي، وسي بي إس، في برنامج 60 دقيقة، وصفت برنامج أمريكي منظم لتسليم المشتبهين بالإرهاب إلى مصر، من المقبوض عليهم من أماكن مثل أفغانستان وألبانيا وكرواتيا والسويد، مما أدى في عدة حالات للتعذيب والاختفاء القسري.[344]

كان تينيت بلا شك يعرف بالتعذيب الوارد في عمليات التسليم هذه حتى قبل التقارير الإعلامية الأولى عنه. بلدان الشرق الأوسط التي تم نقل المحتجزين إليها – مصر وسوريا وباكستان والأردن والسعودية والمغرب – معروفة باستخدام التعذيب.[345] وقد ذكرت وزارة الخارجية الأمريكية التالي في تقريرها لعام 2003 عن التعذيب في مصر وسوريا، وهما من أهم البلدان التي كان يتم نقل المحتجزين إليها. في مصر:

هناك تقارير كثيرة موثوقة بأن قوات الأمن عذبت وأساءت معاملة المحتجزين... أساليب التعذيب الأساسية الوارد ذكرها... شملت تعرية الضحايا وتغمية أعينهم وتعليقهم من السقف أو حلق الباب مع ملامسة أطراف أصابع أقدامهم للأرض، وضربهم باللكمات والسياط والقضبان المعدنية وأدوات أخرى، وتعريضهم للصعق بالكهرباء ورش الماء البارد عليهم.[346]

وفي سوريا:

هناك أدلة موثوقة على أن قوات الأمن استمرت في استخدام التعذيب... أفادت [منظمات سورية ومحتجزون سابقون] بأن أساليب التعذيب شملت التعريض للصدمات الكهربية، ونزع الأظافر، وإدخال أدوات في المؤخرة، والضرب، وأحياناً أثناء تعليق الضحية من السقف وشد الظهر ووضع المحتجزين في إطار عجلة وضرب الأجزاء المنكشفة من الجسد، واستخدام مقعد يمكن ليه للخلف لخنق الضحية أو كسر عموده الفقري.[347]

أكد ضابط السي آي أيه مايكل شوير أن "قلنا لهم [مسؤولين رفيعي المستوى ومسؤولين من خارج السي آي أيه] مرة تلو المرة أن المحتجزين قد يتعرضوا لسوء المعاملة".

مسؤول مكافحة الإرهاب السابق بالسي آي أيه، فينسنت كانيسترارو أشار أيضاً إلى أن "لابد أن تكون أصم وأبكم وأعمى لتعتقد أن السوريين لن يقوموا بالتعذيب، حتى ولو كانوا يدعون العكس".[348]

تينيت أشرف على برنامج الاحتجاز السري الخاص بالـ سي آي أيه

تحت إدارة تينيت، نظمت السي آي أيه برنامجاً يتم بموجبه احتجاز المشتبهين بالإرهاب في أماكن سرية، دون إتاحة مقابلة اللجنة الدولية للصليب الأحمر لهم، ودون إشراف على معاملتهم، ولا إخطار لأسرهم، وفي حالات كثيرة، دون الإقرار بأنهم رهن الاحتجاز حتى. كما هو مذكور أعلاه، فإن الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي لفترات طويلة في مكان سري يعتبر اختفاء قسري ويمكن أن يخرق العديد من مبادئ حقوق الإنسان الأساسية، منها الحق في عدم التعرض للتعذيب والمعاملة السيئة.

تينيت صرّح بعمليات تعذيب السي آي أيه والاستجواب بالإكراه للمحتجزين وأشرف عليها

برنامج استجواب السي آي أيه شمل أعمال ترقى للتعذيب والمعاملة السيئة والإساءات الجنسية من بين انتهاكات أخرى. كما سبق الذكر، فإن تينيت اقترح وسعى للحصول على موافقات من الرئيس على مستوى عام، ومجلس الأمن القومي على مستوى محدد، ببرنامج استجواب للمحتجزين "رفيعي المستوى".

وتحديداً، فتحت إشراف تينيت، مارست السي آي أيه تمثيل الإغراق على ثلاثة محتجزين على الأقل.

