ملخص
بحسب ما تشير بقوة جميع الأدلة المتاحة، يوم 4 أبريل/نيسان 2017، هاجمت طائرة حربية تابعة للحكومة السورية خان شيخون، بلدة في شمال غرب محافظة إدلب، بمادة كيميائية تؤثر في الأعصاب، ما أسفر عن مقتل 90 شخصا على الأقل، 30 منهم أطفال. عدد القتلى يجعل هذا الهجوم الكيميائي على الأرجح الأكثر دموية منذ الهجوم الذي أسفر عن مقتل المئات في الغوطة قرب دمشق في أغسطس/آب 2013.
أثار هجوم خان شيخون غضبا دوليا، لكن هذا الهجوم لم يكن الوحيد الذي شنته الحكومة السورية مؤخرا. تظهر 3 تطورات منذ أواخر 2016 أن استخدام الحكومة السورية للأسلحة الكيميائية أصبح واسعا ومنهجيا:
- يبدو أن الطائرات الحربية الحكومية أسقطت قنابل فيها مواد تؤثر في الأعصاب في 4 مناسبات على الأقل منذ 12 ديسمبر/كانون الأول، بما في ذلك خان شيخون؛
- أصبح استخدام الحكومة للذخائر المليئة بالكلور الملقاة من المروحيات أكثر انتظاما؛
- بدأت القوات البرية الحكومية أو الموالية للحكومة باستخدام الذخائر المرتجلة التي تطلق من الأرض وتحتوي على الكلور.
في بعض الهجمات على الأقل، يبدو أن القصد هو إلحاق معاناة شديدة بالسكان المدنيين، وهو ما يشكل جرائم ضد الإنسانية.
بعد الهجمات الكيميائية على الغوطة، طالب مجلس الأمن الدولي الحكومة السورية بتدمير مخزوناتها وأسلحتها الكيميائية وقدرتها على إنتاج هذه الأسلحة. استجابة لذلك، انضمّت سوريا إلى "اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية" في سبتمبر/أيلول 2013. أعلنت "منظمة حظر الأسلحة الكيميائية" في يونيو/حزيران 2014 أنها شحنت الأسلحة الكيميائية المصرح عنها في سوريا خارج البلاد لتدميرها، رغم استمرار المنظمة في محاولة التحقق من دقة واكتمال تصريح الحكومة السورية.
لكن في الواقع، كانت الحكومة السورية أصلا تستخدم طائرات الهليكوبتر لإسقاط ذخائر بدائية الصنع مملوءة بالكلور على الأقل منذ أبريل/نيسان من ذلك العام. في حين أن اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية لا تحظر الكلور لأن له عديد من الاستخدامات المدنية، إلا أن الاتفاقية تحظر استخدامه كسلاح. مع ذلك، بين أبريل/نيسان 2014 وأواخر 2016، وثّقت هيومن رايتس ووتش 16 هجوما نفذته الحكومة السورية باستخدام ذخائر بدائية مملوءة بالكلور ملقاة من الجو. كما أن عدد الهجمات المبلّغ عنها في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي أعلى بكثير. وجدت آلية التحقيق المشتركة بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية في 3 هجمات بالكلور عامي 2014 و2015 أدلة كافية تشير إلى أن الحكومة هي المسؤولة.
قابلت هيومن رايتس ووتش 60 شخصا لديهم معرفة مباشرة بالهجمات الكيميائية وآثارها المباشرة، واستعرضت عشرات الصور ومقاطع الفيديو لمواقع الارتطام والضحايا التي نشرت على الإنترنت وقدمها السكان المحليون مباشرة، إلا أنها لم تتمكن من إجراء تحقيقات ميدانية في مواقع الهجوم
تشير معلومات من السكان المحليين في خان شيخون إلى أن طائرة حربية حلقت فوق المدينة مرتين حوالي الساعة 6:45 صباح 4 أبريل/نيسان 2017. وقال أحد السكان إنه رأى الطائرة تسقط قنبلة بالقرب من المخبز المركزي في المدينة في الحي الشمالي خلال أول طلعة جوية. قال عدد من الاشخاص، بمن فيهم الشخص الذي رأى القنبلة، إنهم لم يسمعوا انفجارا، لكنهم شاهدوا الدخان والغبار يتصاعد من المنطقة، بما يتفق مع العبوة الصغيرة نسبيا في قنبلة كيميائية. كما أكد العديد من الأشخاص أنهم شاهدوا إصابات أو سمعوا تقارير عن إصابات مباشرة بعد أول طلعة جوية. وبعد بضع دقائق، بحسب ما قالوا، أسقطت طائرة حربية 3 أو 4 قنابل شديدة الانفجار على البلدة.
حددت هيومن رايتس ووتش 90 شخصا، من بينهم 30 طفلا، قال السكان المحليون والناشطون إنهم ماتوا بسبب التعرض الكيميائي في هذا الهجوم. قال موظفون طبيون إن الهجوم أسفر عن إصابة مئات آخرين.
راجعت هيومن رايتس ووتش عشرات الصور ومقاطع الفيديو التي قدمها السكان والتي تظهر الحفرة جراء القنبلة الأولى. يعتقد السكان المحليون أن هذا الموقع هو مصدر التعرض للمواد الكيميائية لأن أولئك الذين لقوا حتفهم يعيشون في مكان قريب، وظهرت على الناس الذين اقتربوا منه، بمن فيهم المسعفون، العوارض الأقوى الناتجة عن التعرض للمواد الكيميائية. إحدى الصور الأولى للحفرة، التي التقطها المسعفون، تظهر ما يبدو أنه سائل على الأسفلت. يتفق ذلك مع استخدام قنبلة تحتوي على سارين، الذي يكون على سائل في درجة حرارة الغرفة.
الصور ومقاطع الفيديو الملتقطة للحفرة تظهر بقايا من الأسلحة الكيميائية المستخدمة: شظية معدنية رقيقة ملتوية عليها طلاء أخضر، وجسم معدني دائري أصغر. على سبيل المثال، توجد في أحد متاحف موسكو قنبلة سارين، سوفياتية الصنع وتُلقى جوا، وعليها خطان أخضران. الجسم الدائري في صور الحفرة ببدو مماثلا للغطاء الذي يغطي فوهة الحشوة في قنبلة السارين المعروضة في المتحف.
هذه البقايا، مقترنة بملاحظات الشهود، العوارض التي ظهرت على الضحايا، وإعلان الحكومتين الفرنسية[1] والتركية[2] ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية[3] أن السارين هو المادة المستخدمة في الهجوم، تشير إلى أن الطائرة الحربية السورية أسقطت قنبلة سارين منتجة في مصنع.
تشير الدلائل إلى أن هجوم خان شيخون ليس المرة الاولى التي تلقي فيها الطائرات الحربية الحكومية مواد تؤثر في الأعصاب في الأشهر الأخيرة. وصف شهود لـ هيومن رايتس ووتش عوارض تتفق مع التعرض لعوامل الأعصاب، اختبروها هم وسكان محليون آخرون بعد أن هاجمت الطائرات الحربية شرقي محافظة حماة في 11 و12 ديسمبر/كانون الأول وشمال محافظة حماة بالقرب من خان شيخون في 30 مارس/آذار 2017.
وقعت هجمات ديسمبر/كانون الأول في أراض يسيطر عليها تنظيم "الدولة الإسلامية" (المعروف أيضا بـ "داعش")، الذي يراقب الاتصالات عن كثب، لذلك كان من الصعب الوصول إلى الشهود. ولكن 4 شهود تمت مقابلتهم عبر الهاتف، وموظفون طبيون تمت مقابلتهم عبر رسائل نصية بمساعدة وسطاء، قدموا روايات متسقة عن الهجمات. وقدم ناشط في المعارضة وسكان محليون أسماء 64 شخصا توفوا بسبب التعرض للمواد الكيميائية في هجمات ديسمبر/كانون الأول.
الهجوم المشتبه به باستخدام مادة تؤثر في الأعصاب في شمال حماة في 30 مارس/آذار لم يسفر عن وقوع وفيات، بل أصاب العشرات، من المدنيين والمقاتلين، بحسب السكان المحليين والعاملين الطبيين والمسعفين.
وقعت جميع الهجمات الأربع المشتبه باستخدامها مادة تؤثر في الأعصاب في مناطق هددت فيها القوات المسلحة التي تقاتل الحكومة القواعد الجوية العسكرية الحكومية.
أصبح استخدام القوات الحكومية للأسلحة المملوءة بالكلور أكثر انتشارا ومنهجية. خلال الشهر الأخير من معركة مدينة حلب، التي انتهت في 15 ديسمبر/كانون الأول 2016، ألقت طائرات الهليكوبتر عدة ذخائر بدائية الصنع مليئة بالكلور، في نمط يبين أن الهجمات كانت جزءا من الاستراتيجية العسكرية الشاملة لاستعادة المدينة. استمرت مثل هذه الهجمات في الآونة الأخيرة، على سبيل المثال، في اللطامنة شمالي محافظة حماة.
منذ يناير/كانون الثاني 2017، وثقت هيومن رايتس ووتش أيضا، للمرة الأولى منذ أغسطس/آب 2013، استخدام القوات البرية الحكومية أو الموالية للحكومة الصواريخ البدائية الصنع المطلقة من الأرض والتي تحتوي على الكلور لمهاجمة المناطق القريبة من دمشق تحت سيطرة الجماعات المسلحة التي تقاتل الحكومة.
أصابت بعض الهجمات الكيميائية مناطق سكنية بعيدة عن خطوط المواجهة دون أي هدف عسكري واضح، ويبدو أنها قتلت وجرحت مدنيين فقط، ما يشير إلى أن قوات الحكومة السورية وجهت بعض الهجمات على الأقل ضد السكان المدنيين.
نفت الحكومة السورية مرارا استخدام الأسلحة الكيميائية، بما في ذلك في خان شيخون في 4 أبريل/نيسان. بينما شنت روسيا هجمات جوية في المناطق التي وقعت فيها هجمات كيميائية، لا توجد لدى هيومن رايتس ووتش أية معلومات تشير إلى أن السلطات الروسية استخدمت أسلحة كيميائية. ومع ذلك، تواصل القوات الروسية تقديم الدعم العسكري النشط للقوات السورية على الرغم من الأدلة الكثيرة على أنها تستخدم الأسلحة الكيميائية وتستهدف المدنيين.
تحظر اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، التي دخلت حيز النفاذ عام 1997، تطوير الأسلحة الكيميائية وإنتاجها وتخزينها واستخدامها، وتفرض تدميرها. ينطبق الحظر أيضا على المواد الكيميائية السامة ذات الاستخدامات المدنية، مثل الكلور، عندما تستخدم كأسلحة. أصبحت سوريا طرفا في الاتفاقية في أكتوبر/تشرين الأول 2013.
الجرائم ضد الإنسانية هي أعمال إجرامية محددة ترتكب على نطاق واسع أو منهجي كجزء من "هجوم على السكان المدنيين"، أي أن هناك درجة من التخطيط أو السياسة لارتكاب الجريمة. تشمل هذه الأفعال القتل و"الأفعال اللاإنسانية الأخرى ذات الطابع المماثل التي تتسبب عمدا في معاناة كبيرة أو إصابة خطيرة بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية". حظر الجرائم ضد الإنسانية هو من القواعد الأكثر أهمية في القانون الجنائي الدولي ويمكن أن يشكل الأساس والمسؤولية الجنائية الفردية في المحاكم الدولية، وكذلك في بعض المحاكم المحلية الأجنبية بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية.
تدعو هيومن رايتس ووتش مجلس الأمن الدولي فورا إلى اتخاذ قرار يدعو جميع أطراف النزاع السوري إلى التعاون الكامل مع محققي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية وتيسير وصولهم دون عوائق إلى مواقع الهجمات الكيميائية، كما ينص قرارا مجلس الأمن 2118 و2235. تماشيا مع تعهدات مجلس الأمن بفرض تدابير بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة في حال استمرار استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، تدعو هيومن رايتس ووتش مجلس الأمن إلى اعتماد عقوبات ضد المسؤولين عن الهجمات الكيميائية، بحسب النتائج التي أكدتها تحقيقات الأمم المتحدة. كما تحث هيومن رايتس ووتش الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على دعم آلية المساءلة في سوريا التي أنشأتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 2016، بما يشمل التمويل.
الهجمات الكيميائية الموثقة منذ ديسمبر/كانون الأول 2016
آلية الهجوم ونوع المادة الكيميائية والإصابات على أساس أفضل المعلومات المتاحة. الإصابات المبلغ عنها هي لمدنيين ما لم يُذكر خلاف ذلك.
