ملخص
تعود أصول المملكة العربية السعودية إلى اتفاق 1744 بين الزعيم الديني محمد بن عبد الوهاب، وعائلة آل سعود، الذي تمكّنت بموجبه الحركة الوهابية من مساعدة الحكام السعوديين من توسيع حكمهم السياسي مقابل فرض تعاليمها الدينية. تغيرت موازين القوى بين الأسرة المالكة في السعودية ورجال الدين على مر الزمن، لكن علماء الدين استمروا في ممارسة نفوذ وتأثير مباشرين على سياسات الدولة السعودية، خاصة في قطاعات العدل والتعليم.
سمحت الدولة السعودية منذ إنشائها لرجال الدين والعلماء الذين تُعيّنهم الحكومة بنعت المواطنين الشيعة بنعوت مهينة أو بشيطنتهم في الوثائق الرسمية والأحكام الدينية، مما يؤثر على صنع القرار في الحكومة. في السنوات الأخيرة، استخدم رجال الدين التابعين للحكومة وغيرهم الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي لشيطنة المسلمين الشيعة وغيرهم ممن لا يتفق مع وجهات نظرهم، وللتحريض على الكراهية ضدهم.
يوصف رجال الدين الممولين من قبل الدولة، والذين يتبعون بصفة عامة المذهب الحنبلي، بـ "الوهابيين"، نسبة إلى محمد بن عبد الوهاب، أو "السلفيين". السلفية حركة داخل الإسلام السني انتشرت في شبه الجزيرة العربية في النصف الأول من القرن 18، وهي تدعو إلى العودة إلى تقاليد "السلف الصالح". هناك نقاش أكاديمي وسياسي كبير بشأن هذه المصطلحات واستخدامها، وكذلك العلاقة بينها وبين مجموعة من الحركات الدينية السياسية السنية، بما في ذلك الأيديولوجيات السلفية الجهادية التي غذت الجماعات المسلحة مثل تنظيم "القاعدة" وتنظيم "الدولة الإسلامية" ("داعش"). هذا النقاش هو خارج نطاق هذا التقرير، لكن هناك المزيد حول هذا الموضوع في المواد المذكورة في الحواشي.
أثّرت هذه العقيدة والممارسة الإسلامية "الصفائية" برعاية سعودية في المسلمين في أنحاء العالم، لكن من الخطأ الاعتقاد أنها لا تواجه الرفض مُطلقا. كثير من السنة يعتبرون هذا النوع من الإسلام متعصبا ومتطرفا. تمثل الصوفية على وجه الخصوص مذهبا يحظى منذ زمن طويل بشعبية كبيرة بين السنة والشيعة على حد سواء، وتتشارك مع الإسلام الشيعي في ممارسات عديدة، مثل تبجيل عائلة الرسول والأولياء الصالحين. لذلك، فإن الصوفية كانت هدفا رئيسيا لخطاب الكراهية والتعصب السعودي، شأنها في ذلك شأن المذهب الشيعي.
يمنع القانون الدولي لحقوق الإنسان "[أية] دعوة للكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف". كان الالتزام بهذا الحظر من قبل الدول متفاوتا على مر السنين، وأحيانا يُستخدم كذريعة لتقييد التعبير القانوني أو لاستهداف أقلية ما. لمعالجة هذه المشكلة، اقترح الخبراء في السنوات الأخيرة اختبارا من 6 أجزاء لتحديد ما إذا كان ممكنا تقييد خطاب معين قانونيا، بما في ذلك سياق الخطاب، منصب ووضع المتكلم، نية الخطاب، محتواه، شكله، وتقييم الضرر الذي قد يتسبب فيه.
بهذه الصيغة، يبلغ خطاب علماء الدين السعوديين ضد الشيعة الموثق في هذا التقرير أحيانا مستوى خطاب الكراهية أو التحريض على الكراهية أو التمييز. هناك تصريحات أخرى لعلماء دين سعوديين موثقة في هذا التقرير لا ترقى إلى مستوى خطاب الكراهية أو التحريض على الكراهية أو التمييز، ولكن مع ذلك ينبغي نبذها والتصدي لها من قبل السلطات السعودية. نظرا لتأثير هؤلاء العلماء، فإن هذه التصريحات المعادية للشيعة هي أساسية في تطبيق السعودية لنظام يميز ضد المواطنين الشيعة. يحدث هذا التمييز في مختلف المجالات، بما في ذلك عدم السماح للشيعة السعوديين ببناء دور العبادة خارج المناطق ذات الأغلبية الشيعية وهي محدودة، فرض نظام قضائي متحيز ضد الشيعة في كثير من الأحيان، ومناهج تعليم تشوه صورة المعتقدات والممارسات الدينية الشيعية.
يشير رجال الدين في كثير من الأحيان إلى الشيعة بمصطلحات مهينة مثل "الرافضة" و"الروافض"، ويُحقّرون معتقداتهم وممارساتهم. أدانوا أيضا الاختلاط والزواج بين السنة والشيعة. رد عضو حالي بـ "هيئة كبار العلماء" السعودية، وهي أعلى هيئة دينية في البلاد، خلال جلسة علنية على سؤال حول المسلمين الشيعة بالقول: "هم ليسوا إخواننا... هم إخوان الشيطان...".
أدان مفتي السعودية السابق عبد العزيز بن باز، الذي توفي عام 1999، الشيعة في فتاوى عديدة. بقيت فتاوى بن باز وكتاباته متاحة للعموم على الموقع الإلكتروني لـ "اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء". تبقى تلك المواد مؤثرة، وفي كثير من الأحيان تستشهد بها قرارات المحاكم السعودية التي تتبع الشريعة الإسلامية.
يستخدم بعض العلماء لغة تآمرية عند مناقشة موضوع شيعة السعودية، فينعتونهم بالطابور الخامس الداخلي التابع لإيران، وبأنهم خونة بطبيعتهم.
بالإضافة إلى العلماء التابعين لها، فإن الدولة تسمح لرجال الدين الآخرين بتوظيف أتباعهم ذوي الأعداد الهائلة على وسائل التواصل الاجتماعي – يُعد بعضهم بالملايين – ووسائل الإعلام لوصم الشيعة دون عقاب.
بالإضافة إلى تصريحات علماء الدين، فإن التحيز ضد شيعة السعودية يمتد إلى النظام القضائي الذي تتحكم فيه المؤسسة الدينية، ويُخضع الشيعة في كثير من الأحيان لمعاملة تمييزية أو تجريم تعسفي لممارساتهم الدينية. في عام 2015 مثلا، حكمت محكمة سعودية على مواطن شيعي بالسجن لمدة شهرين و60 جلدة لاستضافة صلاة جماعة خاصة في منزل والده في مدينة الخبر بالمنطقة الشرقية، وهي مدينة لا تسمح السلطات السعودية ببناء مساجد شيعية فيها. في عام 2014، أدانت محكمة سعودية رجلا سنيا بتهمة "مجالسة الشيعة".
تستخدم مناهج وزارة التعليم السعودية أيضا خطابا معاديا للشيعة. فمنهج الدين للعام الدراسي 2016-17 لا يذكر الشيعة بالاسم، بل يستخدم لغة ضمنية لوصم الممارسات الدينية الشيعية بأنها شرك أو غلوّ في الدين (أي مبالغة فيه). توجّه كتب التربية الدينية السعودية هذه الانتقادات على وجه الخصوص لممارسة الشيعة لزيارة القبور والأضرحة وتبجيل الشخصيات الدينية المهمة أو عائلة الرسول، وكذلك التوسل أو طلب الشفاعة، حيث يدعو الشيعة الرسول أو أحد أفراد عائلته كوسطاء بينهم وبين الله. تقول الكتب الدراسية إن هذه الممارسات، والتي يراها كل من سنة السعودية وشيعتها على أنها شيعية، تجعل صاحبها خارجا عن الإسلام وعقابها الخلود في النار. يشترك الكثير من السنة خارج السعودية في هذه المعتقدات، ولكن في السياق السعودي، تستمر الكتب المدرسية الحكومية في الخطاب المعادي للشيعة، مما يؤدي إلى التحريض على الكراهية ضد المواطنين الشيعة وإبقاء نظام التمييز ضدهم.
لا تتسامح الحكومة السعودية مع خطاب الكراهية فحسب، بل تسجن أحيانا أولئك الذين ينتقدونه. على سبيل المثال، في عام 2008، اعتقلت الحكومة رجل الدين الشيعي البارز الشيخ توفيق العامر بعد أن احتج في خطبة على بيان وقعه 22 من رجال الدين السعوديين البارزين نعتوا فيه الشيعة بأنهم "شر طوائف الأمة وأشدهم عداوة وكيداً لأهل السنة والجماعة ". عند صدور هذا البيان، كان 11 من الـ 22 الموقعين عليه مسؤولين في الحكومة، وكان 6 منهم مسؤولين سابقين في الحكومة. يقضي العامر حاليا عقوبة سجن مدتها 8 سنوات لمطالبته علنا بإصلاحات دستورية.
خطاب الكراهية ضد الشيعة له عواقب وخيمة عندما تستخدمه جماعات مسلحة مثل ما يُسمى بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أو تنظيم القاعدة كمبرر لاستهداف المدنيين الشيعة بالعنف. منذ منتصف عام 2015، شنّ داعش هجمات على 6 مساجد ومبان دينية شيعية في المنطقة الشرقية ونجران، مما أسفر عن مقتل أكثر من 40 شخصا. أوردت البيانات الصادرة عن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام التي تتبنى هذه الهجمات أن المهاجمين كانوا يستهدفون "معاقل الشرك" و"الرافضة"، وهي نفس اللغة التي يستخدمها علماء الدين السعوديون والكتب المدرسية لوزارة التعليم في وصف المواطنين الشيعة. ندد المسؤولون السعوديون على الفور بتلك الهجمات، لكنهم لم يتحركوا للقضاء على خطاب الكراهية الذي يتسبب فيها. استخدم داعش مبررات مماثلة لمهاجمة المدنيين الشيعة والمواقع الدينية في الكويت ولبنان وسوريا والعراق.
بعد هجومين لداعش على مساجد شيعية في مايو/أيار 2015، ناقش "مجلس الشورى" السعودي، أعلى هيئة استشارية في البلاد، "نظام حماية الوحدة الوطنية" الذي كان سيجرّم خطاب الكراهية، ولكن أعضاء مجلس الشورى في نهاية المطاف صوتوا ضده بـ 74 صوتا مقابل 47.
تدعم "هيومن رايتس ووتش" الحق في حرية التعبير، وهو أمر منصوص عليه بوضوح في القانون الدولي، ووثّقت مرارا وتكرارا الجهود غير المشروعة التي تبذلها السعودية للحد من حرية التعبير وتقييد النقاش النقدي حول المواضيع السياسية والاجتماعية والدينية الهامة. أي تقييد قانوني لمضمون التعبير فيما يتعلق بخطاب الكراهية ينبغي أن يتناول الكلام الذي يحتمل أن يحرض على العنف أو التمييز أو العداء ضد فرد أو مجموعة من الأشخاص محددة بوضوح، في ظروف يكون فيها هذا العنف أو التمييز أو العداء وشيكا، والتدابير البديلة لمنع حدوثه غير متاحة. على أجهزة الحكومة والمسؤولين، فضلا عن غيرهم ممن يمارسون سلطة فعلية على منطقة ما أو مجموعة من السكان، أن يمتنعوا عن التعبير الذي يدعو إلى العنف أو التمييز أو العداء تجاه أي فرد أو فئة اجتماعية.
تبين دراسة هيومن رايتس ووتش لبيانات وكتابات رجال الدين والمحاكم والكتب المدرسية السعودية في هذا التقرير أن مسؤولي ومؤسسات الحكومة السعودية يحرضون على الكراهية أو التمييز ضد مواطنيها الشيعة، وأن العداء والتمييز ضد الشيعة في السعودية وخارجها ناتج مباشرة عن هذه البيانات والكتابات. بالإضافة إلى الشيعة، استهدفت هذه التصريحات العدائية أيضا اليهود والمسيحيين والصوفيين والزرادشتانيين وغيرهم. بدلا من غض الطرف عن هذا الخطاب، فإن السعودية ملزمة بوقفه أو اتخاذ تدابير لمواجهته.