طبقاً للواشنطن بوست:

أساليب الاستجواب تمت الموافقة عليها من قبل وزارة العدل ومحاميّ مجلس الأمن القومي عام 2002، وتم إطلاع قيادات هامة بالكونغرس عليها، وتطلبت تصريح مدير السي آي أيه جورج ج تينيت لاستخدامها طبقاً لمسؤولين استخباراتيين ومسؤولين حكوميين آخرين لديهم معرفة بعملية صنع القرارات السرية.[349]

طبقاً لـ "ضابط سابق بالوكالة شارك بقوة" أوردت جان ماير على لسانه: "كل خطة صاغها المحققون، ثم قُدمت للموافقة على أعلى مستوى ممكن، أي رئيس السي آي أيه. أي تغيير في الخطة – ولو حتى يوم إضافي من معاملة معينة – كان يوقع عليه المدير". [350]

شارك تينيت في اجتماع لمجلس الأمن القومي في يوليو/تموز 2003 وفيه "أكد قيادات مجلس الأمن القومي على أن برنامج السي آي أيه قانوني ويعكس سياسة الإدارة".[351] شمل ذلك تمثيل الإغراق.

مسؤولون آخرون

كان أيضاً كل من كونداليزا رايس مستشارة الأمن القومي، وكولين باول وزير الخارجية وجون أشكروفت المحامي العام، من أعضاء "لجنة القيادات" التي ناقشت ووافقت على تفاصيل معينة تخص كيفية استجواب السي آي أيه للمشتبهين بالإرهاب الأهم. لابد من ثم من التحقيق في أدوارهم.

كما لابد أن يشمل التحقيق الجنائي في استخدام التعذيب والمعاملة السيئة بشكل ممنهج بعد 11 سبتمبر/أيلول 2001 فحص أدوار المحامين الذين صاغوا "المبررات" القانونية للتعذيب، ومنهم ألبرتو جونزالس (مستشار الرئيس ثم المحامي العام) وجون بايبي (رئيس مكتب الاستشارات القانونية)، وجون ريزو (القائم بأعمال مستشار عام السي آي أيه)، وديفيد أدينغتن (مستشار نائب الرئيس)، وويليام ج هاينز الثاني (مستشار عام وزارة الدفاع)، وجون يوو (نائب مساعد المحامي العام لمكتب الاستشارات القانونية).

           

ملحق: إجراءات الدول الأجنبية للتصدي لإساءة معاملة المحتجزين من طرف الولايات المتحدة

إخفاق الولايات المتحدة في إجراء تحقيقات جنائية في دور ومسؤولية كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين على الجرائم المزعوم ارتكابها بحق المحتجزين، فتح الباب أمام النظم القضائية الوطنية في دول أجنبية للسعي للتحقيق، وإذا لزم الأمر، الملاحقة القضائية، بموجب مبادئ "الاختصاص القضائي العالمي" واختصاص "الشخصية الثانوية" القضائي.

في العادة، فإن الاختصاص في النظر في جريمة قضائياً يعتمد على الصلة بين الدولة التي تلاحق قضائياً والجريمة نفسها. هذه الصلة هي عادة جغرافية لكن أحياناً ما تستند إلى جنسية الضحية أو الجاني أو الضرر اللاحق بمصلحة الدولة. الاختصاص القضائي العالمي يعكس مبدأ القانون الدولي بأن لكل دولة مصلحة في إحقاق العدالة ضد الجناة في جرائم محددة ذات طبيعة دولية، بغض النظر عن مكان ارتكاب الجريمة، وبغض النظر عن جنسيات الضالعين في الجريمة.[352] في بعض الحالات، بموجب قانون المعاهدات الدولية أو القانون الدولي، فإن الدول التي يُزعم العثور على الجناة ضمن إقليمها، عليها التزام بملاحقة الجناة إذا لم تحصل عليهم عن طريق التسليم. هذا الالتزام معروف باسم "التسليم أو الملاحقة القضائية".[353]

جرائم الحرب والتعذيب هي من بين الجرائم الخاضعة بحكم المواثيق الدولية لمطلب "التسليم أو الملاحقة القضائية". اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من أشكال المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة – التي صدقت عليها الولايات المتحدة و146 دولة أخرى[354] - تنص على أنه "الدولة الطرف التي يتم العثور في حدود إقليمها واختصاصها القضائي على شخص يُزعم ارتكابه [التعذيب]... إذا لم تقوم بتسليمه، فعليها أن تحيل القضية إلى سلطاتها المختصة لغرض الملاحقة القضائية".[355]

