<< السابق | الفهرس | التالي>>

مقدمة

يقدم تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش هذا العام شيئا جديدا، فقد كانت الأعداد السابقة تتضمن تلخيصا للتطورات المتعلقة بحقوق الإنسان في كل من البلدان والمواضيع التي نغطيها تغطية مستفيضة كل عام، والتي يبلغ عددها السبعين أو نحو ذلك. أما هذا العام الذي يوافق العيد الخامس والعشرين للمنظمة فقد اخترنا موضوعا واحدا، وهو حقوق الإنسان والصراع المسلح، وأعددنا حوله سلسلة من المقالات التي تتسم بمزيد من التحليل والتأمل، حيث يتناول كل مقال منها بالتحليل والتقييم التطورات التي حدثت في مجال معين، ويقدم بعض المقترحات للمضي قدما على هذا الصعيد.

ويرجع التركيز على الصراع المسلح هذا العام إلى مجموعة من الأحداث، أبرزها الحرب في العراق واستمرار الصراع المسلح في إفريقيا، وخصوصا في منطقة البحيرات العظمى في غربي إفريقيا. كما شهد عام 2003 تجدد إراقة الدماء كما في روسيا (الشيشان) وإندونيسيا (آتشه)، وهما ليسا سوى اثنين من الصراعات العديدة التي ظلت تحصد أرواح المدنيين وتدمر المؤسسات والبنية التحتية التي يعتمدون عليها، ألا وهي نظم العدالة والتعليم والصحة والمياه. ويلاحظ أن أسوأ الأزمات الإنسانية وأزمات حقوق الإنسان في العالم تكاد جميعها تحدث في مناطق القتال.

وكانت الحرب التي قادتها الولايات المتحدة في العراق هي أهم حدث سياسي عالمي هذا العام، وسوف تظل تثير تحديات هامة لقانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. ومثلما يقول كنيث روث في المقال الأساسي في هذا العدد، فلئن كانت إدارة بوش قد تذرعت مرارا بالجرائم التي ارتكبتها حكومة صدام حسين ضد حقوق الإنسان واتخذتها مبرراً للحرب بأثر رجعي، فإن هذه الحرب لم يكن بالإمكان مطلقاً تبريرها على أسس إنسانية محضة.
وفي مقال آخر عن الظروف القائمة في عراق ما بعد صدام، يشير جو ستورك وفريد إبرامز إلى أن الولايات المتحدة وشركاءها في التحالف يتعاملون مع قضايا حقوق الإنسان وكأنها ذات أهمية ثانوية. ويحدد ستورك وإبرامز طائفة من الموضوعات في العراق - من عدم توفير التدريب الأساسي للقوات في مجال الحفاظ على استتباب القانون والنظام إلى عدم الاهتمام الكافي بإقامة العدل في شأن قضايا الماضي الخطيرة - التي تناظر القضايا التي يتناولها سام ضياء ظريفي في مقاله عن أفغانستان في مرحلة ما بعد الصراع. إذ يشير ضياء ظريفي إلى أن تركيز قوات التحالف في أفغانستان على دحر فلول قوات طالبان والقاعدة بأسرع ما يمكن أدى إلى الاعتماد على قادة الحرب، ولكثير من هؤلاء سجلات طويلة في مجال انتهاك حقوق الإنسان؛ فكانت النتيجة تدهور أوضاع حقوق الإنسان وتعميق الخوف بين الأفغان ونمو الشعور بانعدام الأمن في الكثير من أنحاء البلاد.

وفي عدد من المقالات تتجلى بوضوح آثار الحملة العالمية ضد الإرهاب على حقوق الإنسان، وهي الحملة التي كثيراً ما يصورها من يشنونها على أنها نوع جديد من الحروب؛ إذ يبين المقال الخاص بالولايات المتحدة والمقال الخاص بروسيا (الشيشان)، بوجه خاص، وجود اتجاه واضح يدعو للقلق، وهو الاعتداء على حقوق الإنسان باسم مكافحة الإرهاب. فيصف جيمي فيلنر وأليسون باركر شتى الطرق التي تتذرع من خلالها إدارة بوش بالأخطار التي تتهدد الأمن القومي تبريرا لوضع الإجراءات التنفيذية فوق القانون في الولايات المتحدة. وتعد اللامبالاة التي تتسم بها حكومة بوش تجاه معايير المساءلة الكامنة في صميم البنية الحكومية الأمريكية، إلى جانب الإطار العالمي لحقوق الإنسان، أمراً يثير القلق الشديد على الصعيد الدولى ولدى الرأي العام الأمريكي أيضا. ويبين مقال ريتشل دنبر عن الشيشان كيف فشل المجتمع الدولي فشلا ذريعا، على الرغم من الكلام النابع من حسن النية حول أهمية حقوق الإنسان والقانون الإنساني، في التحاور مع الحكومة الروسية حول سجلها المروع فيما يتعلق بحقوق الإنسان في الشيشان، وهو الصراع الذي تبرره السلطات الروسية الآن باعتباره إسهاماً منها في الحرب العالمية على الإرهاب.

