World Report 2003 in English  هيومان رايتس ووتش
منظمة " مراقبة حقوق الإنسان"
التقرير السنوي لعام 2003
الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

يتناول الفترة من نوفمبر2001 إلىنوفمبر 2002
  HRW World Report 2003
التطورات في مجال حقوق الإنسان || المدافعون عن حقوق الإنسان || دور المجتمع الدولي
إيران
التطورات في مجال حقوق الإنسان
وقع التقدم في مجال حقوق الإنسان في إيران في شرك الصراع المتواصل على النفوذ السياسي بين الإصلاحيين المنتَخَبين جماهيرياً، والذين يهيمنون على مؤسسة الرئاسة والبرلمان، ورجال الدين المحافظين، والذين يمارسون سلطتهم من خلال مكتب قائد الجمهورية الإسلامية ومجلس أمناء الدستور والهيئة القضائية والقوات المسلحة. وبالرغم من الانتصارات الساحقة في جميع الانتخابات الأساسية التي أُجريت منذ عام 1997 إلى عام 2000، لم يتمكن الإصلاحيون من منع القيود التي فرضتها القيادات الدينية على حرية التعبير، وحرية تكوين الجمعيات والانضمام إليها، وحرية المشاركة السياسية.
وزاد القضاء، الذي يُعد واحداً من أقوى أسلحة المحافظين، من تقويض حكم القانون عن طريق الإغلاق التعسفي للصحف وسجن النشطاء السياسيين.
    وتجلى الصراع بين الإصلاحيين والمحافظين في حدثين سياسيين شهيرين. ففي 8 يوليو/تموز، أعلن رجل الدين البارز آية الله جلال الدين طاهري استقالته من منصبه كإمامٍ لصلاة الجمعة في أصفهان. ويُذكر أن أئمة الجمعة، الذين يعينهم قائد الجمهورية الإسلامية، هم أعلى السلطات الدينية في المدن والمحافظات. وفي خطاب استقالته، الذي وُزع على نطاقٍ واسعٍ، وجَّه آية الله طاهري اتهاماً حاداً للمؤسسة الدينية في إيران بإعلانه أنه ابتعد عما لم يعد يقوى على التسامح معه.
واتهم آية الله طاهري القادة الدينيين في إيران بتوجيه وتشجيع "عصبة من حاملي الهراوات" و"بمزج الدين بالعنف البغيض والأهوج". كما أشار إلى أن مراكز السلطة "مطلقة العنان ولا تخضع للمراقبة في أعمالها... فلا يستنكرها القائمون على تنفيذ العدالة، ولا يؤثمها القانون". وكان من شأن هذه الانتقادات بانعدام المحاسبة وبالفساد وغياب القانون، والتي تصدر عن أحد رجال الدين المعتمدين في قلب المؤسسة الدينية والمشهود لهم بالنزاهة، أن تضرب وتراً حساساً. وقد سعت المؤسسة المحافظة إلى التقليل من الأضرار التي سببتها هذه التصريحات، وذلك بأن أصدرت الأوامر إلى وسائل الإعلام الرسمية بالحد من تغطيتها لتصريحات آية الله طاهراني، بيد أن هذه الأوامر لم تصادف إلا نجاحاً محدوداً.

    أما التطور السياسي الرئيسي الثاني فأظهر أن من شأن التناقضات الهيكلية في الجمهورية الإسلامية أن تؤدي إلى ترسيخ الصراع السياسي بين الإصلاحيين والمحافظين. ففي سبتمبر/أيلول، قدَّم الرئيس محمد خاتمي مشاريع بقوانين جديدة إلى البرلمان بهدف تجاوز العقبات التي تعترض خططه الإصلاحية.
وكان مشروع أحد هذه القوانين يرمي إلى توسيع سلطات الرئيس في إصدار تحذيراتٍ عندما تتجاوز مؤسسات الدولة صلاحياتها الدستورية. وكان الرئيس خاتمي قد أصدر عدة تحذيراتٍ من هذا القبيل على مر السنين احتجاجاً على الإغلاق التعسفي لبعض الصحف أو سجن بعض مؤيديه، ولكن هذه التحذيرات قُوبلت بالتجاهل. وصاحب مشروع القانون هذا مشروع آخر يرمي إلى الحد من سلطات مجلس أمناء الدستور في الاعتراض على المرشحين في الانتخابات. وبحلول نهاية العام، كان المشروعان قد أُقرا بسهولةٍ في البرلمان، ولكن كان من غير المرجح أن يقرهما مجلس أمناء الدستور.

