ملخص
يستمرّ النزاع المسلّح في اليمن، الذي تصاعد في مارس/آذار 2015، في قتل وإصابة وتهجير آلاف المدنيين اليمنيين. حتى أغسطس/آب 2018، وثق "مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة" (مفوضية حقوق الإنسان) مقتل 6,592 مدنيا وإصابة 10,470 آخرين في اليمن. نتجت أغلب الخسائر التي تم التحقق منها عن الغارات الجوية للتحالف الذي تقوده السعودية. كما يعاني عدة ملايين آخرين من نقص في الغذاء والرعاية الطبية. ورغم الأدلة المتزايدة على تورط جميع أطراف النزاع في انتهاكات القانون الدولي، فإن جهود المحاسبة، إلى حد بعيد، غير كافية.
في أغسطس/آب 2016، أعلن التحالف، الذي كان يتكون حينها من السعودية، الإمارات، البحرين، الكويت، مصر، الأردن، المغرب، السودان، وقطر، النتائج الأولى الصادرة عن "الفريق المشترك لتقييم الحوادث" (الفريق المشترك)، آلية التحقيق التي كان التحالف قد أنشأها حديثا. كان الفريق المشترك يتكون في الأصل من 14 شخصا يمثلون أبرز دول التحالف، وله صلاحيات التحقيق في الوقائع، جمع الأدلة، وإعداد تقارير وتوصيات حول "الادعاءات والحوادث" أثناء عمليات التحالف في اليمن.
في هذا التقرير، تدرس هيومن رايتس ووتش الطريقة التي اعتمدها الفريق المشترك للتحقيق في التزام التحالف بقوانين الحرب، والضرر اللاحق بالمدنيين، باعتماد التحليل اللاحق للضربات. وجد التقرير أن النتائج العلنية التي توصل إليها الفريق المشترك، بعد سنتين من انطلاق تحقيقاته في غارات التحالف، تستمر في تأكيد العديد من المشاكل الأساسية نفسها التي شابت نتائجه الأولى. كما تبرز المعلومات القليلة المتاحة للعموم عجز الفريق المشترك بشكل عام – لأسباب غير واضحة – عن إجراء تحقيقات موثوقة ومحايدة وشفافة في انتهاكات قوانين الحرب المزعومة للتحالف.
لإبراز بعض بواعث قلق "هيومن رايتس ووتش" حيال عمل الفريق المشترك، يتناول هذا التقرير التناقضات المتعلقة بالوقائع والتناقضات القانونية بين تقارير الفريق المشترك وهيومن رايتس ووتش وتحليلهما لـ 17 ضربة. أثارت النتائج العلنية للفريق المشترك أسئلة جدية بشأن الطرق التي اعتمدها في تحقيقاته وفي تطبيق القانون الإنساني الدولي. توصّلت أطراف أخرى، مثل "فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة"، "منظمة العفو الدولية"، و"أطباء بلا حدود" إلى نتائج مماثلة بشأن إخفاقات الفريق المشترك في تحقيقاته الخاصة بضربات أخرى.
على امتداد العامين الماضيين، لم يلتزم الفريق المشترك بالمعايير الدولية المتعلقة بالشفافية والحياد والاستقلالية. أُنشئ الفريق في فترة شهدت أدلة متزايدة على انتهاكات التحالف، لكنه لم يلبِّ حتى صلاحياته المحدودة لتقييم "الادعاءات والحوادث" التي حصلت أثناء العمليات العسكرية للتحالف. لم يكتفِ الفريق المشترك بإجراء تحقيقات تفتقر إلى منهجية موضوعية، بل لم يُجرِ تحليلا معمقا لقوانين الحرب في تحقيقاته، فتوصل إلى نتائج معيبة ومشكوك فيها. اكتفى الفريق المشترك على ما يبدو بالتحقيق في الغارات الجوية للتحالف، دون غيرها من الانتهاكات المزعومة للقانون الدولي من قبل أعضاء التحالف، مثل انتهاكات الإمارات بحق المحتجزين.
في 31 يوليو/تموز 2018، ذكر الفريق المشترك أنه حقق في الحادث الـ 79. تُنشر أغلب بيانات الفريق على الموقع الإخباري الرسمي للسعودية، لكن لا يوجد ترقيم لجميع التحقيقات. راجعت هيومن رايتس ووتش البيانات العلنية التي نشرها الفريق المشترك بالإنغليزية والعربية، والمؤتمرات الصحفية التي قدمها المتحدث باسم الفريق منذ أغسطس/آب 2016. كما قابلت أعضاء من منظمات أخرى تتابع عمل الفريق المشترك، وحددت 75 تقريرا لهذا الفريق. لكن يبقى من غير الواضح ما إذا كان الفريق المشترك قد نشر النتائج الأربع المتبقية للعلن أو إن كان يوجد سبب آخر للتناقض في الأرقام. في التقارير الـ 75:
لا يقدّم الفريق المشترك أي معلومات بشأن قراراته المتعلقة بنشر نتائج تحقيقاته أو عدمه، وتوقيت القيام بذلك. يبدو أن 3 دفعات من نتائج التحقيقات نُشرت للردّ على أحداث دولية. فقد نشر الفريق المشترك نتائج في 12 سبتمبر/أيلول 2017 أثناء مناقشات "مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة" بشأن إمكانية إنشاء آلية تحقيق دولية في انتهاكات اليمن؛ استخدم الدبلوماسيون السعوديون وحلفاؤهم النتائج التي نشرها الفريق المشترك لدحض الحاجة إلى هذه الآلية. في 5 مارس/آذار 2018، نشر الفريق المشترك بعض النتائج، مباشرة قبل سفر وليّ العهد وقائد التحالف محمد بن سلمان إلى المملكة المتحدة للقاء مسؤولين بريطانيين كبار. وفي 7 يونيو/حزيران 2018، نشر الفريق المشترك نتائج قُبيل هجوم كبير شنه التحالف للسيطرة على الحديدة، كان قد أثار مخاوف من أن مهاجمة أهم ميناء يمني ستكون لها نتائج إنسانية وخيمة على السكان.
لم يتطرق الفريق المشترك إلى بعض انتهاكات التحالف للقانون الدولي. منذ مارس/آذار 2015، قدّم مسؤولو التحالف بشكل متكرر تصريحات خاطئة حول التزام التحالف بقوانين الحرب. بعد نفي متكرر لاستخدام التحالف لذخائر عنقودية محظورة على نطاق واسع في اليمن، زعم التحالف في أواخر 2016 أنه استخدم نوعا واحدا من الذخائر العنقودية على الأقل بشكل قانوني. قبل هذا الاعتراف، وثقت هيومن رايتس ووتش 17 هجوما بذخائر عنقودية مختلفة عن نوع الذخائر الذي اعترف التحالف باستخدامه. لم يُجر الفريق المشترك أي تحقيقات جدية في أي من هذه الهجمات بالذخائر العنقودية.
كثيرا ما تزعم الولايات المتحدة، وهي طرف في النزاع بسبب دعمها العملاني واللوجستي والاستخباري للتحالف، والمملكة المتحدة، التي تساند التحالف، أن التحالف "حسّن" أساليب الاستهداف أثناء النزاع. بصفتهما أكبر مزودين للسعودية بالأسلحة، استمرت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في بيع أسلحة بقيمة مليارات الدولارات للسعودية وأعضاء التحالف الآخرين طيلة النزاع. في 6 هجمات حقق فيها الفريق المشترك ونتناولها في هذا التقرير، وجدت هيومن رايتس ووتش أنه تم استخدام ذخائر مصدرها الولايات المتحدة. أكّد مسؤولون أن جهود التحالف في التحقيق عبر الفريق المشترك تبرز حسن نية السعودية وأطراف التحالف الآخرين في بذل جهود للامتثال للقانون الإنساني الدولي.
قد تُواجه هذه الدول التي تستمرّ في بيع الأسلحة للسعودية – بما فيها الولايات المتحدة، المملكة المتحدة وفرنسا – خطر التواطؤ في الهجمات غير القانونية مستقبلا، خصوصا وأن تطمينات التحالف باتخاذ إجراءات أثبتت أنها مجرد كلام.
وعد التحالف مرارا بتقليص الخطر الذي يواجهه المدنيون في عملياته العسكرية المستقبلية، لكن انعدام الشفافية جعل عمل المراقبين المستقلين على تحليل مدى وجود تغييرات في عمل التحالف أمرا شبه مستحيل، ناهيك عن تنفيذ هذه التغييرات. واصلت هيومن رايتس ووتش توثيق هجمات التحالف في 2017 و2018 التي يبدو أنها انتهكت قوانين الحرب.
التحقيقات المحايدة في الانتهاكات المزعومة لقوانين الحرب هي مجرّد خطوة أولى للالتزام بالمعايير الدولية المتعلقة بالمحاسبة على الانتهاكات وتحقيق العدالة للضحايا. تدعو هيومن رايتس ووتش الدول أعضاء التحالف إلى احترام التزاماتها بموجب القانون الدولي والتحقيق في الانتهاكات الخطيرة المزعومة التي ارتكبتها قواتها المسلحة والأشخاص الخاضعين لولايتها، مقاضاة العسكريين المتورطين في جرائم حرب، تقديم تعويضات لضحايا الهجمات غير القانونية ودعم إحداث آلية موحّدة وشاملة لتقديم تعويضات "تعزية" للمدنيين الذين يعانون من خسائر جرّاء العمليات العسكرية، بصرف النظر عما إذا كان الهجوم قانونيا.
عدم التزام التحالف بقوانين الحرب يتجاوز بكثير مظاهر الإخفاق التي يحتويها أي تحقيق للفريق المشترك. لقد حقق الفريق المشترك فقط في جزء من هجمات التحالف التي أعدّت المنظمات الحقوقية والأمم المتحدة بشأنها تقارير تضمنت مخاوف تتعلق بقوانين الحرب. حققت هيومن رايتس ووتش في 88 هجوما بدا غير قانوني للتحالف منذ مارس/آذار 2015، بينما حقق الفريق المشترك في حوالي ربع هذا العدد فقط. كما حققت الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية في عشرات الغارات الجوية الأخرى للتحالف والتي بدت غير قانونية. في الكثير من هذه الهجمات، لم يعترف مسؤولو التحالف والفريق المشترك بدور التحالف. وجد فريق خبراء تابع للأمم المتحدة أنه باستثناء 10 هجمات حقّق فيها في 2017، لم "يُقرّ [التحالف] بمشاركته في أي هجمات، ولم يوضح للرأي العام الهدف العسكري الذي كان يرجو تحقيقه".
العديد من الهجمات التي شنتها قوات التحالف والتي يبدو أنها انتهكت قوانين الحرب تتضمن أدلة على حصول جرائم حرب، أي أنها انتهاكات خطيرة نفذها أشخاص بقصد إجرامي. لم تبذل تحقيقات الفريق المشترك أي جهود واضحة لتحديد المسؤولية الجنائية الفردية في الغارات الجوية غير القانونية. هذه المحاولة لحماية أطراف النزاع والعسكريين الأفراد من المسؤولية الجنائية هي في حدّ ذاتها انتهاك لقوانين الحرب. يواجه القادة السعوديون والإماراتيون، الذين يلعب بلداهم دورا محوريا في عمليات التحالف العسكرية، مسؤولية قانونية محتملة في إطار مسؤولية القيادة، أي المسؤولية المنجرة عن كون القائد على علم أو ينبغي له أن يعلم بالانتهاكات التي ارتكبها مرؤوسوه، دون أن يتخذ إجراءات كافية لمنعهم من ذلك أو معاقبتهم. ما زال العديد من كبار القادة السعوديين والإماراتيين الذين لعبوا دورا بارزا في العمليات العسكرية أثناء النزاع في مناصب ذات قوة وسلطة.
رغم أن الفريق المشترك أوصى التحالف بتقديم "مساعدة" أو "اتخاذ إجراءات" في عدد صغير من الضربات، إلا أن هيومن رايتس ووتش لا تعلم بأي خطوات ملموسة اتخذها التحالف لتقديم تعويضات أو محاسبة أشخاص عن جرائم حرب محتملة. بشكل استثنائي، أفادت "اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان" في اليمن بأن الحكومة اليمنية أحالت العديد من الضباط اليمنيين على محكمة عسكرية يمنية لمحاكمتهم.
في 10يوليو/تموز 2018، أصدر الملك السعودي أمرا "بالعفو عن كافة العسكريين المشاركين في عملية إعادة الأمل من العقوبات العسكرية والمسلكية الصادرة بحقهم [منذ أبريل/نيسان 2015]". لم يوضح هذا التصريح الشامل وذو الصياغة المبهمة أي قيود منطبقة على العفو، إن كانت موجودة أصلا.
ارتكبت القوات الحوثية المعارضة للتحالف أيضا انتهاكات متعددة لقوانين الحرب، بما فيها جرائم حرب محتملة. وثقت هيومن رايتس ووتش استخدام الحوثيين لألغام مضادة للأفراد، استخدام الجنود الأطفال، قصف مدن يمنية بشكل عشوائي، تعذيب المحتجزين، وغيرها من الانتهاكات. لا تعلم هيومن رايتس ووتش باتخاذ الحوثيين أي خطوات ملموسة للتحقيق في الهجمات غير القانونية المحتملة أو محاسبة أي شخص.
سبق وأن فرض "مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة" حظر سفر وتجميد أموال على قادة حوثيين وحلفائهم السابقين عبر آلية عقوبات تسمح باستهداف الأشخاص المتورطين في انتهاك القانون الإنساني الدولي. غير أن المجلس لم يفعل الشيء نفسه مع الحكومة اليمنية أو أعضاء التحالف، رغم وجود أدلة على تورط التحالف في أعمال تستوجب عقوبات. تستطيع كل دولة اقتراح أسماء على "لجنة الجزاءات التابعة للأمم المتحدة" بشأن اليمن، ما يؤدي إلى النظر الفوري في هذه المقترحات من قبل مجلس الأمن. ما لم يتوقف التحالف عن هجماته غير القانونية، ولم يحقق بجدية في الهجمات غير القانونية المزعومة، ولم يلاحق المتورطين قضائيا، ولم يقدّم تعويضات للضحايا المدنيين، فإن مجلس الأمن مطالب بالنظر فورا في فرض عقوبات مركزة على الأشخاص الذين يتقاسمون الجزء الأكبر من المسؤولية في انتهاكات التحالف لقوانين الحرب، لا سيما ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وغيره من كبار قادة التحالف.
عدم إجراء الدول المتحاربة تحقيقات سريعة وموثوقة ومحايدة في جرائم الحرب يعني ضرورة اللجوء إلى السبل الأخرى المتاحة للحفاظ على مسار العدالة. على مجلس حقوق الإنسان تجديد وتعزيز ولاية وهيكلية الإبلاغ الخاصة بـ "فريق الخبراء البارزين" بشأن اليمن، الذي يقدم حاليا تقارير غير مباشرة إلى مجلس حقوق الإنسان. على الحكومة اليمنية، وهي مُلزمة بحماية جميع اليمنيين من أي ضرر، الانضمام بشكل مستعجل إلى "المحكمة الجنائية الدولية". على السلطات القضائية في الدول الأخرى أيضا فتح تحقيقات بشأن الأشخاص الذين يُشتبه في ارتكابهم جرائم حرب بموجب الولاية القضائية العالمية وبما يتماشى مع قوانينها الوطنية. على الدول الاستمرار في عملية جمع الأدلة الجنائية لإجراء ملاحقات قضائية مستقبلا.
توصيات
إلى السعودية والإمارات ودول التحالف الأخرى واليمن
- الالتزام بقوانين الحرب، بما فيها حظر الهجمات التي تستهدف المدنيين والأعيان المدنية، أو التي لا تفرّق بين الأعيان المدنية والعسكرية، أو التي تُسبّب خسائر مدنية غير متناسبة مع الميزة العسكرية المرجوّة.
- إجراء تحقيقات ذات مصداقية ومحايدة وشفافة في الانتهاكات المزعومة لقوانين الحرب التي شاركت فيها قواتها الوطنية المسلحة في اليمن.
- ملاحقة العسكريين المتورطين في جرائم حرب في اليمن قضائيا كما يجب، بما يشمل مسؤولية القيادة.
- دعم إجراء تحقيقات ذات مصداقية ومحايدة وشفافة من قبل الفريق المشترك لتقييم الحوادث.
- تقديم تعويضات سريعة وكافية للضحايا المدنيين وعائلاتهم على القتلى والمصابين والأضرار التي لحقت بالممتلكات بسبب الضربات غير القانونية. اعتماد آلية موحدة وشاملة لتقديم تعويضات "عزاء" إلى المدنيين الذين لحقت بهم خسائر جرّاء العمليات العسكرية، بصرف النظر عن قانونية الهجمات.
- إنشاء آلية لإيصال نتائج التحقيقات إلى الضحايا المدنيين وأقاربهم، حتى وإن لم تكن عمليات دفع التعويضات ممكنة في الوقت الحالي. النظر في أشكال تعويض غير مالية، مثل الاعتذار أو اتخاذ إجراءات مؤقتة.
