ملخص
"القرآن يقول إن الجنة تحت أقدام الأمهات. ربنا أعطاها الجنة ولا يريد الأردن منحها الحق في حصول أبنائها على جنسيتها".
—"أشرف"، ابن لأم أردنية عمره 40 عاما ليست لديه الجنسية الأردنية، 6 أغسطس/آب 2017
في الأردن، الطفل الذي يولد لأم أردنية وأب غير أردني لا يعتبر مواطنا في نظر الدولة. في خرق للقانون الدولي لحقوق الإنسان – الذي يُلزم الأردن بعدم التمييز ضد النساء – يسمح القانون الأردني للآباء فحسب بتمرير الجنسية إلى أبنائهم. ولا يسمح القانون للنساء الأردنيات حتى بأن يحصل أبنائهن تلقائيا على الإقامة طويلة الأجل. رغم وعود حكومية بمنح هؤلاء الأفراد حقوقا اقتصادية واجتماعية أساسية، فإن الأبناء غير المواطنين لنساء أردنيات مستمرون في مواجهة عوائق قانونية تدفع الكثيرين منهم إلى هامش المجتمع الأردني.
قالت "سميرة"، وهي أم لأربعة أبناء غير مواطنين ومطلقة: " ساعديني لكي أفهم. أنا أردنية. أعطي بلدي كل ما يُطلب مني تقديمه. أنا أستثمر فيه، أعمل فيه، ألتزم بالقانون، أدفع فواتيري. أفعل كل شيء مثل أي مواطن آخر. تماما مثل أي رجل. فلماذا لا تريد الدولة أن تعطيني حقوقي؟ لماذا لا تريد أن تعطيني كرامتي؟ لا نريد سوى أن نعيش. لأننا الآن لا نعيش [حياة طبيعية] نحن مهددون. نحن في خطر فيما يخص الطعام والعلاج [الطبي] والعمل والمأوى".
في 2014، قالت وزارة الداخلية الأردنية إن هناك أكثر من 355 ألف ابن وابنة غير أردنيين لأمهات أردنيات. غير المواطنين هؤلاء الذين يُشار إليهم عادة بمسمى "أبناء الاردنيات"، يعانون من قصور شديد في تحصيل الحقوق والخدمات الأساسية. وتقيد السلطات حقهم في العمل والتملك والسفر من الأردن والعودة إليه (حيث وُلد ويعيش الكثيرون منهم) وفي الحصول على التعليم والرعاية الصحية الحكوميَّين، بل وحتى قدرتهم على حيازة رخصة القيادة.
قال مصطفى الحمارنة، النائب البرلماني السابق والرئيس الحالي لـ "المجلس الاقتصادي والاجتماعي"، وهو هيئة استشارية حكومية: "تخلق الحكومة طبقة دنيا دائمة"، مشيرا إلى أن القيود القانونية بالأردن قد تحد قدرتهم على كسب الدخل وتجعل العائلات المتضررة مُعدمة.
فيما تُعزي العديد من ناشطات حقوق المرأة موقف الحكومة العنيد إلى قضية الثقافة الأبوية المترسخة، فإن مبررات الأردن المُعلنة لحرمان النساء من الحق في المعاملة أسوة بالرجال فيما يخص حصول الأبناء على الجنسية، تشمل اعتبارات سياسية وديمغرافية واقتصادية.
يستضيف الأردن أحد أكبر تجمعات اللاجئين الفلسطينيين، وغالبية الأردنيات المتزوجات من مواطنين أجانب متزوجات من فلسطينيين غير حاصلين على الجنسية الأردنية ولهم أوضاع قانونية مختلفة في الأردن. لذا، فإن حجة الساسة والمسؤولين المحليين الأساسية ضد إلغاء هذه السياسة التمييزية هي الزعم أن إلغاء هذه القواعد يقوض جهود المبذولة لقيام الدول الفلسطينية ويغيّر التوازن الديمغرافي في الأردن.
هذه المبررات المُعلنة هي مبررات تمييزية واضحة؛ إذ لا تسري على الرجال الأردنيين الذين اختاروا الزواج من أجنبيات، وأغلب هؤلاء متزوجون من فلسطينيات أيضا. يسمح القانون للرجل الأردني بأن يتزوج حتى 4 نساء، أجنبيات أو أردنيات، وبأن تحصل زوجاته وأبناؤه على الجنسية. وفي حين يعتبر أبناء الرجال الأردنيين مواطنين منذ المولد، فعلى زوجاتهن الانتظار 3 إلى 5 سنوات قبل التقدم بطلب الجنسية.
توصلت هيئات حقوق الإنسان الدولية، وتشمل لجان الأمم المتحدة، مثل "لجنة حقوق الطفل"، "لجنة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" (سيداو)، و"اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية"، إلى أن قانون الجنسية الأردني تمييزي بطبيعته. في 2014، طالبت لجنة حقوق الطفل الأردن بمراجعة وتعديل القانون لـ "ضمان تمتع الأم الأردنية المتزوجة بغير أردني بحقهـا في منح جنسيتها لأطفالها على قدم المساواة مع الرجل ودون تمييز".
بدلا من أن يكون الأردن نموذجا يُحتذى إقليميا، فهو متأخر عن عدة دول بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هذا المجال، منها تونس، الجزائر، مصر، المغرب، واليمن، وهي جميعا تتيح المساواة للنساء والرجال في نقل الجنسية إلى الأبناء. وفي حالة العراق وموريتانيا، عندما يكون الأب أجنبيا، يُسمح للنساء بحصول أبنائهن على الجنسية فقط إذا كانوا قد وُلدوا داخل أراضي الدولة.
الأمل في التغيير
عام 2014، وإثر مفاوضات مع كتلة تشريعية برلمانية برئاسة النائب البرلماني وقتها مصطفى الحمارنة، شهدت مطالبات بالحقوق المدنية لأبناء الأردنيات، بدا أن السلطات مستعدة للاعتراف بأبناء الأردنيات من غير المواطنين كفئة محددة من المواطنين المستحقين للامتيازات غير المتاحة لغير الأردنيين الآخرين. أصدرت الحكومة قرارا يُفترض فيه تخفيف القيود على أبناء الأردنيات غير المواطنين في 6 مجالات: فرص العمل، التعليم الحكومي، الرعاية الصحية الحكومية، التملك، الاستثمار، واكتساب رخصة القيادة. كما نص قرار الحكومة على تفعيل بطاقة تعريفية أردنية خاصة بأ بناء الأردنيات من غير المواطنين. وصف القرار الإصلاحات الموعودة – والتي حتى عندما تطبق بالكامل ستبقي على نظام تمييزي واضح – بمسمى "التسهيلات".
وخلال السنوات التالية على الإعلان، استمر المسؤولون الحكوميون والإعلام المحلي والدولي وبعض النواب البرلمانيين في استخدام مصطلحات "الحقوق المدنية" و"المزايا" و"التسهيلات" كمترادفات عند الإشارة إلى القرار، ما أدى بالنشطاء والأشخاص المتأثرين إلى الاعتقاد بأن الدولة ستعاملهم كأردنيين في المجالات المذكورة.
قالت "بشرى"، وهي أم لأربعة أبناء غير مواطنين عمرها 53 عاما ومطلقة: "عندما سمعنا النبأ فرحنا للغاية. شعرنا أن هناك بعض الأمل أخيرا".
لكن فرحة بشرى وكثيرات مثلها كانت قصيرة. فعند التقدم بطلبات الحصول على البطاقات التعريفية الجديدة لأبناء الأردنيات، والتي تتيح الحصول على مزايا بستة مجالات مشمولة بالقرار، وجد عدد لا يستهان به من أبناء الأردنيات أنفسهم غير مستحقين لهذه البطاقات أو غير قادرين على الحصول عليها. لم يتمكن البعض من الحصول على قائمة طويلة من الوثائق اللازمة لتقديم الطلب، بما يشمل جوازات سفر الآباء الأجنبية، وتصاريح الإقامة وتصاريح العمل وشهادات الميلاد والموافقات الأمنية من هيئة الاستخبارات الأردنية النافذة، "دائرة المخابرات العامة". لم يتمكن البعض الآخر ببساطة من تحمل التكاليف المطلوبة لتحصيل هذه الوثائق. وقد رفضت السلطات أيضا بعض الطلبات، على اعتبار أن قرار مجلس الوزراء يطالب الأمهات الأردنيات، اللواتي يجب أن يكفلن أبناءهن ويقدمن الطلبات بالنيابة عنهم، بأن يكنّ قد أقمن بصفة قانونية في الأردن لخمس سنوات على الأقل قبل تقديم الطلب؛ اعتبرت "اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة" هذا المطلب شكلا من أشكال التمييز ضد حقوق المواطنة وحرية التنقل للنساء الأردنيات.
وعود لم تتحقق
بحلول فبراير/شباط 2018، كانت السلطات قد أصدرت ما يربو قليلا عن الـ 72 ألف بطاقة تعريفية، أي لأقل من 20 بالمئة من عدد أبناء الأردنيات غير المواطنين، حسب التقديرات. حتى بالنسبة لمن حصلوا على البطاقات التعريفية، أفاد العديد بعدم حدوث تحسن ملموس على ظروفهم. فإلى حد بعيد، تستمر الهيئات الحكومية الأردنية في إخضاعهم لنفس القوانين والأنظمة الحاكمة لتقديم الخدمات إلى غير المواطنين.
قال من قابلتهم هيومن رايتس ووتش إن الإجراءات المُرهقة لتجديد تصاريح الإقامة سنويا ما زالت مفروضة على أبناء الأردنيات، ويستمر من يحتاجون إلى تصاريح العمل في مواجهة عقبات قانونية وتنظيمية كبيرة تحول دون حصولهم على العمل الذين هم مؤهلون له لولا متطلبات التصاريح. قال آخرون إنهم نجحوا في بناء حياة عملية ناجحة رغم هذه القيود، لكنهم طوال الوقت عرضة لخسارة مكتسباتهم التي ربحوها بعناء بسبب حالة انعدام اليقين القانونية التي تهدد وظائفهم وتحد من قدرتهم على تغيير الوظائف.
لم تفد الأمهات الاردنيات للأبناء غير المواطنين عن حدوث تحسن سوى في ما يتعلق بالمستشفيات والمدارس الحكومية. فبعد وقت قصير على إصدار القرار الحكومي، عممت وزارة الصحة أنظمتها الداخلية التي تلزم المستشفيات الحكومية بمعاملة غير المواطنين من أبناء الأردنيات ممن ليس لديهم تأمين كما تعامل الأردني القادر (غير المؤمن) وفيما يخص التعليم، ذكر قرار الحكومة أن على المدارس معاملة أبناء الأردنيات غير المواطنين على قدم المساواة بالأطفال الأردنيين.
لكن في الحالتين، فإن من لم يتمكنوا من تحصيل البطاقات التعريفية أو الوفاء بمطلب إقامة الأم في الأردن 5 سنوات أصبحوا غير مستحقين للمزايا التي توعد بها هذه النصوص القانونية، وأفاد بعض الأبناء غير المواطنين بتسديد رسوم أعلى في المستشفيات العامة رغم إبرازهم البطاقات التعريفية التي تثبت وضعهم. في مطلع 2018، أكدت وزارة الصحة أن المؤهلين لتلقي معاملة الأردني القادر هم فقط الذين يبلغون سن 18 عاما، وهو شرط غير مذكور
سابقا في أنظمة الوزارة. ولم تحسّن "الإصلاحات" الموعودة في البداية تحصيل التعليم العالي، ما يعني أن أبناء الأردنيات من غير المواطنين كان عليهم سداد رسوم تعليم الطلاب الدوليين للدراسة بجامعات الأردن الحكومية. لكن في 2017، أعلنت وزارة التعليم العالي عن إصلاح محدود، إذ ذكرت أنه سيتوفر 150 مقعدا في الجامعات الحكومية لأبناء الأردنيات، بدعم من الحكومة. يستحق التقدم لهذه الأماكن من يحصلون على درجات عالية ولديهم بطاقات تعريفية.
رغم النصّ على مجالات التملك والاستثمار والحصول على رخصة القيادة في قرار الحكومة، لم تُحدث السلطات تغيرات تُذكر بهذه المجالات. تطالب بعض الهيئات الحكومية الآن ببطاقة التعريف إضافة إلى الوثائق التي كانت مطلوبة سابقا، ما يعني جدلا إقصاء الأبناء غير المواطنين الذين كان بإمكانهم تحصيل تلك الخدمات قبل "الإصلاحات".
قالت "منال"، التي تقول إنها من أولى من قدمن طلبات حصول على بطاقات تعريفية لأبنائها الخمسة: "إنهم يخدعوننا. [البطاقات التعريفية] ما كانت غير خدعة لتخديرنا نحن النساء لفترة". نظرا لعدم قدرتهم على الوفاء ببعض المتطلبات والشروط، فقد جعلت الأنظمة الجديدة أبناءها غير مؤهلين للحصول على البطاقات.
لا بديل للجنسية
نظرا لأن الإصلاحات الموعودة جاءت على هيئة قرار من مجلس الوزراء لا يحتاج إلى موافقة برلمانية، فالقرار خاضع لأهواء كل حكومة تأتي بعد الحكومة القائمة. ففي أي وقت، يمكن تعديل القرار أو تغييره تماما أو إلغاؤه، ما يعكس عدم كفايته كبديل لحقوق المواطنة الكاملة.
مع الحرمان من الإقامة الدائمة والتلقائية في بلد مواطنة الأم، أفاد أبناء الأردنيات من غير المواطنين بالتعرض لمعوقات لدى محاولة فتح حسابات مصرفية أو الحصول على خطوط هاتفية أو تسجيل حساب في شركة لتقديم خدمات الإنترنت. ويواجه الشباب صعوبات اجتماعية كبرى فيما يخص الزواج.
قالت منال: "عندي ابنتان متزوجتان من أردنيين. أبنائي هم المشكلة. فالصبية كأبنائي لا مستقبل لهم ولا فرصة للعمل ولا للزواج، ولا يمكنهم العيش كأبناء الناس الآخرين في هذا البلد. أتمنى لو كان باستطاعتي تزويج أبنائي إلى نساء أردنيات".
"غيث" فلسطيني عمره 62 عاما من الضفة الغربية. بصفته مواطن أردني سابق نُزعت جنسيته بناء على قرار الأردن بـ "فك الارتباط" عن الضفة الغربية في 1988، سمح له الأردن بالحصول على جواز سفر أردني مؤقت دون رقم وطني، لكن حتى مع وجود الجواز الأردني فهو يواجه بعض المصاعب التي يواجهها الأجانب في الحصول على الخدمات الحكومية. ففي أغلب التعاملات الحكومية يُعامل كأجنبي. غيث متزوج من مواطنة أردنية وله منها 3 أبناء وابنة. يتعاطف مع تردد العائلات الأردنية في السماح لبناتهن بالزواج من غير أردنيين من أبناء الأردنيات، الذين سيورّثون نفس المشكلة لأبنائهم. قال: "عندما تصبح ابنتي مستعدة للزواج، لن أدعها تتزوج رجلا كأبنائي [من أبناء الأردنيات]".
كل شخص غير مواطن قابلته هيومن رايتس ووتش عرّف نفسه بصفته أردني. لكنهم يتم تذكيرهم بشكل دائم بوضعهم كمواطنين أجانب، في تعاملاتهم مع الهيئات الحكومية. على سبيل المثال، فإن غير الأردنيين الوحيدين المسموح لهم بالتبرع بالدم في الأردن هم الفلسطينيون الذين لديهم جوازات سفر أردنية مؤقتة.