وفي مقال آخر عن أسلوب تنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب، يشير كنيث روث إلى الحدود المبهمة لما تسميه إدارة بوش بالحرب على الإرهاب. فيلاحظ أن "الحرب" لو كان المقصود بها هو المعنى المجازي مثل الحرب على المخدرات، فإنها عندئذ تكون أداة تحذيرية بلا منازع، وسبيلا لحشد التأييد لقضية هامة. ولكن الإدارة الأمريكية تقصد المعنى الحرفي للحرب، فيما يبدو، إذ تستشهد بالسلطة الاستثنائية لحكومة في حالة حرب تسويغاً لاعتقال المشتبه فيهم دون محاكمة، بل وقتلهم على الرغم من وجودهم بعيدا عن أي ميدان من الميادين التقليدية للقتال مثل أفغانستان أو العراق. ويتناول روث أيضا ما درجت عليه إسرائيل من استهداف قتل الأشخاص الذين يُزعم أنهم من أعضاء الجماعات المسلحة. ويخلص إلى أن قواعد تنفيذ القانون، حتى في حالة الحرب، ينبغي العمل بها على سبيل الافتراض بعيداً عن ميدان القتال التقليدي، وإلى أن قواعد الحرب يجب أن تكون أداة لا يُلتجأ إليها إلا بعد استنفاذ كل السبل الأخرى، وأنها لا تنطبق بكل تأكيد متى كان هناك نظام سارٍ للقضاء الجنائي.

وتتناول مقالات عديدة في التقرير الحرب في جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي تعد أزمة عميقة متعددة الجوانب فيما يتعلق بحقوق الإنسان. فقد تعرضت هذه الحرب للتجاهل من جانب كل القوى العالمية ووسائل الإعلام العالمية الكبرى تقريبا، على الرغم من أن التقديرات تشير إلى أن 3,3 مليون مدني لقوا حتفهم فيها منذ 1998 - أي أكثر من ضحايا أي صراع آخر منذ الحرب العالمية الثانية. وقد نجمت هذه الوفيات عن مزيج من عمليات القتل التي اتسمت بالوحشية في كثير من الأحيان، وعدم توافر الطعام والرعاية الصحية وغير ذلك من ضروريات الحياة، حيث أجبر السكان على الفرار، وعجزت وكالات المعونة عن تلبية احتياجات السكان الذين لا تستطيع الوصول إليهم لوجودهم في أماكن غير آمنة في كثير من الأحيان. ويلاحظ أن النظام الدولي يجد صعوبة في معالجة هذه الحرب التي دخلت فيها ستة بلدان إفريقية أخرى، وأكثر من 12 من جماعات المتمردين، وعشرات من الشركات والأفراد الساعين إلى استغلال الثروات الطبيعية للكونغو.

ومن التطورات التي تدعو إلى التفاؤل، والتي تحللها بينايفر ناوروجي في مقالها عن الصراعات المسلحة التي شهدتها إفريقيا مؤخرا، ظهور هيئات إقليمية جديدة مثل الاتحاد الإفريقي، التي يمكن أن تلعب دورا أنشط في التأكيد على ضمانات حماية حقوق الإنسان في المبادرات الرامية إلى تلافي الصراعات. وعلى الرغم من أن الإطار الإقليمي الإفريقي لا يزال ناشئاً، وأن الحقوق لا زالت هامشية في الجهود الإقليمية لحفظ السلام حتى اليوم، فقد تعهد الزعماء الأفارقة تعهدا رسميا بالقيام بدور أنشط لكبح جماح الصراع الإقليمي المسلح وما يرتبط به من انتهاكات حقوق الإنسان. وكما تشير ناوروجي، فسوف تظل المشاركة والمساعدات الدولية ذات أهمية بالغة حتى مع تواصل هذه المبادرات الإقليمية.