صنّفت "اللجنة الأمريكية للحريات الدينية" السعودية مرارا منذ 2004 على أنها "بلد يثير قلقا خاصا"، وهي أقسى تسمية للدول التي تنتهك الحرية الدينية. على الرغم من هذا، لم تواجه السعودية العقوبات التي تُفرض على مثل هذه الدول بموجب "قانون الحرية الدينية الدولية" لعام 1998 لأن القانون يسمح للرئيس الأمريكي بإصدار اعفاء إذا كان من شأنه أن "يخدم مقاصد قانون الحرية الدينية الدولية" أو إذا "تطلبت المصلحة العليا للبلاد ممارسة مثل هذا الاعفاء". أصدر الرئيس الأمريكي اعفاءً للسعودية منذ عام 2006. من بين العقوبات المفروضة على البلدان "التي تثير قلقا خاصا" الإدانة الخاصة أو العلنية، تأخير أو إلغاء التبادلات العلمية والثقافية، حرمان مسؤوليها من تأشيرات للولايات المتحدة أو إلغائها، وتعليق المساعدات أو حتى حظر اتفاقات التصدير والاستيراد. على الرئيس الأمريكي أن يلغي فورا الاعفاء الممنوح للسعودية، وأن يستخدم أدوات قانون الحرية الدينية الدولية لدفعها إلى وقف التحريض على الكراهية والتمييز ضد الإسلام الشيعي والأديان الأخرى.
على السلطات السعودية اتخاذ إجراءات فورية لإنهاء خطاب الكراهية من قبل رجال الدين والهيئات التابعة للدولة بسبب دورها في التمييز ضد الشيعة واستمراره في المجتمع السعودي. عليها أيضا أن تتبرأ فورا من أي رجل دين أو واعظ يستخدم الخطاب الذي يحرض على الكراهية ضد الشيعة، بما في ذلك عزل أعضاء هيئة كبار العلماء الذين استهدفوا الشيعة بكلام يحرض على الكراهية. كما يجب على السلطات السعودية اتخاذ تدابير لمواجهة خطاب الكراهية من قبل رجال الدين الحكوميين وغير الحكوميين في وسائل الإعلام وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.
علاوة على ذلك، على السعودية سن تشريع لمكافحة التمييز يحول دون التحيز ضد الشيعة في الجهازين القضائي والتعليمي، ويسمح للشيعة ببناء دور العبادة وممارسة معتقداتهم الدينية بحرية على قدم المساواة مع المواطنين السنة، وإصلاح المناهج التعليمية لإزالة المواد المعادية للشيعة.
توصيات
إلى الحكومة السعودية
- يجب إشراك المسؤولين الدينيين رفيعي المستوى، مثل المفتي العام للمملكة، هيئة كبار العلماء، ووزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد لنبذ الخطاب غير المتسامح دينيا للمسؤولين والأصوات المؤثرة الأخرى.
- إنشاء لجنة لرصد خطاب الكراهية ضد الشيعة على وسائل التواصل الاجتماعي وإدانته علنا، إذا بلغ مستوى الدعوة إلى الكراهية الدينية التي تشكل تحريضا على التمييز، العداء، أو العنف
- بذل جهود واسعة لمكافحة الأنماط السلبية السائدة ضدّ الشيعة السعوديين والتمييز ضدهم وتعزيز التفاهم بين الثقافات.
- إزالة جميع الفتاوى المعادية للشيعة من موقع اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
- إزالة كل ما يستهدف الممارسات الدينية الشيعية والصوفية، وكذلك الديانات الأخرى، من لغة تمييزية وانتقاد وتشهير، من المناهج الدراسية السعودية، بما في ذلك سلسلة "التوحيد".
- توفير تدريب في مجال مكافحة التمييز للقضاة السعوديين وموظفي العدالة وحظر تجريم الممارسات الدينية الشيعية العادية.
- الموافقة على طلب تقدّم به منذ مدة المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير لزيارة السعودية.
- إنشاء لجنة للمواطنة المتساوية، تحت رعاية "مركز الحوار الوطني"، وبمشاركة واسعة، بما في ذلك من أعضاء مجلس الشورى، "هيئة حقوق الإنسان"، "الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان"، وأعضاء المجالس المحلية المنتخبة، والزعماء القبليين والدينيين والقادة المحليين في المنطقة الشرقية. ينبغي للجنة أن تنظر في التوصية بإنشاء مؤسسة وطنية معنية بالتمييز، كما جاء في مقترح "لجنة الأمم المتحدة المعنية بالقضاء على التمييز العنصري". على اللجنة أن تستكشف السبل لتحقيق ما يلي:
- حماية حرية العبادة للشيعة، خاصة في المناطق ذات الكثافة الشيعية المرتفعة، بما في ذلك الحرية في بناء المساجد والحسينيات والحفاظ عليها، وطباعة المواد الدينية واستيرادها وتوزيعها، وإقامة احتفالات دينية عامة.
- حماية حرية الآباء والأمهات في ضمان حصول أطفالهم على تعليم ديني وفقا لمعتقداتهم، وليتمكن الأطفال من اختيار دينهم الخاص وممارسته. ينبغي أن يشمل ذلك الحق في الامتناع عن الدروس الدينية السُّنية التي تتعارض مع المعتقدات الشيعية في المدرسة، والحق، حيثما أمكن ذلك (وكحد أدنى في جميع المناطق التي يشكل فيها الشيعة نسبة كبيرة من السكان) في الحصول على تعليم ديني وفقا للمعتقدات الشيعية على قدم المساواة مع ما يحصل عليه الطُلاب السنة. ينبغي أن يتبع ممارسة هذا الحق السماح للشيعة بتعليم الدين في المدارس.
- ضمان المساواة في العمل والوصول إلى مؤسسات التعليم العالي، بما في ذلك في الدوائر الأمنية والمواقع الوزارية العليا والمجالس المحلية والإقليمية ومجلس الشورى والأكاديميات العسكرية.
- ضمان المساواة في الوصول إلى العدالة، بما في ذلك الاعتراف بتساوي جميع الأشخاص أمام القانون بغض النظر عن هويتهم الطائفية، وبأن بإمكان الفقهاء الشيعة المؤهلين العمل كقضاة في المحاكم العادية، لا سيما في المناطق ذات الكثافة الشيعية العالية.
- إنشاء لجنة للأماكن المقدسة لمواصلة مبادرة مكة المشتركة بين الأديان ليونيو/حزيران 2008 التي نظمتها "رابطة العالم الإسلامي" لاستكشاف سبل تقاسم مساحة العبادة في مكة والمدينة بين أتباع المذاهب الإسلامية المختلفة مع احترام الممارسات الدينية السائدة في السعودية. ينبغي للجنة أن تولي اهتماما خاصا لتنوع الموظفين والتدريب المناسب لحراس الأمن ومسؤولي "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" في هذه المساحة المشتركة للعبادة.
إلى حكومة الولايات المتحدة
- إلغاء إعفاء السعودية من تطبيق آليات محددة ينص عليها قانون الحرية الدينية الدولية لعام 1998، بما في ذلك العقوبات المناسبة التي تهدف إلى وضع حد للاضطهاد الديني "للبلدان التي تثير قلقا خاصا".
- الدخول في اتفاق ملزم مع السلطات السعودية ، تبعا لـ "قانون الحرية الدينية الدولية" لإنهاء التحريض على الكراهية أو التمييز ضد الممارسات الدينية الشيعية والصوفية، فضلا عن الأديان الأخرى.
- العمل مع السلطات السعودية لضمان إزالة جميع الانتقادات والوصم عن الممارسات الدينية الشيعية والصوفية وكذلك الديانات الأخرى من المناهج الدراسية السعودية، بما في ذلك سلسلة "التوحيد".
المنهجية
لم تسمح السلطات السعودية لهيومن رايتس ووتش بإجراء أبحاثها بحُرّية داخل البلاد منذ نوفمبر/تشرين الثاني – ديسمبر/كانون الأول 2006، لما أرسلت هيومن رايتس ووتش بعثة بحثية إلى هناك. زار موظفو هيومن رايتس ووتش السعودية 6 مرات منذ عام 2006، لكن معظم هذه الزيارات بقيت محصورة بشكل صارم. ومع ذلك، شملت زيارات هيومن رايتس ووتش إلى السعودية رحلات إلى المنطقة الشرقية لعقد اجتماعات مع مثقفين وناشطين شيعة وضحايا انتهاكات حقوق الإنسان.
بالإضافة إلى الزيارات، يعتمد هذا التقرير على مقابلات هاتفية واتصالات عبر وسائل التواصل الاجتماعي مع نشطاء حقوقيين سعوديين وخبراء في الدين وشيعة سعوديين يعيشون داخل السعودية وخارجها. لحماية الأشخاص الذين قابلناهم من الانتقام، حجبنا الأسماء أو استخدمنا أسماء مستعارة لمصادرنا، إلا إذا أبدوا استعدادا لإدراج أسمائهم.
جمع ناشطون سعوديون الكثير من المواد المستخدمة في إعداد هذا التقرير، بما في ذلك قرارات المحاكم، ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي، ومقاطع الفيديو، وأطلعوا هيومن رايتس ووتش عليها. هناك مواد أخرى متوفرة على الانترنت مثل الفتاوى التي تصدرها اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، أو الكتب المدرسية لمناهج "التوحيد" السعودية.
في 10 يوليو/تموز، بعثت هيومن رايتس ووتش برسالة إلى الحكومة السعودية تستفسر فيها عن التحريض على الكراهية أو التمييز ضد الشيعة في السعودية. حتى مطلع سبتمبر/أيلول، لم ترد السلطات السعودية على هيومن رايتس ووتش.
المصطلحات
الإثنا عشرية: أكبر طائفة شيعية، تؤمن بـ 12 إماما يعتبرونهم الخلف الديني والسياسي للنبي محمد.
الإسماعيلية: طائفة من المسلمين الشيعة، يؤمنون بسبعة أئمة يعتبرونهم الخلف الديني والسياسي للنبي محمد.
الإخوان: أول جيش سعودي مُكون من رجال من قبائل رحل شكلوا قوة عسكرية مهمة تحت قيادة الحاكم السعودي عبد العزيز آل سعود.
الإمامية: اسم آخر للشيعة الإثنا عشرية.
التوحيد: الإيمان بوحدانية الله.
الجعفرية: اسم آخر للإثنا عشرية.
الحوثيون: رسميا "أنصار الله"، هي حركة دينية سياسية بقيادة شيعية زيدية في شمال اليمن.
الخوارج: مصطلح يُطلق على طائفة تمرّدت في بداية الإسلام على الخليفة الرابع عليّ بعد أن وافق على وقف القتال ضدّ منافسه معاوية.
الرافضة أو الروافض: لقب أطلق على جماعات مختلفة منذ القرن الثامن، لكنه غالبا ما يستعمل بشكل قدحي ضد الشيعة.
الردّة: الخروج عن الإسلام.
الزيدية: طائفة مسلمة خرجت في القرن الثامن من الشيعة، ويتواجد معظم الزيديين في شمال اليمن.
سلفي: أتباع الجيل الأول من المسلمين (السلف).
السلفية: حركة في الإسلام السني تدافع عن العودة إلى تقاليد الجيل الأول من المسلمين (السلف).
الشرك: إشراك إله آخر مع الله، الإيمان بآلهة متعددة.
الصوفية: ظاهرة روحانية وسط الإسلام لديها قيم وطقوس ومذاهب ومؤسسات خاصة.
عاشوراء: اليوم العاشر من الشهر الأول في التقويم الهجري، ويصادف اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي حفيد النبي محمد، وهو يوم عزاء وحزن عند الشيعة الإثنا عشرية.
الغلاة: مطلح للإشارة إلى طائفة شيعية تُضفي القداسة على شخص علي بن أبي طالب، يُستخدم قدحيا ضد الشيعة الذين "يبالغون" في مرتبة أسرة الرسول.
فتوى (جمعها فتاوى): مرسوم ديني يصدره علماء في الشريعة الإسلامية.
المانويون: أتباع الديانة المانوية.
المجوس: اسم قدحي يُطلق على الزرادشتيين.
محرم: أول شهر في التقويم الإسلامي، يخلد خلاله الشيعة ذكرى استشهاد الإمام الحسين.
الموحدون: المدافعون عن وحدانية الله، وهو اللقب المفضل لدى أتباع محمد بن عبد الوهاب.
