كانت مدينة صعدة، المدينة الطينية العتيقة، الخاضعة لسيطرة المتمردين الحوثيين منذ 2011، شبه مهجورة عند وصول بلقيس ويلي في أواخر مايو/أيار للتحقيق في الدمار الناجم عن القصف الجوي لليمن على يد التحالف الذي تقوده السعودية. وفي ذلك الوقت كانت الشوارع التي لفحها الحر مليئة بالحفر وخالية من الناس ـ حيث كان معظم النساء والأطفال قد فروا، تلبية للتحذيرات السعودية التي أفادت بأن التحالف المكون من 9 بلدان صار يعتبر المدينة كلها، بسكانها الـ40 ألفاً، هدفاً عسكرياً.
وفيما بدأت بلقيس وزميلها أوليه سولفانغ في توجيه الأسئلة للباقين من السكان عن الغارات الجوية، سمعا قصة واحدة تتكرر مرة بعد مرة ـ قصة الهجوم على مبنى سكني من طابقين وتسكنه عائلتان، الذي قتل 27 من أفراد عائلة الإبي، وبينهم 17 طفلاً. وتتذكر بلقيس: "ظل الجميع يخبروننا بهذا الأمر بسبب دراميته الشديدة. ولكن أيضاً بسبب إصرار سكان البلدة على أن الأب كان مجرد حلاق متقاعد، وعلى أن ابنيه كانا يعملان في الصالونين المملوكين للعائلة، وعلى أنهم لم يكونوا على أية صلة بقوات الحوثيين المتمردين".
وكان 26 مارس/آذار هو اليوم الأول للغارات الجوية التي تقودها السعودية، التي تستهدف إقصاء الحوثيين بعد استيلائهم على العاصمة صنعاء، وسائر أجزاء اليمن. ورغم أن الكثير من الغارات أصابت أهدافاً عسكرية، إلا أن غيرها أصاب مدارس ومركزاً لمحو الأمية، ومكتب بريد، علاوة على منازل مدنية. وقد كتب بلقيس وأوليه تقريرهما، "استهداف صعدة: غارات التحالف الجوية غير المشروعة على صعدة في اليمن" لإقناع الدول الأعضاء في التحالف بالتزام حرص أكبر على تحديد الأهداف العسكرية فقط للهجوم عليها، واتخاذ جميع الإجراءات الممكنة لتقليل الإضرار بالمدنيين. وقد تسببت الحرب بالفعل في ما يتجاوز 1400 وفاة في صفوف المدنيين، أكثرها بسبب الغارات الجوية. ويضم التحالف البحرين والأردن والكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة. كما توفر الولايات المتحدة الدعم الاستخباراتي واللوجيستي للغارات.
Belkis and Ole wrote their report, “Targeting Saada: Unlawful Coalition Airstrikes on Saada in Yemen,” to persuade the coalition member countries to take much greater care in identifying only military targets to attack, and to take all possible measures to reduce civilian harm. The war has already caused upwards of 1,400 civilian deaths, many caused by airstrikes. That coalition includes Bahrain, Jordan, Kuwait, Morocco, Qatar, and the United Arab Emirates. The US has said it provides intelligence and logistical support for the airstrikes.
وأثناء تجوال بلقيس وأوليه وسط أنقاض منزل عائلة الإبي، وصف سكان المنطقة القصف، وكيف انتشلوا الجثث من الحطام. وقالت بلقيس: "كان اثنان من الجيران في حالة اضطراب حتى أنهما تسابقا لتعلية صوتهما والصياح، في محاولة لنقل فظاعة الهجوم. وعرضا علينا ورقة مكتوبة بخط اليد بها أسماء القتلى وأعمارهم ـ وبمجرد رؤيتنا لطول القائمة أدركنا أننا أمام حادث بشع حقاً".
وقع الهجوم يوم 5 مايو/أيار، قبل يومين من إعلان الجيش السعودي عن اعتبار صعدة كلها هدفاً عسكرياً ـ وهو تحذير يخالف القانون في ذاته، بما أن قوانين الحرب الحاكمة لتسيير النزاعات المسلحة تشترط على الأطراف المتحاربة التمييز بين المدنيين والمحاربين، واتخاذ جميع الاحتياطات المعقولة لتقليل الضرر الواقع على المدنيين. ومع ذلك فإن معظم الذين استطاعوا تدبير ثمن الوقود في السوق السوداء، الوقود اللازم للفرار من صعدة، قاموا، فور تحذيرهم، بالرحيل، كما فعل معظم قادة الحوثيين رفيعي المستوى، تاركين أمر الدفاع عن المدينة التي كانت جميلة لجنود منخفضي الرتبة يعيشون على التونة المعلبة والحليب المكثف.