- نشر أرقام عن عدد ضحايا الغارات الجوية بشكل منتظم، بما يشمل القوات المشاركة فيها. نشر المنهجية المعتمدة في التمييز بين المدنيين والمقاتلين، ومراجعتها باستمرار لتعزيز الدقة. مقابلة الشهود وإجراء زيارات تفتيش للمواقع كلما أمكن.
- ضمان الالتزام الكامل لقواعد الاشتباك بقوانين الحرب، ومراجعتها باستمرار للحد من الخسائر المدنية.
- اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتقليص الضرر اللاحق بالمدنيين، بما يشمل إصدار تحذيرات سابقة للهجمات كلما أمكن.
- عدم استخدام الأسلحة المتفجرة التي تخلّف آثارا واسعة في المناطق المأهولة بالسكان. الكف عن استخدام الأسلحة العشوائية بطبيعتها، مثل الذخائر العنقودية، في جميع الظروف.
إلى الفريق المشترك لتقييم الحوادث
- إصدار توضيح علني للإجراءات المعتمدة لتحديد الحوادث التي تخضع للتحقيق، وتقديم قائمة بالحوادث التي هي في طور التحقيق.
- الإسراع في نشر نتائج التحقيقات، بما يشمل الخلاصات، وتقليص إخفاء المعلومات إلى أدنى حدّ ممكن. إنشاء آلية لإطلاع الضحايا المدنيين وعائلاتهم على نتائج التحقيقات.
- إدراج القوات المسلحة التي شاركت في هجمات معينة في نتائج التحقيقات المنشورة، بما يشمل سلسلة القيادة، الاستخبارات التكتيكية، وعمليات الدعم، مثل التزويد بالوقود جوا، والاشتباك التكتيكي.
- إدراج معلومات حول إجراءات المحاسبة المتخذة من قبل أعضاء التحالف المعنيين في نتائج التحقيقات المنشورة، بما في ذلك الإجراءات التأديبية والملاحقات الجنائية، التعويضات وتعويضات التعزية المقدمة إلى الضحايا المدنيين وعائلاتهم في حال وجودها.
- تقديم معلومات إلى الضحايا وعائلاتهم عن كيفية تقديم ادعاءات بحصول خسائر. وضع معايير عامة تُطبّق عند دفع التعويضات.
- التحقيق في انتهاكات قوانين الحرب التي تتجاوز الاستهداف، مثل استخدام الذخائر العنقودية والانتهاكات المتعلقة بالاحتجاز.
- التعاون مع المنظمات اليمنية وغير الحكومية والأمم المتحدة، بما فيها السعي إلى الحصول على معلومات وتقاسم المعلومات في إطار ما هو ممكن. توفير توجيهات للمنظمات والأفراد لإعلام الفريق المشترك بالحوادث التي تتسبب في خسائر مدنية أو التي قد تنتهك قوانين الحرب.
- مساعدة الحكومات التي تجري تحقيقاتها الخاصة في انتهاكات قوانين الحرب المزعومة.
- الاستخدام الكامل لأدوات التحقيق المتاحة، وهذا يشمل الاستخبارات العسكرية، المعلومات المتعلقة بالعمليات، فيديوهات الاستهداف، والحصول على معلومات من الموقع المستهدف ومقابلة الشهود كلما أمكن. وإن كانت التحقيقات الميدانية غير ممكنة، يجب استكشاف سُبل إجراء مقابلات أو على الأقل الاتصال بالشهود.
- تقديم معلومات عامة عن أعضاء الفريق المشترك، بما يشمل مناصبهم، والخبرات القانونية أو العسكرية ذات الصلة، وهيكليات الإبلاغ.
إلى الحوثيين والقوات المتحالفة معهم
- التقيّد بقوانين الحرب، بما يشمل حظر الهجمات التي تستهدف المدنيين والأعيان المدنية، أو التي لا تفرّق بين الأهداف المدنية والعسكرية، أو التي تتسبب في خسائر مدنية غير متناسبة مع الميزة العسكرية المرجوّة.
- إنزال العقاب المناسب بالقادة والمقاتلين المتورطين في انتهاكات للقانون الدولي.
- ضمان معاملة جميع المحتجزين بشكل إنساني، وتمكينهم من الاتصال بمحامين وبعائلاتهم. ينبغي عدم احتجاز الأفراد إلا إذا قُبض عليهم وهم يقاتلون أو لأسباب أمنية قاهرة.
- عدم استخدام الأسلحة المتفجرة التي لها آثار واسعة في المناطق السكنية. الكف عن استخدام الأسلحة العشوائية بطبيعتها، مثل الألغام المضادة للأفراد، في جميع الظروف.
- تجنّب وضع أعيان عسكرية في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، واتخاذ إجراءات لإبعاد المدنيين عن المناطق المستهدفة.
إلى اليمن
- الانضمام إلى "نظام روما الأساسي" المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية.
إلى الولايات المتحدة
- إجراء تحقيقات في أي غارة جوية توجد أدلة ذات مصداقية على احتمال انتهاكها لقوانين الحرب وشاركت فيها الولايات المتحدة، بما يشمل مدّ الطائرات المشاركة بالوقود، تقديم معلومات تتعلق بالاستهداف أو معلومات استخبارية، أو غيرها من أشكال الدعم التكتيكي.
- إصدار توضيح علني بشأن الدور الأمريكي في النزاع، بما في ذلك الخطوات التي اتخذتها الولايات المتحدة لتقليص عدد الضحايا المدنيين في العمليات الجوية والتحقيق في الانتهاكات المزعومة لقوانين الحرب.
إلى فرنسا
- إنشاء لجنة برلمانية للتحقيق في مبيعات الأسلحة الفرنسية إلى السعودية وأعضاء التحالف الآخرين.
إلى مساندي التحالف، بما يشمل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا
- بالنظر إلى استمرار التحالف في عدم إجراء تحقيقات ذات مصداقية في الانتهاكات المزعومة، بما يشمل الفريق المشترك، واستمرار انتهاكات قوانين الحرب، ينبغي تعليق جميع مبيعات الأسلحة إلى السعودية حتى تكف عن غاراتها الجوية غير القانونية في اليمن وتحقق بشكل موثوق في الانتهاكات المزعومة.
- الكف عن تزويد أطراف النزاع في اليمن بأي أسلحة أو ذخائر أو معدات عسكرية حين يوجد خطر حقيقي يتعلق باستخدام هذه الأسلحة في اليمن لارتكاب أو تسهيل ارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي أو القانون الدولي لحقوق الإنسان.
- حث أعضاء التحالف على تنفيذ التوصيات المذكورة أعلاه.
إلى أعضاء مجلس الأمن الدولي
- مطالبة فريق الخبراء التابع للجنة الجزاءات بشأن اليمن بإصدار تقرير خاص بالأفراد المتورطين في انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي المنطبق أو في منع وصول المساعدات الإنسانية، بما يشمل سلسلة القيادة والمراقبة والقادة المسؤولين في التحالف الذي تقوده السعودية.
- فرض عقوبات مركّزة على محمد بن سلمان وكبار القادة الآخرين المسؤولين عن عمليات عسكرية تسببت في انتهاكات واسعة لقوانين الحرب دون أن يتخذوا خطوات جادة لوضع حدّ لهذه الانتهاكات.
إلى أعضاء مجلس حقوق الإنسان
- تجديد وتعزيز ولاية فريق الخبراء البارزين بشأن اليمن، تعزيز هيكلية الإبلاغ الخاصة به حتى يرفع تقارير مباشرة إلى مجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة للأمم المتحدة، وتشديد اللغة المتعلقة بالمحاسبة.
منهجية التقرير
منذ تدخّل التحالف الذي تقوده السعودية في النزاع اليمني المسلّح في مارس/آذار 2015، أجرت هيومن رايتس ووتش بحوثا ميدانية في شمال البلاد وجنوبها، بما يشمل محافظات صنعاء، عدن، صعدة، الحديدة، ومناطق أخرى. سعت هيومن رايتس ووتش، عند إجراء تحقيقات في الغارات الجوية غير القانونية المحتملة، إلى جمع مجموعة من المعلومات عبر اجراء مقابلات مباشرة أو عن بعد مع الضحايا والشهود والموظفين الطبيين، تحليل صور الأقمار الصناعية، وتحليل الأدلة المادية، مثل بقايا الأسلحة وفيديوهات وصور مواقع الضربات.
لإنجاز هذا التقرير، قابلت هيومن رايتس ووتش نشطاء محليين، منظمات حقوقية وإنسانية محلية ودولية، محامين يمثلون الضحايا، ومسؤولين حكوميين يمنيين. كما حللت بيانات عامة صادرة عن الفريق المشترك على امتداد العامين الماضيين، وأخرى عن مسؤولين في التحالف نُشرت على المواقع الحكومية.
وافق جميع مَن قابلناهم على المقابلات مسبقا، وأعلمناهم بالغرض منها وبكيفية توثيق المعلومات أو إبلاغها. لم يحصل أيّ منهم على مكافأة بالمقابل.
في 2017، راسلت هيومن رايتس ووتش التحالف ودوله الأعضاء حاليا وسابقا للحصول على معلومات بشأن أي تحقيقات ونتائج. في 2018، كتبت هيومن رايتس ووتش إلى الفريق المشترك، وأرسلت نسخا من خطابها إلى الدول التي كان مواطنوها من ضمن الفريق المشترك عندما أُعلن عنه للمرة الأولى، وهي السعودية، الإمارات، اليمن، قطر، البحرين، والكويت. لكن لم يردّ أحد من أعضاء التحالف الحاليين. قدّمت قطر ردا كتابيا في يونيو/حزيران 2018، مضمّن في ملحق هذا التقرير. ستُنشر الردود المستقبلية لأعضاء التحالف على صفحة اليمن على موقع هيومن رايتس ووتش.
استمرار الغارات الجوية غير القانونية للتحالف
في يونيو/حزيران 2017، أفادت صحيفة "نيويورك تايمز" أن السعودية طمأنت الولايات المتحدة إلى أن قوات التحالف ستلتزم بقواعد اشتباك أكثر صرامة، وستدرس بعض التقديرات المتعلقة بالضرر المحتمل اللاحق بالمدنيين عند الاستهداف، وهي خطوة قال مسؤولون أمريكيون لـ نيويورك تايمز إنها لم تنفذ بشكل كامل في العمليات العسكرية.[1] أفادت تقارير أن هذه التطمينات جاءت قبل صفقة بيع أسلحة إلى السعودية بقيمة 110 مليار دولار. بعد 3 أشهر من التغييرات التي ذكرتها نيويورك تايمز، وثقت هيومن رايتس ووتش 6 غارات جوية للتحالف يبدو أنها انتهكت قوانين الحرب. تسببت هذه الغارات في مقتل 55 مدنيا، منهم 33 طفلا، وإصابة عشرات الآخرين.[2]
رغم الوعود المتكررة بتقليص الضرر الناجم عن الحملة العسكرية، استمر التحالف في شن غارات جوية غير قانونية على اليمن في 2018. حققت هيومن رايتس ووتش في إحدى هذه الهجمات غير القانونية المذكورة أدناه. كما نشرت منظمات حقوقية أخرى و"مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان" ومنظمات إغاثة تقارير عن غارات جوية أخرى بدت غير قانونية استهدف فيها التحالف مدنيين وأهداف مدنية في 2018.[3] في أغسطس/آب 2018، ذكرت المفوضية أن الغارات الجوية للتحالف ما زالت السبب الرئيسي لسقوط ضحايا مدنيين.[4]
22 أبريل/نيسان 2018، حفل زفاف في بني قيس، حجّة
في 22 أبريل/نيسان 2018، قصفت طائرة تابعة للتحالف حفل زفاف في قرية الراقة بمديرية بني قيس في محافظة حجة. تسبب الهجوم في مقتل 22 شخصا، منهم 8 أطفال، وإصابة 54 آخرين على الأقل، منهم 26 طفلا، بحسب شهود وعاملين في مجال الصحة استقبلوا الجرحى بعد الهجوم.[5] نجا كل من العريس (25 عاما) والعروس (24 عاما)، لكن كما قال أحد الضيوف: "في دقيقة واحدة، تحوّل من عريس يستعد لحفل زفافه إلى مشرّد خسر كلّ شيء".[6]
قال ضيوف في الحفل إنهم شاهدوا طائرة للتحالف تحلق في المنطقة حوالي الساعة 10 ليلا. قال أنس المصابي إنه غادر الحفل مبكرا وعاد إلى منزله، الذي يبعد مسافة 20 دقيقة بالسيارة تقريبا. لما كان على سطح المنزل يمضغ القات (منشط خفيف شائع)، سمع طائرة تحلق ذهابا وإيابا. عند الساعة 10:10 تقريبا، شاهدها تلقي قنبلة.[7]
وصل حيدر مسعود إلى الحفل بعد صلاة العصر. جلس مع بعض الأصدقاء على مسافة أمتار من خيمة الحفل الرئيسية، فشاهد طائرة تحلق فوق المكان:
فجأة، سمعت شيئا يُشبه الأزيز لبضع ثوان، ثم لم أسمع أي شيء آخر، لا انفجار ولا شيء. بعد الأزيز، انهار كلّ شيء... نهضت وركضت حافي القدمين نحو منزلي... كان أصدقائي يركضون أيضا... كنا نتحدث إلى بعضنا البعض لكننا لا نسمع شيئا... كنت فقط أراهم يحركون شفاههم.
كان عمّ العريس، عبده شوعي، وهو عامل في منتصف الثلاثينيات، برفقة الرجال في الخيمة المحاذية لمنزل العريس. سمع لبعض الوقت صوت الطائرة، لكن ضجيج الزفاف كان عاليا. قبل الهجوم بقليل، وردت مكالمة على رجل كان جالسا بجانبه من صديق كان يعمل مع الحوثيين، وحذره من أنّ التحالف قد يقصف المنطقة. بعدها "انهار كل شيء على رؤوسنا". قال شوعي إنه لم يسمع انفجارا، لكنه شعر بالحرارة: "ظننت أنني أشتعل. كنت مغطى بالغبار... حاولت الركض، لكنني كنت أسقط باستمرار". سارت زوجته نحوه:
أوقفتها وسألتها 'أين أطفالي؟ أين أطفالي؟' كان المنظر مرعبا: أشخاص بلا أطراف، وبعضهم برؤوس مفتوحة وتنزف. كانت زوجتي تبحث وتصرخ كلما رأت شخصا واعتقدت أنه من أقاربها. كان من الصعب التعرف على الناس بسبب الظلام وتشوّه أغلبهم.
شعر أطفاله بالذعر، وكُسرت ذراع ابنته أشواق (8 أعوام).[8]
قال علي عمر (52 عاما)، وهو عضو في مجلس حجة المحلّي يسكن في الجوار، إنه سمع دويّ الانفجار. سار مع ابن شقيقه (30 عاما) على الفور إلى حفل الزفاف على دراجة نارية، فقد كان له ابنان راشدان هناك. وجد 3 أو 4 أشخاص يحاولون إنقاذ المصابين، لكن الآخرين كانوا "خائفين من غارة ثانية"، بحسب ما قال عمر. كان المكان مظلما، فاستخدم ضوء هاتفه الخلوي للبحث عن ابنيه. وجد حزام ابنه، ثم غلاف هاتفه ثم شاله. قال: "كنت متأكدا أنهما قُتلا، لكنني واصلت البحث والتفتيش". انتشل عمر 10 جثث على الأقل من تحت الأنقاض تلك الليلة:
لم أتمكن من التعرف عليهم أبدا بسبب الظلام، ولأن الجثث كانت محترقة بالكامل... آخر جثة كانت لرجل انقسم إلى نصفين: نصف فوق الشجرة والآخر يتدلى منها. شعرت بالغثيان بشدة أمام ذلك المشهد، وشعرت أن قدميّ لا تستطيعان حملي، فسقطت...عندما كنت أبحث وأنبش الأنقاض، كنت أسمع نحيب العائلات على أبنائها الذين تجهل ما إذا كانوا أحياء أم أموات.
