|
|
(غزة، 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2002) - قالت منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" في تقرير جديد لها اليوم إن الأشخاص المسؤولين عن تدبير وتنفيذ التفجيرات الانتحارية التي تستهدف المدنيين عمداً قد اقترفوا جرائم ضد الإنسانية، وينبغي تقديمهم إلى ساحة العدالة.
ويُعدُّ التقرير، الذي يقع في 170 صفحة، أول تقرير وافٍ يتناول المسؤولية الجنائية الفردية عن التفجيرات الانتحارية ضد المدنيين في إسرائيل والمناطق التي تحتلها. كما يتضمن التقرير المعنون: لحظة واحدة تمحو كل شيء: التفجيرات الانتحارية ضد المدنيين الإسرائيليين أشمل دراسة حتى الآن لعمليات التفجير الانتحارية التي تقوم بها منظمة المقاومة الإسلامية "حماس" و"حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين" و"كتائب شهداء الأقصى"، و"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، وهي الجماعات التي أعلنت المسؤولية عن جميع التفجيرات الانتحارية التي وقعت مؤخراً تقريباً. ويقول كنيث روث، المدير التنفيذي لمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان":"إن الأشخاص الذين يقومون بعمليات التفجير الانتحاري ضد المدنيين ليسوا شهداء وإنما مجرمو حرب، ومثلهم أولئك الذين يساعدون في التخطيط لمثل هذه الهجمات؛ ونطاق هذه الهجمات وطبيعتها المنهجية يميزانها عن سائر الانتهاكات المرتكبة في أوقات الصراع؛ ومن الجلي أنها تُصَنَّف ضمن فئة الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية".
ومنذ يناير/كانون الثاني 2001، أسفرت التفجيرات الانتحارية الفلسطينية عن مقتل نحو 250 من المدنيين وإصابة ألفين آخرين.
وجدير بالذكر أن المبادئ الراسخة للقانون الدولي تستوجب محاسبة من يتولون زمام السلطة حينما يقترف أشخاص تحت سيطرتهم جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية. كما أن القادة الذين يأمرون بارتكاب هذه الجرائم، أو يتقاعسون عن اتخاذ إجراءات معقولة للحيلولة دون وقوعها، أو عن معاقبة مرتكبيها، يتحملون هم الآخرون المسؤولية عن مثل هذه الجرائم.
وقد تبنى كبار قادة "حماس" و"الجهاد الإسلامي" هذه الهجمات التفجيرية الانتحارية ضد المدنيين الإسرائيليين علانيةً، أو حضوا عليها، أو أيدوها صراحة، وأشاروا إلى قدرتهم على منع حدوثها؛ ويجب إخضاع هؤلاء القادة، من أمثال زعيمي "حماس" الشيخ أحمد ياسين وخالد مشعل، وزعيم "الجهاد الإسلامي" رمضان شلح، للتحقيق الجنائي بشأن دورهم في هذه الجرائم. وقد أعلنت "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" على الملأ مسؤوليتها عن عمليات تفجير انتحارية وتفجير سيارات مفخخة ضد المدنيين؛ ويبدو أن زعماءها يتحكمون في وقوعها، الأمر الذي يستوجب إجراء تحقيق جنائي معهم. أما بالنسبة "لكتائب شهداء الأقصى"، فيبدو أن السيطرة والمسؤولية فيها تتركزان على مستويات محلية، ويجب إخضاع المسؤولين فيها أيضاً للتحقيق الجنائي.
ويقيم تقرير منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" دور ومسؤولية السلطة الفلسطينية والرئيس ياسر عرفات فيما يتعلق بالتفجيرات الانتحارية ضد المدنيين؛ ويخلص إلى أن السلطة الفلسطينية قد تقاعست عن اتخاذ كافة الإجراءات المتاحة لمنع وقوع مثل هذه الهجمات أو تقديم المسؤولين عنها إلى القضاء، وساهمت بتقاعسها هذا في خلق مناخ يفلت فيه الجناة من العقاب على تلك الجرائم.
وقال روث:
"إن أكبر تقاعس للرئيس عرفات وقيادة السلطة الفلسطينية يتمثل في إحجامهما عن تطبيق نظام العدالة الجنائية على نحو حاسم لمنع التفجيرات الانتحارية، ولا سيما خلال عام 2001، الذي كانت فيه السلطة الفلسطينية أقدر منها في أي وقت آخر على القيام بذلك".
وقال روث إن تقاعس السلطة الفلسطينية عن اتخاذ إجراءات وقائية فعالة، أو عن معاقبة الجناة الخارجين عن سيطرتها، لا يستوفي معايير المسؤولية القيادية التي ينص عليها القانون الدولي في وضعه الحالي؛ غير أن روث أضاف قائلاً: "لكن عرفات والسلطة الفلسطينية يتحملان درجة عالية من المسؤولية السياسية عما وقع من الفظائع".
