بعد ست سنوات من النزاع المسلح الذي قتل وجرح أكثر من 18,400 مدني، لا يزال اليمن يواجه أكبر أزمة إنسانية في العالم. يشهد اليمن أسوأ أزمة أمن غذائي في العالم مع احتياج 20.1 مليون شخص - حوالي ثلثي السكان - إلى مساعدات غذائية في بداية 2020.
منذ مارس/آذار 2015، قادت السعودية والإمارات تحالفا عسكريا ضد قوات الحوثيين التي استولت على العاصمة اليمنية صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014. في 2020، احتد القتال في شمال اليمن بشدة عندما استولى الحوثيون على مناطق جديدة كانت خاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا وتقدموا نحو محافظة مأرب، حيث نزح آلاف اليمنيين داخليا وواجهوا ظروفا إنسانية قاسية وخطرا متزايدا للإصابة بفيروس "كورونا".
في جنوب اليمن، واصلت الإمارات عملياتها الجوية ودعمها للقوات اليمنية المحلية على الأرض رغم سحب معظم قواتها البرية في منتصف 2019. واصل "المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعوم من الإمارات تحدي الحكومة اليمنية المعترف بها في الجنوب.
كان للنزاع المُطوَّل تأثير مدمر على المدنيين في جميع أنحاء البلاد. يعاني المدنيون من البنية التحتية الحيوية المُدمَّرة، ونقص الوقود، ونقص الخدمات الأساسية، وانتهاكات قوات الأمن المحلية، وضعف الدولة، والحكم المنقسم. تسببت الأمطار الغزيرة غير المسبوقة في أجزاء كثيرة من اليمن في 2020 بمقتل العشرات وتشريد آخرين. دمرت الفيضانات وأتلفت المنازل والبنية التحتية، بما فيها المباني في مدينة صنعاء القديمة، أحد مواقع التراث العالمي لـ "اليونسكو".
سنوات من الصراع دمرت الاقتصاد اليمني. فقَد ملايين الأشخاص في اليمن دخلهم نتيجة إغلاق الأعمال ولم يتلقَ بعض العاملين في القطاع العام رواتبهم كاملة بانتظام، ما أدى إلى زيادة الفقر. يعتمد ملايين المدنيين في اليمن على المساعدات الإنسانية.
لم تسمح سلطات الحوثيين لخبراء "الأمم المتحدة" بتأمين ناقلة النفط "صافر" قبالة سواحل الحُديدة، مُعرضة اليمن لخطر كارثة بيئية إذا تسرب 1.1 مليون برميل من النفط إلى البحر الأحمر.
تأثير فيروس كورونا
سُجّلت أول حالة إصابة مؤكدة بفيروس كورونا في البلاد في 10 أبريل/نيسان، وبحلول أواخر سبتمبر/أيلول، أبلغت الأمم المتحدة عن 2,034 حالة إصابة مؤكدة و588 وفاة؛ لكن قدرة البلد المحدودة على إجراء الفحوصات تعني أن العدد الحقيقي للحالات غير معروف. حجبت سلطات الحوثيين في الشمال المعلومات حول انتشار وتأثير فيروس كورونا في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
في يوليو/تموز، حذّرت "هيومن رايتس ووتش" من أن المحتجزين في مركز "بير أحمد" غير الرسمي واجهوا مخاطر صحية شديدة بسبب التفشي السريع للفيروس. في مايو/أيار، دعت هيومن رايتس ووتش إلى حماية المدنيين في مأرب حيث يواجه النازحون خطرا مزدوجا يتمثل في تجدد القتال والتفشي الخارج عن السيطرة للفيروس.
الهجمات غير المشروعة
ارتكبت جميع أطراف النزاع المسلح في اليمن انتهاكات جسيمة لقوانين الحرب، قد يرقى الكثير منها إلى جرائم حرب من قبل مسؤولين. في 2020، شنّت قوات التحالف بقيادة السعودية غارات جوية قتلت وجرحت مدنيين بشكل عشوائي. وفقا لـ "مشروع بيانات اليمن"، حتى مارس/آذار، نفّذ التحالف بقيادة السعودية ما بين 20,624 و58,487 غارة جوية منذ مارس/آذار 2015. أصابت قرابة ثلث الغارات الجوية التي نفذها التحالف أهدافا مدنية مثل المنازل السكنية، والمستشفيات، والمدارس، وحفلات الزفاف، والمزارع، ومخازن المواد الغذائية، والحافلات المدرسية، والأسواق، والمساجد، والجسور، والمصانع المدنية، ومراكز الاحتجاز، وآبار المياه. نفّذ التحالف بقيادة السعودية والحوثيين هجمات غير قانونية على مراكز الاحتجاز، وقتلوا وجرحوا المحتجزين.