قالت هانية، وهي امرأة أردنية عمرها 51 عاما متزوجة من مصري: "إن احتجتُ إلى دم، لا يُمكن لابني منحه لي... أيُمكنك تصورُ ذلك؟"
في ظروف استثنائية فإن حرمان أبناء وبنات النساء الأردنيات من الحق في المواطنة على قدم المساواة بالغير قد يؤدي إلى عواقب مأساوية. عندما أخذت "إيمان" – المتزوجة من رجل سوري مقيم في الأردن – ابنها الأصغر إلى إدلب في سوريا للإشراف على زواجه من امرأة سورية في 2014، توقعت أن يعودوا جميعا إلى الأردن في ظرف شهر. عندما حاولوا العودة عن طريق أنطاكيا بتركيا، منع مسؤولو الخطوط الجوية ابنها وزوجته الجديدة من ركوب الطائرة إلى الأردن لأن ليس معهم تصريح من السلطات الأردنية بدخول البلاد. وبعد أكثر من عام، كانت إيمان ما زالت غير قادرة على إعادة ابنها إلى بلده، في ظل عدم قدرته هو وزوجته على تحمل تكاليف الانتظار في أنطاكيا. قرر ابنها وزوجته العودة إلى إدلب، حيث كانت الحرب الأهلية السورية آخذة بالتصاعد. في يوليو/تموز 2015، بعد أقل من شهر، مات بقذيفة هاون. ترك وراءه زوجته الحامل آنذاك.
تكفل المادة 6 من الدستور الأردني المساواة لجميع الأردنيين أمام القانون، وتنص على أنه "لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين". كما أن على الأردن التزامات حقوقية دولية، تشمل ضمان معاملة النساء على قدم المساواة بالرجال فيما يخص الجنسية. في حين أن الأردن لا يتبنى في قوانينه تعريفا واضحا للتمييز، فبموجب القانون الدولي يُعرَّف التمييز بصفته المعاملة المختلفة المستندة بشكل مباشر أو غير مباشر إلى عدد من الأسباب المعروفة، والتي غرضها أو أثرها إلغاء أو تقويض الاعتراف بجميع الحقوق أو الحريات التي يتمتع بها جميع الأفراد أو يمارسونها على قدم المساواة. بناء على هذا التعريف، فإن قانون الجنسية الأردني يميّز بشكل مباشر على أساس النوع الاجتماعي. على الأردن إنهاء هذا التمييز القائم منذ زمن طويل بحق الأردنيات، وأن يعترف بحقهن في نقل الجنسية إلى أبنائهن على قدم المساواة بالرجال الأردنيين.
التوصيات
التوصيات الأساسية
إلى مجلس الوزراء:
- إزالة كل تمييز بناء على الجنس من القوانين والأنظمة الخاصة بالجنسية. يجب "ترقية" القواعد الخاصة بإزالة التمييز؛ أي أن تتحرى إتاحة أعلى مستوى من الحماية.
- اعتماد تعريف قانوني للتمييز في تفسير الدستور الأردني والقوانين الأردنية، يكون متسقا مع تعريف التمييز في القانون الدولي لحقوق الإنسان.
إلى البرلمان الأردني:
- إعداد مشروع قانون لتعديل قانون الجنسية، بما يسمح بحصول أزواج وأبناء الأردنيات على الجنسية، على قدم المساواة بالرجال الأردنيين.
توصيات انتقالية
إلى البرلمان الأردني:
- تغيير أو تعديل قانون الإقامة وشؤون الأجانب لإعفاء أبناء الأردنيات من شرط تجديد الإقامة السنوي المُرهق، أو إمدادهم بإقامات طويلة الأجل برسوم مخفضة.
- النظر في أمر تعديل المادة 12 من قانون العمل، لإعفاء أبناء الأردنيات غير المواطنين من شرط استصدار تصاريح عمل.
- تعديل القوانين المتصلة بالنقابات المهنية، للسماح لأبناء الأردنيات بأن يصبحوا أعضاء بها أسوة بالمواطنين الأردنيين.
- تعديل أو إلغاء قوانين التملك والاستثمار بما يتيح لأبناء الأردنيات غير المواطنين التملك والاستثمار أسوة بالمواطنين الأردنيين.
إلى مجلس الوزراء:
- إلغاء التحفظات على المادة 9 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو).
- إمداد أبناء الأردنيات غير المواطنين جميعا دون استثناء ببطاقات تعريفية حكومية تعترف بوضعهم. يجب إزالة مطلب إقامة أمهات غير المواطنين الأردنيات 5 سنوات والمطالب الأخرى التي تقصي فعليا عددا كبيرا من الأشخاص من القدرة على الحصول على بطاقات تعريفية.
- إصدار تعليمات واضحة لضمان الاعتراف بالبطاقات التعريفية وقبولها في كافة مؤسسات الدولة والمؤسسات الحكومية.
- معاملة أبناء الأردنيات غير المواطنين نفس معاملة الطلاب الأردنيين في الجامعات.
إلى وزارة العمل:
- تعديل أو إلغاء أنظمة العمل القائمة، بما يسمح لأبناء الأردنيات غير المواطنين بالعمل في المهن المقتصرة ممارستها على المواطنين الأردنيين.
- التنازل بالكامل عن رسوم تصاريح العمل المفروضة على أبناء الأردنيات غير المواطنين.
- تيسير حصول أبناء الأردنيات غير المواطنين على تصاريح العمل من أجل التخلص من العوائق التي تمنع أصحاب العمل من توظيفهم.
إلى النقابات المهنية:
- السماح لأبناء الأردنيات غير المواطنين بالانضمام إلى النقابات المهنية أسوة بالأردنيين.
إلى وزارة الصحة:
- إصدار تعليمات واضحة للسماح لأبناء الأردنيات غير المواطنين تحت سن السادسة بتلقي العلاج مجانا بالمستشفيات العامة أسوة بالمواطنين الأردنيين.
- يجب أن تكون الرسوم المفروضة على أبناء الأردنيات غير المواطنين ممن ليس لديهم تأمين هي نفس الرسوم المفروضة على الأردنيين ممن ليس لديهم تأمين، فيما يخص الرعاية في المرافق الصحية الحكومية، بغض النظر عن إقامة الأم.
إلى وزارة الداخلية:
- العمل على تغيير أو تعديل نظام ترخيص السواقين بما يسمح لأبناء الأردنيات غير المواطنين بالحصول على رخص القيادة، بما يشمل الحصول عليها برسوم مخفضة، أسوة بالمواطنين الأردنيين.
المنهجية
قام باحثان من هيومن رايتس ووتش بفحص 34 حالة لأبناء أردنيات من غير المواطنين، محرومين من حقوق أساسية. أجرى الباحثان مقابلات مع 16 أما أردنية، و25 ابنا وابنة لأردنيات من غير المواطنين، و3 أزواج أجانب. تم استخدام أسماء مستعارة لجميع من أجريت معهم مقابلات لحماية خصوصيتهم وأمنهم. كما راجع الباحثان وثائق متصلة بحالاتهم، بما يشمل مراسلات رسمية مع السلطات الأردنية ونسخا من قضايا بالمحاكم ووثائق هوية وسفر. أخطر الباحثان جميع المشاركين بالغرض من المقابلات وكيفية استخدام البيانات، ولم يحصل أي ممن أجريت معهم مقابلات على حوافز مالية أو حوافز أخرى حتى يتحدثوا إلى هيومن رايتس ووتش. أجرى الباحثان المقابلات في الأردن في يوليو/تموز وأغسطس/آب 2016 ويوليو/تموز 2017. تمت المتابعة بعد المقابلات بمقابلات هاتفية في أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول 2017. أجرى الباحثان المقابلات جميعا بالعربية، باستثناء مقابلة واحدة تمت بالإنغليزية.
كذلك قابل الباحثان نشطاء ومسؤولين حكوميين معنيين بالموضوع، ومنهم خالد رمضان، النائب البرلماني؛ مصطفى الحمارنة، النائب البرلماني السابق؛ رامي الوكيل، منسق الحملات في حملة "أمي أردنية وجنسيتها حق لي"؛ سلمى النمس، الأمين العام للجنة الوطنية لشؤون المرأة؛ وهالة عاهد، المحامية والمستشارة القانونية لـ "اتحاد المرأة الأردنية" غير الحكومي. وفي 1 فبراير/شباط 2018، وجهت هيومن رايتس ووتش رسالة إلى السلطات تتضمن أسئلة تستند إلى النتائج الأولية، وتلقت ردا بالبريد الإلكتروني به إجابات من عدة وزارات في 20 فبراير/شباط. نعيد طباعة الرسالتين في مرفق هذا التقرير.
إضافة إلى المقابلات، استعرضت هيومن رايتس ووتش قوانين أردنية ودولية متصلة بالجنسية، وكذلك قوانين وأنظمة وقرارات أردنية حاكمة لإقامة غير المواطنين وحصولهم على العمل والتعليم والصحة والاستثمار والتملك.
.Iالخلفية
في الأردن حاليا أكثر من 355 ألف شخص ولدوا لأمهات أردنيات وآباء أجانب، وهم يكافحون للحصول على الحقوق والخدمات الأساسية بسبب التمييز بناء على النوع الاجتماعي في قوانين الجنسية، والذي يحرم النساء من الحق في الحصول على نفس معاملة الرجال فيما يخص حصول أبنائهن على الجنسية.[1] يسمح الأردن للرجال بنقل جنسيتهم إلى أبنائهم تلقائيا لكن لا يسمح للنساء بالمثل، إلا إذا كان الأب مجهولا أو بدون جنسية أو لم تثبت نسبة الابن إلى الأب قانونا.[2]
الكثير من هؤلاء الأفراد الذين ولدوا ونشأوا في الأردن لا يعرفون وطنا آخر، لكن تعاملهم الحكومة الأردنية كمواطنين أجانب لا حق دائم لهم في الإقامة في الدولة، مع اقتصار ما يحصلون عليه من خدمات الرعاية الصحية والتعليم والعمل والسفر. أشكال الإقصاء والتمييز المتعددة التي يواجهونها قلصت كثيرا من فرص المستقبل المتاحة لهم، وعرّضت أسرهم لأعباء اقتصادية والاجتماعية غير مستحقة.[3]
طبقا لـ "الحملة العالمية للمساواة في حقوق الجنسية"، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بها أعلى نسبة من التمييز الجندري في قوانين الجنسية على مستوى العالم.[4] في الخمسينات، لم تكن أغلب قوانين الجنسية في مختلف دول العالم تنص على المساواة في الحقوق للنساء في مسائل الجنسية. بعد عام 1979 فقط، عندما اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، تغيّر هذا الواقع للأفضل. في الوقت الحالي، تؤدي القوانين التمييزية إلى انتهاكات حقوقية جسيمة وتخرق التزامات الدول بموجب القانون الدولي حقوق الإنسان.[5]
بينما صادقت أغلب دول المنطقة على اتفاقية سيداو، فقد تحفظت دول عديدة أخرى – بينها الأردن – على مواد بعينها من الاتفاقية.[6] أحد التحفظين الأردنيين على الاتفاقية هو على المادة 9(2) منها، والتي تنص على: "تمنح الدول الأطراف المرأة حقا مساويا لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالهما".[7] طالبت لجنة سيداو – المشرفة على إنفاذ اتفاقية سيداو – الأردن أثناء استعراض الدولة في مارس/آذار 2017 بسحب التحفظات على الاتفاقية. كما دعت اللجنة السلطات الأردنية إلى "مراجعة قانون الجنسية... لكفالة المساواة بين المرأة والرجل فيما يتعلق بالحصول على الجنسية وتغييرها والاحتفاظ بها ولتمكين النساء الأردنيات من منح جنسيتهن إلى أزواجهن الأجانب وأبنائهن المولودين لهؤلاء الأزواج".[8]
مع مواجهة الدول في كافة أنحاء المنطقة ضغوط داخلية متزايدة لإنهاء التمييز الجنسي والجندري، فقد أحرزت بعض الدول تقدما ملحوظا. منذ 2004 أصلحت تونس، الجزائر، مصر، المغرب، واليمن قوانينها، بما يسمح للنساء بنقل الجنسية إلى أبنائهن وبناتهن على قدم المساواة بالرجال.[9] يسمح العراق وموريتانيا للنساء المتزوجات من رجال أجانب بنقل الجنسية إلى الأبناء والبنات المولودين على أراضي الدولة.[10]
مثل الأردن، فهناك دول أخرى بالمنطقة تسمح لأبناء المواطنات من غير المواطنين بالتقدم بطلب الجنسية في ظروف خاصة، مثل عندما يكون الأب مجهولا أو بدون جنسية أو لم يثبت نسب الابن إليه قانونا.[11] تسمح بعض الدول أيضا للأبناء والبنات بالتقدم بطلبات الجنسية بعد بلوغ سن معين، لكن عادة ما يكون هذا في ظل شروط مشددة. أصدرت الإمارات في 2011، على سبيل المثال، قرارا يسمح لأبناء وبنات الإماراتيات غير المواطنين بالتقدم بطلب الجنسية عند بلوغ 18 عاما.[12]
كما قامت بعض الدول مثل الأردن بمنح بعض الحقوق والامتيازات لغير المواطنين والمواطنات من أبناء المواطنات، بدلا من منح الجنسية. صدر قرار في الإمارات عام 2011 بمنح أبناء الإماراتيات غير المواطنين الحق في المعاملة مثل الأطفال المواطنين فيما يخص التعليم والصحة والعمل.[13] وتفكر قطر في اعتماد مشروع قانون يمنح الإقامة الدائمة لأبناء القطريات والآباء الأجانب، يمدهم بالرعاية الصحية الحكومية المجانية والتعليم الحكومي المجاني.[14] لكن هذه التدابير الوسيطة تُخلّف جيلا من الأطفال وكأنهم مواطنون درجة ثانية.
في أكتوبر/تشرين الأول 2017، في مؤتمر بالقاهرة أصدرت "جامعة الدول العربية" المكونة من 22 دولة عضو منها الأردن، إعلانا يطالب "الدول الأعضاء بالعمل على إنهاء كافة أشكال التمييز في مجال الجنسية واتخاذ خطوات ملموسة لتعديل القوانين والتشريعات المتعلقة بالجنسية بهدف منح المرأة والرجل حقوقا متساوية في منح الجنسية للأبناء والأزواج، وبشأن اكتساب الجنسية أو تغييرها أو الاحتفاظ بها؛ بما يتسق مع المعايير الدولية ولا يتعارض مع المصالح الوطنية".[15]
رغم التقدم الذي أحرزته الدول في شتى أنحاء المنطقة، لم يعلن الأردن عن خطط لإصلاح قانونه المتعلق بالجنسية لإنهاء التمييز ضد المرأة.[16] رفضت الحكومات المتعاقبة بوضوح منح النساء حقوق تتعلق بالجنسية على قدم المساواة بالرجال، فيما رفضت الاتهام بأن الاستثناء الذي تمارسه تمييزي.[17] إنما زعمت أن هذه المسألة سيادية ولها جوانب سياسية وديمغرافية، وبينما يقر القانون الدولي بسيادة الدولة في منح الجنسية كيفما اقتضت قواعدها الداخلية، فهو أيضا ينص على منح أو حجب الجنسية عن المواطنين بشكل لا يتعارض مع التزامات الدولة بموجب القانون الدولي.[18] كما أن السلطات الأردنية منعت التسجيل القانوني لمنظمتين على الأقل تطالبان بإنهاء التمييز ضد النساء.[19]
أدى موقف السلطات المتصلب – بدرجات متفاوتة – إلى مشقة واجهت أكثر من 355 ألف شخص يعاملهم الأردن كأجانب رغم أن أمهاتهم أردنيات.