كل من اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، التي صدقت عليها الولايات المتحدة وجميع الدول الأخرى تقريباً، ترى أنه "على كل طرف من الأطراف السامية المتعاقدة أن تخضع لالتزام البحث عن الأفراد المزعوم ارتكابهم أو أمرهم بارتكاب خروقات جسيمة، وأن يمثلوا – هؤلاء الافراد – بغض النظر عن جنسياتهم، أمام محاكم الدولة". "الخروقات الجسيمة" في اتفاقيات جنيف وبروتوكولها الإضافي الأول تشمل القتل العمد، والتعذيب والمعاملة اللاإنسانية، والتسبب عمداً في إلحاق معاناة عظمى، والإصابة الجسيمة للجسد أو الصحة، والحرمان العمدي لأسير حرب أو أي شخص محمية حقوقه من المحاكمة العادلة والنظامية.[356]

الاختصاص القضائي العالمي أداة هامة يمكن بموجبها لضحايا الجرائم الدولية الجسيمة أن يحصلوا على الإنصاف. هذا المبدأ يعتبر "شبكة أمان" عندما لا تتمكن الدول ذات الاختصاص القضائي المباشر على الجرائم، أو تكون غير مستعدة، لإجراء تحقيقات فعالة ومحاكمات، وعندما تكون المحاكم الدولية – ومنها المحكمة الجنائية الدولية – ليس لديها أختصاص أو لا تريد تولي قضية بعينها.

القضية الأشهر للاختصاص العالمي ربما كانت محاكمة دكتاتور تشيلي السابق أوغوستو بينوشيه، الذي تم القبض عليه في لندن في أكتوبر/تشرين الأول 1998 بموجب أمر توقيف من قاضي إسباني يتهمه فيه بالتعذيب وجرائم لحقوق الإنسان مرتكبة في تشيلي إبان حكمه لفترة 17 عاماً.[357] طعن بينوشيه في اعتقاله على أساس أنه يستحق الحصانة كرئيس دولة سابق، لكن لجنة الطعن في مجلس اللوردات رفضت الطعن.[358]

على مدار العقدين السابقين، فهناك دول أكثر، لا سيما في غرب أوروبا،[359] كانت مستعدة لاستخدام اختصاصها القضائي العالمي بشكل عملي. تم نظر قضايا تورط فيها جناة من مستويات دنيا ومتوسطة فيما يخص الجرائم المرتكبة أثناء الإبادة الجماعية في رواندا وجرائم الحرب في البلقان والجرائم المرتكبة إبان عهد النظم المستبدة في الأرجنتين وتشيلي والحروب في أفغانستان وغرب أفريقيا، والتعذيب الممنهج في موريتانيا والكونغو الديمقراطية وتونس ودول أخرى. استخدم نظام القضاء الوطني الأمريكي مبدأ عالمية الاختصاص القضائي في مقاضاة "شوكي" تايلور (ابن الديكتاتور الليبيري السابق تشارلز تايلور) على أعمال تعذيب ارتكبت في ليبيريا.[360]

بالإضافة إلى الاختصاص القضائي العالمي، فالكثير من الدول تمنح محاكمها اختصاص معاقبة الافراد في جرائم مرتكبة بالخارج ضد مواطني الدولة (مبدأ اختصاص القضاء بناء على "الجنسية الثانوية" أو "الشخصية الثانوية"). هناك أفراد من عشرات الجنسيات تعرضوا للاحتجاز في الولايات المتحدة منذ 11 سبتمبر/أيلول 2001، مما يعني أن المحاكم الوطنية في تلك الدول لها الحق في أن تنظر قضايا تعذيب هؤلاء الافراد وارتكاب جرائم حرب ضدهم من واقع مبدأ اختصاص الشخصية الثانوية القضائي، ضد أفراد ارتكبوا هذه الأعمال من مواطني الولايات المتحدة.

أغلب البلدان – إن لم تكن كلها – تشترط فتح التحقيق في الجرائم المرتكبة بالخارج، عندما لا تكون هناك صلة بالجريمة، على وجود متهم في اراضيها. لكن في حالات الاختصاص القضائي بناء على جنسية الضحية (سند الاختصاص القضائي بناء على "الشخصية الثانوية")، فالكثير من الدول، مثل فرنسا وغيطاليا، تسمح بفتح التحقيق حتى لو كان المتهم غائباً.[361]

ومع اتضاح أن الولايات المتحدة لا تسعى للتحقيق في دور ومسؤولية كبار المسؤولين الحكوميين على صلة بالتعذيب والاحتجاز السري وبرامج التسليم، فقد تم رفع قضايا عدّة، وأحدها ما زالت جارية.