واصل التحالف بقيادة السعودية وقوات الحوثيين إطلاق قذائف الهاون، والصواريخ، وغيرها من القذائف بشكل عشوائي على مناطق مكتظة بالسكان بما فيها مأرب، وتعز، والحُديدة. قتلت هذه الأسلحة وجرحت المدنيين وألحقت أضرارا بالبنى التحتية الحيوية كالمدارس والمرافق الصحية. وفقا لمنظمة "مواطنة" اليمنية لحقوق الإنسان، هاجمت قوات الحوثيين في أبريل/نيسان مجمع السجن المركزي "سنترا" في تعز، فقتلت 5 سجينات، وفتاتين صغيرتين، وشرطية، وأصابت 9 آخرين. واصلت قوات الحوثيين إطلاق الصواريخ البالستية بشكل عشوائي على السعودية.
الأطفال والنزاع المسلح
احتاج حوالي 80٪ من سكان اليمن إلى مساعدات إنسانية، بمن فيهم أكثر من 12 مليون طفل. حذّرت "اليونيسف" من أن عدد الأطفال دون الخامسة الذين يعانون من سوء التغذية الحاد قد يرتفع إلى 2.4 مليون في 2020. أفادت "اللجنة الدولية للصليب الأحمر" في أكتوبر/تشرين الأول 2019 أن 50٪ من الأطفال اليمنيين يعانون من نقص النمو الدائم. حذّرت اليونيسف في يونيو/حزيران من أن 7.8 مليون طفل لم يتمكنوا من الوصول إلى التعليم بعد إغلاق المدارس بسبب فيروس كورونا وأن حوالي 10 ملايين لم يحصلوا على ما يكفي من المياه والصرف الصحي.
أفاد "فريق الأمم المتحدة للخبراء الدوليين والإقليميين البارزين المعني باليمن" في 2020 أن جميع الأطراف المتحاربة جنّدت أطفالا كجنود. أُرسِل بعض الفتيان اليمنيين إلى السعودية للتدريب العسكري، ثم أُعيدوا إلى اليمن للقتال ضد قوات الحوثيين. جنّدت قوات الحوثيين الأطفال، بمن فيهم الفتيات، في المدارس، واستخدمت الأولاد للقتال، والفتيات "للتجسس، وتجنيد أطفال آخرين، وكحارسات، ومسعفات، وأعضاء في "الزينبيات" [قوات أمنية نسائية]".
في يونيو/حزيران 2020، أزال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش التحالف بقيادة السعودية من "قائمة العار" الأخيرة للأطراف المسؤولة عن الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال أثناء النزاع، رغم أن تقريره خلص إلى أن التحالف كان مسؤولا عن 222 ضحية من الأطفال وأربع هجمات على مدارس ومستشفيات في اليمن في 2019.
الألغام الأرضية
استخدمت قوات الحوثيين الألغام الأرضية، وخصوصا الألغام الأرضية المضادة للأفراد، في انتهاك للقانون الإنساني الدولي، وتسببت بسقوط قتلى وجرحى بين المدنيين. وفقا لـ"مشروع مراقبة الأثر المدني"، قتلت الألغام الأرضية والأجهزة المتفجرة اليدوية الصنع، والذخائر غير المنفجرة في 2019، 498 مدنيا، بزيادة 23٪ من 405 في 2018. فاقم استخدام الألغام انعدام الأمن الغذائي وأعاق وصول عمال الإغاثة إلى المجتمعات الضعيفة. أفاد فريق الأمم المتحدة للخبراء الدوليين والإقليميين البارزين المعني باليمن في سبتمبر/أيلول أن قوات الحوثيين شنّت هجمات عشوائية باستخدام الألغام الأرضية المضادة للأفراد. استخدام الألغام المضادة للأفراد المحظورة من قبل أي طرف وفي أي ظرف ينتهك "اتفاقية حظر الألغام" لعام 1997، واليمن طرف فيها.