بحسب إحصاءات وزارة الداخلية لعام 2014، فإن 88,983 مواطنة أردنية متزوجات من أجانب، وبينهن 52,660 أردنية متزوجات من رجال فلسطينيين، و8,486 متزوجات من مصريين، و7,731 من سوريين، و4,549 من سعوديين، و2,822 من عراقيين، و2,516 من أمريكيين، و2,048 من لبنانيين.[20] يُعامل أبنائهن وبناتهن ومنهم من وُلدوا في الأردن أو يقيمون بها إقامة دائمة، بحسب القوانين والأنظمة العامة الحاكمة للمواطنين الأجانب وأيضا الأنظمة السارية على كل فئة من الجنسيات الأجنبية.
ومن بين أكثر من 52 ألف رجل فلسطيني متزوجين من أردنيات، يعد الكثيرون بدون جنسية فعليا. في الأردن – الذي به أكثر من 40 بالمئة من الفلسطينيين الذين فروا من ديارهم أو طردتهم إسرائيل في 1948 و1967 – أكبر نسبة من اللاجئين ضمن الشتات الفلسطيني، ما يُقدر بأكثر من مليوني نسمة بحسب "وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى" (الأونروا)، وهم مسجلون كلاجئين فلسطينيين، فضلا عن فلسطينيين آخرين والمتحدرين منهم ممن فروا إلى الأردن بعد ذلك.[21] وفي حين منح الأردن الجنسية للفلسطينيين الذين كانوا يقيمون في الضفة الغربية أو بالأردن في 1950، فهناك فلسطينيون آخرون يعيشون في الأردن حاليا لهم وضعيات قانونية متعددة، بناء على من أين جاؤوا ومتى دخلوا الأردن.[22] بالنسبة لبعض الفلسطينيين غير المواطنين المقيمين في الأردن ممن لا يمكنهم تحصيل جوازات سفر فلسطينية، وهي متوفرة للمقيمين في الضفة الغربية أو غزة، تُصدر السلطات الأردنية جوازات سفر مؤقتة دون رقم وطني أردني، وهو الرقم الذي لا يمكن لغير المواطنين الحصول عليه. منحت السلطات جوازات مؤقتة لمليون شخص، لكن حيازة هذه الجوازات لا تتيح حقوق المواطنة، وما زال الكثيرون يعانون من التهميش ومحرومين من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والخدمات الحكومية الأساسية.[23]
يسمح قانون الجنسية الأردني للأجانب بالتقدم بطلب الحصول على الجنسية الأردنية إذا استوفوا بعض الشروط. لكن مواد القانون بشأن الحصول على الجنسية غير واضحة ويتم تطبيقها بشكل متعسف. تنص المادة 4 على أن مواطني الدول الأعضاء بالجامعة العربية الذين يقيمون بشكل دائم في الدولة لما لا يقل عن 15 عاما يمكنهم الحصول على الجنسية فقط بموجب قرار من مجلس الوزراء وبعد التنازل عن جنسيتهم الأصلية، وإذا كانت قوانين بلادهم تسمح لهم بهذا. تنص المادة 5 على أن الملك يمكنه منح أي أجنبي الجنسية الأردنية شريطة تنازله عن جنسيته الأصلية. وتسمح المادة 12 لغير الأردنيين المقيمين في المملكة لما لا يقل عن 4 سنوات بالتقدم بطلب الجنسية.
عمليا، نادرا ما وافق مجلس الوزراء على مثل هذه الطلبات.[24] كشف تحليل أجرته هيومن رايتس ووتش لإعلانات منح الجنسية في الجريدة الرسمية بين 2012 ومطلع 2017 عن أن الجنسية الأردنية قد مُنحت لـ 33 شخصا فحسب طيلة هذه الفترة. من بين هؤلاء 4 أشخاص بناء على المادة 4 (2 سوريين، 1 سعودي، 1 لبناني)، مع منح 6 أشخاص الجنسية بناء على المادة 5 (فلسطينيون) و21 بناء على المادة 12 (6 فحسب من جنسيات غير عربية) واثنين قيل إنهما حصلا على الجنسية "بقرارات وزارية" مع عدم النص على مادة بعينها من قانون الجنسية.
كان 3 ممن قابلتهم هيومن رايتس ووتش لديهم تصور بأن الحكومة لا تقبل حتى أية طلبات جنسية جديدة. قال "خليل"، وهو ابن لأردنية ومصري عمره 41 عاما، إن مسؤولي وزارة الداخلية رفضوا طلبه رغم استيفائه الشروط.[25] قال:
عشت هنا حياتي كلها. عندما حاولت تقديم طلب الحصول على الجنسية قالوا لي إن عليّ تقديم 15 تصريح عمل على مر السنين. لذا أحضرت لهم 17 تصريح عمل، لكنهم ردوا قائلين إنه لم يعد متاحا التقدم بطلب الحصول على الجنسية.[26]
محاولات تبرير التمييز ضد المرأة
عادة ما يتذرع المشرعون والبرلمانيون والساسة والمسؤولون الحكوميون الأردنيون المعارضون للإصلاحات التشريعية التي تؤهل النساء لتمرير الجنسية إلى أبنائهن وبناتهن على قدم المساواة بالرجال بعدة مبررات للاحتفاظ بهذه السياسة التمييزية. تشمل هذه المبررات التداعيات المزعومة على النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، الحساسيات الديمغرافية، والتكاليف الاقتصادية لهذا التغيير في السياسات.
عادة ما يربط الساسة والمسؤولون الأردنيون بين قانون الجنسية التمييزي والخوف من أن يصبح الأردن "الوطن البديل" للفلسطينيين. زادت حدة هذه الحجة مع عدم تحقيق تقدم في مفاوضات الحل النهائي للنزاع، وذلك رغم التصريحات المتكررة من الملك عبد الله الثاني التي طمأن فيها الأردنيين إلى أن مفهوم "الوطن البديل" ليس مطروحا للنقاش.[27] وفي فبراير/شباط 2014، أثناء اجتماع مع بعض كبار المسؤولين الأردنيين، وصف الملك هذا المفهوم بأنه وهم: "وأقولها مرة أخرى وأؤكد: الأردن هو الأردن، وفلسطين هي فلسطين. ولا شيء غير ذلك لا في الماضي، ولا اليوم، ولا في المستقبل".[28]
وهناك سياسات حكومية ضارة أخرى نابعة من الخوف من سيناريو "الوطن البديل" أثرت بشكل مباشر على مدار السنين على الفلسطينيين المقيمين في الأردن.[29] طبقا للإحصاءات الرسمية، فإن الحكومة تعتبر 150 ألفا من حاملي الجوازات المؤقتة المليون "غزاويين".[30] البقية هم من الضفة الغربية وقد سحبت منهم السلطات الأردنية الجنسية الأردنية بعد "فك ارتباطها" عن الضفة الغربية في 1988. كما سحبت السلطات الأردنية تعسفا ودون سابق إنذار الجنسية الأردنية من مواطنين آخرين من أصل فلسطيني على مدار السنوات، إذ سحبت الجنسية من 2,700 مواطن من أصل فلسطيني في الفترة من 2004 إلى 2008.[31] دافع المسؤولون الأردنيون عن سياسة نزع الجنسية هذه كأداة "لمناوئة السياسات الإسرائيلية الرامية إلى إفراغ الأراضي الفلسطينية من سكانها المشروعين".[32]
كما ذكر المعلقون حجة نقص الموارد في الأردن والحاجة إلى "توازن ديمغرافي"، بصفتها من العوامل وراء رفض الحكومات المتعاقبة إصلاح قانون الجنسية، إضافة إلى السحب التعسفي للجنسية من آلاف الأردنيين من أصل فلسطيني.[33]
على مر السنوات، طعنت ناشطات حقوق المرأة والمحامون سفي المبررات السياسية والاقتصادية والديمغرافية التي تتذرع بها الحكومة لحرمان النساء من الحق في المعاملة على قدم المساواة بالرجال فيما يخص منح الجنسية للأبناء، بالاستناد بشكل أساسي إلى الحجة القانونية القائلة إن هذا تمييز مباشر. قامت ناشطات معنيات بحقوق المرأة، وبينهن المحامية والمدافعة عن حقوق المرأة نور الإمام، بتفسير غياب مصطلح "الجنس" من المادة 6 من الدستور بصفته دليل على المساواة بين جميع المواطنين فيما يخص كلمة "الأردنيين" التي تُفسر هنا على أنها تعني الأردنيين والأردنيات.[34] في معرض الرد على قائمة بالمسائل والأسئلة المتصلة بالاستعراض الدوري السادس أمام لجنة سيداو، زعم الأردن أنه اعتمد أيضا هذا التفسير على المستوى الدولي. ورد في ردّ الأردن: "أي تفسير آخـر يخـالف المنطـق القـانوني؛ وإلا اعتبرنـا أن الحقـوق والحريــات العامـة الــواردة في الفصــل الثـاني هــي حكـر علــى الأردني دون الأردنيـة".[35]
في معرض ردها على بواعث القلق السياسية الأردنية من أن يصبح الأردن "وطنا بديلا"، أشارت محامية حقوق المرأة هالة عاهد إلى أن "حق العودة" مكفول في القانون الدولي وأنه متاح للفلسطينيين بغض النظر عن جنسيتهم أو وضعهم القانوني الذي اكتسبوه في المهجر.[36] أغلب أبناء الأردنيات غير المواطنين من أصل فلسطيني الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش لم يذكروا فكرة العودة إلى موطن عائلاتهم في فلسطين التاريخية. فقد ولدوا جميعا في الأردن ولم يذهب الكثيرون منهم إلى فلسطين قط. "هالة" البالغة من العمر 32 عاما وُلدت لأب "غزاوي" وأم أردنية، وقد رفضت الفكرة برمتها، قائلة: "سيعود أبي [إلى فلسطين] إذا أمكنه هذا، وقد يعود جدي. لكن أنا؟ أنا أردنية، ما يحدث للأردن يحدث لي".[37]
"نرمين" هي ابنة لأردنية ورجل "غزاوي" عمرها 43 عاما، قالت بدورها:
أنا وُلدت هنا، وأسرتي هنا وولائي لهنا بالكامل. جذوري هنا. مع كامل احترامي وحبي لفلسطين، ماذا سأفعل هناك؟ ليس عندي أي شيء هناك. الأردن ليس وطني البديل، بل هو وطني.[38]
يعتبر بعض النشطاء أن زعم الحكومة بأن حرمان النساء من الحق في تمرير الجنسية لأبنائهن ضروري للحفاظ على التوازن الديمغرافي الأردني زعم واهي؛ إذ أشاروا إلى أن الرجال الأردنيين يُسمح لهم بالزواج من 4 نساء غير أردنيات، وليس واحدة فحسب، وتمرير الجنسية إلى كل منهن في ظرف 3 إلى 5 سنوات.[39] بحسب "دائرة الإحصاءات العامة" الأردنية، فإن الرجال الأردنيين المتزوجين من فلسطينيات أكثر من الأردنيات المتزوجات من فلسطينيين، ويحصل أبناء الرجال الأردنيين من فلسطينيات على حقوق الجنسية الكاملة تلقائيا بغض النظر عن مكان مولدهم أو إقامتهم.[40]
وردا على الزعم بأن منح الجنسية لعائلات "أجنبية" عن طريق أردنيات سيضر بالاقتصاد المحلي الهش، ضم تقرير نشره مركز المعلومات والبحوث في "مؤسسة الملك حسين" في 2011 وشارك في تأليفه الاقتصادي الأردني ووزير الدولة للشؤون الاقتصادية السابق يوسف منصور تحليلا للكلفة والعائد. توصل التحليل إلى أن منح الأطفال من هذه الزيجات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية سيسمح بزيادة العائد الضريبي وبمعدلات استهلاك أعلى، ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى تنمية رأس المال البشري ويتيح فرصة للنمو طويل الأجل للاقتصاد الأردني ككل.[41]
كما تعرض قانون الجنسية لانتقادات دولية. في يوليو/تموز 2014، توصلت لجنة خبراء الأمم المتحدة المعنية بحقوق الطفل إلى أن قانون الجنسية يؤدي بأبناء الأردنيات غير المواطنين إلى التعرض "للتمييز [...] وصعوبات اقتصادية" وأشارت أيضا إلى "التقارير المدعومة بأدلة وذات المصداقية التي تفيد بـأن الجنـسية الأردنيـة سُحبت في الفترة المشمولة بالتقرير من عشرات الأطفال والأسر الفلسطينية الذين يقيمـون بشكل دائم في الأردن، على الرغم من التطمينات التي قدمها وفد الدولة الطرف أثناء الحوار".[42]
تاريخ من النشاط الحقوقي
رغم جهود حركة حقوق المرأة على مسار تنظيم الحملات لصالح الأردنيات المتزوجات مواطنين أجانب وأبنائهن وبناتهن غير الأردنيين، بقيت معاناة هؤلاء إلى حد كبير في الظل. في 2007، قررت الناشطة نعمة الحباشنة أن تجعل نضالها للحصول على حياة كريمة لأبنائها نضالا معلنا. لأن ابنيها وبناتها الأربع مواطنون غير أردنيين وقد وُلدوا لأب مغربي الجنسية، فقد عانوا من تضييق كبير حرمهم من عيش حياة مثمرة اجتماعيا واقتصاديا. بعد وفاة زوجها في 2006 ومع تقدم الأبناء في العمر وتزايد التكاليف، أصبح الكفاح الشاق للحصول على تصاريح إقامة وعمل وموافقات أمنية وشهادات فحص طبي ورخص القيادة كل عام تحدٍ لا ينتهي.[43]
منذئذ، نجحت الحباشنة في حشد نحو 200 امرأة للانضمام إليها في أكثر من 40 وقفة احتجاجية أمام وزارة الداخلية ورئاسة الوزراء للمطالبة بحقوق الجنسية الكاملة لأبنائهن. تلقت حملتها الدعم من منظمات لحقوق المرأة واللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة، وهي هيئة حكومية، ومن منظمات مجتمع مدني ومجموعات حقوقية.[44]
في أواخر 2013، قرر النائب البرلماني الذي كان حينها منتخبا حديثا مصطفى الحمارنة وكتلته البرلمانية المكونة من 16 نائبا، وتسمى "المبادرة"، تبني قضية الحباشنة ودعمها.
بدأت سلسلة من المفاوضات بين المبادرة ومسؤولين حكوميين، فقط بعدما تبين أن منح النساء حقوق تتعلق بالجنسية مساوية لتلك الممنوحة للرجال غير مطروح. من ثم ركزت المفاوضات على منح الأبناء "حقوق مدنية" في قطاعات الصحة والتعليم والعمل والتملك واكتساب رخصة القيادة.
بعد عدة أشهر وعدة تصريحات ووعود، فيما استمرت وسائل الإعلام في تغطية "الحقوق المدنية" الخاصة بأبناء الأردنيات، أعلن أخيرا مجلس الوزراء الأردني في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2014 عما أسماه "تسهيلات" لحصول الأبناء على الخدمات الحكومية الأساسية بموجب بطاقة تعريفية تصدرها الحكومة، ووصفها بعض المسؤولين بأنها "مزايا خدمية".[45] ذكر قرار المجلس أن منح هذه التسهيلات لا يؤدي بأي شكل إلى منح الجنسية.