أخيرا، اتصل به ابن عمه. صرخ عمر لأنه كان يريد استخدام ضوء الهاتف ليستمر في البحث. لما أقنعه ابن عمه بالإنصات إليه، أخبره أن ابنيه يعانيان من كسور في الأطراف، لكنهما على قيد الحياة وفي مكان آمن معه.[9]
نُقل المصابون بجروح خطيرة إلى "مركز الطور الصحي" ثم إلى المستشفى الجمهوري في حجة، الذي كان يبعد مسافة ساعتين ونصف تقريبا.[10] قال د. محمد الصوملي، مدير المستشفى، إنه استقبل أكثر من 50 مصابا في الهجوم، أغلبهم أطفال. قال: "كانت أغلب الحالات حرجة"، 4 منهم فقدوا أطرافهم السفلية.[11]
قدّم أحد ضيوف الحفل إلى هيومن رايتس ووتش قائمة كاملة بأسماء القتلى والمصابين وأعمارهم. تضمّنت القائمة 18 ضيفا، منهم 8 أطفال أعمارهم بين 7 و15 سنة، لقوا حتفهم في الحفل. كما قُتل 4 رجال آخرين وُظّفوا كعازفي طبول، لكنّ الضيف لا يعرف أسماءهم وأعمارهم. كما قدّم قائمة منفصلة تضمنت أسماء وأعمار 54 مصابا، جميعهم من ضيوف الحفل، منهم 26 طفلا. قدّم ضيوف آخرون وعاملون في العيادة والمستشفى أرقاما مماثلة للضحايا.[12]
لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تحديد أي هدف عسكري في المنطقة. قال 3 رجال من المنطقة إنه لم تكن توجد أي أهداف عسكرية قرب مكان الحفل، وإن هذه هي المرة الأولى التي يقصف فيها التحالف القرية منذ بداية النزاع.[13] قال أنس المصابي: "كان جميع الناس [في القرية] يشعرون بالأمان لأنه لا توجد أي مواقع عسكرية قريبة منا، ونعيش في منطقة نائية يصعب الوصول إليها أو عبورها، حتى أنه لا توجد طريق إسفلتية تؤدي إلى القرية".[14] قال أحد الرجال إن أقرب هدف عسكري كان نقطة تفتيش للحوثيين تبعد مسافة ساعة بالسيارة تقريبا عن موقع الهجوم.[15]
أصدر كلّ من المفوض السامي لحقوق الإنسان والأمين العام للأمم المتحدة بيانا نددا فيه بالهجوم.[16] أعلن العقيد تركي المالكي، المتحدث باسم التحالف، أن القيادة المشتركة للتحالف بصدد مراجعة الحادثة. لكن الفريق المشترك لم ينشر أي معلومات بشأن فتح تحقيق محتمل حتى كتابة هذا التقرير.[17]
في 30 أبريل/نيسان، قدّم عبده شوعي وقريبه إلى هيومن رايتس ووتش صورا التقطاها لبقايا قنبلة وجداها قرب الخيمة والمنزل. البقايا المصوّرة هي لجهاز توجيه بالأقمار الصناعية لذخائر الهجوم المباشر المشترك (JDAM) أمريكية الصنع، يتم إلصاقها بالقنابل الملقاة جوا قبل استخدامها. وجدت هيومن رايتس ووتش النوع نفسه من البقايا بعد هجوم التحالف على "مديرية أمن الزيدية" في 29 أكتوبر/تشرين الأول 2016.[18]
تحقيقات بلا مصداقية للفريق المشترك في الانتهاكات المحتملة
يفرض القانون الدولي الإنساني، أو قوانين الحرب، على الدول التحقيق في جرائم الحرب المزعومة التي يرتكبها مواطنوها، ومحاكمة المسؤولين عنها.[19] تُعتبر الهجمات المتعمدة أو العشوائية أوغير المتناسبة التي تستهدف مدنيين أو أهداف مدنية انتهاكات خطيرة لقوانين الحرب، وتُصنّف كجرائم حرب إذا ارتكبها الشخص بنيّة إجرامية، أي عن قصد أو بتهوّر.[20]
وجد تحليل هيومن رايتس ووتش أن تحقيقات الفريق المشترك معيبة جدا، وتستثني انتهاكات مزعومة للتحالف من دون أساس واضح، أو تستخفّ بالأخطاء المرتكبة. كانت مراجعة تحليلات الفريق المشترك صعبة في جزء كبير لأن المنهجية المعتمدة لم تكن شفافة. لا يقدم الفريق المشترك معلومات عامة عن العتبة التي يعتمدها للتحقيق في حادث ما وعن المنهجية المتّبعة، بما يشمل ما إذا كان يُجري تحقيقات ميدانية ومقابلات مع الشهود، وفي أي ظروف يفعل ذلك، وما إذا كان يعتمد على تسجيلات الطيران. كما لا يقدّم معلومات وعن الدور الذي يلعبه أعضاء التحالف أو الأطراف من خارج التحالف، مثل الولايات المتحدة، في هجمات معينة، وعن مآل توصياته.
حققت هيومن رايتس ووتش في 7 غارات جوية للتحالف وجدت فيها أن نتائج الفريق المشترك تضمنت تناقضات تثير شكوكا في المنهجية التي يعتمدها. في غارتين، وجد الفريق المشترك أن قوات التحالف لم تشن أي غارات جوية في اليوم والمكان المحددين. في إحدى هاتين الغارتين – استهدفت منزلا في صعدة في 2017 – تثبت الأدلة المادية التي عثر عليها في المكان أن ضربات جويّة نُفذت.[21] في غارة أخرى، استهدفت مصنعا قرب عمران في 2016، لم يُجرِ الفريق المشترك تحقيقا، معتمدا على تاريخ خاطئ ورد في تقرير للمفوض السامي لحقوق الإنسان ذكر فيه أن الغارة حصلت في 2015 بدل 2016، وهو الأساس الذي خلُص من خلاله إلى أن التحالف لم ينفذ الهجوم. كان بالإمكان مراجعة الوثيقة وتوضيح الخطأ المطبعي. في 2016، قال فريق الخبراء الذي عينه مجلس الأمن إن "تحقيقات[ه] وجدت أدلة واضحة عن الغارات الجوية"، لكن الفريق المشترك وجد أن التحالف لم يُنفذ غارتين إضافيتين في 2016 على مصنع أغذية في صنعاء ومجمع سكني في إب.[22]
تثير الهجمات الخمس الأخرى التي نتناولها أدناه تساؤلات حول تقييم الفريق المشترك للخسائر المدنية. رغم أن تقارير الفريق المشترك كثيرا ما تستشهد بنتائج المنظمات الأخرى حول الأضرار المدنية، إلا أنه في الغالب، لا يجري تقييماته الخاصة للخطر الذي يواجهه المدنيون ولا يُدرج أي إحصائيات عن الخسائر – حتى بشكل عام – ولا يناقش "الخطر" الأوسع الذي تسببه الغارات، مثل الأضرار اللاحقة بالبنى التحتية الحيوية. في بعض الحالات، وجد الفريق المشترك أن بعض البُنى لم تتضرر، أو تضررت
جزئيا فقط، في تناقض واضح مع الأدلة التي جُمعت من موقع الغارة والمتاحة للعموم عند اجراء الفريق لتحقيقاته. رغم أن الفريق المشترك كثيرا ما يزعم أنه يردّ على تقارير المنظمات الحقوقية والإنسانية، بما فيها هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية وفريق الخبراء التابع للأمم المتحدة، إلا أنه لم يتصل أبدا بأي من المنظمتين لمناقشة نتائج معينة.
15 فبراير/شباط 2016، معمل الإسمنت، عمران
من أصل 3 غارات أفادت تقارير أنها استهدفت مصنعا للإسمنت في محافظة عمران، خلُص الفريق المشترك في تحقيقه في الغارة الثالثة إلى أن "التحالف لم يتأسس بعد".[23] كان الفريق المشترك يردّ على المفوضية السامية لحقوق الإنسان التي كانت قد أصدرت تقريرا في أغسطس/آب 2016 قالت فيه إن الهجوم وقع في 18 فبراير/شباط 2015، وفعلا لم يكن التحالف قد تأسس حينها.[24] لكن كان ذلك خطأ مطبعيا ارتكبته المفوضية السامية لحقوق الإنسان، فالجملة نفسها تحدثت عن تقرير شهري للأمم المتحدة صدر في فبراير/شباط 2016، ونفس التقرير الصادر في أغسطس/آب 2016 الذي أشار إليه الفريق المشترك ناقش هجوما حصل في 19 فبراير/شباط 2016 عندما استهدف التحالف جبلا قريبا من المصنع بذخائر عنقودية. كما حققت هيومن رايتس ووتش ونشرت معلومات عن هجوم قرب المصنع في منتصف فبراير/شباط 2016، جمع بعده عمال المصنع بقايا حدّدتها هيومن رايتس ووتش على أنها لذخائر عنقودية أمريكية المصدر. يُعتبر استخدام الذخائر العنقودية في الجبل، على مقربة من القرية، هجوما عشوائيا غير مشروع.[25] كان على التحالف التحقيق في هذا الهجوم.
4 أغسطس/آب 2017، منزل في محضة بصعدة
أكد الفريق المشترك، بعد مراجعة جداول أوقات الطلعات وصور الأقمار الصناعية، أن التحالف لم ينفذ غارة جوية على منطقة محضة يوم 4 أغسطس/آب 2017 بعد أن وردت تقارير عن قصف التحالف لمبنى سكني فيها.[26] في بيان سابق لـ "وكالة الأنباء السعودية"، أنكر العقيد تركي المالكي، المتحدث باسم التحالف، هذه التقارير، وقال إن التحالف مستمر في التحقيق بالتنسيق مع حكومة اليمن والشركاء الدوليين الآخرين "بشأن هذا الحادث المؤسف"، ملاحظا أن قوات الحوثي- صالح تقوم بـ "تخزين الأسلحة والمتفجرات داخل المساكن وأغراض المدنيين".[27]
حققت هيومن رايتس ووتش أيضا في الهجوم. تُظهر فيديوهات وصور للهجوم أضرارا تتناسب مع انفجار قنبلة كبيرة ملقاة جوا باستخدام صمّام تفجير موقوت.[28] قال شاهدان ومدير المستشفى المحلي إن الهجوم قتل 9 أفراد من عائلة واحدة، منهم 7 أطفال، وأصاب 3 آخرين. كما أفادت "اللجنة الدولية للصليب الأحمر"، التي زار موظفوها القرية بعد الهجوم بقليل، أن التحالف هاجم المنزل، وقتل 9 أشخاص.[29]
أصابت الغارة الجوية للتحالف هدفا مدنيا وقتلت وأصابت مدنيين، في غياب أي أهداف عسكرية واضحة وفي انتهاك لقوانين الحرب. على التحالف إجراء تحقيق لتحديد ما إذا حصلت جرائم حرب، ولدفع تعويضات للضحايا المدنيين.
15 مارس/آذار 2016، سوق مستباء، حجة
بعد التحقيق في هجوم بتاريخ 15 مارس/آذار 2016 على سوق في حجّة، استنتج التحالف – من دون شرح منهجيته – أن الهجوم التزم بقوانين الحرب لأن الغارة تمت "بناء على معلومات استخباراتية مؤكدة تشير إلى تجمع كبير لميليشيا الحوثي المسلحة (مجندين)، وكانت تلك التجمعات بالقرب من أحد الأسواق الأسبوعية التي لا يكون فيها أي نشاط إلا يوم الخميس".[30]
وقعت الغارة يوم ثلاثاء، لكن سكان المنطقة قالوا لـ هيومن رايتس ووتش إنه كانت توجد أكشاك ومحلات مفتوحة طيلة أيام الأسبوع. كما لاحظ الفريق المشترك "أن جهة الادعاء لم تقدم ما يثبت صحة وقوع ضحايا من المدنيين". رغم أن قصد الفريق المشترك من هذا البيان يبقى غير واضح، إلا أن الدول المشاركة تتحمل مسؤولية إجراء تحقيقات جدية في انتهاكات قوانين الحرب.
تختلف النتائج التي توصلت إليها هيومن رايتس ووتش، وكذلك نتائج الأمم المتحدة، التي أرسلت فريقا حقوقيا لزيارة الموقع في اليوم التالي للهجوم، بشكل جذري عن نتائج الفريق المشترك. أجرت هيومن رايتس ووتش تحقيقات ميدانية يوم 28 مارس/آذار، وقابلت 23 شاهدا على الغارات الجوية وموظفين طبيين في مستشفيين في المنطقة استقبلوا المصابين.[31] رغم أن التحالف استنتج على ما يبدو غياب ضحايا مدنيين، وجدت هيومن رايتس ووتش والأمم المتحدة أن الغارتين استهدفتا سوقا مكتظة وقتلتا 97 مدنيا، منهم 25 طفلا. قال شخصان من سكان مستباء لـ هيومن رايتس ووتش إن الكثيرين من أفراد عائلتيهما الموسعتين قُتلوا: فقد أحدهما 16 قريبا وفقد الآخر 17. كما استقبلت عيادة محلية مدعومة من "أطباء بلا حدود" 45 مصابا من السوق، 3 منهم فارقوا الحياة.[32]
قد تكون الغارة تسببت في مقتل حوالي 10 مقاتلين حوثيين، ورغم أنه كانت توجد نقطة تفتيش عسكرية للحوثيين يعمل فيها 3 مقاتلين على مسافة 250 مترا تقريبا شمال السوق، إلا أن الغارتين تسببتا في خسائر غير متناسبة في أرواح المدنيين، في انتهاك لقوانين الحرب. حتى لو سلّمنا جدلا أن الحوثيين كانوا يستخدمون مبنى داخل السوق كثكنة، يؤكد ما حصل عدم اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لحماية المدنيين تحت سيطرتهم من آثار الهجمتين، ولا يبرر شن التحالف لهاتين الغارتين. في 16 مارس/آذار 2016، بعد الهجوم بيوم واحد، قال العقيد أحمد العسيري، المتحدث باسم التحالف آنذاك، إن التحالف استهدف "تجمعا لميليشيات"، وإن السوق كان مكانا لبيع وشراء القات، مشيرا إلى أن التحالف كان يعلم أن الغارة استهدفت منطقة تجارية مدنية.[33]
يجب فتح تحقيق جنائي في كل هجوم غير قانوني لاحتمال حصول جرائم حرب، وتقديم تعويضات للضحايا المدنيين.
26 أكتوبر/تشرين الأول 2015، مستشفى حيدان، صعدة
مباشرة بعد هجوم على مستشفى في اليمن في أكتوبر/تشرين الأول 2015، أنكر العقيد أحمد العسيري، المتحدث باسم التحالف آنذاك، في البداية أن غارة للتحالف ضربت مستشفى صعدة، وهو ما أكدته منظمة أطباء بلا حدود. لكن، في اليوم نفسه، اعترف السفير السعودي إلى الأمم المتحدة بأن التحالف هو الذي نفذ الهجوم، لكنه وصفه بـ "الخطأ"، زاعما أن هدف التحالف كان "تجميع لميليشيا الحوثي المسلحة"، زاعما أن أطباء بلا حدود أرسلت إليهم إحداثيات خاطئة.[34] اعترف الفريق المشترك في تحليله – الذي لم يقدّم معطيات عن أنواع الأدلة التي فحصها والمصادر التي اطلع عليها – بأن التحالف ضرب المستشفى في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2015، لكنه ادعى أن الحوثيين كانوا يستخدمون المستشفى كمأوى. استنتج الفريق المشترك أنه كان يتعين على التحالف تحذير أطباء بلا حدود قبل قصف المبنى، لكنه لم يشر إلى أي خطأ آخر لاعتباره أنّ المستشفى أصبحت هدفا عسكريا.[35]
قابلت هيومن رايتس ووتش موظفين تابعين لأطباء بلا حدود في اليمن ليلة الغارة وراجعت صورا للمنظمة ومصادر محلية أخرى تُبرز تضرّر المبنى وشعار أطباء بلا حدود المرسوم بوضوح على السطح.[36] تُرسل أطباء بلا حدود إحداثياتها إلى التحالف بانتظام. خلافا لاستنتاج الفريق المشترك بأنه لم "تقع أي أضرار بشرية نتيجة للقصف"، أكدت هيومن رايتس ووتش أن مريضين أصيبا بجروح أثناء إخلاء المستشفى. كما أُجبرت المستشفى على الإغلاق، ودمّر الهجوم عدة أجنحة، أو ألحق بها أضرارا. كانت هذه المستشفى المنشأة الطبية الوحيدة لحوالي 200 ألف شخص يسكنون في منطقة بقطر 80 كيلومتر، وكانت تستقبل ما يناهز 150 حالة طارئة أسبوعيا.[37]
لم تجد هيومن رايتس ووتش أي أدلة على أن مستشفى حيدان كانت تُستخدم لأغراض عسكرية. تفقد المستشفيات الحماية في الهجمات فقط إذا استخدمت خلافا لوظيفتها الإنسانية ولارتكاب "أعمال تشكل خطرا على العدو".[38] يشمل ذلك استخدام المستشفيات كثكنات عسكرية، وهو ما زعم الفريق المشترك أن الحوثيين كانوا يفعلونه. لكن، اعترف الفريق المشترك نفسه أنّه، قبل أن تهاجم قوة عسكرية مستشفى تستخدمها قوات معادية لأغراض عسكرية، عليها إصدار تحذير حول سوء الاستخدام وتحديد مهلة زمنية معقولة لإيقاف هذه الأنشطة، وفقط بعد التأكد من عدم الاكتراث لهذا التحذير، يمكن للقوة العسكرية أن تشنّ هجوما.[39]
لم يحدد الفريق المشترك الدول التي شاركت في الهجوم، لكنه اعترف بأن التحالف كان يقصد استهداف موقع مستشفى حيدان. على التحقيق أن يرمي إلى تحديد الأساس الذي بُني عليه لاستنتاج أن الحوثيين كانوا يستخدمون المستشفى. كما يجب فتح تحقيق جنائي في أي هجوم غير قانوني لاحتمال وقوع جرائم حرب والتعويض للضحايا المدنيين، بما يشمل عدم إصدار تحذير مناسب إلى المستشفى.