التاريخ |
الموقع |
آلية الهجوم |
نوع المادة الكيميائية |
الضحايا |
7 أبريل/نيسان |
القابون، دمشق |
غير معروفة |
كلور |
إصابتان |
4 أبريل/نيسان |
خان شيخون، إدلب |
طائرة حربية |
سارين |
92 قتيلا، مئات المصابين |
3 أبريل/نيسان |
اللطامنة، حماة |
طائرة مروحية |
كلور |
12 مصابا |
30 مارس/آذار |
اللطامنة، حماة |
طائرة حربية |
عامل أعصاب |
169 مصابا (من المحتمل أن عديدا منهم مقاتلون) |
29 مارس/آذار |
القابون، دمشق |
صاروخ أرضي |
كلور |
35 مصابا |
25 مارس/آذار |
اللطامنة، حماة |
طائرة مروحية |
كلور |
3 قتلى، 32 مصابا |
10 فبراير/شباط |
عربين، دمشق |
غير معروفة |
كلور |
3 إصابات (مقاتلين) |
9 فبراير/شباط |
عربين، دمشق |
غير معروفة |
كلور |
3 إصابات (مقاتلين) |
30 يناير/كانون الثاني |
مرج السلطان، دمشق |
صاروخ أرضي |
كلور |
11 مصابا |
8 و9 يناير/كانون الثاني |
بسّيمة، دمشق |
غير معروفة |
كلور |
46 مصابا |
12 ديسمبر/كانون الأول |
جروح، حماة |
طائرات حربية |
عامل أعصاب |
25 قتيلا |
12 ديسمبر/كانون الأول |
الصلالية، حماة |
طائرة حربية |
عامل أعصاب |
42 قتيلا |
توصيات
استخدمت روسيا والصين باستمرار حق النقض في مجلس الأمن لمنع فرض عقوبات فردية وإحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية. يخضع تنظيم داعش، الذي استخدم أسلحة كيميائية هو الآخر، لعقوبات أممية، لكن الحكومة السورية أفلتت حتى الآن من المساءلة. لم تتعاون الحكومة السورية بشكل كامل مع تحقيقات الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، ولم تقدم لها كل المعلومات المطلوبة.
إلى مجلس الأمن
- التأكيد فورا على طلبه بأن تتعاون الحكومة السورية وأطراف النزاع الأخرى بشكل كامل مع مفتشي الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، بما في ذلك توفير المعلومات المطلوبة، كما جاء في قراري مجلس الأمن رقم 2118 و2235؛
- منع سفر وتجميد ممتلكات أعضاء الحكومة والقيادة العسكرية المسؤولين عن الهجمات الكيميائية التي أكدت وقوعها تحقيقاتُ الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية؛
- فرض حظر على بيع الأسلحة للحكومة السورية وإحالة ملف الوضع في البلاد أمام المحكمة الجنائية الدولية.
استخدمت الحكومة السورية الأسلحة الكيميائية في عدة مناسبات منذ 2013 على الأقل. ورغم وعودها بالتعاون مع مفتشي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمم المتحدة، فقد أخفت معلومات طُلبت منها.[4] تشير الحالات الموثقة في هذا التقرير بوضوح إلى أن الحكومة السورية قدمت تصريحا غير كامل بعتادها من الأسلحة الكيميائية و/أو قدراتها الإنتاجية في 2013.
إلى الحكومة السورية
- الكف فورا عن استخدام الأسلحة الكيميائية؛
- التعاون بشكل كامل مع مفتشي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، بما في ذلك تسهيل وصولهم إلى مواقع الهجمات الكيميائية وتوفير كل المعلومات التي يطلبونها؛
- تعديل تصريحها لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية بحيث يشمل ما تبقى لديها من مخزونات ومنشآت للأسلحة الكيميائية، وتمكين منظمة حظر الأسلحة الكيميائية من معاينة وتدمير هذا العتاد والمواد التي تدخل في صنعه، وتعطيل أية منشآت متبقية لصنع الأسلحة الكيميائية بشكل دائم.
إلى الجماعات المسلحة غير الحكومية
- التعاون بشكل كامل مع مفتشي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، بما في ذلك تسهيل وصولهم إلى مواقع الهجمات الكيميائية وتوفير كل المعلومات التي يطلبونها.
روسيا وإيران حليفتان عسكريتان مقربتان من الحكومة السورية، ما يجعلهما قادرتين على التأثير في صنع القرار العسكري لديها. هذا التحالف المتين قد يعني أيضا أن عناصر عسكرية روسية وإيرانية ربما كانت على علم باستخدام الحكومة السورية للأسلحة الكيميائية. في معركة حلب في أواخر 2016، استخدمت الحكومة بشكل متكرر الكلور بشكل يبدو متناسقا مع استراتيجيتها العسكرية لاستعادة السيطرة على المدينة. شاركت كل من روسيا وإيران في تلك المعركة، روسيا جوا وإيران أرضا.
إلى الحكومة الروسية
- بحسب متطلبات قرار مجلس الأمن رقم 2235، عليها مساعدة الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية في التحقيق في مصدر أية ذخائر روسية الصنع قد تكون استُخدمت في خان شيخون أو غيرها من الهجمات الكيميائية؛
- الكف عن استخدام حق النقض لمنع إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية وفرض عقوبات فردية ضد كبار المسؤولين الحكوميين والعسكريين الذين يعتقد بشكل مقنع أنهم ضالعون في الهجمات الكيميائية التي أكدت وقوعها الأممُ المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية؛
- بصفتها حليفا عسكريا رئيسيا، على روسيا الضغط على الحكومة السورية لوقف استخدام الأسلحة الكيميائية والتعاون بشكل كامل مع مفتشي الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، كما جاء في قراري مجلس الأمن رقم 2118 و2235؛
- ضمان وقف تعاون القوات الروسية مع جميع الأفراد والوحدات العسكرية السورية التي يشتبه في ضلوعها في هجمات كيميائية وجرائم خطيرة أخرى.
إلى الحكومة الإيرانية
- بصفتها حليفا مقربا، ولأن مواطنيها سبق أن وقعوا ضحايا للأسلحة الكيميائية، عليها الضغط على الحكومة السورية لوقف استخدام المواد السامة والتعاون بشكل كامل مع مفتشي الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية؛
- ضمان وقف تعاون القوات الإيرانية مع جميع الأفراد والوحدات العسكرية السورية التي يشتبه في ضلوعها في هجمات كيميائية.
بما أن روسيا والصين استخدمتا حق النقض بشكل متكرر لمنع طرح الملف السوري أمام المحكمة الجنائية الدولية، وضعت الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 2016 آلية لدعم التحقيق وملاحقة المسؤولين عن أخطر الجرائم بموجب القانون الدولي في سوريا.[5] وردا على استنتاجات منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بأن الكلور استُخدم في هجمات في سوريا عام 2014، وضع مجلس الأمن آلية التحقيق المشتركة بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية للتعرف على مرتكبي تلك الجرائم، فقالت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إن الأسلحة الكيميائية استخدمت أو قد تكون استخدمت في حادث واحد. وتماشيا مع أحكام قرار مجلس الأمن رقم 2235، فإن كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة مطالبة بالتعاون مع هذه الآلية المشتركة.
إلى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة
- دعم وتمويل الآلية الدولية المحايدة المستقلة التي وضعتها الجمعية العامة للأمم المتحدة للمساعدة في التحقيق وملاحقة المسؤولين عن الجرائم الأكثر خطورة بموجب القانون الدولي في سوريا؛
- دعم جهود التوثيق المستمرة للجنة التحقيق الأممية في سوريا بشأن الجرائم التي ترتكبها جميع أطراف النزاع؛
- إعطاء الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية كل وأي معلومات أو معلومات استخبارية متاحة حول الهجمات الكيميائية في سوريا لدعم تحقيقاتها، كما جاء في قرار مجلس الأمن رقم 2235؛
- التحقيق مع الأفراد المشتبه في ارتكابهم جرائم خطيرة وملاحقتهم حسب مبدأ الولاية القضائية العالمية وتماشيا مع القوانين المحلية؛
- اتخاذ كل الخطوات المتاحة لتشجيع روسيا على سحب معارضتها لانخراط المحكمة الجنائية الدولية في الشأن السوري، بما في ذلك عن طريق الإعلان عن دعمها لطرح الملف أمام المحكمة؛
- الإدانة العلنية لانتهاكات سوريا للقانون الإنساني الدولي، القانون الجنائي الدولي، وقانون حقوق الإنسان الدولي؛
- التحرك بشكل منفرد، أو جماعي من خلال الآليات الإقليمية إذا كان ذلك مناسبا، أو تبني أو المحافظة على أو تقوية العقوبات المستهدفة ضد المسؤولين السوريين الذين يعتقد بشكل مقنع بأنهم ضالعون في الانتهاكات الخطيرة الجارية.
إلى آلية التحقيق المشتركة للأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية
- على آلية التحقيق المشتركة للأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية النظر في ما إذا كانت أية حكومة أخرى، بما في ذلك حليفتا سوريا العسكريتان روسيا وإيران، قد ساعدت القوات الحكومية السورية أو حرضتها على استخدام أسلحة كيميائية. يمنع على أعضاء اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية فعل أي شيء من شأنه المساعدة أو التشجيع أو التحريض على مخالفة الاتفاقية.
إلى موظفي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية
- التحرك للحد من أو تعليق حقوق سوريا وامتيازاتها كعضو نظرا لانتهاكاتها المتكررة للاتفاقية؛
- عقد جلسة خاصة حول انتهاكات سوريا المتكررة للاتفاقية والتحرك للتوصية بأن يفرض مجلس الأمن عقوبات فردية على أعضاء الحكومة والجيش السوريَّين المسؤولين عن استخدام أسلحة كيميائية.
المنهجية
في ما يتعلق بالحالات الموصوفة في هذا التقرير، قابلت هيومن رايتس ووتش 60 شخصا لديهم معرفة مباشرة بالهجمات وأثرها المباشر، بمن فيهم ضحايا وشهود ومسعفين وصحفيين وناشطين محليين مؤيدين للمعارضة وعاملين في المجال الطبي. كما تشاورت هيومن رايتس ووتش مع خبراء في المواد الكيميائية والأسلحة. قابلت هيومن رايتس ووتش 8 شهود على هجوم خان شيخون شخصيا في تركيا، والباقين عن طريق الهاتف. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من إجراء تحقيقات ميدانية في أي من مواقع الهجوم.
حدّدت هيومن رايتس ووتش الشهود من خلال الاتصالات الموجودة في المنطقة أو عن طريق التواصل مع أشخاص نشروا معلومات عن الهجمات في وسائل التواصل الاجتماعي. أجريت تقريبا جميع المقابلات باللغة العربية. أعطت هيومن رايتس ووتش المتحدثين خيار طلب إخفاء المعلومات إذا كانوا قلقين بشأن أمنهم. يحتوي التقرير معلومات تعريفية عن الأشخاص الذين تمت مقابلتهم فقط إن وافقوا على نشر هذه المعلومات، وبعد تقييم هيومن رايتس ووتش بشكل منفصل إن النشر لن يعرض الشخص المعني للخطر.
لتعزيز المعلومات من الشهود، راجعت هيومن رايتس ووتش الصور ومقاطع الفيديو المنشورة في الإنترنت، والتي شاركها الشهود مباشرة، ولا سيما لمعرفة ما إذا كانت العلامات والعوارض السريرية تتفق مع أقوال الشهود والتعرض للمواد الكيميائية. قام كيث وارد، الخبير المستقل المعني بكشف عوامل الحرب الكيميائية وآثارها، بمراجعة وتقييم المعلومات حول العلامات والعوارض السريرية لشهادات الشهود ومقاطع الفيديو والصور.
حصلت هيومن رايتس ووتش على صور ومقاطع فيديو لبقايا الذخائر المستخدمة في الهجمات. حلّل البقايا متخصصون في تحديد الأسلحة والأسلحة الكيميائية من المنظمة ومن خارجها. أنشأت مجموعة "فورينسك أركيتكتشر"، المتخصصة في التحليل المكاني، نموذجا لحفرة هجوم خان شيخون من مقاطع الفيديو والصور، بما يسمح بالقياس الدقيق لحجمها.
لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من الوصول إلى توثيقات الحكومة السورية أو إجراء مقابلات مع مسؤولين حكوميين أو عسكريين.
الإطار القانوني: الأسلحة الكيميائية
تحظر عدة معاهدات دولية استخدام الأسلحة الكيميائية، بما فيها "إعلان لاهاي" لعام 1899 بشأن الغازات الخانقة، و"بروتوكول جنيف بشأن حظر استعمال الغازات الخانقة والسامة أو ما شابهها والوسائل الجرثومية في الحرب" لعام 1925، و"اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية" لعام 1993، و"النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية" لعام 1998. تعتبر "اللجنة الدولية للصليب الأحمر" أن الحظر هو إحدى قواعد القانون الدولي العرفي المنطبقة في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية على السواء.[6]
تحظر اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية"، التي دخلت حيز التنفيذ عام 1997، تطوير الأسلحة الكيميائية وإنتاجها وتخزينها واستخدامها وتطلب تدميرها. ينطبق حظر الاتفاقية أيضا على المواد الكيميائية السامة، مثل الكلور، عندما تستخدم كسلاح. وتعتبر اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، التي تضم 192 دولة، أوسع معاهدة عالمية لحظر السلاح في القانون الدولي. هناك 4 دول أعضاء فقط في الأمم المتحدة ليسوا أطرافا وهي مصر وإسرائيل (موقعة) وكوريا الشمالية وجنوب السودان. أصبحت سوريا طرفا في الاتفاقية في أكتوبر/تشرين الأول 2013.[7]
أدان "مجلس الأمن الدولي" استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا. بعد أن كشف تحقيق أجرته الأمم المتحدة عن استخدام السارين في هجوم أغسطس/آب 2013 في الغوطة قرب دمشق، أدان مجلس الأمن الدولي بأشد العبارات أي استخدام للأسلحة الكيميائية في سوريا، وقرر أنه "على الجمهورية العربية السورية عدم إنتاج الأسلحة الكيميائية أو نقلها أو اقتنائها أو الاحتفاظ بها أو نقلها بشكل مباشر أو غير مباشر إلى دول أخرى أو جهات فاعلة من غير الدول".[8] كما قال مجلس الأمن الدولي إنه سيفرض تدابير بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، في حالة عدم الامتثال للقرار "بما فيه نقل الأسلحة الكيميائية غير المصرح بها، أو أي استخدام للأسلحة الكيميائية من قبل أي شخص في الجمهورية العربية السورية".[9] كما أدان مجلس الأمن الدولي استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا في قرارات لاحقة.