ذكرت المبادرة أن هذه التدابير تعد انتصارا لحملتها، واعتبرت الحكومة المسألة نجاحا سياسيا، بينما رأى البعض في المجتمع المدني أنها حل وسطي لقضية سياسية شائكة، وبادر الآلاف من أبناء الأردنيات – وإن ظلوا في عداد الرعايا الأجانب – بتقديم طلبات الحصول على البطاقة التعريفية الصادرة عن الحكومة.[46] مع الإقرار بأن الإصلاحات الموعودة لم تكن بديلة لحقوق المواطنة الكاملة، فقد توقعوا أن تسمح لهم أخيرا هذه البطاقات – حسبما تناقلت وسائل الإعلام المحلية – بالإقامة القانونية والعمل والاستثمار والقيادة في بلد يعتبرونه بلدهم، فضلا عن الحصول على الرعاية الصحية والتعليم الحكوميَّين، أسوة بالمواطنين الأردنيين.[47]
حينئذ، زعم وزير الداخلية وقتها حسين المجالي أن جميع الأبناء والبنات لأردنيات وآباء أجانب البالغ عددهم 355,923 شخصا، والمسجلين في "دائرة الأحوال المدنية والجوازات"، سيستفيدون من هذا القرار.[48] وفي تقرير الدولة الدوري السادس للجنة سيداو المقدم في 22 يونيو/حزيران 2015، ادعى الأردن أنه "سـيتم مـن خلالـه [القرار الوزاري] التعامـل مـع أبنـاء الأردنيـات المتزوجـات مـن غـير أردنـيين معاملـة الأردنـيين في مجـالات التعلـيم والصـحة والعمـل والتملـك والاسـتثمار والحصـول علـى رخص القيادة فئة خصوصي".[49]
لكن حتى فبراير/شباط 2018، كانت دائرة الأحوال المدنية الأردنية قد أصدرت 72,673 بطاقة تعريفية فحسب، ولم يتمكن العديد من أصحابها من الحصول على "المزايا" المفترض أن الحكومة أتاحتها بموجب هذه البطاقات.
قالت عاهد: "لقد زجوا بالنساء في دوامة من الإجراءات والطلبات لننسى الأمر الأهم: حقهن في منح جنسيتهن [لأبنائهن]".[50]
الفجوة بين الوعود الحكومية والإصلاحات المنفّذة
فيما يلي وصف لكل من الخدمات الموعودة للأفراد مستحقي البطاقات الحكومية، كما ورد في قرار مجلس الوزراء نفسه:[51]
العمل: السماح لأبناء الأردنيات المتزوجات من غير الأردنيين بالعمل في المهن غير المتاحة سوى للأردنيين، شريطة عدم وجود بديل أردني الجنسية. الإعفاء من رسوم تصريح العمل.
الصحة: السماح لأبناء الأردنيات القُصّر المقيمين في المملكة بتلقي نفس المعاملة في المستشفيات الحكومية، مثل تلك الممنوحة للأم التي لديها تأمين، بموجب قانون التأمين الصحي المدني والتعليمات ذات الصلة.
التعليم: منح أبناء الأردنيات المقيمين في المملكة معاملة مساوية لمعاملة الطلاب الأردنيين في المدارس الحكومية في مرحلتيّ التعليم الأساسي والثانوي.
الاستثمار: السماح لأبناء الأردنيات بالاستثمار في المملكة بمقتضى أحكام القوانين القائمة والأنظمة والتعليمات الحاكمة لغير الأردنيين.
التملك: السماح لأبناء الأردنيات بالتملك في المملكة بمقتضى أحكام القوانين القائمة والأنظمة والتعليمات الحاكمة لغير الأردنيين.
القيادة: السماح لأبناء الأردنيات بالحصول على رخصة قيادة خصوصية شريطة وجود إذن إقامة نافذ بمقتضى أحكام القوانين القائمة والأنظمة والتعليمات والقرارات ذات الصلة.
في 4 يناير/كانون الثاني 2015، بعد أيام من نشر السلطات التعليمات الخاصة بمستحقي الاستفادة من قرار الوزارة في الجريدة الرسمية، بدأت دائرة الأحوال المدنية والجوازات في قبول الطلبات للحصول على البطاقات التعريفية التي تعترف بأبناء الأردنيات المتزوجات من غير الأردنيين.[52] لكن القرار نفسه لم يُنشر قط في الجريدة الرسمية. إنما تم إخطار الوزراء المعنيين بأحكام القرار في مراسلات رسمية من وزارة الداخلية. أغلب من قابلتهم هيومن رايتس ووتش كان عندهم انطباع بأن مجرد عرض هذه البطاقات على الهيئات الحكومية المختلفة يتيح لهم قدرة أكبر على تحصيل الخدمات بالمجالات الستة المذكورة في القرار.
لكن حماس كثير من المستفيدين المحتملين إزاء التحسن الموعود في الحياة والخدمات كان عابرا. فقد انكشفت مبكرا النواقص في تنفيذ القرار وفي أحكام القرار ذاتها.
حتى وقت كتابة هذه السطور، كانت تعليمات الحكومة الخاصة بتحديد الأهلية للحصول على البطاقة تنص على ضرورة أن تكون الأم الأردنية مقيمة في الأردن لمدة لا تقل عن 5 سنوات قبل تقديم الطلب، وأن يكون الشخص مقدم الطلب مقيما بصفة قانونية في الأردن. بصفة الأم هي الراعي القانوني للأبناء والبنات، فمطلوب منها التقدم بطلب البطاقة نيابة عنهم، بغض النظر عن أعمارهم. وإذا كانت أم صاحب/ة الطلب متوفاة، يمكن لولي أمر أو ابن/ة تلك الأم الأكبر أو الكبرى، في حال بلوغ الأهلية القانونية، تقديم الطلب بدل الأم. لتقديم الطلب، يجب توفر نسخ من عدة وثائق يصعب الحصول على بعضها: جواز سفر الأم الأردني أو بطاقتها الوطنية الثبوتية، وثيقة زواج الأم الموثقة، إثبات بإقامة الأم الدائمة في الدولة (يتم تحصيلها من إدارة الحدود والإقامة أو من دائرة المتابعة والتفتيش، وهما خاضعتان لوزارة الداخلية)، صورتين للابن أو الابنة، شهادة ميلاد موثقة لمقدم الطلب ، جواز سفر سارٍ، وإقرار بالحالة الاجتماعية.[53] كما تطالب الأحوال المدنية مقدمي الطلبات بتقديم تصريح إقامة موثق إذا كانت جنسيتهم تتطلب منهم استصدار تصاريح إقامة، بموجب قانون الإقامة وشؤون الأجانب، أو تصريح عمل أو دراسة موثق وبطاقة أمنية إذا كانت جنسيتهم معفاة من القانون المذكور.[54] وبالنسبة لمقدمي الطلبات الذين توفت أمهاتهم، فعليهم تقديم نسخة من شهادة الوفاة.[55]
عندما نشرت دائرة الأحوال المدنية والجوازات تعليمات تقديم طلبات الحصول على البطاقة عبر موقعها الرسمي، كان من بين المتطلبات إثبات أن الشخص المتقدم بالطلب غير متزوج، وإن لم يُذكر هذا الشرط في أي من أجزاء القرار نفسه.[56] يبدو أن دائرة الأحوال المدنية والجوازات أضافت شرط زواج مقدم الطلب بمبادرة منها.[57] لكن بعد أيام، وعقب ضغوط من النشطاء ونواب برلمانيين، تراجعت دائرة الأحوال المدنية والجوازات عن هذا المطلب وسحبته من بين التعليمات المنشورة على موقعها واستبدلته بإعلان بسيط بالحالة الاجتماعية. رغم زعم الدائرة أن ذلك الأمر لم يكن إلا "هفوة"، فهو يسلط الضوء على المزاجية في تنفيذ الحكومة لإصلاحات عقد عليها الكثير والكثير من أبناء الأردنيات من غير المواطنين آمالهم.[58]
طالبت لجنة سيداو الأردن أثناء استعراضها للدولة في مارس/آذار 2017 بـ: "كفالة سريان مفعول "المزايا" التي وافق عليها مجلس الوزراء عام 2014 دون تأخير وامتثال الوكالات الحكومية لهذا القرار، بما في ذلك بإصداره في الجريدة الرسمية".[59]
.IIمعوقات الحصول على البطاقات التعريفية
"التصور القائم في الأردن وخارجه أن مُشكلتنا قد حُلت، لكنها لم تُحل".
—"ينال"، ابن لأردنية عمره 36 عاما، 26 يوليو/تموز 2017
عدم القدرة على إثبات الهوية
نعمة الحباشنة، التي كافحت مرض السرطان فيما كانت تنظم حملتها لحقوق الأبناء غير المواطنين، ماتت بعد 3 أشهر من إعلان الحكومة التعليمات الحاكمة لإصدار بطاقات تعريفية لأبناء الأردنيات في 2014. ولأكثر من عام بعد رحيلها، وبسبب عدم قدرة أبناء الحباشنة على تحقيق شرط أساسي من شروط استحقاق البطاقات، لم يتمكنوا من الحصول عليها.
مات زوج الحباشنة المغربي في 2006 قبل إتمام طلبات أبنائه بالحصول على جوازات سفر مغربية، فأصبحوا جميعا باستثناء الابن الأكبر بدون أي أوراق هوية رسمية. ودون جوازات السفر المغربية، لم يتمكن الأبناء من تجديد تصاريح إقامتهم في الأردن، وبعد إعلان قرار الحكومة كانوا ما زالوا غير مؤهلين للحصول على البطاقات التعريفية.[60] سبق أن تقدمت الحباشنة إلى كل من وزارة الداخلية والديوان الملكي وهيئات حكومية أخرى بالأردن في محاولة للحصول على تصاريح إقامة لأبنائها. كما سافرت إلى المغرب ورفعت قضية لإثبات أن أبناءها مغاربة. في 2015، وبعد رحيل الحباشنة، كسبت قضيتها وحصل أبناؤها على جوازات السفر المغربية ثم على البطاقات التعريفية الأردنية بصفتهم أبناء غير مواطنين لأم أردنية.[61]
حالة الحباشنة ليست فريدة من نوعها. فقد قابلت هيومن رايتس ووتش 4 أشخاص – اثنان من أبناء الأردنيات غير المواطنين وآبائهم – لم يتمكنوا من الحصول على بطاقات تعريفية لأنفسهم أو لأبنائهم لعدم قدرتهم على استيفاء شرط أو أكثر من شروط الاستحقاق. استغرقهم الأمر شهورا لجمع الوثائق المطلوبة. ويظهر من إصدار الحكومة لما يربو قليلا عن 72 ألف بطاقة بحلول فبراير/شباط 2018، بينما هناك أكثر من 355 ألف من أبناء الأردنيات، ، أن المتطلبات المبالغ فيها لاستصدار البطاقة حدّت من القدرة على تحصيل البطاقة والمزايا المنتظرة منها.
يواجه مقدمو الطلبات الذين ينحدر آباؤهم من دول تمر حاليا بنزاعات، مثل سوريا والعراق واليمن، مصاعب خاصة في الحصول على جوازات السفر أو شهادات الميلاد من دول آبائهم. ويواجه الفلسطينيون الذين معهم وثائق سفر لاجئين من هذه البلاد تحديات إضافية. تواجه صعوبات مماثلة بعض النساء المتزوجات من رجال غير مواطنين اللواتي طُلقن أو هجرهن أزواجهن أو ترمّلن، في تحصيل الوثائق اللازمة، في غياب والد الأطفال وعدم مشاركته.
"أشرف" يبلغ من العمر 40 عاما وقد ولد لأب عراقي وأم أردنية، وانتقل إلى الأردن عام 2000 مع أمه وشقيقه في عمر 23 عاما بعد طلاق والديه. يكافح أشرف، المصنف أجنبي في الأردن، هو وشقيقه يوميا لكسب العيش. استصدار تصاريح الإقامة والعمل سنويا هو مسألة مكلفة وصعبة ومليئة بالتحديات. دفعت القيود أشرف إلى العمل في وظائف مؤقتة في غياب تصريح العمل، ما جعله عرضة للاستغلال والاعتقال. أشرف متزوج من امرأة أردنية وله 5 أولاد تحت سن 14 عاما.
قال: "ارتكبت نفس الأخطاء التي ارتكبها أبي، وربما ليست أخطاء، ربما هذا ما قدّره الله لي"، معلقا على زواجه من امرأة أردنية. "المعاناة الآن أكبر بكثير من معاناتي الشخصية. فإلى الحين ليس لديهم [أبنائي] بطاقات تعريفية سوى شهادات الميلاد". قال أشرف إنه نظرا لاضطراب الوضع في العراق، لم يتمكن من العودة إلى هناك ليحصل على جوازات سفر عراقية أو شهادات ميلاد للأبناء، ومن ثم لا يمكنه التقدم لاستصدار بطاقات تعريفية أردنية.
لقد طلبت الحكومة حتى إثباتا بدخول أبنائي للأردن. قلت لهم، أبنائي ولدوا في الأردن! لكنهم يطلبون جوازات سفر عراقية وهذا يعني أن أعود إلى العراق. وإذا ذهبت لاستصدار جوازات السفر في السفارة هنا فعليّ دفع 2,000 إلى 3,000 دينار أردني [نحو 2,800 إلى 4,200 دولار أمريكي] رشاوى... في هذه المرحلة لا يمكنني تحمل تكاليف إصدار هذه البطاقات لأبنائي.[62]
يواجه الشباب في سن 18 إلى 30 من أبناء الرجال المصريين تداعيات معقدة جراء متطلبات التجنيد المصرية. فللحصول على جواز سفر مصري أو تجديده، على جميع الرجال في هذا النطاق العمري إثبات إتمامهم الخدمة العسكرية، أو إثبات تأجيل الخدمة أو الإعفاء منها. يمكن للشباب في سن التجنيد الحصول على جوازات سفرهم أو تجديدها دون إتمام الخدمة العسكرية مرتين فحسب، وتكون مدة سريان الجواز سنة واحدة في كل مرة. إذا لم يؤد الشاب خدمته العسكرية حتى سن الثلاثين، فعليه المثول أمام محكمة عسكرية مصرية. عقوبة عدم أداء الخدمة العسكرية بحلول سن الـ 30، كما ورد في القانون رقم 127 لسنة 1980 بشأن الخدمة العسكرية والوطنية، هي السجن بحد أقصى 3 سنوات و/أو غرامة 3,000 إلى 10,000 جنيه مصري [نحو 170-566 دولارا أمريكيا].[63] لكن من عمليا، فالمحكمة تنزع في كافة الحالات تقريبا إلى عقوبة الغرامة المالية.[64]
"منال" (56 عاما) هي أم أردنية لولدين و3 فتيات ولدوا ونشأوا في الأردن. مات زوجها المصري قبل 10 سنوات. عندما تقصت منال حول البطاقات التعريفية لأبنائها أخبرتها الأحوال المدنية في الأردن بأن عليها استصدار جوازات سفر مصرية للأبناء. الجوازات ضرورية دائما للحصول على تصاريح العمل والتصاريح الأمنية ورخصة القيادة في الأردن.
قالت: "أكثر ما أخشاه هو التجنيد، لهذا لم أستحصل لهما على جوازات سفر مصرية. أخاف أن أتعب كل هذا التعب في تربيتهما ثم أخسرهما للجيش المصري. ماذا لو أرسلوهما إلى سيناء مثلا؟ لا يمكنني خسارة أولادي هكذا".[65]
نظرا للصعوبات التي واجهها ابناها دون أي وثائق هوية رسمية، وفي محاولة لاكتساب البطاقات التعريفية الأردنية لهم، سافرت منال إلى مصر في 2016 لمدة شهر للحصول على شهادات ميلاد للأبناء. بعد وقت قصير، تمكن ابنها البالغ من العمر 28 عاما من الحصول على جواز سفر لمدة عام، يمكن تجديده بطلب من السفارة المصرية في الأردن. حتى وقت كتابة هذه السطور، كان في طور التقدم بطلب البطاقة التعريفية. ولأن منال لا يمكنها تحمل الغرامة المالية للتهرب من الخدمة العسكرية، فلا يمكن لابنها الأكبر (30 عاما) الحصول على جواز سفر، ومن ثم لا يمكنه استصدار بطاقة تعريفية.