ألمانيا: شكاوى ضد رامسفيلد وآخرين

هناك شكوتان جنائيتان تم تقديمهما في المانيا حتى تاريخه ضد رامسفيلد وآخرين.

شكوى قدمت أثناء تولي رامسفيلد لمنصبه

قام أربعة عراقيون يزعمون بالتعرض للتعذيب في أبوغريب بتقديم شكوى جنائية في نوفمبر/تشرين الثاني 2004 طرف مكتب المدعي الفيدرالي الألماني في كارلسرو، في ألمانيا، بموجب مبدأ الاختصاص القضائي العالمية، كما ورد في قانون الجنايات الألماني المطبق للقانون الدولي.[362] المسؤولون المذكورون في الشكوى كانوا رامسفيلد وألبرتو جونزالس وجورج تينيت ونائب وزير الدفاع ستيفن كامبون، وعدد من كبار مسؤولي الجيش الأمريكي.[363]

المدعون كان يمثلهم مركز الحقوق الدستورية والمركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان ECCHR، وجادلا بأن ألمانيا "محكمة ملاذ أخير" إذ أنه "من الواضح أن الحكومة الأمريكية غير مستعدة لفتح التحقيق في المزاعم القائمة بحق هؤلاء المسؤولين".[364]

ألمانيا واحدة من دول قليلة لا تطالب بحضور المتهم على أرضها قبل بدء التحقيق في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية بموجب مبدأ الاختصاص القضائي العالمي (عندما لا تكون له صلة أخرى بألمانيا). إلا أنه في غياب المتهم بالجريمة، فإن المادة 153 من قانون الإجراءات الجنائية الألماني  تمنح سلطات واسعة للادعاء الاتحادي بتقرير فتح التحقيق من عدمه.

إثر الشكوى، تناقلت التقارير أن رامسفيلد لم يذهب إلى اجتماع ميونخ السنوي للسياسات الأمنية، والذي كان دائماً متحدثاً أساسياً فيه. وقالت السفارة الأمريكية في برلين إنها "تعقد مناقشات مع الألمان حول القضية وأعربت عن قلقها لأن هذه سابقة قد يحتذي بها من يريدون فتح ملاحقات قضائية مسيسة".[365] لدى سؤاله عن القضية في مؤتمر صحفي في البنتاغون في 3 فبراير/شباط 2005، أشار رامسفيلد إلى أنه قد لا يحضر مؤتمر ميونخ، إذ ذكر: "سأعرف مسألة ذهابي إلى هناك من عدمها قريباً. باقي أسبوع وسوف نعرف جميعاً".[366]

في 10 فبراير/شباط، قبل أيام من مؤتمر ميونخ، أشار المدعي العام الألماني كاي نيهم لعدم النظر في الشكوى على أساس أن الولايات المتحدة ستحقق في المسألة بنفسها. ذكر نيهم:

لا يوجد أي مؤشر على أن السلطات والمحاكم في الولايات المتحدة الأمريكية تمتنع، أو أنها ستمتنع، عن النظر في الانتهاكات المذكورة في الشكوى. وقد تم بالفعل نظر عدة شكاوى ضد المشمولين بالدعوى، حتى ضد أعضاء من الكتيبة 800 شرطة عسكرية [الوحدة المشاركة في انتهاكات أبوغريب].[367]

القرار لم يناقش ما إذا كان رامسفيلد – وزير الدفاع في ذلك التوقيت – يتمتع بالحصانة. في اليوم التالي أعلن رامسفيلد إنه سيحضر مؤتمر ميونخ.[368] تقدم المدعون بطلب لمراجعة قرار المدعي وكذلك المحكمة. المحكمة الإقليمية العليا في شتوتجارت رفضت الطلب  بالمراجعة كونها غير مختصة به، في 13 سبتمبر/أيلول 2005.[369]