بموجب القانون الدولي العرفي ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، تعتبر الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية أفعالا معينة، بما فيها القتل، وغيرها من الأفعال اللاإنسانية ذات الطابع المماثل، وتتسبب عمدا في معاناة كبيرة، أو إصابة خطيرة، ترتكب كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي على السكان المدنيين.
يعرّف نظام روما الأساسي "هجوم موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين" على أنه نهج سلوكي يتضمن الارتكاب المتكرر لأفعال إجرامية مثل القتل أو غيره من الجرائم المحتملة ضد الإنسانية ضد أي مجموعة من السكان المدنيين، عملا بسياسة دولة أو منظمة تقضي بارتكاب هذا الهجوم، أو تعزيزا لهذه السياسة.[10]
استخدام الأسلحة المحظورة بقصد إجرامي، عمدا أو بتهور، هو جريمة حرب.
ذخائر ألقيت من المروحيات
وثقت هيومن رايتس ووتش حالات متكررة ألقت فيها مروحيات حكومية سورية ذخائر مرتجلة مُعبّأة بالكلور منذ أبريل/نيسان 2014.[11] كما خلصت آلية التحقيق المشتركة بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، في تقرير نشر يوم 21 أكتوبر/تشرين الأول 2016، إلى أن قوات الحكومة السورية استخدمت الكلور كسلاح في 3 حوادث في عامي 2014 و2015.[12] توصل التحقيق إلى أن 10 مروحيات من "اللواء 63 حوّامات" السوري، وتنطلق من قاعدتي حماة وحميميم الجويتين، نفذت الهجمات.
خلال الشهر الأخير من معركة حلب في أواخر عام 2016، ألقت مروحيات حكومية ذخائر مرتجلة معبّأة بالكلور في 8 مناسبات على الأقل. تبدو الهجمات متناسقة مع الاستراتيجية العسكرية لاستعادة المدينة.[13] بالإضافة إلى الهجمات الثماني في حلب، وثقت هيومن رايتس ووتش أيضا هجومين حديثين ألقت فيهما المروحيات الحكومية ذخائر معبأة بالكلور. قتلت هذه الهجمات 12 مدنيا بسبب التعرض للكلور، وأصابت المئات.
استخدمت القوات الحكومية عدة أنواع من الذخائر المرتجلة المعبّأة بالكلور ألقتها مروحيات. في بعض الحالات، تتألف الذخائر من براميل نفط مملوءة بمجموعة متنوعة من الحاويات الكيميائية والمتفجرات. وفي حالات أخرى، وهي الأكثر شيوعا في الآونة الأخيرة، ألقت المروحيات أسطوانات غاز كبيرة، صفراء اللون. وكثيرا ما يشير السكان المحليون إلى الذخائر المرتجلة المعبّأة بالكلور التي تلقيها المروحيات على أنها براميل أو قنابل برميلية.
الكلور الصافي شاحب اللون، أصفر يميل إلى الخضرة، وفي كثير من الأحيان يذكر شهود رؤيتهم لـ "دخان أصفر" غير عادي في موقع الهجوم، وهو ما يتسق مع تسرب غاز الكلور من فتق في اسطوانات الغاز المضغوط الاصطناعية. كما أن لغاز الكلور رائحة مميزة، غالبا ما يربطها الشهود بمواد التنظيف المنزلية التي تحتوي على مبيضات بالإضافة إلى الاستعمال المتكرر للذخائر البدائية التي تحوي على الكلور.
التعرض لغاز الكلور بنسب معتدلة يسبب احمرارا وحكة في العينين وصعوبة في الرؤية. ويؤدي التعرض الشديد إلى صعوبات وضيق في التنفس. أما التعرض لمستويات عالية فقد يؤدي إلى التقيؤ، وضيق شديد في التنفس، وسعال لا يمكن التحكم فيه، وحتى الاختناق، لأن الإصابات الكيميائية التي يسببها الحامض الهيدروكلوري وحامض الهيبوكلوروس، الناتجين عن تحلل الكلور في الشعب الهوائية الرئوية، تؤدي إلى تراكم شديد للسوائل في الرئتين. يكون الإحساس مماثلا للإحساس بالغرق. التعرض للكلور بمستويات مرتفعة قد يؤدي إلى الوفاة.
اللطامنة، 3 أبريل/نيسان
في 3 أبريل/نيسان 2017، ألقت مروحية على ما يبدو وحدة ذخيرة واحدة على الأقل مملوءة بالكلور في اللطامنة، وهي بلدة تقع على بعد 15 كيلومتر جنوب غرب خان شيخون، التي كانت تضم نحو 30 ألف نسمة قبل الحرب ولكن الآن عدد السكان فيها أقل بكثير، وفقا لصحفي محلي ومُسعف وأحد السكان قابلت هيومن رايتس ووتش كلا منهم، بالإضافة إلى بيان صادر عن مديرية الصحة في إدلب التي تديرها المعارضة.
فايد الصطوف، صحفي محلي في اللطامنة، قال لـ هيومن رايتس ووتش إن الحراس، وهم شبكة من المراقبين يتتبعون حركة الطائرات، بلغوا عن مروحية فوق اللطامنة مساء يوم 3 أبريل/نيسان. ولأنه يقوم بتوثيق الغارات الجوية، حسب قوله، خرج لمتابعة المروحية. وحوالي الساعة 9:45 ليلا، ألقت المروحية برميلين على بعد 300 متر منه. قال:
شممت رائحة غاز الكلور. انقبض صدري وكأنني أختنق، وبدأت عيناي تؤلمانني وكأنني أعاني من حساسية. كان جسدي يرتعش. علقت الرائحة داخل أنفي طوال الليل. كان الأمر وكأنني أتنفس الكلور. كانت الرائحة مثل ما نستخدمه في المنزل لتنظيف المراحيض.[14]
وصف أحد السكان المحليين الذين كانوا على مقربة من الموقع المتأثر رائحة الكلور:
شعرت بالدوار، وبدأت عيناي تدمعان، وأصبح صدري ثقيلا. بدأت أختنق ثم انهرت. لا أعرف ما حدث بعد ذلك، لكنني استيقظت في المستشفى. بقيت مريضا لمدة يومين، وأنا أسعل.[15]
قال الصطوف إن 12 شخصا أصيبوا بآثار غاز الكلور، منهم نساء وأطفال. وقال مناف الصالح، رئيس الدفاع المدني في اللطامنة، وهي مجموعة بحث وإنقاذ تعمل في الأراضي التي تسيطر عليها الجماعات المتحاربة مع الحكومة، إن برميلين من الكلور أصابا القرية في مساء 3 أبريل/نيسان، ما أسفر عن إصابة نحو 12 مدنيا.[16] خلال مؤتمر صحفي مصور، قال مدير مديرية الصحة في إدلب، التي تديرها المعارضة، إن هجوم 3 أبريل/نيسان أصاب 22 شخصا.[17]
قال الصالح إن البراميل التي أسقطت في 3 أبريل/نيسان كانت لها نفس الرائحة تلك التي انتشرت بعد هجوم 25 مارس/آذار خلال الهجوم على مستشفى اللطامنة (أنظر أدناه).
مستشفى اللطامنة، 25 مارس/آذار
في 25 مارس/آذار 2017، ألقت مروحية وحدة ذخيرة مرتجلة واحدة على الأقل معبّأة بالكلور على مستشفى مؤقت في اللطامنة، وهي قرية تقع في شمال ريف حماة، وفقا لما ذكره 5 شهود قابلتهم هيومن رايتس ووتش، وصور بقايا الذخائر.
وفقا للدكتور محمود المحمد، مدير مستشفى اللطامنة، نقلوا المستشفى إلى خارج القرية وعزّزوا السقف بالحديد المغطى بالتراب، لأن الهجمات السابقة أصابت المباني المستخدمة كمستشفيات في حادثَين.
قال الدكتور المحمد، الذي قال إنه وصل إلى المستشفى بعد الهجوم بقليل، لـ هيومن رايتس ووتش إن الهجوم وقع حوالي الساعة 3 بعد ظهر 25 مارس/آذار. وأضاف أن مروحية ألقت برميلين. سقط برميل مليء بالمتفجرات على بعد حوالي 50 مترا من المستشفى، وأصاب الآخر سقف المستشفى.[18]
قال "علاء"، وهو طبيب تخدير في المستشفى، لـ هيومن رايتس ووتش إنه خرج من المستشفى لفحص مريض كان قد وصل للتو بجرح في رأسه، فتحطم شيء فوق سقف المستشفى: "خلال ثانيتين أو ثلاث بدأ الغاز ينتشر وتسبب في اختناق كل الطاقم الطبي. كان اللون أصفر. تسبب في دموع العينين، وسيلان الأنف والفم".[19]
قال "بلال"، وهو ممرض: "لقد صدمنا عندما اخترق البرميل السقف المقوى. كانت رائحة الكلور قوية جدا. كان لونه أصفر وكثيفا. لم تكن هذه هي المرة الأولى التي نتعرض فيها لهجوم بالكلور. لذلك كنا نعرف ما كان يحدث. لكن هذه المرة، كانت الرائحة أقوى من المعتاد".[20]
قال الدكتور المحمد، مدير المستشفى، إن الهجوم أسفر عن مقتل 3 أشخاص: الدكتور علي درويش، جراح العظام في المستشفى الذي كان يجري عملية جراحية وقت الهجوم؛ المريض الذي كانت تُجرى له العملية الجراحية؛ وأحد
المسعفين. وأضاف المحمد أن مساعد الدكتور درويش أصيب بجروح خطيرة، وكان لا يزال يتلقى العلاج في تركيا حتى 8 أبريل/نيسان. إجمالا، أصيب 32 شخصا إصابات متوسطة إلى حرجة بسبب التعرض للكلور.[21] وأكد عبد المناف فرج الصالح، رئيس الدفاع المدني السوري في اللطامنة، أن الهجوم أسفر عن مقتل 3 أشخاص.[22]
قال صحفي محلي إنه توجه إلى المستشفى فور وقوع الهجوم، وإنه كانت هناك رائحة كلور قوية عند وصوله.[23] قال "حاتم"، موظف في المستشفى، إنه لم يسمع أي صوت لمروحية قبل الهجوم، ولكنه سمع عبر اللاسلكي تقارير حراس بأن مروحتين كانتا تحومان قرب المكان.[24]
في حين قدم الشهود معلومات مختلفة عن عدد أسطوانات الغاز التي أصابت المستشفى والمنطقة المحيطة به، هناك صور بقايا اسطوانتين مختلفين على الأقل. شارك مناف الصالح، من الدفاع المدني السوري، صورة لأسطوانة غاز صفراء مشوهة قال إنها أصابت سقف المستشفى.[25] أظهر بحث معكوس عن الصور أن الصورة لم يسبق أن نشرت في أي مكان آخر. نشرت "وكالة ثقة الإخبارية"، وهي مصدر إخباري مؤيد للمعارضة، فيديو على "يوتيوب" لما قالت إنه سقف المستشفى المثقوب وأسطوانة غاز صفراء وسط كومة من الأنقاض.[26] كما نشر الدفاع المدني السوري صورا على "تويتر" لأسطوانة غاز قال إنها سقطت قرب المستشفى.[27] الأسطوانة التي نشرت صورتها وكالة ثقة والدفاع المدني السوري تبدو مختلفة عن تلك التي تظهر في الصورة التي قدمها الصالح، ما قد يبيّن استخدام اسطوانات متعددة.