أكثر من رسم الثلاثة دنانير
رغم حيازة "أشرف" (40 عاما) جواز سفر عراقي، فلم يتمكن بدوره من التقدم للحصول على البطاقة التعريفية، بسبب التكاليف الباهظة للعملية.
فالبطاقة نفسها تُكلف 3 دنانير أردنية [4.2 دولارا]، لكن للوفاء بكل من معايير الاستحقاق، على مقدم الطلب الحصول على عدد كبير من الوثائق والتصاريح الأمنية واختبار طبي، وتصدر الوثائق من عدة وزارات وهيئات حكومية في عمان وخارجها.
قال أشرف موضحا:
طلبوا مني تقديم تصاريح العمل والإقامة لأحصل على البطاقة. لإصدار تصريح الإقامة كنت أحتاج إلى وجود تصريح عمل، وأعرف مزايا تصريح العمل. يمكنني الحصول على رخصة قيادة، والتنقل بحرية. لكن [تصريح العمل] له عيوب أيضا. عليّ دفع رسوم باهظة لإصداره وأن أجدده كل عام وأدور على الهيئات الحكومية ساعيا بينها في إجراءات تجديده، وأسوأ شيء أن عليّ البقاء مع صاحب عمل واحد فقط. تكاليف تصريح العمل حوالي 400 دينار [564 دولارا]، وهناك مبلغ 30 دينارا [أخرى] [نحو 42 دولار] للفحص الطبي. هذا بالإضافة إلى تكاليف المواصلات. لم يكن الأمر يستحق العناء في تقديري.[66]
"هانية" (51 عاما) متزوجة من رجل مصري عاش في الأردن لأكثر من 35 عاما ولها منه 3 صبية وفتاتان. بعد صعوبات كثيرة، تمكنت أخيرا من استصدار بطاقات هوية لأبنائها. وقالت عن تكاليف الإجراءات:
هذه البطاقات التي رسومها 3 دنانير كلفتني 700 دينار [نحو 987 دولارا]. كان علينا إصدار شهادات ميلاد مصرية، وهي تكلف نقودا، ثم أخذناها إلى السفارة المصرية لإصدار جوازات سفر. وكان علينا استصدار شهادات الفحص الطبي وطابع رسمي من دائرة الإقامة والحدود ، وموافقة من دائرة الأراضي والمساحة، وموافقة أمنية من دائرة الأمن العام. ثم تمت إحالتنا إلى مركز شركة النصر [في عمان]. ولشهر ونصف، كل يوم، كنت أدور على مختلف المكاتب الحكومية، محاولة جمع الأوراق المطلوبة. وليس عندنا سيارة حتى. وهكذا كان عليّ بصفتي أم أردنية أن أتواجد بنفسي في كل خطوة وكل إجراء على امتداد عملية إصدار البطاقات هذه.[67]
شرط الإقامة 5 سنوات
في رسالة بتاريخ 15 يناير/كانون الثاني 2015 إلى رئيس الوزراء حينئذ عبد الله النسور، تناولت اللجنة الأردنية الوطنية للمرأة بالحديث عددا من بنود القرار وتعليماته التنفيذية. من أهم المشاكل التي أشارت إليها الرسالة هي شرط أن تكون الأم مقيمة في الأردن لخمس سنوات على الأقل قبل التقدم بطلب بطاقات الهوية لأبنائها. إذا غادرت الأم الأردنية البلاد لأكثر من 6 أشهر متعاقبة أثناء فترة السنوات الخمس، فعليها انتظار 5 سنوات أخرى قبل أن تصبح مؤهلة للتقديم على البطاقات. اعتبرت اللجنة المطلب شكلا من أشكال التمييز ضد المرأة وخرقا لحرية المرأة في التنقل. ورد في الرسالة: "هل [العيش أو العمل في الخارج] ينزع عنها صفة الأردنية؟"[68]
"سميرة"، الأم الأردنية لأربعة أبناء البالغة من العمر 60 عاما، كانت المعيلة الوحيدة لأبنائها منذ طلاقها من لاجئ فلسطيني في العراق عام 1991. في ذلك العام، عادت سميرة إلى الأردن مع أبنائها. ولإدخالهم الجامعات الخاصة – بصفتهم غير مواطنين عليهم دفع رسوم تعليم "الأجانب" للالتحاق بالجامعات الحكومية بالأردن – انتقلت سميرة إلى السعودية عام 2000 لتكسب بعض النقود كعاملة تصفيف شعر في صالون نسائي. أثناء تلك الفترة كان أولادها يعيشون مع أبويها في الأردن. وأثناء السنوات الـ 16 التالية، تمكنت سميرة من إدخال ابنتيها وأحد أبنائها جامعات خاصة. تزوجت ابنتاها من رجلين أردنيين فأصبحتا أردنيتين عن طريق الزواج، وتزوج ابناها من أردنيات. من ثم ولأن الابنين مواطنان أجنبيان، فهما يجدان مشقة في تحصيل الخدمات الحكومية الأساسية في الأردن، والشق الكبير من مسؤولية رعايتهما تقع على كاهل سميرة.
قالت سميرة: "راتب ابني الأكبر يكاد لا يكفي للإيجار والكهرباء. هو يعمل في مطعم دون تصريح عمل. عندما تأتي الشرطة [يقول له الآخرون] بأن يختبئ. أبنائي ليسوا أحياء، إنهم كالموتى الأحياء. لا يمكنهم عمل أي شيء، لا الحصول على علاج ولا العمل ولا التعلم. ماذا يفعلون؟"[69]
في 2016، عادت سميرة إلى الأردن لتفتح صالون التجميل الخاص بها. كان غيابها المطول عن المملكة يعني عدم استحقاق أبنائها بطاقات الهوية، ومن ثم التسهيلات في تحصيل الخدمات الحكومية. هي تعيش الآن مع ابنيها وزوجة كل منهما وأطفالهما الثلاثة في بيت واحد في إربد.
قالت: "ناهز عمري الستين. تعبت. أوفر العيش لجميع هؤلاء الأطفال. صحيح أني فقدت زوجي، لكن كان أمامي دائما أبنائي وكانوا مستقبلي. لكن بدلا من هذا أصبحوا سبب معاناتي. أتمنى الآن لو كنت رزقت ببنات فقط".
طالبت لجنة سيداو السلطات الأردنية في مارس/آذار 2017 بـ "النظر في إلغاء شرط الإقامة لمدة 5 سنوات المفروض على الأمهات من أجل زيادة عدد الأبناء المؤهلين للحصول على تلك المزايا".[70]
.III "مزايا متخيَّلة"
"الـ 66 ألف بطاقة ليست سوى حبر على ورق".
— خالد رمضان، نائب برلماني أردني، 27 يوليو/تموز 2017
في كل من القطاعات الواردة في قرار الحكومة الصادر في 2014، فإن حيازة البطاقة في حد ذاتها لا يمنح أبناء الأردنيات غير المواطنين حق الحصول على الخدمات الموعودة. إلى حد بعيد، يبقى الحصول على هذه الخدمات عرضة للقوانين والأنظمة الحاكمة للمواطنين الأجانب.
مع اتضاح أن البطاقات لا تتيح المزايا الموعودة، تصاعد انتقاد الأفراد الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش لـ "تخفيف القيود" المفترض من قبل الحكومة. قال شخص قابلناه إن قرار الحكومة بمثابة "مخدّر"، كذلك، قالت أم أردنية لأربعة أبناء: "البطاقة لتخديرنا نحن النساء مؤقتا". هناك رجل متزوج من امرأة هي مثله ابنة بالغة غير مواطنة لامرأة أردنية، وصف القرار بأنه "ليس إلا وهم"، فيما قال شخص آخر أجرينا معه مقابلة إن الإعلان ليس أكثر من "شيء لإسكاتنا". وصف من أجريت معهم مقابلات استمرار القيود على إتاحة العمل والرعاية الصحية والتعليم العالي وحرية التنقل والتملك.
العمل
"أرى أمامي واجهة سوداء. لا تنفع أي طريقة معنا".
—"حمودة"، ابن لأردنية عمره 25 عاما، 24 يوليو/تموز 2017
قانون العمل الأردني
تعد القواعد القانونية الأردنية المنظمة لعمل غير الأردنيين تقييدية للغاية. بحسب المادة 12 من قانون العمل الأردني، إنه لا يمكن للعمال غير الأردنيين العمل إلا بعد موافقة وزارة العمل شريطة أن تكون خبرتهم ومؤهلاتهم غير متوفرة عند العمال الأردنيين، أو أن يكون عدد العمال الأردنيين المؤهلين لا يفي باحتياجات صاحب العمل.[71]
لتحسين ضمان فرص العمل للمواطنين الأردنيين، تضع وزارة العمل أيضا قطاعا كبيرا من سوق العمل ضمن فئة "مهن مغلقة"، أي مهن غير متاح لغير المواطنين الأردنيين الاشتغال بها. حتى يناير/كانون الثاني 2016 كانت هناك 19 مهنة من هذا النوع، تتراوح من الوظائف الإدارية والمحاسبية، إلى العمل بالطباعة والسكرتارية، والأعمال الميكانيكية وإصلاح السيارات والعمل بصالونات التصفيف والمهن الطبية والهندسية والتعليمية، والسائقين المحترفين ووظائف بقطاع المبيعات، بل وحتى وظائف بأعمال الصيانة بالمدارس الخاصة والمستشفيات.[72]
يعتبر توظيف غير الأردنيين مخالفة لقانون العمل إذا تم دون تصريح عمل، أو إذا تم توظيف شخص بخلاف الشخص أو الشركة الصادر له/لها تصريح العمل، أو إذا تم توظيفه في منصب غير مسموح له بشغله.[73]
يتعرض أصحاب العمل غير الملتزمين بهذه القواعد القانونية للغرامات، ويخاطر العمال الأجانب بالتعرض للتوقيف وربما الترحيل إذا تبين مخالفتهم لهذه القواعد.[74] في رد صدر في فبراير/شباط 2018 على رسالة من هيومن رايتس ووتش تم تقديمها للسلطات مصحوبة بأسئلة بناء على النتائج الأولية للبحث، قالت وزارة العمل إنه "في حالة ضبط ابناء وبنات الاردنيات بسوق العمل دون الحصول على تصريح عمل، فهنا لا يتم إصدار قرار تسفير بحقهم وإنما تكتفي الوزارة بمخالفة صاحب العمل لتصويب وضعهم".[75]
رغم الزعم بتخفيف القيود على أبناء الأردنيات غير المواطنين، فلم يؤد القرار الحكومي لعام 2014 إلى أي تحسن ملموس بمجال فرص العمل، بحسب من أجريت معهم المقابلات.
الحصول على تصاريح العمل
حيازة بطاقة تعريفية حكومية لا تعفي أبناء الأردنيات الراغبين في العمل القانوني بالأردن من متطلبات تصريح العمل. ولا تسهل عليهم الحصول على موافقات على طلبات تصريح العمل. ما زالت عملية تقديم الطلبات كما هي قبل القرار الحكومي الصادر في 2014، مع استثناء ملحوظ واحد، هو أن من لديه بطاقة تعريفية يتلقى إعفاء جزئيا من رسوم تصريح العمل التي يتعين على صاحب عمله سدادها، وهي إجمالا تتراوح بين 175 دينارا أردنيا [247 دولار] و500 دينار أردني [705 دولارات].[76]
"ضياء" (21 عاما) وُلد لأب غزاوي وأم أردنية، وقد اكتشف أنه، على النقيض من تصريحات الحكومة، لا تؤهله بطاقته التعريفية للحصول على العمل:[77]
في 2014-2015، عملت 8 أشهر في مصنع كوكا كولا. على مدار 8 أشهر كنت أعمل دون بطاقة تعريفية. ثم وذات يوم فصلوني من العمل. قالوا: لا نريد غزاويين... عندما عدت للمصنع بعد أقل من عام، أظهرت لهم بطاقتي التعريفية وقالوا: نحن لا نعترف بهذه، لن تساعدك.[78]
رغم أنه عاش وعمل في الأردن لأكثر من عقدين، لم يحصل أشرف على تصريح عمل إلا مرة واحدة عام 2001، وهذا بعد أن رفضت وزارة العمل طلبه 3 مرات.
رفض طلبي لنيل تصريح العمل لأن الوظيفة التي كنت قد تقدمت لها ليست نادرة، ويمكن لأي أردني أن يقوم بها. لم أتمكن من الحصول على موافقة الوزارة أخيرا إلا الواسطة. ثم كان عليّ إرسال أوراقي إلى دائرة المخابرات العامة. وهناك أيضا رُفض طلبي مرة ومرتين و3 مرات، ثم وبتدخل من أحد المعارف من جانب أبي، نلت الموافقة. لم أتقدم قط بطلب تصريح عمل بعد هذا. استغرق الأمر وقتا طويلا للغاية والكثير من النقود. بدأت أعمل في أعمال متواضعة بأجور يومية. عملت في البناء وفي المطاعم وغسلت أطباقا، أي شيء يمكنني عمله. لكن دائما ما أحسست بأنني مستهدف، وكأنني مُطارد. خشيت أن تجدني وزارة العمل أو إدارة الإقامة والحدود ويتم القبض عليّ.[79]
أعرب بعض من قابلتهم هيومن رايتس ووتش عن الخوف من التوقيف جراء العمل دون أوراق رسمية، وقال 3 منهم إن السلطات أوقفتهم لهذا السبب. تم القبض على ابن هانية البالغ من العمر 22 عاما في يوم عمله الأول:
بدأ يعمل في إصلاح السيارات. في يومه الأول أمسكت به الشرطة في محل عمله وأحالوه إلى مركز شرطة النصر. ذهبت لضمانه وعلى سبيل الضمان أقسمت ألا أسمح له بالعمل مرة أخرى دون تصريح عمل.[80]
رامي الوكيل هو ابن لأردنية وغير مواطن، وهو منسق حملة مجموعة "أمي أردنية وجنسيتها حق لي". أعلن رفضه فكرة أن تطالبه الدولة باستخراج تصريح عمل، وقال إن من حيث الممارسة فهذا يقوض تماما قرار الحكومة بمنح أبناء الأردنيات غير المواطنين الأولوية في العمل بعد المواطنين الأردنيين.
قال الوكيل: "بالطبع فإن أي صاحب عمل سيفضل دائما مواطنا أردنيا على أبناء الأردنيات [من غير المواطنين]". وأضاف: "لا يريد أي مدير أو صاحب عمل التعامل مع كل هذه البيروقراطية لاستصدار تصاريح العمل للعاملين".[81]
مع إخضاع السلطات الأردنية أبناء الأردنيات المتزوجات من أجان، الذين يعيشون في الأردن، لقوانين وأنظمة تصاريح العمل، فهي تضر بفرصهم في كسب العيش. كما أنها قد تتركهم عرضة لظروف عمل بها مخالفات وانتهاكات تماما كتلك التي يتعرض لها غير الأردنيين الذين يعملون دون تصاريح عمل.
قال النائب البرلماني السابق ورئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي مصطفى الحمارنة: "تخلق الحكومة طبقة دنيا دائمة، بينما يمكنها أن تجعلهم شركاء في النمو الاقتصادي".