استهدف التحالف مرارا المستشفيات في اليمن، بما فيها المنشآت التي تدعمها منظمة أطباء بلا حدود. في هجومين آخرين للتحالف حققت فيهما أطباء بلا حدود، وجدت المنظمة: "إضافة إلى الخسائر الفورية في الأرواح والدمار... أدت الهجمات إلى تعليق الأنشطة، ما ترك السكان الضعفاء أصلا من دون رعاية صحية".[40]
بعد أن أصدر الفريق المشترك نتائجه حول هجوم في أغسطس/آب 2016 على المستشفى المدعومة من أطباء بلا حدود في عبس، حجة، قالت المنظمة: "لا يعكس هذا الإعلان العام المحادثات التي أجرتها أطباء بلا حدود في السعودية مع الفريق المشترك لتقييم الحوادث والقوات العسكرية بعد الهجوم". وجد الفريق المشترك أن التحالف استهدف مركبة للحوثيين بجانب المبنى، لكن أفادت أطباء بلا حدود أن السيارة كانت قد دخلت المستشفى عند القصف، وكانت تقلّ مريضا واحدا على الأقل.[41] ذكر الفريق المشترك أن الهجوم تسبب في مقتل 7 أشخاص وإصابة 13 آخرين بجروح، في ما بدا أنها معلومة منقولة عن أطباء بلا حدود. لكن، وجدت المنظمة أن الهجوم قتل 19 شخصا، منهم موظف بالمستشفى، وأصاب 19 آخرين بجروح. زعم الفريق المشترك أن المستشفى لم تكن تحمل "علامات" تشير إلى أنها مستشفى، لكن قالت أطباء بلا حدود إنه كان يوجد شعار واضح للمنظمة على السطح، وإنها أطلعت التحالف على إحداثيات المستشفى 3 مرات على الأقل منذ يوليو/تموز 2015، آخرها كانت قبل الهجوم بخمسة أيام. انسحبت أطباء بلا حدود من 6 مستشفيات في شمال البلاد الخاضع لسيطرة الحوثيين بعد الهجوم. استنتج الفريق المشترك أن مهاجمة المستشفى كانت "خطأ غير مقصود"، فردّت أطباء بلا حدود: "لا نعتبر هذا الحادث 'خطأ'، بل نتيجة لارتكاب أعمال عدائية تتجاهل طبيعة الحماية الخاصة بالمستشفيات والمباني المدنية".[42]
في يونيو/حزيران 2018، قصف التحالف مرة أخرى منشأة مدعومة من أطباء بلا حدود، وهي مركز لعلاج الكوليرا، وحاول مرة أخرى إلقاء اللوم على المنظمة، بما في ذلك إرسال بيان من موظف برتبة دنيا في أطباء بلا حدود إلى "الكونغرس" الأمريكي لمحاولة تبرير الهجوم. كما في الهجمات السابقة، أوضحت أطباء بلا حدود بسرعة – عبر صور وتوثيق مناسبين – أن سطح المنشأة كان يحمل شعارا واضحا، وأنها كانت تُطلع التحالف على إحداثيات المنشأة، التي اعترف التحالف أنه استلمها كتابة.[43]
13 مايو/أيار 2015، سجن عبس، حجة
ذكرت تقارير للفريق المشترك أن التحالف هاجم مخزنَي أسلحة في عبس، في محافظة حجة، يوم 13 مايو/أيار 2015، واستهدف كل مخزن بقنبلة موجهة بالليزر. كما استنتج الفريق المشترك أن مبنى السجن القريب لم تلحقه أضرار وأن التحالف التزم بالقانون الدولي.[44]
لم يحقق الفريق المشترك بشكل كاف في الضرر المدني المحتمل للهجوم لأنه استنتج أن مبنى السجن "لم يُستهدف ولم يتعرض لأية أضرار". زارت هيومن رايتس ووتش موقع الهجوم في يوليو/تموز 2015 وقابلت شهودا. أصابت قنبلة مسجد السجن، في ركن المجمع، فانهار المبنى. كان في السجن 33 رجلا مدانين بجرائم بسيطة في ذلك الوقت، قُتل منهم 17، وكذلك حارس في السجن وشخصان في متجر قريب، بحسب شخص عامل في المجال الطبي. بعد دقائق، سقطت قنبلة على منزل قريب من هناك. قتلت الضربتان 25 مدنيا على الأقل، منهم امرأة و3 أطفال، وأصابت 18 آخرين على الأقل.[45]
السجون العادية هي أعيان مدنية لا يجوز استهدافها، إلا إذا تبيّن أنها تُستعمل لأغراض عسكرية. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تحديد الهدف المقصود في الهجوم، رغم أن رجلا قال إنه كان يزور السجن يوميا لتقديم الطعام للسجناء، ولم يشاهد أي نشاط عسكري فيه، من قبيل أسلحة مخزنة بداخله أو بالقرب منه، أو أي عسكريين حوثيين أو من القوات المتحالفة معهم. اكتشفت هيومن رايتس ووتش هياكل وقطع لسيارتين عسكريتين من نوع "جيب" على ما يبدو بين المباني المهدمة، لكنها لم تعثر على أي علامات أخرى تشير إلى أنّ المكان كان يُستخدم لأغراض عسكرية، أو أن المباني كانت مسكونة من أشخاص في الماضي القريب. إن كان الحوثيون يستخدمون السجن والمناطق المجاورة لتخزين الأسلحة، فإن هذه الأماكن تعتبر أهدافا عسكرية مشروعة، ولكن يجب أن يكون كل هجوم متناسبا. لم يقدّم الفريق المشترك أي أدلة تدعم الادعاء بوجود مخازن أسلحة قرب السجن.
يبدو أن قوات التحالف لم تتخذ الاحتياطات اللازمة في الهجوم، وربما كان الهجوم عشوائيا أو غير متناسب أو غير قانوني. لم يحدد الفريق المشترك الدول التي شاركت في الهجوم. يجب فتح تحقيق جنائي في الهجوم لاحتمال حصول جرائم حرب وتقديم تعويضات للضحايا المدنيين.
24-25 يناير/كانون الثاني 2016، حارة النهضة، صنعاء
استنتج الفريق المشترك أن التحالف التزم بالقانون الدولي في غارات جوية شنها على صنعاء في أواخر يناير/كانون الثاني 2017.[46] بحسب الفريق المشترك أيضا، كان التحالف يملك معلومات استخبارية عن تجمع قادة حوثيين في منزل، "بالتالي سقطت الحماية القانونية عنه، باعتباره هدفا عسكريا مشروعا ذا قيمة عالية". لم يقدّم الفريق المشترك أي معلومات تدعم هذه الادعاءات.[47] مباشرة بعد الهجوم، نفى العسيري الادعاءات بأن غارة جوية استهدفت منزلا، قائلا لـ "سي إن إن": "نحن لا نستهدف المنازل، بل نبحث عن صواريخ سكود. نشدّد دائما أننا لا نهاجم المواقع السكنية. نهاجم [منشآت] التخزين".[48]
لم يعترف الفريق المشترك بأي أضرار مدنية ناجمة عن الهجوم، زاعما – بعد التحقيق ومراجعة فيديوهات جوية – أن "نسبة الضرر في المنزل المستهدف لم تتجاوز 30 بالمئة" مع "عدم تضرّر المنازل المجاورة". زارت هيومن رايتس ووتش الموقع وصوّرت أنقاض المنزل المستهدف والمتكون من 3 طوابق. تبرز الصور أن المنزل دُمّر بالكامل، وتضرّر المبنى المجاور له بشكل كبير.[49]
لم يحدد الفريق المشترك الدول المشاركة في الهجوم، لكن التحالف قال إنه قصف المنزل "بدقة عالية". قال أقارب للقاضي يحيى محمد ربيد، مالك المنزل، لـ هيومن رايتس ووتش، إن الغارة قتلت القاضي وزوجته وأحد أبنائه وزوجتي ابنيه، وكانت إحداهما حامل في الشهر السادس. يوم زارت هيومن رايتس ووتش المنزل، كان مقاتلون حوثيون موجودين في فندق قريب، على مسافة 120 مترا تقريبا من المنزل.[50] إن كان الحوثيون موجودين في المنزل، قد تكون الغارة التزمت بقوانين الحرب. لكن، إن لم يكونوا هناك، لم يلتزم إذا التحالف بمتطلبات الحيطة عند الهجوم، ونفذ هجوما عشوائيا بشكل غير قانوني. لم يحدد الفريق المشترك الدول التي شاركت في الهجوم. يجب فتح تحقيق جنائي ضد المسؤولين عن الهجوم، والتعويض على الضحايا المدنيين.
27 فبراير/شباط 2016، سوق نهم، صنعاء
بعد التحقيق في غارة جوية على نهم في 27 فبراير/شباط 2016، استنتج الفريق المشترك – من دون تقديم أي معطيات عن الأدلة التي درسها أو المصادر التي اطّلع عليها – أن طائرة تابعة للتحالف تقدم مساندة للقوات اليمنية المحلية قصفت "عربتي نقل محملتين بأفراد وذخائر وأسلحة" للحوثيين، وأن العربتين كانتا "بالقرب من سوق شعبي صغير مجاور لمبان صغيرة وخيام قماشية". وجد الفريق المشترك أن التحالف التزم بقوانين الحرب لأنه كان يوجد 7 أفراد فقط في الموقع "في منطقة صحراوية غير مأهولة" خاضعة لسيطرة الحوثيين.[51] وثقت هيومن رايتس ووتش الهجوم نفسه، وتوصلت إلى استنتاجات مختلفة بعد مقابلة 3 سكان محليين، منهم شيخ محلي وصل إلى الموقع بعد الغارة بـ 30 دقيقة، ورجل قال إن الغارات قتلت 3 من أبناء عمه وصديقين و5 أشخاص آخرين.[52] قال السكان المحليون إن العربات التي استهدفتها الغارة الأولى كانت تحمل مدنيين. كما وجدت هيومن رايتس ووتش أن الغارة الأولى أصابت سيارات كانت وسط سوق محلي صغير مزدحم، فقتلت 10 مدنيين، منهم امرأة و4 أطفال، وأصابت 4 آخرين على الأقل. أصابت الغارة الثانية مقبرة على بعد 150 مترا تقريبا بعد 5 إلى 10 دقائق، ولم تتسبب في أي إصابات.[53]
يجب فتح تحقيق جنائي في هذا الهجوم الذي يبدو غير قانوني لاحتمال حصول جرائم حرب، والتعويض على الضحايا المدنيين.
سوء تطبيق الفريق المشترك للقانون الدولي
يُعتبر القتال الدائر في اليمن نزاعا مسلحا غير دولي بموجب قوانين الحرب، لأنه نزاع بين دول وجماعة مسلحة غير تابعة لدولة (الحوثيين). يشمل القانون النافذ المادة 3 المشتركة في "اتفاقيات جنيف" للعام 1949، "البروتوكول الثاني الإضافي لاتفاقيات جنيف" للعام 1977، والقانون الدولي الإنساني العرفي.[54]
نشر الفريق المشترك نتائج علنية خلُصت في كثير من الأحيان إلى أن الغارة كانت قانونية فقط لأن التحالف حدّد هدفا عسكريا مشروعا، من دون تقديم تفاصيل كافية للآخرين للتحقق من المعلومة. كما أن تحليلات الفريق المشترك لم تنظر على ما يبدو في ما إذا كان الهجوم غير قانوني وغير متناسب، أي إذا كان الضرر المتوقع الذي سيلحق بالمدنيين أكبر من الميزة العسكرية المرجوة، أو إذا اتخذ التحالف احتياطات قبل شن الهجوم. إضافة إلى الغارات الست المذكورة أدناه، حقق فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة في 4 غارات كان قد حقق فيها الفريق المشترك أيضا، وخلص إلى أنه، خلافا لاستنتاجات الفريق المشترك، فإن "الأدلة تُظهر بقوة أن...التحالف انتهك القانون الدولي الإنساني في هذه الحوادث".[55]
12 يوليو/تموز 2015 و3 فبراير/شباط 2016، مصنع إسمنت، عمران
أفاد الفريق المشترك أن التحالف لم يخرق قوانين الحرب في هجومين على مصنع إسمنت في محافظة عمران. قال إن التحالف قصف المصنع يوم 12 يوليو/تموز 2015 بعد أن وصلته معلومات بأن قوات الحوثي- صالح تستخدمه لدعم المجهود الحربي. كما قال الفريق المشترك إن التحالف قصف مجمع المصنع مجددا في 3 فبراير/شباط 2016 بعد أن وصلته معلومات بأن قوات الحوثي - صالح تجمعت في أحد المباني. مع ذلك، أوصى الفريق المشترك التحالف بدفع تعويضات للضحايا المدنيين لهجوم 3 فبراير/شباط.[56]
زعم الفريق المشترك في الهجومين أن التحالف حدد واستهدف وقصف هدفا عسكريا: تجمع للحوثيين في أحدهما، واستخدام المصنع لدعم المجهود الحربي في الآخر. زارت هيومن رايتس ووتش المصنع، فقال لها شهود إن مقاتلَيْن أو 3 تابعين للحوثي كانوا يستخدمون أكواخا قريبة من المصنع.[57] رغم أن المقاتلين والمنشآت التابعة للحوثي والمستخدمة في إنتاج أو تخزين بضائع للاستخدام العسكري هي أهداف عسكرية مشروعة، لم يقدّم الفريق المشترك أدلة على ادعاءات التحالف، أو أي تفاصيل عن قوات الحوثي- صالح التي يُزعم أنها كانت تستخدم المصنع لدعم المجهود الحربي.
علاوة على ذلك، لا يبرّر وجود هدف عسكري الهجوم بالضرورة ويجعله قانونيا، وإنما أيضا يجب ألا يتسبب بضرر غير متناسب للمدنيين. لم ينخرط الفريق المشترك كليا في تحقيق شامل بشأن الأضرار المدنية. رغم أنه اعترف بأن هجوم 3 فبراير/شباط ألحق أضرارا ببنايات وسيارات قريبة، لم يقدّم أي معلومات عن مدى الضرر الذي أصاب الممتلكات المدنية يوم 12 يوليو/تموز، ولم يعترف بسقوط ضحايا مدنيين في الهجومين.
وجدت هيومن رايتس ووتش أن في هجوم 12 يوليو/تموز، قُصفت أجزاء مختلفة من المصنع بخمس قنابل على الأقل. كان المصنع قد فُتح من جديد قبل ذلك بأيام، وأصيب فيه 12 عاملا. أما غارة 3 فبراير/شباط، فسقطت على المدخل الرئيسي للمصنع، المقابل لشارع مزدحم، وقتلت 15 مدنيا، منهم 7 عمال وطفلين، وأصابت 49 آخرين. قال أحد عمال المصنع إنه شاهد النيران مشتعلة في 4 سيارات، محلّين، صيدلية، مقهى، ومركز نداء.[58]
تُعتبر الهجمات المتعمدة والعشوائية على المدنيين انتهاكات خطيرة لقوانين الحرب. لم يحدد الفريق المشترك الدول المشاركة في الهجوم، لكنه اعترف بأن التحالف استهدف مصنع عمران عن قصد في 12 يوليو/تموز 2015 و3 فبراير/شباط 2016. يجب فتح تحقيق جنائي في المتورطين في الهجومين وتقديم تعويضات لضحايا الغارتين.[59]
29 أكتوبر/تشرين الأول 2016، سجن الزيدية، الحديدة
أفاد الفريق المشترك أن التحالف حصل على معلومات استخبارية تفيد بأن قادة حوثيين، مصحوبين بخبراء أجانب، كانوا يستخدمون مبنى مديرية أمن الزيدية في الحديدة لأغراض عسكرية لما هوجمت في 29 أكتوبر/تشرين الأول 2016. قال الفريق المشترك إن التحالف قصف المبنى بـ "قنابل موجهة ودقيقة الإصابة" بعد أن "سقطت [عنه] الحماية القانونية".[60]
حققت هيومن رايتس ووتش أيضا في الهجوم، وزارت موقعه وقابلت شهودا.[61] كان يوجد حوالي 100 سجين في عنابر السجن الثلاثة وقت الهجوم، بحسب حارس وسجين سابق. أصابت الغارات الجوية سطح مبنى الإدارة، وواحدة من زنزانتين فيها محتجزون ذكور، وزنزانة النساء، وهو مبنى منفصل يُستخدم لإيواء المحتجزين الأمنيين. وصف محتجزون سابقون كيف هرعوا إلى أبواب الزنزانات بعد الضربة الأولى، فوجدوا أنفسهم محاصرين في عنبر موصد والقنابل تتساقط. قتلت الغارة 63 شخصا على الأقل، منهم حوثيون ومدنيون، وأصابت 67 آخرين. كان الكثير من الضحايا مسجونين لشبهات جنائية وأمنية من دون تهم، منهم طفلان على الأقل.