واستمرت الاعتداءات على الصحف المستقلة، والتي بدأت في إبريل/نيسان 2000 بخطابٍ لقائد الجمهورية الإسلامية وصف فيها الصحف الإصلاحية بأنها "قواعد للعدو". وتواصلت هذه الاعتداءات في نوفمبر/تشرين الثاني 2001 عندما أُغلقت صحيفة "ملاَّت" (الأمة) اليومية بقرار من القاضي سيد مرتضاوي، رئيس محكمة الصحافة في طهران. واتهم القاضي الصحيفة بالتحيز الثقافي وبتجاهل التحذيرات. وجاء الإغلاق استمراراً لنمطٍ تكرر على مدار العام ويتمثل في تجاهل القضاة لما يقضي به قانون الصحافة من ضرورة عقد جلسة محكمة علنية أمام أحد القضاة قبل صدور أمر الإغلاق. وفي 15 ديسمبر/كانون الأول 2001، صدر حكم بالحبس لمدة 26 شهراً على محمد سلاماتي، رئيس تحرير مجلة "عصر ما" (عصرنا)، الناطقة بلسان منظمة "مجاهدي الثورة الإسلامية"، وذلك بسبب آراءٍ أعرب عنها في المجلة. وقد حُوكم أمام محكمة الصحافة، حيث تجاهل القضاة توصية المحلفين بتخفيف الحكم. وفي مارس/آذار، خُفف الحكم الصادر على محمد سلاماتي إلى الحبس 17 شهراً عند نظر الاستئناف، ثم أُوقف تنفيذه بعد تدخل وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي، ولكن المجلة ظلت مغلقةً. وفي ديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني أيضاً، أُغلقت صحف محلية في تبريز وهرمزغان ولورستان وزانجان، وصدرت على رؤساء تحريرها أحكام بالحبس لمددٍ متفاوتة أقصاها 18 شهراً، لاتهامهم بتحريض الرأي العام وإهانة المقدسات الإسلامية. وشملت أوامر الإغلاق الأخرى التي نُفذت في يناير/كانون الثاني مجلاتٍ متخصصة في السينما اتُهمت بالإساءة إلى الآداب العامة. وفي إبريل/نيسان، ألغت محكمة تبريز العامة ترخيص الطباعة الخاص بصحيفة "شمس تبريز" الأسبوعية، وحكمت على ناشرها علي حامد إيمان بالحبس سبعة أشهر وبالجلد 74 جلدة. ومن بين التهم التي وُجهت إليه نشر أكاذيب، وإثارة النعرات العِرقية، وإهانة المقدسات الإسلامية والمسؤولين.