I.الخلفية
يشكّل الشيعة ما بين 10 و15% من سكان السعودية ويعيشون في مناطق بشبه الجزيرة العربية منذ القرون الأولى من الإسلام. هم في الغالب أتباع العقيدة "الإثنا عشرية" ويعيشون خاصة في المنطقة الشرقية حول واحة الأحساء ومدينة القطيف الساحلية، إضافة إلى مجموعة صغيرة في المدينة تدعى النخاولة. هناك أيضا عدد مهم من الإسماعيلية حول نجران في جنوب السعودية على طول الحدود اليمنية.[1]
عاش الشيعة تحت الحكم السعودي منذ عام 1913، عندما ضم عبد العزيز بن سعود، مؤسس المملكة العربية السعودية الحديثة، مناطق الأحساء والقطيف إلى أرضه بعد أن تنازل الحكام العثمانيون عن المنطقة لقواته التي كانت تتقدم نحوهم. [2]
هناك تداخل عميق بين الدولة السعودية الحديثة وتفسير المؤسسة الدينية السعودية للإسلام الذي يعود إلى أصول حكم عائلة آل سعود على الإقليم منذ أكثر من قرنين ونصف. في عام 1744، وجد عالم الدين محمد بن عبد الوهاب ملجأ بالقرب من الرياض حاليا لدى الشيخ المحلي محمد بن سعود. اتفقا على التعاون حيث يعطي عبد الوهاب الحاكم الشرعية الدينية الضرورية لتوسيع مملكته، وتمنح أسرة آل سعود في المقابل عبد الوهاب حرية "تطهير" السكان مما كان يعتبره قُرونا من الممارسات الفاسدة، وإرشادهم إلى طريق ما يزعم أنه الإسلام "الحقيقي".[3]
أثُرت آراء عبد الوهاب حول الإسلام الشيعي تأثيرا كبيرا على موقف الدولة السعودية تجاه مواطنيها الشيعة. بحسب المؤرخين، فإن الملك عبد العزيز "كان يحتقر الشيعة"، لكنه وجد نفسه في وضع صعب بين "الكراهية التي أظهرها العلماء الوهابيون باستمرار تجاه الشيعة"، وصعوبة إخضاع المناطق الشيعية دون قوة عسكرية كبيرة. بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك فوائد ملموسة في القدرة على فرض الضرائب على الموارد المالية الشيعية لتمويل التوسع السعودي، علاوة على ضرورة استيعاب الدبلوماسية الدولية، وخاصة المصالح البريطانية في الخليج.[4]
مع ذلك، سمحت الدولة السعودية الجديدة في البداية "للمتشددين الوهابيين بتنفيذ سياسة دينية قمعية" تجاه الشيعة، بما في ذلك مطالب التحول القسري.[5] في عام 1927، بعد انتقادات من قواته الوهابية، الإخوان، سمح عبد العزيز بإصدار فتوى تدعو إلى تحول شيعة الأحساء إلى الإسلام السني، ونشر مذهب عبد الوهاب في المناطق الشيعية في القطيف.[6] أشارت هذه الفتوى إلى المسلمين الشيعة باسم "الرافضة"، وقد أطلق على مجموعات مختلفة منذ القرن الثامن، ولكنه غالبا ما يستخدم اليوم كعبارة عامة مهينة للشيعة. [7]عندما نشأ الصراع فيما بعد بين الإخوان والملك، تم سحق الإخوان وحلهم في عام 1930، وتراجع قمع الشيعة. [8]
منذ ثلاثينيات القرن الماضي، حاولت الأسرة المالكة السعودية أن تلعب دور "الحكم" بين رجال الدين النافذين والمواطنين الشيعة من خلال "حمايتهم" ضمنيا من المطالب الوهابية الأكثر تطرفا بتغيير الشيعة لمذهبهم قسرا أو إعدامهم، وذلك باسترضاء رجال الدين السنة وضمان بقاء الممارسات الدينية الشيعية خارج النطاق العام. [9]
تذبذبت شدة القمع الحكومي للمواطنين الشيعة على مر السنين، وبالتالي كانت للشيعة تاريخيا علاقة مشحونة بالدولة، حيث اندلعت حملات عصيان مدني واحتجاجات شعبية في عدة مناسبات، بما في ذلك في الخمسينيات، و1979، و2011 -12. من جملة ما طالبت به هذه المظاهرات وضع حد للتمييز الديني والسياسي والاقتصادي. [10]
تمييز الدولة ضد الشيعة السعوديين
يواجه الشيعة السعوديون تمييزا منهجيا في نظام التعليم، نظام العدالة الجنائية، الممارسة الدينية، والمشاركة السياسية.[11]
بحسب ناشطين سعوديين، فإن الشيعة لا يدرسون الشريعة الإسلامية في الجامعات السعودية بسبب التحيزات المعادية لهم في كليات الحقوق، وبالتالي لا يُسمح للشيعة بتدريس مادة الدين في المدارس. يتعلم كل الطلاب الشيعة من معلمين سُنّة من خلال المناهج الدراسية السنية التي ترعاها الدولة. قال أشخاص أجرينا معهم مقابلات إن المواطنين الشيعة لا يُسمح لهم عمليا بالعمل كمديري مدارس خارج المناطق الشيعية. [12]
معظم القضاة والمدعين العامين في السعودية من السنة؛ وهم عادة خريجو برامج الدراسات الشرعية في الجامعات الحكومية. في القضايا الجنائية، يمنع القضاة السنة أحيانا شهادات الشيعة على أساس طائفتهم، ويتبعون المبادئ السنية بشكل حصري في إصدار أحكامهم. منذ 1980، سمحت السعودية رسميا بوجود محكمتين في المنطقة الشرقية لتسوية الأحوال الشخصية والأوقاف والإرث في القضايا الشيعية، وفقا لمذهب الفقه الشيعي الجعفري. [13]
تمنع السلطات السعودية أيضا الممارسات الدينية الشيعية. في مارس/آذار 2016، منعت السلطات السعودية رفع الأذان على الطريقة الشيعية في مساجد الأحساء، وتحظر السلطات مواكب عاشوراء في الأحساء منذ عام 1913. [14]
في يوليو/تموز 2015، أوقفت وزارة الصحة السعودية مُمرضة عن العمل ليوم واحد بدون أجر لأن رنة هاتفها كانت عبارة عن آذان شيعي (انظر الوثيقة أدناه). [15]
تحظر السلطات السعودية عُموما بناء المساجد الشيعية خارج المناطق ذات الأغلبية الشيعية. لا توجد مساجد شيعية مرخصة في المراكز الحضرية الكبرى بالسعودية مثل جدة أو الرياض أو الخبر، حيث يعيش الكثير من الشيعة.[16] الاستثناء الوحيد لهذا الحظر هو مسجد الإمام الحسين في حي العنود بالدمام، الذي سمحت السلطات السعودية ببنائه في الثمانينيات بعد مفاوضات طويلة. [17]فجّر مسلحو داعش مسجد الإمام الحسين في 29 مايو/أيار 2015، مما أسفر عن مقتل 4 رجال. [18]
قال ناشطون سعوديون لهيومن رايتس ووتش إنهم لم يكونوا على دراية بأي حالات يعاقب فيها المواطنون السنة على استضافة صلاة في قاعات جماعية أو منازل خاصة، رغم وجود عدة حالات من هذا القبيل تتعلق بمواطنين شيعة. قال ناشطون إنه بدون المساجد، كانت الاجتماعات الخاصة هي الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يصلوا فيها جماعة.[19]
قال الناشطون أيضا إن الشيعة يواجهون صعوبات في إنشاء مقابر شيعية خارج المناطق الشيعية. رفضت الحكومة بناء مقابر للشيعة أو السماح لهم بدفن موتاهم في المقابر العادية، وهذا يعني أنه عندما يموت الشيعة خارج المناطق الشيعية في السعودية يجب إرسال جثامينهم إلى منطقة شيعية للدفن. [20]
إضافة إلى ذلك، استبعدت السعودية تاريخيا الشيعة من وظائف معينة في القطاع العام والمناصب السياسية المهمة. لا يوجد حاليا دبلوماسيون كبار أو ضباط عسكريون رفيعو المستوى من الشيعة. فالطلاب الشيعة عموما لا يستطيعون دخول الأكاديميات العسكرية أو الأمنية أو إيجاد وظائف داخل قوات الأمن.[21] في عام 2014، عين الملك عبد الله، عاهل السعودية آنذاك، أول عضو شيعي في الحكومة، وهو إسماعيلي اسمه محمد أبو ساق، وشغل منصب وزير شؤون مجلس الشورى. [22]لم تعين السعودية من قبلُ سوى سفير شيعي واحد، وهو جميل الجشي الذي عمل سفيرا للسعودية في إيران بين 1999 و2003.[23] لم تشغل أي امرأة شيعية أي منصب سياسي رفيع المستوى.
حتى محاولات رأب الصدع بين السنة والشيعة تواجه أحيانا عقوبات حكومية. في نوفمبر/تشرين الثاني 2006، ضغطت السلطات السعودية على علماء الدين الشيعة لحل مجموعة أسّسوها لمحاولة توحيد أساليب رؤية الهلال، بالتعاون مع "الجمعية الفلكية بالسعودية". يستند التقويم الإسلامي على السنة القمرية، والاختلافات حول رؤية الهلال وتواريخ الأعياد الدينية هي مسألة خلاف مستمر بين السنة والشيعة.[24] في 4 فبراير/شباط 2007، اعتقلت الشرطة السعودية مخلف الشمري، وهو ناشط حقوقي سعودي يعمل على تحقيق تفاهم شيعي سني أكبر، واحتجزته لمدة 3 أشهر لزيارته الشيخ حسن الصفار، أبرز رجل دين شيعي في السعودية.[25] حكمت "المحكمة الجزائية المتخصصة" في وقت لاحق في 2013 على الشمري بالسجن 5 سنوات بتهمة "إثارة الفتنة" وانتقاد المسؤولين في منشوراته على الإنترنت. في عام 2014 حكمت عليه محكمة جزائية أخرى بالسجن عامين و200 جلدة بتهمة "مُجالسة الشيعة" من بين جرائم أخرى مرتبطة بآرائه. [26]
لا تعكس الدولة السعودية والمؤسسة الدينية المدعومة من الحكومة وعناصر العداء السائدة ضدّ الشيعة في المجتمع السني والريبة تجاههم التعصب الديني فحسب، بل تعكس أيضا توترات طائفية متصاعدة ناشئة عن الوضع الإقليمي العام. تشمل هذه التوترات التحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين، وهم جماعة مسلحة شيعية (تعرف أيضا باسم أنصار الله) في اليمن؛ السيطرة السياسية لحزب الله الشيعي في لبنان؛ الانقسامات الطائفية في سوريا التي تعمقت خلال الحرب الأهلية المستمرة منذ 6 سنوات؛ هيمنة الأحزاب الشيعية على السياسة العراقية؛ ومخاوف إسرائيل ودول الخليج من تأثير إيران على السكان الشيعة في العراق ولبنان ودول الخليج، بما في ذلك السعودية. أدّت السياسة الخارجية السعودية إلى تفاقم هذه التوترات ليس فقط في الصراع اليمني ولكن أيضا في البحرين، حيث دعمت قمع الملكية السنية لجماعات المعارضة السنية والشيعية على حد سواء. [27]
الأحكام القضائية ضد الشيعة
إضافة إلى البيانات والتعليقات التي أدلى بها مسؤولون حكوميون، فإن التحيز ضد الشيعة يتجلى أيضا في نظام العدالة الجنائية الذي يقتصر بكامله على مسؤولين سنة. إلى حدود أبريل/نيسان 2017، لم تعرف هيومن رايتس ووتش أي مواطن شيعي شغل مناصب مدع عام أو قاض في المحاكم الجزائية.[28] مُعظم الشيعة الذين تحدثت إليهم هيومن رايتس ووتش يزعمون أن الادعاءات الكاذبة ضد الشيعة المتعلقة بالدين، مثل شتم الله أو الرسول أو صحابته، عنصر أساسي في التمييز ضد الشيعة.[29] في عام 2014، قال رجل شيعي إن محكمة الأحوال الشخصية في الدمّام رفضت الاستماع لشهادته لأنه شيعي.[30]
وجدت هيومن رايتس ووتش ودرست قرارات محاكم يبدو أنها تُجرّم ممارسة الإسلام الشيعي أو حتى الاتصال بالمسلمين الشيعة. مثلا، في 9 يوليو/تموز 2015، حكمت محكمة سعودية على المواطن الشيعي زهير حسين بوصالح بالسجن شهرين و60 جلدة لإقامته صلاة جماعة في منزل والده في الخبر بالمنطقة الشرقية، حيث السلطات لا تسمح ببناء مساجد شيعية.
