ملخّص
"كأن الضباب كان يغطي البلدة بأكملها. نسعل دون انقطاع، غير قادرين على التنفس، وأحيانا نستيقظ ونرى الرماد في بصاقنا. شدة الرائحة كانت تسبب لنا الدوار".
— عثمان، كفرزبد، 16 فبراير/شباط 2017
"عندما يحرقون لا يمكننا التنفس... اضطررنا إلى الذهاب إلى المستشفى بسبب ذلك".
— محمد، كفرزبد، 16 فبراير/شباط 2017
حرق النفايات في الهواء الطلق في لبنان ممارسة خطيرة ويمكن تفاديها. ولأنه يسبب خطر الإصابة بمشاكل صحية على المديين القصير والطويل، فإنه يستدعي التزام الحكومة اللبنانية القانوني بحماية صحة مواطنيها. يأتي حرق النفايات في الهواء الطلق في لبنان نتيجة عدم معالجة الحكومة النفايات الصلبة بطريقة تلتزم القوانين البيئية والصحية التي من شأنها حماية الناس. يتعرّض الأطفال وكبار السن للخطر أكثر من غيرهم.
يتم الحرق في الهواء الطلق عندما تنهار خطط إدارة النفايات، مثلما حصل في بيروت وجبل لبنان خلال أزمة النفايات 2015 التي تكدّست خلالها النفايات في الشوارع. ولكن سببه أيضا أن الحكومة المركزية تولي الأولوية لبيروت وجبل لبنان في جمع النفايات – تنتج هاتان المنطقتان نصف نفايات لبنان المنزلية الصلبة فقط – في حين تترك البلديات الأخرى لتتدبر أمرها بنفسها دون أي دعم مالي أو تقني أو مراقبة.
قد يكون للحرق في الهواء الطلق آثار خطيرة على صحة السكان. وثّقت عدة دراسات علمية مخاطر الانبعاثات من المحارق في الهواء الطلق على صحة الإنسان. منها التعرّض لجزيئات دقيقة، الديوكسين، المركّبات العضوية المتطايرة، ومركبات كل من الهيدروكربون العطري متعدد الحلقات وثنائي الفينيل متعدد الكلور، التي ترتبط بأمراض القلب والسرطان وأمراض الجلد والربو وأمراض تنفسية. تتفاقم مخاطر حرق النفايات في الهواء الطلق لأنه في لبنان عادة لا يتم التخلّص بطريقة مناسبة من النفايات الصناعية والطبية، والتي قد تختلط بالنفايات الصلبة التي تنتجها البلديات.
وجدت "هيومن رايتس ووتش" أن الذين يسكنون بالقرب من أماكن الحرق المكشوفة يعانون من مشاكل صحية تتوافق مع التنشق المطوّل والمتكرر لدخان محارق النفايات. منها، مرض الانسداد الرئوي المزمن، السعال، التهابات الحلق، أمراض جلدية، والربو. في العديد من الحالات، وصف الذين تمت مقابلتهم علاقة زمنية بين حرق النفايات وأمراضهم؛ فقد أصيب بعضهم بالمرض بعد البدء بعمليات الحرق أو انتقالهم إلى أماكن يتم فيه الحرق. فيما قال آخرون إن عوارض مرضهم تدنّت بعدما أوقفت البلدية الحرق أو انتقلوا بعيدا عن مناطق الحرق.
بسبب آثاره المضرّة على الصحة، يستدعي حرق النفايات التزام لبنان بواجباته تجاه القانون الدولي لحقوق الإنسان. لبنان دولة عضو في "العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية"، الذي يتطلب منه اتخاذ خطوات لتحقيق حق الإنسان "في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه".
في حين تلعب عوامل أخرى دورا في هذه الأمراض، فإن نسبة تلوث الهواء من حرق النفايات في الهواء الطلق، العلاقة بين هذه الأمراض وفترات الحرق، والمقابلات مع أطباء وخبراء آخرين في الصحة العامة تدل على علاقة سببية بين تلوث الهواء من حرق النفايات وسوء الأوضاع الصحية في المجتمعات المحلية.
قال 10 أطباء لهيومن رايتس ووتش إنهم يعتقدون أن المحارق المكشوفة تسبب أمراضا تنفسية. كما لاحظ أطباء في بيروت وضواحيها ارتفاعا في حالات الأمراض التنفسية في المناطق التي بدأت بحرق النفايات بعد أزمة إدارة النفايات في 2015.
شرح أشخاص يسكنون بالقرب من مكبات النفايات المكشوفة كيف أثّر حرق النفايات على أوجه حياتهم الأخرى: فلم يعد باستطاعتهم إمضاء وقت بالخارج، بدأوا يعانون من صعوبات في النوم بسبب تلوث الهواء، أو اضطروا إلى مغادرة منازلهم وقت الحرق. وأفاد بعض السكان أنهم اضطروا إلى الانتقال نهائيا إلى أماكن أخرى لتجنّب آثار الحرق المكشوف الصحية الممكنة.
وصفت ليلى، من سكان سن الفيل، إحدى ضواحي بيروت، تأثير حرق النفايات بالقرب من شقتها منذ صيف 2016، والذي كان لا يزال مستمرا حتى وقت إجراء المقابلة في نوفمبر/تشرين الثاني 2016:
أولا الرائحة. ثم يبدأ الدخان الأبيض بالتصاعد ويلف بنايتنا. يبدأ الحرق عادة في الليل ويستمر حتى الفجر. فأركض فورا إلى الشرفة لأُدخِل الملابس ثم أقفل جميع النوافذ والأبواب. ولكن الرائحة والدخان يبقيان. لا يمكننا تشغيل مكيف الهواء. لا يمكننا النوم. نبقى مستيقظين حتى
الصباح و[نشعر أننا] نختنق. حدث هذا الليلة الماضية، بدأ عند منتصف الليل. هذا لا يُحتمَل. حتى عندما أكون خارج المنطقة، يكون الدخان وكأنه لايزال في رئتيّ.
تكلمت الغالبية العظمى من السكان الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش عن آثار صحية ربطوها بمحارق النفايات المكشوفة وتنشق دخانها. قال 38 شخصا إنهم يعانون من أمراض تنفسية، منها مرض الانسداد الرئوي المزمن، السعال، التهاب الحلق، والربو. وبحسب العديد من المؤلفات العلمية، تتوافق هذه العوارض مع التعرّض لمحارق النفايات المكشوفة. سعى 32 شخصا إلى الحصول على العلاج الطبي لهذه الأمراض التنفسية وقال 2 منهم إن طبيبا أو مستشفى وصف لهما أقنعة أكسجين.
كما وثّقت هيومن رايتس ووتش 3 حالات تم الحرق خلالها بالقرب من مدارس. وفي إحداها، بالقرب من الناعمة، قال المسؤولون إن النفايات كانت تُرمى وتُحرق في الجهة المقابلة من الشارع على مدى 4 أيام خلال أكتوبر/تشرين الأول 2016، ما اضطرهم إلى اعتماد تدابير طارئة وإرسال الأطفال إلى منازلهم.
استخدمت هيومن رايتس ووتش طائرة من دون طيار فوق 3 مكبات كبيرة لأخذ صور جوية. في كل من المواقع الثلاثة، ظهرت في الصور آثار سوداء من عمليات حرق حديثة ورواسب رماد تشير إلى عمليات حرق سابقة.
بالإضافة إلى المخاوف الصحية المباشرة، قالت بعض الأُسر إن عدم اليقين مما إذا كانت المحارق ستسبب لهم مشاكل صحية أخطر، بما في ذلك السرطان، أثّر كثيرا على نفسيتهم. في حالة واحدة فقط قال المتحدث إن البلدية قدمت للأسرة معلومات عن مخاطر المحارق المكشوفة واحتياطات السلامة الواجب اتخاذها. في النتيجة، عبّر كثيرون عن خوفهم من مخاطر مجهولة والقلق حول التأثير المحتمل للمحارق المفتوحة على صحتهم وصحة أولادهم. كما عبّر الأهل عن إحباطهم بسبب عجزهم عن حماية أطفالهم من الآثار الصحية المحتملة للحرق.
يبدو أن الحرق في الهواء الطلق في لبنان يؤثر على المناطق ذات الدخل المنخفض أكثر من غيرها. حصلت هيومن رايتس ووتش على خريطة للمكبات المكشوفة من وزارة البيئة و"برنامج الأمم المتحدة الإنمائي"، يظهر فيها أن بالرغم من وجود أكثر من 100 مكب مكشوف في بيروت وجبل لبنان، وهي من المناطق الأكثر ثراء في البلاد (ويقطنها 50% من السكان)، يتم حرق 9 منها فقط. لكن هناك نحو 150 مكبا مكشوفا يتم حرقها في مختلف أنحاء البلاد، حيث يقطن الـ 50% الآخرون. معظم المكبات حيث يتم الحرق في الهواء الطلق بانتظام موجودة في بعض أفقر المناطق في البلاد، منها البقاع والنبطية والجنوب.
لم يطبق لبنان خطة وطنية لإدارة النفايات الصلبة تشمل البلد بأكمله. بحسب أحدث أرقام حكومية منشورة، أنتج لبنان أكثر من مليوني طن من النفايات المنزلية في 2014. وبحسب باحثين في "الجامعة الأميركية في بيروت"، 10 إلى 12% فقط من نفايات لبنان لا يمكن تسبيخها (تحويلها إلى سماد) أو إعادة تدويرها، مع ذلك 77% ترمى في مكبات مكشوفة أو تُطمَر. بالاعتماد على أرقام وزارة البيئة، هناك 941 مكبا مكشوفا في البلاد، منها 617 للنفايات المنزلية الصلبة. أكثر من 150 منها تُحرّق في الهواء الطلق بمعدل مرة واحدة في الأسبوع على الأقل.
وتزايد حرق النفايات في بيروت وجبل لبنان أيضا بعد انهيار نظام إدارة النفايات فيهما خلال أزمة النفايات في 2015. وقال "الدفاع المدني" اللبناني إنه استجاب لـ 3612 بلاغ حرق نفايات في الهواء الطلق منذ بداية الأزمة حتى 30 يونيو/حزيران 2017 في بيروت وجبل لبنان و814 في باقي البلاد. وفق الدفاع المدني، ارتفع عدد حالات الحرق في الهواء الطلق في جبل لبنان 330% في 2015 ثم 250% في 2016.
يعود تاريخ أزمة إدارة النفايات في لبنان إلى عدة عقود، في ظل إدارة وتخطيط حكوميين سيئين؛ دعم ومراقبة غير كافيين للمناطق خارج بيروت وجبل لبنان؛ الإفراط في استخدام المطامر والمكبات المكشوفة والحرق في الهواء الطلق؛ الاعتماد على القطاع الخاص والمانحين الدوليين؛ ونقص الشفافية. لم تعتمد إدارة النفايات في لبنان يوما على أفضل الممارسات السليمة البيئية والصحية العامة، إنما كانت القرارات المهمة تُتخذ في آخر لحظة وبشكل طارئ.
منذ انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية في 1990، ركزت الحكومة المركزية جهودها في إدارة النفايات على بيروت وجبل لبنان، تاركة البلديات في المناطق الأخرى إلى حد كبير تعتمد على نفسها.
يشتكي المسؤولون البلديون خارج بيروت وجبل لبنان من أن الحكومة المركزية لا تزودهم بالدعم المالي أو التقني المناسبين لإدارة النفايات. وقال معظمهم إن الحكومة تأخرت في توزيع مستحقات "الصندوق البلدي المستقل" في السنوات الأخيرة، ما صعّب على البلديات الاستثمار في إدارة النفايات الصلبة. حسب تقرير لـ "المركز اللبناني للدراسات"، لم يكن صرف أموال الصندوق البلدي منتظما وكان يتأخر لأشهر ويتبع معايير متغيّرة. وجد تقرير لوزارة البيئة في 2010 أن هذا التأخير أدى إلى نشوء المكبات المكشوفة. مع أن بعض البلديات اتخذت خطوات مؤخرا لضبط الحرق في الهواء الطلق، عبّر السكان عن إحباطهم من عدم اتخاذ السلطات شكواهم على محمل الجد ومن التأخير في التحرّك، رغم تكرار الصرخة والاعتراض. كما عبّر السكان عن إحباطهم من أنه بالرغم من الشكاوى المتكررة لدى البلديات حيث يتم الحرق، لم يُحاسَب أحد.
وزارة البيئة مسؤولة عن المراقبة البيئية، ولكن يبدو أنها تفتقر لما يلزم من موظفين وتمويل للقيام بعملها كما يجب. في 2010، كانت ميزانية وزارة البيئة 7.325 مليار ليرة لبنانية (ل.ل.) فقط (4.88 مليون دولار أمريكي (د.أ.)).
خلال أزمة 2015، تكدست النفايات في شوارع بيروت وجبل لبنان بعدما أغلقت الحكومة مطمر الناعمة بدون إيجاد بديل. أنهى قرار حكومي في مارس/آذار 2016 الأزمة عبر إنشاء مطمرَين مؤقتين والدعوة إلى البحث عن حل يحوّل النفايات إلى طاقة على المدى الطويل. أدت هذه الخطة إلى إزالة النفايات من شوارع بيروت وجبل لبنان، غير أن المطمرَين الجديدين غارقان في الدعاوى القضائية، ويقال إنهما سيبلغان سعتهما القصوى في 2018 – أي قبل سنتين كاملتين من التاريخ الذي قدرته الحكومة بشكل أوّليّ في 2020. تركزت نقاشات البحث عن حل طويل الأمد حول المحارق، غير أن خبراء الصحة العامة وناشطين بيئيين أثاروا مخاوف حول استخدام المحارق كحل دائم في لبنان، وتحديدا غياب إطار إداري للنفايات والمراقبة المستقلة والانبعاثات وكلفة الحرق العالية. حاليا، يستمر العمل بالمكبات المكشوفة والمطامر في جميع أنحاء البلاد.
أجرت هيومن رايتس ووتش بحثا في 15 بلدية تحضيرا لهذا التقرير. وجدت أنه في حين اتخذ عدد من هذه البلديات خطوات لضبط حرق النفايات في الهواء الطلق والاستثمار في منشآت حديثة لمعالجة النفايات، تعاني معظم هذه المشاريع من التأخير في التنفيذ وتعتمد على تمويل من دول أجنبية ومنظمات دولية.
وافقت الحكومة على مشروع قانون متكامل لإدارة النفايات الصلبة وأحالته على البرلمان في 2012. من شأن هذا القانون إنشاء مجلس موحّد لإدارة النفايات الصلبة ترأسه وزارة البيئة، ويكون مسؤولا عن اتخاذ القرارات ومعالجة النفايات على المستوى الوطني، بينما يترك مهمة جمع النفايات للسلطات المحلية. غير أن البرلمان لم يوافق على المشروع بعد.
ينتهك الحرق في الهواء الطلق قوانين حماية البيئة اللبنانية، التي تمنع انبعاث الملوثات في الهواء، بما فيها الروائح المضرّة والمزعجة. افتقار الحكومة للعمل الفعال في مواجهة انتشار حرق النفايات في الهواء الطلق، ونقص المراقبة الملائمة والمعلومات حول ضررها على الصحة، ينتهكان التزامات لبنان بموجب القانون الدولي، منها واجب الحكومة احترام وحماية الحق بالصحة.
على لبنان فرض حظر على حرق النفايات في الهواء الطلق، كما على وزارة البيئة والقضاء محاسبة المخالفين. على وزارة البيئة مراقبة التلوث البيئي الناجم عن المكبات المكشوفة والحرق في الهواء الطلق ونشر النتائج. وعلى وزارة الصحة مراقبة الآثار الصحية لهذه المكبات والحرق ونشر النتائج، ونصح السكان حول كيفية التخفيف من المخاطر الصحية. وعلى البرلمان تبني قانون وطني حول إدارة متكاملة للنفايات الصلبة، يشمل البلد بأكمله وليس فقط بيروت وجبل لبنان، ويأخذ بعين الاعتبار الآثار البيئية والصحية المرافقة.
توصيات
لوزارة البيئة
- تطوير وتنفيذ إطار وطني لإدارة النفايات يتوافق مع أفضل الممارسات البيئية والصحية، يغطي جميع البلديات في لبنان، ويلتزم بواجبات لبنان في ظل القانون الدولي.
- ضمان أن يشمل الإطار الوطني الأوجه التقنية والمؤسساتية والمالية لتخطيط إدارة النفايات الصلبة، ويحدد المسؤوليات واستراتيجية التنسيق بين الوزارات والبلديات والهيئات الدولية والقطاع الخاص.
- إجراء مراقبة مستقلة لضمان الالتزام ومعاقبة المخالفين.
- إفساح المجال أمام المجتمعات المحلية المتضررة للاطلاع على المعلومات والمشاركة في التخطيط لإدارة النفايات الصلبة قبل اعتماد مقاربات وقرارات معيّنة.
- اتخاذ إجراءات إدارية مناسبة بحق الأشخاص والبلديات الذين يتضح أنهم حرقوا النفايات في الهواء الطلق في لبنان، بموجب المادة 24 من قانون حماية البيئة اللبناني رقم 444/2002 والقانون رقم 64/1988.