أصدرت مديرية الصحة في حماة، التي تديرها المعارضة، بيانا مساء 25 مارس/آذار قالت فيه إن قنبلة برميلية تحتوي على غاز الكلور أصابت مستشفى اللطامنة، وأسفرت عن مقتل الدكتور درويش.[28]
ذخائر ملقاة من طائرات حربية
وثقت هيومن رايتس ووتش 4 هجمات منذ 12 ديسمبر/كانون الأول 2016، حيث يبدو أن الطائرات الحربية الحكومية شنت هجمات جوية باستخدام عوامل الأعصاب، وهي مجموعة من المواد الكيميائية التي تشمل السارين: في جروح والصلالية في شرق محافظة حماة في 12 ديسمبر/كانون الأول 2016؛ بالقرب من قرية اللطامنة بمحافظة حماة في 30 مارس/آذار؛ وعلى خان شيخون في محافظة إدلب في 4 أبريل/نيسان. حددت هيومن رايتس ووتش 159 شخصا قيل إنهم ماتوا في الهجمات الأربع جراء التعرض للمواد الكيميائية. جرح المئات.
تبين الأدلة أن السكان المحليين تعرضوا لمواد كيميائية سامة. وفي جميع الهجمات الأربع، وصف الشهود، بمن فيهم الموظفون الطبيون، العلامات والأعراض السريرية التي تشير إلى التعرض للمواد الكيميائية السامة. وفي اثنتين من الهجمات، راجعت هيومن رايتس ووتش الصور التي التقطت بعد الهجوم والتي أظهرت أن المصابين قد تقلصت حدقاتهم. في جميع الهجمات الأربعة، قال المسعفون وغيرهم ممن يحاولون المساعدة إنهم بدأوا في إظهار العلامات والأعراض السريرية للتعرض للمواد الكيميائية عندما اقتربوا من مواقع الارتطام. هذه الأمثلة على "التعرض الثانوي" هي سمة لوجود عامل الأعصاب، مثل السارين. وتشير بعض العوارض إلى وجود مواد كيميائية سامة أخرى أيضا.
وفيما يتعلق بهجوم خان شيخون، قالت السلطات التركية إن تحليل العينات الطبية الحيوية من 4 ضحايا تلقوا العلاج في تركيا أظهر وجود مادة ناتجة عن تحلل السارين. وقالت منظمة حظر الاسلحة الكيميائية إن تحليل العينات الطبية الحيوية من الضحايا أظهر وجود "سارين أو مواد شبيهة بالسارين".
الأدلة المتعلقة باستخدام المادة الكيميائية السامة كانت أقل قطعا في هجمات 12 ديسمبر/كانون الأول في شرق حماة. العديد من العلامات والأعراض السريرية تتفق مع التعرض للعوامل العصبية، بما في ذلك بيان طبيب واحد أنه لاحظ تقلص حدقات العيون. غير أن الشهود الآخرين قالوا إن المصابين كانت حدقاتهم متوسعة وغير متقلصة. يمكن رؤية الحدقات المتوسعة في بعض الأحيان عندما يتعرض الضحايا لمستويات عالية من العوامل العصبية، اعتمادا على مسار التعرض، ولكنها ليست عرضا شائعا.
وتشير الأدلة أيضا إلى أن الطائرات الحربية أسقطت المواد الكيميائية السامة. وفي جميع الحالات الأربع، سمع الشهود أو شاهدوا الطائرات الحربية في المنطقة المجاورة مباشرة قبل الانفجارات. وفي كل من هذه الهجمات، قابلت هيومن رايتس ووتش شاهدا واحدا على الأقل رأى الطائرة الحربية تسقط القنبلة الكيميائية المشتبه فيها. وفي جميع الهجمات الأربعة، يقول الشهود إنهم أصيبوا بالمرض فور تأثير القنابل. وقال بعض الشهود في بعض الحالات الأربع إن انفجارا واحدا على الاقل كان صوته أضعف من الصوت الذي يسمعونه عادة لدى استخدام الأسلحة المتفجرة، وهو ما يتفق مع التفجير الأصغر لشحنة الانفجار في قنبلة كيميائية.
أما بالنسبة لهجوم خان شيخون، فإن الصور ومقاطع الفيديو لمخلفات الأسلحة، التي نشرت على الانترنت وقدمها السكان المحليون إلى هيومن رايتس ووتش، فضلا عن تحديد السارين على أنه المادة الكيميائية المستخدمة، تشير أن إلى الطائرة الحربية ألقت قنبلة سارين منتجة في مصنع. استخدام الحكومة السورية هذه القنابل يعني أنها تحتفظ ببعض أسلحتها الكيميائية على الرغم من مطالبة مجلس الأمن الدولي والتزامها بموجب اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية بالتصريح عنها وتدميرها. لم تجد هيومن رايتس ووتش صورا لشظايا الهجمات الثلاث الأخرى التي من شأنها أن تسمح لها بتحديد السلاح.
لم تعثر هيومن رايتس ووتش على أي دليل يدعم مزاعم المسؤولين السوريين والروس بأن قنبلة شديدة الانفجار قد أصابت منشأة لإنتاج الأسلحة الكيميائية أو مستودع للأسلحة الكيميائية في المنطقة المجاورة لهجوم خان شيخون في 4 أبريل/نيسان. كما لم تجد هيومن رايتس ووتش أدلة تدعم الادعاءات بأن الجماعات المسلحة على الأرض قد فجرت سلاحا كيميائيا وتسببت في التعرض للمواد الكيميائية.
يبدو أن هذه الطائرات الحربية الحكومية شنت هجمات كيميائية في 3 تواريخ مختلفة في 4 مواقع مختلفة، ما يقوض مزاعم المسؤولين السوريين والروس بأن التعرض للمواد الكيميائية في خان شيخون كان بسبب غارة جوية أصابت منشأة لإنتاج الأسلحة الكيميائية أو مستودع على الأرض. هذا، وحقيقة أن داعش كان يسيطر على 2 من هذه المواقع وغيره من الجماعات التي تقاتل تنظيم داعش يسيطر على اثنين آخرين، يقلص احتمال أن تكون مجموعة مسلحة شنت الهجمات.
خان شيخون، 4 أبريل/نيسان
تشير جميع الأدلة التي راجعتها هيومن رايتس ووتش إلى أن طائرة حربية تابعة للحكومة السورية أسقطت قنبلة تحوي غاز السارين على خان شيخون حوالي الساعة 6:45 من صباح يوم 4 أبريل/نيسان 2017، مما أسفر عن مقتل 92 شخصا وإصابة المئات على الأقل. قابلت "هيومن رايتس ووتش" 32 شاهدا على هجوم خان شيخون، 8 أشخاص منهم في تركيا والباقين عن طريق الهاتف. استعرضت هيومن رايتس ووتش أيضا صور الأقمار الصناعية وصورا فوتوغرافية وأشرطة فيديو للضحايا، موقع سقوط الذخيرة، مخلفات الأسلحة، وآثار الهجوم الفورية، بالإضافة إلى معلومات عن تحركات الطائرات.
خضعت خان شيخون، وهي بلدة تقع في جنوب إدلب، لسيطرة الجماعات المسلحة التي تقاتل الحكومة منذ عام 2012. قدر السكان المحليون أنه كان يوجد حوالي 60 ألف شخص في البلدة وقت الهجوم، والكثير منهم نزح من أماكن أخرى بسبب الحرب.
وقع هجوم خان شيخون والهجمات الكيميائية على اللطامنة وقربها في سياق القتال العنيف بالقرب من مدينة حماة، على بعد 20 كيلومترا جنوب اللطامنة و35 كيلومترا جنوب خان شيخون. في 21 مارس/آذار، شنت جماعات مسلحة بقيادة "هيئة تحرير الشام" هجوما على مواقع حكومية بالقرب من حماة. وخلال الأيام القليلة التالية، أحرزت القوات المناهضة للحكومة تقدما كبيرا، على بعد 3 كيلومترات من المدينة وباتت تهدد مطار حماة العسكري. وبحلول الهجوم على خان شيخون، كانت المعركة لا تزال مستعرة.
قال سكان محليون لـ هيومن رايتس ووتش إنهم سمعوا ورأوا طائرة حربية تحلق فوق خان شيخون في وقت مبكر صباح يوم 4 أبريل/نيسان. قال عدد من الشهود إن الطائرة حلقت فوق المدينة مرتين، وألقت قنبلة كيميائية في المرة الأولى وقنابل متفجرة المرة الثانية.
قال أحمد الحلو، الذي كان يعمل في الحقل صباح ذلك اليوم، لـ هيومن رايتس ووتش، إنه نظر إلى الأعلى عندما رأى ظلا على الأرض ورأى طائرة تطير باتجاه خان شيخون من الشرق. قال الحلو إن ارتفاعه مكنه من رؤية الطائرة تسقط القنبلة حتى وصولها إلى الأرض. أضاف أن القنبلة انفجرت أمام المخبز، وقال الحلو إنه لم يسمع صوتا للانفجار ولكنه رأى القنبلة تطلق الدخان المصفر الذي انتشر في الريح.[29]
قدم شهود آخرون روايات مماثلة. قال إسماعيل رسلان لـ هيومن رايتس ووتش، وهو عضو في الدفاع المدني السوري يعيش على بعد 100 متر من المخبز، إنه سمع طائرة حربية تحلق لبعض من الوقت بعد الساعة 6:30 صباحا. قال لـ هيومن رايتس ووتش:"سمعت الرياح والهدير جراء القنبلة التي سقطت ولكن لم يكن هناك أي انفجار، مجرد صوت ارتطام. اعتقدت أنها إما سقطت بعيدا أو لم تنفجر. نظرت من الشرفة وفوجئت لرؤية الغبار الأبيض في الهواء".[30]
قال أدهم الحسين، وهو صحفي محلي، لـ هيومن رايتس ووتش إنه استيقظ عندما أبلغ الحراس والدفاع المدني السوري عبر شبكة اللاسلكي أن طائرة حربية اتجهت شمالا من قاعدة الشعيرات الجوية في حمص. في الساعة 6:37 صباحا، سمع الطائرة تحلق فوق خان شيخون. ذهب إلى سطح بنايته حيث رأى الطائرة تحلق بعيدا باتجاه الشمال. قال أحد الحراس، عبر اللاسلكي، إن الطائرة الحربية لم تهاجم لأنه لم يكن هناك أي انفجار، إلا أن الحسين استطاع رؤية دخان أبيض على الحي الشمالي. صوّر الحسين، من على سطحه، الدخان وعرض الفيديو على هيومن رايتس ووتش.[31]
قال رسلان، عضو الدفاع المدني السوري، إنه كان يبلغ مركز الدفاع المدني عن عدم وقوع انفجار عندما رأى طفلا في الشارع. أضاف: "ركض 10 أمتار، ثم انهار. وقف وثم حاول الركض ولكنه انهار مجددا". طلب حينها من مركز الدفاع المدني أن يرسل سيارة إسعاف.[32]
أكد عضو في الدفاع المدني السوري في المركز أنه لم يسمع أي انفجارات خلال الطلعة الجوية الأولى، إلا أن أحد زملائه طلب سيارة إسعاف: "تلقينا مكالمة من أحد زملائنا الذين يعيشون في الحي الشمالي، والذي طلب إرسال سيارات الإسعاف لأنه كان هناك أشخاص مغمى عليهم في الطرقات. لقد فوجئنا لأننا لم نسمع أي انفجارات". قال إنهم أرسلوا على الفور فريقا إلى المنطقة.[33] أكد محمد جنيد، عضو في الدفاع المدني السوري كان ضمن الفريق، أنه تم إرسالهم إلى الحي الشمالي فورا بعد أول طلعة جوية.[34] قال الحسين إنه تم الإعلان، عبر اللاسلكي، عن إصابات بعد أول طلعة جوية.[35]
قال أحد الشهود إن بعد بضع دقائق من الهجوم الأول، وبينما كان فريق الدفاع المدني السوري في طريقه إلى الحي الشمالي، حلقت طائرة فوق خان شيخون في نفس الاتجاه من الشرق إلى الغرب. ليس من الواضح إذا كانت الطائرة نفسها. إلا أن هذه المرة، أسقطت الطائرة 3 أو 4 قنابل شديدة الانفجار على البلدة.
قال الحسين إن الطائرة أسقطت قنبلتين في الحي الشمالي، كلاهما غرب المخبز. قال إن هاتين القنبلتين أحدثتا
انفجارات شديدة. ثم أسقطت الطائرة قنبلة أخرى على بعد كيلومتر واحد من القنبلتين الأُخريين، بالقرب من السوق. صوّر أعمدة الدخان من الضربات الثلاث خلال الطلعة الجوية الثانية وعرضها على هيومن رايتس ووتش.[36]
قال عضو الدفاع المدني السوري: "كان الهجوم الثاني بثلاث أو 4 قنابل فراغية؛ يمكننا أن نعرف ذلك لأن الانفجارات كانت قوية جدا. لسنا متأكدين [إن كانت 3 أو 4 قنابل] لأنها وقعت تقريبا في الوقت نفسه. كان يمكن سماع دويّها في كل الأرجاء وقد هزّت المدينة". صوّر محمد سلوم، وهو صحفي محلي، الآثار الفورية للغارة الثانية ونشر الفيديو على موقع يوتيوب، حيث ظهرت 4 أعمدة دخان في خان شيخون.[37]
حددت هيومن رايتس ووتش، من خلال مقابلات مع السكان المحليين وتحليل الصور ومقاطع الفيديو التي انتشرت على الإنترنت والتي قدّمها السكان المحليون وصور الأقمار الصناعية، 3 مواقع ارتطام في الحي الشمالي: في منتصف طريق معبدة بالقرب من المخبز المركزي ("موقع الارتطام 1")؛ بيت عائلة العمر ("موقع الارتطام 2") على بعد حوالي 240 مترا باتجاه الجنوب الغربي؛ بالقرب من منزل مصطفى اليوسف ("موقع الارتطام 3")، على بعد 100 متر باتجاه الجنوب الغربي. ظهرت المواقع الثلاثة جميعها على صور القمر الصناعي من 6 أبريل/نيسان.