قال ناشطون في المنطقة الشرقية لهيومن رايتس ووتش إن المخابرات استدعت بوصالح في أواخر مايو/أيار، واحتجزته لمدة يوم، وأحالت قضيته على المحكمة. تمّ استدعاؤه بعد يومين من قيام انتحاري من داعش بتفجير نفسه داخل مسجد شيعي في القديح، مما أسفر عن مقتل 23 شخصا وجرح أكثر من 100 آخرين. [31]
يفيد الاستدعاء الذي أرسلته المحكمة الجزائية في الخبر إلى بوصالح في 25 يونيو/حزيران، والذي اطلعت عليه هيومن رايتس ووتش، بأن القضية تتعلق بـ"مخالفة الآداب الشرعية أو العامة" (انظر الوثيقة أدناه)
بحسب نشطاء محليين وتقارير إعلامية، أدانت المحكمة بو صالح وأصدرت حكمها ضده في جلسة مدتها 15 دقيقة في 9 يوليو/تموز. [32]
في قضية أخرى، حكمت محكمة سعودية في 2015 على امرأة شيعية تبلغ من العمر 43 عاما، وهي أمّ لسبعة أطفال، بالسجن 3 أشهر و120 جلدة لترديد شعارات شيعية بصوت خافت في المسجد النبوي بالمدينة المنورة. اعتقلت السلطات نورة الحنفوش خلال موسم الحج عام 2014، بعد أن سمعتها امرأة مصرية تردد الشعارات وبلُغت عنها الشرطة. [33]
في قضية ثالثة، حكمت المحكمة الجزائية في المدينة المنورة عام 2014 على رجل شيعي بالسجن لمدة عام وغرامة قدرها 50،000 ريال سعودي (9450 دولار أمريكي) بتهمة "إعداد وإرسال ما من شأنه المساس بالآداب العامة" بسبب تغريدة على "تويتر" كتب فيها: "ظننت في يوم ما أن إيران هي الجمهورية الإيرانية المجوسية ولكن بعد دعوى أبو متعب ]الملك الراحل عبد الله[ لهم في مكة تأكدت بأنهم مسلمين غصبا عن الوهابية". وفقا للحكم الابتدائي، فإن السلطات اعتقلت الرجل على الفور، على الرغم من أنه حذف التغريدة. [34]
في قضية رابعة، أدانت المحكمة الجزائية في الخبر مخلف الشمري في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2014 وحكمت عليه بالسجن سنتين و200 جلدة لزيارته عائلة شيعية بارزة في المنطقة الشرقية في يناير/كانون الثاني 2013 بعدما تعهد بالتوقف عن "إثارة الرأي العام" إلى جانب تهم أخرى.[35] قدّم هذا التعهد في إطار قضية جنائية سابقة تنطوي على كتاباته النقدية وعمله في مجال حقوق الإنسان. شمل الحكم الابتدائي "مجالسة الشيعة" إلى جانب "جرائم" أخرى مزعومة (انظر الوثيقة أدناه):
الشمري، ممثل عشيرة سنية كبيرة من منطقة نجد في المنطقة الشرقية، سعى إلى تحسين العلاقات بين السنة والشيعة.[36] برز في عناوين الصحف السعودية عام 2008 عندما زار مسجدا للشيعة في القطيف، وصلى بجانب زعيم ديني شيعي لإبداء تضامنه. [37]
في قضية خامسة اتُّهم فيها 32 رجلا بالتجسس لصالح إيران، ألقت السلطات السعودية القبض على المشتبه فيهم عامي 2013 و2014، لكنها لم تقدمهم للمحاكمة حتى فبراير/شباط 2016. يُعتبر هذا التاريخ هاما لأنه في يناير/كانون الثاني قطعت السعودية وإيران علاقاتهما الدبلوماسية بعد أن أعدمت السعودية رجل الدين الشيعي السعودي البارز نمر النمر، واقتحم متظاهرون إيرانيون السفارة السعودية في طهران انتقاما.
اتُهمت السلطات السعودية في القضية التي أُطلق عليها "ملف جواسيس إيران" الرجال بجرائم تدخل في خانة "الخيانة العظمى"، بما في ذلك التقاء "عناصر مخابرات" إيرانية وإفشاء معلومات عسكرية سرية ومعلومات عن الطوائف الشيعية في مكة المكرمة والمدينة المنورة والمنطقة الشرقية. لكن من بين الاتهامات التي لا تمثل جرائم معترف بها اتهام 6 "بـ "تأييد المظاهرات "، و3 بـ "تشويه سمعة المملكة"، و3 بمحاولة "نشر ومد المذهب الشيعي" في السعودية. واجه أحدهم تهمة "الاجتماع مع عنصر من المخابرات الإيرانية... لإنشاء مركز خاص بالطائفة الشيعية لغرض نشر ومدّ المذهب الشيعي في [المنطقة الشرقية]". [38](انظر الوثائق أدناه):
واجه آخر تهمة "محاولة إنشاء مركز خاص بالطائفة الشيعية بمدينة مكة المكرمة لغرض نشر ومد المذهب الشيعي بمكة المكرمة".[39] (انظر الوثيقة أدناه)
في 6 ديسمبر/كانون الأول 2016، أدانت المحكمة الجزائية المتخصصة 30 من أصل 32 رجلا، حكمت على 15 منهم بالإعدام وعلى الـ 15 الآخرين بالسجن 25 سنة بعد محاكمة غير عادلة. [40]
قال شيعة سعوديون أيضا إن العشرات منهم ممن اعتقلوا في أعقاب الاحتجاجات الشعبية في المنطقة الشرقية في الفترة 2011-2012 تعرضوا لممارسات غير عادلة وأحكام قاسية على الأنشطة الاحتجاجية. حصلت هيومن رايتس ووتش على 7 أحكام منفصلة أصدرتها المحكمة الجزائية المتخصصة في عامي 2013 و2014 ضد رجال وأطفال متهمين بجرائم تتعلق بالاحتجاج، ودرست هذه الأحكام. في المحاكمات السبع كلها، قال المحتجزون إن الاعترافات انُتزعت عن طريق التعذيب، لكن القضاة رفضوا هذه الادعاءات سريعا دون التحقيق فيها واستخدموا اعترافاتهم كأدلة، ثم أدانوهم استنادا إلى هذه الاعترافات بشكل حصري تقريبا، وأصدروا أحكاما من بينها الإعدام. [41]
في معظم الأحكام القضائية التي حللتها هيومن رايتس ووتش، تبرأ المتهمون من اعترافاتهم قائلين إنهم أُجبروا على الإدلاء بها في ظروف وصلت إلى التعذيب في بعض الحالات، بما في ذلك الضرب والحبس الانفرادي لفترات طويلة. رفضت المحكمة الادعاءات دون أن تُقدم على أية خطوات للتحقيق في مزاعم التعذيب في أي من الحالات التي اطّلعت عليها هيومن رايتس ووتش. طلب بعض المتهمين من القضاة طلب أشرطة فيديو من السجن قالوا إنها تُظهر تعرّضهم للتعذيب. وطلب آخرون أن تستدعي المحكمة المحققين كشهود للاستفسار عن كيفية حصولهم على الاعترافات. في جميع الحالات، تجاهل القضاة هذه الطلبات. شملت حالتان 3 متهمين حكم عليهم قضاة بالإعدام لارتكابهم جرائم مزعومة قبل بلوغهم سن 18.[42] في المجموع، حكمت المحكمة الجزائية المتخصصة على أكثر من 40 شيعيا بالإعدام بسبب الاحتجاج، بما في ذلك رجل الدين الشيعي البارز نمر النمر الذي أعدمته السلطات السعودية في 2 يناير/كانون الثاني 2016. [43]
في قضية سادسة، حكمت المحكمة الجزائية للأحساء في مارس/آذار 2017 على رجل شيعي بالسجن لمدة 50 يوما و120 جلدة لاستضافة شعائر دينية تذكر بمقتل الإمام الحسين في منزله، وهو طقس شيعي يمارس خلال شهر محرم.[44]
II. المعايير القانونية الدولية
خطاب الكراهية
تمثل التزامات الدول فيما يتعلق بخطاب الكراهية، بما في ذلك التحريض على العنف أو التمييز، مجالا ناميا في القانون الدولي لحقوق الإنسان، وترتبط ارتباطا وثيقا بالحق في حرية التعبير. هذه الالتزامات يتناولها رسميا "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي لم تصادق عليه السعودية، لكنه يمثل مصدرا موثوقا يعكس أفضل الممارسات الدولية.
تكفل المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الحق في حرية التعبير. يسمح هذا العهد للحكومات بفرض قيود معينة على حرية التعبير فقط إذا كان هذا القيد منصوصا عليه في القانون وإذا كان ضروريا: (أ) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم؛ (ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.[45] كما تضمن المادة 32 من "الميثاق العربي لحقوق الإنسان"، الذي صادقت عليه السعودية عام 2009، الحق في حرية الرأي والتعبير ونقل الأخبار إلى الآخرين بأي وسيلة كانت. كما الشأن بالنسبة للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، يسمح الميثاق العربي ببعض القيود، بما في ذلك القيود المفروضة على "احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم أو حماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة".[46]
كتبت "لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان" التي تقدم التفسير الرسمي للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، في التعليق العام رقم 34: "التدابير التقييدية يجب أن تتمشى مع مبدأ التناسب، ويجب أن تكون مناسبة لتحقيق وظيفتها الواقية، ويجب أن تكون أقل الوسائل تدخلا مقارنة بغيرها من الوسائل التي يمكن أن تحقق النتيجة المنشودة". كما ذكرت اللجنة أن مثل هذه القيود "لا يجوز أبدا الاستشهاد بها لتبرير كبح أية دعوة إلى إقامة نظام ديمقراطي متعدد الأحزاب وتحقيق مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان".[47]
ومن ثم فإن السعودية بإمكانها أن تقيد رسميا التحريض على التمييز أو الكراهية، شريطة أن تبين أن هذه التدابير ضرورية وفقا للشروط المنصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وأن التدابير المتخذة تتناسب مع التهديد الذي يشكله هذا الخطاب، وأن تكون مناسبة لتحقيق هدف الحد من خطاب الكراهية، وأنها الخيار الأقل تدخلا.
بالإضافة إلى السماح للدول بالتصدي لخطاب الكراهية في ظل ظروف محددة، فإن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية يُلزم الدول رسميا بحظر أسوأ أشكال خطاب الكراهية، مثل التحريض على الكراهية والتحريض على التمييز. حسب المادة 20.2، "تُحظر بالقانون أي دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكّل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف".[48] ولذلك، يجب على الدول أن تحظر رسميا هذه الأشكال من خطاب الكراهية وأن تتخذ تدابير جنائية ضد من يمارسها.