- وضع إجراءات عامة ليتمكن السكان من التبليغ عن حرق نفايات في الهواء الطلق.
- مراقبة الأثر البيئي للمكبات المكشوفة وحرق النفايات في الهواء الطلق على لبنان ونشر النتائج.
- تطوير برنامج توعية، بالتعاون مع وزارتي الصحة والتربية، للترويج لإدارة مستدامة تحترم الحق بالصحة والبيئة النظيفة مع التدليل على مخاطر المكبات المكشوفة والحرق في الهواء الطلق.
- إدراج الآثار البيئية والصحية لإدارة النفايات في برامج المدارس الرسمية.
- وضع استراتيجية شاملة للتنظيف البيئي للمكبات المكشوفة في لبنان مع إعطاء الأولوية لتلك حيث يعرّض الحرق في الهواء الطلق صحة السكان للخطر.
- ضمان التخلص السليم من النفايات الخطرة والطبية وعدم تداخلها مع النفايات المنزلية الصلبة ما لم تعالَج بطريقة سليمة.
لوزارة الصحة العامة
- مراقبة الآثار الصحية القصيرة والطويلة الأجل للمكبات المكشوفة والحرق في الهواء الطلق باستمرار، بما في ذلك على الأطفال وكبار السن ونشر النتائج دوريا، بما يشمل المستوى المحلي.
- بالتعاون مع وزارة البيئة، ضمان إطلاع السكان بالقرب من مواقع المكبات المكشوفة والحرق في الهواء الطلق على مدى التلوث البيئي والآثار الصحية المحتملة لهذا التلوث.
- ضمان حصول السكان على الخدمات الصحية التشخيصية والعلاجية الملائمة.
- وضع استراتيجية شاملة للصحة العامة لمواجهة المشاكل الصحية الناجمة عن حرق النفايات في الهواء الطلق في لبنان.
- ضمان توفّر خدمات صحية ملائمة لمعالجة الآثار الصحية، خاصة على الأطفال وكبار السن.
- ضمان التخلص الملائم من النفايات الطبية.
لوزارة التربية
- بالتعاون مع وزارتي البيئة والصحة، إدراج التوعية حول الآثار البيئية لإدارة النفايات في مناهج المدارس الرسمية.
- ضمان ترويج المدارس الرسمية لفرز وتدوير النفايات والمشاركة في هذه العملية.
لوزارة الداخلية والبلديات
- ضمان حصول البلديات على مستحقاتها من الصندوق البلدي المستقل في موعدها من كل سنة.
للبرلمان اللبناني
- التصديق على مشروع قانون إدارة النفايات الصلبة المتكاملة الموافَق عليه من الحكومة في 2012.
- بالتنسيق مع وزارة البيئة، وضع واعتماد قانون للتشجيع على الحد من النفايات، بما يشمل فرض التنظيم والضرائب على المنتجات التي تنتج كمية كبيرة من المخلفات وعلى الملوثين. إقرار عقوبات على المخالفين.
- ضمان حصول وزارة البيئة على ما يكفي من التمويل والمفتشين لتنظيم قطاع إدارة النفايات بفعالية.
للمانحين الدوليين
- تقديم الدعم المالي لوزارة البيئة لضمان حصولها على ما يلزم من موظفين وقدرات وتمويل لمراقبة إدارة النفايات الصلبة في لبنان.
- تقديم بناء القدرات والتدريب والدعم التقني للحكومة المركزية والبلديات بالتنسيق مع وزارة البيئة.
المنهجية
أُجرِيَ البحث لهذا التقرير بين سبتمبر/أيلول 2016 ومايو/أيار 2017. أجرت هيومن رايتس ووتش 104 مقابلات مع خبراء في الصحة العامة، مسؤولين حكوميين، أطباء، صيادلة، ناشطين، وسكان يعيشون بجوار مكبات مكشوفة في لبنان.
زارت هيومن رايتس ووتش 15 موقعا منها، برج حمود والفنار وسن الفيل وأنطلياس والدورة والجديدة والدكوانة؛ في البقاع، زحلة وكفر زبد وبر الياس وبعلبك؛ في الجزء الجنوبي من جبل لبنان، الدوحة والناعمة؛ وفي الجنوب، المجادل والشهابية وصور، بما في ذلك 3 مكبات كبيرة حيث تم الإبلاغ عن حرق في الهواء الطلق، وتكلمت مع 53 من السكان حول الحرق. في جميع الحالات، كانت المكبات على بعد بضع مئات الأمتار من المناطق السكنية وبعضها كان ملاصقا للمنازل. خلال هذه الزيارات وجدت هيومن رايتس ووتش آثار حريق في المكبات، بالإضافة إلى جثث حيوانات وإطارات ونفايات طبية في بعضها. ارتدى باحثو هيومن رايتس ووتش أقنعة واقية عند زيارة المواقع حيث كان يتم الحرق في حينه.
بسبب صعوبة الوصول إلى بعض المكبات، استخدمت هيومن رايتس ووتش طائرة تجارية من دون طيار لمراقبة مكبين كبيرين في بر الياس وبعلبك في البقاع، وواحد في المجادل في الجنوب. أخذت الطائرة مئات الصور الجوية المفصلة لمواقع المكبات ومحيطها المباشر. راجعت هيومن رايتس ووتش هذه الصور بحثا عن دلائل على حرق حديث، وقيّمت بنية وتكوين المكبات وقارنتها مع تقارير رسمية ومقابلات مع سكان محليين. حصلت هيومن رايتس ووتش على تصريح من السلطات اللبنانية لتشغيل الطائرة، كما رافقها عناصر من الجيش اللبناني إلى الموقع في بعلبك خلال رحلة الطائرة، تلبية لشرط الجيش اللبناني.
أجرت هيومن رايتس ووتش جميع المقابلات في أماكن آمنة وخاصة، باللغتين الإنغليزية والعربية، في بعض الأحيان بمساعدة مترجمين. أجريت 5 مقابلات عبر الهاتف. استعضنا عن أسماء بعض الذين تمت مقابلتهم في هذا التقرير بأسماء مستعارة بناء على طلبهم، خوفا من الانتقام بسبب انتقادهم السلطات المحلية. في الحالات التي استخدمنا فيها اسم مستعار ذكرنا ذلك في التذييل. وفي بعض الحالات حجبنا معلومات معرِّفة إضافية لحماية خصوصية الأشخاص.
أبلغت هيومن رايتس ووتش جميع الذين أجرت معهم مقابلات بطبيعة البحث وهدفه، ونيتنا نشر تقرير يضم المعلومات المجمّعة. وأعلمنا جميع المشاركين المحتملين في المقابلات أنهم غير ملزمين بالتكلم معنا. كما أخبرناهم بأن هيومن رايتس ووتش لا تقدم أي دعم إنساني، وأن بإمكانهم التوقف عن التكلم معنا أو الامتناع عن إجابة أي سؤال بدون عواقب. حصلنا على موافقة شفهية لكل مقابلة، ولم يتقاض الأشخاص الذين تمت مقابلتهم أي بدل مالي مقابل التكلم مع هيومن رايتس ووتش.
لم نقم بأي مسح أو اختبار علمي أو دراسات إحصائية، إنما بنينا نتائجنا على مقابلات نوعية شبه هيكلية معمّقة مع سكان ومسؤولي الصحة العامة وأطباء وصيادلة ومسؤولين حكوميين وناشطين بيئيين. هذه العينة لا تمثّل شريحة أوسع من السكان. كما راجعنا العديد من المواد المنشورة وغير المنشورة، بما في ذلك تقارير ومسوحات وإحصاءات. اجتمعت هيومن رايتس ووتش، كجزء من بحثنا، مع وزارة البيئة وأرسلت رسائل إلى وزارات البيئة والصحة والداخلية والدفاع المدني. ردّت وزارة الصحة والدفاع المدني على هيومن رايتس ووتش وأدرجنا ردّيهما في الملحقين I وII بهذا التقرير. راجع خبير مستقل في التلوث الهوائي أجزاء من هذا التقرير بناء على طلب هيومن رايتس ووتش.
I.الخلفية
يعود تاريخ أزمة إدارة النفايات في لبنان لعقود في ظل تخطيط حكومي سيئ؛ نقص الدعم والمراقبة لإدارة النفايات خارج بيروت وجبل لبنان؛ الإفراط في استخدام المطامر والمكبات المكشوفة والحرق في الهواء الطلق؛ وانعدام الشفافية. فاقم هذه الأزمة النظام السياسي المشلول، وجود أكثر من مليون لاجئ سوري، والتعافي البطيء من حرب أهلية استمرت 15 عاما. لم تعتمد إدارة النفايات في لبنان يوما على أفضل الممارسات السليمة البيئية والصحية، إنما كانت القرارات المهمة تُتخذ في آخر لحظة وبشكل طارئ. في الوقت نفسه، أدى التوتر السياسي ونقص الأراضي المتاحة ونفور السكان من منشآت معالجة النفايات القريبة إلى إحباط التخطيط طويل الأمد.[1]
لم يطبق لبنان خطة وطنية لإدارة النفايات الصلبة تشمل البلد بأكمله. لا توجد سلطة واحدة مسؤولة عن إدارة النفايات الصلبة في لبنان: تضطلع بهذا الدور عدة وزارات وبلديات، بالإضافة إلى مانحين أجانب ومنظمات دولية تمول وتنفذ مشاريع لأغراض محددة.[2] وضع المرسوم 8735 لعام 1974 إدارة النفايات الصلبة تحت مسؤولية البلديات المحلية.[3] أما وزارة البيئة فهي مسؤولة عن تنظيم إدارة قطاع النفايات، تحديد المعايير البيئية، وضع استراتيجيات لإدارة النفايات، ومراقبة منشآت إدارة النفايات.[4]
منذ انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية في 1990، ركزت الحكومة المركزية جهودها في إدارة النفايات على بيروت وجبل لبنان، المنطقتين الأغنى في البلد، واللتين تضمان 50% من السكان وتنتجان 50% من النفايات الصلبة. في حين تركت البلديات والمحافظات الأخرى، الأفقر، تعتمد إلى حد كبير على نفسها.[5]
وجدت "سويب-نت"، وهي شبكة إقليمية لتبادل المعلومات حول أفضل ممارسات إدارة النفايات الصلبة، في تقرير في 2014 أن قطاع إدارة النفايات الصلبة في لبنان يفتقر للقدرات الكافية، ويعاني من ضعف نشر المعلومات ومشاركة المعرفة وهشاشة التنسيق بين الأطراف المعنية والافتقار لمسؤوليات واضحة في القطاع العام وغياب إطار قانوني منظّم والافتقار للوعي بالأنظمة بين الموظفين الذين يفترض أن ينفذوها.[6] كما وجدت أن القوانين الموجودة تفتقر إلى الوضوح والدقة؛ التنسيق ضئيل بين السلطات المسؤولة؛ وهناك نقص في التنفيذ بسبب القيود على التوظيف والافتقار للتدريب المناسب والغرامات المنخفضة والتدخل السياسي.[7]
تعتمد إدارة النفايات الصلبة في لبنان بشكل أساسي على الطمر، المكبات المكشوفة، والحرق في الهواء الطلق. منذ 2014، ينتج لبنان 2.04 مليون طن من النفايات المنزلية سنويا، حسب سويب-نت. 52.5% منها نفايات عضوية، بينما يمكن إعادة تدوير 36.5% منها، مثل الزجاج والبلاستيك والمعدن والورق.[8] حسب باحثين في الجامعة الأميركية في بيروت، 10 إلى 12% من نفايات لبنان فقط لا يمكن تسبيخها أو إعادة تدويرها.[9] مع أنه يتم تجميع 100% من النفايات تقريبا، 8% فقط يعاد تدويرها ويُسبّخ 15%.[10] 77% من نفايات لبنان تذهب إلى المكبات المكشوفة أو تُطمَر.[11]
منذ 2005، طُمر نحو 410 آلاف طن من النفايات المنزلية سنويا، ومعها النفايات الطبية والصناعية ونفايات المسالخ.[12] قدّرت وزارة البيئة في 2010 كلفة التدهور البيئي بسبب الطمر والحرق بنحو 10 ملايين د.أ. سنويا، وهي كلفة آخذة في الازدياد.[13]
حتى في بيروت، تندر فرص إعادة التدوير وتعتمد غالبا على شركات خاصة أو مبادرات منظمات غير حكومية.[14] في الوقت نفسه، يؤدي نمو المدن السريع والاستهلاك المتزايد و"النقص في الوعي البيئي" إلى زيادة إنتاج النفايات، حسب تقرير لوزارة البيئة.[15]
الحرق في الهواء الطلق
الحرق في الهواء الطلق هو نتيجة مباشرة لسوء إدارة الحكومة اللبنانية للنفايات الصلبة. يحدث حرق النفايات في الهواء الطلق في لبنان عند انهيار خطط إدارة النفايات، كما حصل في بيروت وجبل لبنان في 2015. لكنه أيضا النتيجة المباشرة لسياسة الحكومة التي نظّمت تجميع النفايات والتخلص منها في بيروت وجبل لبنان، بينما تركت باقي البلديات تتدبر أمورها بدون ما يكفي من مراقبة أو دعم مالي أو خبرات تقنية. أما خارج بيروت وجبل لبنان، قال السكان لهيومن رايتس ووتش إن حرق النفايات في الهواء الطلق مستمر منذ عقود.
حسب وزارة البيئة، تم إنشاء أكثر من 941 مكبا مكشوفا عبر البلاد، منها 617 مكبا للنفايات المنزلية يُحرَق العديد منها بانتظام.[16] بعضها ملاصق للمنازل. حسب خريطة حصلت عليها هيومن رايتس ووتش من وزارة البيئة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 150 من 617 مكب نفايات منزلية صلبة تُحرَق أسبوعيا.
زارت هيومن رايتس ووتش 3 مكبات ولاحظت آثار حريق فيها جميعا، بالإضافة إلى وجود جثث حيوانات وإطارات ونفايات طبية في بعض المكبات. وبسبب صعوبة الوصول إلى بعض المكبات، استخدمت هيومن رايتس ووتش طائرة تجارية من دون طيار لمراقبة 3 مكبات مكشوفة كبيرة في بر الياس وبعلبك في البقاع والمجادل في الجنوب. أظهرت الصور الجوية عالية الدقة للمواقع دلائل على حرق حديثة. وبقايا رماد تشير إلى حرق سابق.
كان هناك حرق عشوائي للنفايات في الهواء الطلق في بيروت وجبل لبنان، ويبدو أنه زاد بعدما فشل نظام تجميع النفايات فيهما خلال أزمة 2015 التي أدت إلى تكدّس النفايات في الشوارع. كتب الدفاع المدني، الذي يخمد الحرائق وينفذ عمليات إنقاذ، في رسالة إلى هيومن رايتس ووتش أن عناصره استجابوا لـ 4426 بلاغ حرق نفايات في الهواء الطلق منذ بداية أزمة إدارة النفايات في 2015. 108 منها في بيروت و3504 في جبل لبنان، والحالات المتبقية كانت خارج المحافظتين. وبحسب الدفاع المدني، ارتفع عدد بلاغات حرق النفايات في الهواء الطلق في جبل لبنان 330% في 2015 مقارنة مع ما قبل الأزمة، ثم 250% في 2016. وفي بيروت ارتفع 50% في 2015 ثم 75% في 2016 مقارنة مع معدل الحرائق قبل الأزمة. وانخفضت البلاغات في بيروت وجبل لبنان في 2017.
[17]تمثل بيانات الدفاع المدني الحرائق المبلغ عنها فقط وليس جميع حالات حرق النفايات في الهواء الطلق في لبنان بأكمله.