قال مصدر أمني إن الحوثيين كانوا يستخدمون المنشأة للعمليات العسكرية، وذكرت وزارة الخارجية التابعة للحوثيين أن عناصر من اللجان الشعبية المعرّضة للهجمات كانوا يشرفون على بعض المحتجزين.[62] بنشرهم قوات عسكرية في منشأة احتجاز مدنية، لم يتوخَّ الحوثيون جميع الاحتياطات الممكنة لتقليص تعرّض المحتجزين للخطر.
استنتج الفريق المشترك أن التحالف التزم بالقانون الدولي لأنه حدد هدفا عسكريا مشروعا. بينما يُعتبر المقاتلون والتجهيزات العسكرية في المنشأة أهدافا مشروعة، لا يشكّل المدنيون والمقاتلون المحتجزون في قبضة العدو، ما يجعلهم خارج نطاق القتال، هدفا للهجوم.[63] إن كان للتحالف معلومات استخبارية بشأن استخدام المجمع، كما زعم الفريق المشترك، فلا بد أنه كان يعلم بوجود عدد كبير من الأشخاص المحميين من الهجمات في منشأة الاحتجاز. قال 6 محتجزين سابقين لـ هيومن رايتس ووتش إنهم كانوا في المنشأة لفترات تتراوح بين عدة أشهر وأكثر من سنة لشبهات تتعلق بجرائم عادية، منهم صبي (15 عاما) أصيب بحروق خطيرة في الغارة. كانت المنشأة تعرف على نطاق واسع في المنطقة على أنها مركز احتجاز.
ما لم تُقدَّم معلومات إضافية وقابلة للتحقق عن التجمع المزعوم لقادة حوثيين وخبراء أجانب، تبقى غارة التحالف على هذه المنشأة على الأرجح غير قانونية وغير متناسبة. لم يحدد الفريق المشترك الدول التي شاركت في الهجوم، لكنه اعترف بأن التحالف استهدف المنشأة عن قصد باستخدام قنابل موجهة بالليزر. يجب فتح تحقيق جنائي في المتورطين في الهجوم وتقديم تعويضات للضحايا المدنيين.
5 يناير/كانون الثاني 2016، مركز دار النور لرعاية وتأهيل المكفوفين، صنعاء
استنتج الفريق المشترك أن التحالف حصل على معلومات استخبارية بشأن استيلاء الحوثيين على "مركز دار النور لرعاية وتأهيل المكفوفين"، وإخلائه من سكانه، واستخدامه كمقر عسكري. كما وجد الفريق المشترك أن المبنى "سقطت الحماية القانونية عنه، حيث أصبح هدفا عسكريا مشروعا".[64]
قال شهود لـ هيومن رايتس ووتش، التي زارت المجمع وأجرت مقابلات، إن الحوثيين كانوا قد أنشأوا مكتبا في المجمع، نشروا حرّاسا عند المدخل، ووزّعوا رجالا وعربات بشكل منتظم داخله. أفاد الشهود أيضا بحصول أضرار مدنية بسبب الغارة. لم يعترف الفريق المشترك بأي أضرار مدنية. رغم أن الحوثيين عرّضوا مدرسة المكفوفين لخطر كبير عبر نشر قوات تابعة لميليشيات في المجمع بشكل غير قانوني، لا يلغي تواجد هؤلاء المقاتلين واجب التحالف بأخذ الخطر المحتمل على المدنيين بعين الاعتبار.
وجدت هيومن رايتس ووتش أن المبنى المكوّن من 3 طوابق – في مجمع من 3 مبانٍ – كان يأوي مركز النور لرعاية وتأهيل المكفوفين، الذي كان يقدم خدمات لـ 250 طالبا، أغلبهم أطفال، يعانون من مشاكل في البصر. كان المبنى الثاني، المكوّن من 3 طوابق أيضا، يُستخدم كغرف نوم لحوالي 130 طالبا. أما المبنى الثالث، الذي قبع فيه عناصر الميليشيا، فكان يشمل حضانة في طابقه الثاني. تبعد المباني حوالي 20 متر عن بعضها البعض. قال شهود لـ هيومن رايتس ووتش إن قنبلة وحيدة ضربت سقف المبنى الذي يحتوي على غرف النوم، فاخترقته لكنها لم تنفجر.[65] تسببت الضربة في إصابة 4 مدنيين وحارس حوثي، وألحقت أضرارا بالمركز الوحيد في العاصمة للأشخاص الذين يعانون من مشاكل في البصر. لو انفجرت القنبلة، لكان الضرر اللاحق بالمباني والخسائر المدنية
أكبر بكثير. لم يحدد الفريق المشترك الدول المشاركة في الهجوم، لكنه اعترف بأن التحالف قصف المبنى عمدا باستخدام "قنبلة موجهة ودقيقة الإصابة".[66]
29 ديسمبر/كانون الأول 2015، مصنع "كوكا كولا"، صنعاء
استنتج الفريق المشترك أن التحالف حصل على معلومات استخبارية تشير إلى أن الحوثيين يستخدمون مصنع "كوكا كولا" في صنعاء لتخزين الصواريخ، وأن المبنى يقع شمال المدينة، وأنه المكان الذي أطلق منه الحوثيون العديد من الصواريخ في اتجاه السعودية. قال الفريق المشترك إن المبنى كان هدفا عسكريا مشروعا، وإن ضربة 29 ديسمبر/كانون الأول 2016 تقيدت بالقانون الدولي.[67]
يبدو أن الفريق المشترك لم يُجرِ تحليلا للضرر المدني الذي سببته الضربة. وثقت هيومن رايتس ووتش الهجوم وزارت المصنع في 31 مارس/آذار 2016.[68] بحسب موظفين هناك، ضربت القنابل المصنع لعدة دقائق، فأصيب 5 موظفين بجروح. كان العديد من الموظفين قد غادروا المبنى قبل القنبلة الأولي بحوالي 10 دقائق، بحسب مدير المصنع. دمّرت الغارات مواد خام كانت تُستخدم في
صنع المشروبات الغازية، ومولّد كهرباء، وقسمي التعليب الزجاجي والبلاستيكي. لم تعثر هيومن رايتس ووتش على أدلة على أن المصنع كان ينتج أي شيء آخر غير المشروبات. غطّت الموقع بقايا الطوب المهدّم، عوارض السقف المعدني المنهارة، وحطام المبنى. وجد الباحثون زجاجات مهشمة
وكميات كبيرة من السكر المتناثر في مكان قال العمال إنه كان يُستخدم لتخزين المواد الخام.
لو كان الحوثيون يستخدمون المصنع لتخزين الأسلحة، لكانت الغارة ملتزمة بقوانين الحرب على الأرجح. لكن الفريق المشترك لم يقدم معلومات كافية تسمح بالتحقق من الادعاء بشكل مستقل. بحسب عمّال، تبعد قاعدة الدليمي الجوية حوالي 700 متر عن المصنع، وكانت قوات التحالف قد قصفتها عدة مرات، بما في ذلك أثناء الأشهر التسعة السابقة لقصف المصنع.
30 أغسطس/آب 2015، مصنع "الشام" لتعبئة المياه، حجة
اعترف الفريق المشترك بأن التحالف نفذ غارة جوية على مصنع "الشام" لتعبئة المياه في حجة يوم 30 أغسطس/آب 2015.[69] قال الفريق المشترك في بيانه إنه "لأسباب الأحوال الجوية المتمثلة في تواجد بعض السحب"، انحرفت القنبلة الموجهة بالليزر. استنتج الفريق المشترك أن ما حصل "خطأ غير مقصود". مباشرة بعد الضربة، قال العسيري لـ "رويترز": "حصلنا على معلومات دقيقة جدا حول الموقع، فهاجمناه، وهو ليس مصنع تعبئة".[70] كما قال العسيري لـ سي إن إن: "ليس هناك مصنع. هاجمنا معسكرا لتدريب المرتزقة في حجة قبل إرسالهم لقتل جنودنا".[71]
أوصى الفريق المشترك التحالف بالاعتذار وتعويض الضحايا، لكنه لم يقدّم تحليلا كاملا للأضرار المدنية، مكتفيا بالقول إن التحالف قصف المصنع، متسببا في "دمار... ومقتل البعض وجرح آخرين". قابلت هيومن رايتس ووتش شهودا على الهجوم ووجدت أن الغارة الجوية قتلت 14 عاملا، منهم 3 صبية، وأصابت 11 آخرين.[72] كان العديد من القتلى والجرحى، وكذلك صاحب المصنع، من العائلة نفسها. لم يحدد الفريق المشترك الدول المشاركة في الهجوم، ومَن المسؤول عن دفع التعويضات. يجب فتح تحقيق جنائي ضدّ المسؤولين عن الهجوم لاحتمال حصول جرائم حرب، وتعويض الضحايا المدنيين.[73]
حماية الدول من تحمّل مسؤولية الانتهاكات
لم يُدرج الفريق المشترك في تقاريره حول الانتهاكات المزعومة لقوانين الحرب معلومات عن مختلف القوات المسلّحة التي شنّت غارات جويّة محددة، ما يعني أنه يوفر حماية فعليّة لدول التحالف وأطراف النزاع الأخرى التي قد تكون متورطة في الانتهاكات، والأشخاص الذين ربما ارتكبوا جرائم حرب. على حدّ علم هيومن رايتس ووتش، لم ينشر الفريق المشترك معلومات حول قوات التحالف المشاركة في الهجمات التي حقق فيها إلا مرة واحدة، مؤكدا أن خطأ استخباريا من القوات المسلحة التابعة للحكومة اليمنية تسبب في هجوم على مراسم عزاء في صنعاء في أكتوبر/تشرين الأول 2016.
لم يستطع الفريق المشترك تحديد القوات المشاركة في الهجمات، بما في ذلك الهجمات التي أوصى فيها الفريق المشترك التحالفَ بتقديم تعويضات أو اتخاذ خطوات أخرى، كما أنّ أعضاء التحالف يفتقدون إلى الشفافية. بالتالي، أصبح من الصعب على المراقبين المستقلين أو ضحايا الغارات غير القانونية في اليمن معرفة ما إذا كانت توصيات الفريق المشترك قد نُفّذت، أو المتابعة مع الفريق المشترك أو أعضاء التحالف بشأن التعويض والمساءلة.[74] لم تقتصر هذه الصعوبات على محققي حقوق الإنسان، بل امتدت إلى حلفاء التحالف على ما يبدو. في يونيو/حزيران 2017 قال ريكس تيلرسون، وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، للكونغرس:
أعلمَنا الجيش السعودي...أنه غيّر إجراءاته بما يتماشى مع توصيات... [الفريق المشترك]، لكننا لم نتمكن من التأكد من ذلك بعد. لا نملك معطيات نهائية في الوقت الحالي لتقييم ما إذا أدخلت القوات الملكية السعودية تحسينات على قدراتها الاستهدافية.[75]
10 سبتمبر/أيلول 2016، قرية بيت سعدان، أرحب
بعد سنة من الهجوم، أصدر الفريق المشترك بيانا استنتج فيه أن الغارة الجوية التي استهدفت قرية بيت سعدان يوم 10 سبتمبر/أيلول 2016 كانت "خطأ غير مقصود".[76] كان العسيري قد قال بعد الغارة بقليل: "تستهدف جميع العمليات في المنطقة المواقع والعناصر الحوثية".[77]
بحسب الفريق المشترك، أطلق الحوثيون صاروخا باليستيا من أرحب باتجاه الأراضي السعودية صباح ذلك اليوم، ولكن رصدت تشكيلة جوية تابعة للتحالف على وجه الخطأ مجموعة من الأفراد وشاحنتين قرب حفارة تُستخدم لحفر بئر مياه للقرية، معتقدة أنها منصة إطلاق صواريخ باليستية. بما أنّ الفريق المشترك اعتبر الهجوم "خطأ غير مقصود"، برّأ التحالف من المسؤولية. حتى إذا سلّمنا جدلا أنّ التحالف اعتبر الحفارة منصة إطلاق صواريخ على وجه الخطأ في الضربة الأولى، لا يفسّر ذلك عودة طائرات التحالف إلى الموقع وقصفه مرارا ذلك الصباح.
وثقت هيومن رايتس ووتش الهجوم أيضا، وأجرت مقابلات مع شهود قالوا إن طائرة للتحالف قصفت عند الفجر مكانا يسكن فيه العمال قرب الحفارة.[78] لما جاء حوالي 10 أشخاص لسحب جثث القتلى، عادت طائرات التحالف وقصفت المكان 12 مرة أخرى على الأقل، بفوارق زمنية لا تتجاوز 15 دقيقة، بحسب الشهود، ووسعت من مجال استهدافها عندما حاول الأشخاص المتجمعون في المكان الهروب. زارت هيومن رايتس ووتش الموقع يوم 10 نوفمبر/تشرين الثاني، وفحصت أنقاض ملجأ العمال، فضلا عن حطام صهريج وقود محترق. كان يوجد ما لا يقل عن 11 حفرة ناتجة عن قنابل في المكان. قتلت الغارات المتعددة التي شنها التحالف صباح ذلك اليوم 31 مدنيا على الأقل وأصابت 42 آخرين، بحسب المفوضية السامية لحقوق الإنسان.[79]
أوصى الفريق المشترك التحالف بتقديم المساعدات الإنسانية اللازمة، من دون الإقرار بحصول أضرار مدنية. دمّر القصف البئر، الذي جمع السكان المال لبنائه وتوفير الماء للقرية. كانوا على وشك الانتهاء منه. قال أشخاص من القرية والشركة المسؤولة عن بناء البئر لـ هيومن رايتس ووتش إن البناء بدأ منذ أسابيع.
قد يكون التحالف انتهك قوانين الحرب بسبب عدم اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتحديد مكان حفر البئر قبل مهاجمة الحفارة، الذي قال الفريق المشترك إن التحالف ظنّها منصة إطلاق صواريخ. تُعتبر الهجمات العشوائية على المدنيين والأغراض المدنية انتهاكات خطيرة لقوانين الحرب.
حددت هيومن رايتس ووتش قطعة ذخيرة أمريكية الصنع تحمل علامة تشير إلى أنها من صنع شركة "رايثيون" في أكتوبر/تشرين الأول 2015. كما رصدت بقايا لأسلحة أمريكية الصنع في الموقع الذي شنّ عليه التحالف حوالي 20 هجمة، على ما يبدو. حددت هيومن رايتس ووتش 4 هجمات استخدم فيها التحالف أسلحة من صنع شركة "رايثيون".[80]
لم يقدّم الفريق المشترك والتحالف معلومات إضافية عن الدول التي شاركت في الهجوم. يجب فتح تحقيق جنائي بشأن المتورطين في الهجوم، وتعويض الضحايا المدنيين. يجب أن ينظر التحقيق في استمرار هجمات التحالف على الرغم من تجمع المدنيين لسحب القتلى والمصابين.[81]
24 يوليو/تموز 2015، مجمع سكني، المخا
بعد التحقيق في غارة جوية على المخا في 2015، ومن دون تقديم أي تفسيرات حول المنهجية المعتمدة، استنتج الفريق المشترك أن التحالف حصل على معلومات استخبارية بأن 4 أهداف عسكرية قُصفت يوم 24 يوليو/تموز 2015، بما يشمل صواريخ دفاع ساحلية، وأنّ المجمع السكني "تأثر بقصف جزء منه عن طريق خطأ غير مقصود، بناء على عملية استخباراتية غير دقيقة". لم يحدد الفريق المشترك عدد المدنيين المتضررين من الهجوم، لكنه أوصى التحالف بتعويض الضحايا، "بعد تقدمهم بطلباتهم الرسمية والموثقة إلى لجنة جبر الضرر".[82]
زارت هيومن رايتس ووتش المنطقة بعد الهجوم بيوم ونصف. حقق الباحثون في الأضرار، قابلوا عمالا وسكانا في المجمع، وزاروا 3 مستشفيات استقبلت الضحايا. خلافا لنتائج الفريق المشترك بأن المجمع "تأثر بقصف جزء منه عن طريق خطأ غير مقصود"، وجدت هيومن رايتس ووتش أن 6 من أصل 9 قنابل أصابت المجمع السكني الرئيسي، فدمرت أجزاء كبيرة منه بشكل كامل.[83] كما أصابت قنبلة سابعة مجمعا آخر للعمال المؤقتين. كان المجمعان يأويان 200 أسرة على الأقل، وقتل الهجوم 65 مدنيا على الأقل، منهم 10 أطفال، وأصاب عشرات الآخرين. لم تعثر هيومن رايتس ووتش على أي أدلة على وجود هدف عسكري في المكان عند مهاجمته.