الاحتجاز التعسفي، والتعذيب، والاختفاء القسري
قوات الحوثيين، والحكومة اليمنية، والإمارات، والسعودية، والعديد من الجماعات المسلحة اليمنية المدعومة من الإمارات والسعودية، اعتقلت، واحتجزت، واختطفت، وأخفت أشخاص قسرا، بمن فيهم الأطفال، وعذّبت المحتجزين أو أساءت معاملتهم.
وثّقت هيومن رايتس ووتش في مارس/آذار انتهاكات جسيمة ارتكبتها القوات العسكرية السعودية والقوات اليمنية المدعومة من السعودية ضد المدنيين في محافظة المهرة شرق اليمن، بما في ذلك التعذيب، والاختفاء القسري، والاحتجاز التعسفي. يبقى الاحتجاز التعسفي من قبل أطراف النزاع منتشرا في جميع أنحاء اليمن. في يونيو/حزيران، أفادت مواطنة بوقوع مئات حالات الاختفاء القسري، فضلا عن تعذيب وقتل محتجزين في سجون سرية على أيدي قوات الحوثيين، والقوات المدعومة من الحكومة اليمنية، والقوات المدعومة إماراتيا.
توصّل فريق الخبراء البارزين التابع للأمم المتحدة المعني باليمن إلى أن "أطراف النزاع ما زالت ضالعة في حالات ... الاحتجاز التعسفي والتعذيب، بما في ذلك العنف الجنسي، وغيره من ضروب سوء المعاملة والاختفاء القسري، في انتهاك للقانون الدولي لحقوق الإنسان وكذلك القانون الدولي الإنساني. قد تشكل هذه الأفعال أيضا جرائم حرب".
في سبتمبر/أيلول، أجرت الحكومة اليمنية والحوثيون عملية تبادل أسرى لـ 1,083 سجينا بوساطة المبعوث الخاص الأمم المتحدة لليمن مارتن غريفيث واللجنة الدولية للصليب الأحمر.
واصلت قوات الحوثيين مضايقة ومحاكمة المعارضين، بمن فيهم الأكاديميون، والمحامون، والطلاب، والأقليات الدينية، والصحفيون. حاكمت سلطات الحوثيين 35 نائبا في مارس/آذار، وحكمت عليهم محاكم خاضعة لسيطرة الحوثيون بالإعدام غيابيا بتهمة الخيانة. تعرضت ناشطات حقوقيات للقمع من قبل أطراف النزاع بسبب عملهن في مجال حقوق المرأة.
منع وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية
وثّقت هيومن رايتس ووتش في سبتمبر/أيلول أن سلطات الحوثيين، والحكومة اليمنية والقوات التابعة لها، و"المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعوم من الإمارات، قيدوا بشدة إيصال المساعدات الإنسانية التي هناك حاجة ماسة إليها. يعاني الملايين في اليمن لأن الحوثيين والسلطات اليمنية الأخرى منعوا الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة الأخرى من الوصول دون عوائق إلى المحتاجين. واجهت جماعات الإغاثة الدولية والمحلية مجموعة واسعة من العراقيل التي فرضتها أطراف النزاع على الأرض، ما قيّد عملها بشدة. فرضت سلطات الحوثيين مئات الأنظمة والتأخيرات المطولة في الموافقة على مشاريع الإغاثة. تمنع السلطات عمليات تقييم المساعدات المطلوبة لتحديد احتياجات الأشخاص، وتسعى إلى التحكم في مراقبة المساعدات، وتُملي أو تتدخل في قوائم متلقي المساعدات من أجل تحويل المساعدات إلى الموالين للسلطة.
أبقى التحالف مطار صنعاء الدولي مغلقا منذ أغسطس/آب 2016.
العنف ضد النساء
في 2020، أساءت الحكومة اليمنية، وجماعة الحوثيين المسلحة، وقوات "الحزام الأمني" التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي إلى النساء وارتكبت أعمال عنف قائم على النوع الاجتماعي، بما فيها العنف الجنسي. أفاد فريق خبراء الأمم المتحدة بمزاعم عديدة بالاغتصاب على يد القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي في السنوات الأخيرة، بما في ذلك اغتصاب امرأة نازحة داخليا في عدن في أبريل/نيسان. وفقا لـ "هيئة الأمم المتحدة للمرأة" في اليمن، ازداد العنف ضد النساء خلال أزمة كورونا. لا تزال النساء المهاجرات من دول القرن الأفريقي يتعرضن للإساءة، والاغتصاب، والتعذيب على أيدي المهربين والمُتاجرين بالأشخاص في اليمن خلال سفرهن عبر البلاد إلى السعودية.
