|
التوصيات إن حماية الحق في حرية التعبير عبر شبكة الإنترنت لا تتطلب فحسب وضع سياسات خاصة بهذه الشبكة تحترم حقوق الإنسان، بل تقتضي أيضاً إيجاد بيئة تكفل حماية حرية التعبير بوجه أعم. فالقيود التي تعاني منها شبكة الإنترنت في كثير من البلدان لا تنبع من اللوائح التي تنظم استخدامها بقدر ما هي نابعة من قوانين الصحافة والنشر والقوانين الخاصة بالتشهير، والمحاذير غير الرسمية السابقة على دخول الشبكة إلى المنطقة. ويشمل الحق في حرية التعبير الحق في الاتصال المباشر عبر شبكة الإنترنت، والحق في طلب المعلومات وتلقيها وتداولها عبر الشبكة دون قيود تعسفية، والحق في التخاطب مع الغير عبر الشبكة سواء بصورة سرية أم بدون الكشف عن الأسماء. وحمايةً لهذه الحقوق وتعزيزاً لها، يتعين على الحكومات الالتزام بالمبادئ الآتية في سياساتها إزاء الإنترنت: (1) ضمان الحق الدولي في حرية التعبير بوجه عام، وضمان انسجام جميع اللوائح الخاصة بتنظيم الاتصالات الإلكترونية مع هذا الحق. ينبغي أن تشمل جميع القوانين والسياسات والممارسات، بما في ذلك ما يخص الإنترنت منها، مع الحق في حرية التعبير باعتباره من الحقوق المعترف بها عالمياً. "فالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، الذي صدقت عليه جميع بلدان المنطقة، فيما عدا خمسة منها، يضمن لكل إنسان الحق "في حرية التعبير، ويشمل ذلك الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها". وبكثير من بلدان المنطقة قوانين للصحافة وقوانين للعقوبات تتسبب في انتهاك الحق في حرية التعبير بصور شتى. فاللوائح الخاصة بالإنترنت في تونس، على سبيل المثال، تمد صراحة نطاق العقوبات الجنائية الخاصة بجريمتي الثلب وبث معلومات كاذبة ليشمل المعلومات التي يتم بثها عبر شبكة الإنترنت. ويُرغم مستخدمو الشبكة في قطر على الامتثال لشرط مبهم الصياغة مسجل في عقود الخدمة يمنعهم من "ممارسة أي نشاط يتعارض مع النظام العام". أما في الأردن والمغرب، فلا تطبق قوانين خاصة بالإنترنت تحظر حرية التعبير، وإن كانت توجد في كلا البلدين قوانين تقيد حرية الصحافة، مثل تلك التي تجرم العيب في الذات الملكية، مما يضيق حدود ما يمكن التعبير عنه عبر شبكة الإنترنت. (2) اعتبار حرية الدخول على شبكة الإنترنت لتلقي المعلومات وتداولها جزءًا لا يتجزأ من الحق في حرية التعبير. ينبغي أن تتخذ الحكومات التدابير المناسبة لتيسير سبل الانتفاع بوسائل الاتصال الإلكترونية أمام مواطنيها بتكلفة في متناولهم جميعاً دون أي تمييز. فينبغي على سوريا، مثلاً، حيث تقتصر إمكانية الاتصال بشبكة الإنترنت على مجموعة مختارة من المؤسسات الحكومية، أن تسارع بإتاحة سبل الاتصال بالإنترنت أمام المواطنين العاديين. (3) وضع آليات الرقابة، إن وجدت، في يد مستخدمي الشبكة وليس الحكومات. يجب أن تقع على عاتق المستخدمين النهائيين للإنترنت وحدهم مسؤولية تحديد ما يرغبون في حجبه أو غربلته من المواد التي يستقبلونها هم أو من يعولونهم من الصغار عبر الإنترنت، واختيار الوسائل التي تحقق ذلك. استخدام آلية ما لغربة ما يستقبلونه هم وصغارهم الذين يكفلونهم من مواد الإنترنت أو لمنع هذه المواد وعن تحديد نوع الوسيلة اللازمة لغربلتها أو منعها. وينبغي على الحكومات إلغاء أو تجنب أية لوائح تخول الجهات الرسمية سلطة منع استقبال المواد المبثوثة على شبكة الإنترنت. ويمكن لمستخدم الشبكة، إن