ينتشر حرق النفايات في المناطق الريفية في لبنان، بينما يزداد حرق النفايات في الهواء الطلق داخل مناطق مكتظة بالسكان منذ أزمة النفايات الصلبة التي تشهدها البلاد. [18]بحسب مسؤولة في وزارة البيئة، البلديات لا تدفع تكاليف إدارة سليمة للنفايات بمحض إرادتها. قالت: "إذا تُركَت على هواها فستختار المكبات المكشوفة".[19] مع أن السكان أكدوا في بعض المناطق أن عمال البلدية أو عمال التنظيف هم الذين يحرقون بحرق النفايات، أنكر جميع المسؤولين البلديين الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش وقوفهم خلف الحرق.[20]
ينتهك حرق النفايات في الهواء الطلق قوانين حماية البيئة اللبنانية. بموجب المادة 24 من القانون رقم 444/2002، على كل شخص طبيعي أو معنوي، عام أو خاص، في معرض ممارسة نشاطه، أن يلتزم بعدم انبعاث أو تسرب ملوثات للهواء، بما فيها الروائح المزعجة أو الضارة. ويرصد القانون عقوبات للمخالفين، وبعد إنذار المخالف من قبل السلطات المحلية، يكون لوزارة البيئة أن تتخذ كل التدابير القانونية الهادفة إلى وقف النشاط الملوث للبيئة.[21] يحظر القانون 64/1988 حول النفايات السامّة والملوثات الضارّة إنتاج النفايات السامة بدون التخلّص السليم منها، ويرصد عقوبات تتراوح من الغرامات إلى السجن بين 3 أشهر و3 سنوات.[22]
وزارة البيئة هي المسؤولة عن المراقبة البيئية، ولكن يبدو أنها تفتقر لما يلزم من الموظفين والمصادر المالية للقيام بعملها بفعالية.[23] في 2010، كانت ميزانية الوزارة 7.325 مليار ل.ل. فقط (4.88 مليون د.أ.).[24]
في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، أرسل وزير الصحة رسالة إلى وزارة الداخلية يطلب فيها أن تتوقف البلديات عن حرق النفايات، فمررتها وزارة الداخلية إلى البلديات.[25] في فبراير/شباط 2016، اتهم وزير الصحة 85 بلدية بحرق النفايات وأحالها إلى القضاء، ودعا وزير الداخلية والنائب العام إلى إجبار البلديات على توقيع تعهد بعدم حرق النفايات.[26] قال وزير الصحة لاحقا إنه من مسؤولية الوزارة التأكد من توقف الحرق.[27] كتبت الوزارة في رسالة إلى هيومن رايتس ووتش: "تشدد وزارة الصحة العامة على منع حرق النفايات المفتوح مطلقا وذلك منذ انطلاق ازمة النفايات، وتدعو جميع البلديات لاتخاذ الإجراءات اللازمة والصارمة لمنع هذا الأمر".[28]
بيروت وجبل لبنان
هناك تباين صارخ بين إدارة النفايات في بيروت وجبل لبنان، أغنى منطقتين في لبنان، وفي بقية البلاد التي تضم أعلى معدلات الفقر.[29] في بيروت الكبرى، منح لبنان شركة "سوكلين" من مجموعة "أفيردا" عقدا مدته سنة لتجميع النفايات وتنظيف الطرقات عبر مناقصة في 1994 وتم بعد ذلك تجديده وتوسيع نطاقه.[30] في 1997، وضع "مجلس الإنماء والإعمار"، وهو مؤسسة حكومية تراقب وتنفذ المشاريع الكبرى، ونفّذ خطة طوارئ للنفايات في بيروت ومعظم جبل لبنان (باستثناء جبيل). بحلول 1998، كانت شركتا سوكلين و"سوكومي" من مجموعة أفيردا تجمعان وتعالجان وتتخلصان من كمية كبيرة من نفايات لبنان.[31] سويب-نت، الشبكة الإقليمية لتبادل المعلومات حول أفضل الممارسات لإدارة النفايات الصلبة، وجدت أن اعتماد عقد أفيردا بموجب خطة الطوارئ على كمية النفايات المجمعة وليس مرتبطا بطريقة معالجتها، أدى إلى لجوء الشركة بشكل أساسي إلى تخزين النفايات وطمرها مع معدلات غير كافية من التسبيخ وإعادة التدوير.[32]
حتى 2014، كانت بيروت وجبل لبنان تنتجان 2850 طن نفايات يوميا، نحو 50% من مجمل إنتاج لبنان للنفايات.[33]
فُتح مطمر الناعمة الصحي في 1997 وأصبح الخيار الأول للتخلص من النفايات في بيروت وجبل لبنان.[34] وبحلول 2014 كان مطمر الناعمة 2500 طن نفايات يوميا – أكثر من ضعفَي المخطَّط له بالأساس.[35] وكان قد بلغ سعته القصوى في 2001، وجرى توسيعه عدة مرات بالرغم من صرخة السكان.[36]
في 17 يوليو/تموز2015، وبعد عدة تأجيلات وسنوات من اعتراض السكان، أقفلت الحكومة اللبنانية مطمر الناعمة – بدون إيجاد خطة بديلة لإدارة النفايات.[37] في غياب موقع للتخلص من النفايات، توقفت سوكلين عن تجميعها فتكدست النفايات في شوارع بيروت وجبل لبنان. دعا تحرّك شعبي تحت عنوان "طلعت ريحتكن" إلى إنهاء أزمة النفايات واستقالة وزير البيئة ومحاسبة الفساد السياسي في البلد.[38] أدت الأزمة إلى احتجاجات واسعة في 15 أغسطس/آب، استخدمت خلالها القوى الأمنية القوة المفرطة ضد المحتجين.[39] وكإجراء مؤقت، استجابت الحكومة بنقل النفايات من بيروت إلى المناطق.[40]
تبنت الحكومة خطة مؤقتة لإدارة النفايات في مارس/آذار 2016، مع التركيز على بيروت وأقضية كسروان والمتن وبعبدا وعاليه والشوف – عمليا، المناطق التي كانت تعمل سوكلين وسوكومي فيها في ظل خطة الطوارئ منذ التسعينات. تدعو الخطة إلى استخدام تقنيات تحويل النفايات إلى طاقة ابتداء من 2020.[41] في المرحلة الانتقالية، بدأ لبنان بإنشاء مطمرين جديدين، مع معدل حياة مفترض يبلغ 4 سنوات: على الساحل بالقرب من برج حمود في بيروت التي كانت تضم مكبا كبيرا خلال الحرب، وعلى شاطئ الكوستا برافا، جنوب بيروت وبالقرب من مطار بيروت الدولي.[42]
كان من المفترض أن يذهب ما تبقى من نفايات بيروت إلى صيدا، 40 كيلومتر جنوبا، حيث فاقت الـ 250 مليون طن التي تستقبلها المدينة يوميا من بيروت قدرة محطة معالجة النفايات الوحيدة هناك على الاستيعاب.[43] وبحسب مسؤولة في وزارة البيئة، لم تنل هذه الخطة موافقة الوزارة أبدا، كما لم يخضع المطمران لتقييم أثرهما البيئي. تقدر الوزارة الآن أن مطمري الكوستا برافا وبرج حمود سيمتلآن بنهاية 2018.[44] في سبتمبر/أيلول 2017، نقلت وسائل إعلام محلية أن الحكومة تدرس إعادة فتح مطمر الناعمة.[45]
رفعت مجموعة محامين قضية ضد الحكومة اللبنانية ومجلس الإنماء والإعمار والشركات المتعاقدة لإنشاء مطمري برج حمود والكوستا برافا، داعية إلى إيقاف الإنشاء وإغلاق الموقعين بسبب انتهاك قانون البيئة اللبناني.[46] توقفت أعمال البناء في برج حمود عدة مرات بسبب قطع المحتجين الطريق إلى مدخل الموقع.[47] في يناير/كانون الثاني 2017، أصدر قاضٍ قرارا بإغلاق مطمر الكوستا برافا نهائيا في غضون 4 أشهر بعد أن ظهرت أدلة على أن الطيور التي جذبها المطمر الكوستا برافا تشكل خطرا على حركة الطيران في مطار بيروت.[48] فاستأنف "اتحاد بلديات ضاحية بيروت الجنوبية" قرار إغلاق المطمر ونقض قاض في محكمة الاستئناف القرار في سبتمبر/أيلول.[49] في 2017، توقفت سوكلين عن تجميع النفايات في جبل لبنان بسبب انتهاء عقدها، فتحضرت شركات أخرى للحلول محلها.[50]
خارج بيروت وجبل لبنان
خارج بيروت وجبل لبنان تقع مسؤولية تجميع النفايات ومعالجتها والتخلص منها على عاتق البلديات التي تعتمد بشكل أساسي على المكبات المكشوفة وحرق النفايات الصلبة في الهواء الطلق – خلا بعض الاستثناءات مثل منشأة للهضم اللاهوائي في صيدا والمطمر الصحي في زحلة.[51] في 2010، خارج بيروت وجبل لبنان كان يعاد تدوير 5% فقط من النفايات ويتم تسبيخ 13%.[52] حسب تقرير لوزارة البيئة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، يوجد الآن 941 مكبا مكشوفا في لبنان، منها 617 مكب نفايات منزلية يُحرَق أكثر من 150 منها أسبوعيا.[53]
يُفترَض أن تحصل البلديات على جزء من ميزانيتها من الصندوق البلدي المستقل، الذي يضم الضرائب التي تجبيها الحكومة. ولكن حسب دراسة أجراها المركز اللبناني للدراسات، لم يكن صرف أموال الصندوق البلدي منتظما وكان يتأخر لأشهر ويتبع معايير متغيّرة.[54] يشير تقرير صادر عام 2010 عن وزارة البيئة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أن إجراءات التقشف على الصعيد الوطني منعت العديد من البلديات خارج بيروت وجبل لبنان من التخطيط والاستثمار في أنظمة سليمة لإدارة النفايات الصلبة. والبلديات "عادة تحصل على حصتها من الصندوق البلدي المستقل مع تأخير سنوات ولذا تلجأ إلى حلول سريعة بما في ذلك المكبات المكشوفة".[55] أُجريَت دراسة في 2011 بطلب من وزارة البيئة، وحُدّثت في 2017، ترسم خريطة جميع المكبات المكشوفة في لبنان وتحدد خيارات إعادة التأهيل المناسبة وأعطت الأولوية لضرورة إعادة التأهيل الملحة. الكلفة الإجمالية لمشاريع إعادة التأهيل تبلغ تقريبا 74 مليون د.أ..[56]
مخاوف بيئية من المكبات المكشوفة والحرق في الهواء الطلق
بعيدا عن الأثر المباشر لحرق النفايات في الهواء الطلق، تثير المكبات المكشوفة أسئلة حول تأثير النظام البيئي بأكمله، بما في ذلك سلامة الغذاء والمياه. بحسب "وكالة حماية البيئة" الأمريكية، يمكن لحرق النفايات في الهواء الطلق أن ينتج كميات ضارّة من الديوكسين "مجموعة من المواد الكيميائية عالية السمّيّة التي تستقر على المحاصيل وفي مجاري المياه لتنتهي في غذائنا وتؤثر على صحتنا". ويمكن أيضا للّحوم والحيوانات التي تنتج الألبان والأجبان وتأكل محاصيل ملوثة أن تعرّض البشر للديوكسين.[57]
خلص تقرير لسويب-نت، الشبكة الإقليمية لتبادل المعلومات حول أفضل ممارسات إدارة النفايات الصلبة، في 2014 إلى أنه بالرغم من بعض التقدم، يساهم التخلص غير السليم من النفايات الصناعية والطبية في لبنان في تلوث المياه والتربة. ووفقا للتقرير، ينتج لبنان 25040 طنا من النفايات الطبية سنويا منها 5040 طنا من النفايات المعدية، و3338 طنا من النفايات الصناعية الخطيرة. وبسبب غياب المراقبة وكون نظام إدارة النفايات غير ملائم، تختلط النفايات الطبية والخطيرة مع النفايات المنزلية، ما يثير المزيد من المخاوف حول أثر حرق النفايات على صحة السكان.[58]
حسب تقرير لوزارة البيئة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإن تركيبة نفايات لبنان الصناعية، وبعضها خطير، "غير موثقة بشكل جيد، والجهود المبذولة لإدارة النفايات الصناعية غير كافية وهزيلة".[59]
بموجب المرسوم 13389 لعام 2004 تتحمل جميع المؤسسات الطبية إدارة نفاياتها الطبية التي يجب معالجتها قبل التخلص منها.[60] كتبت وزارة البيئة في رسالة إلى هيومن رايتس ووتش: "جميع المستشفيات في بيروت مُلزَمة التخلص بطريقة سليمة من نفاياتها وتحويلها إلى نفايات غير سامّة".[61]
ولكن، حسب تقرير وزارة البيئة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2010، فقط 2% من المختبرات الطبية الخاصة و33% من المستشفيات الخاصة و20% من المستشفيات العامة تعالج نفاياتها الطبية. وجدت الوزارة أن الباقي يختلط مع النفايات المنزلية الصلبة، مع أثر "قد يكون كبيرا" على المياه والتربة والهواء والصحة العامة.[62]
أزمة اللاجئين
يستقبل لبنان أعلى نسبة لاجئين بالنسبة إلى عدد سكانه بحسب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مع ما يقدر بـ 1.5 مليون لاجئ في بلد يبلغ عدد سكانه نحو 4.5 مليون.[63] منذ 2011، أدى وجود اللاجئين السوريين إلى زيادة الضغط على بنية تحتية لإدارة النفايات سيئة أصلا. خلصت دراسة في 2014 إلى أن اللاجئين السوريين ينتجون 15% من النفايات التي كان ينتجها لبنان قبل أزمة اللاجئين، وأنه في حين يتم التعامل مع نصف الكمية من خلال البنية التحتية، كان النصف الآخر يُرمى في المكبات المكشوفة وفي بعض الأحيان يُحرق مع آثار خطيرة محتملة على السكان المحيطين.[64] حسب "خطة لبنان الاستجابة للأزمة" للعام 2017 التي أعدتها الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة، ارتفع الإنفاق البلدي على إدارة النفايات 40% منذ بدء الحرب في سوريا في 2011.[65] وفقا لمفوضية الأمم المتحدة للاجئين، استثمرت منظمات إنسانية دولية وبلدان مانحة وهيئات أممية في مشاريع لتحسين إدارة النفايات في لبنان بما في ذلك أكثر من مليون د.أ. في 2016 وحدها.[66] بحسب مسؤول في "الاتحاد الأوروبي"، خصص الاتحاد 77 مليون يورو (89 مليون د.أ.) لإدارة النفايات الصلبة في لبنان بين 2004 و2019.[67]
الجهود التشريعية والسياسية
وافقت الحكومة على مشروع قانون متكامل لإدارة النفايات الصلبة وأحالته إلى مجلس النواب في 2012. سينشئ المشروع مجلسا موحّدا لإدارة النفايات الصلبة ترأسه وزارة البيئة، ويكون مسؤولا عن صناعة القرار ومعالجة النفايات على المستوى الوطني، بينما يترك تجميع النفايات بيد السلطات المحلية.[68] من شأن القانون أن يضع إطارا مؤسساتيا لإدارة النفايات، يسعى إلى تخفيض كمية النفايات المنتَجة، ويروّج للفرز من المصدر وإعادة التدوير وإنتاج الطاقة ومعالجة النفايات. لكنه لا يحدد مقاربة معينة لمعالجة النفايات. غير أن القانون لم يُقَرّ، وخلصت دراسة قامت بها سويب-نت في 2014 إلى أن القانون وحده لن يكون كافيا لتطبيق نظام لإدارة النفايات الصلبة في لبنان، وأن تطبيق نظام وطني بحاجة إلى قوانين إضافية ومراسيم تنفيذ وتوافق على المستويين الوطني والمحلي.[69]
في 2006، وضعت الحكومة اللبنانية ووزارة البيئة ومجلس الإنماء والإعمار خطة مدتها 10 سنوات للمناطق غير المشمولة في خطة طوارئ 1997، من شأنها تأمين التجميع والفرز وإعادة التدوير والتسبيخ، مع مراكز للفرز والتسبيخ في جميع الأقضية و6 أو 7 مطامر إضافية. غير أن الخطة لم تنفذ.[70] في 2010 عدلت الحكومة الخطة للبحث في خيارات تحويل النفايات إلى طاقة.[71] وفي 2014، قدمت وزارة البيئة إلى مجلس الوزراء استراتيجية وطنية متكاملة لمدة 25 عاما لإدارة النفايات الصلبة، ولكن المجلس لم يوافق عليها.[72]
II.تأثير حرق النفايات في الهواء الطلق
يركز هذا التقرير بالتحديد على حرق النفايات في الهواء الطلق، آثاره على السكان المحيطين، والآثار الصحية المحتملة. آثار الحرق في الهواء الطلق ليست إلا جزءا واحدا من أزمة النفايات في لبنان.[73] ركزت هيومن رايتس ووتش هذا البحث على آثار الحرق في الهواء الطلق لأنه من الثابت أن الحرق في الهواء الطلق يشكل مجموعة واسعة من الآثار الصحية الضارة، وكثير منها خطير.
لا يتضمن هذا التقرير أي قرارات تتعلق بصحة أفراد معينين في لبنان. اشتكى السكان لهيومن رايتس ووتش من مجموعة متنوعة من الأمراض، منها الأمراض التنفسية والجلدية. في حين تلعب عوامل أخرى دورا في هذه الأمراض، فإن مدى تلوث الهواء الناجم عن حرق النفايات في الهواء الطلق والارتباط الزمني لهذه الحالات مع فترات حرق في الهواء الطلق، والمقابلات مع أطباء وغيرهم من خبراء الصحة العامة، تشير بقوة إلى وجود علاقة سببية بين تلوث الهواء الناجم عن حرق النفايات في الهواء الطلق وضعف صحة المجتمع المحلي.
لبنان طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الذي يتطلب منه اتخاذ خطوات لتحقيق "حق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة البدنية والعقلية يمكن بلوغه".[74] وهذا يشمل الحق في بيئة صحية. وهذا يشمل الحق في بيئة صحية.[75] وبموجب العهد، فإن على لبنان أيضا واجب الاعتراف "حق كل شخص في مستوى معيشي... وبحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية".[76]
نوعية الحياة
تقول الأسر التي تعيش بالقرب من المكبات المكشوفة في لبنان إن حرق النفايات في الهواء الطلق أثر بشدة على عدة جوانب من نوعية حياتهم. قالت أسر لهيومن رايتس ووتش إنها لم تتمكن من قضاء الوقت في الخارج أو وجدت صعوبة في النوم بسبب الدخان أو اضطروا إلى مغادرة منازلها في أوقات الحرق. قالت بعض الأسر إنها انتقلت مؤقتا أو بشكل دائم إلى مكان آخر لتجنب الحرق والآثار الصحية المحتملة.
