Iraq



Iraq Iraq
  

<<   الصفحة السابقة  |  الصفحة الرئيسية  |  الصفحة السابقة  >>

XV. الانتهاكات على أيدي الحكومة العراقية

يتعرض أفراد الجيش والشرطة العراقيين، حسبما يوثِّق هذا التقرير، لاعتداءات منتظمة من جماعات المتمردين، التي تلجأ إلى تنفيذ تفجيرات انتحارية، وزرع القنابل على الطرق، واستخدام سيارات مفخخة، فضلاً عن تعريض من تحتجزهم للتعذيب والإعدام دون محاكمة. إلا إن ذلك لا يعفي الحكومة من التزاماتها باحترام القانون العراقي والقانون الدولي فيما تقوم به من عمليات إنفاذ القانون ومكافحة التمرد.

والملاحظ أن الحكومة لم تف بهذه الالتزامات حتى الآن. ومن بين الجوانب التي تبعث على القلق معاملة الحكومة العراقية للأشخاص المحتجزين. فقد خلص تقرير، أصدرته هيومن رايتس ووتش في يناير/كانون الثاني 2005، إلى أن قوات الأمن العراقية دأبت على استخدام التعذيب المنظم وغيره من الانتهاكات ضد المعتقلين، بمن فيهم الأطفال.376 وقد وثَّق التقرير، على وجه الخصوص، الاستخدام المنظم للقبض التعسفي، والاحتجاز لفترة طويلة قبل المحاكمة بدون مراجعة قضائية، والتعذيب وسوء المعاملة، والحرمان من تلقي زيارات الأهل والمحامين، بالإضافة إلى الأوضاع المزرية في مراكز الاحتجاز السابق للمحاكمة. كما اتسمت المحاكمات بالافتقار إلى التمثيل القانوني الملائم، وقبول الاعترافات المنتزعة بالإكراه كأدلة. ولم تُتح للأشخاص الذين تعرضوا للتعذيب أو سوء المعاملة فرص كافية للحصول على الرعاية الطبية ولا سبل واقعية للإنصاف القانوني. وفيما عدا استثناءات نادرة، فقد تقاعست السلطات العراقية عن التحقيق مع المسؤولين عن الانتهاكات ومعاقبتهم. كما لاحظت هيومن رايتس ووتش أن مستشاري الشرطة الدوليين، ومعظمهم مواطنون أمريكيون تمولهم الولايات المتحدة، قد غضوا الطرف عن تلك الانتهاكات المتفشية.

وقد وثَّق تقرير عن حقوق الإنسان، أصدرته بعثة مساعدة العراق التابعة للأمم المتحدة، حالات الإفراط في استخدام القوة وغير ذلك من الانتهاكات على أيدي قوات الأمن العراقية طوال صيف عام 2005. فقد ذكر التقرير، الذي نشرته بعثة مساعدة العراق في سبتمبر/أيلول، أن "بعثة مساعدة العراق تلقت أنباء متسقة عن الإفراط في استخدام القوة مع الأشخاص والممتلكات وكذلك عن الاعتقالات الواسعة النطاق التي نفذتها قوات الشرطة والقوات الخاصة العراقية التي كانت تعمل بمفردها أو بالتعاون مع القوات المتعددة الجنسية". وبالإضافة إلى ذلك "استمر استخدام الاعتقالات الجماعية للأشخاص بدون أوامر قبض رسمية خلال العمليات العسكرية التي نفذتها الشرطة العراقية، والقوات الخاصة التابعة لوزارة الداخلية والقوات المتعددة الجنسية."377

وتعرض من زُعم أنهم ارتكبوا جنايات عامة والمشتبه في أنهم من المتمردين لمعاملة سيئة على أيدي السلطات العراقية أثناء احتجازهم. وبغض النظر عن أسباب الاحتجاز أو القبض، فإن الحكومة العراقية ملزمة قانوناً بمعاملة جميع المحتجزين والمقبوض عليهم معاملةً إنسانيةً، وكذلك بمحاكمتهم وفقاً للمعايير الدولية للمحاكمة العادلة.378

ومن الجوانب التي تبعث على القلق بشكل متزايد حملة مكافحة التمرد التي تشنها الحكومة العراقية، حيث تواترت الأنباء في عام 2005 بأن القوات العراقية كانت تمارس التعذيب ضد المعتقلين، كما نفذت بعض عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء.379 