أراد، أن يختار من بين مجموعة واسعة متنوعة من البرامج الرقابية المجانية أو الرخيصة التي تنقي محتوى ما يستقبله من المواد المنقولة على شبكة الإنترنت. وبوسعه أيضاً أن يشتري "أقفالاً" للمودم وغير ذلك من الوسائل التي تتيح له منع أطفاله من الاطلاع على مواد الشبكة دون إشرافه. وتُعدُّ حكومات تونس والبحرين وإيران والإمارات العربية المتحدة من بين الحكومات التي تمنع ارتياد مواقع معينة تعالج أموراً تتعلق بالسياسة وحقوق الإنسان، ومن ثم تمنع مستخدمي الشبكة في بلدانها من الانتفاع بها. وهذا اللون من الرقابة ينتهك حقوق الأفراد في تلقي وتداول المعلومات، ويجب وقفه على الفور. (4) يجب عدم تحميل ناقلي البيانات، مثل الشركات التي تقدم خدمات الإنترنت، المسؤولية عن محتوى مواد الشبكة بوجه عام. إن القوانين التي تحدد المسؤولية عن المواد المبثوثة عبر شبكة الإنترنت يجب أن تستهدف "مصدر" المادة (مؤلفها مثلاً) وليس "ناقلها" أو "موصلها" (مثل مقدمي خدمات الإنترنت أو أصحاب أجهزة الكمبيوتر التي بثت من خلالها هذه المواد). وتفرض هذه القوانين التي تستهدف الشركات المقدمة لخدمات الإنترنت عبئاً ثقيلاً، إن لم يكن مستحيلاً من الناحية الفنية، على ناقل البيانات، وهو عبء يتعارض مع واجب الدولة في حماية الحق في حرية التعبير عبر الإنترنت. وتطالب تونس الشركات التي تقدم خدمات الإنترنت بتعيين مدير يكون مسؤولاً، طبقاً لقانون الصحافة، عن محتوى صفحات شبكة الويب ومواقعها التي يُطلب من مقدم خدمات الإنترنت استقبالها بواسطة البرامج الإلكترونية التي تدير هذه الخدمات. ويقضي المرسوم الذي أصدرته الحكومة بشأن الإنترنت بألا يترك مقدمو خدمات الإنترنت على برامج الخدمة الخاصة بهم أية مادة من شأنها الإضرار بالنظام العام أو المساس بالآداب العامة. وهذا النوع من التشريعات يتعارض مع مبدأ حرية التعبير عبر الإنترنت، حيث يفرض عبئاً تنظيمياً على مقدم تلك الخدمات يجبره على أن يتحول إلى عين للدولة على المواد المبثوثة على الشبكات الإلكترونية، وقد يتسنى له بالفعل أن يمارس دور الرقيب بالنيابة عن الدولة، بقدر ما يكون ذلك ممكناً على الإطلاق نظراً لطبيعة تدفق المعلومات عبر الشبكات الإلكترونية. (5) السماح للأفراد باستخدام نظم التشفير القوية. ينبغي أن يتاح للأفراد إرسال واستقبال رسائل مرمزة أو مشفرة؛ ويجب ألا يجبروا على الحصول على إذن خاص بذلك، أو يرغموا على إطلاع طرف ثالث على "مفاتيح" الشفرات أو غير ذلك من الآليات التي تسمح بفك شفرات الرسائل. ومن بين البلدان التي تحظر حالياً التشفير بدون تصريح رسمي إسرائيل وتونس والمملكة العربية السعودية. (6) لا ينبغي للرقابة الحكومية على الاتصالات الإلكترونية أن تخل على نحو مفرط بحق المرء في أن تُحترم خصوصياته، أو بغير ذلك من الحقوق المدنية؛ وينبغي إخضاع هذه الرقابة للإجراءات القانونية الصحيحة ولرقابة القضاء. ومن بين المسوغات التي تُساق ضد فرض أي ضوابط على تشفير الرسائل أن الحكومات تمتلك أدوات فعالة أخرى لتنفيذ القانون مما يجعلها في غنىً عن هذا الإجراء، مثل فرض الرقابة والتفتيش والضبط. ولكن يتعين مع هذا أن تستخدم هذه الأدوات دائماً على نحو يتماشى مع أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان، ووفق الإجراءات القانونية الصحيحة، ومنها بخاصة ما يلي:
|
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||