تؤكد معلومات حول حركة الطائرات أنّ طائرة حربية حلّقت فوق خان شيخون مرتين. راجعت هيومن رايتس ووتش تسجيلا صوتيا من حارس، قال إنّ طائرة حربية أقلعت من قاعدة الشعيرات الجوية الساعة 6:26 صباحا.[38] إضافة إلى ذلك، أصدرت الحكومة الأمريكية خريطة قالت إنها تعرض مسار طلعة طائرة حربية سورية أقلعت من قاعدة الشعيرات الجوية وحلقت فوق خان شيخون في وقتين مختلفين عند 6:37 و6:46 صباحا.[39]
قال العديد من السكان المحليين إنهم استيقظوا أو أصبحوا على معرفة بالهجمات فقط عندما سمعوا الانفجارات بعد التحليق الجوي الثاني. قال كثيرون إنهم شعروا على الفور بالمرض. قالت معلمة شابة، تعيش على بعد حوالي 300 متر من المخبز، لـ هيومن رايتس ووتش إنها استيقظت بسبب صوت انفجار صاخب فتح نوافذ منزلها:
شعرت كأن الهواء له وزن. أصبح التنفس أصعب، وكانت عيوننا تحترق والدموع تسقط على وجوهنا. إبني، وعمره سنة و10 أشهر، كان يركض ولم أتمكن من رؤيته. كان يصرخ: "ماما، بابا!".[40]
قالت فاطمة عبد اللطيف اليوسف، التي تعيش على بعد 100 متر غرب المخبز:
ذهبت ابنة عمتي البالغة من العمر 16 عاما إلى الشرفة وكانت تختنق. حاولت مساعدتها، وسكبنا الماء عليها ولكن أغمي عليها. أغمي على عمتي، وفي ذلك الوقت، أغمي عليّ أيضا، وعدت إلى وعيي لاحقا. زوجة عمي، التي تعيش في نفس المبنى، طرقت باب الشقة وقالت: "دعوني أدخل، ساعدوني!". حاولت جرها إلى الداخل ولكنني لم أستطع حملها لأنها كانت ثقيلة. تركتها على الأرض إلى جانب الباب، وذهبت إلى الطابق الثاني لجلب عمي لمساعدتي... نزل [هو] لمساعدتها، ولم يعد.[41]
قالت فاطمة وابنة عمها، اللتان كانتا تعيشان في نفس المنزل، إن 7 أشخاص في المنزل ماتوا خلال الهجوم بسبب تعرضهم للمواد الكيميائية، منهم عم فاطمة، عبد الكريم اليوسف؛ زوجته؛ عم فاطمة، ياسر اليوسف؛ زوجته، سناء حاج علي؛ 2 من أبنائهم: محمد (10 أعوام) وعمار (7 أعوام) وابنة عمها شيماء إبراهيم الجوهر (16 عاما).[42]
قال طبيب في مستشفى تلقى العديد من الجرحى إن العوارض شملت تقلص حدقة العين، والرجف، والتعرق، وإفرازات شديدة من الجهاز التنفسي، ورغوة بالفم، ولون بشرة شاحب.[43]
قال عمال الإنقاذ والناس الذين حاولوا إخلاء الضحايا إن كثيرين عانوا من نفس العوارض. قال رسلان، عضو في الدفاع المدني السوري كان يعيش بالقرب من المخبز، إنه فقد الوعي في نهاية المطاف: "ضاق صدري وانقطع نفسي. أردت الوقوف ولم أستطع. بعدها فقدت الوعي. لم أستيقظ إلا بعد 11 ساعة في المستشفى".[44]
قال عبد العزيز اليوسف إنه وصل إلى قرب المخبز لمساعدة أقاربه بعد 5 دقائق من الهجوم:
كان الناس يحاولون الفرار والانتقال إلى الملاجئ. لكن عندما ساروا، انهاروا. وانهار أولئك الذين جاؤوا لمساعدتهم. انتشر الغاز حتى 500 أو 600 متر. لم تكن الإصابات في المكان الذي أصيب. كان هناك شهداء في الحي بأكمله. أولئك الذين بقوا نائمين لم يستيقظوا. الذين كانوا في الملاجئ اختنقوا وماتوا. الذين استيقظوا وخرجوا تأثروا. أقسم بالله، أولئك الذين نجوا لا يمكنهم وصف ما حدث. كان كيوم القيامة – الناس يسقطون في كل مكان.[45]
الحلو، الشاهد الذي رأي القنبلة تسقط أمام المخبز في موقع الارتطام 1، ذهب إلى حيه عندما رأى أن القنابل قد أصابته:
كانت الدماء والرغوة تخرج من أفواه الناس وكانت هناك رائحة قوية. كانت رائحة حقا مثيرة للاشمئزاز، ولكني لست قادرا على مقارنتها بأي شيء. ساعدنا فردا تلو الآخر، ولكننا فقدنا وعينا كلنا. لا أعرف ما حدث بعد ذلك. استيقظت في المستشفى.[46]
أصيب أيضا أعضاء من فريق الدفاع المدني السوري الذي استجاب لتقارير الإصابات بعد الهجوم الجوي الأول. قال جنيد، أحد أعضاء الفريق، إنهم بدأوا يشتبهون باستخدام المواد الكيميائية عندما وجدوا رجلا فاقدا وعيه في سيارته في طريقهم إلى المخبز، قرب موقع الارتطام 1. قرروا العودة إلى المركز للحصول على معدات الحماية. في طريقهم، رأوا امرأة في الشارع: "كان الدم يخرج من فمها. بدأت ترتجف عندما حاولت حملها. ولم أتمكن من الرؤية بعد ذلك. وبعدها فقدت الوعي. استيقظت في مركز الدفاع المدني".[47] أكد أحد أعضاء الدفاع المدني في المركز: "اتصل بي أحد المتطوعين قائلا ‘أنا نعسان. بدأت أفقد وعيي. لا أعرف ما الذي هاجمونا به’. وبعدها فقدنا الاتصال".[48]
تشير العوارض السريرية وتلك التي وصفها الشهود، خاصة تقلص حدقة العين، إلى التعرض لمادة تؤثر في الأعصاب. قال وزير الصحي التركي رجب أكداغ إن تحليل عينات الدم والبول من 4 ضحايا، تلقوا العلاج في تركيا، أظهر وجود حمض المثيل فوسفونيك إيزوبروبيل، الناتج عن تفكك السارين.[49] في إشارة إلى ضحايا هجوم خان شيخون، قالت منظمة حظر الاسلحة الكيميائية إن 4 مستشفيات مختلفة عينتها المنظمة حللت عينات طبية حيوية من 3 ضحايا خلال تشريح الجثث ومن 7 أشخاص يخضعون للعلاج، وإن النتائج أظهرت تعرضها لـ "سارين أو مادة شبيهة بالسارين".[50]
قال الشهود في روايات تتوافق مع بعضها البعض إن المتضررين من التعرض للمواد الكيميائية كانوا في الحي الشمالي وإن أولئك الذين أظهروا أشد العوارض كانوا بالقرب من المخبز، أو موقع الارتطام 1. هذا يتوافق مع ما قاله الحسين. قال إنه شاهد الدخان في الحي الشمالي بعد أول هجوم جوي، وعندما سمع أن الناس قد أصيبوا، ذهب على الفور لمساعدتهم. بينما كان يتحرك نحو المخبز، قرب موقع الارتطام 1، ساعد الكثير من الناس الذين كانوا يرتجفون، ويعانون من صعوبة في التنفس وتخرج الرغوة من أفواههم. قال إنه، بعد حوالي 20 دقيقة من الهجوم الأول، كان على بعد حوالي 200 متر من المخبز في موقع الارتطام 1: "كان هناك الكثير من الضباب، بدا الأمر وكأنه فصل الشتاء. كان ارتفاع الغاز متر أو مترين وفي كل مكان".[51]
راجعت هيومن رايتس ووتش عشرات الصور ومقاطع الفيديو من الحفرة في موقع الارتطام 1، منها متوفرة على الإنترنت وأخرى قدمت مباشرة إلى هيومن رايتس ووتش من قبل أشخاص التقطوها. نشر الدفاع المدني السوري في إدلب على الإنترنت بعض الصور الأولى للحفرة بعد وقت قصير من ظهر يوم 4 أبريل/نيسان.[52] راجعت هيومن رايتس ووتش الصور الأصلية وأجرت مقابلة مع المصور. بناء على معالم مرئية في الصور ومقاطع الفيديو، حددت
بيلنغكات الموقع الجغرافي للحفرة، التي تبين أنها كانت بالقرب من المخبز المركزي في شمال خان شيخون.[53] وتؤكد صور الأقمار الصناعية أن حفرة ظهرت في هذا الموقع بين 21 فبراير/شباط، تاريخ آخر صورة مرجعية متاحة، و6 أبريل/نيسان، تاريخ أول صورة من الأقمار الصناعية متاحة بعد الهجوم. يظهر البحث العكسي للصور أنه لم يتم نشر أي من الصور عبر الإنترنت قبل 4 أبريل/نيسان.
تظهر هذه الصور ومقاطع الفيديو للحفرة أنها تحتوي على جسمين من المرجح أن يكونا بقايا السلاح الذي تم استخدامه: شظية معدنية رقيقة وملتوية مطلية باللون الأخضر وقطعة معدنية دائرية صغيرة. تظهر الصور الأولى، بعد ساعات قليلة من الهجوم، البقايا المعدنية الملتوية التي تبرز من الحفرة، ولكن معظم الحفرة غير مرئية لأن الصورة مأخوذة من مسافة بعيدة. وهناك مجموعة ثانية من الصور، أخذت من مكان أقرب إلى الحفرة في وقت مبكر من بعد الظهر، تظهر جزءا إضافيا من الحفرة، بما في ذلك الجسم الدائري.
أنتج الاتحاد السوفييتي عدة أنواع من الأسلحة الكيميائية المخصصة للطائرات الحربية. المواد المفتوحة المصدر حول الترسانة السورية لا تذكر القنابل الكيميائية السوفييتية الصنع، ولكنها غالبا لا تكون مكتملة.
الصور المعروضة لقنبلة سارين سوفياتية الصنع وتُلقى جوا في "المتحف المركزي للقوات المسلحة لروسيا" تُظهر قنبلة تحمل خطّين أخضرين.[54] الذخائر السوفياتية تحمل هذين الخطين الأخضرين للدلالة على أنها كيميائية.
هذان الخطان الأخضران يظهران متسقين مع الطلاء الأخضر على بقية السلاح التي وُجدت في موقع الارتطام 1، كما تظهر في الصور التي قدمت إلى هيومن رايتس ووتش. يظهر الجسم الدائري في هذه الصور كغطاء لحفرة الحشو في الصورة المعروضة في المتحف.[55]
في القنابل الكيميائية، تفتح عبوة ناسفة صغيرة جسم القنبلة، وتشتت المادة الكيميائية كسحابة من الرذاذ الجوي (أو أيروسول) إما عند الارتطام أو في الجو. العبوة المتفجرة المثالية ستكون كبيرة بما فيه الكفاية لنشر معظم المواد الكيميائية، ولكن ليست كبيرة لدرجة أن تؤدي الحرارة الناتجة عن الانفجار إلى تلف المادة الكيميائية. يعني صغر حجم العبوة المتفجرة أنه من المفترض أن تكون أجزاء كبيرة من بقايا قنبلة كيميائية، بما فيها الذيل، قد نجت وكانت متواجدة قرب موقع الارتطام. بينما لم تشاهد هيومن رايتس ووتش صورا أو مقاطع فيديو عن قطع أكبر من المخلفات في هجوم خان شيخون، فإن صور البقايا في موقع الارتطام 1 تشير إلى أنها تتسق مع خصائص قنبلة السارين المعروضة في متحف موسكو.
يبدو أن الصور الأولى للحفرة في موقع الارتطام 1، التي أخذت بعد ساعات قليلة من الهجوم، تظهر سائلا على الأسفلت حول الحفرة. وصفه العديد من الشهود على أنه أسود ويشبه الزيت. يتسق مثل هذا السائل مع استخدام قنبلة سارين لأن بعض من السارين، وهو سائل، لن يتحول إلى رذاذ جوي أو يتبخر.[56]
استنادا إلى الصور ومقاطع الفيديو، أنشأت "فورينسك أركيتكتشر"، وهي منظمة متخصصة في التحليل المكاني، نموذجا ثلاثي الأبعاد للحفرة. استنادا إلى النموذج، حسبت المنظمة أن الحفرة كانت بعرض حوالي 1.60 متر وعمق 0.42 متر. وبما أنه لا توجد معلومات عامة عن حجم المتفجرات التي تحويها العبوة المتفجرة في قنابل السارين المعروفة، فإنه ليس من الممكن تقييم ما إذا كان حجم الحفرة متسقا مع استخدام هذه القنابل. غياب الأضرار الناتجة عن الانفجار والشظايا على الأجسام القريبة كما هو مبين في الصور ومقاطع الفيديو يتسق مع استخدام ذخائر ذات انفجار منخفض ولا تتشظى، مثل قنبلة كيميائية.