وبدأت موجة أخرى من أوامر الإغلاق في مايو/أيار، حيث حظر القضاء صحيفة "البنيان" الإصلاحية ذات التأثير الواسع، ثم أغلق مؤقتاً، لمدة 24 ساعة، صحيفة "إيران" المؤيدة للإصلاح. ولم تقدم المحكمة سبباً لوقف الصحيفة، ولكن يُعتقد أن المنع يتعلق بمقالٍ زُعم أنه ينطوي على التجديف، حيث أشار إلى أن الرسول محمد كان يتمتع بالاستماع إلى نساءٍ يغنين ويعزفن الموسيقى.
    وفي يوليو/تموز، أغلق القضاء لمدة ستة أشهر صحيفة "نوروز" (اليوم الجديد) الإصلاحية البارزة في إيران. كما حُكم بالحبس لمدة ستة أشهر على مدير الصحيفة محسن ميردمادي، وهو من أبرز الشخصيات الإصلاحية كما أنه عضو في البرلمان الإيراني، ولكنه لم يكن قد بدأ في تنفيذ الحكم بحلول نهاية العام. وكانت صحيفة "نوروز" هي أهم ما بقي من الصحف الإصلاحية اليومية، وكانت بمثابة لسان حال أكبر الفصائل السياسية الإصلاحية، وهو "جبهة المشاركة". كما حُكم بتغريم ميردمادي وبحرمانه من مزاولة الأنشطة الصحفية لمدة أربع سنوات.
أما صحيفة "روز نو" (اليوم الجديد) فقد أغلقتها محكمة الصحافة لمجرد أن اسمها مشابه لاسم صحيفة "نوروز". وفي يوليو/تموز، أُغلقت صحيفة "أينه جنوب" (مرآة الجنوب) اليومية الصادرة في طهران، والتي كانت قد بدأت تصدر طبعةً على مستوى البلاد قبل أسبوعٍ واحد. وجاء الإغلاق بسبب ما زُعم عن نشرها مقالاتٍ مخالفةٍ للقانون وبث دعايةٍ مضادةٍ للثورة الإسلامية. كما هدد القضاء بمقاضاة "وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية"، وهي الوكالة الرسمية لإيران، بسبب طبع بيانٍ لحزب المعارضة الذي حُظر مؤخراً، وهو "حركة حرية إيران". وحظرت محكمة الصحافة صحيفة "كزارش روز" (البلاغ اليومي)، وكان قد سبق صدور أمر بإغلاقها مؤقتاً. واستمرت عمليات الإغلاق، وبحلول نهاية العام كان عدد الصحف والمجلات التي أُغلقت منذ إبريل/نيسان 2000 قد زاد عن 85. وقد تلاشى أي ادعاء بأن المبادئ القانونية سوف تُراعي في تنظيم عمل الصحافة، وعملت محكمة الصحافة وكأنها قانون في حد ذاتها، حيث أصدرت أوامر الإغلاق بموجب مراسيم دون أي سندٍ قانوني.

وفرضت المحاكم قيوداً على الأنشطة السياسية المستقلة، من خلال سلسلة من المحاكمات السياسية وإصدار أمرٍ بحظر حزب "حركة حرية إيران"، وهو حزب سياسي تأسس منذ 50 عاماً. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2001، مثل ما يزيد عن 30 من أعضاء "حركة حرية إيران" للمحاكمة أمام المحكمة الثورية في طهران، لاتهامهم بممارسة أعمالٍ ضد الأمن القومي والتخطيط للإطاحة بالحكومة. وكان هؤلاء قد اعتُقلوا في مارس/آذار وإبريل/نيسان 2001 ضمن عشراتٍ من مؤيدي "الائتلاف الديني الوطني"، وهو ائتلاف فضفاض من نشطاء ذوي ميولٍ إصلاحية (انظر التقرير السنوي لمنظمة هيومن رايتس ووتش لعام 2002). وقد ظل ستة من المعتقلين، وهم أبو الفضل بازرجان، ومحمد توسلي، وهاشم صبغيان، وخسرو منصوريان، ومحمد نيمبور، وعلي رضا هندي، رهن الاعتقال حتى مارس/آذار، وأُفرج عنهم أثناء انعقاد جلسات المحاكمة. واحتُجز كثير من المتهمين بمعزلٍ عن العالم الخارجي لعدة شهور، وأُرغموا على الإدلاء بأقوالٍ تجرمهم. وخلال المحاكمة، لم يقدم الادعاء أية أدلة يُعتد بها على أن المتهمين شاركوا في أي شئ بخلاف النشاط السياسي السلمي المشروع. وفي يوليو/تموز، أصدرت المحكمة أحكاماً بالسجن على ما يزيد عن 30 متهماً، حيث صدرت على الشخصيات البارزة في "حركة حرية إيران" أحكام بالسجن لمددٍ تتراوح بين ثمانية وعشرة أعوام، كما أمرت المحكمة بحل الحزب نهائياً. وفي إبريل/نيسان، عاد إلى إيران إبراهيم يزدي، زعيم الحزب المحظور، من رحلة علاجٍ في الولايات المتحدة، وهو يواجه أيضاً تهماً جنائيةً تستند إلى أنشطته السياسية، ولكن لم تكن محاكمته قد بدأت بحلول نهاية العام.