ومن الموضوعات الهامة التي تظهر في العديد من المقالات هنا الفجوة الرهيبة غير العادية بين المعايير القانونية الدولية القائمة وما يحدث على أرض الواقع. ففي السنوات القليلة الأخيرة، تم وضع معايير جديدة، مثل معاهدة حظر الألغام، والمبادئ التوجيهية الخاصة بالنزوح الداخلي، والبروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية حقوق الطفل، الذي يحظر تجنيد الأطفال، وإنشاء المحكمة الجنائية الدولية. ومع ذلك فلا يبدو أننا اقتربنا خطوة من منع الفظائع في الصراع الدائر في جمهورية الكونغو الديمقراطية وغيره من الصراعات العديدة. ويلقي عدد آخر من المقالات الضوء على الأهمية الحيوية لمجلس الأمن الدولي، وهو الهيئة الدولية الرئيسية المكلفة بالحفاظ على السلام والأمن الدوليين. فقد أصدر المجلس قرارات وأنشأ آليات كثيراً ما تضع الالتزام بحماية حقوق الإنسان في لب استجابة منظومة الأمم المتحدة للأزمات الدولية. إلا أن هذه الالتزامات الرامية لحماية الأطفال، ومساءلة المعتدين، والتصدي لمشكلة تدفق الأسلحة، ومراقبة سلوك الشركات الدولية، تتعرض من حين لآخر للنسيان أو التجاهل أو الإهمال في مواجهة الضغوط السياسية.

وتبين جو بيكر في استعراضها للتطورات الحالية في الجهود العالمية الرامية لوضع حد لتجنيد الأطفال أنه حتى الجهود الجديدة، مثل ما فعله الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان من الإعلان عن أسماء الجماعات المسلحة والحكومات التي تجند الأطفال أو تستخدمهم، لن تنجح في تغيير ممارسات الأطراف التي سمّاها عنان دون اتخاذ المزيد من إجراءات المتابعة. إذ ينبغي أن يكون هناك تطبيق صارم لقرارات مجلس الأمن، وأن تتخذ إجراءات ملموسة ضد المنتهكين، لضمان ألا تكون التزامات المجلس وعودا جوفاء لمن وقعوا في حبائل الصراعات الوحشية المزمنة.

وقد فشلت الجهود الدولية والمحلية في دعم عودة اللاجئين والنازحين في بعض أنحاء يوغوسلافيا السابقة - وخصوصا كرواتيا والبوسنة والهرسك وكوسوفا - مما يعني استمرار وضع النازحين من أبناء الأقليات العرقية كما هو منذ وقت الحرب إلى حد كبير. ويخلص بوغدان إيفانيسيفيتش في مقاله عن عودة الأقليات العرقية في المنطقة إلى أن التجربة البلقانية تعطي درسا مهما يستفاد منه في أوضاع ما بعد الصراع في مناطق أخرى، ومؤداه هو أنه إذا لم يتم قبول النزوح و"التطهير العرقي" باعتبارهما نتاجاً دائماً ومقبولاً للحرب، فإن استراتيجيات العودة الشاملة ومتعددة الجوانب يجب أن تصبح من الأولويات المبكرة في جهود بناء السلام، إلى جانب آليات التنفيذ والتطبيق الصارم. وحينما تتوافر هذه العناصر يتسنى إحراز تقدم على صعيدة عودة الأقليات، ومتى تغيب هذه الآليات تتعثر عودتهم.

أما مقال لاشون جيفرسون عن العنف الجنسي فهو يسلط الضوء على مسألة مهمة، وهي أن انتهاكات حقوق الإنسان التي نشهدها في الصراعات تكمن جذورها غالبا في أشكال التحيز والتمييز والتهميش والإفلات من العقوبة التي كانت قائمة قبل بدء الصراع بوقت طويل. ويذهب جيفرسون إلى القول بأن النساء والفتيات يتعرضن دائما لخطر العنف الجنسي في وقت الحرب بسبب تبعية المرأة وما تتعرض له من الانتهاكات في وقت السلم، مستشهدا بأمثلة للعنف الجنسي الوحشي والخبيث الذي اتسمت به الصراعات التي دارت في سيراليون وليبيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية في السنوات الأخيرة، وفي البوسنة ورواندا في تسعينيات القرن العشرين. وكثيراً ما يواجه الناجون من العنف الجنسي صعوبات مثبطة للعزائم في فترات ما بعد الصراع، وتحاول منظمات المجتمع المدني التدخل لمد يد العون، لكن الحكومات كثيراً ما تعجز عن تقديم الخدمات الضرورية، بينما تتميز خطط التنمية وإعادة الإعمار بغياب صوت المرأة عنها في أغلب الأحيان.