مهن ونقابات مُغلقة
عند التقدم بطلب وظيفة في المهن المُغلقة، مثل الطب، الهندسة، والمحاماة، تشترط بعض أنظمة العمل العضوية في النقابات كشرط أساسي للعمل في هذا المجال، في حين تحظر قطاعات أخرى على غير المواطنين العمل في جميع الحالات، مثل طب الأسنان. رغم وعود الحكومة التي تزعم السماح لأبناء الأردنيات من غير المواطنين بالعمل في جميع المهن المُغلقة إذا لم يتقدم أي أردني، لم يتم تغيير أو تعديل القوانين والأنظمة التي تحكم العضوية في النقابات لتعكس هذه الوعود.
في قطاعات المحاماة، الهندسة، الطب، والصيدلة، على سبيل المثال، لا تسمح النقابات إلا لمواطني بلدان جامعة الدول العربية بتقديم طلب العضوية على أساس مبدأ المعاملة بالمثل، وهذا يعني ما إذا كانت نظيراتها في الدول العربية الأخرى تسمح بمثل ذلك. لكن وحتى في مثل هذه الحالة، فالعضوية ليست مضمونة. في معظم الحالات، ونظرا لأن الأولوية تُمنح للمواطنين الأردنيين، فإن أبناء الأردنيات من غير المواطنين قالوا إنهم لا يُمكنهم فعليا العمل في هذه القطاعات.
"جاسم" (33 عاما) حاصل على دبلوم الدراسات العليا في القانون من الجامعة الأردنية. ولد لأب مصري وأم أردنية ونشأ في الأردن. ورغم وجود اتفاق قائم على المعاملة بالمثل بين البلدين، ورغم تلبيته جميع الشروط الأخرى المنصوص عليها في قانون نقابة المحامين الأردنيين، قال إنه تم رفض طلبه للحصول على العضوية مرتين، مرة عام 2007 ومرة أخرى في أوائل عام 2017، وبعد حصوله على البطاقة التعريفية، يعتقد أنه سيُسمح له أخيرا بممارسة مهنته.[82]
لم تُعطني [مُوظفة في نقابة المحامين] سببا وجيها. عُدت إليها مرارا للاستفسار، وكانت تقول: "عُد بعد حين". قلتُ لها، على الأقل ارفضي طلبي كتابة. بهذه الطريقة، يُمكنني الطعن في القرار. جربتُ كل شيء، حتى الاتصال بأشخاص لديهم علاقات جيدة من أجل المساعدة، لكن دون جدوى.[83]
"صونيا" (24 عاما) صيدلية، وُلدت ونشأت ودرست في الأردن. والدها سوري وأمها أردنية. ورغم حصولها على البطاقة التعريفية، قالت إنها صارعت من أجل الحصول على إذن من وزارة الصحة لممارسة الصيدلة في الأردن. قالت:
في العام الماضي، كنتُ أعمل في صيدلية دون إذن بالممارسة. عندما جاء مفتشون من وزارة العمل لمعرفة ما إذا كان الموظفون يعملون بشكل قانوني، وعرضت عليهم بطاقتي التعريفية، قالوا إنني بحاجة إلى تصريح عمل. غرّموا الصيدلية 450 دينارا (حوالي 634 دولار)، وفقدت وظيفتي. وقالوا لي إنه إذا رأوني مرة أخرى [أعمل] في صيدلية، فسيأخذونني إلى المحكمة. ما هذه الجريمة؟ كنتُ قد عملت 3 أشهر في هذه الصيدلية. قبلتني مديرتي على مسؤوليتها الخاصة لأني لم أملك تصريح عمل. عرفت كم كنتُ موهوبة، واعتقدت أنه سيكون من المؤسف ألا أعمل. هل يمكنك أن تتخيلي ذلك؟ نسوا جميع مشاكل البلد الأخرى، ولحقوني.[84]
صونيا مُسجلة لدى نقابة صيادلة الأردن، لكن النقابة سمحت لها فقط بالحصول على "عُضوية فخرية"، كلفتها 160 دينارا أردنيا [حوالي 225 دولار] سنويا - لا تُخولها هذه العضوية الممارسة كصيدلية في الأردن. قالت إن المواطن الأردني يدفع فقط 20 دينارا أردنيا (حوالي 28 دولار) للانضمام إلى النقابة. "عندما ذهبت إلى وزارة الصحة وتقدمت بطلب للحصول على تصريح عمل باستخدام بطاقة هويتي، قالوا لي’[البطاقة] لا تعني شيئا‘". تطوعت صونيا، لأكثر من عام بعد الحادث، للعمل في صيدلية في مخيم للاجئين الفلسطينيين في عمان بدون أجر للحفاظ على معرفتها المهنية. وتمكنت بعد ذلك من الحصول على رُخصة لممارسة الصيدلة لمدة عام واحد فقط. قالت: "لم أتمكن من الحصول عليها إلا من خلال الواسطة (علاقات)".
"سوسن" (48 عاما) مُتزوجة من فلسطيني من الضفة الغربية ولديها 4 أطفال. كل من زوجها وأطفالها الثلاثة لديهم جوازات سفر أردنية مؤقتة دون أرقام وطنية. يُطلب من غير المواطنين أبناء الأردنيات دفع رسوم الطلاب الدوليين للالتحاق بالتعليم العالي في الجامعات الحكومية بالبلاد. ورغم صعوبات الحصول على عمل ثابت، خاصة الوظائف التي يُمكن لخريجي الجامعات الأردنية التأهل إليها، سجلت سوسن وزوجها، مع ذلك، ابنهما البالغ من العمر 23 عاما وابنتهما البالغة من العمر 21 عاما في جامعات خاصة. قال زوج سوسن إن ابنتهما تُريد أن تُصبح محامية، لكنها تدرس حاليا الإعلام والتواصل. "لم يشجعوا ابنتي على دراسة القانون لأنه لا يسمح لها بالانضمام إلى النقابة". سيتخرج ابنهما، "إبراهيم"، قريبا بحصوله على شهادة في المعلوماتية. قالت سوسن: "إننا قلقون جدا بشأنه وبشأن مستقبله. أنا قلقة بشأن مُستقبل جميع أطفالي وآفاقهم الوظيفية".[85]
حرمان من مُستقبل زاهر
"عمار" (23 عاما) بدأ لعب كرة القدم لصالح "نادي الوحدات" الرياضي الأردني في سن الثامنة. عام 2005، في سن الـ 11، التحق بمنتخب الشباب في الأردن، وعلى مدى السنوات القليلة التالية سافر إلى قطر، ماليزيا، سلطنة عمان، والعراق كمهاجم لكل من المنتخب الوطني للشباب وفريق الوحدات. تم اختيار عمار كأفضل لاعب في عدة مناسبات، ورأى مستقبلا واعدا أمامه وهو يلعب كرة القدم الاحترافية في الأردن. عام 2009، وبينما كان المنتخب الوطني للشباب يستعد لمباريات التأهل لـ "كأس آسيا" 2011، أُخبر عمار بأنه لم يعد مُؤهلا للعب مع المنتخب الوطني لأنه لا يحمل رقما وطنيا أردنيا، وبالتالي لا يمكن اعتباره مواطنا أردنيا. قال: "كان هذا أسوأ شعور في العالم. لقد كان مهما جدا بالنسبة لي أن ألعب مع المنتخب الوطني الأردني. كنت واحدا من أفضل لاعبي الأردن".[86]
رغم ولادته لأم أردنية وتربيته في الأردن، يُعتبر عمار، مثل والده، "غزاوي" ويحمل جواز سفر مؤقت.[87] سعت "رانيا"، أم عمار، التي رفضت التخلي عن حلم ابنها، إلى الحصول على مساعدة من الأمير علي بن الحسين، شقيق ملك الأردن ورئيس "الاتحاد الأردني لكرة القدم".
قالت رانيا: "وقفتُ كُل يوم، طيلة عام ونصف، أمام مكتب الأمير علي. ودفعت 30 إلى 40 دينار أردني ثمنا للتنقل في سيارات الأجرة، في انتظار أن يُغادر مكتبه حتى أتمكن من التحدث معه، ومناشدته بأن يمنح عمار الجنسية الأردنية لكي يتمكن من اللعب".[88] في يناير/كانون الثاني 2012، استجاب الأمير علي وبعث برسالة إلى وزير الداخلية، غالب الزعبي، يطلب فيها أن تمنح السلطات الجنسية الأردنية لعمار.[89] في يوليو/تموز، رفضت وزارة الداخلية طلبه. ونصت رسالة وزير الداخلية على أن عمار مُخالف لأحكام قانون الجنسية الأردنية.[90] لم يتم تقديم أي شرح إضافي. عمار، الذي رفض طلبات من الحكومة القطرية لمنحه الجنسية القطرية والانضمام إلى المُنتخب الوطني القطري، يسعى إلى الحصول على شهادة في التسويق في جامعة خاصة في الأردن. لقد تخلى عن أمل اللعب للمنتخب الوطني الأردني.
القانون الدولي بشأن الحق في العمل
تتعرض المرأة الأردنية للتمييز في منح الجنسية لأبنائها على قدم المساواة مع الرجل، في انتهاك للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وبالتالي يُحرم الأبناء أنفسهم بشكل غير عادل من الحق في المواطنة؛ لكن أيضا، يواجه الأبناء بدورهم قيودا غير مُبررة على ممارسة حقهم في العمل بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الذي صادق عليه الأردن دون تحفظات.[91] تعترف المادة 6 بالحق في العمل "الذي يشمل ما لكل شخص من حق في أن تتاح له إمكانية كسب رزقه بعمل يختاره أو يقبله بحرية". وتضمن المادة 7 المساواة في الأجر عن العمل المتساوي - "أجرا منصفا، ومكافأة متساوية لدى تساوي قيمة العمل دون أي تمييز". إن تأثير قوانين الجنسية والتشغيل على هؤلاء الأطفال، وكثير منهم من المقيمين في الأردن لفترة طويلة، هو حرمانهم من القدرة على ممارسة حقهم في العمل، على أساس قيود تمييزية وبالتالي لا يمكن تبريرها.
في ملاحظاتها الختامية حول الأردن عام 2000، أعربت "لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية" عن قلقها إزاء "المعاملة التمييزية في ظل القانون المدني التي تجسدها، على سبيل المثال، القيود المفروضة على حق المرأة الأردنية المتزوجة من أجنبي في أن تمنح جنسيتها لأطفالها". وأوصت "الدولة الطرف بأن تتخذ كافة الإجراءات القانونية الفعالة لمنع التمييز على أسس الجنس في كافة الميادين المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والحياة الثقافية".
الرعاية الصحية
"كل مرة يمرض أحد [أطفالي]، أضع يدي على قلبي وأقلق بشأن المبلغ الذي سيتعين علينا دفعه".
—"سميرة"، 60 عاما وأم لأربعة أطفال، 26 يوليو/تموز 2017
لا يُوفر الأردن رعاية صحية شاملة لمواطنيه. نظامه الصحي العام، المدعوم من قبل الدولة، مُثقل ويُوفر فقط الحد الأدنى الأساسي من الرعاية الصحية للذين ليس لديهم تأمين.[92]
يتم توفير التأمين الصحي من خلال وزارة الصحة و"الخدمات الطبية الملكية" للأفراد المؤهلين، ومن خلال الشركات الخاصة للذين يستطيعون تحمل تكاليفها. يحصل المرضى الذين ليس لديهم تأمين صحي على الخدمات الأساسية التي يُمولها الديوان الملكي، ويُطلب منهم دفع تكاليف الرعاية الصحية الثانوية والثالثية من مالهم الخاص. ووفقا للإحصاء الوطني للسكان لعام 2015، فإن ما لا يقل عن 30 بالمئة من الأردنيين و75 بالمئة من غير الأردنيين في المملكة ليس لديهم تأمين صحي.[93]
رغم أنها عملية تستغرق وقتا طويلا، يُمكن للأردنيين المُؤمنين وغير المؤمنين أيضا تقديم التماس "إعفاء طبي" من وزارة الصحة، أو مكتب رئيس الوزراء، أو الديوان الملكي، والذي بموجبه تتحمل الحكومة مسؤولية جميع تكاليف العلاج والعمليات الجراحية. نادرا ما تُمنح مثل هذه الإعفاءات للمواطنين الأجانب.
عند استخدامهم خدمات الرعاية الصحية العامة، يدفع غير الأردنيين رسوما أعلى بنسبة 35 إلى 60 بالمئة مُقارنة بالأردنيين غير المُؤمنين.[94] وذكر قرار مجلس الوزراء بشأن أبناء الأردنيات أن فقط الأطفال غير المواطنين، الذين تقل أعمارهم عن 18 عاما، أبناء الأردنيات المُؤمنات يُمكنهم تلقي نفس المعاملة في المستشفيات العامة مثل أمهاتهم. الذين تكون أمهاتهم غير مُؤمنات يتوجب عليهم دفع نفس الرسوم التي يدفعها المواطن الأجنبي بغض النظر عن تقديمهم البطاقة التعريفية. بالنظر إلى أن الأردنيين المُؤمنين يمكنهم بالفعل إدراج أطفالهم في بوليصة التأمين الخاصة بهم بغض النظر عن وضعهم كمواطنين، فإن هذا الحكم يحافظ فقط على الوضع كما هو عليه ولا يقدم أي فائدة إضافية لأبناء الأردنيات.
بعد 3 أسابيع من إصدار السلطات قرار مجلس الوزراء، عممت وزارة الصحة قائمة تعليماتها في خطاب رسمي موجه إلى مديري المستشفيات ورؤساء المراكز الصحية، مضيفة أن أبناء الأردنيات غير المُؤمنات، بغض النظر عن العمر، يُمكنهم الآن دفع الرسوم نفسها التي يدفعها الأردني القادر (غير المؤمن) إذا استطاعت الأم إثبات أنها أقامت في الأردن مدة لا تقل عن 5 سنوات. في حين أن هذه خطوة إيجابية من جانب وزارة الصحة، اشتكت بعض العائلات إلى وسائل الإعلام وهيومن رايتس ووتش من كون المستشفيات لا تتبع القوانين الجديدة، وتستمر في مُطالبة غير المواطنين أبناء الأردنيات بدفع الرسوم التي يدفعها المواطنون الأجانب في المراكز الصحية العامة.[95] في ردها المُؤرخ في فبراير/شباط 2018 على رسالة قدمتها هيومن رايتس ووتش إلى السلطات مع أسئلة مبنية على نتائج أولية، ذكرت وزارة الصحة بدلا من ذلك أن غير المواطنين أبناء الأردنيات دون سن 18 عاما هم فقط المسموح لهم بدفع نفس الرسوم مثل الأردنيين غير المُؤمنين.[96]
"مريم" (47 عاما) مواطنة أردنية وأم لخمس بنات غير مواطنات. تُوفي زوجها المصري عام 2013. مع أن لديها 3 بنات في سن العمل، تبقى مريم هي المُعيلة الوحيدة للأسرة. وتعتمد على المساعدات التي تُقدمها المنظمات الخيرية الإنسانية للاعتناء بنفسها وبناتها ولا يُمكنها تحمل تكاليف التأمين الصحي. رغم التكاليف التي يتطلبها الأمر، تمكنت من الحصول على بطاقات تعريفية لجميع بناتها الخمس - وهي خطوة ندمت عليها الآن. قالت: "ما الذي استفدت منه من هذه البطاقات؟ لا شيء".