وفي قضيةٍ ذات صلةٍ، حُوكم 15 من نشطاء "التحالف الديني الوطني" أمام المحكمة الثورية في طهران في يناير/كانون الثاني، بتهمة السعي إلى الإطاحة بالحكومة. وكان عزت الله سحابي، الذي قُبض عليه في ديسمبر/كانون الأول 2000، محتجزاً في مكانٍ غير معلوم. أما الباقون، والذين قُبض عليهم في مارس/آذار 2001، فاحتُجزوا بمعزلٍ عن العالم الخارجي لمدة ثلاثة أشهر في معتقلٍ بطهران يُعرف باسم "سجن 59"، ووُضعوا في زنازين انفرادية معظم فترة احتجازهم.

وخلال عام 2001، أُفرج بكفالةٍ عن تسعةٍ من المعتقلين، هم محمد ملكي، ومحمد حسين رافعي، وعلي رضا رجائي، ورضا علي جاني، ومحمد بسته نجار، ومحمود عمراني، ومسعود بدرام، ومرتضى كاظميان، ومحمد محمدي أردهالي، بينما ظل الخمسة الباقون محبوسين في "سجن 59"، وهم تقي رحماني، وحبيب الله بيمان، ورضا رئيس طوسي، وسعيد مدني، وهدى صابر.
    ويقع "سجن 59" في ثكنةٍ عسكريةٍ تابعةٍ للحرس الثوري في منطقة عشرت أباد في وسط طهران، وهو معتقل خارج النظام العقابي الرسمي ولا يخضع للمعايير المتعارف عليها. فقد شكا جميع المعتقلين، وبينهم كثيرون من كبار السن، من قسوة المعاملة أثناء احتجازهم، حيث تعرضوا للضرب على أيدي سجانيهم واحتُجزوا أغلب الوقت في زنازين ضيقةٍ لا يمكنهم الاستلقاء فيها إلا في أوضاعٍ ملتوية.
وكان من دواعي القلق على وجه الخصوص ظروف احتجاز عددٍ من السجناء المسنين. فقد نُقل عزت الله سحابي، الذي يزيد عمره عن 70 عاماً، إلى المستشفى مرتين لتلقي العلاج من أزماتٍ قلبيةٍ. ومنذ ذلك الحين خضع للعلاج بصورةٍ منتظمةٍ، ولكن لم يُسمح له بمقابلة طبيبه الخاص. وكان سجين آخر هو الدكتور حبيب الله بيمان، طبيب الأسنانٍ البالغ من العمر 66 عاماً، يعاني من أمراض شديدة في الكلى والجهاز البولي، ومع ذلك لم يُسمح له باستخدام دورة المياه إلا في أضيق الحدود. وكان يُضطر إلى استخدام وعاء الشرب في زنزانته لقضاء حاجته، ويتعين عليه تنظيفه عندما يُسمح له بالذهاب إلى الحمام. أما الدكتور رئيس طوسي، وهو أستاذ للقانون في جامعة طهران ويبلغ من العمر 65 عاماً، فخضع للتحقيق في جلسة استجوابٍ استمرت أكثر من 24 ساعة، ثم في ثلاث جلساتٍ استغرقت كل منها أكثر من 18 ساعة، وهو الأمر الذي ضاعف من الإصابة الجسيمة في ظهره. كما احتُجز في زنزانةٍ انفرادية لمدة 168 يوماً. وقد منعت الهيئة القضائية الاتصال بالمعتقلين، كما رفضت طلب الرئيس خاتمي بإرسال مراقبٍ لزيارة المعتقلين في "سجن 59".