نظرا للاهتمام الدولي المتزايد بمسألة خطاب الكراهية، عقد المفوض السامي لحقوق الإنسان في 2011 سلسلة من حلقات العمل للخبراء بشأن تطبيق المادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. لاحظ هؤلاء الخبراء وجود عيوب خطيرة منها "عدم وجود حظر قانوني للتحريض على الكراهية في العديد من الأطر القانونية الوطنية عبر العالم"، واستخدام "مصطلحات متفاوتة" تتعارض في كثير من الأحيان مع المادة 20 في أحكام قانونية مختلفة موجودة بالفعل. [49]لاحظ الخبراء كذلك أن محاولات تطبيق المادة 20 أسفرت في بعض الأحيان عن استخدام قوانين تجديف غامضة تؤدي إلى نتائج عكسية لأنها تحد من المعتقد الديني والحوار والمناقشة، وهناك "أمثلة عديدة" على استخدام هذه القوانين لاضطهاد الأقليات الدينية والمعارضين. [50]
في عام 2012، حاول هؤلاء الخبراء تقديم خارطة طريق من خلال "خطة عمل الرباط" التي تحلل مسألة خطاب الكراهية وتقدم توصيات محددة للدول التي تحاول تطبيق المادة 20 مع دعم الحق في حرية التعبير وحقوق الأقليات. توصي الخطة بـ "وضع معايير عالية لتحديد القيود على حرية التعبير، وتحديد التحريض على الكراهية، لتطبيق المادة 20". وتضيف أن التحريض على الكراهية ينبغي أن يشير إلى "أكثر أشكال الازدراء حدة وتأثيرا في النفس".[51] ولذلك اقترح الخبراء معيارا من 6 أجزاء لمعايير أشكال التعبير المحظورة جنائيا لتحديد ما إذا كان من الممكن تقييد أي خطاب معين بصورة قانونية، بما في ذلك سياق الخطاب؛ المتكلم؛ النية؛ المحتوى أو الشكل؛ مدى الخطاب؛ والرجحان، بما في ذلك الوشوك، لتقييم خطر الضرر الناجم عن الخطاب. [52]
بهذه الصيغة، فإن استنتاج هيومن رايتس ووتش الراسخ هو أن العديد من تعليقات المسؤولين الدينيين السعوديين وموظفي الحكومة الآخرين يمكن تقييدها بشكل قانوني بصفتها تحريضا على الكراهية أو التمييز، خصوصا أن الدولة السعودية تفرض بالفعل نظام تمييز ضد الشيعة. يحتل هؤلاء المسؤولين مناصب حكومية هامة ولهم دور واضح في صنع القرار الحكومي والتأثير فيه، بما في ذلك تحديد محتوى المناهج التعليمية الدينية في المدارس السعودية. كما يمارس الكثيرون نفوذا هائلا من خلال الصحف والبرامج التلفزيونية والوسائط الاجتماعية، بما في ذلك أتباع "تويتر" الذين يبلغ عددهم الملايين. يمكن لهؤلاء المسؤولين أيضا التأثير مباشرة على مسار العدالة في السعودية لكون نظام العدالة يتألف بالكامل من رجال قانون مُكونين دينيا ومحامين مكلفين بتطبيق تفسير السعودية للشريعة الإسلامية. [53]
بالنسبة للأنواع الأخرى من خطاب الكراهية التي لا تبلغ العتبة المذكورة، توصي خطة عمل الرباط بأن تتخذ الدول تدابير إيجابية أخرى لمكافحة هذا الخطاب خارج نطاق التشريع. تشمل هذه التدابير المشاركة في جهود واسعة النطاق لـ "محاربة الآراء المسبقة السلبية والتمييز ضدّ الأفراد والجماعات على أساس الانتماء القومي أو الأصل العرقي أو الدين أو المعتقد"، وتعزيز التفاهم بين الثقافات، وتبني "سياسات عامة وأخرى لائحية لتعزيز التعددية والتنوع الثقافي في أجهزة الإعلام".[54]
على السعودية كحد أدنى التوقف عن دعم أو توفير منصة للمسؤولين الذين يصدرون خطاب الكراهية ضد المواطنين الشيعة واتخاذ خطوات فعالة لمكافحة التمييز والتحيز ضد الشيعة. عندما يرقى خطاب هؤلاء المسؤولين أو الأفراد إلى مستوى التحريض على الكراهية أو التمييز، يتعين على السلطات السعودية وقف هذا الخطاب من خلال التشريعات الجنائية وغيرها من الوسائل، ولكن فقط بطرق تتفق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
التمييز ضد الأقليات الدينية
يحظر القانون الدولي التمييز على أساس الدين ويحمي حقوق الأقليات الدينية وغيرها من الأقليات مثل شيعة السعودية. من أهم معاهدات حقوق الإنسان الدولية التي توضح معنى ومدى هذه المحظورات وهذه الحماية، "الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري"؛ "الاتفاقية الخاصة بمناهضة التمييز في مجال التعليم"؛ "اتفاقية حقوق الطفل"؛ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، و"العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية".[55] بالإضافة إلى ذلك، أصدرت الأمم المتحدة إعلانات توضح معايير حقوق الإنسان وأفضل الممارسات في مسائل التمييز، وهي "إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد" (1981)؛ "إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو عرقية أو دينية أو لغوية" (1992)؛ و"إعلان اليونسكو بشأن العنصر والتحيّز العنصري" (1978).[56]
جاء في إعلان اليونسكو لعام 1978 أن "كلّ ميز أو إقصاء أو تفضيل مبني على العنصر أو اللون أو الأصل الإثني أو القومي أو على تعصب ديني تحفزه اعتبارات عنصرية" يتنافى مع حقوق الإنسان.[57] تذكر المادة 1 من الاتفاقية الخاصة بمناهضة التمييز في مجال التعليم أيضا الدين كعامل تمييز محظور. ينصّ إعلان الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد على أن "التمييز بين البشر على أساس الدين أو المعتقد إهانة للكرامة الإنسانية".[58]
ينطبق حظر التمييز على التمتع بجميع الحقوق الأساسية، بما في ذلك الحق في التنمية، التعليم، العمل، والحصول على العدالة. الدول مُلزمة بضمان تكافؤ فرص حصول الجميع على "الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولا سيما الحق في العمل وفي حرية اختيار نوع العمل وفي شروط عمل عادلة مرضية، وفي الحماية من البطالة، وفي تقاضي أجر متساو عن العمل المتساوي، وفي نيل مكافأة عادلة مرضية".[59]
يُلزم الحظر المفروض على القوانين والسياسات والأفعال العنصرية الدول باتخاذ إجراءات وقائية وعلاجية ضد العنصرية. وفقا لإعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 1992، فإن الدول ملزمة بحماية الأقليات، مثل الشيعة، من خلال اتخاذ "تدابير لتهيئة الظروف المواتية لتمكين الأشخاص المنتمين إلى أقليات من التعبير عن خصائصهم وتطوير ثقافتهم ولغتهم ودينهم وتقاليدهم وعاداتهم".[60]
ينص إعلان 1992 أيضا على أنه يجب على الدول حماية هوية الاقليات "داخل أراضيها" بتهيئة "الظروف الكفيلة بتعزيز هذه الهوية" والتدابير التي تسمح لأعضاء الاقليات "بالمشاركة الكاملة في التقدم الاقتصادي والتنمية في بلادهم".[61] يعترف العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على "وجوب استهداف التربية والتعليم تمكين كل شخص من... توثيق أواصر التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الأمم ومختلف الفئات السلالية أو الإثنية أو الدينية، ودعم الأنشطة التي تقوم بها الأمم المتحدة من أجل صيانة السلم".[62] تقتضي اتفاقية حقوق الطفل تحديدا توجيه تعليم الطفل إلى "تنمية… هويته الثقافية ولغته وقيمه الخاصة"، وإعطاء الطفل المنتمي للأقلية الدينية الحق في "أن يتمتع بثقافته أو الإجهار بدينه وممارسة شعائره".[63] ينُصّ إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 1981 على أنه "لا يُجبر [الطفل] على تلقي تعليم في الدين أو المعتقد يُخالف رغبات والديه".[64]
لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي تراجع التزام الدول بالعهد الدولي ذي الصلة، تقول إن انتهاك الحق في التعليم يتضمن "إدخال أو عدم إلغاء تشريع يميز ضد الأفراد أو المجموعات في مجال التعليم على أي أساس من الأسس المحظورة، عدم اتخاذ تدابير لتصحيح التمييز التعليمي الفعلي، (و)استخدام مناهج دراسية لا تتسق مع الأهداف التعليمية المبينة في المادة 13 (1)".[65]
في إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 1981، "حرية الإيمان بأي دين... وحرية إظهار دينه أو معتقده عن طريق العبادة أو إقامة الشعائر والممارسة والتعليم" محمية، وأنه "لا يجوز تعريض أحد لقسر يحدّ من حريته".[66] على وجه التحديد، التجمع للعبادة، والاحتفال بالأعياد الدينية، والحفاظ على مباني العبادة وبنائها، والحصول على مواد لاستخدامها في الطقوس الدينية، والتدريس الديني وتعيين الزعماء الدينيين، وجمع التبرعات من أجل الدين، والتواصل مع متبعي نفس الدين، هي أنشطة تقع في إطار حماية حُرّية الدين. [67]
القانون الدولي لا يحمي هوية الأقليات فحسب، بل يحظُر التمييز، ولكنه يضمن حقوق الأقليات في المشاركة الفعالة في الحياة العامة والثقافية للمجتمع، بما في ذلك عن طريق "انشاء الرابطات الخاصة بهم والمحافظة على استمرارها".[68] للأقليات "الحق في المشاركة الفعالة على المستوى الوطني، وكذلك على الصعيد الإقليمي حيثما كان ذلك ملائما، في القرارات الخاصة بالأقلية".[69]
III. التحريض على التمييز والكراهية من قبل رجال الدين والمؤسسات الدينية التابعة للدولة
علماء ورجال الدين المعيّنون من قبل الحكومة السعودية يُشيطنون المواطنين الشيعة في الوثائق الرسمية والخطب وعلى وسائل التواصل الاجتماعي. نظرا لصلة العلماء بالحكومة، تعتبر بعض هذه التصريحات أمثلة واضحة للتحريض على التمييز.
هيئة كبار العلماء
حللت هيومن رايتس ووتش فتاوي رسمية صادرة عن اللجنة الدائمة للبحوث الاسلامية والإفتاء التابعة للحكومة السعودية، التي يتم اختيار اعضائها من قبل هيئة كبار العلماء المؤلفة من 21 عضوا، وهي أعلى هيئة دينية في البلد. تمثل الهيئة أحد الأذرع الرسمية للدولة، ومكاتبها على ملك الدولة، ويتلقى أعضاؤها أجرا شهريا من الحكومة.[70] من الواجبات الرئيسية للجنة الدائمة اصدار فتاوى للسعوديين والمسلمين الذين يطرحون اسئلة توضيحية حول المعتقد الإسلامي والممارسات المرتبطة به. تنشر الأجوبة بشكل علني على موقع اللجنة.
حددت هيومن رايتس ووتش على الأقل 7 فتاوي، موجودة على موقع اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، توصم وتهاجم المعتقدات الدينية الشيعية، وبعضها يشير إليهم على أنهم رافضة أو روافض. تعتبر هذه الفتاوي خطابا عدوانيا صادر عن الدولة السعودية ينادي بالتمييز ضد الشيعة، ومنع الزواج بهم وحتى التعامل معهم. تنتقد الفتاوي وتهاجم في بعض الأحيان الشيعة على أنهم مشركين بناء على ممارساتهم الدينية، خاصة بما يتعلق بزيارة قبور شخصيات دينية قديمة. تحمل هذه الادعاءات خطرا كبيرا، نظرا إلى أن الحكومة السعودية قد أصدرت أحكام اعدام بتهمة الردّة، وقد تشعل في ظروف محددة عنفا ضد المواطنين الشيعة.
بعض أحكام اللجنة تمييزية بوضوح، حيث تصرح بأنه لا يمكن للسنة الزواج من الشيعة. على سبيل المثال، نصت فتوى (رقم 20011)، ردا على سؤال امرأة حول إمكانية طلاقها من رجل ادعى في البداية أنه سني لتكتشف أنه شيعي بعد زواجهما، بأنه "لا يجوز تزويج بنات أهل السنة من أبناء الشيعة، ولا من الشيوعيين. وإذا وقع النكاح، فهو باطل، لأن المعروف عن الشيعة دعاء أهل البيت والاستعانة بهم، وذلك شرك أكبر". (أنظر الوثيقة أدناه).[71]
في حالة مماثلة، أراد رجل أن يجدد زواجه من زوجته البحرينية الشيعية بعد طلاقهما بسبب ما قال إنه تم "تسميم أفكارها... بزيارة النجف". جاءت فتوى ردا على هذه الحالة (رقم 2706) تقضي بأنه لا يمكن أن يتزوجها إلا إذا أصبحت سنية، وإلا فأنه "لا يجوز الاستمرار معها".[72]
حول ما إذا كان بإمكان السنة في إيران السفر مع الشيعة الإيرانيين إلى مكة للقيام بالواجب الإسلامي في أداء الحج على الأقل مرة واحد في حياة الفرد، نصت فتوى (رقم 8308) على أن هذا مسموح به، لكن عليهم "مع ذلك الحذر من الشيعة ومذهبهم الباطل".[73] في مارس/آذار 2017، أعلنت السعودية أنه بإمكان الحجاج الإيرانيين السفر إلى السعودية لأداء الحج في عام 2017 بعد عدم مشاركة أي حجاج إيرانيين في عام 2016 بسبب تدهور العلاقات بين البلدين.[74]
ردا على سؤال حول "كفالة" المنظمات غير الحكومية الغربية أو تمويل الأطفال المسلمين في العالم النامي، نصت فتوى صادرة عن الهيئة بأن هذا محظور، محددة: "رأينا النصارى والرافضة ونحوهم من أعداء الإسلام والسنة يبذلون كلّ وسيلة ويعملون كلّ حيلة في الحصول على ولاية وحضانة وتربية أطفال المسلمين". بسبب هذه الحضانة "سيصبح أولاد المسلمين كفارا ومشركين، أو نصارى ويهود، أو روافض ومبتدعين"، بحسب الفتوى.[75]
بعض الفتاوي الصادرة عن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ظهرت في عدة منشورات معادية للشيعة. على سبيل المثال، في كتاب معاد للشيعة عام 1996 بعنوان "من عقائد الشيعة" اقتبس مباشرة فتوى حكومية ناقشت ما إذا كان بإمكان السنة أكل لحوم الأضاحي الشيعية، الأضاحي التي تنحر في الأيام المقدسة لدى الشيعة أو المخصصة لأهل بيت النبي، ونصت على أنه "إذا كان الأمر كما ذكر السائل من أن الجماعة الذين لديه من الجعفرية يدعون عليا والحسن والحسين وسادتهم، فهم مشركون مرتدون على الإسلام والعياذ بالله". تلقى الكتاب، الذي كتبه رجل الدين المتشدد عبد الله بن محمد السلفي، تأييدا من المفتي السعودي آنذاك وعضو هيئة كبار العلماء عبد العزيز بن باز الذي قال إنه وجد "الكتاب جيدا ومهما، مناسب نشره... في المملكة والخليج".[76]
حللت هيومن رايتس ووتش خطب ونشاطات رجال دين وشخصيات دينية مدعومة من الحكومة على وسائل التواصل الاجتماعي توصم الشيعة وتحرض على التمييز ضدهم.