شكوى بعد استقالة رامسفيلد

في نوفمبر/تشرين الثاني 2006، بعد أيام من استقالة رامسفيلد من منصب وزير الدفاع، قام مركز الحقوق الدستورية ومركز الحقوق الدستورية وحقوق الإنسان في أوروبا بتقديم شكوى جنائية جديدة طرف الادعاء الاتحادي الألماني بالنيابة عن محتجز غوانتانامو محمد القحطاني، الموصوفة معاملته في هذا التقرير، و11 عراقياً زعموا تعرضهم للتعذيب.[370] ورد في الشكوى أن رامسفيلد والعديد من محامي الحكومة[371] ارتكبوا جرائم حرب عن طريق تبريرهم وأمرهم وتنفيذهم لتقنيات استجواب مسيئة في العراق وأفغانستان وغوانتانامو.[372]

في 5 أبريل/نيسان 2007، أعلنت المدعي العام للمحكمة الاتحادية أنها لن تفتح التحقيق.[373] انتهت إلى أن الصلات غير كافية بألمانيا وأن أي تحقيق سيكون نتيجة "مقاضاة رمزية تماماً" لا تبرر الموارد التي ستنفق على "تحقيقات معقدة وغير ناجحة في نهاية المطاف".[374]

وتم رفض طلب بمراجعة قرار الادعاء من قبل محكمة الاستئناف، التي ذكرت أن "تبقى المسألة غير محسوبة، بشأن ما إذا كانت الأعمال الواردة في الاتهام قد تم التحقيق فيها بالشكل الكافي من دول أخرى".[375]

فرنسا: شكوى ضد رامسفيلد

في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2007، عندما زار رامسفيلد فرنسا بعد تقاعده، قامت الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان ومركز الحقوق الدستورية وحقوق الإنسان في أوروبا ومركز الحقوق الدستورية والرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان، برفع دعوى قضائية ضد رامسفيلد طرف ادعاء باريس. ورد في الشكوى أن رامسفيلد أمر وتولى قيادة المسؤولية عن التعذيب في منشآت احتجاز أمريكية في العراق، وكذلك في أفغانستان وغوانتانامو.[376]

مدعي باريس، جان كلود مارتين، أعلن رفض الشكوى في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2007، دون تناول مزاعم التعذيب الواردة فيها.[377] انتهى المدعي إلى أن رامسفيلد غير خاضع للملاحقة القضائية، بناء على حصانته بصفته وزير دفاع سابق.[378]

رفض مدعي باريس طلباً جديداً بالملاحقة القضائية.[379] قرر المدعي أن أعمال التعذيب المزعومة لا يمكن "أن يُقضى بانفصالها" عن مهام عمل رامسفيلد ومن ثم فهي مشمولة بالحصانة.[380] هذا القرار تجاهل سوابق قضائية دولية تذهب إلى خلاف ذلك، مثل حُكم محكمة نورمبرغ وقضايا بينوشيه، بالاقتراح بأن التعذيب وجرائم الحرب يمكن أن تدخل ضمن زمام مسؤولية المسؤولين الحكوميين المشروعة.[381]

إسبانيا: التحقيقات مع مسؤولين أمريكيين

هناك شكوتان تورط فيهما مسؤولون أمريكيون، في إسبانيا. أحدهما تم تعليقها مؤقتاً بينما ما زالت الأخرى قائمة.

قضية "مسؤولو بوش الستة"

في مارس/آذار 2009، ظهرت دعوى قضائية ضد ستة من محامي إدارة بوش السابقة أشير إليها باسم قضية "مسؤولو بوش الستة" – ألبرتو جونزالس، ديفيد أدينغتن، ويليام هاينز، جون يوو، جاي بايبي، دوغلاس فيث – وقد رفعتها جمعية كرامة السجناء الإسبان.[382] ورد في الشكوى أنه نتيجة لمشورة قانونية وفرها الرجال المذكورون، فإن الحكومة الأمريكية ارتكبت أعمال تعذيب وانتهاكات أخرى لاتفاقيات جنيف.[383]