وخلال مارس/آذار وإبريل/نيسان، أُطلق سراح المعتقلين الخمسة الباقين من أعضاء "الائتلاف الديني الوطني"، بعد دفع مبالغ طائلةٍ ككفالة. فعلى سبيل المثال، دفع سعيد مدني مليار ريال، وهو ما يعادل أكثر من 500 ألف دولار أمريكي بسعر الصرف الرسمي. ولم يُعلن أي حكم في القضية بحلول نهاية العام. وهناك محاكمة أخرى نجمت عن حملات الاعتقال في ربيع عام 2001، ومثل فيها حبيب الله بيمان، زعيم "حركة المسلمين المقاتلين"، حيث بدأت محاكمته في جلساتٍ مغلقة في طهران في 7 إبريل/نيسان. وقد أُفرج عنه أيضاً بكفالةٍ باهظة، بعد أن أمضى أكثر من عامٍ رهن الاعتقال، وقضى معظمه محتجزاً بمعزلٍ عن العالم الخارجي في زنزانةٍ انفرادية. وشكا محاميه من أنه مُنع من الاطلاع على وثائق المحكمة المتعلقة بالقضية. ولم تكن هذه المحاكمة قد أسفرت عن أية نتيجة بحلول نهاية العام.
وفي محاكماتٍ سياسيةٍ أخرى، أدانت الهيئة القضائية، التي يهيمن عليها المحافظون، عدداً من السياسيين الموالين للرئيس خاتمي.

ففي يناير/كانون الثاني، حُكم بالحبس لمدة 10 أشهر على عضو البرلمان حسين لقمانيان، حيث أُدين بإهانة القضاء في حديثٍ له أمام البرلمان، انتقد فيه الإغلاق التعسفي للصحف، كما احتج على احتجاز السجناء السياسيين. وقد أصدر قائد الجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي عفواً عن عضو البرلمان الإصلاحي بعد انسحاب عددٍ من أعضاء البرلمان احتجاجاً على حبسه.
وظل في السجن اثنان من الصحفيين البارزين، هما عماد الدين باقي وأكبر غانجي، كما استمر أربعة سجناء آخرين، هم محسن يوسفي إشكوري، وعلي أفشاري، وخليل رستم خاني، وسعيد صدر يقضون أحكاماً بالسجن صدرت ضدهم بسبب مشاركتهم في مؤتمر برلين الذي عُقد في مارس/آذار 2000 (انظر التقرير السنوي لمنظمة هيومن رايتس ووتش لعام 2001). وفي إبريل/نيسان، صدر حكم بالسجن لمدة 23 شهراً على صحفي إصلاحي بارز هو أحمد زيد عبادي، لاتهامه ببث دعايةٍ مناهضةٍ للدولة وإهانة المسؤولين. وقد سبق أن اعتُقل لمدة سبعة أشهر قبل عامين. وقد ظل مطلق السراح بكفالةٍ لحين نظر الاستئناف.

وفي 2 يوليو/تموز، أعلنت إحدى المحاكم في همدان أنها استدعت هاشم أغاجاري، وهو من زعماء منظمة "مجاهدي الثورة الإسلامية"، للمثول أمامها لمواجهة اتهاماتٍ بإهانة المقدسات الإسلامية. وجاءت هذه الاتهامات في أعقاب خطبةٍ شهيرةٍ ألقاها في يونيو/حزيران، وانتقد فيها دور المؤسسة الدينية في السياسة، كما حث على عصيان كبار الزعماء الدينيين من منطلقٍ ديني. ويُذكر أن منظمة "مجاهدي الثورة الإسلامية" تُعد من العناصر المهمة في تحالف الجماعات الإصلاحية داخل البرلمان، وتشير الانتقادات الشديدة التي وجهها أغاجاري إلى تنامي الإحباط في أوساط الإصلاحيين لعدم إحراز تقدم. وفي نوفمبر/تشرين الثاني، أصدرت محكمة ثورية حكماً بإعدام أغاجاري بتهمة التجديف وإهانة رجال الدين. وقد تقدم محاميه بطعن في الحكم في ديسمبر/كانون الأول.