أدلى الشيخ عبد الله بن عبدالرحمن الجبرين، وهو عضو سابق في هيئة كبار العلماء، بتصريحات عديدة معادية للشيعة قبل وفاته في عام 2009. لا يزال موقعه نشطا ولا تزال فتاويه مؤثرة في الأوساط الدينية السعودية. تنتقد كثير من فتاوى الجبرين الشيعة على أنهم كفار. على سبيل المثال، في فتوى (رقم 12461)، وردا على سؤال حول كيفية التعامل مع الرافضة، قال الجبرين إنه: "لا يجوز تشجيعهم ولا تهنئتهم بمواسمهم ولا الشراء من بضائعهم ولا من تجارتهم، وكذا لا يجوز بداءتهم بالسلام ولا القيام لهم ولا تصديرهم في المجالس...".[77]
في فتوى أخرى حول ما إذا كان يجوز للسني أن يتزوج من شيعية، يرد الجبرين: "حيث أن الرافضة يكفرون أهل السنة كما يوجد في كتبهم المشهورة ولا يصلون عنهم، فإن أهل السنة يكفرونهم لأنهم يطعنون في القرآن... ويعبدون علي بن أبي طالب والحسن والحسين وزين العابدين ويدعونهم من دون الله... لذلك لا تحل ذبائحهم ولا تُنكح نساؤهم".[78]
في جلسة سؤال وجواب مسجلة مع الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، وهو عضو حالي في هيئة كبار العلماء، يسأل رجل ما إذا كان يجوز دعوة الرافضة والشيعة "بالإخوان". يجيب الشيخ: "نحن نبرأ إلى الله من هذا القول، ليسوا إخواننا ... بل هم إخوان الشيطان .... ومن قال إنهم اخواننا فليتُب إلى الله".[79]
يوجد موقع سلفي فيه روابط الكترونية لما لا يقل عن 11 تصريحا معاديا للشيعة أصدرها الشيخ الفوزان على مر السنين، يدينهم في معظمها بأنهم "كفار".[80] يشير الفوزان في أحد التصاريح إلى أن الشيعة "يكذّبون الله ورسوله وإجماع المسلمين ... ولا شكّ في كفر هؤلاء".[81]
في سبتمبر/ أيلول 2016، أخبر مفتي السعودية الحالي عبد العزيز الشيخ صحيفة "عكاظ " أن الإيرانيين، ومعظمهم من الشيعة، ليسوا مسلمين، مشيرا إلى أنه "يجب أن نفهم أن هؤلاء ليسوا مسلمين، فهم أبناء مجوس [مصطلح ازدرائي للزرادشتية]، وعداؤهم مع المسلمين أمر قديم، وتحديدا مع أهل السنة والجماعة".[82]
فتاوى وبيانات صادرة عن الشيخ عبد العزيز بن باز
كان الشيخ عبد العزيز بن باز رجل دين سعودي ذا نفوذ عالي، شغل منصب المفتي الأكبر من عام 1993 حتى وفاته عام 1999. أدلى بن باز بعدد من التصريحات التي تحرض على التمييز ضد الشيعة، ولا تزال تصريحاته وأحكامه مؤثرة في أوساط المؤسسة الدينية السعودية. هذه الأحكام متوفرة باللغة الإنغليزية على موقع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، ولم تنكرها الهيئة.
على سبيل المثال، سئل بن باز في مقابلة ما إذا كان يجوز التعاون مع الشيعة في الصراعات الخارجية. يجيب بن باز: "لا أرى ذلك ممكنا"، وإلى أن يتوقف الرافضة عن ممارسات مثل "البغض" و "سبّ" صحابة النبي، وعبادة آل البيت، والإيمان بأن الأئمة الاثني عشرة معصومون (يعتبرها إحدى "أكثر الأكاذيب تضليلا")، لا ينبغي أن يكون هناك أي شكل من أشكال التعاون بينهم وبين السنة.[83] في عام 1982، قال بن باز في خطاب إن بعض ممارسات الرافضة تشكل ارتدادا عن الدين. في السعودية يُعاقب على الردة بالإعدام.[84]
أشار بن باز في رد على سؤال حول الفارق بين السنة والشيعة، إلى أن بعض الشيعة كفار، في حين أن البعض الآخر ليسوا كذلك، لكن "من أخبثهم الإمامية الاثنا عشرية والنصيرية ويُقال لهم الرافضة".[85] ويستطرد في قوله: "فما كل من ادّعى الإسلام يُسلّم له بأنه أصبح مسلما".[86] أشار بن باز في كتابات أخرى أنه على الطفل التبرؤ من والديه الرافضة، ولكن معاملتهما بلطف لأنهما والديه، وأن على المسلمين عدم إقامة صلاة الجنازة على "الرافضة"، وحرّم تناول الطعام معهم أو المشاركة في بعض طقوسهم.[87]
أدت تصريحات بن باز، التي لا تزال مدرجة في الموقع الإلكتروني للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء إلى حالات واضحة من التمييز ضد الشيعة السعوديين. على سبيل المثال، في عام 1993، أعلن بن باز أن القرقيعان، مهرجان الشيعة خلال رمضان المبارك هو "هرطقة". بعد حوالي 15 عاما، في سبتمبر/أيلول 2007، اعتمد أحمد بالغنيم، مسؤول تعليم محلي في المنطقة الشرقية، مدير التعليم في الأحساء، على حكم بن باز لإصدار توجيهات إلى جميع المدارس بحظر جميع احتفالات القرقيعان.[88]
تعليقات معادية للشيعة من قبل مسؤولين سعوديين آخرين
إضافة إلى رجال الدين الموالين للحكومة، أدلى مسؤولون آخرون في الدولة أيضا بملاحظات تحرض على التمييز ضد الشيعة وتعتبرهم مواطنين غير مخلصين. عيُن سعد الشثري على سبيل المثال، من قبل الملك سلمان، كمستشار شخصي بعد أسبوع من تولي الملك العرش في يناير/كانون الثاني 2015. أشار الشثري في مقطع فيديو في 2006، يظهر فيه مخاطبا مجموعة من الطلاب في أحد المؤتمرات، إلى أنه يجب على المرء التعامل مع الجماعات غير السنية "بحذر من بدعتها والتحذير منها"، غير أنه أكد أن هذه الجماعات تبقى مسلمة.[89]
في 10 سبتمبر/أيلول 2015، نشر حاكم منطقة القصيم في السعودية، فيصل بن مشعل بن عبد العزيز، وهو من العائلة المالكة، مقال رأي في صحيفة "الجزيرة" السعودية للرد على انتقاد لرسالة محمد بن عبد الوهاب. يصف المقال الإسلام الشيعي بأنه خصم شنيع للأيديولوجيا السلفية المدعومة من الدولة. على سبيل المثال، كتب: "لاشك أننا نرى أن للغرب عذره وللأيدلوجيا المضادة لمذهب السنة والجماعة من المانويين والشيعة الباطنية عذرها كذلك في أن تحارب وتعادي كل ما هو سني".[90] أشار في تقييمه لكل مجرى خاطئ في الإسلام قبل عبد الوهاب، أن خلافا داخليا أدى إلى "ظهور الجماعات السياسية المتطرفة دينياً كالخوارج وغيرهم، حتى ظهور مذهب الشيعة المتأثر بالعقائد الوثنية...".[91] أخيرا، أدرج الإسماعيليين، طائفة شيعية موجودة في مدينة نجران جنوب السعودية، على أنها من بين "أخطر" مظاهر الشرك التي حاربها الشيخ محمد بن عبد الوهاب.[92]
أثار الأمير سعود بن نايف، حاكم المنطقة الشرقية، حيث يعيش غالبية المواطنين الشيعة في السعودية، جدلا في أبريل/نيسان 2015، في تعليق لصحيفة "المدينة" بعد أن أطلق معتدون النار على شرطيين في بلدة القطيف ذات الأغلبية الشيعية. صرح: "كما أن هناك رجال خير فهناك حثالة شر، وهؤلاء في الوقت الذي بلادهم تتعرض إلى ما تتعرض إليه وتقف صفا واحدا خلف قيادتها، نجد أحفاد عبد الله بن سبأ المتلون الصفوي من يخرج بوجهه البشع، محاولين شق الصف...".[93] حكمت السلالة الصفوية إيران بين 1501-1736 وأشرفت على تحويل البلاد إلى الإسلام الشيعي.[94] قال ناشطون شيعة في المنطقة الشرقية لـهيومن رايتس ووتش إنهم خلصوا إلى أن تعليقات الأمير سعود تعني اعتقاده بأن الشيعة السعوديين مواطنين غير مخلصين.[95]
IV. خطاب الكراهية ومعاداة الشيعة على وسائل التواصل الاجتماعي
نشط رجال دين سعوديون في استخدام أدوات الاتصال الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي في الترويج لخطاب الكراهية المعادي للشيعة. يُقدر عدد متابعي بعضهم على وسائل التواصل الاجتماعي بالملايين. ليس هذا القسم رواية جامعة لنشاط رجال الدين السعوديين على وسائل التواصل الاجتماعي أو تصريحاتهم المعادية للشيعة؛ إنما هو يقدم أمثلة على خطاب الكراهية، الشائع ضمن الخطاب الديني في السعودية، لا سيما على تويتر. أغلب رجال الدين في هذا القسم ليسوا من أعضاء هيئة كبار العلماء، إنما لدى أغلبهم صلات بالحكومة عن طريق العمل بوظائف حكومية أو في أدوار استشارية. نظرا لتأثير وشعبية العديد من رجال الدين هؤلاء على المسلمين في أرجاء العالم، فقد يرقى هذا الخطاب إلى التحريض على الكراهية والتمييز، والدولة السعودية مُلزمة بمواجهته.
انتقاد الممارسات الدينية الشيعية يتنزّل عموما ضمن الخطاب المحمي بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، لكن عندما يروج خطاب كهذا، يتبناه مسؤولون حكوميون، لثقافة التعصب أو العداء، فعلى السلطات السعودية اتخاذ خطوات لرفضه ومواجهته.
