Iraq and Iraqi Kurdistan

العراق


  
"العراق الجديد؟ تعذيب المعتقلين وإساءة معاملتهم في حجز السلطات العراقية"


المحتويات
ملخص || المقدمة || التوصيات || الحواشي


البيان الصحفي
  • العراق: استمرار التعذيب على أيدي الحكومة الجديدة .. الشرطة تقترف الانتهاكات ضد المعتقلين بصورة منهجية
    The New Iraq
    In English
  • ملخص

    وقع العراق في براثن حركة تمرد خطيرة تستهدف في المقام الأول قوات الشرطة وغيرها من قوات الأمن العراقية. وقد صارت حياة أفراد الشرطة عرضة لخطر حقيقي؛ ففي الأشهر الأربعة الأخيرة من عام 2004 وحدها قُتل قرابة 1300 من أفراد الشرطة، فضلاً عن العشرات من أفراد قوات الأمن العراقية الأخرى، على أيدي المتمردين. ويجري هذا التمرد في العراق في ظل حالة عامة من الانفلات الأمني بدأت في البلاد عقب استيلاء القوات التي تقودها الولايات المتحدة على بغداد وانهيار حكومة صدام حسين. وآثرت الولايات المتحدة وحلفاؤها ألا تحرك ساكناً في الوقت الذي اجتاحت فيه بغداد وغيرها من المدن والبلدات العراقية موجة من أعمال النهب والهجمات الانتقامية التي تحركها دوافع متعددة.

    وقد حددت الأيام الأولى التي أعقبت سقوط حكومة صدام حسين اتجاه الأحداث التي أفضت إلى احتلال وعملية تحول سياسي حافلين بالعنف والدمار. ويروع المجرمون من معتادي الإجرام المواطنين العراقيين بعمليات الخطف ومؤامرات الابتزاز. ويستهدف المتمردون المدنيين الذين لا حول لهم ولا قوة، فضلاً عن الأهداف العسكرية، بالتفجيرات الانتحارية والعبوات الناسفة التي يزرعونها على جوانب الطرق يومياً. وبدأت حوادث القتل الانتقامية متفرقة، ولكن تصاعدت وتيرتها حتى أصبحت من الأحداث شبه اليومية، حيث كانت تستهدف أول الأمر من يُعتقد أنهم من أنصار البعث، ثم أصبحت تستهدف من يُعتبرون من مؤيدي الاحتلال الذي تقوده الولايات المتحدة. وصارت المدن التي كان يستشهد بها يوماً ما كدليل على نجاح احتلال التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، مثل الموصل، ساحة معارك دموية. وأسفرت العمليات العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة ضد قوات المتمردين عن سقوط أعداد غير معروفة من القتلى والجرحى المدنيين وتدمير الممتلكات.

    وخلال الاحتلال العسكري عقب سقوط بغداد كانت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تتحملان، بموجب اتفاقيات جنيف لعام 1949، المسؤولية الأساسية عن شروط الاحتجاز، وظروف احتجاز المعتقلين ومعاملتهم، واتباع الإجراءات الواجبة للإنصاف القضائي، وضمانات المحاكمة العادلة، سواء بالنسبة للمتمردين المعتقلين أو بالنسبة للأشخاص الذين يُشتبه في أنهم من مرتكبي الجرائم العادية. وقد احتُجز آلاف من العراقيين وأُفرج عن أغلبهم خلال تلك الفترة. وبعد نقل السيادة في 28 يونيو/حزيران عام 2004 بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1546، احتفظت القوات التي أُطلق عليها اسم "القوة المتعددة الجنسيات في العراق" (وهي بالأساس قوات الولايات المتحدة وحلفائها) بالمسؤولية عن اعتقال واحتجاز الأسرى من المتمردين وغيرهم من المحتجزين لأسباب أمنية، ومن بينهم من يوصفون بـ "المحتجزين ذوي القيمة العالية" مثل صدام حسين، ومسؤولي الحكومة السابقة، والأشخاص المشتبه في كونهم إرهابيين أجانب. واضطلعت الحكومة العراقية المؤقتة بالمسؤولية عن احتجاز ومحاكمة الأشخاص المشتبه في ارتكابهم جرائم جنائية عادية والمتمردين الذين تعتقلهم قوات الأمن العراقية.(1)

    وقد انصب اهتمام دولي كبير، ومشروع، على التعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة التي تعرض لها المحتجزون على أيدي القوات الأمريكية في سجن أبو غريب وغيره من منشآت الاحتجاز بالعراق. ولم تتحقق المحاسبة على هذه الانتهاكات، ولم تترسخ الثقة في أنها انتهت ولم تعد تتكرر؛ وفي الوقت نفسه تركز اهتمام أقل كثيراً على معاملة الأشخاص في حجز السلطات العراقية. وقد خلصت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في التقرير الذي قدمته إلى الحكومة الأمريكية في فبراير/شباط عام 2004 بخصوص الظروف في عام 2003، إلى أن ممثلي السلطات العراقية قاموا "حسبما زُعم بجلد الأشخاص المحرومين من حريتهم بالأسلاك على ظهورهم، وركلهم في الأجزاء السفلى من الجسم، بما في ذلك الخصيتان، وتكبيلهم بالقيود الحديدية وتركهم معلقين في قضبان نوافذ أو أبواب الزنازين في أوضاع مؤلمة لعدة ساعات في المرة الواحدة، وحرقهم بالسجائر المشتعلة (شاهد مندوبو اللجنة الدولية للصليب الأحمر علامات الحرق على الأجساد). وزعم عدة أشخاص من المحرومين من حريتهم أنهم أُرغموا على توقيع إفادة لم يُسمح لهم بقراءتها."(2) ولم تكن المتابعة العلنية لهذه القضية كافية.