أدى التعرض لمواد كيميائية إلى مقتل 89 شخصا على الأقل، بينهم 33 طفلا و19 امرأة، وإصابة 541 آخرين، وفقا لما ذكرته مديرية صحة إدلب التابعة للمعارضة، التي نشرت قائمة بالأسماء.[57] أكدت هيومن رايتس ووتش 34 من هذه الأسماء من خلال مقابلات مع السكان المحليين وأفراد أسر القتلى. يبدو أن عددا قليلا من الناس قد ماتوا جراء الانفجار وإصابات بالشظايا جراء الهجمات خلال الطلعة الجوية الثانية. قال رسلان، العضو في الدفاع المدني السوري، إن الهجمات بأسلحة متفجرة قتلت جاره، ابن جاره، والصبي البالغ من العمر 15 عاما الذي حاول مساعدته.[58]
جمعت منظمتان سوريتان قائمة تضم 103 أشخاص لقوا حتفهم، ولكن لم يتضح من التقرير ما إذا كان جميعهم قد ماتوا بسبب التعرض للمواد الكيميائية.[59] السكان المحليون وعمال الإنقاذ والموظفون في المجال الطبي أكدوا أن الغالبية العظمى من الضحايا لقوا مصرعهم وأصيبوا في الهجمات الصباحية جراء تعرضهم للمواد الكيميائية.
العديد من القتلى ينتمون إلى نفس الأسر. قال أفراد عائلة اليوسف إن 25 من أفراد أسرتهم الذين كانوا يعيشون في منازل بالقرب من موقع الارتطام 1 ماتوا جراء التعرض لمواد كيميائية.[60] قال السكان المحليون إن الضحايا كانوا من المدنيين وإنه لا توجد أي قواعد للجماعات المسلحة في البلدة. لكن هيومن رايتس ووتش لا يمكنها استبعاد إمكانية أن يكون بعض الضحايا أعضاء في الجماعات المسلحة.
تم تقديم نظريتين لإعطاء تفسير بديل للادعاء بأن طائرة حربية تابعة للحكومة السورية أسقطت قنبلة كيميائية في خان شيخون: أن قنبلة ناسفة أصابت منشأة لإنتاج الأسلحة الكيميائية أو مخزنا لهذه الأسلحة؛ أو أن الجماعات المسلحة فجرت سلاحا كيميائيا على الأرض. لم تعثر هيومن رايتس ووتش على أي دليل يدعم أي من هاتين النظريتين.
ادعى مسؤولون روس وسوريون أن التعرض للمواد الكيميائية حدث بسبب استهداف غارة جوية سورية لمستودع كان يحتوي على قنابل كيميائية. في 7 أبريل/نيسان، قال وليد المعلم، وزير الخارجية السوري، إن القوات السورية لم تستخدم الأسلحة الكيميائية وإن غارة جوية سورية حوالي الساعة 11:30 صباح 4 أبريل/نيسان أصابت مستودعا للذخائر تابعا لمجموعة مسلحة، مما عرض السكان للمواد الكيميائية.[61] قدم مسؤول عسكري روسي بيانا مشابها، قائلا إن الغارة الجوية وقعت بين الساعتين 11:30 صباحا و12:30 ظهرا.[62] لكن هناك أدلة دامغة تبيّن أن السكان المحليين بدأوا يظهرون علامات وعوارض التعرض لمواد كيميائية قبل عدة ساعات، مما يعني أن هجمات الساعة 11:30 صباحا التي ذكرها المسؤولون السوريون والروس لا يمكن أن تفسر التعرض الكيميائي.
تحققت هيومن رايتس ووتش فيما بعد مما إذا كان من الممكن للغارات في موقعيّ الارتطام 1 و2 أن تطلق هذه المادة الكيميائية. قال السكان المحليون الذين زاروا مواقع الحادثة إنه لا توجد أي علامات على أنه تم تخزين أي مواد كيميائية بالقرب من الموقعين. قال محمد سلوم، وهو الصحفي المحلي الذي تفقد موقع الارتطام 2، البيت المقصوف الأقرب إلى موقع الارتطام 1: "كانت هناك 3 غرف تحتوي على وسائد وسجاد للنوم. لم يكن هناك شيء آخر في الداخل. كان يبدو وكأنه أي منزل آخر".[63]
تظهر صور الأقمار الصناعية الأضرار التي لحقت بمخزن وصومعة حبوب بالقرب من المخبز، ولكن السكان المحليين قالوا إنهما تعرضا للقصف قبل 4 أبريل/نيسان. تظهر صور المستودع التي أخذت بعد هجوم 4 أبريل/نيسان أن أجزاء كبيرة من الجدران مفتوحة، مما سمح للناس أن ترى ما في بالداخل. قال سكان محليون إن المستودع كان خاليا وغير مستخدم لعدة أشهر باستثناء استعماله كملعب للكرة الطائرة. قال صحفي في "ذا غارديان"، كان قد زار المستودع، إنه وجد شبكة كرة طائرة هناك فصورها.[64] قال السكان المحليون إنهم لا يعرفون أي مواد كيميائية يتم تخزينها في أي مكان في الحي.
اللطامنة، 30 مارس/آذار
في 30 مارس/آذار 2017، هاجمت طائرة حربية أطراف اللطامنة، وفقا لما ذكره 4 شهود. تشير المعلومات الواردة من الشهود الأربعة، بمن فيهم الموظفون الطبيون، والصور ومقاطع الفيديو الخاصة بالجرحى، إلى أن مادة كيميائية تؤثر في الأعصاب قد استخدمت في الهجوم. قالت "الجمعية الطبية السورية الأمريكية" إنّ المستشفيات التابعة لها في المنطقة عالجت 169 شخصا من إصابات بسبب التعرض للمواد الكيميائية، لكن لم تكن هناك أي وفيات.[65] قال أحد الشهود إن غالبية المصابين هم من أفراد الجماعات المسلحة، ولكن المدنيين في المنطقة أصيبوا أيضا.
قال السكان المحليون إنّ طائرات التحالف السوري-الروسي قامت بهجمات جوية متعددة في المنطقة، بما في ذلك المنطقة الواقعة بالقرب من اللطامنة.
أخبر أيمن رحمون، وهو مزارع يعيش في ضواحي اللطامنة، هيومن رايتس ووتش أنّ الناس كانوا في طريقهم إلى العمل في وقت ما بعد الساعة 6 صباحا عندما وقع الهجوم. أسقطت طائرة حربية قنبلتين على بعد 100 متر تقريبا. الأولى لم يكن دويها عاليا، ولكن الثانية هزت المنطقة بأكملها.
قال إنه رأى ابن جاره (15 عاما) ينهار عند خروجه. بينما كان رحمون يهرع إلى سيارته، رأى قريبه ينهار. وبعدها بدأ رحمون يشعر بالعوارض أيضا:
شعرت وكأنني كنت مخدرا. كنت أركض، وكانت ساقاي تلمسان الأرض، ولكن لم يعد بإمكاني الشعور بهما. في نهاية المطاف انهرت وفقدت الوعي. قال شقيق زوجتي إنه كان عليهم إزالة الكثير من الرغوة في جميع أنحاء وجهي عندما وجدوني. أخذوني إلى المستشفى، معتقدين أنني ميت، ولكن لحسن الحظ استعدت الوعي بعد 7 ساعات.[66]
قال عبد المناف فرج الصالح، وهو عامل إنقاذ يعمل في الدفاع المدني السوري، إنهم كانوا يشاهدون طائرات حربية تحلّق فوق اللطامنة عندما وقع الهجوم على بعد حوالي 700 متر في حوالي الساعة 6:30 من صباح 30 مارس/آذار. هرع إلى مكان الحادث:
عندما وصلنا إلى هناك، كان الناس في حالة اختناق، وبعضهم في وضع حرج. كانوا يرتجفون ويعانون من صعوبة في التنفس، واحمرار في عيونهم. كانت الرغوة تخرج من أفواه البعض. كان الناس يفقدون وعيهم. بدأ بعضهم بالهلوسة، وقول أشياء غريبة، عندما وصلوا إلى المستشفى. كان للمواد الكيميائية في الصواريخ رائحة خفيفة جدا ولكن تأثيرها قوي.[67]
قال إنه لم ير طائرات مروحية في الهواء وقت الهجوم. وقال أيضا إنهم لم يتمكنوا من العثور إلّا على قطع صغيرة جدا من الذخائر على الأرض. لم يأخذ صورا للبقايا.
قال الدكتور محمود المحمد، وهو طبيب في مستشفى اللطامنة، إنّ المستشفى بدأ يتلقى الجرحى في الهجوم صباح يوم
30 مارس/آذار. كانت العوارض مختلفة عن تلك التي لاحظوها من الهجمات السابقة مع الكلور:
في البداية، لم نكن نعرف ما هو. لم يكن هناك رائحة كلور. كان المصابون يعانون من تقلّص في حدقة العين، ورغوة شديدة من الفم، في حالة غير مستقرة، مع تقلصات في العضلات، وارتعاش واهتزاز. وكان معظمهم فاقد الوعي. انخفضت دقات قلب بعض الناس إلى حد أنّنا اعتقدنا أنّهم ماتوا.[68]
قدمت الجمعية الطبية السورية الأمريكية صورة قالت إنها لأحد المصابين في هجوم 30 مارس/آذار على اللطامنة. تظهر الصورة تقلّص في حدقة عين الرجل.
قالت الجمعية الطبية السورية الأمريكية، التي تدير مستشفيين في المنطقة وتدعم اثنتين أخريين، إن مستشفياتها عالجت 169 شخصا أصيبوا نتيجة تعرضهم للمواد الكيميائية في الهجوم، من بينهم 7 عاملين في الطاقم الطبي واثنين من عمال الإسعاف عانوا من تعرض درجة ثانية. قالت المجموعة إنه لم يتوف أحدا في مستشفياتها، بيد أنه تم وضع 4 أشخاص في العناية المركزة.[69] في 11 أبريل/نيسان، قال رحمون إن ابن جاره كان ما يزال فاقدا للوعي ومتصلا بآلة تنفس. قال الطبيب إن كلا من المدنيين والمقاتلين كانوا في عداد المصابين، بالإضافة إلى امرأة واحدة.
أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات عبر الهاتف مع السكان المحليين الأربعة من اللطامنة بين 8 و11 أبريل/نيسان، بعد هجوم خان شيخون. لكن وصف السكان المحليون والعاملون الطبيون، في المقابلات الإعلامية والبيانات قبل هجوم خان شيخون الواقع يوم 4 أبريل/نيسان، علامات وعوارض سريرية متوافقة مع التعرض لمادة تؤثر في الأعصاب. أصدرت مديرية صحة حماة التي تديرها المعارضة بيانا حول الهجوم الذي وقع في 31 مارس/آذار، مشيرة إلى أنّ لدى المصابين عوارض كتقلّص في حدقة العين، والاختناق والغثيان، وتشنجات في العضلات، وفقدان الوعي.[70] قدّم الموظفون الطبيون والضحايا ادعاءات مماثلة في مقابلات مصوّرة نشرت على يوتيوب. قال جريحان، في فيديو نشرته مديرية صحة إدلب التي تديرها المعارضة في 1 أبريل/نيسان، إنهما بدآ يعانيان من العوارض بعد أن هاجمت طائرة حربية منطقتهما.[71]
قرى في ناحية عقيربات، 11-12 ديسمبر/ كانون الأول 2016
ذكرت "تنسيقية الثورة السورية في ريف حماة الشرقي" (التنسيقية) في عدة مناشير على صفحتها على فيسبوك أن الطائرات الحربية شنت هجمات كيميائية بالسارين في 5 قرى على الأقل بالقرب من ناحية عقيربات في شرق محافظة حماة، على بعد 40 كيلومتر شرق السَّلَمِية.[72] قابلت هيومن رايتس ووتش 4 شهود عيان على هجمات على 2 من القرى، جروح والصلالية. قال الشهود إن الطائرات الحربية هاجمت القرى، ووصفوا علامات وعوارض سريرية تتفق مع التعرض للمواد الكيميائية السامة، وحددوا أسماء 67 شخصا من السكان المحليين توفوا بسبب التعرض للمواد الكيميائية بعد الهجمات. كما اتصلت هيومن رايتس ووتش بشكل غير مباشر بعاملَين طبيَّين عبر رسائل نقلها وسطاء، وناشط محلي وعامل طبي في منظمة خيرية، قدموا روايات مماثلة.
تقع ناحية عقيربات في شرق محافظة حماة ويبلغ عدد سكانها حوالي 21 ألف نسمة. يعيش نحو 2500 شخص في جروح، و250 في الصلالية، على بعد حوالي 5 كيلومترات من جروح. أعلن "لواء داوود"، الذي يسيطر على المنطقة، ولائه لـ داعش في ديسمبر/كانون الأول 2013.