واعتُقل بهروز غيرنباي، مدير المعهد الوطني لاستطلاعات الرأي، في أكتوبر/تشرين الأول، واحتُجز بمعزلٍ عن العالم الخارجي لأكثر من شهر أثناء خضوعه للاستجواب، وذلك بعد نشر نتائج استطلاعٍ للرأي، أظهرت أن أغلب الإيرانيين يؤيدون عودة العلاقات مع الولايات المتحدة. كما أُلقي القبض في نوفمبر/تشرين الثاني على مديري اثنين من معاهد الأبحاث الخاصة التي شاركت في إجراء الاستطلاع، وهما عباس عبدي وحسين علي غازيان، اللذان يعدان من أبرز العناصر الإصلاحية. ويواجه الاثنان تهم "التعاون مع عناصر أمريكية ومع الاستخبارات البريطانية"، وشن "حربٍ نفسيةٍ" ترمي إلى الإطاحة بالحكومة.

ومن بين حالات الاعتقال التعسفي الأخرى الشهيرة حالة سياماك بورزند، وهو صحفي يبلغ من العمر 73 عاماً وقُبض عليه خارج منزل شقيقته في نوفمبر/تشرين الثاني 2001، ثم احتُجز في مكان غير معلوم قبل تقديمه لمحاكمةٍ سريةٍ في مارس/آذار. ومثلت إجراءات المحاكمة انتهاكاً صارخاً لمعايير المحاكمة العادلة، بتجاهلها للضمانات الخاصة بفترة الاحتجاز السابق للمحاكمة. وقد أُطلق سراحه في نوفمبر/تشرين الثاني، ولكنه مازال عرضةً للمحاكمة.
وفي يونيو/حزيران، قُبض على محمد خورداديان، وهو راقص إيراني كان يعيش في لوس أنجيليس لمدة 22 عاماً وعاد إلى إيران لزيارة أسرته. وقد اتُهم بإفساد الأخلاق العامة. وخلال محاكمته، صدر ضده حكم بالسجن 10 سنوات مع وقف التنفيذ، ومنعه من العودة إلى الولايات المتحدة. وفي سبتمبر/أيلول، حُوكمت ممثلة بتهمة إفساد الأخلاق العامة، لأنها قبَّلت أحد المخرجين في مهرجانٍ سينمائي. وتعكس هذه المحاكمات الشهيرة مساعي المحافظين المتشددين لإثارة اهتمام الرأي العام بما يُفترض أنه انحدار في الأخلاق العامة، والتي عينَّوا أنفسهم حراساً عليها.
وظل كبار أئمة الشيعة ومؤيدوهم، ممن عارضوا المؤسسة الدينية الحاكمة، هدفاً للاضطهاد الرسمي. ومن الحالات الدالة ما حدث في مدينة قم في ديسمبر/كانون الأول 2001، أثناء تشييع جنازة آية الله العظمى محمد الشيرازي، وهو من المراجع الدينية البارزة التي شككت في شكل الحكومة في الجمهورية الإسلامية. فخلال الجنازة، أحاطت قوات الأمن بجثمانه ودفنته في مسجد حضرة السيدة المعصومة، وهو الضريح الرئيسي في المدينة. وكان الراحل قد أعرب عن رغبته في أن يُدفن أسفل منزله، ولكن السلطات تخوفت على ما يبدو من أن يتحول القبر إلى نقطة تجمعٍ للمعارضة الدينية.
وما برح آية الله العظمى حسين علي منتظري، الذي سبق أن عُين خليفةً لآية الله الإمام الخميني كقائدٍ للجمهورية الإسلامية، رهن الإقامة الجبرية في منزله في قم، وإن كانت آراؤه ما زالت تنتشر على نطاقٍ واسعٍ.