ويمثل توافر ثروات الموارد الطبيعية، خصوصا عندما تقترن بالحكم الفاسد غير المسؤول، جزءا هاما من خلفية العديد من الصراعات المسلحة. وعلى الرغم من استمرار الجدل بين علماء الاقتصاد والسياسة حول منشأ العديد من الصراعات المدنية الدائرة اليوم، هل هو الجشع أم الظلم، فإن دور الفساد وغياب الشفافية وانتشار التربح في القطاعين الخاص والعام أمور تستدعي تجديد الاهتمام، وتلك هي الموضوعات التي يتناولها مقال آرفيند غاينسان وأليكس فاينز عن الصراع والموارد. أما ليزا ميسول فتناقش في مقالها دور الحكومات الموردة للسلاح وتجار الأسلحة الذين يوفرون السلاح لجهات من المعروف أنها تنتهك حقوق الإنسان، وتلقي بالضوء على عدة أمور منها الأخطار المترتبة على تنصل الحكومات من مسؤوليتها عن تنظيم نشاط الأطراف الفاعلة غير الحكومية ومراقبتها. كما يذكرنا مقال ميسول بأنه على الرغم من وجود الكثير من القوانين الضرورية لحماية غير المقاتلين فما زال هناك متسع للتحسين؛ ومن أمثلة ذلك اقتراح عقد معاهدة دولية عن تجارة السلاح، تتولى منظمات المجتمع المدني الدعوة إليها، لحظر شحنات الأسلحة في المناطق التي تعلم فيها الحكومات التي تأذن بهذه التجارة، أو ينبغي أن تعلم، أن هذه الأسلحة سوف تستخدم لارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، أو جرائم ضد الإنسانية، أو انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان أو للقانون الإنساني الدولي.

وفي مقال عن الضرر الذي يلحق بالمدنيين الأبرياء من جراء الذخائر العنقودية في أثناء الصراع المسلح وبعده، يشير ستيف غوس بدوره إلى أهمية وضع أدوات قانونية جديدة. فالذخائر العنقودية تشكل خطرا شديدا على المدنيين، نظرا لأنها غير دقيقة وتؤدي إلى تناثر القنيبلات الانفجارية عبر مساحات شاسعة، ونظرا للتهديد القاتل على المدى الطويل الناجم عن القنيبلات غير المنفجرة الشبيهة بالألغام الأرضية. وجدير بالذكر أن الذخائر العنقودية استخدمت في ست عشرة دولة، ويضم المخزون الحالي منها ما يُقدَّر بأكثر من ملياري قنيبلة. وكما يوضع غوس، فإن المجتمع الدولي حظر خلال العقد الماضي نوعين من الأسلحة لأسباب إنسانية، هما الألغام الأرضية المضادة للأفراد والليزر الذي يسبب العمى. وتتميز الذخائر العنقودية الآن بأنها فئة الأسلحة التي تحتاج أكثر من غيرها إلى تنظيم أكثر صرامة لحماية المدنيين خلال الصراع المسلح وبعده.

ولا تزال الصراعات المسلحة تطرح بعض التساؤلات الأكثر إلحاحا أمام المجتمع الدولي وحركة حقوق الإنسان على وجه الخصوص. إذ يلاحظ أن نطاق الانتهاكات المرتبطة بالحرب - قتل المدنيين وتشويههم والعنف الجنسي وسوء أحوال اللاجئين والنازحين الداخليين وتهريب السلاح بصورة غير مشروعة إلى المعتدين واستخدام الأطفال جنودا، وما إلى ذلك - يعكس ما تتسم به معظم الصراعات من التعقيد. ويضاف إلى هذا المزيج الصعوبات المتمثلة في التعامل مع حركات التمرد (التي تتراوح بين الإدارات المدنية القائمة بحكم الأمر الواقع والمجرمين المنتفعين مثل "جيش الرب للمقاومة")، والحكومات المجاورة ومجتمعات الشتات وقطاع الشركات، مما يزيد من تعقيد الأمور أكثر وأكثر.