استمر أيضا تعرض النساء لتمييز شديد في القانون والممارسة. لا يمكنهن الزواج دون إذن ولي أمر ذكر ولا يتمتعن بحقوق متساوية في الطلاق، أو الميراث، أو حضانة الأطفال. يُعرضهن انعدام الحماية القانونية للعنف المنزلي والجنسي. استمر كذلك زواج الأطفال، ولا يزال اليمن بدون حد أدنى لسن الزواج.
الانتهاكات بحق المهاجرين
أفادت "منظمة الهجرة الدولية" أن حوالي 140 ألف مهاجر دخلوا اليمن في 2019. بالنسبة إلى المهاجرين العالقين بسبب كورونا، أثّر إغلاق الحدود، والقيود المفروضة على الحركة، والسلوكيات التمييزية المتزايدة في اليمن على حصول المهاجرين على الخدمات الأساسية كالغذاء، والماء، والمأوى، والمساعدة الصحية. واجه المهاجرون العالقون في اليمن احتجازا متزايدا وتعرضوا للنقل القسري عبر خطوط الجبهة.
متذرعة بكورونا، طردت قوات الحوثيين في أبريل/نيسان قسرا آلاف المهاجرين الإثيوبيين من شمال اليمن، ما أودى بحياة العشرات وأجبرهم على النزوح إلى الحدود السعودية. أطلقت القوات السعودية النار على المهاجرين الفارين، ما أودى بحياة العشرات، بينما فر مئات الناجين إلى منطقة حدودية جبلية إلى أن سمح المسؤولون السعوديون للمئات بدخول البلاد. بعدما طرد الحوثيون المهاجرين قسرا من محافظة صعدة شمال اليمن، راجعت هيومن رايتس ووتش صور الأقمار الصناعية التي أظهرت دمارا واسع النطاق لأكثر من 300 خيمة ومنزل بما يتفق مع روايات الشهود في منطقة قرية الغار حيث يقطن المهاجرون.
الأطراف الفاعلة الدولية الرئيسية
استمرت الدول الغربية بمن فيها الولايات المتحدة، وفرنسا، وكندا، وغيرها في بيع الأسلحة للسعودية، والإمارات، وأعضاء التحالف الآخرين. في يوليو/تموز، أعلنت بريطانيا أنها ستستأنف مبيعات الأسلحة إلى السعودية رغم وجود أدلة موثقة على استمرار انتهاكات التحالف لقوانين الحرب. كشفت تقارير إخبارية أن مسؤولين في وزارة الخارجية الأمريكية حذّروا من أن المسؤولين الأمريكيين قد يواجهون المحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم حرب بسبب مبيعات الأسلحة إلى السعودية وشركاء التحالف. استمرت قوات الحوثيين بتلقي الدعم من إيران.
في أكتوبر/تشرين الأول، جدّد "مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان" وعزّز ولاية فريق الخبراء الدوليين والإقليميين البارزين المعني باليمن. في تقريره الثالث، حثّ فريق الخبراء المجتمع الدولي على معالجة الإفلات المتواصل من العقاب على الجرائم الخطيرة في اليمن، بما في ذلك من خلال التوصية بإنشاء "هيئة تحقيق تركز على القضايا الجنائية" ودعوة مجلس الأمن الأممي إلى إحالة الوضع إلى "المحكمة الجنائية الدولية".
في يونيو/حزيران، تعهّد 31 مانحا دوليا بتقديم 1.35 مليار دولار كمساعدات إنسانية لليمن، أي أقل بكثير من 2.4 مليار دولار التي طلبتها وكالات الأمم المتحدة لمواصلة تشغيل جميع برامجها في اليمن. أدى نقص التمويل إلى تقليص أو إيقاف أكثر من ثلث برامج الأمم المتحدة الإنسانية في اليمن.
يقود المبعوث الأممي الخاص لليمن مارتن غريفيث المفاوضات بين جماعة الحوثيين المسلحة والحكومة اليمنية دون إحراز تقدم يُذكر. واصل مجلس الأمن الأممي فرض نظام عقوبات ضد طرف واحد فقط، الحوثيين، رغم ارتكاب التحالف بقيادة السعودية انتهاكات عديدة لقوانين الحرب.