وصفت ليلى، من سكان سن الفيل في ضواحي بيروت، تأثير حرق النفايات بالقرب من شقتها منذ صيف 2016، والذي كان لا يزال مستمرا حتى وقت إجراء المقابلة في نوفمبر/تشرين الثاني 2016:
أولا الرائحة. ثم يبدأ الدخان الأبيض بالتصاعد ويلف بنايتنا. يبدأ الحرق عادة في الليل ويستمر حتى الفجر. فأركض فورا إلى الشرفة لأُدخِل الملابس ثم أقفل جميع النوافذ والأبواب. ولكن الرائحة والدخان يبقيان. لا يمكننا تشغيل مكيف الهواء. لا يمكننا النوم. نبقى مستيقظين حتى الصباح و[نشعر أننا] أننا نختنق. حدث هذا الليلة الماضية، بدأ عند منتصف الليل. هذا لا يُحتمَل. حتى عندما أكون خارج المنطقة، يكون الدخان وكأنه لايزال في رئتيّ.[77]
وقال محمد، الذي يعيش بالقرب من مكب مكشوف في بر الياس: "لا يمكنك الجلوس في الخارج، لا يمكنك فتح النوافذ. في الصيف، لم نتمكن من النوم بسبب الدخان، كنا نستيقظ ونحن نحاول التنفس، وكان يجب أن نغطي وجوهنا بالشراشف".[78] أما عثمان، الذي يعيش بالقرب من المكب نفسه، قال لهيومن رايتس ووتش: عند حرق المكب:
لم يكن بإمكاننا نشر الغسيل في الخارج. لم يكن بوسعنا فتح النوافذ.... كانوا يرمون شيء: البلاستيك والبقر [الذبائح] وأحيانا كانت تصدر أصوات انفجارات [من المكب]. لم نكن نستطيع فتح الباب. كأن الضباب كان يغطي البلدة بأكملها. نسعل دون انقطاع، غير قادرين على التنفس، وأحيانا نستيقظ ونرى الرماد في بصاقنا. شدة الرائحة كانت تسبب لنا الدوار.[79]
قالت سمر، التي تعيش في بعلبك، إن المكب المكشوف القريب كان له أيضا تأثير حقيقي على حياتها اليومية:
عند وجود رائحة في الصيف، كنا نهرب إلى منزل ابن عمي لنهرب من الرائحة. نستمر في السعال. عندما يحرقونها [النفايات]، تبقى الرائحة في الجدران. تدخل الرائحة إلى المنزل. نضطر إلى نشر الغسيل في الداخل. في الصيف، يحرقون النفايات باستمرار. وعندما لا يحرقونها، يقلبونها فتنتشر الرائحة.... عندما كنت حامل، كنت أغطي فمي بقطعة قماش لتجنب تنفس الرائحة. بعد الحرق، يصعب التنفس على الأطفال. نضطر للهرب في أوقات الحرق. لا يمكنك النوم. تضطر إلى الرحيل لتتمكن من التنفس.... نريد إزالة [المكب] حتى نتمكن من البقاء في بيوتنا. أصبحنا نفكر بترك بيوتنا بسببه.[80]
في جنوب لبنان، اشتكت مريم من أن الحرق المستمر يجبرها على تنظيف منزلها كل يوم. قالت: "الدخان يغطي الشرفة بأكملها، كنت أنظفها يوميا... ليس لدي الوقت لتنظيف السخام من المنزل. لا يمكننا فتح النوافذ. عندما أشم رائحة الدخان لا أستطيع التنفس. أُصبت بالربو عندما انتقلنا إلى هنا".[81]
في الفنار، جبل لبنان، حيث قال السكان إن هناك حرقا منتظما منذ بداية أزمة النفايات في بيروت في 2015، قالت مايا إن الحرق يؤثر على قدرتها على رعاية أطفالها وأجبر الأسرة على استئجار منزل ثان للهروب وقت الحرق.
لدي طفلان،11 و9، لا أستطيع تركهما يتنفسان كل هذا التلوث. لم أعد حتى أفتح النوافذ. اشتريت أجهزة تنقية. أعطيهما الفيتامينات والمكملات. أنا أخضعهما دوريا لنظام غذائي للتخلص من السموم يعتمد على الزنجبيل والبروكولي لتنقية [جسميهما]. وأطلب زيوت تنقية من لندن. أصبحت مهووسة. ولكن ماذا يمكنني أن أفعل؟ لا يمكنني أن أتركهما وكأن شيئا لا يحدث... لم أعد أسمح لهما باللعب في الخارج. لا أستطيع التنبؤ مسبقا متى سيقوم أحدهم بحرق النفايات وأدعهما يتنشقان كل هذه السموم. كأننا نعيش في مخيم للاجئين الآن. إنها حالة طوارئ دائمة... منذ 3 سنوات نعيش هنا بدوام جزئي. كلما كانوا يحرقون بشكل مفرط آخذ السيارة وأذهب بأطفالي بعيدا. في الصيف الماضي، عشنا مثل النازحين. كنا نذهب إلى الجبال. استأجرت شاليه كبيت آمن. عليك حساب كل هذه النفقات.[82]
بعض الأسر التي كانت قادرة على تحمل التكاليف انتقلت من منازلها بسبب حرق النفايات في الهواء الطلق بالقرب منها. وقال رجل كان يعيش في المتن مع زوجته وطفل حديث الولادة لهيومن رايتس ووتش إنهم انتقلوا بسبب المخاوف من حرق النفايات في مكان قريب وتأثيرها على صحتهم:
اتخذنا القرار، أنا وزوجتي، بأن هذا الوضع خطير لطفل عمره شهرين. انتقلنا إلى قريتنا البعيدة في عكار، وبقينا هناك لمدة عام حتى تمكنا من تغيير المنزل ونحن نعيش الآن في البترون. وكانت أزمة النفايات السبب الرئيسي لانتقالنا. [83]
قالت العديد من الأسر إن عدم اليقين بشأن ما إذا كان الحرق سيؤدي إلى آثار صحية أكثر خطورة، بما في ذلك السرطان، كان له أيضا آثار نفسية. وقالت 13 أسرة لهيومن رايتس ووتش إنها تخشى الآثار الصحية التي سيحدثها حرق النفايات عليها وعلى أطفالها. قال ألفريد ديب، طبيب الرئة في "مستشفى قلب يسوع" في إحدى ضواحي بيروت، إن "الناس خائفون، خائفون على أطفالهم".[84]
سمر، التي تعيش بالقرب من مكب في بر الياس حيث تقول إن الحرق مستمر منذ أكثر من 20 عاما، قالت لهيومن رايتس ووتش: "كانوا لا يزالون يحرقون في الصيف. هذا هو الأسوأ. نافذة غرفة نومي تواجه المكب، والدخان يدخل منها. نحن خائفون جدا من السرطان، وكثير من الناس أصيبوا به. أنا خائفة على أطفالي أكثر من نفسي. أريد فقط مستقبلا جيدا لهم".[85]
قالت مريم، التي تعيش في الجنوب أيضا بالقرب من مكب، إنها تعاني من صعوبة في التنفس وجميع أطفالها مصابون بالحساسية. "ذهب إخوتي وحاولوا تقديم شكوى ولكن بدون نتيجة... أنا قلقة لأننا سنصاب في المستقبل بالمزيد من الأمراض أو السرطان".[86] قال موسى الذي يعيش في الشهابية بالقرب من مكب لا يزال يُحرَق: "الأمر منطقي. مرة بعد مرة تستنشق هذه الأشياء. من المنطقي أن تقلق من الإصابة بالسرطان".[87]
المخاطر الصحية للحرق في الهواء الطلق
يمكن أن يؤدي حرق النفايات في الهواء الطلق إلى آثار خطيرة على صحة الإنسان. وقد وثقت مجموعة من الدراسات العلمية الانبعاثات الخطرة الناجمة عن حرق النفايات المنزلية في الهواء الطلق التي تصيب صحة الإنسان.[88] تشمل التعرض للجزيئات الدقيقة، الديوكسينات، المركبات العضوية المتطايرة، مركبات الهيدروكربون العطري متعدد الحلقات، ومركبات ثنائي الفينيل متعدد الكلور، التي ترتبط بأمراض القلب والسرطان والأمراض الجلدية والربو والأمراض التنفسية.[89]
حرق النفايات في الهواء الطلق في لبنان يثير القلق بشكل خاص نظرا لخلط النفايات الخطيرة والنفايات الطبية مع النفايات المنزلية الصلبة.[90]
حسب وكالة حماية البيئة الأمريكية، فإن حرق النفايات الصلبة في الهواء الطلق يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب، يزيد من أمراض الجهاز التنفسي مثل الربو وانتفاخ الرئة، ويسبب الطفح الجلدي والغثيان أو الصداع بين الناس المعرضين للخطر.[91] وتشير إلى أن حرق النفايات "أمر خطير بشكل خاص لأنه يطلق الملوثات على مستوى سطح الأرض حيث يتم استنشاقها بسهولة أو دمجها في السلسلة الغذائية".[92]
خلص تقرير لـ "البنك الدولي العام 2012 إلى أن مكبات النفايات الصلبة المكشوفة وحرقها يمكن أن يكون لهما أثر صحي كبير على السكان والعمال المحليين، وأنه " بشكل خاص، لا يُنصَح بحرق النفايات في الهواء الطلق بسبب تلوث الهواء الشديد المرتبط بالاحتراق على درجات الحرارة المنخفضة".[93]
في مختلف أنحاء العالم، حظرت العديد من الحكومات والمقاطعات والولايات حرق النفايات البلدية أو حدّت منه كثيرا، مستندة معللة ذلك بالآثار الصحية الضارة.[94] ووجدت الجامعة الأميركية في بيروت في دليلها لإدارة النفايات الصلبة البلدية أن "المكبات المكشوفة والحرق في الهواء الطلق ينطويان على مخاطر عالية للغاية لتلويث الموارد الطبيعية بالملوثات الضارة والسامة التي تزيد من احتمال إصابة السكان المجاورين بأمراض مزمنة، وربما مميتة والالتهابات".[95]
يمكن لحرق النفايات الصلبة في الهواء الطلق أن تطلق مجموعة من الملوثات في الهواء. جسيمات PM10، وهي جزيئات بحجم 10 ميكرومتر أو أقل، يمكن أن تخترق الرئتين أو تدخل مجرى الدم، وقد تؤدي إلى أمراض القلب وسرطان الرئة والربو والتهابات الجهاز التنفسي السفلي الحادة.[96] أما جسيماتPM2.5 فهي أصغر وأدق، يمكن استنشاقها، بأقطار تبلغ 2.5 ميكرومتر أو أقل.[97] وتشمل الآثار الصحية لاستنشاق جسيمات PM أمراض الجهاز التنفسي والقلب والأوعية الدموية، مثل "تفاقم الربو، أعراض الجهاز التنفسي، وزيادة في إدخال المرضى إلى المستشفيات"، بالإضافة إلى الوفيات الناجمة عن أمراض القلب والأوعية الدموية وأمراض الجهاز التنفسي وسرطان الرئة.[98] وعلى الرغم من توثيق الآثار الضارة لهذه الملوثات بشكل جيد، فإن التأثير الصحي الخاص على الأفراد في لبنان سيختلف تبعا لمتغيرات، منها الجرعة الكلية ووقت التعرض. وقد يتعرض الأطفال والأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة في القلب والرئة وكبار السن لخطر خاص.
كما أن الحرق ينتج ديوكسينات ضارة، مثل ثنائي البنزوديوكسينات المتعددة الكلور وثنائي بنزوفيوران (PCCD/Fs)، وهي مجموعة من المواد الكيميائية شديدة السمية تصنف على أنها ملوثات مستمرة ذات تراكم حيوي وملوثات سامة.[99] وفقا لوكالة حماية البيئة الأمريكية، يمكن أن تسبب الديوكسينات "السرطان، مشاكل تناسلية وتنموية، ضررا يلحق الجهاز المناعي، ويمكن أن تعرقل الهرمونات".[100] الديوكسينات هي ملوثات عضوية ثابتة، تستمر لفترات طويلة في البيئة ويمكن أن تتراكم وتنتقل من فصيلة إلى أخرى من خلال السلسلة الغذائية.[101] المواد الشبيهة بالديوكسينات، مثل ثنائي الفينيل متعدد الكلور (PCBs) هي مواد كيميائية عضوية اصطناعية، يمكن أن تسبب أمراض جلدية و"يحتمل أن تسبب السرطان للإنسان".[102]
كما أن حرق النفايات في الهواء الطلق يمكن أن يعرض السكان القريبين إلى مستويات عالية من المركبات العضوية المتطايرة، التي يمكن أن تؤدي إلى تفاقم مشاكل الجهاز التنفسي والقلب وغيرها من المشاكل الصحية القائمة، وتؤدي إلى "تهيج العين والأنف والحنجرة؛ صداع الرأس؛ فقدان التنسيق؛ غثيان؛ وتلف الكبد والكلى والجهاز العصبي المركزي".[103] وقد تم تصنيف الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات بأنها مسرطنة للبشر، وقد ربطت الدراسات الاحتكاك بها عبر التنفس أو ملامسة الجلد لفترات طويلة بسرطان الرئة أو الجلد.[104]
هناك نقص خطير في الاختبارات العلمية، الرصد والمراقبة، أو المعلومات العامة بشأن العواقب الصحية لحرق النفايات في الهواء الطلق في لبنان. وطبقا لمسؤولة بوزارة البيئة، فإن الوزارة لا ترصد أو تختبر تأثير حرق النفايات في الهواء الطلق بسبب نقص الموارد والخبرات.[105] ومع ذلك، أشارت دراستان محليتان أيضا إلى المخاطر الصحية لحرق النفايات في الهواء الطلق.
في أكتوبر/تشرين الأول وديسمبر/كانون الأول 2015، أجرى باحثون من الجامعة الأمريكية في بيروت اختبارات علمية لنوعية الهواء مأخوذة قرب سطح مبنى مؤلف من 4 طوابق شرق بيروت، على مدى سلسلة من الأيام خلال حرق النفايات وعدم حرقها في موقع مجاور. تم نشر النتائج للجمهور في يناير/كانون الثاني 2016.
وجد الباحثون زيادة مقلقة في تلوث الهواء في الأيام التي يتم فيها حرق النفايات في الموقع.[106] وأن الهواء يحتوي على تركيزات أعلى بكثير من الملوثات، بما فيها الجسيمات، والهيدروكربونات المشبعة بالهيدروجين، وثنائي بنزوديوكسينات متعددة الكلور، بالمقارنة مع القياسات التي اتخذت قبل فترة الحرق (في 2014) أو القياسات التي اتخذت بعيدا عن حادث حرق أو بعد هطول الأمطار. وأشار الباحثون إلى أن التعرض لهذه الملوثات سيؤدي إلى زيادة كبيرة في خطر الإصابة بالسرطان على السكان المحليين.
وأظهرت دراسة أخرى أجرتها مجموعة مختلفة من الباحثين في الجامعة الأميركية في بيروت قياس الظروف الصحية الحادة التي أبلغ عنها الرجال العاملين في مجموعة متنوعة من الصناعات في بيروت، ومقارنة النتائج الخاصة بأولئك الذين يعملون في محيط مكب يتم فيه حرق في الهواء الطلق، مع تلك الخاصة بالذين يعملون بعيدا عن هكذا مواقع. ووجدت الدراسة بلاغات أكثر بكثير حول التعب، الصداع، العطس، الأرق، وصعوبات في التنفس بين الأفراد المعرضين.[107] ويلاحظ الباحثون أن دراستهم قد تقلل من شأن الآثار الصحية المحتملة، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن هذه الدراسة استبعدت الأطفال أو أولئك الذين تزيد سنهم عن 60 عاما، الذين قد يكونون أكثر عرضة لآثار حرق النفايات في الهواء الطلق.[108] وخلص الباحثون إلى أن التعرض للنفايات، أو التواجد بالقرب منها أو تنفس الهواء الملوث بحرق النفايات، أدى إلى آثار صحية حادة وخطيرة، وخاصة في الجهازين التنفسي والهضمي.[109]
في سياق البحث في هذا التقرير، تحدثت هيومن رايتس ووتش مع 10 أطباء حول تأثير حرق النفايات في الهواء الطلق على صحة السكان القريبين. وقال 10 أطباء لهيومن رايتس ووتش إنهم يعتقدون أن حرق النفايات في الهواء الطلق يسبب أمراضا تنفسية. وكثيرا ما لاحظ الأطباء في بيروت وقربها زيادة في حالات أمراض الجهاز التنفسي في المناطق التي بدأت تحرق النفايات بعد أزمة عام 2015. ذكر 7 منهم أنهم متأكدين من إصابة مرضاهم لأمراض سببها أو تفاقمت بسبب الحرق في الهواء الطلق، وأشاروا إلى أنماط من الأعراض تتفق مع التعرض لحرق النفايات في الهواء الطلق، وشكاوى المرضى من حرق قريب، والصلة الزمنية بين الحرق والأعراض. وأبلغ الأطباء عن حالات مرضى لم يسبق لهم أن عانوا من أعراض الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي، فضلا عن المرضى الذين يعانون من أمراض تنفسية موجودة مسبقا والتي تدهورت عند بدء الحرق أو حدوثه.[110] إلا أن الأطباء لم يتمكنوا من التأكيد بشكل قاطع أن حرق النفايات في الهواء الطلق هو السبب الوحيد لأمراض الجهاز التنفسي لدى مرضاهم.