ومن السهل على دعاة حقوق الإنسان وأصحاب النوايا الطيبة أن يفقدوا الأمل أو يتساءلوا عن استمرار جدوى الحجج المتعلقة بحقوق الإنسان؛ فيكتب ريد برودي تأملاته بمناسبة مرور 25 عاما على إنشاء حركة حقوق الإنسان، مستشهدا بمايكل إغناتيف الذي يتساءل "هل جاءت حقبة حقوق الإنسان وانتهت". ولكن ما زال هناك الكثير مما يمكن تحقيقه، حيث يذكرنا برودي في مقاله بأن خطاب حقوق الإنسان ومؤسساته أصبحت الآن من الثوابت في مجال العلاقات الدولية.
وقد قال الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان "يجب أن نبذل المزيد من الجهد لنتحول من الكلام إلى الفعل، ومن صوغ المعايير إلى حقبة التطبيق". ويلاحظ أن الكثير من المعايير والالتزامات التي يشير إليها عنان موجودة بالفعل؛ فمعظم القوانين اللازمة للحماية في أثناء الصراع مثبتة في سجلات اللوائح والقوانين، بل إن المحكمة الجنائية الدولية تعكف الآن على وضع الآليات اللازمة لمحاسبة مرتكبي الانتهاكات، بالاشتراك مع بعض المحاكم الدولية الخاصة التي أنشئت للنظر في الجرائم التي وقعت في رواندا ويوغوسلافيا السابقة وسيراليون. وكما يشير ريتشارد ديكر وإليز كبلر في استعراضهما لآليات العدالة الدولية، فإن النظام القضائي الدولي الآخذ في التطور الآن، والذي ظهر في تسعينيات القرن العشرين، أصبح اليوم يواجه أجواء أصعب من ذي قبل. ويقدم ديكر وكبلر تقييما لأوجه نجاح النظام وفشله حتى اليوم، ويحددان العراقيل التي تقف في طريقه في المستقبل. إلا أن أهمية العدالة لصحة المجتمع واستقراره على المدى الطويل، إلى جانب احتمال بقاء نظم المحاكم الوطنية، خصوصا في ظروف ما بعد الصراع، عاجزة عن تلبية الحد الأدنى من المعايير المتفق عليها، تدعو بشدة إلى ضرورة دعم المكاسب التي تحققت في هذا المضمار لرفع مستوى فعالية الآليات الدولية.

وهكذا فإن هذا التقرير لا يقدم إلا لمحة عن جهود منظمة هيومن رايتس ووتش في سعيها لحماية ضحايا الصراعات؛ فلا يغطي بعض القضايا الرئيسية التي نُعنى بها بصورة دورية مثل اللاجئين والنازحين، ولا المشاكل الخاصة بالتعامل مع الجماعات المسلحة، كما لا يتناول التقرير بعض الصراعات التي تابعناها عن كثب في عام 2003، مثل كولومبيا وآتشه وإسرائيل والأراضي المحتلة. وإنما نقدم هذا التقرير إسهاما منا في الفكر الحالي حول حماية حقوق الإنسان في سياق الصراعات.

وتوضح المقالات الواردة في هذا التقرير أن المطلوب هو الإرادة السياسية لتنفيذ الالتزامات القائمة، وروح الابتكار للاستفادة من صور النجاح والفشل الماضية من أجل إعداد طرق مؤسسية جديدة لمواجهة تحديات حقوق الإنسان الناجمة عن الصراعات المسلحة المستشرية في العالم. ويتطلب هذا التغيير تجديد أنشطة دعاة حقوق الإنسان لتسمية المسؤولين عن الأفعال التي يتحدث عنها هذا التقرير أو المتواطئين معهم، وفضح ما اقترفوه سواء بالفعل أو بالإغفال. ويجب أن يعمل دعاة حقوق الإنسان على تذكير العالم بالعهود التي قطعت بخصوص النساء والأطفال والنازحين والمرضى والجياع والأقليات العرقية والعنصرية وغيرها من الفئات المستضعفة - في صورة القوانين والمعايير والأعراف والقرارات والسياسات التي ترمي إلى ضمان حماية هذه الفئات والحفاظ على أرواح أفرادها وسلامتهم وكرامتهم.

<< السابق | الفهرس | التالي>>