تُعاني واحدة من بناتي من بداية ورم سرطان الصدر. كان علي دفع الرسوم التي يدفعها المواطنون الأجانب لإزالته. بالنسبة لأصيل (ابنتها الكبرى)، اضطررت لدفع 200 دينار أردني [حوالي 282 دولار أمريكي] فقط لإزالة الزائدة الدودية. طلبوا هويتي، [لأنهم] لم يعترفوا بالبطاقات التعريفية.[97]
"أمل"، وهي مواطنة أردنية، متزوجة من فلسطيني يحمل جواز سفر أردني مؤقت لسكان غزة. رغم أنهم وُلدوا ونشأوا في الأردن، إلا أن أطفالها الأربعة، مثل أبيهم، يُعتبرون غزاويين، وليس لديهم رقم وطني أردني. في حين يتم علاج الأطفال الأردنيين دون سن السادسة في المستشفيات والعيادات التي تُديرها الوزارة مجانا، شريطة ألا يشملهم أي تأمين صحي آخر، لا توجد لوائح واضحة حول ما إذا كان الشيء نفسه ينطبق على الأطفال غير المواطنين. بعد ولادة ابن أمل الأصغر (12 عاما) أصيب بالمرض واحتاج إلى دخول مستشفى.
قالت: "كانت هناك العديد من التعقيدات، كان في وحدة العناية المركزة. كلفني 400 دينار أردني [حوالي 564 دولار أمريكي]. لم يكن لدي هذا المبلغ المالي". حاولت أمل أن تطلب إعفاء طبيا من الديوان الملكي، لكن طلبها رُفض. "ماذا أفعل؟ أسرق ابني لإخراجه؟ كان علي أن أتسول للحصول على هذا المال".[98] يسمح قرار الحكومة لعام 2007 للأطفال الغزاويين الذين تقل أعمارهم عن ستة أعوام بتلقي نفس العلاج مثل الأطفال الأردنيين.[99] وفي نفس ردها على هيومن رايتس ووتش في فبراير/شباط 2018، ذكرت وزارة الصحة أن غير المواطنين أبناء الأردنيات دون سن السادسة، الذين سيحملون بطاقات تعريفية، والأطفال السوريين يتلقون نفس المعاملة. لم تعلن السلطات عن هذه السياسات بوضوح.
"ريم" (59 عاما) لديها 6 أطفال ولدوا ونشأوا في الأردن. زوجها المصري توفي قبل 10 سنوات. فقط أولادها الثلاثة الأكبر لديهم بطاقات تعريفية لأنها لا تستطيع تحمل تكاليف الحصول عليها لبقية أطفالها. قالت: "العديد منا مرضى، ولا نستطيع الذهاب إلى المستشفى لأنهم سيطلبون منا دفع نفس المبالغ التي يدفعها الأجانب". كونها مواطنة أردنية بنفسها، فإن ريم، التي تحتاج إلى رعاية طبية، ستدفع نفس الرسوم مثل أي أردني قادر، لكنها ترفض طلب المساعدة. وقالت، قبل أن تبكي في صمت: "إذا لم تتمكن ابنتي من الذهاب إلى المستشفى، فأنا أيضا لا أريد الذهب إليه".[100]
أمل، التي لم تستطع الحصول على بطاقات تعريفية لأطفالها بسبب شرط الإقامة لمدة 5 سنوات، أخذت أبناءها إلى مستشفيات خاصة للعلاج: "ابني البكر مُصاب بالتلاسيميا [اضطراب الدم غالبا ما يؤدي إلى فقر الدم]. في مستشفى الأميرة بسمة [العام]، اضطررنا إلى دفع 380 دينار أردني [حوالي 535 دولار أمريكي]. مرِض مرة أخرى، لكن قررت آنذاك أن آخذه إلى مستشفى خاص بما أننا اضطررنا لدفع نفس المبلغ [مثل المستشفى العام] في جميع الحالات. على الأقل يُحافظ على كرامته".
"شريف" (35 عاما) و"هالة" (32 عاما) مُتزوجان وكلاهما ولد في الأردن من والدتين أردنيتين وأبوين غير أردنيين. يحمل شريف جواز سفر مصري وتحمل هالة جواز سفر أردني مؤقت. وكلاهما لديه بطاقات تعريفية تُثبت أنهما أبناء أمهات أردنية. أما أولادهما، ابنهما، عمره 6 أعوام، وابنتها البالغة من العمر عاما واحدا، فيُعتبران مصريين، ورغم أنهما من الجيل الثالث في الأردن، لا يحق لهما الحصول على الجنسية الأردنية. قال شريف: "أخذت ابني للعلاج في مستشفى [الأمير فيصل بن الحسين] مرة واحدة. ولأننا غير مؤمنين، جعلونا ندفع نفس الرسوم التي يدفعها الأجانب". وأضاف:
لسنا وافدين ولا لاجئين، نحن سكان هذا البلد. أعرف الأردن من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب. ولاؤنا لتراب هذا البلد، لكن نُعامَل كمنبوذين.[101]
بينما يُعرّف كل فرد من غير المواطنين الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش نفسه كأردني، يتم تذكيرهم باستمرار بوضعهم كأجانب خلال تعاملهم مع الدوائر الحكومية. على سبيل المثال، من بين غير الأردنيين، يُسمح فقط للفلسطينيين حاملي جوازات سفر أردنية مؤقتة بالتبرع بالدم في الأردن.[102]
قالت "هانية" (51 عاما): "إن احتجتُ إلى دم، لا يُمكن لابني منحه لي... أيُمكنك تصورُ ذلك؟"
القانون الدولي بشأن الحق في الرعاية الصحية
تدعو المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية جميع الدول الأطراف إلى الإعمال الكامل لحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية. وينص التعليق العام للأمم المتحدة بشأن تنفيذ المادة 12 على أن تكون الاستفادة من المرافق الصحية وسداد قيمة خدمات الرعاية الصحية، والخدمات المرتبطة بالمقومات الأساسية للصحة "بناء على مبدأ الإنصاف"، ومُتوفرة "دون أي تمييز على أساس أي سبب من الأسباب المحظورة"، وتؤكد على أن هذا ينطبق بالخصوص على "أكثر الفئات ضعفا أو تهميشا بين السكان بحكم القانون وبحكم الواقع". على الأطراف في "اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري" أيضا احترام حق غير المواطنين في مستوى مناسب من الصحة البدنية والعقلية. تُلزم اتفاقية حقوق الطفل الدول الأطراف بأن "تبذل قصارى جهدها لتضمن ألا يحرم أي طفل من حقه في الحصول" على خدمات الرعاية الصحية. الأردن طرف في جميع هذه المعاهدات المذكورة.[103]
التعليم
التعليم العام في الأردن ليس مجانيا، لكن التعليم الابتدائي والثانوي مدعوم للأردنيين. وفقا للتعديلات التي أدخلت على قانون التربية والتعليم عام 2006 و2013، على المدارس الأردنية قبول الطلاب العرب غير الأردنيين إذا كان لديهم الوثائق المطلوبة مثل جوازات السفر المؤقتة، وتصاريح الإقامة، وتصاريح عمل سارية المفعول للآباء. وحتى لو كان لديهم هذه الوثائق، لا يمكنهم التسجيل إلا إذا سمحت قدرة المدارس الاستيعابية بذلك وبتكلفة أعلى بكثير. يُسمح للطلاب العرب غير المواطنين بالتسجيل فقط في المدارس الخاصة، والمدارس الأردنية تسمح فقط بقبول الطلبة الفلسطينيين القادمين من الضفة الغربية، وفقط إذا حصلوا على إذن من دائرة المتابعة والتفتيش في وزارة الداخلية. الفلسطينيون من غزة يُسجلون غالبا في مدارس الأونروا للاجئين الفلسطينيين.[104]
ينص قرار مجلس الوزراء لعام 2014 بشأن أبناء الأردنيات من غير المواطنين المُقيمين في الأردن على أنه يحق لهؤلاء الأطفال الحصول على نفس المعاملة التي يحصل عليها الطلاب الأردنيين في أنظمة المدارس العامة الابتدائية والثانوية. وهذا يُعفيهم فعلا من التكاليف الإضافية المطلوبة للطلاب غير الأردنيين ويسمح للأطفال غير العرب أبناء الأردنيات بالتسجيل في المدارس العامة. من أجل التسجيل، رغم ذلك، ينبغي للأطفال حمل البطاقات التعريفية.[105]
ولأن أبناء أشرف الخمسة ليست لديهم جوازات سفر عراقية أو تصاريح إقامة، وليس لدى أشرف تصريح عمل، لا يمكنهم الحصول على البطاقات التعريفية اللازمة للقبول في المدارس الحكومية في البلاد.
"أُجبرت على تسجيل نفسي وأبنائي لدى مفوضية الأمم المتحدة للاجئين [كلاجئين] حتى أتمكن من الحصول على الخدمات التي يُقدمونها. حتى أتمكن من الحصول على الرعاية الصحية والتعليم المجاني. كل خدمة أحصلُ عليها هي من خلال المفوضية. لا أحصل إطلاقا على أي شيء من الحكومة الأردنية".
التعليم العالي
العديد ممّن قابلتهم هيومن رايتس ووتش قلقون بشأن التعليم العالي أكثر من التعليم الأساسي والثانوي.
وبما أن غير المواطنين أبناء الأردنيات يُعتبرون أجانب، فإنهم مُطالبون بدفع رسوم الطلاب الأجانب في الجامعات العامة.[106] يدفع الطالب الأجنبي أكثر من ضعف المبلغ الذي يدفعه الطالب الأردني للجامعة العامة، ولا يُسمح للأجانب بطلب منح دراسية حكومية. مُعظم الذين يُتابعون التعليم العالي يفعلون ذلك في الجامعات الأردنية الخاصة، التي تفرض نفس الرسوم الدراسية على الأردنيين وغير الأردنيين.[107]
قالت صونيا (24 عاما) التي درست الصيدلة في "جامعة الإسراء" الخاصة، جنوب عمان، والتي لم يُسمح لها بالعمل سوى في أواخر فبراير/شباط 2018 عندما حصلت على رُخصة بالممارسة لسنة واحدة:
لدي أخوان، أحدهما تخرج من إدارة الأعمال، والآخر في المدرسة الثانوية. أخي الأكبر، عمره 25 عاما، لا يستطيع العثور على عمل. يرفض أخي الأصغر الذهاب إلى الجامعة لأنه لا يرى أي مستقبل للعمل. علينا أن ندفع تكاليف الجامعة من مالنا الخاص، ولا يُريد أن يُضيع كل ذلك المال فقط لكي يجلس دون عمل مثلنا [هي وشقيقها].[108]
شعرت "عبلة" بالابتهاج حينما أُبلغت أن ابنتها حصلت على واحدة من أعلى النتائج في الامتحان الثانوية العامة في عام 2017 في الأردن. لطالما أرادت ابنتها أن تُصبح طبيبة وأن مجموع 96.6 الذي حصلت عليه في الامتحان يؤهلها للحصول على منحة دراسية في أي من الجامعات العامة في البلاد. لكن ابنة عبلة، عكس أمها، ليست أردنية، وبالتالي، وبعد إنهائها الامتحان، لا يُمكن منذ البداية قبولها في أي مُنافسة على المنح الدراسية الجامعية التي تُمنح للأردنيين فقط. لا تستطيع عائلتها دفع مصاريف التعليم الجامعي. كتبت عبلة في تدوينة على فيسبوك تمت مُشاركتها بشكل واسع جدا:
أنا أردنية. أبي وأمي أردنيان. عشتُ حياتي هنا، ودرست هنا، وعملت هنا، وتزوجتُ هنا، ولا أعرف لي بلدا غيرها. سهرت مع ابنتي الليالي الطوال [حين كانت تدرس]، عشتُ معها لحظات الترقب والانتظار، لم أبخل عليها بما أستطيع حتى تحصل على مُعدل يُؤهلها من تحقيق رغبتها في دراسة الطب، وها قد حصلت عليه.. ففرحنا فرحة قصيرة، إذ سُرعان ما اصطدمنا بجدار أبناء الأردنيات.[109]
في 11 سبتمبر/أيلول 2017، أعلن الأمين العام لوزارة التعليم العالي أن 150 مقعدا في الجامعات العامة سيتم تخصيصها لغير المواطنين أبناء الأردنيات وبدعم من الحكومة. لا يحق سوى للأفراد ذوي الدرجات العليا والبطاقات التعريفية التقدم بطلب.[110] تقدمت ابنة عبلة، التي استطاعت الحصول على بطاقة تعريفية أصدرتها الحكومة، بطلب وقُبلت لدراسة الطب في إحدى الجامعات العامة في الأردن للعام الدراسي الجامعي 2017-2018.
القانون الدولي بشأن الحق في التعليم
وضح القانون الدولي لحقوق الإنسان أن لجميع الأطفال الحق في التعليم الأساسي الإجباري والمجاني دون تمييز وبغض النظر عن جنسياتهم.[111] على الدول ضمان أيضا إتاحة التعليم الثانوي بمُختلف أنواعه لجميع الأطفال، واتخاذ إجراءات مناسبة، مثل جعل التعليم مجانيا بشكل تدريجي وتقديم المساعدة المالية عند الحاجة.[112] كما تُلزم اتفاقية حقوق الطفل، التي صادق عليها الأردن عام 1991، الدول الأطراف بجعل "التعليم العالي، بشتى الوسائل المُناسبة، مُتاحا للجميع على أساس القدرات".[113]
التملك والاستثمار
"لا أستطيع حتى وضع اسمي على حساب الواي فاي! وهذا مجرد حساب على الإنترنت، ماذا لو كنت أرغب في امتلاك منزل؟"
—"صونيا"، 24 عاما، غير أردنية بنت أردنية، 24 يوليو/تموز 2017
تلعب الأردنيات، المُتزوجات من أجانب والمقيمات في الأردن مع عائلاتهن، دورا حاسما في إدارة مُمتلكات واستثمارات الأسرة. حتى حسابات الهاتف والانترنت من الصعب الحصول عليها لمن ليس لديهم بطاقة تعريفية صالحة. في غيابها، يُصبح كل إجراء أكثر صعوبة.
قال زوج سوسن، وهو فلسطيني يعتبر "غزاويا": "جميعنا مُتعلقون بشخص واحد ونعتمد عليه: سوسن. من دونها لا يمكننا فعل أي شيء على الإطلاق".[114]
تضمن قرار مجلس الوزراء لعام 2014 التملك والاستثمار في أحكامه، لكنه لم يُغير أيا من لوائح القطاعين. يبقى غير المواطنين من أبناء وأزواج الأردنيات خاضعين للقوانين واللوائح التي تحكم التملك والاستثمار بالنسبة للأجانب. لا يمكن للأفراد الحصول على ممتلكات أو تسجيل سيارة أو أنشطة أعمال، أو تصفية استثماراتهم دون الحصول على موافقة من وزير المالية، أو وزير الداخلية، أو دائرة الأراضي والمساحة، أو دائرة المخابرات العامة.[115] ونظرا للطبيعة التقييدية لهذه القوانين، فإن مُعظم الأسر ليس لها أي خيار سوى تسجيل كل ما تملك باسم الأم.
قالت "بشرى"، عمرها 53 عاما ومُطلقة وأم لأربعة أبناء غير مواطنين: "الأرض باسمي، والسيارة باسمي، والمنزل باسمي".[116]
النقل الوحيد المُمكن لملكية الأموال غير المنقولة إلى غير أردني يتم من خلال الميراث. لكن حتى في هذه الحالة، يمكن أن تكون العملية طويلة وشاقة.[117]
"نرمين" (43 عاما) ابنة لأردنية وفلسطيني من غزة. لديها جواز سفر مؤقت بدون رقم وطني. عندما توفيت والدتها عام 2016، سارعت نرمين، التي تُعيل نفسها ووالدها، إلى نقل منزل عائلتها من اسم أمها إلى اسمها. قالت: "لن تصدق مستوى المعاناة التي مررت بها للحصول على ما هو من حقي. عندما ذهبت للحصول على حصر الإرث الصادر للمنزل، رأى موظف حكومي طلبي وقال لزميله أمامي ’كيف يُسمح لهذه المرأة بالحصول على منزل؟‘ بطبيعة الحال، سُمح لي بالحصول عليه فقط من خلال الإرث".