إضافة إلى زعمه بأن المجمع السكني استُهدف "بقصف... غير مقصود"، قال الفريق المشترك إن الهجوم استند إلى معلومات استخبارية غير دقيقة جعلت المجمع المكان المستهدف. لم يقدم الفريق المشترك أو التحالف معلومات إضافية عن الدول المشاركة في الهجوم. يجب فتح تحقيق جنائي ضدّ المتورطين في الهجوم لاحتمال وقوع جرائم حرب، وتقديم تعويضات للضحايا المدنيين.[84]
8 أكتوبر/تشرين الأول 2016، مراسم عزاء القاعة الكبرى، صنعاء
بعد قصف قاعة فيها مراسم عزاء بصنعاء يوم 8 أكتوبر/تشرين الأول، أنكرت مصادر تابعة للتحالف في البداية مسؤوليتها عن الهجوم. مباشرة بعد الهجوم، كتب العسيري في رسالة نصية إلى نيويورك تايمز إنه من المحتمل وجود أسباب أخرى للانفجارات. كما أكّد العسيري في وقت لاحق ما ورد في تقرير لشبكة "العربية" التي تملكها السعودية بأن التحالف لم ينفذ غارات قرب الصالة.[85] نقلت رويترز عن مصدر من التحالف لم تسمّه قوله إنه تأكد من القيادة الجوية للتحالف بأنه:
لم تحصل أي عملية على الإطلاق في ذلك الهدف. اطلّع التحالف على هذه التقارير، وهو متأكد من احتمال وجود أسباب أخرى للقصف وسينظر فيها. تجنب التحالف في الماضي مثل هذه التجمعات التي لم تكن أبدا ضمن أهدافه.[86]
في اليوم التالي، أعلن التحالف أنه سيحقق في الحادثة بدعم من الولايات المتحدة.[87] اطّلع "الفريق على جميع الوثائق بما في ذلك إجراءات وقواعد الاشتباك، وتقييم الأدلة بما في ذلك إفادات المعنيين وذوي العلاقة في الحادثة"، وخلُص في النهاية إلى أن طرفا في النزاع تابع للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي قدّم معلومات استخبارية خاطئة لإحدى طائرات التحالف وأصرّ "على استهداف الموقع فورا". كما لاحظ الفريق المشترك أن "مركز توجيه العمليات الجوية" في اليمن وجّه الطائرة إلى تنفيذ المهمة "بدون الحصول على توجيه من الجهة المعنية في قيادة قوات التحالف... ومن دون إتباع الإجراءات الاحترازية المعتمدة من قيادة قوات التحالف للتأكد من عدم وجود الموقع ضمن المواقع المدنية محظورة الاستهداف". أوصى الفريق المشترك باتخاذ الإجراءات اللازمة ضدّ المسؤولين المتورطين في الهجوم، تعويض الضحايا، ومراجعة التحالف لقواعد الاشتباك. بعد أسبوع، قَبِل التحالف بنتائج تحقيقات الفريق المشترك، وأعلن أنه شرع في تنفيذ التوصيات.[88] بعد الهجوم، أقالت الحكومة اليمنية الضباط المتورطين في الهجوم وأحالتهم إلى محكمة عسكرية، بحسب
اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان.[89]
لم يقدّم الفريق المشترك أو التحالف معلومات إضافية عن الدول المشاركة في الهجوم على القاعة الكبرى. قابلت هيومن رايتس ووتش 14 شاهدا على الهجوم ورجلين قدما إلى المكان مباشرة بعد الغارة للمساعدة في جهود الإنقاذ، من بين مصادر أخرى، وراجعت مقطع فيديو وصورا لموقع الضربة وبقايا أسلحة. بصرف النظر عن المعلومات الاستخبارية الخاطئة، كانت قوات التحالف – بمركز توجيه العمليات في اليمن والرياض – على علم، أو كان عليها أن تكون على علم، بأن أي هجوم على القاعة سيتسبب في خسائر بشرية كبيرة. كان تاريخ العزاء ومكانه متاحين للعموم، وكان معلوما أن القاعة ستكون مكتظة بمئات المدنيين وقت الهجوم. توصلت هيومن رايتس ووتش إلى أن الذخيرة المستخدمة كانت أمريكية الصنع، وهي قنبلة من طراز "جي بي يو-12 بايفواي II" (GBU-12 Paveway II) بوزن 500 رطل وموجهة بالليزر".[90]
بعد الغارة مباشرة، قال المتحدث باسم "مجلس الأمن القومي الأمريكي" إن الحادث "أقلق كثيرا" الولايات المتحدة وإنه "إذا تأكد، سيكون استمرارا لسلسلة الضربات المقلقة التي تستهدف المدنيين اليمنيين"، وإن الولايات المتحدة "شرعت في إعادة النظر فورا بدعمها المتراجع أصلا" للتحالف، وهي "مستعدة لتعديل هذا الدعم".[91]
تُعتبر هذه الغارة هجوما غير قانوني وعشوائيا وغير متناسب على مدنيين وأعيان مدنية، وهي انتهاك لقوانين الحرب. يجب فتح تحقيق جنائي ضد المتورطين بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وتقديم تعويضات للضحايا المدنيين.[92]
25 أغسطس/آب 2017، منازل فج عطان، صنعاء
قال الفريق المشترك إن التحالف استهدف نظام اتصالات يُستخدم لأغراض عسكرية في منطقة فج عطان بصنعاء يوم 25 أغسطس/آب 2017. بحسب الفريق المشترك، أصابت 3 قنابل الهدف، ولكن بسبب خطأ تقني زعم أنه متمثل في عدم استجابة نظام التوجيه، ضربت قنبلة رابعة مبنى مجاورا بشكل غير مقصود.[93] قال التحالف في بيان أول إن سقوط ضحايا مدنيين كان ناتجا عن خطأ تقني، وإنه كان يستهدف "هدفا عسكريا مشروعا" – وهو مركز قيادة وتحكم أنشأه الحوثيون فقط "بغرض اتخاذ المناطق السكنية القريبة منه والمدنيين دروعا بشرية لحمايته".[94] استنتج الفريق المشترك أن التحالف تقيّد بالقانون الدولي الإنساني لأن الحادث كان "غير مقصود".
رغم أنّ القنبلة الموجهة قد تكون تعطّلت، فأصابت منطقة أخرى غير تلك المستهدفة، إلا أن التحالف نادرا ما قدّم معطيات تقنية كافية لإجراء تحقيق مستقل لمعرفة ما إذا كانت فعلا ناتجة عن خطأ تقني. لم يصدر الفريق المشترك تقريرا عن عدد المدنيين الذين قتلوا وأصيبوا في الهجوم، واكتفى بالإشارة إلى "وقوع ضحايا وإصابات بين المدنيين وأضرار مادية".
وثقت هيومن رايتس ووتش غارة فج عطان. أكد شهود وقوع 4 غارات، منها 3 استهدفت جبال فج عطان، وأخرى ضربت شققا سكنية في حي ذي كثافة سكانية عالية، فقتلت 16 مدنيا، وأصابت 17 آخرين بجروح.[95] وصفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الهجوم بـ "المشين"، وقالت إنه لم يكن يوجد هدف عسكري واضح في المنطقة.[96] رغم أن الفريق المشترك والتحالف أصدرا العديد من البيانات حول الهجوم، وأوصى التحالف بالنظر في تقديم مساعدات للعائلات، إلا أن هذا الأخير لم يقدّم أبدا معلومات عن الدول التي شاركت في الهجوم. يجب فتح تحقيق في هذا الهجوم الذي يبدو غير قانوني لاحتمال حصول جرائم حرب، وتعويض الضحايا المدنيين.[97]
استخدام مسمّى التحالف للتهرب من المسؤولية القانونية
لم يتحلَّ التحالف بالشفافية في عملياته، لا سيما في ما يتعلق بالدول المشاركة في الغارات الجوية، المسؤولين في سلسلة القيادة، والمسؤولين عن سلطة الاشتباك مع الهدف.
يقع على الدول التزام قانوني دولي بالتحقيق في انتهاكات قواتها المزعومة لقوانين الحرب. لكن، سعت دول التحالف بدل ذلك إلى التهرب من هذا الالتزام عبر الاختباء وراء مسمى التحالف، وعدم تقديم معلومات عن دورها في الغارات التي قد تكون غير قانونية. لذلك فدول التحالف متورطة بسبب دورها في هذه الانتهاكات في حد ذاتها، وبسبب عدم التحقيق في الأعمال الخاطئة ومقاضاتها حسب الاقتضاء.
عملا بـ "المادة المشتركة الأولى لاتفاقيات جنيف لعام 1949"، على الدول التقيد بقوانين الحرب و"الحرص على احترامها" عبر استخدام نفوذها، في إطار ما هو ممكن، لوقف جميع انتهاكات قوانين الحرب.[98] تتحمل هذه الدول أيضا مسؤولية الانتهاكات التي ترتكبها قواتها، والقوات التي تعمل تحت إمرتها وتوجيهاتها أو سيطرتها. يقرّ القانون الدولي بأن كل دولة تقدّم "معونة أو مساعدة إلى دولة أخرى تيسيرا لارتكاب فعل غير مشروع دوليا" مسؤولة عن هذه المساعدة، إذا كانت على معرفة بالظروف التي تجعل سلوك الدولة المتلقية للمساعدة غـير مـشروع دوليا.[99]
بحسب تعليق صادر عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر سنة 2016 حول المادة المشتركة الأولى، لا تستطيع الدول التي تشارك قواتها في عمليات عسكرية مع قوات أخرى "التهرب من مسؤولياتها عبر وضع وحداتها تحت تصرف... تحالف خاص".[100] في يوليو/تموز 2017، عبرت لجنة خبراء مجلس الأمن المعنية باليمن عن قلقها من أن أعضاء التحالف "يسعون إلى الاختباء خلف كيان التحالف لحماية أنفسهم من مسؤولية الدول عن الانتهاكات التي ترتكبها قواتها... قد تؤدي محاولات "تحويل" المسؤولية بهذه الطريقة من الدول الفردية إلى التحالف الذي تقوده السعودية إلى مزيد من الانتهاكات التي تحدث من دون عقاب".[101]
التحالف
في الأساس، ضمّ التحالف العسكري الداعم للحكومة اليمنية السعودية، الإمارات، البحرين، الكويت، مصر، الأردن، المغرب، والسودان عندما أطلق عملية "عاصفة الحزم" في مارس/آذار 2015. انسحبت قطر من التحالف في يونيو/حزيران 2017 أثناء أزمة الخليج.[102] في أواخر 2017 وبدايات 2018، شارك في اجتماعات التحالف ممثلون عن السعودية، الإمارات، الأردن، البحرين، السودان، مصر، الكويت، المغرب وكذلك باكستان، جيبوتي، السنغال، ماليزيا، واليمن، بحسب وكالة الأنباء السعودية الرسمية.[103] رغم أنها منقوصة، قدّمت بيانات التحالف الرسمية، المنشورة على مواقع وزارات دفاع الدول المعنية ووكالات الأنباء الرسمية، بعض المعطيات عن قوات الدول والأشخاص الذين يلعبون دورا في بنية التحالف الموسعة وفي العمليات العسكرية وسلسلة القيادة.
السعودية
تقود السعودية التحالف. وجد تقرير للجنة خبراء الأمم المتحدة أنه "على المستوى التشغيلي... تجري أنشطة التحالف العسكري تحت سيطرة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة... تجري العمليات الجوية في اليمن تحت السيطرة التشغيلية لمقر مشترك تقوده المملكة في الرياض، مع خلية استهداف ومراقبة تشرف على عمليات تحديد الأهداف وإسناد المهام".[104]
يشغل محمد بن سلمان مناصب وليّ العهد السعودي، نائب رئيس الوزراء، ووزير الدفاع.[105] بصفته الأخيرة، يُشرف على جميع القوات العسكرية السعودية.[106] في مايو/أيار 2018، كتب نايل باتريك، محلل مختص في الشأن الخليجي: "كبار الضباط مسؤولون مباشرة أمام وزير الدفاع، أي ولي العهد. في الوقت الراهن، ليس هناك مَن يتولى منصب نائب وزير الدفاع، وتم الاكتفاء فقط بمساعد وزير متقدّم في السن نسبيا".[107]
بحسب موقع وزارة الدفاع، شغل بن سلمان منصب قائد التحالف الدولي في عملية عاصفة الحزم في اليمن منذ 26 مارس/آذار 2015.[108] في 26 مارس/آذار، نقلت وكالة الأنباء السعودية أن بن سلمان زار "مركز عمليات القوات الجوية لقيادة عملية عاصفة الحزم وأشرف على الضربة الجوية الأولى وأطلع [مسؤولين كبار آخرين] على تفاصيل الخطط والعمليات العسكرية، وذلك قبل انطلاق الطائرات السعودية مباشرة".[109] نشرت منافذ إعلامية خليجية أخرى صورا وفيديوهات لولي العهد في مركز القيادة.[110]
كما لعب مسؤولون كبار في الجيش السعودي دورا قياديا في هيكلية التحالف. في أبريل/نيسان 2015، بعد أن سئل في مقابلة عن سبب عدم إعلان التحالف عن أسماء قادة القوات المشاركة في عاصمة الحزم، ردّ العسيري: "البنية العسكرية معروفة – أصبح رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة السعودية قائدَ القوات المشتركة ". يقود العقيد عبد الرحمن البنيان "عمليات (عاصفة الحزم)، بالإضافة إلى هيئة الأركان المتواجدة معه من الدول الشقيقة المشاركة في التحالف".[111]
بصفته رئيس هيئة الأركان من مايو/أيار 2014 إلى فبراير/شباط 2018، أشرف العقيد البنيان على جميع القوات المسلحة السعودية، بما في ذلك قائد القوات الجوية الخاضع لسلطته.[112] عمل الفريق أحمد الشعلان قائدا للقوات الجوية السعودية من مايو/أيار 2014 إلى يونيو/حزيران 2015.[113] في وقت لاحق من 2015، عُيّن اللواء الطيار ركن محمد بن صالح العتيبي قائدا بالنيابة للقوات الجوية، بعد أن توفي الشعلان.[114] في 26 فبراير/شباط 2018، عيّن الملك سلمان اللواء الطيار ركن تركي بن بندر بن عبد العزيز آل سعود في هذا المنصب.[115] بحسب النموذج التشغيلي الموجود على موقع وزارة الدفاع، يخضع قائد القوات الجوية هرميا لقائد هيئة الأركان العامة، ويخضع هذا الأخير هرميا لوزير الدفاع.[116]
في فبراير/شباط 2018، أصدر الملك سلمان مرسوما ملكيا عيّن بموجبه الفريق فياض الرويلي، الذي كان نائب البنيان، في منصب رئيس هيئة الأركان العامة.[117] كما عُيّن بموجب المرسوم نفسه الفريق ركن فهد بن عبد العزيز آل سعود قائدا للقوات الجوية،[118] وهو الذي "يُشرف على العمليات العسكرية في اليمن".[119]
ليس واضحا متى فصلت السعودية بين دوري رئيس هيئة الأركان وقائد القوات المشتركة. رغم أن ترقية الأمير فهد رسميا إلى منصب قائد القوات المشتركة تمت يوم 26 فبراير/شباط 2018، إلا أنه بدأ في قيادة عمليات التحالف قبل ذلك التاريخ على ما يبدو. في يوليو/تموز 2017، كتب مسؤولان حكوميان أمريكيان، بعد سلسلة من الاجتماعات في الرياض: "السعوديون – ويقودهم الآن الفريق ركن فهد بن تركي بن عبد العزيز...".[120] في سبتمبر/أيلول 2017، أصدرت وكالة الأنباء الرسمية السعودية بيانا وصفت فيه الأمير فهد بقائد عملية "إعادة الأمل".[121] بعد ترقيته رسميا في فبراير/شباط 2018، زار الأمير فهد الوحدات العسكرية في اليمن واستقبل الرئيس هادي والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس في الرياض.[122] كان قبلها قد رُقّي إلى منصب قائد القوات البرية السعودية في أبريل/نيسان 2017.[123] قبل ذلك، عمل قائدا لقوات التحالف الخاصة في عمليتي عاصفة الحزم وإعادة الأمل، ونائبا لقائد القوات البرية السعودية. في 2016، منحته السعودية ميدالية لدوره في عمليات اليمن.[124]
في 2017، قال تليرسون لمشرّعين أمريكيين إن قائد القوات المشتركة للتحالف هو الذي يوافق على أهداف الهجمات المتعمدة، ولكن طياري التحالف لهم صلاحية الاشتباك مع الضربات المتحركة:
بحسب الجيش السعودي، على قائد قوات التحالف المشتركة الموافقة على الأهداف، مع أخذ مجموعة واسعة من الاعتبارات في الحسبان، مثل طبيعة الهدف، ما يجاوره، وكيف سيؤثر على المهمة بشكل عام، الجوانب القانونية للضربة، والأضرار الجانبية المتوقعة. بعد ذلك، يعهد بالمهمة الجوية إلى وحدة مناسبة، فتحدد السلاح الأمثل للهدف. إذا كان هناك هدف حساس من حيث الوقت، مثل توفر معلومات بشأن إطلاق وشيك لصاروخ باليستي، تُقصّر عملية التحقق من الهدف، لكن على الطيارين استكمال عملية تحقق تتكون من 5 مراحل، ومنها تحديد الهدف بشكل جيد، مراجعة قواعد الاشتباك، التثبت ما إذا كان الهدف ضمن قائمة الأهداف المحظورة، وتحديد الضرر الجانبي المحتمل. بعدها يحظى الطيار بصلاحية الاشتباك مع الهدف (التي تسمح له بإلغاء المهمة إذا لم يكُن متأكدا من شيء ما)... نعلم أن للتحالف مستشارين مدنيين وعسكريين في مركز العمليات الجوية. أحاطنا الجيش السعودي علما بهذه التحسينات... بحسب تقييمنا، أدّت مجموعة الأهداف الخاطئة وعملية التحقق إلى أغلبية الحوادث التي نتجت عنها خسائر مدنية، لذلك فهذه التحسينات في الإجراءات قادرة على تقليص خطر وقوع خسائر مدنية.[125]
في مارس/آذار 2015، ذكرت "وكالة أنباء الإمارات" أن السعودية نشرت 100 طائرة للمشاركة في عمليات التحالف.[126]
بحسب وكالة الأنباء الرسمية السعودية، أعلن الملك سلمان يوم 10 يوليو/تموز 2018 ، بناء على نصيحة من محمد بن سلمان، عفوا غامضا وشاملا ألغى بموجبه جميع "العقوبات العسكرية والسلوكية" بحق الجنود السعوديين المشاركين في عملية إعادة الأمل في اليمن.[127] بدأت أعمال التحالف تحت مسمى "عاصفة الحزم"، التي انتهت في 21 أبريل/نيسان 2015، وتبعتها عملية "إعادة الأمل"، التي تستمرّ حتى اليوم. لم يذكر بيان وزارة الدفاع الذي أعلن عن الأمر الملكي أي قيود للعفو، مشيرا إلى أنه ينطبق على "كافة العسكريين المشاركين في عملية إعادة الأمل... وفقا لعدد من القواعد والضوابط".[128]
إذا لم يتوقف التحالف عن هجماته غير القانونية ولم يُجرِ تحقيقات ذات مصداقية في ادعاءات الهجمات غير القانونية الماضية، ولم يحاكم المتورطين ولم يقدم تعويضات إلى الضحايا، على مجلس الأمن الدولي فرض حظر سفر على محمد بن سلمان والأمير فهد بن تركي بن عبد العزيز آل سعود، وتجميد أصولهما.