خطاب الكراهية والتحريض على التمييز
محمد العريفي من رجال الدين الذين روجوا لخطاب الكراهية المعادي للشيعة، وهو أستاذ مساعد في جامعة الملك سعود الحكومية في الرياض، ولديه نحو 17.1 مليون متابع على تويتر.[96] ألقى في 2007 خطبة جمعة بعنوان "معتقدات الرافضة"، وفيها وبّخ الشيعة بشدة وقارنهم باليهود، متهما إياهم باختلاق عقائدهم.[97] وفي 2012 نشر تغريدة على تويتر استخدم فيها لفظ "الرافضي" المهين في إشارة إلى أب شيعي يُزعم أنه رفض السماح بزرع أعضاء ابنه لصالح طفل سني، قائلا:
"حدثني طبيب: مات الولد دماغيا فقلت للأب (الرافضي): لدينا طفل يحتاج زراعة كبد، هل تأذن بأخذ كبد ولدك؟ فقال: المحتاج سني أو شيعي؟ قلت: سني! قال: لا". (انظر الوثيقة أدناه).[98]
تحدث العريفي في 15 يونيو/حزيران 2013 في مؤتمر داعم للمعارضة السورية في القاهرة، وخلال الكلمة دعا: "اللهم مزقهم في البلاد [المقاتلين الشيعة الموالين للأسد]" و"اللهم صُب عليهم صوت عذاب".[99] مُنع العريفي من دخول المملكة المتحدة وسويسرا جراء تصريحاته ومنها تعليقاته حول الشيعة واليهود.[100]
ناصر العمر رجل دين آخر روج لخطاب الكراهية المعادي للشيعة، وهو رئيس "الهيئة العالمية لتدبر القرآن" وعضو مجلس إدارة هيئة كبار العلماء. لديه 4.4 مليون مُتابع على تويتر. في يناير/كانون الثاني 2011 افتتح وزير الشؤون الإسلامية السعودي المقر الجديد لـ "مؤسسة ديوان المسلم"، التابعة لناصر العُمر، في الرياض.[101] ظهر إلى جواره في فعاليات عامة أعضاء بهيئة كبار العلماء.[102] العمر هو مؤلف أحد أكثر الكتب الرائجة عداء للشيعة. كتابه الذي نُشر عام 1993 بعنوان "واقع الرافضة في بلاد التوحيد"، يصم الشيعة بأنهم كفار وأعداء الإسلام. كما يذكر بالاسم رجالا شيعة بارزين ويتهمهم بمحاولة السيطرة على قطاعات أساسية بالبلاد مثل الأعمال التجارية والتعليم. كما يحذر من تكاثر الشيعة السعوديين (انظر الوثيقة أدناه).[103]
في أبريل/نيسان 2015 كتب العمر تغريدة: "قال شيخ الإسلام [بن تيمية]: لم يأت عدو لقتال المسلمين إلا انضم إليهم الرافضة وقد أكد التاريخ عبر توالي القرون ذلك، فهل عرفنا من هو عدونا؟"[104]
في تغريدة أخرى من عام 2012 كتب العمر: "الرافضة أشهر من مر في تاريخ الأمة في الغدر ونقض العهود، بعد اليهود!" (انظر الوثيقة أدناه).[105]
هناك شيخ آخر روج لخطاب الكراهية ضد الشيعة، هو علي المالكي، الذي شغل عدة مناصب حكومية، منها بوزارة التعليم وبالديوان الملكي. لديه 432 ألف متابع على تويتر.[106]
كتب تغريدة على تويتر في 2012 قال فيها: "بكل شجاعة يجب أن يقف الرافضة أبناء الحرام عند حدهم لأن ابن الحرام لا يفعل إلا حرام فالعرق دساس". (انظر الوثيقة أدناه).[107]
وكتب تغريدة في 2012 أيضا قال فيها: "الشاب الشيعي الرافضي عندما يكون طفلا يكون مقبول الشكل وعندما يبلغ ويلعق المذهب يسلخ الله وجهه وجه خنزير حتى شوفوا وجوههم تقول مقدمة فلكس واجن".[108]
د. إبراهيم الفارس رجل دين آخر روج لخطاب الكراهية المعادي للشيعة، وهو عضو سابق بقسم التربية بجامعة الملك سعود في الرياض ولديه 178 ألف متابع على تويتر. نشر الفارس مقالا مطولا عن المذهب الشيعي على موقع "إسلام ويب.نت" بعنوان "سلسلة الرافضة عقيدة وهدفا". تبدأ السلسلة بـ "إن مما ينبغي على أهل السنة أن يكونوا في يقظة دائمة ومستمرة من خطر الشيعة الرافضة، وأن يعلموا أن الغفلة ستوقعهم فيما لا تحمد عقباه، فالمتتبع للرافضة عبر التاريخ يجد أنه ليس لهم عدو إلا أهل السنة...".[109]
استخدم تويتر لمهاجمة الشيعة عدّة مرات، واصفا إياهم بـ "الابن غير الشرعي المتولد من تزاوج المجوس مع اليهود" فضلا عن نعتهم بالروافض.[110] كما اتهم الشيعة بمحاولة اختراق المجتمعات السنية باستخدام أسماء غير شيعية وإرسال نساء حوامل للولادة بمناطق أخرى من المملكة حتى لا تشير شهادات ميلاد الأطفال لميلادهم في مناطق ذات أغلبية شيعية.[111]
طالب الفارس بصفة مباشرة باستبعاد الشيعة عن المناصب الرفيعة والأماكن الحساسة، في تغريدة قال فيها: "لو القرار بيدي لأبعدت جميع الروافض ومن شابههم من كل الأماكن الحساسة والوظائف العليا ولطبقت عليهم قانون (فرق تسد) لتسهل مراقبتهم والحذر منهم" (انظر الوثيقة أدناه).[112]
في تغريدة نشرها عام 2014 اتهم الفارس الشيعة بأنهم جواسيس موالين لإيران، مطالبا بعدم تعيينهم في مناصب مهمة: "الحذر من تشغيل الروافض في المواقع المهمة والحساسة فهم جواسيس مخلصة لمرجعياتهم في إيران وما شابهها...فأسرارنا المهمة ستكون لديهم بأسرع مما نتصور" (انظر الوثيقة أدناه).[113]
أشكال خطاب أخرى معادية للشيعة على السلطات السعودية نبذها
روج رجال دين سعوديون آخرون لخطاب أدنى درجة من التحريض على الكراهية أو التمييز، لكنه يسهم في تغذية الخطاب المعادي للشيعة المهيمن في المملكة ويعيد التأكيد عليه. نظرا لتمييز السعودية القائم منذ زمن طويل ضد الشيعة، فعلى السلطات السعودية اتخاذ خطوات لرفض ومواجهة تعليقات رجال الدين هؤلاء المعادية للشيعة.
الشريف حاتم بن عارف العوني هو أحد رجال الدين هؤلاء. هو عضو سابق بمجلس الشورى السعودي، أعلى سلطة سياسية استشارية في المملكة، ويشغل حاليا منصبا بجامعة أم القرى في مكة. في 22 مايو/أيار، في أعقاب استهداف مسجدا شيعيا في القطيف بقنبلة، كتب العوني على صفحته العلنية على موقع فيسبوك:
"اليوم كان خطيب جمعتنا بمكة يدعو على الرافضة بالتدمير والهلاك، وهو لا يدري أن دعواته قد استجيبت قبل دعائه في القطيف!! كرامات لم تحصل حتى للأولياء والصالحين: أن يستجاب قبل الدعوة" (انظر الوثيقة أدناه).[114]
في تدوينة أخرى في اليوم التالي رجع العوني عن مساره وذكر أنه من غير المسموح إعلان الشيعة كفارا أو قتلهم. يبقى من غير المعلوم سبب تغييره لموقفه.[115]
هناك رجل دين آخر روج للخطاب المعادي للشيعة وعلى السلطات السعودية إعلان رفض خطابه، وهو عبد العزيز الطريفي، الباحث السابق بوزارة الشؤون الإسلامية السعودية.[116] ما زال مؤثرا، إذ يبلغ عدد متابعيه على تويتر نحو المليون متابع.[117]
في 18 مايو/أيار 2015 كتب الطريفي تغريدة مفادها أن الشيعة جزء من مؤامرة بالاتفاق مع المسيحيين واليهود: "لم يتواطأ اليهود والنصارى مع الرافضة على الإسلام كما هو اليوم، كانوا يتواطأون في بلد واليوم في كل بلد" (انظر الوثيقة أدناه).[118]
في 5 مايو/أيار كتب الطريفي على تويتر: "دعا الغرب السنة للتقارب مع الرافضة وفي السر يدعون الرافضة للاستبداد على السنة، والله يختصر أمر الفريقين فليس للنصارى أمان وليس للرافضة إسلام" (انظر الوثيقة أدناه).[119]
محمد البراك هو رجل دين بارز آخر، وهو أستاذ بجامعة أم القرى الحكومية في مكة. لديه 316 ألف مُتابع على تويتر.[120] نشر في 15 مايو/أيار 2015 سلسلة من التغريدات المعادية للشيعة، ومنها: "ضدان لا يجتمعان. القرآن العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ودين الشيعة الرافضة المشتمل على الضلال والخرافات والرذائل".[121] وتلاها بتغريدة أخرى: "لو جمع من كل ملة باطلة أسوأ ما فيها لما بلغ ذلك المجموع ما يتضمنه دين الشيعة الرافضة من سوء" (انظر الوثيقة أدناه).[122]
طالب البراك في تغريدة تعود لعام 2013 بتدمير مقامات الشيعة: "الرافضة لا يقيمون وزنا لمساجد المسلمين لكنهم يقيمون الدنيا لأجل مقامات الشرك عندهم، فحري بالمجاهدين تسوية مقاماتهم بالأرض وطمس معالمها" (انظر الوثيقة أدناه).[123]
د. محمد النجيمي هو رجل دين آخر روّج للخطاب المعادي للشيعة الذي يتعين على الحكومة السعودية إعلان رفضه، وهو أستاذ بالمعهد العالي للقضاء، التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الحكومية في الرياض. لديه 127 ألف متابع على تويتر.[124] في مارس/آذار 2015 كتب تغريدة مفادها: "افهم! لا نؤيد داعش بل نحن ضدهم والقضاء على الخوارج وداعش أسهل لكن المجوس الرافضة أخطر وأصعب في القضاء عليهم! يا ليتك تفهم أخي!".[125]
V.خطاب معاد للشيعة في الكتب الرسمية
وثقت هيومن رايتس ووتش العديد من حالات التمييز والتحرش ضد الطلاب الشيعة في نظام التعليم السعودي. على سبيل المثال، في عام 2006، وصف معلمون سنة في مدارس الأحساء طلاب شيعة بـ "الكفرة" في عدة مناسبات، وسجلها الطلاب على هواتفهم المحمولة. في مارس/ آذار 2008، روى إسماعيلي في الرياض كيف سمى معلم سني ابنته كافرة وطردها من صفه.[126]
علاوة على التمييز ضد الطلاب الشيعة، اشتكى معلمون وناشطون شيعة منذ فترة طويلة من التحيز ضد الشيعة في الكتب المدرسية الدينية التي تستخدمها وزارة التعليم في المدارس الرسمية في السعودية، محتجين بأن هذه النصوص تدين المعتقدات والممارسات الدينية الشيعية وتؤدي مباشرة إلى التمييز ضد الشيعة. انتقاد الممارسات الدينية الشيعية خطاب على السعودية حمايته في إطار حرية التعبير، ولكن على السلطات ألا تسمح بوصم المسلمين الشيعة بأنهم كفار كجزء من المناهج الدراسية نظرا لدور المناهج في إدامة التمييز ضد الشيعة في المجتمع السعودي.
الجدل حول الكتب ووعود الإصلاح
أثارت الكتب الدينية السعودية جدلا واسع النطاق على مر السنين، خاصة بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2011، ووجهت لها اتهامات بنشر محتويات معادية للسامية والمسيحيين، ووجهات نظر متعصبة تجاه التقاليد الدينية الأخرى، وهي تروج للحرب المقدسة ضد "الكفار". على سبيل المثال، أشار بحث لـ "فريدم هاوس" في 2006 إلى أن واحدا من كتب المدرسة الثانوية يحتوي على نص يصف اليهود بالقردة وشعب السبت، والمسيحيين بالخنازير والمشركين. وجد في كتاب آخر "لا ترضخ لهم [المسيحيون واليهود] بداعي الشرف والاحترام".[127]
رد دبلوماسيون سعوديون على هذا الانتقاد بتعهدهم بإصلاح المناهج الدراسية. في نوفمبر/تشرين الثاني 2005، قال السفير السعودي لدى الولايات المتحدة الأميركية آنذاك، الأمير تركي الفيصل، في مؤتمر: "إننا نقوم بتحديث مناهجنا التعليمية وإزالة أي مواد يمكن تفسيرها على أنها تدعو إلى التعصب أو التطرف".[128] نوّه الفيصل بإصلاح التعليم السعودي في مؤتمر صحفي عقد في واشنطن، مصرّحا:
تتجاوز إصلاحات التعليم في السعودية إعادة كتابة النصوص المدرسية. هم يتجهون إلى تدريب المعلمين، والتوجيه أو الرسائل الموجهة للأطفال في سنوات التكوين ... يتم تحويل نظام التعليم بأكمله من أعلى إلى أسفل. إصلاح الكتب المدرسية هي واحدة من الخطوات التي اتخذتها السعودية.[129]
ادعى تركي الفيصل في مارس/ آذار 2006 أن السلطات السعودية "قضت على ما يمكن اعتباره تعصبا في النصوص المدرسية القديمة التي كانت موجودة في نظامنا"، لكن دراسة لاحقة لـ 12 كتابا دينيا سعودياً أجرتها مجموعة حقوق الإنسان فريدم هاوس، وجدت أنه في حين تم تغيير بعض المحتوى، فإن المنهج الديني "يستمر في نشر إيديولوجية الكراهية تجاه "الكافر"، الذي يشمل المسيحيين واليهود والشيعة والصوفيين والمسلمين السنة الذين لا يتبعون العقيدة الوهابية والهندوس والملحدين وغيرهم".[130]
كلفت وزارة الخارجية الأميركية في عام 2011 "المركز الدولي للأديان والدبلوماسية" بإجراء مراجعة شاملة للكتب الدينية السعودية، لكن وزارة الخارجية واجهت انتقادات بعد أن رفضت نشر نتائج الدراسة. أكدت وزارة الخارجية الأمريكية أنها تواصل عملها مع السلطات السعودية لإصلاح المناهج الدراسية.[131]
في مارس/آذار 2016، طلبت "لجنة حقوق الطفل" التابعة للأمم المتحدة معلومات عما إذا كانت الحكومة قد أزالت القوالب النمطية التي تميز ضد الأقليات الدينية في مناهج المدارس.[132] صرحت الحكومة بأن مناهجها المدرسية لا تشمل أي قوالب نمطية تمييزية.[133] كما دعت اللجنة السعودية إلى "أن تعمد على سبيل الأولوية إلى تنقية الكتب المدرسية من كل المحتويات المسيئة إلى الأقليات الدينية".[134]
ذكر مسؤولون سعوديون في فبراير/شباط 2017، وفقا للتقرير الأميركي للحريات الدينية في العالم لعام 2017، أن "المرحلة النهائية من تنقيحات الكتب المدرسية في المدارس الثانوية لا تزال جارية، مع تنقيحات سيتم إنجازها لكتب الصف 11 و12". غير أن اللجنة لاحظت، أنه في حين انخفضت بعض محتويات التعصب فإنها لا تزال تحتوي على "لغة مهينة بحق المسلمين غير السنة".[135]
أخبر وزير الخارجية الأمريكية ريكس تيلرسون لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب في 14 يونيو/حزيران 2017، أن إحدى المبادرات التي يقوم بها "المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف"، وهو مركز جديد مقره الرياض، هي "نشر كتب مدرسية جديدة مخصصة للمدارس الموجودة في المساجد في جميع أنحاء العالم... لتحل محل الكتب المدرسية الموجودة اليوم التي تدعو إلى وجهات نظر وهابية متطرفة حول تبرير العنف". لم يتطرق تيلرسون تحديدا لكتب وزارة التعليم السعودية.[136]
إدانة معتقدات الشيعة وممارساتهم
وجدت مراجعة شاملة أجرتها هيومن رايتس ووتش للكتب الدينية الصادرة عن وزارة التعليم السعودية للعام الدراسي 2016-2017 أن جزءا كبيرا من المحتوى الذي ينتقص من الأديان الأخرى بقي في هذه الكتب رغم تعهدات الإصلاح السعودية. يتكون المنهج الدراسي "التوحيد" من 45 كتابا مدرسيا ودفاتر تطبيقية للطلاب لمستويات التعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي.[137] لم تستعرض هيومن رايتس ووتش نصوص دينية إضافية تتناول الشريعة الإسلامية، أو الثقافة الإسلامية، أو التفسير الإسلامي، أو تلاوة القرآن.[138]
لا يشير منهج "التوحيد" السعودي مباشرة إلى الإسلام الشيعي أو يستخدم مصطلحات مهينة مثل الرافضة. بدلا من ذلك، تنتقد النصوص بشدة الممارسات والتقاليد المرتبطة ارتباطا وثيقا بالإسلام الشيعي بعبارات فضفاضة، وتصنفها في كثير من الحالات كأدلة شرك ستؤدي إلى خروج عن الإسلام ولعنة أبدية للذين يمارسونها. قال نشطاء وخبراء سعوديون استشارتهم هيومن رايتس ووتش إن الطلاب السعوديين سيفهمون على الفور المستهدفين من الانتقادات الواردة في هذه النصوص كمعتقدات وممارسات شيعية، بالرغم من أن النصوص لا تستخدم كلمة الشيعة، وبالرغم من أن بعض الانتقادات تطبق بالتساوي على الممارسات الدينية الصوفية.