وتحدثت هيومن رايتس ووتش أيضا مع 8 صيادلة في المناطق التي تحدث فيها عمليات حرق في الهواء الطلق، قالوا إن السكان يسعون للحصول على علاج لأمراض الجهاز التنفسي ويشكون من استنشاق الدخان.
كما قال 7 أطباء لهيومن رايتس ووتش إنهم قلقون من أن الآثار الخطيرة وطويلة الأمد لحرق النفايات في الهواء الطلق، بما فيها السرطان، ستستغرق سنوات للظهور.
قالت طبيبة أمراض الرئة في "مستشفى المشرق" في سن الفيل قرب بيروت بعد أزمة النفايات في بيروت وجبل لبنان عام 2015: "10% من المرضى الذين أتابعهم قالوا بصراحة إنهم ينزعجون من رائحة النفايات في الهواء... أكبر مشكلة هي حرق النفايات. يسألني المرضى: ´هل يجب أن نتوقف عن التنفس؟′". وقالت إن معظم هؤلاء المرضى تعرضوا للعدوى الرئوية والتهاب الشعب الهوائية ونوبات الربو، وإن الأعراض كانت أسوأ لدى المرضى الذين أصيبوا بالفعل بالربو أو مرض الانسداد الرئوي المزمن. كانت قلقة من أن ضعف الجهاز التنفسي وفشل الجهاز التنفسي والتليف الرئوي قد تزيد بين السكان.[111] وقالت الدكتورة عبدة علم في منطقة الجديدة شرق بيروت إنها تشهد تفاقما في حالة المرضى الذين أصيبوا بالربو ومرض الانسداد الرئوي المزمن الذين يعيشون بالقرب من أماكن حرق النفايات في الهواء الطلق. "الربو الذي كان تحت السيطرة أصبح الآن خارج عن السيطرة. حالة الذين كانوا سابقا مصابين بمرض الانسداد الرئوي المزمن تزداد سوءا، ولا يمكنهم السيطرة على سعالهم. يقول الناس ’كانوا يحرقون بالقرب من منزلي مباشرة، ثم تدهور الوضع [الصحي]‘".[112]
وأشارت طبيبة أمراض الرئة في "مستشفى أوتيل ديو" في بيروت إلى أن المصابين أصلا بأمراض تنفسية كانوا في أعلى مستويات الخطر. وقالت: "بعد زيادة الحرق، ازدادت الأعراض لدى الأشخاص الذين يعانون من مرض الانسداد الرئوي المزمن أو الربو. أصبحوا غير مستقرين وبعضهم يحتاج إلى دخول المستشفى. إذا لم تتم السيطرة على مرض الانسداد الرئوي المزمن، فإنه سيؤدي إلى فشل الجهاز التنفسي، وسوف تتطلب مساعدة للتنفس في المنزل. نحن نشهد هذا أكثر فأكثر بسبب الحرق".[113]
كما أشار بعض الأطباء إلى وجود صلة زمنية بين حرق النفايات في الهواء الطلق وأعراض مرضاهم التنفسية. وقال طبيب في "مستشفى القديس يوسف" في بيروت لهيومن رايتس ووتش: "رأينا حالات تتعلق مباشرة بحرق النفايات. على سبيل المثال، في عام 2015 أبقت سيدة مسنة بنافذة مفتوحة [أثناء الحرق] وأصيبت بمرض تنفسي مباشرة بعد التعرض... الأمر واضح جدا في بعض الحالات. اليوم يحرقون النفايات وتظهر الأعراض غدا".[114]
وقال طبيب في مستشفى في الهرمل يقع بالقرب من مكب مكشوف لهيومن رايتس ووتش إن حرق النفايات يحدث في مكان قريب، مما يؤثر على المستشفى نفسه. قال: "الدخان والغبار يملآن المكان وخاصة إذا كانت الرياح تهب باتجاهنا. الغبار، والذباب، ماذا يمكنني أن أقول؟ أحيانا يشكو مرضاي. من الطبيعي أن ينزعجوا من الرائحة والتلوث. ولكن ماذا يمكنني أن أفعل؟ ما الذي يمكنني فعله أكثر من إغلاق جميع النوافذ؟"[115] وقال مسؤول حكومي يشرف على المستشفى إنه على الرغم من أن بناء المستشفى بدأ في عام 1998، لم يتم نقل المكب القريب.
حيث يوجد مكب سيكون هناك حرق. ويستمر لساعات... هناك رائحة دائمة. إذا كانت الرياح تهب جنوبا، سيبلغ الدخان والرائحة المستشفى. وسيتأثر المرضى الذين يعانون من الحساسية والربو ومشاكل في الصدر ومشاكل في القلب بالطبع لا نستطيع التحقق مَن تأثر ومَن لم يتأثر. ولكن الآثار على المرضى لا جدال فيها.[116]
أثر حرق النفايات في الهواء الطلق على السكان القريبين
الغالبية العظمى من السكان الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش قالوا إنهم تعرضوا لعواقب صحية تُعزى إلى استنشاق الدخان من حرق النفايات في الهواء الطلق. قال 38 شخصا إنهم تعرضوا لمشاكل في مجرى التنفس، ومنها الانسداد الرئوي المزمن، السعال، تهيّج الحلق، والربو. طبقا لعدد كبير من المؤلفات العلمية، تتسق هذه الأعراض مع التعرض لدخان حرق النفايات في الهواء الطلق.[117]التمس 32 شخصا العلاج الطبي لهذه الأمراض التنفسية، وقال اثنان إن طبيبا في المستشفى وصف لهما استخدام قناع الأوكسجين.
قال سكان من بيروت وجبل لبنان إن بعد أزمة إدارة النفايات عام 2015 كان يتم حرق النفايات المتراكمة في الشوارع بانتظام. أفاد أغلب السكان الذين تحدثت إليهم هيومن رايتس ووتش من هذه المناطق عن زيادة في أعراض الأمراض التنفسية بعد بداية الحرق.
أمل، وهي طبيبة مناعة وأستاذة جامعية، قالت لهيومن رايتس ووتش إنها عندما كانت تعيش في فرن الشباك قرب بيروت، بدأ الحرق في صيف 2016: "صحوت من نومي مختنقة. اضطررنا لإغلاق النوافذ. كان بإمكاني النوم في غرفة الجلوس لقلة النوافذ هناك... في البداية تشعر بعدم القدرة على التنفس بشكل طبيعي... لم يكن تنفسي طبيعيا".[118] قال هيثم، وهو من سكان الدكوانة، ضاحية شرق بيروت، إنه بدأ يحتاج إلى استخدام "طساسة" (دواء للتنفس في عبوة رذاذ) بعد أزمة 2015: "عندما تستنشق الحريق، بالطبع تتضايق. المنطقة مليئة بالدخان، لذا نبقى بالداخل". قال هيثم إن طبيبا أجرى له فحص أشعة على الصدر ووجد إصابة قال الطبيب إن سببها حرق النفايات في الهواء الطلق.[119]
في مناطق خارج بيروت وجبل لبنان، كان حرق النفايات في الهواء الطلق يحدث منذ عقود. تقريبا جميع السكان الذين يعيشون قرب مكبات نفايات مفتوحة حيث كانت تُحرق النفايات ذكروا تعرضهم لمضاعفات صحية. محمد الذي يعيش قرب مكب نفايات في بر الياس، بوادي البقاع، ويقول إن النفايات تُحرق فيه بانتظام منذ أكثر من 20 عاما، أخبرنا بأنه يعاني من السعال وعدوى بالرئة وصعوبة في التنفس، والدم عند السعال مؤخرا.[120] قال:
الرائحة لديها رخصة للذهاب إلى كل الأماكن، وهي تؤثر على قدرتنا على التنفس. لم تكن عندنا مشاكل صحية قبل بداية الإحراق... يعاني أطفالي جميعا من صعوبات في التنفس بسبب الدخان. كانت زوجتي هي أكثرنا تضررا، لكن أصيب الجميع بأعراض. عندما يحرقون النفايات لا يمكننا التنفس... نضطر لارتياد المستشفى لهذا السبب. ذهبت زوجتي 4 أو 5 مرات [منذ بداية الإحراق]، ودخلت أنا وابني المستشفى مرتين. كل هذا بسبب مشاكل التنفس. عادة ما نمضي يومين حتى أسبوع هناك. قالت المستشفى إنها عدوى في الرئة بسبب الدخان. كانوا يعطونا أقراص دواء وهي باهظة للغاية. كما أعطونا أقنعة أوكسجين... لا يمكننا حتى إصلاح بيتنا بسبب ما ننفقه من مال على العلاج... لا يمكننا أن ننام صيفا بسبب كل هذا الدخان، فنبقى مستيقظين نحاول التنفس.
يعيش حسن قرب مكب نفايات مفتوح في بعلبك، البقاع، يقول السكان إن النفايات تُحرق فيه بانتظام منذ أكثر من 10 سنوات. قال إنه مصاب بالربو منذ كان عمره 10 سنوات، وإن حالته تفاقمت بسبب الحرق. قال لهيومن رايتس ووتش:
علينا وضع الأقنعة لأطفالنا والدخول للاختباء من الرائحة كلما كانوا يحرقون الحرق. تخيل الجلوس إلى جوار مكب والعيش في مكب. كل 4 إلى 5 أشهر نصطحب أطفالنا إلى المستشفى... وكأنها عاصفة ترابية، كلما دخل الدخان هنا يجب علينا المغادرة. اضطررنا لتأجير جهاز أوكسجين أكبر في بعض الأحيان. يكلفنا 100 دولار إضافية شهريا. كان المكب يحترق بشكل دائم.[121]
قال هيثم، وهو من السكان قرب مكب النفايات في بعلبك: "عندما تحترق النفايات ندخل ونختنق. تختنق. نذهب إلى الصيدلية عندما نمرض. نحتاج كل صيف إلى أدوية. في الصيف، تكون الرائحة رهيبة، فحتى إذا كنت تشرب قهوة أو شاي تريد أن تتقيأ".[122] قال رئيس بلدية بعلبك لهيومن رايتس ووتش إن "السكان كانوا يضطرون للمغادرة ومعهم أطفالهم عندما كان [المكب] تُحرق فيه النفايات"، لكن البلدية أنهت عملية الحرق في المكب.[123]
في حالات عدة، قال من أجريت معهم المقابلات لهيومن رايتس ووتش إن ثمة علاقة زمنية بين حرق النفايات ومشاكلهم الصحية، فقد أصيبوا بالمرض بعد بدء الإحراق أو بعد الانتقال إلى منطقة يحدث فيها حرق للنفايات. أفاد آخرون بأن أعراضهم خفتت بعد ابتعادهم عن هكذا منطقة، أو بعد أن أوقفت البلدية إحراق النفايات.
سامي يعيش قرب مكب نفايات في بر الياس ويقول إن النفايات تُحرق فيه كثيرا منذ أكثر من 20 عاما، لكن مؤخرا أنهت البلدية الحرق المنتظم. قال إن أعراضه تراجعت منذ توقف الإحراق المنتظم.
أحيانا كان الحرق قويا أكثر. أطفال هذه المنطقة يذهبون دائما إلى المستشفى، الأطفال هم الأكثر تضررا. نأخذهم إلى المستشفيات والصيدليات عندما تظهر عليهم أعراض تنفسية، الأنفلونزا، الرشح. منذ أوقفوا الحرق أصبحت هذه الأعراض نادرة... منذ أوقفوا الحرق لم يعودوا بحاجة إلى أقنعة الأوكسجين.[124]
كما تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى لاجئين سوريين يعيشون قرب مناطق حرق في الهواء الطلق، قالوا إنهم لم يصابوا من قبل قط بأعراض تنفسية، لكن ظهرت عليهم الأعراض بعد انتقالهم للعيش قرب المكبات. أحمد، الذي يعيش مع أسرته قرب موقع حرق في الهواء الطلق في جنوب لبنان، قال إنه وزوجته وبناته أصيبوا جميعا بمشاكل تنفسية: "أحيانا أشعر بانسداد في حلقي. ويسوء الأمر عندما تكون النفايات مشتعلة. الجلوس بالخارج هنا متعة، لكن الرائحة تذبحنا. قبل أن ننتقل إلى هنا لم نصب بأي من هذه الأعراض قط، لكن الآن جميع أطفالي مصابون بها".[125] قال عدنان، وهو لاجئ آخر أصابته الأعراض نفسها في البقاع: "لم نصب بمثل هذه الأعراض في سوريا قط".[126]
فئات السكان الأكثر عرضة للخطر
الأطفال
الأطفال مختلفون بدنيا واجتماعيا ومن حيث درجة النمو عن البالغين، وهذه الاختلافات تجعلهم أكثر عرضة للآثار الضارة للملوثات. كما أن معدلات الأيض عند الأطفال أسرع منها عند البالغين، وهم نسبيا يستهلكون كميات أكبر من الماء والغذاء ويتنفسون هواءً أكثر من البالغين.[127] نتيجة لهذه الاعتبارات، فعندما تتواجد المواد المسببة للتسمم في البيئة، قد يتعرض الأطفال للمواد السامة بنسبة أكبر مقارنة بالبالغين المتواجدين في البيئة نفسها. كما أن السنوات الباقية في حياة الأطفال أكثر من تلك الباقية في حياة البالغين، ما يعني أن أمامهم وقت أطول من المعاناة من العواقب الصحية التي قد تتطور وتظهر على مر الزمن.[128] ما زال الأطفال تحت 18 سنة في مرحلة نمو حرجة، إذ إن نظاميهما العصبي والتناسلي يكونان في مرحلة النمو. التعرض للمواد السامة في هذه السنوات الحرجة قد يؤدي إلى آثار دائمة على نمو وتطور الأطفال.[129]
وثقت هيومن رايتس ووتش حالات عدة حيث قال الأهالي إنهم يعتقدون أن الحرق في الهواء الطلق للنفايات يؤثر على صحة أطفالهم.