الإمارات
لعبت كلّ من السعودية والإمارات أهمّ دورين من بين أعضاء التحالف الآخرين في العمليات العسكرية في اليمن، بما في ذلك شنّ غارات جوية. في مقابلة مع رويترز في 2015، أقرّ اللواء إبراهيم ناصر العلوي، قائد القوات الجوية الإماراتية، بأن القوات الإماراتية، إلى جانب القوات السعودية، شاركت في العمليات العسكرية في اليمن، مؤكدا أن التحالف له سيطرة كاملة على المجال الجوي اليمني. أنكر مسؤولية التحالف عن قتل مدنيين، وقال لرويترز إن كلا القوتين الجويتين كانتا "محترفتين"، وإن عملية الاستهداف تحتاج إلى 3 أو 4 مستويات من الموافقة، وإن التحالف يستخدم ذخائر موجهة بدقة، بنسبة نجاح تناهز 98 بالمئة، بينما يستخدم ذخائر صغيرة في المدن لتقليص الأضرار.[129] في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، أكد العلوي أن القوات الإمارتية منتشرة في 6 مناطق في السعودية واليمن، زاعما أن طيّاري القوات الجوية الإماراتية يتبعون "قواعد اشتباك محددة وتقييدية بشكل جيّد".[130]
وزير الدفاع الإماراتي هو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ولكنّ السلطة الحقيقية في يد الشيخ محمد بن زايد، وليّ عهد أبو ظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو الحاكم الفعلي للإمارات. عندما اندلع النزاع اليمني، كان رئيس الإمارات وقائد القوات المسلحة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان يعاني من عجز، بعد أن أصيب بجلطة دماغية في 2014. قابل محمد بن زايد قادة القوات اليمنية والتحالف لمناقشة التطورات اليمنية على امتداد النزاع، بما في ذلك التعهد بدعم الإمارات للرئيس هادي في مارس/آذار 2015، بعد مقتل عشرات الجنود الإماراتيين في اليمن،[131] استقبال زعماء قبائل من مأرب في أبوظبي في 2015،[132] استقبال قادة من قوات عدن في 2015،[133] مصافحة الجنود الإماراتيين المتوجهين إلى اليمن في 2015،[134] ومقابلة الأمير فهد، الذي كان آنذاك قائد العمليات المشتركة المختصة لعملية إعادة الأمل، لمناقشة التطورات في اليمن في أبريل/نيسان 2017.[135]
بحسب تقارير إعلامية، اختير الشيخ طحنون بن زايد، أحد أشقاء محمد بن زايد، لقيادة التنسيق بين الإمارات والسعودية في ما يتعلق بالعمليات العسكرية لعاصفة الحزم.[136]
رئيس أركانه العام هو الفريق الركن حمد محمد ثاني الرميثي. كما هو الحال في السعودية، يخضع رئيس الأركان مباشرة إلى وزير الدفاع بينما تخضع بقية فروع الجيش له.[137] زار الرميثي اليمن عدة مرات أثناء الحرب، بما في ذلك عدن والمكلا في 2016،[138] وشبوة في 2018.[139] عمل اللواء إبراهيم العلوي قائدا لقوات الدفاع الجوي والقوات الجوية الإماراتية منذ 2014.[140] واللواء مسلم الرشيدي هو قائد قوات العمليات الخاصة في الإمارات ونائب قائد قوات العمليات الخاصة المشتركة التابعة للتحالف في اليمن، بحسب تقارير إعلامية خليجية.[141] قاد الرشيدي قوات التحالف في مأرب في 2015،[142] وعملية استعادة السيطرة على المكلا في 2016.[143]
في مارس/آذار 2015، ذكرت وكالة أنباء الإمارات أن الإمارات نشرت 30 طائرة مقاتلة للمشاركة في عمليات التحالف باليمن، وقد نفذت هذه القوات غارات جوية.[144] كما نشرت الإمارات سفنا في البحر الأحمر للمساعدة على فرض حظر بحري، وأشرفت على استراتيجية التحالف للإعداد لهجوم على ميناء الحديدة.[145] في مارس/آذار 2017، بعد أن قصفت مروحية قاربا ينقل مهاجرين ولاجئين صوماليين قبالة سواحل الحديدة، فقتلت وأصابت العشرات، قال أحد عناصر القوات المسلحة الإماراتية إن القوات الإماراتية كانت تعمل في المنطقة، لكنه نفى أن تكون الإمارات هي التي نفذت الهجوم.[146] في 2017 و2018، قادت الإمارات عمليات التحالف لاسترجاع مناطق على الساحل الغربي، بما في ذلك الحديدة.[147]
تقود الإمارات جهود التحالف في جنوب وشرق اليمن، وقادت جهود مكافحة الإرهاب ضدّ تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب" و"الدولة الإسلامية في اليمن"، الفرع المحلي لتنظيم "الدولة الإسلامية" (المعروف أيضا بـ داعش)، بما في ذلك مساعدة القوات اليمنية على تنفيذ حملات أمنية. وثقت هيومن رايتس ووتش العديد من الانتهاكات التي ارتكبتها القوات المسنودة من الإمارات، مثل التعذيب، الاحتجاز التعسفي، والاختفاء القسري.[148] كما خلُص تقرير لفريق خبراء تابع للأمم المتحدة إلى أن "قوات النخبة" خاضعة للإمارات.[149] أقرّت الحكومة اليمنية في رسالة وجهتها إلى هيومن رايتس ووتش في أبريل/نيسان 2018 بأن قوات النخبة لم تكن تحت سيطرتها.[150] كما تُدير الإمارات عددا من منشآت الاحتجاز جنوب اليمن، بعضها وثقت فيها هيومن رايتس ووتش انتهاكات.[151]
إذا لم يتوقف التحالف عن هجماته غير القانونية، ولم يُجرِ تحقيقات ذات مصداقية في الهجمات غير القانونية المزعومة، ولم يقاضِ المتورطين ولم يعوض الضحايا المدنيين، على مجلس الأمن فرض حظر سفر على الشيخ محمد بن زايد وتجميد أصوله.
اليمن
يعمل التحالف في اليمن بموافقة الحكومة. إضافة إلى الرياض، للتحالف مراكز عمليات في اليمن. تقدّم القوات المسلحة اليمنية معلومات استخبارية إلى قوات التحالف لتحديد أهداف الضربات الجوية، إضافة إلى مشاركتها في العمليات العسكرية بشكل عام.[152] في 2017، قال تليرسون للكونغرس:
أعلمنا التحالف أنه وضع أيضا بروتوكولات أشدّ صرامة على الضربات التي تأمر بها القوات الحكومية اليمنية، والتي تسببت في مشاكل في الماضي. أمّا الآن، فتخضع طلبات الحكومة اليمنية لشن ضربات جوية إلى عملية التحقق المذكورة سابقا والتي يتولاها قائد القوات المشتركة للتحالف.[153]
الرئيس هادي هو قائد القوات اليمنية المسلحة، ومنذ فبراير/شباط 2016، عمل علي محسن الأحمر نائبا للرئيس ونائبا للقائد. شغل منصب رئيس الأركان العامة اليمنية الفريق اللواء محمد المقديشي، أي رئيس الجهاز العسكري اليمني بأكمله، من مايو/أيار 2015 إلى أن أزيح من منصبه في سبتمبر/أيلول 2017، لما عُيّن مستشارا لقائد القوات المسلحة اليمنية وممثلا لقوات التحالف المشتركة.[154] عُيّن طاهر العقيلي رئيسا للأركان العامة مكان المقديشي في 2017،[155] لكن هذا الأخير استمر في لعب دور قيادي في العمليات العسكرية للتحالف. بحسب تقارير إعلامية، التقى المقديشي في مطلع 2018 قادة التحالف في مأرب بصفته مستشارا خاصا لقائد القوات المسلحة ووزير الدفاع بالنيابة.[156]
دول التحالف الأخرى
تؤكد المعلومات المتاحة أن دولا أخرى شاركت في الحملة العسكرية بدرجات متفاوتة. في مارس/آذار 2015، ذكرت وكالة أنباء الإمارات أن الكويت خصصت 15 طائرة للمشاركة في عمليات التحالف، بينما خصصت البحرين 15 طائرة وقطر 10 طائرات.[157] قدّمت تقارير إعلامية وأخرى تتعلق بالسياسات بعض المعطيات بشأن حوادث بعينها كان لأعضاء التحالف دور فيها أثناء الحملة الجوية: ففي مايو/أيار 2015، تحطمت مقاتلة مغربية من طراز "إف 16" (F-16)أثناء تنفيذها مهمة في اليمن.[158] أعلم المغرب الأمم المتحدة أنه توقف منذ 22 يناير/كانون الثاني 2016 عن تشغيل معدّاته الجوية لدعم الحكومة اليمنية.[159] في ديسمبر/كانون الأول 2015، تحطمت طائرة بحرينية من طراز "إف 1" (F-1)وطائرة من طراز إف 16 يقودها طيار أردني أثناء تنفيذ عمليات للتحالف.[160] في 2015، نفذت مصر غارات جوية على السواحل الغربية لليمن.[161] في يوليو/تموز 2016، قالت مصر لفريق خبراء الأمم المتحدة إنها كانت تساهم في القوات البحرية، ثم في 22 أغسطس/آب، أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي أن مصر لها معدات جوية في السعودية.[162] كما قال فريق خبراء الأمم المتحدة في تقرير صدر في 2017 إن عناصر من أغلب دول التحالف كانوا موجودين في المقر المشترك بالرياض.[163] في رسالة موجهة إلى هيومن رايتس ووتش، قالت قطر في يونيو/حزيران 2018:
بخصوص الأسئلة في رسالتيكم، أود أن أشدد على أن اشتراك دولة قطر في تحالف دعم الشرعية في اليمن انتهى، وأن القوات القطرية انسحبت في أوائل يونيو/حزيران 2017. خلال اشتراك قطر في التحالف، اقتصر اشتراكها على حماية الحدود السعودية من هجمات قوات الحوثيين وصالح، دون وجود أي قوات أو هجمات أو عمليات عسكرية في أراضي اليمن. كما نلاحظ أن المهام المسندة إلى القوات المسلحة القطرية خلال اشتراكها في التحالف كانت مشاركة القوات في قطاع نجران بالمسؤولية عن النقاط الحدودية الأمامية داخل الأراضي السعودية وإدارة العمليات في منطقة سقام.[164]
لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التحقق من هذه المزاعم بشكل مستقل.
دول تواجه خطر التواطؤ في الانتهاكات
لا يقتصر الالتزام بالاحترام وضمان الاحترام الذي تنص عليه المادة المشتركة الأولى على دول التحالف التي تشارك في الضربات الجوية، وإنما يشمل الدول المشاركة فعليا في "التمويل أو التجهيز أو التسليح أو التدريب" أو كل دولة "تخطط وتنفذ وتقدّم خلاصات عن العمليات المشتركة مع هذه القوات".[165]
أصبحت الولايات المتحدة طرفا في النزاع اليمني منذ أشهر القتال الأولى عبر تقديم مساعدة تشغيلية مباشرة لعمليات التحالف الجوية، وبناء على ذلك، لديها التزامات بموجب المادة المشتركة الأولى تجاه النزاع اليمني. قدمت الولايات المتحدة مساعدات كبيرة إلى السعودية، بما في ذلك "استخبارات، صهاريج وقود محملة جوا، وآلاف الذخائر المتطورة".[166] في 2017، أرسلت الولايات المتحدة حوالي 12 قوة مختصّة للمساعدة في تحديد وتدمير مخابئ الصواريخ الباليستية ومواقع الإطلاق الحوثية، بحسب نيويورك تايمز.[167]
حذّر أساتذة قانون دوليون ومشرعون أمريكيون من أن استمرار الدعم الأمريكي للسعودية – بما فيه بيع الأسلحة – قد يجعل الولايات المتحدة شريكة في انتهاكات التحالف لقوانين الحرب، وقد يعرّض المسؤولين الأمريكيين إلى المسؤولية القانونية على جرائم الحرب.[168] قضت "محكمة جرائم الحرب بسيراليون"، في قرار أيّده المدعي العام للجان العسكرية الأمريكية في 2013، بأن مساعدة أي شخص على ارتكاب جرائم حرب أو التحريض عليها تعني تقديمه لمساعدة عملية لها "وقع كبير" على حدوث جريمة ما، مع علمه أو وعيه بوجود "احتمال كبير" بأن مساعدته ستؤدي إلى الجريمة. تقتضي إدانة المسؤولين الأمريكيين بالمساعدة والتحريض على ارتكاب جرائم حرب "علمهم" بـ "الاحتمال الكبير" بأن مساعداتهم تُستخدم في هجمات غير قانونية، وأن القوات التي ساعدوها ارتكبت جرائم حرب متعمدة.[169]
بينما حصلت السعودية على الكثير من الأسلحة الموجودة في ترساناتها قبل بدء عملياتها العسكرية في اليمن في مارس/آذار2015، كان على المسؤولين الأمريكيين أن يدركوا، مع استمرار العمليات، أنّ عدد الضربات الجوية التي انتهكت قوانين الحرب ارتفع. بلّغت الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان عن عدّة ضربات، مباشرة بعد انطلاق العمليات العسكرية للتحالف.[170] ناقش المسؤولون الأمريكيون داخليا ما إذا كان دعم التحالف سيتسبب في تحميل مسؤولية جنائية لموظفين أمريكيين، وأقرّ كبير مسؤولي حقوق الإنسان بوزارة الخارجية في عهد الرئيس أوباما "بإمكانية تعرّض المسؤولين الأمريكيين لخطر قانوني إذا استمرت مبيعات الأسلحة رغم وجود أدلة على انتهاكات لقوانين الحرب".[171] في ديسمبر/كانون الأول 2016، علّقت إدارة الرئيس أوباما صفقة بيع ذخائر موجهة بدقة إلى السعودية، جزئيا بسبب كيفية تنفيذ التحالف لحملته الجوية.[172]
حدّدت هيومن رايتس ووتش أسلحة أمريكية استُخدمت في 24 من أصل 88 هجوما بدا غير قانوني وثقته في اليمن منذ مارس/آذار 2015. من أصل الهجمات الـ 24، ناقشنا 6 في هذا التقرير، وقد يرقى بعضها إلى جرائم حرب. استُخدمت في إحدى الهجمات أسلحة صُنعت في أكتوبر/تشرين الأول 2015، أي بعد أشهر من اتضاح انتهاكات التحالف.[173] مع استمرار النزاع المسلح في اليمن وتزايد الأدلة على حصول جرائم حرب، ستزيد أيضا مخاطر مواجهة المسؤولين الأمريكيين للمسؤولية القانونية.[174]
تواجه الدول الأخرى التي استمرت في بيع أسلحة للسعودية، مثل المملكة المتحدة، فرنسا، وكندا، خطر اتهامها مستقبلا بالتواطؤ مع هجمات التحالف غير القانونية. في فرنسا على سبيل المثال، وجدت دراسة أجرتها منظمات حقوقية 2018 أنّ "خطر أن تكون مبيعات الأسلحة الفرنسية غير قانونية كبير، نظرا إلى التزاماتها الدولية، بموجب أحكام ´معاهدة تجارة الأسلحة´ و´الموقف الموحد للاتحاد الأوروبي´".[175]
تهرّب الأفراد من التدقيق
بموجب قوانين الحرب، على الدول التحقيق في جرائم الحرب المزعومة التي يرتكبها عناصر من قواتها المسلحة وأي أشخاص آخرين تحت ولايتها. ليس من الضروري وجود مشتبه به بعينه لبدء التحقيقات، وإنما فقط وجود معلومات موثوقة وذات مصداقية على إمكانية حدوث انتهاكات.[176]
الأفراد الذين ارتكبوا انتهاكات خطيرة لقوانين الحرب بقصد إجرامي – أي بشكل متعمد أو بتهور – مسؤولون عن جرائم حرب.[177] كما يُمكن تحميل المسؤولية القانونية للأفراد لمحاولة ارتكاب أو تسهيل أو مساعدة أو التحريض على جريمة حرب. كما يمكن أن تشمل المسؤولية الأفراد الذين يخططون لارتكاب جريمة حرب أو يحرضون عليها.[178]
قد يُحاكم أيضا القادة والزعماء المدنيون بتهمة جرائم حرب في إطار مسؤولية القيادة عندما يكونون على علم أو كان يتعين عليهم أن يعلموا بارتكاب جرائم حرب من دون اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنعها أو لمعاقبة المسؤولين عنها.[179]
في 2017، كتب فريق الأمم المتحدة المعني باليمن إنه، في بعض الحالات، "تقع مسؤولية الحرص على الالتزام بالقانون الإنساني الدولي على عاتق القادة الذين يخططون للضربات الجوية ويقرّرون حدوثها، والذين بحوزتهم المعلومات اللازمة من مجموعة من المصادر".[180]
إلى حد بعيد، لم تقدم تحقيقات الفريق المشترك تقييمات ذات مصداقية لما إذا كان التحالف قد انتهك قوانين الحرب في غارات جوية محددة، ناهيك عن التحقيق بشكل شامل ومحايد في إمكانية تورّط أفراد في جرائم حرب. لكن وجوه القصور في عمل الفريق المشترك لا تعني أنه يُمكن تجاهل المسؤولية القانونية والتحقيق في جرائم الحرب وتقديمهم المتورطين إلى العدالة. كان يتعين إجراء تحقيقات جنائية جادة ليس فقط في الحالات القليلة التي شكّ فيها الفريق المشترك بوجود انتهاكات، وإنما أيضا في الغارات الكثيرة الأخرى التي تبدو غير قانونية والتي بلّغت عنها الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية. على هذا الأساس، تُعتبر التحقيقات التي أجراها الفريق المشترك فشلا تاما.