وقد تعللت السلطة الفلسطينية بأن الأفعال الإسرائيلية، من قبيل تدمير منشآت الشرطة والأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، أدت إلى تقويض قدرتها على التحرك؛ ولكن حتى عندما كانت قدرتها على الفعل سليمة إلى حد بعيد، فلم تتخذ السلطة الفلسطينية أي إجراء فعال لمحاكمة المسؤولين عن التحريض على التفجيرات وغيرها من الاعتداءات على المدنيين الإسرائيليين أو التخطيط لها أو المساعدة في تنفيذها. وبدلاً من ذلك انتهجت السلطة الفلسطينية سياسة لا يتم بموجبها التحقيق مع المعتقلين المشتبه فيهم أو تقديمهم لساحة القضاء، وإنما بات من المعتاد إطلاق سراحهم بعد قليل ليعودوا للشارع مرة أخرى.
وسعت السلطة الفلسطينية لتبرير إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين بالإشارة إلى الخطر المحدق بالمعتقلين حينما كانت القوات الإسرائيلية تقصف أماكن الاعتقال؛ غير أن السلطة الفلسطينية لم تفسر لماذا لم يتم التحقيق مع المشتبه فيهم أو توجيه الاتهام إليهم قط؛ وهي خطوات لا تتوقف على احتجاز المشتبه فيهم في أماكن الاعتقال.
وقد أجرت منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" مقابلات مستفيضة مع مسؤولي السلطة الفلسطينية وأعضاء الجماعات المسلحة، واستعرضت بإمعان وثائق داخلية للسلطة الفلسطينية نشرتها إسرائيل؛ واستناداً للمعلومات العلنية المتاحة حتى هذا التاريخ، لم تعثر منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" على أي دليل على أن عرفات أو قادة السلطة الفلسطينية قد خططوا لأي تفجيرات انتحارية أو غيرها من الهجمات على المدنيين الإسرائيليين، أو أمروا بها، أو قاموا بتنفيذها، أو أنهم كانوا قادرين على السيطرة الفعالة على أفعال المجموعات التي ارتكبت هذه الهجمات، بما في ذلك "كتائب شهداء الأقصى" المتفرعة من حركة "فتح" التي يتزعمها عرفات.
وأشارت الجماعات الفلسطينية المسلحة وأنصارها إلى الهجمات الإسرائيلية المتكررة التي أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى في صفوف المدنيين الفلسطينيين، باعتبارها مبرراً للتفجيرات الانتحارية وغيرها من الهجمات على المدنيين الإسرائيليين؛ ويخلص التقرير إلى أن هذه الحجج لا تبرر مطلقاً العمليات الانتقامية التي تستهدف المدنيين أو تهاجمهم بدون تمييز.
وتقول الجماعات الفلسطينية المسلحة المسؤولة عن هذه الهجمات إن الاحتلال العسكري الإسرائيلي المستمر، والوسائل القتالية الفائفة لإسرائيل تجعل هذه الهجمات الخيار الوحيد المتاح أمامها؛ غير أن هذه الحجج هي الأخرى لا تستند إلى أي مبرر على الإطلاق في القانون الدولي، الذي يحرِّم الهجمات المتعمدة ضد المدنيين تحريماً مطلقاً لا تحده أي قيود أو شروط.
وقال روث:
"إن الصراعات المسلحة كثيراً ما تتسم بتفاوتات في القوة بين الأطراف المتصارعة، والسماح لهذه التفاوتات بأن تكون مبرراً للاعتداء على المدنيين من شأنه أن يوجد منفذاً هائلاً للتهرب من ضمانات الحماية في القانون الإنساني الدولي".
وأخيراً، تزعم الجماعات الفلسطينية المسلحة أن أهدافها ليست هي المدنيين في واقع الأمر لأن "جميع الإسرائيليين جنود احتياط" أو لأن سكان المستوطنات الإسرائيلية، فيما تقول هذه الجماعات، قد فقدوا صفتهم المدنية. ويشير التقرير إلى أن القانون الإنساني الدولي واضح في هذا الصدد؛ فأفراد الاحتياط في القوات العسكرية لا يكونون في عداد المقاتلين إلا أثناء الخدمة العسكرية، ويحق لهم فيما عدا ذلك الاستفادة من الحماية باعتبارهم مدنيين. ولئن كانت المستوطنات الإسرائيلية المدنية في الضفة الغربية وقطاع غزة غير مشروعة بموجب القانون الإنساني الدولي، فإن الأشخاص المقيمين فيها يحق لهم الحصول على الحماية باعتبارهم مدنيين، إلا حينما يشاركون بصورة مباشرة في أعمال قتالية.
وقد دعت منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" جميع الجماعات الفلسطينية المسلحة إلى وقف هجماتها على المدنيين فوراً ودون قيد أو شرط، وحثت السلطة الفلسطينية على ضمان تقديم المسؤولين عن مثل هذه الهجمات، بأي صورة من الصور، إلى ساحة العدالة. كما حثت منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" السلطة الفلسطينية على القيام بحملة عامة للدعوة إلى وضع حد للتفجيرات الانتحارية وغيرها من الهجمات ضد المدنيين، وتوضيح أن السلطة الفلسطينية لا تعتبر من "الشهداء" أولئك لذين يلقون حتفهم أثناء قيامهم بهجمات تستهدف قتل المدنيين عمداً أو بلا تمييز أو التسبب في أذىً ومعاناة شديدة للمدنيين.