وقعت الهجمات في عقيربات في سياق هجوم داعش العسكري في المنطقة. في 8 ديسمبر/كانون الأول، شن داعش هجوما على القوات الحكومية في قرية حويسيس، على بعد حوالي 30 كيلومترا جنوب شرق عقيربات، من اتجاه عقيربات.[73] بعد قتال عنيف، سيطر تنظيم داعش على مدينة تدمر على بعد حوالي 60 كيلومترا جنوبا في 11 ديسمبر/كانون الأول. ثم انتقلت المعركة إلى قاعدة طياس الجوية، على بعد حوالي 50 كيلومترا غرب تدمر. وكانت وسائل الإعلام السورية الموالية للحكومة قد ذكرت في وقت سابق أن الطائرات الحربية الروسية والسورية كانت تستهدف داعش على طول الطريق السريع من عقيربات إلى تدمر.[74]
نظرا لأن تنظيم داعش يسيطر على المنطقة ويرصد الاتصالات، فقد كان من الصعب الوصول إلى الشهود. قال الشهود الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش إنه لم يكن من الممكن التقاط الصور. قال أحد السكان المحليين: "لم نأخذ أي صور. إذا التقطت صورا، فإن داعش سوف يقتلك".[75] قابلت هيومن رايتس ووتش 3 من الشهود بعد أن غادروا الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم داعش، وتواصلت بشكل غير مباشر مع العاملَين الطبيَّين الاثنين في ديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني، قبل هجوم خان شيخون.
يعتقد الشهود أن الطائرات الحربية الروسية أو السورية هي التي نفذت هذه الهجمات بسبب وقوع هجمات جوية في المنطقة في الأيام التي سبقتها وتلتها، بما في ذلك الهجمات باستخدام الذخائر العنقودية والبراميل المتفجرة، وهي أسلحة استخدمها فقط التحالف السوري-الروسي في سوريا. كل الهجمات الواردة في تقارير يومية من 11 ديسمبر/كانون الأول إلى 12 ديسمبر/كانون الأول من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة التي تقاتل تنظيم داعش بعيدة عن عقيربات.
قال السكان الثلاثة والعاملان الطبيان من جروح إن وحدة ذخيرة أصابت الشارع بالقرب من الدوار في القرية حوالي الساعة 7 صباح يوم 12 ديسمبر/كانون الأول.
قال "سليم"، وهو من سكان جروح، إنّه ذهب إلى بساتين الزيتون القريبة صباح ذلك اليوم عندما سمع صوت طائرة حربية لأنه كان يخشى أن يختبئ في ملجأ منزله. من بساتين الزيتون، كما قال، رأى الطائرة تهاجم القرية، وعندما عاد إلى منزله بعد 30 دقيقة، وبعد رحيل الطائرة، وجد أن ذخيرة قد أصابت الدوار أمام منزله. قال إنه وجد زوجته وأطفاله الثلاثة وأخاه وزوجة شقيقه وأطفاله الثلاثة قد لقوا مصرعهم في قبو منزلهم، حيث كانوا يسعون للحصول على ملجأ.[76]
قال "سليم" إن الهجوم قتل أيضا جيرانه وعمه، وعائلات ابنيّ عمه الإثنين. أضاف أن "كلّ من كان ضمن دائرة 100 متر قتل. لم يتبق أي أحد على قيد الحياة". دفن "سالم" عائلته في القرية وغادر في نفس اليوم.
أدلى "خالد"، وهو أيضا من جروح، برواية مماثلة. قال إنه كان في منزله حوالي الساعة السابعة والنصف من صباح يوم 12 ديسمبر/كانون الأول عندما سمع شخصا يصيح أنّ أسرته قد لقيت حتفها. هرب وتبع الرجل إلى منزل على بعد حوالي 80 مترا شمال شرق الدوار. قال إنهم وجدوا عبد الرزاق الحسين البالغ من العمر 70 عاما، وزوجته، وابنيهما فاقدي الوعي في المنزل. أخذوا الأربعة إلى المستشفى. قال "خالد" إن الحسين وزوجته توفيا، بينما نجا ابناهما. ثم توجه إلى منزل على بعد حوالي 25 مترا إلى الجنوب من الدوار، حيث كانت أسرتا المهاوش والحسن قد لجأتا إلى القبو. ماتوا جميعا.[77]
زود عضو من التنسيقية هيومن رايتس ووتش بأسماء 25 شخصا، منهم 9 أطفال ماتوا في بلدة جروح بسبب التعرض لمواد كيميائية. أكد "سليم" و"خالد" العديد من الأسماء. قدم أحد الأقرباء الذي لم يكن في المنطقة وقت الهجوم صورا وأسماء لـ 15 شخصا كانوا قد قتلوا في الهجوم.[78] نشرت التنسيقية على الأقل صور 8 أطفال صغار، يبدو أنهم أموات، بعضهم توجد الرغوة حول أنوفهم، قائلة إنهم ماتوا في الهجوم.[79]
كما قابلت هيومن رايتس ووتش "أبو علي". قال إنه شهد هجوما مماثلا بوحدتيّ ذخيرة في الصلالية، على بعد كيلومتر واحد من الخضيرة، حيث يسكن، حوالي الساعة 7:30 صباحا في 12 ديسمبر/كانون الأول. كان انفجار الذخيرة الأولى مدويا وخلّف دخانا أسود، في حين أن الانفجار الثاني، بعد حوالي 10 دقائق، كان أكثر هدوءا. قال إنه انتقل إلى موقع الارتطام الثاني، الذي كان بالقرب من الكهوف حيث كان سكان القرية يلجؤون من الهجمات: "دخلت أحد الكهوف. كان هناك حوالي 20 شخصا فيه. كان كثيرون منهم فاقدي الوعي، بعضهم يتقيّأ، وكانوا ضعفاء. معظمهم من النساء والأطفال. كان قد فقد بعض المصابين البصر تماما بعد الهجوم".[80]
قال "أبو علي" إنّ الهجوم أسفر عن مقتل 42 شخصا في الصلالية بسبب التعرض للمواد الكيميائية. كان معظم الأشخاص الذين لقوا حتفهم يختبئون في كهفَين. قدّمت امرأة من القرية لـ هيومن رايتس ووتش قائمة تضم 41 شخصا لقوا مصرعهم في الهجوم.
نقل ناشط محليّ في ديسمبر/كانون الأول أسئلة من هيومن رايتس ووتش إلى أحد الأطباء في جروح، الذي أكد صحّة شهادة "أبو علي"، قائلا إنّ المستشفى في جروح تلقت في نهاية المطاف جريحا أيضا من الصلالية: "في البداية لم يكن أحد يعرف عن هذا الهجوم. كنا مشغولين جدا بمعالجة المصابين في جروح. كان قد تم تسميم جميع السكان الباقين تقريبا في القرية. بعد ساعات قليلة بدأنا استقبال الجرحى من هناك أيضا".
وصف الشهود الستة في كل من جروح والصلالية علامات وعوارض سريرية مشابهة لاحظوها في أشخاص بالقرب من مواقع الارتطام. قال الطبيب في جروح إنه وصل إلى موقع الحادثة بعد 5 دقائق من الهجوم. كان الكثير من الناس في الشارع، تظهر عليهم عوارض تشمل التشنجات، وضيق في التنفس، والهستيريا، واحمرار العيون، وتورم الوجوه، والرغوة والنزيف من الفم.
قال 4 من الشهود إنهم شعروا ببعض من العوارض أيضا. وصف "خالد" كيف شعر إلى حين وصوله إلى منزل آل الحسن في جروح:
عندما وصلت إلى الباب، لم أستطع الوقوف، لم أستطع التنفس، ولم أتمكن من رؤية أي شيء. ساعدني شخص ما على المشي بعيدا لأنني لم أستطع المشي بمفردي. بدأت أتقيّأ. كان جسدي حارّا وباردا في الوقت نفسه. أخذني شخص ما إلى المستشفى حيث مكثت 5 أيام وأتقيّأ طوال الوقت.[81]
كما وصف "سليم" عوارضه: "كانت عيناي منتفختين. كان صدري يؤلمني، وكنت أسعل. كان رأسي يؤلمني، وشعرت بالدوار. تقيّأت. توسّعت حدقة عيني – ملأت العين بأكملها.[82] قال أبو علي: "بعد ذلك، بدأت التقيّؤ ورأسي بدأ يؤلمني أيضا. كلّ شخص تقريبا ساعد في نقل المصابين أصيب بالمرض".[83]
قال 4 من الشهود إنهم أو الأشخاص الذين رأوهم قد اختبروا توسع حدقة العين. في حين أن توسّع حدقة العين ليس عارضا شائعا للتعرض لعامل أعصاب، فإنه يمكن رؤيته أحيانا، تبعا لدرجة وطريق التعرض. قال طبيب إن المصابين كانت حدقات عيونهم متقلصة، وهو عارض للتعرض لمادة تؤثر في الأعصاب.
اختلف الشهود في وصفهم للرائحة في المواقع وما إذا كان هناك أي دخان مرئي. قال البعض إنهم رأوا دخانا أصفر أو أبيض، ولكن البعض الآخر لم يفعل. قال البعض أيضا إنه كانت هناك رائحة قوية، على الرغم من أنهم لم يتمكنوا من وصفها، في حين قال آخرون إنهم لم يتعرفوا على أي رائحة. قال الجميع إنهم شاهدوا حيوانات ميتة كالماشية والقطط بعد الهجوم.
لم ترَ هيومن رايتس ووتش أي صور للبقايا المستخدمة في الهجمات.
هجمات بذخائر أرضية
منذ 30 يناير/كانون الثاني 2017 على الأقل، أظهرت صور ومقاطع فيديو لبقايا الأسلحة ومعلومات من شهود عيان أن القوات الحكومية أطلقت صواريخ أرضية بدائية الصنع مملوءة بالكلور على مناطق قريبة من دمشق، تسيطر عليها جماعات مسلحة تقاتل الحكومة في 6 مناسبات على الأقل في 4 مواقع مختلفة. بينما أصابت عديد من هذه الهجمات أعضاء الجماعات المسلحة بالقرب من الخطوط الأمامية، قال شهود إن جميع المصابين – 79 شخصا في الإجمال – في هجومين على الأقل كانوا مدنيين.
حصلت هذه الهجمات في سياق هجوم الحكومة المتجدد لانتزاع السيطرة من الجماعات المسلحة. وقع هجوم 8 يناير/كانون الثاني في وادي بردى، شمال غرب دمشق، بعد أن شنت القوات الحكومية هجوما عسكريا في 23 ديسمبر/كانون الأول. في الغوطة الشرقية والجزء الشرقي المجاور من دمشق، وقعت هجمات متعددة قبل وبعد شنّ القوات الحكومية هجوما عسكريا في 18 فبراير/شباط.[84] تعرضت الغوطة الشرقية والغوطة الغربية لهجوم كيميائي عام 2013، أدى إلى انضمام سوريا إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية وتدمير مخزوناتها وأسلحتها الكيميائية المعلنة.
في ما يتعلق بالهجمات الست المذكورة أدناه، قابلت هيومن رايتس ووتش شهودا وصفوا رائحة مميزة وعلامات وعوارض سريرية تتفق مع استخدام الكلور، وقالوا إن القوات البرية الحكومية أطلقت ذخائر الكلور. في اثنتين من هذه الهجمات، راجعت هيومن رايتس ووتش صورا ومقاطع فيديو منشورة على الإنترنت وقدمها سكان محليون تظهر بقايا الأسلحة المزعوم استخدامها في الهجمات. يظهر مقطع فيديو وبعض الصور هجوما سابعا بآثار مماثلة، لكن هيومن رايتس ووتش لم تتمكن من مقابلة شهود على هذا الهجوم.[85]
تظهر صور ومقاطع الفيديو بقايا أسطوانات غاز مشوهة ومخلفات صواريخ، بما يشير إلى نوع من الأسلحة يشار إليه أحيانا على أنه قنبلة مرتجلة مقوسة المسار أو صواريخ بذخائر بدائية. هذه الذخائر المرتجلة مصنوعة من حاوية معدنية كبيرة، غالبا ما تكون أسطوانة غاز بروبان، وتوضع على رأس صاروخ. استُخدم هذا السلاح منذ عام 2007 في العراق وكان المتمردون يملؤون الحاوية بالمتفجرات والخردة والكرات المعدنية.[86] يمكن أن تحتوي أيضا على مواد كيميائية، لأنها حاويات غاز مضغوطة.
بعد تحليل صور البقايا من هجوم 30 يوليو/تموز في مرج السلطان المنشورة على الإنترنت، حددت بيلنغكات أنها
صواريخ 107 مليمتر من صنع إيران وعادة ما تطلق من قاذفات صواريخ متعددة الفوهات من نوع 63، وهي قاذفات استخدمتها القوات الحكومية والجماعات المسلحة التي تقاتل الحكومة في سوريا.[87] يشير تصميم السلاح إلى
أن مداه قصير نسبيا وتنقصه الدقة بشكل كبير. يتسق المدى القصير نسبيا مع حقيقة أن معظم الهجمات بالقرب من دمشق وقعت بالقرب من الخطوط الأمامية.