تحدثت هيومن رايتس ووتش مع خليل، الذي يعيش مع أطفاله الأربعة في الشهابية قرب مكب نفايات يقع في قرية المجادل المجاورة. قال خليل لهيومن رايتس ووتش إن المكب تُحرق فيه النفايات كل يوم تقريبا؛ كانت النفايات تُحرق في المكب مرتين خلال 3 زيارات لهيومن رايتس ووتش للموقع في فبراير/شباط ومارس/آذار 2017. قابلت هيومن رايتس ووتش ابنة خليل البالغة من العمر 3 سنوات، وكانت تسعل بشكل متصل أثناء المقابلة التي دامت 20 دقيقة. قال خليل لهيومن رايتس ووتش:
يبقى مشتعلا دائما ما لم تكن تُمطر. الرائحة في الصيف خطيرة، الدخان يلف كل شيء. يلقون كل شيء في المكب. عندي 3 أطفال لديهم مشاكل صحية، عمرهم 15 و13 و11 عاما. كلهم تأثروا. لديهم جميعا حساسية بسبب هذا. عندما نشم الدخان، لا يمكننا التنفس. بسبب المكب، نبدأ بالسعال. زوجتي تعاني من ضيق التنفس... نحن قلقون للغاية من أن المشاكل الصحية ستسوء. في الصيف، نضطر لإغلاق جميع النوافذ عندما يحرقون النفايات ليلا. بدأت تظهر أعراض على ابنتي البالغة من عمرها 3 سنوات. عندما يشمون الدخان يتضايقون.[130]
أعرب الآباء والأمهات عن إحباطهم وقلقهم من عجزهم عن حماية أطفالهم من الآثار الصحية المحتملة لحرق النفايات. سمر، التي تعيش في بعلبك بجوار مكب للنفايات تقول إنه كانت تُحرق فيه النفايات كل أسبوع تقريبا حتى خريف 2016، قالت لهيومن رايتس ووتش إنها وأطفالها أصيبوا بمشاكل تنفسية بعد انتقالهم هناك. قالت: "هناك صلة. عندما ينبعث الدخان تصبح أعراضنا أسوأ. أطفالي يسعلون، وقد أخذتهم إلى الطبيب والصيدلية. لا شيء مما أوصى به الطبيب ممكن. ليس عندي هواء نظيف. لا يوجد هنا. ماذا أفعل؟"[131]
كما وثقت هيومن رايتس ووتش 3 حالات حيث حدث حرق النفايات في الهواء الطلق إلى جوار مدارس مباشرة. في مدرسة قرب الناعمة، قال إداريون إنه تم كب النفايات وإحراقها مقابل المدرسة على مدار 4 أيام خلال أكتوبر/تشرين الأول 2016، ما أدى إلى اتخاذهم تدابير طارئة وإرسال الأطفال إلى بيوتهم. قال الإداريون لهيومن رايتس ووتش:
كان من غير الواضح إن كانت المدرسة ستبقى مفتوحة، اضطرينا إلى اعتماد إجراءات للتعامل مع النفايات... كانوا يحرقونها كل يوم. اتصلنا بالبلدية واضطررنا لشراء المياه لإطفاء النار أمام المدرسة عدة مرات. اضطرينا إلى إعطاء أقنعة طبية لجميع التلاميذ، وأبقيناهم في الصفوف، ثم أرسلناهم لبيوتهم مبكرا وقت احتراق النفايات. أبلغنا البلدية واستمرت بلاغاتنا كلما تم إحراق النفايات. تواصلت الممرضة مع آباء وأمهات الأطفال المصابين بأمراض تنفسية والحساسيات والربو أولا، وأخرج الآباء والأمهات الأطفال من المدرسة. هناك فتاة راحت تنتظر أهلها وتسعل باستمرار. تأثر المصابون بالربو... في النهاية وضعت البلدية سورا ولافتات ومنعت الناس من رمي النفايات هنا.[132]
قالت ممرضة المدرسة لهيومن رايتس ووتش إنه أثناء إحراق النفايات، عانى الأطفال بالمدرسة من صعوبات في التنفس وألم الرأس والغثيان بعد الحرق، وإن الأطفال المصابين بالربو ومن لديهم مشاكل تنفسية سابقة هم أكثر من عانوا. قالت:
كانت هناك حرفيا غيوم صفراء ورمادية من الدخان حول المدرسة. حتى المعلمين تضرروا، وأصابهم الصداع.... رأيت نحو 20 طفلا وطفلة تضرروا كثيرا. أصيب الآخرون بمشاكل عامة... نحاول اتخاذ احتياطات، لكن يجب إنهاء المشكلة نفسها. المجتمع كله متأثر، وليس المدرسة فحسب... لا يمكنك تخيل الرائحة أثناء حرق النفايات، لا يمكنك تخيلها.[133]
قالت طبيبة أطفال تعمل في البقاع لهيومن رايتس ووتش:
يتضرر الجميع، لكن الأطفال هم الأكثر تضررا. حرق النفايات قد يؤدي إلى أنواع من الحساسية وضيق التنفس. ما أصفه من أدوية يعتمد على الأعراض... إذا كانوا أطفالا صغارا، في عمر شهور، ولا يمكنهم التنفس أو الأكل، أرسلهم إلى المستشفى لعمل جلسة أوكسجين ومصل وأدوية. الأمر مكلف للغاية للأسر طبعا. ما زالت تأتيني حالات جراء حرق النفايات. هذا يحدث الآن، لكن علينا أن ننظر أيضا إلى العواقب في المستقبل، والزيادة المتوقعة في متوسط إصابة السكان بأمراض سرطانية. إحراق البلاستيك يسبب السرطان بالطبع. عليك النظر إلى المستقبل.[134]
المسنون
حرق النفايات الصلبة في الهواء الطلق قد يؤثر بصفة خاصة أيضا على كبار السن.[135] قال عدة أطباء – توافقت آرائهم – لهيومن رايتس ووتش إن الأطفال وكبار السن من بين الفئات الأكثر تضررا وعرضة للأمراض التنفسية نتيجة لحرق النفايات في الهواء الطلق على مسافة قريبة منهم.[136]
حمزة، الذي يعيش قريبا من مكب نفايات في بر الياس، حيث قال إن النفايات تُحرق بشكل منتظم، قال لهيومن رايتس ووتش : "أمي مصابة بالربو، وتتدهور حالتها كلما أحرقوا النفايات. ينقلونها إلى المستشفى لعمل جلسة أوكسجين. مرة أو مرتين في العام نأخذ أمي إلى المستشفى". أكدت أم حمزة روايته وقالت: "أنا عندي أعراض في الرئتين، وأبقى [في المستشفى] لأسبوع، وقد حدث هذا عدة مرات. عندما يبدأ الدخان نبدأ جميعا في السعال".[137]
قالت خبصة (79 عاما) التي تعيش في نفس المنطقة لهيومن رايتس ووتش :
أصبت بالحساسية بعد أن بدأ الدخان وأنا الآن أعاني من ضيق نفس. حصل هذا بعد أن بدأوا حرق النفايات. قبلها لم أكن مصابة بشيء. أخذوني للمستشفى عدة مرات، كلما أصبت بنوبة تنفس. أتعب من التنفس، وأجد صعوبة في التقاط أنفاسي وأسعل كثيرا. عندما يحرقون النفايات تتدهور الحالة. بعد أن أوقفوا الحرق لم أعد بحاجة للذهاب للمستشفى. قال لي الطبيب إن السبب هو الدخان، وأعطوني أوكسجين في المستشفى.... كان الدخان يصعد إلى هنا، دخان أسود. كان يعمينا. لا يمكنك الجلوس بالخارج. ولا حتى رؤية الحي.[138]
الضرر غير المتناسب اللاحق بالمجتمعات الأفقر
كان لإحراق النفايات في الهواء الطلق في لبنان ضرر غير متناسب لحق بالسكان بالأقل دخلا، حيث يكون الناس أقل قدرة على تحمل تكاليف الرعاية الصحية أو الانتقال إلى مناطق سكنية أخرى لتفادي التعرض للدخان. أمدت وزارة البيئة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي هيومن رايتس ووتش بخريطة لمكبات النفايات المفتوحة في لبنان، ويظهر على الخريطة أنه رغم وجود مكبات نفايات مفتوحة في بيروت وجبل لبنان، وهما من المناطق الأكثر ثراء في لبنان، فإن الحرق لا يحدث في أغلب هذه المكبات. من ناحية أخرى، تُظهر الخريطة أن أغلب المكبات حيث يتم إحراق النفايات بشكل متكرر هي في المناطق الأفقر في البلاد، بما يشمل البقاع والجنوب.[139]
يشير تحليل البيانات الاجتماعية-الاقتصادية المقسمة الأحدث المتوفرة عن لبنان إلى أن حرق النفايات في الهواء الطلق يحدث في بعض أفقر المناطق بلبنان. هناك استطلاع وطني لظروف معيشة العائلات سأل المشاركين أن يعرفوا طبقتهم الاجتماعية-الاقتصادية إما "أثرياء" أو "الطبقة الوسطى-العليا" أو "الطبقة الوسطى" أو "الطبقة
الوسطى-الدنيا" أو "فقراء". تم تقسيم الردود على 13 منطقة جغرافية، أصغر تقسيم جغرافي تتوفر عنه بيانات في لبنان.[140]
يبدو أن هناك ارتباطا متوسط الدرجة بين حرق النفايات والشريحة الطبقية، حيث تتواجد نسبة أكبر من المستجيبين الذين صنفوا أنفسهم باعتبارهم من "الطبقة الوسطى-الدنيا" أو "فقراء".
مع وجود بعض الاستثناءات، فالمناطق التي بها أعلى نسبة من السكان عرّفوا أنفسهم بصفتهم من الطبقة الوسطى-الدنيا أو فقراء، هي التي بها أعلى مستويات من الحرق.
على سبيل المثال، في البقاع الغربي وراشيا، حيث 73 % من السكان تحت الطبقة الوسطى، كان متوسط الحرائق أسبوعيا 89 حريقا. في الهرمل وبعلبك، حيث 80 % من السكان تحت الطبقة الوسطى، كان متوسط الحرائق أسبوعيا 93 حريقا. في حين أنه في جبيل وكسروان، حيث 42 % من السكان يعيشون تحت الطبقة الوسطى، كان المتوسط حريقين فقط أسبوعيا، وفي عاليه والشوف حيث 46 % من السكان تحت الطبقة الوسطى، وقع 12 حريقا أسبوعيا. هناك بعض النتائج غير المتسقة مع المذكور، مثل صيدا وجزين، حيث 75 % من السكان تحت الطبقة الوسطى لكن تحدث 4 حرائق فقط أسبوعيا بالمتوسط.
إجمالا، يبدو أن هناك أيضا تفاوتا كبيرا بين الحرق في بيروت وجبل لبنان، حيث الحكومة المركزية تدير النفايات، وباقي أنحاء الدولة. نحو 50 % من سكان لبنان يتركزون في بيروت وجبل لبنان، حيث نسبة السكان تحت الطبقة الوسطى من بين أدنى المعدلات على مستوى الدولة، وتتراوح بين 42 و60 %، لكن في المتوسط يقع 14 حريقا أسبوعيا في هذه المناطق. في الوقت نفسه، ففي سهل البقاع حيث السكان تحت الطبقة الوسطى بين 56 و80 %، يحدث في المتوسط 192 حريقا أسبوعيا. المناطق التي لا تتطابق نتائجها مع باقي النتائج هي زحلة، المنطقة ذات أدنى نسبة من السكان تحت الطبقة الوسطى بالبقاع، 56 %، حيث يحدث 10 حرائق فقط أسبوعيا بالمتوسط. بالمثل، في الجنوب، حيث نسبة السكان تحت الطبقة الوسطى تتراوح بين 54 و81 %، يحدث بالمتوسط 159 حريقا أسبوعيا.[141]
بناء على البيانات المتوفرة عن الفقر وموقع ومعدل الحرق في كل مكب، التي قدمتها وزارة البيئة وإدارة الإحصاء المركزي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فهناك درجة ارتباط متوسطة بين نسبة من يعيشون تحت مستوى الطبقة الوسطى في كل منطقة، وعدد عمليات الحرق التي تحدث على مقربة من السكان.
الرسم البياني أدناه يستعرض نسبة السكان الذين يعرّفون أنفسهم بصفتهم تحت الطبقة الوسطى في كل منطقة، في مقابل متوسط عدد عمليات الحرق في كل منطقة أسبوعيا. رغم أن معدلات الفقر التي وصف بها المتحدثون أنفسهم لا تتطابق مع عدد عمليات الحرق في كل الحالات بشكل متسق، بشكل عام، يبدو أن كلما ارتفعت معدلات الفقر بمنطقة، نرى أعدادا أكبرى من عمليات الحرق أسبوعيا.
بعض السكان الذين يعيشون قرب مكبات نفايات مفتوحة قالوا إنهم ليست لديهم نقود لالتماس العلاج الطبي، وإنهم عادة ما يلجؤون إلى الصيدليات عندما يمرضون. قال أحد السكان قرب مكب نفايات في بر الياس لهيومن رايتس ووتش: "ليس عندي تأمين صحي ولا يمكنني تحمل كلفة المستشفى. تعطيني الصيدلية تشخيصا تقريبيا".[142]
قال سكان قرب مكبات زارتها هيومن رايتس ووتش إنهم لا يمكنهم تحمل كلفة الانتقال إلى أماكن أخرى، وليس هناك إقبال على شراء بيوتهم لقربها من مكبات النفايات. كما أعرب الآباء والأمهات عن الغضب والإحباط لعدم قدرتهم على تنفيذ أوامر الأطباء بتقليص تعرض الأطفال للدخان، ويخشون من العواقب الصحية المحتملة. عدنان – وهو لاجئ سوري يعيش في خيمة قرب بر الياس – قال لهيومن رايتس ووتش : "الأطفال كانوا الأكثر تضررا، لم تتحمل أجسامهم... قال لنا الطبيب أن نخرج الأطفال من المنطقة. قلت للطبيب وإلى أين آخذهم؟"[143]
III.استجابة السلطات
تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى مسؤولين بالبلديات بالمناطق التي يتم فيها حرق المخلفات الصلبة في الهواء الطلق. في أغلب الحالات، اشتكى مسؤولو البلديات من عدم كفاية الدعم أو التمويل المناسب من الحكومة المركزية لإدارة المخلفات. لكن أعرب السكان أيضا بشكل متسق عن إحباطهم من عدم تواصل البلديات معهم أو تصديها للشكاوى بخصوص حرق المخلفات في الهواء الطلق، وما يرافق هذا من مخاطر صحية. قال بعض السكان إنهم يخشون السلطات المحلية وشعروا بالرهبة عندما حاولوا الشكوى.
اتخذت بعض البلديات خطوات للحد من حرق المخلفات الصلبة في دوائرها، لكن المبادرات التي وثقتها هيومن رايتس ووتش كانت جميعها تقريبا مشاريع ممولة من حكومات أجنبية أو منظمات دولية، وليس من قبل الحكومة اللبنانية. في بعض الحالات، قالت السلطات المحلية إنها واجهت تأخيرات وعدم يقين فيما يخص التمويل.
بصفة لبنان دولة طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فعليه التزام بمنع وتقليص تعرض السكان للمواد الضارة مثل "الظروف البيئية المؤذية التي تؤثر بصورة مباشرة أو غير مباشرة على صحة الإنسان" وأن تعتمد "تدابير قانونية وإدارية وتدابير تتعلق بالميزانية وتدابير قضائية وتشجيعية ملائمة من أجل الإعمال الكامل للحق في الصحة".[144] طبقا لـ "لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية" بالأمم المتحدة، وهي هيئة الخبراء الدولية المعنية برصد تنفيذ العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فإن أية دولة "تتقاعس عن استخدام أقصى مواردها المتاحة لإعمال الحق في الصحة تنتهك بذلك التزاماتها بموجب المادة 12" من العهد الدولي.[145]
عدم كفاية الدعم المقدم للبلديات
اشتكى مسؤولو البلديات الذين تحدثت إليهم هيومن رايتس ووتش جميعا من أن الحكومة المركزية لا توفر الدعم المالي أو التقني الكافي، وقال أغلب المسؤولين إن الحكومة تأخرت في توزيع اعتمادات البلديات المالية في السنوات الأخيرة، ما صعّب عليهم الاستثمار في إدارة المخلفات الصلبة. قال مسؤولون حكوميون إن البلديات لجأت إلى إلقاء المخلفات في أماكن مفتوحة أو حرقها لأن هذا هو الخيار الأرخص ثمنا، وإن البلديات لم تتح لها الموارد أو الخبرات الفنية اللازمة لتبني الحلول الأخرى.[146] توصل تقرير لوزارة البيئة صدر عام 2010 إلى أن البلديات عادة ما تتلقى ميزانيتها من الصندوق البلدي المستقل متأخرة بمقدار سنوات، وأنها لهذا "تميل إلى اللجوء إلى حلول وإصلاحات سريعة، بما يشمل رمي النفايات في مكبات مفتوحة".[147]
في الناعمة، حيث وثقت هيومن رايتس ووتش إلقاء وحرق النفايات في أماكن مفتوحة بعد أزمة 2015، قال رئيس البلدية إن سوكلين كفت عن جمع مخلفات البلدة في سبتمبر/أيلول 2016، ما أدى إلى تراكم النفايات وإحراقها في الشوارع. قال إن البلدية بدأت في جمع النفايات لكن لم يكن عندها مكان تلقيها فيه. أضاف: "المكان الوحيد المتاح لنا على مسافة بعيدة نسبيا من الناس كان في الشارع المجاور للبحر"، حيث قال السكان إن النفايات كانت تُحرق.[148] قال عنصر من شرطة البلدية لهيومن رايتس ووتش: "هل تريدنا أن نأكل النفايات؟ لا مكان عندنا نضعه فيها... إنها تتراكم إلى جوار بيوت الناس، نحن محاصرون".[149] طبقا لرئيس البلدية، فإن بلدية الناعمة لم يصلها نصيبها من الصندوق البلدي المستقل منذ 2014، ما زاد من صعوبات إدارة النفايات. قال: "إذا كانت تلك النقود قد وصلتنا، كنا لنحل الأزمة".[150] في تقريرها الصادر عام 2010 حول حالة البيئة، توصلت وزارة البيئة إلى أن التأخيرات في توزيع التمويل تؤدي بالبلديات إلى جمع النفايات في مكبات مفتوحة.[151]
رئيس بلدية المجادل الجنوبية، حيث قال السكان لهيومن رايتس ووتش إن النفايات تُحرق في المكب بشكل منتظم، اشتكى من نقص الموارد والدعم فيما يخص إدارة النفايات. قال: "على الحكومة تطوير خطة مركزية. عليهم معاملتنا بشكل لائق... لا أن يدعونا ندير مكباتنا دون أي دعم. لا يعطونك نقود، فكيف ندير هذه العملية إذن؟"[152] قال ممثل عن "اتحاد بلديات قضاء صور"، ويضم 63 بلدية في جنوب لبنان، لهيومن رايتس ووتش ، إن أغلب البلديات تحرق النفايات لأن هذا هو أرخص خيار لإدارة المخلفات الصلبة.