يعرف المنهج نفسه بأهل السنة والجماعة أو الإسلام السني. الدرس الأول من كتاب الصف السادس من الفصل الثاني يحمل عنوان "منهج السنة والجماعة في العقيدة"، ويُعرف السنة بأنهم الذين "اجتمعوا على الحق ولم يتفرقوا في الدين".[139] يذهب كتاب المستوى الأول للمرحلة الثانوية إلى أبعد من ذلك، بحجة أن الإسلام السني قد تلقى "أفضل" ما أتيح لأمة النبي محمد، لأنه "يمثل حقيقة الإسلام عملا وعلما." (أنظر الوثيقة أدناه)[140].
بالإضافة إلى تفضيلها المعلن للإسلام السني، فإن جميع مستويات منهج التوحيد تقصي وتدين المعتقدات والممارسات المرتبطة بالتبجيل الشيعي للشخصيات الدينية الإسلامية الأولى من آل بيت النبي محمد مثل علي، الخليفة الرابع، وأبنائه الحسن والحسين، والأئمة الإثني عشرية والشيعة الإسماعيلية. شملت الممارسات الأخرى المدانة الحج الشيعي إلى الأماكن المقدسة مثل أضرحة الشخصيات الدينية المقدسة، والتوسل، أو "الشفاعة"، التي يدعو فيها الشيعة النبي أو آل بيته كوسطاء إلى الله.[141]
تنتقص كتب التعليم الديني السعودية من هذه الممارسات في جميع مراحل التعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي، حيث تشير إليها في عبارات نمطية مثل "العبادة"، و "السجود"، و "تبجيل" الموتى بالإضافة الى "التوسل"، و"القسم"، و"الاستغاثة"، و"التضحية" من أجل الموتى. يفهم الجمهور السعودي "الموتى" في هذه الحالات على أنهم يشملون الشخصيات المقدسة في الإسلام الشيعي بين آل بيت النبي محمد، على الرغم من أن الشيعة يجادلون أن هذه الأوصاف ليست دقيقة بالضرورة.[142]
وجدت هيومن رايتس ووتش أن الكتب المدرسية الابتدائية تدين في 11 موضعا "التضرع لأي شخص غير الله"، وهي إشارة مبهمة عن ممارسة الشيعة للتوسل. يدين النص "التوسل" بمصطلحات مختلفة، بما في ذلك التوسل "للصالحين" أو "الموتى" أو "القبور" و"الأضرحة". على سبيل المثال، يستشهد الفصل الثاني من كتاب الصف الرابع بعدة أمثلة عن " الشرك الأعظم"، يتبعها "دعاء أصحاب القبور والأضرحة في تفريج الكرب وحصول الرزق".[143] العقوبة المحددة لهذا هو "الخروج من ملّة الإسلام والخلود في النار"(انظر الوثيقة أدناه).[144] يذكر الفصل الأول من كتاب الصف الخامس أيضا أنه "لا يجوز دعاء غير الله، ومن دعا غير الله تعالى فقد أشرك".[145]
يخص النشطاء الشيعة السعوديون بالذكر عادة الفصل الأول من كتاب التوحيد للصف السادس على أنه الأكثر وضوحا من حيث إدانة الممارسات الشيعية. يحتوي على فصل بعنوان "الشرك الأعظم" الذي يعرف الشرك بأنه "جعل شريك مع الله تعالى، في ربوبيته، وألوهيته، أو أسمائه أو صفاته؛ مثاله دعاء أصحاب القبور والأضرحة في تفريج الكرب وحصول الرزق "(انظر الوثيقة أدناه).[146]
ينص نفس الكتاب على أنه من بين "أمثلة الشرك" بربوبية الله: "ما يعتقده الغلاة من عباد القبور والأضرحة الذين يزعمون أن أرواح الأولياء تتصرف في الكون وتديره". بجانب هذا القسم صورة تحمل علامة "ضريح" تظهر قبرا مكسوا بغطاء أخضر. قال ناشطون وخبراء شيعة لهيومن رايتس ووتش إن السعوديين والمسلمين عموما سيفهمون الضريح في الصورة على أنه ضريح شيعي (انظر الوثيقة أدناه).[147] مثال آخر على هذا النوع من الشرك هو "أن يُعتقد أن أحدا يعلم الغيب مع الله"، في إشارة واضحة إلى الاعتقاد الشيعي أن الأئمة لديهم معرفة سرية بالغيب.[148] كما هو الحال في الأمثلة السابقة، فإن العقوبة هي الخروج عن ملّة الإسلام والعذاب الأبدي.
تُستخدم صورة القبر المكسو بغطاء أخضر باستمرار في كامل منهج التوحيد كمثال على ضريح "محرّم". وجدت هيومن رايتس ووتش 7 أمثلة في المناهج الابتدائية والمتوسطة والثانوية تستخدم نفس الصورة. كذلك، يدين المنهج في 6 أمثلة على الأقل ممارسة بناء المساجد أو الأضرحة فوق القبور، في إشارة واضحة إلى مواقع حج الشيعة أو الصوفية. يحتوي كتاب الثانوي المستوى الثالث على قسم بعنوان "مخالفة الناس سنة النبي في القبور"، وينص على ما يلي: "خالف كثير من الناس ما نهى عنه النبي من بدع القبور وارتكبوا ما حذر منه، فوقعوا بسبب ذلك في البدع أو الشرك الأكبر حيث بنوا على القبور مساجد وأضرحة ومقامات".[149] يشير النص أيضا إلى أن الناس يستخدمون الأضرحة كمكان لارتكاب أعمال أخرى من الشرك أو البدع بما في ذلك: "الصلاة عندها، والقراءة عندها، والذبح لها، ودعاء أصحابها، والاستغاثة بهم وصرف النذور لهم..." (انظر الوثيقة أدناه).[150]
يعبر الفصل الثاني من نص الصف السابع عن مشاعر مماثلة، زاعما أن " الذين يتخذون قبور الأنبياء والصالحين مساجد هم شرار الخلق عند الله تعالى".[151]
تدين نصوص أخرى عبادة القبور، وطواف القبور، والتضحية عند القبور، أو الهوس بالقبور.[152] قال ناشطون وخبراء شيعة لهيومن رايتس ووتش إنهم لا يقومون بمثل هذه الممارسات، ولكنها من المحتمل أن تكون صور نمطية سنية للممارسات الشيعية.[153]
تحتوي الكتب المدرسية الدينية على إشارات أكثر وضوحا لممارسات الشيعة في مواضع أخرى. على سبيل المثال، يدين الفصل الأول من كتاب الصف السادس "النياحة" على الميت، وهو ما يُشار إليه على أنه مثال على "الكفر". ترتبط النياحة ارتباطا وثيقا بضرب السوط وطقوس حداد الشيعة حول ذكرى استشهاد الحسين المعروفة بواقعة عاشوراء خلال الشهر الأول من التقويم الإسلامي. يصف النص النياحة بأنها "رفع الصوت بالندب على الميت والدعاء بالويل والثبور".[154]
بالإضافة إلى ذلك، تحظر الكتب المدرسية ممارسة الحلف بأي شخص غير الله، واصفة اياه كشكل من أشكال الشرك. يستشهد الفصل الأول من كتاب الصف السادس بمثال الحلف بالحسين، وهي ممارسة شيعية (انظر الوثيقة أدناه).[155]
يحظر كتاب الصف الرابع ممارسة الشيعة لاستخدام اسم عبد الحسين، بحجة أن الاسم لا يمكن أن يتضمن سوى اسما واحدا من أسماء الله الـ 99 بعد كلمة "عبد" (انظر الوثيقة أدناه).[156]
تنتقد النصوص أيضا، "غلوّ" الشيعة في تبجيل آل بيت النبي. يقول نص من الصف السابع إن "الغلوّ في آل بيت النبي برفعهم فوق مكانتهم التي أعطاهم الله تعالى من أسباب الشرك بالله"، مستشهدا بأمثلة "دعائهم"، "والاستغاثة بهم" و"الزعم أن لهم القدرة على معرفة الغيب" (انظر الوثيقة أدناه).[157
يؤكد كتاب المرحلة الثانوية المستوى الأول على نقطة مماثلة، مشيرا الى أن إحدى أسباب "عودة" الشرك و"انتشار الجهل" في القرون الأخيرة هو "الغلو في الأنبياء والأولياء والصالحين بدعوى المحبة لهم، حتى بُنيت الأضرحة على قبورهم، واتُّخذت أوثاناَ تُعبد من دون الله...".[158]
يشير فصل من المستوى الخامس لكتاب المرحلة الثانوية بوضوح إلى نظرة الشيعة حول عصمة الأئمة وكذلك ممارستهم للتوصل أو الشفاعة:
يتبرأ السنة من الذين يغلون في أهل البيت ويدعون لهم العصمة، ومن الذين ينصبون العداوة لأهل البيت المستقيمين ويطعنون فيهم، ومن طريقة المبتدعة الذين يتوسلون بأهل البيت ويتخذونهم أرباباً من دون الله (انظر الوثيقة أدناه).[159]
شكر وتنويه
أجرى بحوث هذا التقرير آدم كوغل، باحث بقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، بمساعدة بحثية كبيرة من كريستين بيكرلي، باحثة؛ هية زيادين، مساعدة أبحاث؛ أوكلي هايت، متدرّب بقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
راجع التقرير نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكلايف بالدوين، مستشار قانوني أوّل، وطوم بورتيوس، نائب مدير البرامج. تم تنسيق التخطيط والإنتاج من قبل غرايس تشوي، مديرة المطبوعات، وفيتزروي هوبكنس، المدير الإداري.
نشكر النشطاء السعوديين السُنّة والشيعة على مساعدتهم لهيومن رايتس ووتش في إعداد هذا البحث.