قال الجيران إنه بعد سقوط قنبلة على المركز الثقافي المجاور، سقطت القنبلة الثانية على أحد أركان شقة في الطابق الأرضي كان أفراد العائلة قد تجمعوا فيها ـ إذ كانت إحدى بنات وليد الإبي الأربع قد تلقت لتوها عرضاً بالزواج. وتسببت الضربة الأولى في تدمير المنزل لكنها لم تصب سكانه المذعورين، الذين فروا لطلب الأمان إلى الجهة الأخرى من المبنى ـ باستثناء وليد الإبي الذي يبلغ من العمر 35 عاماً، والذي عبر بدلاً من هذا إلى منزل أحد الجيران. وفيما كان يطرق باب جاره، سقطت قنبلتان أخريان على المنزل، فدمرتاه برمته تقريباً. ولم ينج سوى وليد ووالده عبد الله، وشقيقان.
والتقى وليد ببلقيس على بوابة مستشفى في صنعاء، حيث كان والده يتلقى العلاج لما لحق به من إصابات. ثم تمشيا إلى حديقة قريبة، حيث شعر وليد بارتياح كاف لسرد حكايته. وقالت بلقيس: "كان يشعر بالخوف والعجز التام ـ فهو لا يعرف ماذا يجب أن يفعل بعد هذا، ولا أين يذهب، كما أنه لا يستريح إلى صنعاء. لقد قال لي ’لا أعرف مخلوقاً هنا، وهذه مدينة كبيرة، لكنني مضطر للبقاء من أجل أبي وشقيقيّ. لا أريد سوى العودة لموطني‘. ثم خفض عينيه وقال: ‘مع أني لا أعرف ما الذي أعود إليه‘".
عرض وليد على بلقيس مقطع فيديو على هاتف محمول التقطه أحد الجيران ويستعرض جثث أقاربه أثناء انتشالها من الحطام، ومشاهد الفزع الدموي في المستشفى حيث كان وليد يسرد أسماء أقاربه المتوفين وأعمارهم، ثم صوراً شخصية لبناته الأربع. وقالت بلقيس: "بدا لي أن هذا الفيديو المروع هو الدليل الوحيد الذي يملكه وليد على الخطأ الجسيم الذي ارتكب بحقه، وهو يريد عرضه لأنه لم يبق له سواه. كانت مشاهدته شديدة الصعوبة بسبب الأطفال الصغار ـ ففي إحدى اللقطات يقوم أحد الجيران برفع رضيعة في عمر شهرين، فتبدو كدمية مكسورة".
وقد صُرّح لشقيق وليد الذي يبلغ من العمر 25 عاماً بالخروج من المستشفى في صنعاء، لكن شقيقه الآخر مستمر في تلقي العلاج. وفي آخر حديث لبلقيس مع وليد كان والده على وشك الخضوع للجراحة، وقد حذره الأطباء من خطر تعرض الدماغ لتلف إضافي. ولم تتمكن من الاتصال به بعد ذلك ـ ولعل بطارية هاتفه قد فرغت بسبب انقطاع الكهرباء.
قالت بلقيس: "إنني أرجو صادقة أن يؤدي عملنا إلى إقناع التحالف والولايات المتحدة وغيرها من مؤيدي التحالف بضمان حرص أكبر على إعفاء المدنيين من الأذى. ولعله هدف مفرط التفاؤل، لكن هناك بعض الراحة في مساعدة وليد على سرد حكايته، فسوف يعرف العالم الآن أنه فقد عائلته كلها تقريباً، وأن ابنته لن تتزوج قط، وأن شيئاً لم يبق له. وهذا سبب من أسباب قيامنا بما نقوم به".
“I sincerely hope that our work will lead the coalition, and the US and other countries that support the coalition, to ensure much greater care is taken to spare civilians from harm,” Belkis said. “Perhaps that’s too lofty a goal, but there is some comfort in helping Walid tell his story. Now the world will know that he lost almost his entire family, that his daughter will never marry, that he has nothing left. And that’s one reason we do what we do.”