الصواريخ المرتجلة التي استخدمت مؤخرا في الغوطة الشرقية حسب تقارير تتشابه مع الأسلحة المستخدمة في هجوم السارين على الغوطة عام 2013، لكنها أصغر.
القابون، 29 مارس/آذار و7 أبريل/نيسان
أصابت صواريخ بذخائر مرتجلة أطلقت من الأرض ومحملة بالكلور حي القابون شرق دمشق في 29 مارس/آذار و7 أبريل/نيسان 2017، ما أدى إلى إصابة عشرات، وفقا لطبيب ومسعف وصحفي محلي، وصور مخلفات الأسلحة التي قدموها لـ هيومن رايتس ووتش.
قال عبيدة أبو عمر، عضو في الدفاع المدني السوري، إنه كان في طريقه إلى مركز الدفاع المدني حوالي الساعة 5 مساء 29 مارس/آذار عندما سمع أن هناك هجوم كلور في القابون. وصل هناك بعد 5 دقائق. قال: "عندما وصلت، استطعت أن أشمّ رائحة الغاز. كانت رائحة الكلور واضحة، واضحة جدا. كان الأمر قد انتهى".
عثر أبو عمر وفريقه على عديد من المصابين في المنطقة، وساعد في نقلهم إلى المستشفى. وصف أبو عمر عوارضهم:
شملت العوارض الاختناق، وصعوبة في التنفس، والسعال الشديد، وتساقط سائل من الأنف. لا أحد كان فاقدا للوعي ولكن كانوا يشعرون بالدوار. آخر شخص وجدته بعد 15 دقيقة. عند تلك النقطة، بدأت بالشعور بالمرض: شعرت بالاختناق، وصعوبة في التنفس ودوار.[88]
قال الدكتور نزار المدني، الذي يعمل في مستشفى في القابون، إن المستشفى استقبل حوالي 35 جريحا حوالي الساعة 5 مساء 29 مارس/آذار، وكانوا يعانون من التعرض لمواد كيميائية. قال إن الهجوم وقع بعيدا عن المستشفى: "وصلت الرائحة حتى إلى المستشفى. كانت هناك رائحة واضحة في ملابس الجرحى. إنها رائحة مثل الكلور. نحن نعرفها جيدا. عندما تكون مركزة تسبب الاختناق. تُستخدم في منتجات التنظيف وفي حمامات السباحة".[89]
قال أبو عمر والمدني إن المنطقة التي تعرضت للهجوم في 29 مارس/آذار كانت سكنية وأصيب مدنيون بجروح. قال أبو عمر إنه لا توجد جماعات مسلحة في المنطقة.
قال أبو عمر والدكتور المدني إن هجوما آخر وقع في 7 أبريل/نيسان حوالي الساعة 2 بعد الظهر على الحدود بين حيّي القابون وتشرين. قال كلاهما إن المنطقة قصفت بشكل كبير في الهجمات السابقة وإن قلة من الناس ما زالوا يعيشون هناك. قال الدكتور المدني إن المستشفى استقبل شخصين أصيبا بجروح في الهجوم. قال الجريحان لـ الدكتور المدني إنهما كانا يبحثان عن ملجأ في القبو عندما بدأ الغاز بالتسرب وبدآ بالاختناق. مع وصولهما إلى المستشفى كانت هناك رائحة كلور واضحة تنبعث من ملابسهما.[90] قال الدكتور المدني وأبو عمر إنهما لا يعرفان ما إذا كان الجرحى من المدنيين أو المقاتلين. يُظهر مقطع فيديو منشور على يوتيوب رجلين يتلقيان العلاج.[91] قال أبو عمر إنه لا يوجد أي مؤشر على أن الجريحين اللذين أصيبا بجروح في 7 أبريل/نيسان كانا مقاتلين، لكنه غير متأكد أنهما مدنيّان.
قال صحفي محلي ذهب إلى موقع هجوم 7 أبريل/نيسان في اليوم التالي: "حتى بعد يوم من الهجوم، أصابتني الرائحة بالدوار".[92]
وصف الدكتور المدني العلامات والعوارض السريرية للمرضى: "في كلتا الحالتين، كانت هناك عوارض تنفسية واضحة: سعال شديد، صعوبة في التنفس، سيلان الأنف، دموع في العينين وصداع. في بعض الحالات كان نقص الأوكسجين يتسبب بالرعاش".[93]
قال أبو عمر إنه لم ير أو يسمع طائرة تحلق في الجو وقت هجوم 29 مارس/آذار.[94] قدم أبو عمر لـ هيومن رايتس ووتش صور لبقايا الذخيرة التي عثر عليها في موقع الارتطام.[95] تظهر الصور أسطوانة غاز مشوهة بعد الضربة، وهو ما يتسق مع بقايا القذائف البدائية الأخرى التي تحمل مواد كيميائية. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التحقق من الذخائر التي استخدمت في 7 أبريل/نيسان.
أسطوانة غاز مشوهة عثر عليها عضو في الدفاع المدني السوري في موقع هجوم 29 مارس/آذار في حي القابون شرق دمشق الذي تسيطر عليه جماعات مسلحة تقاتل الحكومة. ©2017 عبيدة أبو عمر
عربين 9 و10 فبراير/شباط
في 9 و10 فبراير/شباط 2017، أصيب 6 أعضاء على الأقل من مجموعة مسلحة بعد تعرضهم للكلور، وفقا لما ذكره موظف بالمستشفى. في مقابلة مصورة، قدم أحد أفراد الجماعة المسلحة شهادة مماثلة.
قال أحد العاملين في مستشفى عربين إن المستشفى استقبل 3 جرحى حوالي الساعة 7 صباحا في 9 فبراير/شباط: "لم يتمكنوا من التنفس وكانوا يختنقون ويرتعشون بشكل لا يمكن السيطرة عليه. كل ما أرادوه هو الحصول على الهواء. بدا أن عيونهم على وشك أن تخرج من محاجرها. كان أحدهم في حالة حرجة ولم يستعد وعيه حتى المساء".[96] قال موظف المستشفى إن رجلا آخر تعرض للحرق على ما يبدو عندما وقع الهجوم ووصل إلى المستشفى بحروق شديدة وتوفي لاحقا متأثرا بجراحه. قال موظف المستشفى إن المستشفى استقبل 3 أشخاص آخرين حوالي الساعة 4:30 بعد ظهر يوم 10 فبراير/شباط، لديهم إصابات مماثلة ولكن أقل شدة.
تزعم عديد من مقاطع الفيديو المنشورة على يوتيوب إظهار شخصين أو 3 يتلقون الأوكسجين في مستشفى عربين بعد الهجوم.[97] قال مقاتل من "فيلق الرحمن" في مقطع فيديو نشر على يوتيوب في 10 فبراير/شباط، إن هجوما بغاز سام أدى إلى إصابة 3 أشخاص وقتل أحدهم، ولكنه لم يحدد ما إذا كان قد تم إطلاقه من الأرض أو إسقاطه من الجو. يشير عنوان الفيديو إلى أن الجرحى والقتلى كانوا مقاتلين.[98]
قال موظف المستشفى إن الجرحى قالوا له إن الهجمات وقعت بالقرب من مسجد غُبير، بالقرب من الخطوط الأمامية، وإن الذخائر أطلقت من الأرض. قال إن المصابين في كلتا الحالتين كانوا أعضاء في جماعة مسلحة.[99]
لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من العثور على صور أو مقاطع فيديو لمخلفات هذه الهجمات.
مرج السلطان، 30 يناير/كانون الثاني
قال أحد أعضاء " المكتب الإعلامي منطقة المرج" لـ هيومن رايتس ووتش إن 12 صاروخا يحتوي على غاز الكلور ضرب قرية النشابية حوالي الساعة 2 بعد ظهر يوم 30 يناير/كانون الثاني، ما أدى إلى إصابة 11 شخصا، 2 منهم في حالة خطيرة. قال إن السكان المحليين قدموا له المعلومات عندما زار الموقع بعد الهجوم.[100]
قال إنه رأى صاروخين، أحدهما أخرِج من الأرض وآخر لا يزال مدفونا. أصابت الصواريخ أرضا زراعية داخل القرية. قال إن رائحة الكلور كانت موجودة عندما زار الموقع.[101]
نشر "المكتب الإعلامي منطقة المرج" فيديو على يوتيوب لرجل يُظهر مخلفات الأسلحة ويوضح أن 4 صواريخ أصابت منطقة فيها مدنيون وأصابت 10 أشخاص. قال إن 7 أو 8 صواريخ ضربت خط الجبهة.[102] كما نشر المكتب الإعلامي 3 صور لنفس مخلفات الأسلحة على صفحته في فيسبوك.
نشر "المكتب الطبي الموحد للغوطة الشرقية" بيانا في 31 يناير/كانون الثاني قال فيه إن مستشفى المرج يعالج 11 شخصا أصيبوا جراء التعرض للمواد الكيميائية، 3 منهم في حالة حرجة. قال إن العوارض تضمنت صعوبة بالغة في التنفس وخروج رغوة من الفم وانقباض حدقة العين.[103]
قرية بسّيمة، وادي بردى، 8 و9 يناير/كانون الثاني
قال 3 سكان محليين من بينهم ممرض إن عشرات المدنيين في قرية بسّيمة بوادي بردى أصيبوا بعد تعرضهم للكلور، إثر 3 هجمات في 8 و9 يناير/كانون الثاني 2017.
في 23 ديسمبر/كانون الأول، شنت القوات الموالية للحكومة هجوما عسكريا على مناطق تسيطر عليها جماعات مسلحة تقاتل الحكومة في وادي بردى.[104] في وقت الهجوم، كانت القوات الموالية للحكومة متمركزة على الجبال المحيطة بالقرية، وفقا لما ذكره الشهود الثلاثة. استولت القوات الموالية للحكومة على قرية بسّيمة في 13 يناير/كانون الثاني، وسيطرت على الوادي بأكمله في 30 يناير/كانون الثاني.[105]
قدم الشهود الثلاثة روايات مختلفة عن موعد وقوع الهجمات في 8 و9 يناير/كانون الثاني. قال أحدهم إن الهجوم الأول وقع صباح 8 يناير/كانون الثاني، وقال آخر إن الحادث وقع بعد الظهر. غير أن الشهود الثلاثة قالوا إنهم شمّوا رائحة كلور ووصفوا علامات وعوارض سريرية تتفق مع التعرض لغاز الكلور. قال علي نصر الله، رئيس "المكتب الإعلامي في وادي بردى"، إن الهجوم الأول الذي وقع في 8 يناير/كانون الثاني ضرب حي الحسرة، وهي منطقة سكنية ليس فيها مقاتلون:
خرجت حالما سمعت الانفجار. كان الناس يصرخون: احذروا إنه غاز الكلور! ركضت إلى الملجأ تحت الأرض. كان هناك ما بين 10 و15 مدنيا لديهم مشاكل في التنفس. أردنا أن نأخذ المصابين إلى مكان أكثر ارتفاعا، لكننا لم نستطع. كان الناس خائفين جدا جدا.[106]
قال نصر الله إنه كانت هناك رائحة كلور قوية في المنطقة وإنه رأى الدخان الأصفر في المنطقة.[107]
قال ممرض في النقطة الطبية في بسّيمة، يدعى أيضا علي نصر الله، لـ هيومن رايتس ووتش إنه استطاع أن يشمّ الكلور في ملابس المصابين. قال إن المصابين كانوا يعانون من اختناق وتهيج في العيون والغثيان والتقيؤ. قال نصر الله إن الطاقم الطبي عالج 46 شخصا أصيبوا في الهجمات بسبب التعرض للمواد الكيميائية.[108]
شكر وتقدير
كتب هذا التقرير أولي سولفانغ، نائب مدير قسم الطوارئ في هيومن رايتس ووتش. أجرى البحوث لهذا التقرير لما فقيه، نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، شربل سلوم، مساعد أبحاث في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، سولفانغ، وبريانكا موتابارثي، باحثة أولى في قسم الطوارئ. قدم متمرنون في قسميّ الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والطوارئ الدعم لهذه البحوث. حررت التقرير سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. قدم كلايف بالدوين وإيان ليفين مراجعات قانونية وبرامجية. قدم مارك هيزناي من قسم الأسلحة مراجعة متخصصة.
قدمت المنسقة في قسم الطوارئ ميشال لونكيست المساعدة في الإنتاج والتحرير. قدم مساعدة إنتاجية مل من أوليفيا هنتر، منسقة التصوير الفوتوغرافي والمنشورات، خوسيه مارتينيز، منسق أول، وفيتزروي هوبكنز، المدير الإداري. غريس تشوي، مديرة قسم المنشورات، صممت الصور الغرافيكية.
تعرب هيومن رايتس ووتش عن امتنانها لعديد من الشهود وأفراد العائلات والصحفيين والمسعفين وغيرهم ممن كانت مساعدتهم لا غنى عنها لكي يرى هذا التقرير النور.