يُمكن أيضا محاكمة الأشخاص الذين يُتوقّع ضلوعهم في جرائم حرب لأسباب موثوقة في بلدان ثالثة بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية. يسمح هذا المبدأ للمدعين العامين بملاحقة الأشخاص الذين يُعتقد أنهم ارتكبوا جرائم دولية خطيرة حتى وإن ارتُكبت في مكان آخر، وحتى عندما لا يكون المتهمون والضحايا من مواطني ذلك البلد.
على السلطات القضائية في الدول الثالثة النظر في إمكانية اجراء هكذا تحقيقات، بما يتماشى مع قوانينها الوطنية. على اليمن الانضمام فورا إلى المحكمة الجنائية الدولية.
إضافة إلى التحقيقات الجنائية، أنشأ مجلس الأمن الدولي، في القرارين 2140 و2216، نظام جزاءات يستهدف كل مَن تورط في "التخطيط لأعمال تنتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان أو القانون الدولي الإنساني، أو أعمال تشكل انتهاكات لحقوق الإنسان، أو توجيه تلك الأعمال أو ارتكابها"، وكذلك المتورطين في منع وصول المساعدات الإنسانية، بحظر سفر وتجميد أصول محتملَيْن. عملا بالقرار، تستطيع لجنة الجزاءات تحديد "الأفراد والكيانات" المستهدفة بالعقوبات إذا كانوا "يقدمون الدعم لتلك الأعمال".[181] على مجلس الأمن ضمان مراعاة الأصول القانونية لجميع الذين تشملهم العقوبات.
سبق أن فرضت لجنة الجزاءات عقوبات – تشمل تجميد أصول وحظر سفر – على 5 قادة كانوا سابقا متحالفين مع قوات الحوثي- صالح. لكن لم تُنزل أي عقوبات بأحد من التحالف، على الرغم من ورود معلومات عن انتهاكات متكررة للتحالف جمعها فريق الخبراء، الذي يقدم معلومات عن تنفيذ القرار.[182]
في 2017، استنتج فريق الخبراء المعني باليمن أن "الأفراد المسؤولين عن تخطيط أو ترخيص أو تنفيذ الغارات الجوية التي تلحق أضرارا غير متناسبة بالمدنيين والبنى التحتية المدنية قد يقعون ضمن معايير الاستهداف بالعقوبات".[183] كما استنتج أيضا أن التحالف، بصفته الكيان الذي ينفذ الغارات الجوية، قد يندرج تحت المعايير نفسها.[184] عند مناقشة دور الإمارات والاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب، خلُص الفريق إلى أن "المسؤولين عن الانتهاكات المرتبطة بالاحتجاز في اليمن يقعون ضمن معايير الاستهداف".[185]
على مجلس الأمن الدولي مطالبة لجنة الجزاءات الخاصة باليمن وفريق الخبراء المعني باليمن بإعداد تقرير خاص حول الأفراد المتورطين في انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان المنطبق أو منع وصول المساعدات الإنسانية، بما يشمل سلسلة القيادة والتحكم ومسؤولية القيادة في التحالف الذي تقوده السعودية.
تقديم تعويضات للضحايا
تفرض قوانين الحرب على الدول تقديم تعويضات كاملة، بما في ذلك تعويضات مباشرة للضحايا، على الخسائر الناتجة عن انتهاكات قوانين الحرب.[186] يمكن أن تكون التعويضات في شكل رد الحق (إعادة الوضع السابق) أو تعويض (الدفع المالي) أو إرضاء (مثل الاعتذار رسميا أو اتخاذ خطوة أخرى) لدولة أخرى أو لكيان أو لأفراد.[187]
لدى وقوع خسائر، حتى في غياب انتهاكات للقانون الدولي الإنساني، يحتاج المدنيون إلى مساعدات أو تعويضات. قد يكون ذلك عبر مدفوعات مالية عن الخسائر في الأرواح والممتلكات في غياب التزام قانوني، وإقرار غير مالي بالضرر الحاصل، مثل الاعتذار.
في اليمن، ورغم وعود التحالف وتوصيات الفريق المشترك، لا توجد آلية واضحة تُمكّن الضحايا المدنيين والناجين من الحصول على أي شكل من أشكال التعويض من قوات التحالف – أو طرف آخر في النزاع.
أوصى الفريق المشترك، في 12 هجوما حقق فيه حتى الآن، التحالف بدفع مساعدات، مساعدات لازمة، مساعدة إنسانية مناسبة، وتعويض.[188] لم يوضح الفريق المشترك لماذا استخدم مصطلحات مختلفة في هذه الهجمات، وما إذا كان هناك من فارق بحسب النتائج التي توصّل إليها أو التعويضات التي أوصى التحالف بتقديمها.
وثقت هيومن رايتس ووتش 6 من هذه الهجمات، واستنتجت أن جميعها انتهكت قوانين الحرب. بعد أن نشر الفريق المشترك نتائج تحقيقاته، أجرت هيومن رايتس ووتش متابعات مع أشخاص متضررين في بعض هذه الهجمات، وكذلك مع منظمات دولية ويمنية وثقت الغارات الجوية أو هي على اتصال بضحايا هذه الغارات.[189] كما راسلت جميع دول التحالف التي لها أعضاء في الفريق المشترك، بما في ذلك اليمن، لطلب معلومات إضافية حول الخطوات المتبعة لتقديم التعويضات. لم تردّ أي دولة باستثناء قطر، التي لم تُجب عن السؤال المتعلق بالتعويضات.
تحدثت "مواطَنة"، وهي منظمة حقوقية بارزة في اليمن لها مراقبون في كافة أنحاء البلاد، إلى ضحيتين من ضحايا الهجوم على المجمعات السكنية في المخا، وأحد ضحايا الهجوم على حي فج عطان بصنعاء، وضحيتين من ضحايا الهجوم على القاعة الكبرى. قال الضحايا الخمس إنهم لم يحصلوا على أي مساعدات أو تعويضات من التحالف، ولم يتصل بهم أحد بشأن التحقيق في الهجمات أو الخطوات التي عليهم اتباعها للحصول على التعويضات الموصى بها.[190] قال الشخصان اللذان تضررا من ضربة المخا لـ مواطنة إنهما باتا نازحين داخليا، فقد أنشأت القوات الإماراتية والسودانية التي كانا يعملان معها معسكرات في مدينتيهما الأصليتين.
في أغسطس/آب، بعد عام تقريبا على قصف التحالف لمبنى سكني في فج عطان بصنعاء، قال أحمد، الذي له العديد من الأقارب من بين الضحايا، لـ هيومن رايتس ووتش:
لم أسمع يوما بأي شكل من أشكال التعويض، لقد سمعت عن ذلك منكم فقط... لم أكن أعلم أنهم يُقرّون بأنهم قصفوا عن طريق الخطأ... ليس لنا أي أمل في التحالف... نريد رفع قضية ضدّ جرائم التحالف في اليمن.[191]
قال ياسر، الذي له أصدقاء وأقارب قُتلوا وأصيبوا في الهجوم على مصنع تعبئة مياه الشام في 2015: "سمعت بالتعويضات ككل الناس عبر التلفزيون، وسجلت المحاضرة على ذاكرة محمولة. نريدهم أن يعوّضوا لنا عن مصنعنا الذي دمروه، وأن يعوّضوا للعائلات التي فقدت الأفراد الذين كانوا يعيلونها".[192] لكن، لا أحد اتصل به أو بعائلته.
قال عبد الرحمن (31 عاما)، صاحب شركة، لـ هيومن رايتس ووتش إن أفرادا من عائلته كانوا في موقع البئر عندما هاجم التحالف أرحب في سبتمبر/أيلول 2016. بعد الضربة الأولى، ذهب شقيقه إلى مخبأ العمال ليحاول إنقاذ صديقه المقرّب الذي كان يُشرف على المشروع منذ 6 أشهر تقريبا. وجد جثة صديقه، بعد أن أصيب في الرأس. اتصل بعض الرجال الذين كانوا هناك بعبد الرحمن، الذي كان خارج اليمن، وطلبوا منه الاتصال بالتحالف ليخبر مسؤوليه بأنهم ارتكبوا خطأ. لما حاول الاتصال بشخصيات يمنية بارزة تعمل مع مسؤولين في التحالف أو في الحكومة اليمنية، استمر التحالف في شن هجمات. تمكن عبد الرحمن في الأخير من الاتصال بشخص في مأرب، فأعلمه أن التحالف كان يهاجم بئرا وعمالا – وليس حوثيين أو أسلحة – وكلما ذهب أحدهم لإنقاذ المصابين، هاجمه التحالف من جديد. قال إن البئر كانت شبه مكتملة وقت الهجوم، ولكن السكان باتوا محرومين من المياه التي هم بأمسّ الحاجة إليها.
كاد شقيقه الأصغر وابن عمه "يموتان". ما زال شقيقه يعاني من مشاكل في عينيه وأذنيه ويشعر بالرعب عندما يسمع صوت طائرة: "يظن أنها ستقصفه". كما يعاني ابن عمه من مشاكل في المشي، وما زال فكه مكسورا بعد أن أصيب في وجهه بشظايا، وهو إلى الآن لا يستطيع الكلام بشكل عادي.
علم عبد الرحمن أن التحالف أجرى تحقيقا "عندما عُرض ذلك على التلفزيون... لقد سمعت بذلك في الأخبار". قال: "على الأقل صاروا يعلمون أنه خطأ، لكن الآن عليهم استدعاء محققين لتحديد
المصابين. يستطيعون مساعدة الأبرياء على الأقل، لكنهم لم يفعلوا شيئا". لم يحصل أي شخص في القرية على تعويضات من التحالف، رغم أن الكثير منهم ما زالوا يعانون من إصابات بدنية ونفسية، بحسب عبد الرحمن ومحامٍ من صنعاء يعمل مع الشركة التي تحفر البئر.[193] لما سئل عما يمكن أن يكون ردا عادلا، أجاب عبد الرحمن:
أودّ مساعدة العائلات التي فقدت آباءها، العائلات التي فقدت أبناءها... صديقي كان هو المعيل لعائلته. مات، وعائلته اليوم تعاني... لقد حصل ما حصل، ولا نستطيع الآن إرجاعه إلى الحياة، لكن 'العدالة'، نحتاج إلى إعطاء كل عائلة شيئا ما مقابل ما خسرت.
دفعت الشركة التي كانت تحفر البئر تكاليف العلاج الطبي للعمال، وقدّمت بعض المساعدات لعائلات القتلى. ما زالت التجهيزات، ومنها حفارة بقيمة 1.3 مليون دولار، في أرحب، وهي مدمرة. بعد الهجوم، أجبرت الشركة على بيع إحدى حفاراتها الثلاث الأخرى للمساعدة على تعويض الخسائر.
قال عبد الرحمن إنه لا يعرف كيف يمكنه الاتصال بالتحالف بشأن التعويضات الموعودة: "لا أعرف أي باب عليّ أن أطرق. لو كنت أعرف الإدارة، لكنت اتصلت وقلت: عليكم أن تدفعوا مالا لقاء خسائري... سيقولون 'سنفعل'، لكن لا أحد سيستلم أي أموال. لا أعرف أحدا استلم أموالا".
قُتل 4 من أقارب "عبد الله" وأصيب 5 آخرون في هجوم التحالف على مصنع الإسمنت بعمران في سبتمبر/أيلول 2016. لما عرف عبد الرحمن أنّ التحالف وعد بدفع تعويضات، نزّل الخبر واحتفظ به:
بعتُ كلّ شيء لأعتني بأقاربي المصابين، خصوصا ابني (15 عاما). خضع لست عمليات، وما زال يحتاج إلى عملية أخرى في الخارج. توجد شظية قرب عموده الفقري... لقد خسرت عائلتي... ومصدر رزقنا بالكامل، وأنفقنا كل المال على المستشفيات. لقد بعنا كل ما نملك، ودُمّرنا بالكامل.
لم يتصل به أي أحد، من أي جهة كانت، بشأن الهجوم أو طرق طلب التعويض. قال:
من المحتمل أن يعوّضوا الخسائر المادية، ولكن الأرواح التي زُهقت، كيف سيعوضونها؟ لو أعطوني وزن العالم ذهبا، لن يعوّض ذلك أحد أقاربي الذين فقدتهم. لم نحصل على أي شيء – لا محاكمات في حق المذنبين ولا تعويضات. لم نحصل حتى على كيس من الطحين.[194]
شكر وتنويه
كتبت هذا التقرير كريستين بيكرلي، الباحثة المختصة في شؤون اليمن بقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش. ساعد موظف آخر في هيومن رايتس ووتش، لا يمكن كشف اسمه لأسباب أمنية، بشكل كبير في إجراء الأبحاث. يتضمن التقرير أبحاثا أجرتها هيومن رايتس ووتش منذ مارس/آذار 2015.
راجع التقرير كل من مايكل بَيْج، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط، وطوم بورتيوس، نائب مدير البرامج. كما قدّم مراجعة مختصّة كلّ من أندريا بارسو، نائبة مديرة مكتب واشنطن، مارك هيزناي، باحث أول بقسم الأسلحة، بلقيس جراح، مستشارة أولى في العدالة الدولية، أكشايا كومار، نائبة مدير قسم الأمم المتحدة في هيومن رايتس ووتش، وبينيديكت جانرود، مديرة مكتب فرنسا. قدّم مراجعة قانونية جيمس روس، مدير الشؤون القانونية والسياسات.
أعدّت ديانا نعوم، منسقة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التقرير للنشر. ساعد متدربون في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومنهم آية كتمه، في الأبحاث.
تشكر هيومن رايتس ووتش كل الذين وافقوا على المقابلات في اليمن، والذين سهلوا الأبحاث، والنشطاء اليمنيين والمحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان الذين قدموا أفكارا ومساعدة طيلة الحرب. من دون مساعدتهم، ما كان لهذا التقرير أن يرى النور.