قالت: "أخشى دوما من الذهاب إلى بعض المؤسسات الحكومية خوفا من مُعاملتي بشكل فظيع أو وجود عقبات في طريقتي". بعد أشهر من الرحلات المكوكية من دائرة حكومية إلى أخرى، استطاعت نرمين في النهاية تسجيل منزل والدتها باسمها، لكن اللوائح القائمة تُصعّب عليها كثيرا بيعه، أو شراء آخر، أو تأجيره.[118] "كأبناء أردنيات، ما زلنا أسرى قيود مُحددة".[119]
تسجيل منزل باسم أم أو زوجة أردنية ليس مُمكنا دائما. عندما أراد "أحمد" (45 عاما) ابن أم أردنية وأب أجنبي، شراء منزل ثان لأسرته المكونة من 5 أفراد، سجله تحت اسم جاره المُسن – وهو رجل وصفه بالمُحترم. لكن بما أن المنزل ليس باسمه أو اسم أي فرد من عائلته، فإنه لا يملكه قانونا ويجب عليه أن يعتمد على طيبة الآخرين. قال عن الجار المُسن: "أبناؤه يُهددون الآن بأنه في حالة وفاة أبيهم، سيأخذون المنزل منّا".[120]
يواجه أبناء الأردنيات عقبات مُماثلة عند محاولتهم تسجيل شركة باسمهم أو شراء أرض بغرض الاستثمار. قبل 10 سنوات، أسست نرمين وشريك تجاري شركة تبيع اللوزام الطبية. لا تزال تعمل هناك اليوم في منصب إداري، ولها مكتبها الخاص، وتأمين صحي، وضمان اجتماعي. لكن شريكها التجاري، من الناحية التقنية، هو رئيسها. قالت: "لا يمكنني حتى تسجيل اسمي كشريكة في الشركة التي ساعدت في تأسيسها، ولذا بقيت كما أنا، مجرد موظفة".[121]
بينما يُسمح فعلا لغير الأردنيين، عند حصولهم على الموافقات الحكومية اللازمة، بتسجيل الشركات بأسمائهم أو الاستثمار وفقا للوائح التي تحكم الاستثمارات غير الأردنية، تدّعي نرمين أنها عندما اتصلت بدائرة مراقبة الشركات في وزارة الصناعة والتجارة، رفض موظف في الوزارة البحث في طلبها لأنها ليس لديها رقم وطني أردني.[122] وقالت نرمين إنها تشعر باستمرار أنها عالقة بسبب القيود المفروضة عليها باعتبارها غير مواطنة بشكل عام، وكغزاوية بشكل خاص. يخضع حاملو جوازات السفر الأردنية المؤقتة إلى مزيد من التدقيق، حيث يُطلب منهم الحصول على موافقة إضافية من مجلس الوزراء.[123] "يمكنك الوصول إلى نقطة معينة في الحياة حيث لا يمكنك التقدم بعدها. لا أستطيع تغيير وظيفتي أو منزلي. أنا هنا في هذه المرحلة وسيتعين عليّ البقاء هنا".
"طارق" (32 عاما) ابن لأم أردنية وأب غزاوي. يعمل لدى منظمة دولية غير حكومية في الأردن، وقرر مؤخرا تكوين أسرة. ولد ابنه، البالغ من العمر شهرا واحدا، أيضا من أم أردنية، وورث وضعه كغير مواطن. في أكتوبر/تشرين الأول 2016، قرر طارق، مع زوجته، تأسيس منظمة غير حكومية. قال:
أردنا تسجيل الشركة بالتساوي تحت اسمينا، اسمي واسم زوجتي. لكن وزارة الداخلية رفضت مطالبتي بامتلاك نصفها. الآن هي مُسجلة بالكامل باسم زوجتي... كل يوم، أترك وظيفتي وأذهب إلى شركتنا. أضع كل شيء في هذه الشركة ولا أملك منها أي شيء. إذا، لا سمح الله، تركتني زوجتي أو لم نتّفق، فلن أحصل على أي شيء.[124]
الحصول على رخصة قيادة
"كيف يمكن اعتبار ذلك عاديا وهم [أولادنا] ولدوا هنا، وعاشوا وترعرعوا هنا، ولا يُمكنهم حتى الحصول على رخصة قيادة؟"
—"عبد الله" أب مصري لخمسة أبناء ومتزوج من أردنية، 24 يوليو/تموز 2017
في الأردن، الذي ليس لديه نظام نقل عام مُتطور وفعال، يعتمد السكان بشكل كبير على السيارات الخاصة للتنقل من مكان إلى آخر.[125] وجدت دراسة لعام 2014 أن الاعتماد الكلي على وسائل النقل العام في الأردن يُمكن أن يكون له تأثير سلبي على فرص التعليم والعمل للفرد.[126]
للحصول على رخصة قيادة – بل لإجراء العديد غيرها من المعاملات الرسمية – الأجانب مُطالبون بالحصول على تصريح إقامة ساري المفعول، أو شهادة حسن السيرة والسلوك للمعفيين من شرط الإقامة، أو جواز سفر أردني مؤقت. لا يُسمح للأجانب بالحصول على تراخيص لقيادة مركبات عامة أو لأغراض تجارية.
وكما هو الحال في مجاليّ التملك والاستثمار، تضمّن قرار مجلس الوزراء لعام 2014 الحصول على تراخيص القيادة، لكنه لم يُغير أو يُعدل اللوائح القائمة لتخفيف القيود التي تُعيق قدرة غير المواطنين أبناء الأردنيات على الحصول عليها. بينما يمكن للأردنيين الحصول على رخص قيادة صالحة لمدة 5 أو 10 سنوات، تُمنح لمُعظم غير المواطنين أبناء الأردنيات فقط تراخيص قيادة سيارة خاصة لمدة عام، وفقط إن لبوا بعض الشروط التقييدية. يُسمح فقط لحاملي جوازات سفر مؤقتة من سكان غزة والضفة الغربية، ومواطني الدول التي لها اتفاقات المعاملة بالمثل مع الأردن، بتقديم طلب الحصول على تراخيص قيادة سيارة خاصة صالحة لمدة 10 سنوات. غير الأردنيين مُطالبون بدفع رسوم أعلى بكثير من المواطنين الأردنيين للحصول على رخص قيادة.
في حين أنهم غير مُطالبين من الناحية التقنية بامتلاك تصاريح عمل سارية المفعول للحصول على رخص قيادة، كثير من المعفيين من شروط الإقامة طُلب منهم، رغم ذلك، تقديم تصاريح العمل عند تقديم الطلب. وأفاد 5 أشخاص قابلتهم هيومن رايتس ووتش عن عدم تمكنهم من الحصول على رخص قيادة لأنهم ليس لديهم تصاريح عمل سارية المفعول.
لا تستطيع صونيا، ولا شقيقيها، القيادة قانونيا في الأردن. عندما تقدمت بطلب للحصول على رخصة، طلبت السلطات من صونيا أن تحصل على تصريح عمل، أو أن تكون طالبة، أو أن يكون لديها وضع مستثمرة أجنبية. "حاولت استخدام بطاقة هويتي، وأخبرتني دائرة رخصة القيادة أن أذهب إلى دائرة المخابرات العامة. وقالت لي دائرة المخابرات العامة، بعد ذلك، إني لا أستطيع الحصول على رخصة إلا إذا كان لدي استثمار بقيمة 50 ألف دينار أردني (حوالي 70,521 دولار أمريكي)، أو إن كنت ما زلت طالبة". لتجاوز ذلك، تعتمد صونيا على النقل العام.
قال العديد ممن قابلتهم هيومن رايتس ووتش إنهم يقودون سياراتهم في الأردن دون رخصة قيادة، وبالتالي هم عُرضة للتوقيف، لأنهم لم يتمكنوا من الحصول عليها.
قالت صونيا: "يحتاج أخي للقيادة، ولذلك اقتنى سيارة على مسؤوليته الخاصة. اعتقل 3 مرات، وكان عليه أن يدفع غرامة 250 دينار أردني (حوالي 352 دولار) في كل مرة عن طريق الواسطة للإفراج عنه. انتهى بنا الأمر ببيع السيارة".
"هاشم" (25 عاما) ميكانيكي سيارات وابن من أم أردنية وأب مصري. ووفقا لأمه، كان هاشم دائما شغوفا بالسيارات ولا يستطيع الانتظار لقيادة سيارته. بموجب القانون، يتعين على هاشم الحصول على شهادة حسن السيرة والسلوك من دائرة المخابرات العامة للحصول على رخصة قيادة لسنة واحدة. لم يحصل عليها قط رغم تقديم لطلبه عدة مرات.
قال والده: "تقدمنا بطلب حوالي 15 مرة للحصول على شهادة حسن السيرة والسلوك. وفي كل مرة يؤجلون، يقولون لنا أن نأتي بعد أسبوعين، ثم مرة أخرى بعد أسبوعين. لا يقولون لنا لا، بل يستمرون فقط في مُماطلتنا. لقد حطموا آمال ابني". بعد أن يأس من الحصول على رخصة، اشترى والد هاشم له سيارة على أي حال. "انتهى بها المطاف بالتوقف أمام المنزل لمدة عام. في البداية، قادها كثيرا، لكننا دفعنا العديد من المخالفات، وتم القبض عليه مرتين أثناء قيادته. في بعض الأحيان كان يعطي اسم ابن عمه بدلا من اسمه حتى لا يتم القبض عليه.[127]
حرية التنقل
لا يتمتع أبناء الأردنيات من غير المواطنين بنفس القدرة التي يتمتع بها الأردنيون للسفر بحرية خارج الأردن، وبالإضافة إلى جواز سفر ساري المفعول، يحتاج الأفراد من جنسيات مُعينة إلى تأشيرات أو تصريح من دائرة المخابرات العامة لدخول الأردن مجددا. يُمكن أن يكون غير الأردني عُرضة لخطر الترحيل إلى بلد لم يعرفه أبدا إذا ما وقع في مخالفة للقانون.
فقد حياته لأنه منع من العودة إلى الأردن
إيمان" (49 عاما) مواطنة أردنية، مُتزوجة من سوري وأم لستة أطفال سوريين. جميع الأطفال الستة ولدوا ونشأوا في الأردن، وجميعهم يحملون بطاقات تعريفية. في صيف عام 2014، سافرت إيمان وزوجها إلى إدلب لزيارة عائلة زوجها. وأثناء وجودهما هناك، التقيا بامرأة شابة اعتقدا أنها ستكون زوجة صالحة لابنهما الأصغر "سامح" (25 عاما). وفي العام نفسه، أخذاه للقائها والزواج بها. "وقبل المغادرة، أصر سامح على التقدم بطلب للحصول على تأشيرة حتى يتمكن من السفر إلى سوريا والعودة إلى الأردن، لكن ونظرا لأنني تمكنت، أنا وزوجي، من السفر إلى هناك والعودة دون أية مشاكل، ظننت أنه لن يواجه مشكلة حثثته على المغادرة قبل الحصول على رد". لا يحتاج السوريون إلى تأشيرات لدخول الأردن. لكنهم يحتاجون إلى الحصول على تصريح من وزارة الداخلية ودائرة المخابرات العامة. بعد أن تزوجا، سافرت إيمان، وزوجها، وابنها، وعروسه عبر أنطاكيا إلى الأردن، لكن مسؤولو شركة الطيران لم يسمحوا لسامح وزوجته بركوب الطائرة. قالت: "عدت أنا وزوجي إلى الأردن، وحاولت كل شيء، وركضت نحو جميع الدوائر الحكومية في محاولة لإعادة ابني إلى المنزل". في غضون ذلك، وبينما كانا ينتظران، كان سامح وزوجته يعيشان فوق إمكانياتهما في غرفة بفندق في أنطاكيا. بعد عام تقريبا، بينما استمرت إيمان في التوسل والضغط على السلطات الأردنية للسماح لابنها بالعودة، قرر سامح أنه لن يستطيع العيش وهو عالق. قالت: "في 13 يونيو/حزيران 2015، عاد ابني وزوجته إلى إدلب، سوريا". وبعد أقل من شهر، أصيب سامح بقذيفة هاون وقُتل. بقيت زوجته، الحامل حينذاك، على قيد الحياة. قالت إيمان: "يقولون لي أنني السبب في وفاته".[128]
ترحيل مُحتمل
في حالة أخرى وثقتها هيومن رايتس ووتش، يقبع شاب ولد من أم أردنية وأب مصري في سجن أردني منذ يناير/كانون الثاني 2016. وبما أنه ليس لديه الجنسية الأردنية، فإن "يوسف" (26 عاما) مُعرض لخطر الترحيل لبلد لم يزره أبدا. واجه العديد من الاعتقالات - مُعظمها بسبب جرائم صغيرة، أبرزها القيادة دون رخصة. في مقابلة مع هيومن رايتس ووتش، قالت والدته، "ريم "، إن آخر اعتقال له كان نتيجة خلاف بين جاره وشريك أعمال أدى إلى مشاجرة. قالت: "كان في المكان الخطأ، في الوقت الخطأ". اعتقلت الشرطة يوسف في 23 يناير/كانون الثاني 2016، وحاكمته المحكمة بتهمة الاعتداء وحيازة سلاح. وبحسب ريم، فإن المُحاكمة مستمرة لكن لم يعد المدعى عليه ولا الشهود يمثلون أمام المحكمة. "أنا فقط وابني". وقالت إن النيابة العامة منحت يوسف، في يونيو/حزيران 2016، الإفراج عنه بكفالة، لكنه لا يزال اليوم رهن الاعتقال الإداري نتيجة أمر إبعاد قيد الانتظار صدر بحقه في 28 فبراير/شباط 2016. قالت: "حتى لو كان مخطئا حقا، عاقبوه، لكن لا تسرقوا ابني مني".[129]
شكر وتنويه
أجرت البحث لهذا التقرير وصاغته هبة زيادين، مساعدة أبحاث في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، بدعم بحثي من مايكل بيج، نائب مدير في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وآدم كوغل، باحث أول في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. قدم كل من بيل فان إسفلد، باحث أول في قسم حقوق الطفل، روثنا بيغم، باحثة في قسم حقوق المرأة، وديدريك لوهمان، مدير برنامج الصحة وحقوق الإنسان مُراجعة مُختصة.
قدم كلايف بالدوين، مستشار قانوني أول، وتوم بورتيوس، نائب مدير البرامج، مراجعة قانونية وبرمجية. قدمت مُنسقة في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المساعدة التحريرية والإنتاجية. تم تنسيق التصميم والإنتاج من قبل ريبيكا روم فرانك، منسقة الصور والمنشورات، وغرايس تشوي، مديرة المنشورات وتصميم المعلومات، وخوسيه مارتينيز، منسق أول، وفيتزروي هوبكنز، مدير إداري.
تتقدم هيومن رايتس ووتش بالشكر للأمهات وأبناء الأردنيات الذين تكرموا بمشاركة تجاربهم معنا، فضلا عن الناشطين، والمحامين، والصحفيين، والمسؤولين الأردنيين الذين وافقوا على لقائنا وردوا على استفساراتنا.