واستمر أبناء الأقليات الدينية والعِرقية في إيران عرضةً للتمييز والاضطهاد. فقد احتج ممثلو الأقلية الكردية، وأغلب أفرادها من السُّنة، على تعيين محافظٍ جديدٍ لإقليم كردستان من أفراد الأغلبية الشيعية. وقد تغاضت السلطات عن المرشحين السُّنة للمنصب، والذين عرضهم أعضاء البرلمان الأكراد. وظل عدم استخدام اللغة الكردية في التعليم في المدارس العامة من المصادر الدائمة للإحباط في أوساط الأكراد. وأعلن "حزب الشعب الديمقراطي الإيراني"، هو حزب كردي معارض ومحظور وسبق أن شارك في المعارضة المسلحة ضد الحكومة، أن الحكومة الإيرانية أعدمت كريم توجالي يوم 24 يناير/كانون الثاني 2002 في مدينة مهد آباد. وكان توجالي قد طلب حق اللجوء السياسي في تركيا، ولكن طلبه لم يلق نجاحاً، ثم أعادته الشرطة التركية قسراً إلى إيران. وفي أكتوبر/تشرين الأول، أُعدم في مدينة أرومية سجين آخر من أعضاء "حزب الشعب الديمقراطي الإيراني"، وهو حمزة غديري. وادعى الحزب أن خمسة آخرين من مؤيدي الحزب قد أُعدموا مع غديري. وبحلول نهاية العام، كان عدد آخر من مؤيدي الحزب يواجهون خطر الإعدام في السجون الإيرانية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول، أُفرج عن اليهود العشرة الذين صدرت ضدهم أحكام بالسجن في شيراز عام 2000، وذلك بعد أن تقدم موريس معتمد، ممثل الطائفة اليهودية في البرلمان، بمناشداتٍ للإفراج عنهم. وقد أمضى بعض اليهود في السجن مدداً أطول من مدد الأحكام الصادرة ضدهم. وفي خطوةٍ شجاعةٍ، تقدم معتمد في أغسطس/آب بمشروع قانونٍ في البرلمان يرمي إلى إلغاء أحد عناصر التمييز ضد الأقليات الدينية من القانون الإيراني، حيث طالب بالمساواة بين المسلمين وغير المسلمين في مبلغ الدِّية. ويُذكر أن نظام القصاص يقضي بفرض عقوباتٍ معينةٍ على جرائم شتى، وهو يختلف طبقاً لدين الضحية ودين الجاني. وبشكلٍ عام، فإن غير المسلمين يتعرضون لعقوباتٍ أشد بينما يحصلون على قدرٍ أقل من الحماية بالمقارنة بالمسلمين. ومن شأن مشروع القانون الذي تقدم به معتمد، والذي كان لا يزال قيد البحث بحلول نهاية العام، أن يقضي على هذا التفاوت. إلا إن مشروع القانون هذا لن يُطبق على البهائيين، وهم أكبر الأقليات الدينية في إيران. وأشار معتمد إلى أن أبناء الأقليات الدينية ما زالوا يواجهون تمييزاً ثابتاً في كثيرٍ من مجالات حياتهم، بما في ذلك الحصول على فرص التعليم والعمل.

وما زال أتباع البهائية يواجهون الاضطهاد، بما في ذلك عدم السماح لهم بممارسة شعائر العبادة أو مباشرة شؤون الطائفة علناً. وكان هناك أربعة من البهائيين على الأقل يقضون أحكاماً بالسجن بسبب معتقداتهم الدينية. وفي يناير/كانون الثاني، أُبلغ بهنام ميثاقي وكيوان خلج آبادي، المسجونان منذ عام 1989، أن الحكم الساري ضدهما سوف يستمر حتى عام 2004. وكان موسى طالبي، المسجون منذ عام 1994، لا يزال محتجزاً في أصفهان. ولم يتضح ما إذا كان حكم الإعدام الصادر ضده قد خُفف. وفي مارس/آذار، خُفف حكم الإعدام الصادر ضد ذبيح الله محرمي، المسجون منذ عام 1995 لإدانته بتهمة الرِدَّة.