قلت للوزارات إن البلديات تحول أجمل الأماكن إلى مكبات نفايات لأنها الأماكن الأبعد عن الناس.... حقا يجب ألا يتم إحراق النفايات، لكن ما باليد حيلة، إذ أن هذا دور الحكومة المركزية، لا البلديات. ليس لدينا دعم.... لا يريدون مساعدتنا، ولا يريدون إعطاءنا نقودنا. على الحكومة تقديم دعم أكبر للبلديات.[153]
الاحتجاجات والشكاوى
قالت 29 أسرة لهيومن رايتس ووتش إنها تقدمت بشكاوى للسلطات البلدية لكون الأخيرة تحرق النفايات في جوار بيوتها. في عدة حالات، قال السكان إنهم نظموا احتجاجات، وتحدثوا إلى صحفيين وتقدموا بعرائض للسلطات البلدية. رغم أن بعض البلديات التي زارتها هيومن رايتس ووتش قد اتخذت خطوات للحد من مشكلة الحرق، فقد أعرب السكان عن استيائهم من عدم تعامل السلطات مع شكاواهم بجدية، ومن التأخر في الرد والتعامل. في رسالة إلى هيومن رايتس ووتش، قالت وزارة الصحة إنها أعدت خطا ساخنا (الرقم هو 1214) للمواطنين ليشتكوا من خلاله من التهديدات اللاحقة بصحتهم.[154]
في كفر زبد والشهابية، قال السكان المتضررون إن المكبّات التي تُحرق النفايات بها تقع في أراضي البلدية المجاورة، ما يصعب عليهم تحميل السلطات المسؤولية. قال محمد الذي يقيم قرب مكب نفايات يقع في بر الياس المجاورة: "إذا كنا نصوت هناك ما كنا لندعهم يفعلون ما يفعلونه".[155]
قرب مكب نفايات بر الياس، قال عثمان لهيومن رايتس ووتش : "تحدثنا مع البلدية، وعقدنا أكثر من 20 مظاهرة، وحاولنا منع شاحنة النفايات، لكن الشرطة لم تسمح لنا. تقدنا بشكوى رسمية دون طائل".[156] بحسب السكان، فإنه فقط بعد انتخاب رئيس جديد للبلدية في 2016 اتخذت البلدية خطوات لوقف الحرق في مكب النفايات. قال رئيس البلدية لهيومن رايتس ووتش : "عانت المنطقة لسنوات بسبب مكب النفايات. في أول أسبوع لي كرئيس للبلدية عقدنا اجتماعا مع السكان، وكان حزينا، إذ أخبرني الناس أنهم لا يمكنهم فتح النوافذ أو الجلوس بالخارج، فاتخذنا قرارا بإنهاء الإحراق في المكب".[157]
في بعلبك، قال السكان إنهم نظموا عدة احتجاجات على وجود مكب نفايات مفتوح، وكانت تُحرق به النفايات بشكل متكرر، قرب بيوتهم. غزوة، التي قالت إنها وزوجها مصابان بالربو وإن ابنتها الصغيرة أصيبت بسعال مزمن، أخبرت هيومن رايتس ووتش: "تظاهرنا، وقلت لهم فلتدهسني دبابة، لا أريد سوى إزالة مكب النفايات ذاك. جاء أعضاء من البلدية. قالوا لنا: إما تتعاملوا مع الأمر أو ترحلوا... هددت البلدية بجلب الشرطة وقلت لهم نحن متنا بالفعل، فهاتوا من شئتم".[158] قالت جارتها سلوى: "لا يعطونا معلومات أبدا. هددوا بإبعادنا بعد أن تقدمنا بشكوى".[159]
واجه سكان بيروت نفس المشاكل. في منطقة بدأ إحراق النفايات فيها بعد أزمة 2015، أخبرنا أحد السكان بأنه رغم تنظيم مظاهرات "لم تتعامل البلدية مع الأمر بجدية بعد المظاهرات".[160]
غياب الإجراءات البلدية
أعرب السكان عن إحباطهم من عدم تحرك البلديات لإنهاء الحرق في الهواء الطلق، أو التصدي للمشاكل الصحية أو حتى للتواصل مع السكان.
قالت سينتيا، التي تعيش في الفنار، إن حرق النفايات في الهواء الطلق بدأ مع بداية أزمة 2015. قالت إن السكان حاولوا مقابلة مسؤولي البلدية لإنهاء الحرق، الذي كان ما زال يحدث عندما تفقدت هيومن رايتس ووتش الموقع في فبراير/شباط 2017.
يحدث الحرق مقابل بيتي. أنا واثقة أنني أتضرر. لا نفتح النوافذ أبدا. لا أعرف إلى متى ستبقى المواد السامة.... تعبت من الأمر كله. أريد المغادرة. عقدنا اجتماعات رسمية مع البلدية، في البداية كانوا متعاونين للغاية. حسبنا أن ثمة شيء سيتغير، لكن لم يتغير شيء. كفوا عن الاستجابة. لا أحد يرد على الهاتف الآن.[161]
مايا من سكان الفنار قالت لهيومن رايتس ووتش إن رئيس البلدية أخبر السكان: "هذه ليست مسؤوليتنا" بعد أن اشتكوا من الحرق بالمنطقة. قالت: "فعلنا كل ما بوسعنا. عقدنا اجتماعات كثيرة مع البلدية. توسلنا إليهم. لكنهم غير مهتمين. يبيعونك الكلام. لا أفعال. كلها وعود".[162]
خليل يعيش قُرب مكب نفايات تُحرق فيه النفايات في بلدية مجاورة بالجنوب. قال: "المكب يخص بلدية المجادل، فهنا في الشهابية لا نسمح لهم بإحراق النفايات، لقد اشتكينا. تحدثنا إليهم [المجادل] لكنهم لم يفعلوا شيئا. حاولت بلديتنا الحديث إلى بلديتهم عن الحرق".[163] موسى، الذي يعيش في الشهابية، قال: "تقول بلديتنا إن الآخرين هم من يحرقون النفايات، لكن في نهاية المطاف هم المسؤولون. رفعنا شكوى إلى البلدية هناك، ولم يفعلوا شيئا. حاولنا الحديث إليهم، ولم يفعلوا شيئا".[164]
قال طبيب في الهرمل لهيومن رايتس ووتش إن المستشفى الذي يعمل به يقع قرب مكب مفتوح تحرق فيه النفايات بانتظام. قال إن المستشفى كتب لوزارات الداخلية والصحة مرات عديدة، لكنها لم تتخذ تدابير لنقل المكب أو وقف الإحراق، رغم اهتمام الحكومة المركزية.
[وزير الصحة السابق] تحدث بنفسه إلى وزير الداخلية، وأرسل وزير الداخلية بدوره أمرا بتنظيف وإغلاق المكب. ما زالت معي نسخة من القرار. لكنه لم يُنفذ. قابل المحافظ البلدية وهدده رئيس البلدية قائلا: "هل تريدني أن أترك النفايات في سوق الهرمل؟" كيف أنفذ القرار بينما الوزير والمحافظ لا يمكنهما تنفيذه؟ البلدية هي التي تتحكم في المكب. لكنهم إما غير قادرين أو غير مستعدين للتوصل إلى حل. قابلنا البلدية مرات عديدة. كانت هناك خطة لإنشاء مرفق لمعالجة النفايات. أخبرونا مرارا وتكرارا عن الخطة، الخطة، ومر 11 عاما ولم نر الخطة تتحقق.[165]
قال بعض السكان لهيومن رايتس ووتش إنهم لم يشعروا بالقدرة على الحديث بصراحة عن الحرق. قالت عدة عائلات إنها تخشى البلدية أو لا تثق بها.
في الدكوانة قال وسيم، الذي مرض والده جراء حرق النفايات قرب بيته، لهيومن رايتس ووتش: "لا أثق بالبلدية.... بصراحة فاض الكيل. لمن ألجأ؟ لنفس الناس الذي تسببوا في هذا؟ إنهم لا يبالون. لا يمكنك اللجوء للشخص الذي يسبب المشكلة. لمن ستشتكي؟"[166] وفي بعلبك، قالت واحدة من السكان، وتقيم قرب مكب نفايات مفتوح: "لا يجرؤ أحد على الحديث. الناس خائفون".[167]
ليلى، التي تعيش في سن الفيل، قالت إن حرق النفايات كان يحدث قرب بيتها كل ليلة تقريبا منذ صيف 2016. لكن عندما حاولت الشكوى للبلدية المسؤولة شعرت بالتهديد.
حاولت الشكوى في البلدية قبل فترة. في البداية اتصلت ببلدية سن الفيل، فقالوا إنهم غير مسؤولين، وإنها مسؤولية بلدية المنصورية. اتصلت بهم. ماذا أقول؟ قلة احترام تامة. كانوا وقحين للغاية. قالوا ليست مسؤوليتنا، فضلا عن عدم الاحترام الذي لمسته منهم مرة. سألوني عن اسمي، وأين أقيم، إنهم يرهبون الناس. تخيلي، أن تتصرف مؤسسة حكومية بهذا الشكل. المفترض بهم أنهم يخدموننا، لكنهم لا يبالون. إهمال تام. وكأنك تكلمين حائط. ولا يمكن إيقافهم. لا يمكن إيقاف الحرق.[168]
اللاجئون السوريون المقيمون في مناطق الحرق أعربوا عن خوفهم من الشكوى للسلطات بسبب وضعهم غير المستقر في لبنان. قال عدنان الذي يعيش قرب بر الياس: "لا يمكننا الشكوى حتى. كيف نشتكي إذا كنا لا يمكننا أن نتنقل بحرية في المنطقة؟ علينا اللجوء لطريق طويلة للغاية لتفادي المرور بالجيش".[169]
المساءلة
قال العديد من السكان الذين تحدثت إليهم هيومن رايتس ووتش إنهم محبطون لأنه رغم الشكاوى للبلديات حول حرق النفايات، لم يُحاسب أحد. قال السكان أيضا إنهم غاضبون لأن البلديات لم تتعامل مع مشكلة حرق النفايات بجدية. رغم أن وزارة البيئة مسؤولة عن مراقبة البيئة والإشراف على تخلص البلديات من النفايات، فهي تفتقر إلى الموارد البشرية والمالية الكافية لعمل هذا بفعالية.[170] بموجب القانون الدولي، يستحق ضحايا انتهاكات الحق في الصحة التعويض المناسب، الذي قد يأخذ شكل "العودة إلى وضع سابق، أو التعويض، أو الترضية، أو ضمانات بعدم التكرار".[171] على لبنان ضمان تنفيذ هذه الحقوق في القوانين المحلية.
هناك صحفي معني بالبيئة يرتاد أطفاله مدرسة كان على مقربة منها في أكتوبر/تشرين الأول 2016 منطقة حرق للنفايات، طالب السلطات بالتعامل بجدية مع مسألة حرق النفايات في الهواء الطلق: "كأنك تتنشق موتك. وكأن هناك من يطلق النار على المدرسة. هذه ليست مزحة.... على الشرطة التعامل مع إحراق النفايات بجدية".[172] نادين، التي قالت إن بعض أفراد أسرتها بدأوا يعانون من أمراض تنفسية بعد بداية حرق النفايات قرب بيتهم في 2015، طالبت بالمساءلة: "عرفت أن الإحراق يخلق الديوكسينات التي تبقى في الجسم، ولا يمكن معاملتها وكأنها فيروسات، إذ لها آثار طويلة الأمد. وقعت بالفعل جريمة مع إطلاق هذه السميات في الجو، لذا فلا بد من مساءلة أحدهم، لكن لن يُحاسَب أحد".[173]
قال محام حاول رفع قضية بشأن حرق النفايات، إن البلدية المعنية أوقفت الحرق لمدة أسبوع لكن "بدأ الحرق مجددا لأنهم يعرفون أنهم سيفلتون من العقاب. لن يُعاقب أحد".[174]
في بعض الحالات، اتخذت البلديات خطوات إيجابية للحد من مشكلة حرق النفايات في الهواء الطلق. لكن حتى في تلك الحالات قال السكان إن السلطات البلدية لم تقدم لهم معلومات عن الآثار الصحية المحتملة أو أي دعم لمعالجة المضاعفات الصحية التي ربما أصيبوا بها.
الحق في المعلومات
قال جميع من قابلناهم تقريبا إن البلدية لم تمدهم بأية معلومات عن مخاطر الحرق أو الاحتياطات الواجب اتخاذها. نتيجة لهذا أعرب الكثيرون عن الخوف من المخاطر المجهولة، والقلق إزاء الأثر المحتمل لحرق النفايات على صحتهم وصحة أطفالهم. بموجب القانون الدولي، لبنان ملزم بتقديم "التعليم والوصول إلى المعلومات المتعلقة بالمشاكل الصحية الرئيسية في المجتمع، بما في ذلك طرق الوقاية والمكافحة".[175] على الحكومة اللبنانية تقديم معلومات كافية عن مخاطر حرق النفايات والخطوات التي يجب أن يتخذها الناس لحماية أنفسهم من الدخان.
قالت مسؤولة بوزارة البيئة لهيومن رايتس ووتش إنه رغم استجابة الوزارة لشكاوى الحرق في الهواء الطلق، فإن المسؤولية عن تنبيه السكان إزاء المخاطر الصحية المحتملة تقع على كاهل وزارة الصحة. لكن، بحسب المسؤولة، وزارة البيئة لا تنسق مع وزارة الصحة في هذه الحالات.[176] من جانبها كتبت وزارة الصحة ردا على رسالة هيومن رايتس ووتش بأنها تقوم بـ "التوعية السكانية حول آثار الحرق الخطيرة على الصحة وثني [المواطنين] عن حرق النفايات بالتعاون مع السلطات المحلية والمجتمع المدني لنشر الوعي حول هذا الموضوع". لكن لم توضح الوزارة أية خطوات معينة اتخذتها لتحذير السكان المحليين من المخاطر أو لتنبيههم إلى كيفية تخفيف المخاطر.[177]
اشتكى بعض السكان من أن الحكومة لا تقدم المعلومات، وأعربوا عن الخوف من الآثار الصحية المحتملة. قال خيري: "لم تعطنا البلدية أية معلومات. في المستقبل، إذا بقينا نشم هذا، سيؤثر سلبا علينا وعلى صحتنا".[178] قال أطباء إن العديد من السكان في أحيان كثيرة، عندما كانوا يذهبون لطلب العلاج من مشاكل تنفسية، لم يذكروا وجود مكب أو حرق نفايات في الهواء الطلق قربهم، وقد لا يعرفون بالمخاطر الصحية المرتبطة بحرق النفايات.
بحسب "منظمة الصحة العالمية"، حتى 2014، كان تلوث الهواء في بيروت يبلغ بالفعل 3.2 أمثال مستوى الأمان المقبول، وكان 1434 شخصا يموتون سنويا جراء أمراض متصلة بتلوث الهواء في لبنان.[179] طبقا لوزارة البيئة، توجد في لبنان حاليا 5 محطات لرصد جودة الهواء.[180] أفاد الإعلام اللبناني في أكتوبر/تشرين الأول 2017 أن السلطات افتتحت 10 محطات إضافية لرصد جودة الهواء، بتمويل من الاتحاد الأوروبي.[181] لكن لبنان لم يرصد بالقدر الملائم كيف يسهم حرق النفايات في تلوث الهواء أو يهدد صحة السكان. لا تعرف هيومن رايتس ووتش بأية محطات لرصد جودة الهواء أنشأتها الحكومة لمتابعة الحرق. اشتكى أستاذ في الصحة العامة بالجامعة الأمريكية في بيروت من أن مسؤولية سد هذه الفجوة أصبحت على عاتق الجامعات: "المشكلة أنه لا توجد خطوط أساس يبدأ من عندها القياس. وليس هذا دور الجامعة، إنما وزارة البيئة هي التي يجب أن تفعل هذا".[182]
ردا على أسئلة من هيومن رايتس ووتش كتبت وزارة الصحة قائلة إنها شكلت لجنة وطنية من خبراء البيئة من أغلب الجامعات الهامة في لبنان، لكن لم تستعرض تفصيلا أية تدابير اتخذتها الوزارة بنفسها لرصد الآثار الصحية.
وضعت اللجنة اكثر من تقرير شرحت فيه اثر الحرق المفتوح على الصحة وقد اخذت عينات من الهواء في بعض الاماكن التي كانت تعتمد الحرق وجاءت نتائجها خطيرة جدا ما دفع اللجنة إلى التنبيه لخطورة هذا الأمر.[183]
IV.خطوات إلى الأمام
كرر السكان تعبيرهم عن الإحباط من الحكومة المركزية التي لا تعطي الأولوية للحلول الخاصة بإدارة المخلفات الصلبة. أدى قرار وزاري في مارس/آذار 2016 أدى إلى إبعاد أغلب النفايات عن شوارع بيروت وجبل لبنان عن طريق تهيئة مطمرين جديدين مؤقتين للنفايات، لكن تعطلت معالجة مشكلة النفايات في عدة حالات وتم رفع قضايا على صلة بالمطمرين.[184] في الوقت نفسه، يستمر حرق النفايات في الهواء الطلق في شتى أنحاء لبنان، وأثار نشطاء وخبراء بالصحة العامة مخاوف حول مقترحات لبناء منشآت حرق نفايات كحل طويل الأجل للبنان.
اتخذت بعض البلديات التي زارتها هيومن رايتس ووتش خطوات للحد من حرق النفايات في الهواء الطلق في مناطقها واستثمرت في منشآت أكثر تطورا للنفايات، لكن كانت هذه الحلول إلى حد بعيد ممولة بالمساعدات الدولية ولم تكن بدأت العمل وقت إجراء البحوث.