تم قبول القضية في 28 مارس/آذار 2009 من قبل قاضي التحقيق الإسباني بلتاثار كارسون، الذي أصدر أمراً في عام 1998 باعتقال بينوشيه في قضية الأخير، ثم أعيد تكليف القاضي إلوي فيلاسكو بها في 28 أبريل/نيسان 2009.[384] طبقاً للقانون الإسباني، الذي ينص على أن المحاكم الإسبانية لها "اختصاص قضائي فرعي"، فإن القاضي فيلاسكو في 4 مايو/ايار 2009 طلب تأكيد من الولايات المتحدة على ما إذا كانت هناك تحقيقات في المزاعم المعنية، وطبقاً للسفارة الأمريكية في مدريد، فقد تم عرض نقل التحقيق إلى الولايات المتحدة بموجب اتفاق مساعدة قانونية متبادل بين الدولتين.[385] بعد أن وضع القاضي فيلاسكو موعداً نهائياً لرد الولايات المتحدة،[386] أجابت الولايات المتحدة أخيراً في 1 مارس/آذار 2011، قائلة إنها أتمت عدة ملاحقات قضائية (بحق مسؤولين من المستويات الأدنى) وأن "لا يوجد سند للملاحقة القضائية ليوو أو بايبي"، وأن مساعد المحامي العام الأمريكي دورهام مستمر في تحقيقه.[387] ثم أمر القاضي فيلاسكو بالقضية أن "يتم تجميدها مؤقتاً" ونقلها إلى وزارة العدل الأمريكية "لاستكمالها، مع دعوة وزارة العدل للإشارة إلى الزمن المحتمل لاتخاذ الإجراءات النهائية في القضية بعد نقل الإجراءات".[388] طعن المتقدمون بالدعوى في هذا القرار.[389]

التحقيق في قيام مسؤولين أمريكيين بأعمال تعذيب

في أبريل/نيسان 2009 قبل القاضي كارسون قضية أخرى مقدمة من قبل أطراف مدنية وبادر في التحقيق الجنائي في الانتهاكات المزعومة ضد أربعة من محتجزي غوانتانامو ممن لهم صلات بإسبانيا، متذرعاً باحتمال وقوع انتهاكات لقانون العقوبات الإسباني وتشريعات إسبانية أخرى، ولاتفاقيات جنيف الثالثة والرابعة، واتفاقية مناهضة التعذيب، والاتفاقية الأوروبية لمناهضة التعذيب والمعاملة أو العقوبة اللاإنسانية أو المهينة.[390]

في مايو/أيار 2009 أصدر القاضي كارسون طلبات للولايات المتحدة والمملكة المتحدة لتأكيد إلى أي مدى أجريت تحقيقات في قضايا لافراد من المتقدمين بالدعوى الأربعة.[391] لم ترد أي من الدولتين.[392]

وفي 27 يناير/كانون الثاني 2010 قرر كارسون أن الاختصاص القضائي على شكوى المتقدمين بالدعوى قائم، وأن المتقدمين بالدعوى يمكنهم تقديمها للنظر فيها.[393] يعود السبب جزئياً لأن أحد الضحايا المدعين مواطن إسباني، وهناك آخر يعيش في إسبانيا، ولأن إسبانيا سبق وأصدرت طلبات تسليم لصالح الاثنين. إلا أن القاضي كارسون تبين أيضاً أن الاختصاص القضائي متوفر حتى في غياب هذه الصلات، لأن الجرائم المزعومة تخرق اتفاقيات جنيف، واتفاقية مناهضة التعذيب، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وأنها جرائم ضد الإنسانية.[394] منذ ذلك الحين تم توقيف كارسون من منصبه على صلة بتحقيقه في جرائم ارتكبت في عهد فرانكو[395] ويتولى القضية حالياً القاضي بابلو روس.

في 7 يناير/كانون الثاني 2011 طلب مركز الحقوق الدستورية ومركز الحقوق الدستورية وحقوق الإنسان في أوروبا أن يتم تسليم الميجور جنرال ميلر لهيئة التحقيق كي يوضح دوره في مزاعم التعذيب لأربعة من هؤلاء المحتجزين.[396]

وكانت التحقيقات قائمة حتى كتابة هذه السطور.

التدخل الدبلوماسي من طرف الولايات المتحدة

في عام 2009  أضعفت إسبانيا من قوانين الاختصاص القضائي العالمي لديها بعد أن قامت عدة دول اتُهم قياداتها في شكاوى – بينها الولايات المتحدة – بالإعراب عن بواعث قلق دبلوماسية.[397] التعديلات بشكل عام تطالب بوجود بعض الصلات مع إسبانيا في القضايا المنظورة، كي يمكن البدء في نظرها.[398] منذ القضايا المذكورة أعلاه الخاصة بالمواطنين الإسبان الأربعة والأفراد القاطنين بإسبانيا الذين تم احتجازهم في غوانتانامو، لم توقف التعديلات المذكورة القضايا.