وترافق مع حملة المحافظين ضد الانحلال الخلقي تزايد حالات الإعدام العلني والعقاب الجسدي، وكلاهما من صنوف العقوبة القاسية واللاإنسانية والمهينة. ففي أكتوبر/تشرين الأول، أعدمت السلطات علانيةً خمسة أشخاصٍ أُدينوا بتنفيذ سلسلة اعتداءاتٍ على نساءٍ في طهران. ووُضعت جثثهم على روافع متحركة طافت أرجاء المدينة. وفي 15 أكتوبر/تشرين الأول، نُفذ في همدان وسط حشدٍ عام بتر أربعة أصابع لاثنين من اللصوص أُدين كل منهما بارتكاب ما يزيد عن 30 حادثة سرقة.
ومع سقوط حكومة "طالبان" في أفغانستان، بدأ مئات الآلاف من اللاجئين الأفغان الذين يعيشون في إيران بالعودة إلى ديارهم. وأعربت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن قلقها من قيام السلطات الإيرانية بالضغط على اللاجئين الأفغان لحملهم على الرحيل، وهو اتهام نفته الحكومة الإيرانية. وكان مئات الألوف من اللاجئين الأفغان لا يزالون في إيران وقت كتابة هذا التقرير.

وكان من دواعي القلق الأخرى أنشطة القوات شبه العسكرية السرية التي يكتنفها الغموض، وهي قوات ترتبط بالقيادات الدينية المحافظة المتشددة التي لا ترغب في التخلي عن إحكام قبضتها بصفةٍ مستمرة على مقاليد السلطة. ووقعت في أوقاتٍ مختلفةٍ على مدار العام مصادمات متفرقة في الشوارع بين الجماهير، من جهةٍ، وشرطة مكافحة الشغب والقوات الدينية شبه العسكرية المعروفة باسم "باسيج"، من جهةٍ أخرى. ووقعت إحدى المصادمات في أكتوبر/تشرين الأول 2001 إثر خروج إيران من مسابقة كأس العالم لكرة القدم. وبالرغم من أن هذه المصادمات والمظاهرات كثيراً ما اتسمت بصبغةٍ سياسيةٍ، فقد كانت صغيرة بصفةٍ عامةٍ، وكان من السهل على السلطات السيطرة عليها. وفي يوليو/تموز، شارك عدة آلافٍ في مسيرةٍ في طهران فيما أصبح مناسبة سنوية لإحياء ذكرى الغارة التي شنتها قوات شبه عسكرية على نُزل الطلاب في جامعة طهران في عام 1999. وقد ظل أربعة على الأقل من الطلاب الذين اعتُقلوا آنذاك يقضون أحكاماً بالسجن لفتراتٍ طويلةٍ، وهم أحمد باطيبي، ومهرداد لوهرسبي، وأكبر محمدي، ومنوشهر محمدي. كما وقعت مصادمات متفرقة مع الشرطة وقوات الحرس الأهلية المتشددة، ولكن دون اضطرابات جدية. وكانت المنظمة الطلابية الرئيسية التي تؤيد حركة الإصلاح قد حثَّت أعضاءها على النأي بأنفسهم عن المسيرة خشية إثارة مصادماتٍ مع المتشددين. واندلعت مظاهرات طلابية في شتى أنحاء البلاد عقب صدور حكم الإعدام على هاشم أغاجاري في نوفمبر/تشرين الثاني، ولكن هذه الاحتجاجات أُخمدت نتيجة التهديدات باللجوء إلى العنف على أيدي القوات شبه العسكرية، وهي تهديدات أطلقها عدد من كبار القيادات الدينية، ومن بينهم آية الله خامنئي.

 
إيران
  • البيان الصحفي
  • نظرة على الشرق الأوسط
  • الجزائر
  • مصر
  • إيران
  • العراق وكردستان العراق
  • إسرائيل والسلطة الفلسطينية
  • سوريا
  • السعودية
  • تونس
  • 2002
    2001
    2000
    1999
    التقارير السنوية السابقة >> الجزء السابق  Arabic Home الجزء التالي