أعرب السكان عن استيائهم لأن الحكومة لم تجد بعد حلا طويل الأجل لإدارة النفايات، ولاستمرار حرق النفايات في الهواء الطلق. قالت ريموندا: "عليهم إعادة تدوير النفايات، ليس إحراقها".[185]
أمثلة إيجابية
اتخذت بعض البلديات التي زارتها هيومن رايتس ووتش خطوات للحد من حرق النفايات في الهواء الطلق بمناطقها، وطورت خططا أكثر سلامة لإدارة النفايات. في هذه الحالات، قال السكان إن تحسنا طرأ على جودة الحياة وعلى الظروف الصحية. لكن جميع هذه المشاريع تقريبا تعاني من تأخيرات مطولة في التنفيذ، وتعتمد على تمويل دول أجنبية ومنظمات دولية.[186]
قال سكان قرب بر الياس لهيومن رايتس ووتش إنهم عانوا لأكثر من 20 عاما من حرق النفايات في الهواء الطلق، لكن الآن رئيس البلدية الجديد تمكن من إيقاف الحرق إلى حد بعيد في خريف 2016. قال سامي: "منذ أن أغلقوا المكب، كأنها حياة مختلفة".[187] قال رئيس البلدية لهيومن رايتس ووتش إنه أمر بإنهاء الحرق بعد شكاوى السكان، وإن البلدية أصبحت تغطي مكب النفايات بالتراب. قال إن البلدية تبني مراكز إعادة تدوير وتسبيخ جديدة، فضلا عن مطمرين صحيين جديدين، بدعم من التمويل الدولي. ستكون سعة المشروع 125 طنا يوميا، وسيأخذ أيضا نفايات من قب إلياس والمرج. قال: "كان هذا حلمنا".
لكن رغم أن الهيئات الدولية مولت تأسيس المنشآت المذكورة، على حد قوله، فهي لم تمول إدارتها وعملياتها اليومية، وسوف تحتاج البلدية للدعم من الحكومة المركزية. قال: "ليست لدينا خبرة لإدارتها، ونطلب الدعم من الحكومة المركزية". وتابع: "لم يعرضوا علينا أية نقود بعد. على الحكومة المركزية تمويل تكاليف التشغيل. إذا لم تفعل الحكومة هذا فلن تعمل المنشآت.... التشغيل يتطلب خبرات فنية ودعما ماليا".[188]
في بعلبك، قال رئيس البلدية لهيومن رايتس ووتش أيضا إنه اتخذ مؤخرا إجراءات للحد من الحرق في الهواء الطلق، مع أن السكان قالوا إن النفايات ما زالت تُحرق من الحين للآخر. طبقا لرئيس البلدية، تم إحراق منشأة لفرز النفايات كانت قد افتتحت حديثا، وتعمل البلدية مع البنك الدولي والاتحاد الأوروبي على إعادة تأهيلها، مع إضافة مرافق للتسبيخ ومطمرين صحيين جديدين، لاستقبال النفايات من بعلبك و10 بلديات قريبة. لكن طبقا لرئيس البلدية، ستكون الحكومة المركزية مسؤولة عن التكاليف اليومية لإدارة المنشأة، وعليها تمويل عملياتها.[189]
قال لهيومن رايتس ووتش ممثل عن اتحاد بلديات صور، الذي يضم 63 بلدية في جنوب لبنان، إن العديد من البلديات تدير مكبات مفتوحة، وأغلبها يتم حرق النفايات فيها. قال إن "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية" مولت مصنعا لفرز النفايات في 2008، لكن لا تزيد سعته عن 60 طنا يوميا، بينما تنتج البلديات بالاتحاد 300 طن في اليوم. هناك مشروع تحت الإنشاء يموله البنك الدولي لزيادة السعة إلى 150 طنا يوميا، وقال إن الاتحاد يبحث في أمر مشروعات إضافية لإدارة الـ 150 طنا المتبقية من المخلفات الصلبة التي تنتجها البلديات يوميا.[190]
مستقبل إدارة المخلفات في لبنان
التخطيط طويل الأجل
يجب أن تشمل أية خطة طويلة الأجل لإدارة النفايات في لبنان جميع أنحاء البلد، وليس فقط بيروت وجبل لبنان، وأن تأخذ بالاعتبار العواقب البيئية والصحية المتصلة بالخطة. هناك أيضا حاجة حقيقية إلى نظام حوافز في عقود إدارة النفايات في لبنان، للتشجيع على التخلص السليم منها وإعادة تدويرها وتسبيخها. النظام الحالي المعتمد على الكمية المستخدم في بيروت وأغلب مناطق جبل لبنان يشجع على عدم فرز المخلفات الخاصة التي يجب أن تُعالج بشكل منفصل، مثل المخلفات الخطرة أو الطبية، ولا يقدم حوافز للفرز والتسبيخ الملائمين.[191]
اعتماد ممارسات مستدامة لإدارة المخلفات مسألة لا غنى عنه لتقليص كميات المخلفات التي تُلقى في مكبات مفتوحة، ولكفالة حقوق السكان في الصحة والبيئة الصحية والآمنة.
أعد باحثون في الجامعة الأمريكية في بيروت دليلا لإدارة المخلفات الصلبة على مستوى البلديات، يوصي بحظر الحرق في الهواء الطلق تماما وأن يتم "غلق المكبات المفتوحة وإعادة تأهيلها في أسرع وقت ممكن ومراقبتها لتفادي العواقب الصحية الكارثية".[192] في الوقت نفسه، يوصي بأن يرتدي السكان في المناطق القريبة من الحرق أقنعة للوجه، "لا سيما أقنعة التنفس التي تفلتر الهواء، مثل الأقنعة N95، التي تفلتر ما لا يقل عن 95% من الجسيمات المحمولة جوا".[193]
ليس لهيومن رايتس ووتش موقف من المقاربة الفنية لإدارة المخلفات التي يتعين على لبنان اعتمادها. لكن أي إطار عمل لإدارة المخلفات الصلبة بشكل متكامل في لبنان سيحتاج إلى خطة تفصيلية لتقليص، فرز، جمع، نقل، تخزين، معالجة، والتخلص من النفايات الصلبة بشكل يأخذ بالاعتبار الجوانب المتصلة بالصحة العامة وما أوصى به خبراء البيئة، والمجتمعات المحلية.[194]
منشآت حرق النفايات
في 2010، وافقت الوزارة على قرار باستكشاف خيارات تحويل النفايات إلى طاقة، وطبقا لبعض الساسة ووزارة البيئة، تدور النقاشات حاليا حول خطة طويلة الأجل لإدارة المخلفات في لبنان، تركز على استخدام المحارق.[195] في أكتوبر/تشرين الأول 2016 – حسب التقارير – اقترحت بلدية بيروت منشأة حرق نفايات مغلقة بالمدينة ردا على أزمة إدارة المخلفات في 2015.[196] عارض بعض خبراء الصحة العامة والنشطاء في لبنان استخدام منشآت الحرق المغلقة، خوفا من عدم توفر أطر مناسبة لإدارة المخلفات، وعدم توفر المراقبة المستقلة والانبعاثات المحتملة، وارتفاع كلفة المنشآت.[197]
في دليل باحثي الجامعة الأمريكية ببيروت لإدارة النفايات الصلبة بالبلديات، ذُكر أنه رغم إمكانية فلترة المشتقات السامة المنبعثة من منشآت الحرق الداخلي، ومعالجتها وتحييد أثرها، فهذا يتطلب معدات باهظة وعمليات معقدة، "لا سيما عند النظر في أمر تدابير السيطرة على الانبعاثات، التي تحتاج إلى موارد بشرية عالية المهارة وصيانة مشددة".[198] د. مي مسعود، أستاذة الإدارة البيئية في الجامعة الأمريكية ببيروت، أعربت عن القلق إزاء مشاريع تحويل النفايات إلى طاقة في لبنان، وأنه مع غياب الإشراف والخبرات المناسبة، وفي ظل الفساد، فقد تصبح عملية خطرة لا تراعي احتياطات الأمان الكافية مع آثار صحية خطيرة على السكان.[199]
أثارت بعض الدراسات مخاوف بشأن استخدام منشآت الإحراق الداخلية. هناك دراسات من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا توصلت لزيادة في معدلات السرطان ومرض لمفومة لاهودجكينية والأورام اللحمية في الأنسجة الرخوة في أوساط السكان الذين يعيشون على مقربة من محارق النفايات.[200]
طبقا لمسؤولي وزارة البيئة، فقد استوردت بلدية ضهور الشوير محرقا صغيرا مع معارضة السكان المحليين لتشغيله جراء المخاطر الصحية المحتملة.[201] طبقا للوزارة، لم يأت المحرق مجهزا بفلتر ولم يجتز تقييم الأثر البيئي.[202] أفادت وسائل الإعلام المحلية إن في يناير/كانون الثاني 2016 أمر وزير البيئة السابق محمد مشنوق بإغلاق المحرق، الذي قال إنه يعمل دون تقييم للأثر البيئي.[203] طبقا لمسؤول وزارة البيئة، حتى أغسطس/آب 2017 كان المحرق ما زال لم يمر بتقييم الأثر البيئي.[204]
V.المعايير القانونية
لبنان دولة طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ما يعني ضرورة اتخاذ لبنان خطوات لكفالة "حق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه".[205] يشمل هذا الحق في بيئة صحية.[206] بموجب العهد، على لبنان التزام بالاعتراف بـ "حق كل شخص في مستوى معيشي كاف.... وبحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية".[207]
رغم إقرار العهد بوجود قيود بسبب توفر الموارد وأن الحق في الصحة يخضع لمبدأ الإعمال التدريجي، فإن لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية – هيئة الخبراء الدولية المعنية برصد تنفيذ العهد الدولي – رأت أن على الدول أيضا التزامات عدة يبدأ سريانها فورا، ومنها التزام باتخاذ خطوات نحو كفالة الحق في الصحة. لابد أن تكون هذه الخطوات عمدية، ملموسة، وتستهدف التحقيق الكامل لهذا الحق. كما توصلت اللجنة إلى أنه "ينبغي ألا يفسر الإعمال التدريجي للحق في الصحة على مدى فترة زمنية على أنه يجرد التزامات الدول الأطراف من أي مضمون ذي أهمية، بل إن الإعمال التدريجي يعني أن على الدول الأطراف التزاما محددا ومستمرا بالتحرك بأقصى قدر من السرعة والفعالية نحو الإعمال الكامل للمادة 12".[208]
بموجب العهد، فالحق في الصحة يشمل التزاما على الدول الأطراف بمنع وتقليص تعرض السكان للمواد الضارة مثل "الظروف البيئية المؤذية التي تؤثر بصورة مباشرة أو غير مباشرة على صحة الإنسان".[209] كما تطالب اللجنة الدول باعتماد تدابير ضد "المخاطر الصحية البيئية والمهنية وأي تهديد آخر توضحه البيانات الخاصة بالأوبئة" وأن تضع وتنفذ "سياسات وطنية تهدف إلى تقليل تلوث الهواء والمياه والتربة".[210] كما أن الدول ملزمة باعتماد "تدابير قانونية وإدارية وتدابير تتعلق بالميزانية وتدابير قضائية وتشجيعية ملائمة من أجل الإعمال الكامل للحق في الصحة".[211] طبقا للجنة فأية دولة "تتقاعس عـن استخدام أقصى مواردها المتاحة لإعمال الحق في الصحة تنتهك بذلك التزاماتها بموجب المادة 12" من العهد.[212]
طبقا للجنة، فإن "عدم اتخاذ الخطوات اللازمة صوب الإعمال الكامل لحق الجميع في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه"، وعدم إنفاذ القوانين ذات الصلة يشكل انتهاكات للعهد.[213] بموجب العهد، ليس على الدول فحسب الامتناع عن تلويث الهواء والماء والتربة بشكل غير قانوني، إنما على الدول أيضا اتخاذ تدابير لمنع الغير من التلويث.[214] عدم اتخاذ الدولة جميع التدابير الممكنة لحماية الأفراد الخاضعين لولايتها من مساس الغير بحقهم في الصحة، وعدم تنظيم أنشطة الأفراد والمجموعات والشركات بما يحول دون انتهاك حق الآخرين في الصحة، يعد بدوره انتهاكا، ويشمل "عدم سن أو إنفاذ قوانين لمنع تلوث المياه، والهواء والتربة من جراء الصناعات الاستخراجية والتحويلية".[215]
كما رأت اللجنة أن جميع ضحايا انتهاكات الحق في الصحة مستحقون لـ "تعويض مناسب، يمكـن أن يـأخذ شـكل العـودة إلى وضـع سـابق، أو الـتعويض، أو الترضـية أو ضـمانات بعـدم الـتكرار. وينـبغي أن يتصدى أمناء مظالم ولجان لحقوق الإنسان، أو جمعيات حماية المستهلكين أو جمعيات لحقوق المرضى أو مؤسسات مماثلة على المستوى الوطني لما يقع من انتهاكات للحق في الصحة".[216]
يشمل الحق في الصحة أيضا الحق في "الـتماس المعلومات والأفكار المتعــلقة بالمســائل الصــحية والحصــول عــليها ونقــلها".[217] وتحديدا، على الدول الأطراف التزام بتقديم "التعلـيم والوصـول إلى المعلومات المتعلقة بالمشاكل الصحية الرئيسية في المجتمع، بما في ذلك طرق الوقاية والمكافحة".[218]
"اتفاقية حقوق الطفل" تربط حق الطفل في التمتع بأعلى مستوى ممكن بلوغه من الصحة، ويشمل الحق في الطعام المغذي ومياه الشرب الآمنة، بقضايا التلوث البيئي، وتُعرّف حق الطفل في المعلومات الخاصة بالصحة البيئية وتعرف التعليم البيئي بصفتهما من أهداف التعليم.[219] في ملاحظاتها الختامية حول تقارير الدول، تتصدى "لجنة حقوق الطفل" بانتظام للمخاطر البيئية بصفتها معوقات تحول دون تحقق الحق في الصحة وحقوق أخرى.[220] كما رأت لجنة حقوق الطفل أنه "ينبغي أن تتخذ الدول تدابير للتصدي لأخطار التلوث البيئي المحلي ومخاطره علـى صحة الطفل".[221]
لبنان دولة طرف في "اتفاقية ستوكهولم بشأن الملوثات العضوية الثابتة"، التي تطالب أطرافها باتخاذ تدابير للقضاء على أو تقليص هذه الملوثات في البيئة، وضمان المخزونات والنفايات التي تحتوي على أو الملوثة بملوثات عضوية ثابتة تُدار بشكل يحمي حقوق الإنسان والبيئة.[222] كما أن لبنان طرف في اتفاقية بازل، التي تطالب دولها الأطراف بضمان توفر مرافق نفايات مناسبة من أجل الإدارة البيئية السليمة للمخلفات الخطرة، وتشمل المواد السامة، المتفجرة، التي تؤدي للتآكل، القابلة للاشتعال، المسممة للبيئة، والمعدية.[223]
شكر وتنويه
تتقدم هيومن رايتس ووتش بالشكر لكل الذين تكرموا بتخصيص وقت للحديث إلينا عن تجاربهم في هذا التقرير، ووصفوا تأثير حرق النفايات في الهواء الطلق على حياتهم.
أجرى بحوث هذا التقرير وكتبه بسام خواجا، باحث لبنان والكويت في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش. قدم شربل سلوم مساعدات بحثية وترجمة فورية.
حرر التقرير كل من لما فقيه، نائبة رئيسة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكلايف بالدوين، مستشار قانوني أول، وتوم بورتيوس، نائب رئيس قسم البرامج. قدم مراجعة مختصة كل من ريتشارد بيرسهاوس، نائب مدير برنامج البيئة وحقوق الإنسان؛ ماركو أوريلانا، مدير برنامج البيئة وحقوق الإنسان؛ ديدرك لومان، مدير برنامج الصحة وحقوق الإنسان؛ وبيل فان إسفلد، باحث أول بقسم حقوق الطفل؛ مارغريت ورث، باحثة حقوق الطفل؛ نديم حوري، مدير برنامج الإرهاب ومكافحة الإرهاب؛ وبيل فريليك، مدير برنامج حقوق اللاجئين. قدم جوش ليونز محلل صور القمر الصناعي تحليلا لصور الأقمار الصناعية، وكذلك أمد التقرير بصور وتحليلات لصور بطائرات بدون طيار. قدم النماذج الإحصائية بالتقرير براين روت، المحلل الكمي.
أسهم في التقرير كل من المتدربات ديما مولى، ريم قسيس، ملاك حرب، ريم شمس الدين، فرح أبو حرب، إليزابيث شوهفي، رسيل بردى، وماريا عاصي، والمتدرب إيلي برومانا بقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
أعد التقرير للنشر مادلين كوتينغهام، منسقة الصور والمطبوعات؛ خوزيه مارتينيز، منسق أول؛ وفيتزروي هوبكنز، مدير إداري.
تكرّم كل من شركة "بيكاسو" وج. والتر تومسون بإتاحة حملة إعلانية عامة لدعم نتائج هذا التقرير.