وهناك رسائل دبلوماسية تم الكشف عنها مؤخراً تكشف أن المسؤولين الأمريكيين سعوا سراً وبشكل متكرر لمحاولة التأثير على المدعين الإسبان والمسؤولين الحكوميين في إسبانيا من أجل تحديد مجال التحقيقات وأن يتم إبعادها عن القاضي كارسون،[399] الذي تعتبره الولايات المتحدة "له توجه معادي لأمريكا".[400]

هذه الضغوط استمرت في ظل إدارة أوباما. في مارس/آذار 2009 قال السفير الأمريكي لوزارة الخارجية الإسبانية ولوزارة العدل إن الولايات المتحدة تعتبر القضية "مسألة هامة للغاية" وسأل أن يبقى مطلعاً على التطورات.[401] في أبريل/نيسان، رافق ملحق العلاقات الخارجية الأمركيي السيناتور الأمريكي جود غريغ إلى وزارة الخارجية لشرح اعتبارات القلق.[402] في اليوم التالي قال المدعي الإسباني للسفارة إنه سيسعى لمراجعة ما إذا كان لإسبانيا اختصاص قضائي. في اليوم التالي، ذهب الملحق مع السيناتور ميل مارتينيز لمقابلة القائم بأعمال وزير الخارجية، حيث قام الملحق بـ "التشديد على أن الملاحقات القضائية... ستكون ذات أثر بالغ على العلاقات الثنائية".[403]

وفي اجتماع في مايو/أيار 2009 بين محاميين من وزارة الخارجية الأمريكية والمدعي الإسباني خافيير زراغوزا، تناقلت التقارير مشاركة زراغوزا خطط المحامين الأمريكيين الخاصة بتخلي كارسون عن القضية. أكدت أن غسبانيا ستجمد مجريات القضية إذا حققت الولايات المتحدة فيها.[404]

وعلى النقيض، في جلسة متزامنة للمتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ورد أن: "أنا لا أعرف بأي اتصال مع وزارة الخارجية الإسبانية في هذا الشأن. هذه المسألة تخص المحاكم الإسبانية، على حد فهمي. ليس لدي تعليق لكم في هذا التوقيت. موقف إدارة أوباما في هذه الأمور المعنية بالنقاش واضح تماماً في رأيي".[405]

كما تكشف الرسائل الدبلوماسية المتبادلة عن قلق الولايات المتحدة إزاء تحقيق منفصل يجريه قضاة إسبان في استخدام مطار إسباني لصالح رحلات سرية للسي آي أيه، حسب التقارير تم خلالها نقل المحتجزين.[406] وكان المسؤولون الأمريكيون قلقون، إثر انكشاف التنسيق بين الادعاء في ألمانيا وإسبانيا، بأن هذا الأمر "سيعترض جهودنا لإدارة هذه المسألة بشكل غير معلن على مستوى الحكومات".[407]

شكر وتنويه – ومنهج التقرير

قام ريد برودي – المستشار والمتحدث باسم هيومن رايتس ووتش – بكتابة هذا التقرير، بناء على بحوث أرشيفية وقانونية. هناك أجزاء تم إجراء بحوث لها في هذا التقرير وكتبها جون سيفتون، استشاري لـ هيومن رايتس ووتش. راجعت التقرير أندريا براسو، مستشارة أولى بقسم مكافحة الإرهاب، وجيمس روس، مدير الشؤون القانونية والسياسات بالمنظمة، ودانييل هاس، مراجع أول. قام بالمراجعة الاختصاصية أيضاً كل من أليسون باركر، مديرة قسم الولايات المتحدة، وجيرالدين ماتيولي-زيلتنر، مديرة المتحدثين باسم قسم العدالة وحقوق الإنسان، ولاورا بيتر، مستشارة بقسم مكافحة الإرهاب. وراجعت المسودات الأولى من التقرير أيضاً جوان مارينر، المديرة السابقة لقسم الإرهاب ومكافحة الإرهاب. أسهمت في إنتاج التقرير المنسقة بقسم  الإرهاب ومكافحة الإرهاب كات ويس. وساهم في المجهود البحثي المتدربون جيريمي شيرم وغونوانت غيل وماتيلد لى ماوت.