    ويعرض هذا التقرير بالتفصيل انتهاكات جسيمة وواسعة النطاق لحقوق الإنسان ارتكبتها الشرطة العراقية ضد الأشخاص المشتبه بهم في جرائم تمس الأمن الوطني، بما في ذلك المتمردون، والأشخاص المشتبه بأنهم مجرمون جنائيون منذ أواخر عام 2003. وحتى منتصف عام 2004 ارتكبت قوات المخابرات العراقية أيضاًُ انتهاكات جسيمة تركزت بصفة أساسية على أعضاء الأحزاب السياسية التي ترى أنها تمثل خطراً على أمن الدولة.

    وسجلت منظمة هيومن رايتس ووتش من خلال التحقيقات التي قامت بها في العراق الاستخدام المنهجي للاعتقال التعسفي، والاحتجاز لفترات مطولة قبل المحاكمة دون مراجعة قضائية، وتعرض المحتجزين للتعذيب وسوء المعاملة، وحرمان الأسر والمحامين من زيارة المحتجزين، والمعاملة غير المناسبة للأطفال المحتجزين، وتردي الظروف في منشآت الاحتجاز السابق على المحاكمة إلى مستويات مروعة. ويشوب المحاكمات نقص التمثيل القانوني وقبول الاعترافات المنتزعة تحت وطأة الإكراه كأدلة ضد المعتقلين. ولا تُتاح للأشخاص الذين تعرضوا للتعذيب أو سوء المعاملة الرعاية الصحية الكافية كما لا يُتاح لهم أي سبيل قانوني واقعي للإنصاف. وتقاعست السلطات العراقية-باستثناء حالات نادرة-عن التحقيق في الانتهاكات ومعاقبة المسؤولين عن ارتكابها. وتجاهل مستشارو الشرطة الدوليون، وأغلبهم مواطنون أمريكيون يتم تمويلهم من خلال الولايات المتحدة، هذه الانتهاكات المتفشية.

    وقد قُدِّمت الحكومة العراقية المؤقتة التي يقودها رئيس الوزراء إياد علاوي للمجتمع الدولي على أنها دليل على أن بطش حكومة صدام حسين وما كانت ترتكبه من انتهاكات قد انتهى وولى عهده، ولكن يبدو أنها تشارك بنشاط في هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان الأساسية، أو أنها متواطئة فيها على أقل تقدير. كما لم تثر الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة أو غيرهما من الحكومات المعنية هذه القضايا علناً كمسألة تبعث على القلق.

    وتدرك منظمة هيومن رايتس ووتش الصعوبات الهائلة التي تكتنف مهمة إعادة تكوين قوات الشرطة في العراق اليوم، حيث تؤثر الظروف الأمنية السائدة على كل نواحي الحياة، وحيث يُعدّ المجندون الجدد في قوات الشرطة من الأهداف الرئيسية للهجمات. كما يتعين على المعنيين بإنفاذ القانون إضافة إلى ذلك أن يتصدوا لتركة حكومة صدام حسين التي كان سجلها في مجال حقوق الإنسان من أسوأ السجلات في العالم. ومع ذلك يظل العراق ملزماً بالوفاء بالتزاماته بموجب القانون الدولي الذي يقضي بوضوح لا لبس فيه بأنه ليس بإمكان أي حكومة - لا حكومة صدام حسين، ولا حكومات دول الاحتلال، ولا الحكومة العراقية المؤقتة - أن تبرر إساءة معاملة الأشخاص في الحجز باسم الأمن. وتكفل الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي انضم إليها العراق وأصبح من أطرافها، ولاسيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ضمانات أساسية لحماية الأشخاص حتى في ظل حالات الطوارئ التي يواجهها العراق الآن.(3)

    ويسلم قانون حقوق الإنسان بأن احترام الحقوق وحكم القانون لا يمكن أن يقوم على انتهاكات جديدة. وإقامة حكومة عراقية جديدة لا تتطلب مجرد تغيير القيادة، بل تستوجب تغيراً في موقفها إزاء الكرامة الأساسية للإنسان. وينبغي للسلطات الجديدة أن تعلن بوضوح لا لبس فيه أنها لن تقبل أي تعذيب أو سوء معاملة للمحتجزين. كما ينبغي أن توضح للموظفين المكلفين بإنفاذ القانون، وكثير منهم كانوا يتولون نفس الوظائف في عهد الحكومة السابقة حين كان التعذيب هو القاعدة السارية، أن مثل هذه الانتهاكات لم تعد مقبولة ولن تمر دون عقاب. وقد تقاعست السلطات العراقية الحالية عن إيصال هذه الرسالة، كما تقاعس عن إبلاغها مستشاروها الدوليون خلال مساعدتهم لها في الاضطلاع بهذه المسؤولية. وفي ظل السماح بوقوع مثل هذه الانتهاكات دون ضابط أو رادع، مع الاستمرار في إعطاء أولوية مطلقة للسيطرة على الوضع الأمني، قد يكون من الصعب للغاية في نهاية المطاف تكوين قوة من الشرطة يمكن للشعب العراقي أن يثق فيها، وهو أمر يهدد الهدف النهائي المتمثل في إحلال الأمن الدائم الذي تحظى حقوق الإنسان في ظله بالاحترام.