ففي 26 مايو/أيار 2005، أعلن وزيرا الداخلية والدفاع العراقيان عن حملة كبرى لمكافحة التمرد في جميع أنحاء العراق بالتعاون مع القوات المتعددة الجنسية، أُطلق عليها اسم "عملية البرق" وشارك فيها 40 ألفاً من قوات الأمن العراقية.380 وسرعان ما اشتكى الزعماء السياسيون والدينيون السنة من أن العملية تستهدف تجمعات السكان السنة دون تمييز، كما يُعتقل مدنيون من السنة بشكل تعسفي أو دون أساس قانوني.381 وبسبب اعتبارات أمنية، لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تقصي هذا الاتهام.

ومما يبعث على القلق بوجه خاص تزايد عدد الوحدات الأمنية وقوات الميليشيا، التي يتمتع بعضها باستقلال شكلي ولكنها تتعاون بدرجات متفاوتة مع قوات الأمن العراقية. وقد اتهم زعماء السنة عناصر من منظمة بدر المنبثقة عن المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق382 وقوات المغاوير التابعة للشرطة بارتكاب أعمال قتل دون وجه حق وانتهاكات ضد المعتقلين. وقد شاهد صحفي أمريكي، كان يصاحب قوات المغاوير لمدة أسبوع في سمراء، أحد قادة القوات وهو يهدد ابن شخص يُشتبه في أنه من المتمردين بالقتل ويضرب المعتقلين الآخرين. وكان عدد من المستشارين العسكريين الأمريكيين الذين اكتسب بعضهم خبرات في مكافحة التمرد من السلفادور، يعملون بشكل وثيق مع مجموعة المغاوير.383

وفي مايو/أيار 2005، اتهمت هيئة علماء المسلمين منظمة بدر بقتل 14 من السنة، بينهم ثلاثة أئمة، ولكن لم يكن بمقدور هيومن رايتس ووتش أن تتحقق من صحة هذا الادعاء.384

ومن الأمثلة الحديثة لانتهاكات الحكومة العراقية ما حدث يوم 10 يوليو/تموز، عندما لقي 10 من العرب السنة حتفهم مختنقين، بعدما وضعهم أفراد من المغاوير في سيارة شرطة وأحكموا إغلاقها بينما كانت درجة الحرارة تزيد عن 100 درجة فهرنهيت. ولا تزال تفاصيل الواقعة مثار خلاف، ولكن جميع الروايات تؤكد أن أفراد المغاوير أمسكوا بالرجال السنة (الذين تدعي الشرطة أنهم من المتمردين) من مستشفى النور بالقرب من أبو غريب، وألقوا بهم في السيارة، حيث تُوفي 10 منهم وظل اثنان على قيد الحياة. وفيما بعد، روى أحد الناجين للصحافة ما حدث قائلاً: "تركونا من الساعة الخامسة والنصف مساء داخل حاوية ليس بها فتحات للتهوية. وبعد ساعة فقدنا الوعي، وبدأ البعض يموتون، وبحلول الساعة الواحدة صباحاً كان الآخرون قد ماتوا."385 وذكر الأطباء الذين فحصوا الجثث أن أفراد المغاوير عذبوا الضحايا بالصدمات الكهربائية. وقال بعض الشهود للصحافة إن أفراد المغاوير كانوا من اللواء الأول، ولكن أحد الضباط المسؤولين عن وحدة المغاوير، وهو اللواء رشيد فليح، قال إن الوحدة هي قوة شبه عسكرية تابعة للشرطة وتُعرف باسم قوة الأمن الخاصة.386

وقد أدانت وزارة حقوق الإنسان العراقية حادث مقتل هؤلاء الأشخاص، ووصفته بأنه "عمل غير إنساني يمثل انتهاكاً لكل الأعراف والمعايير الدولية"، وأضافت أن الوزارة شكلت فريقاً من الخبراء للتحقيق في الواقعة. وقال بيان للوزارة إنه "إذا ثبتت مسؤولية أفراد المغاوير فيجب أن يُحاكموا لينالوا العقاب العادل على أفعالهم."387

وفي شمال العراق، كانت قوات الأمن الكردية مسؤولة عن ارتكاب انتهاكات. فقد شاركت قوات الأمن الكردية مؤخراً في جهود مكثفة لاعتقال بعض العرب والتركمان بصورة غير قانونية في مدينة كركوك. وفي منتصف يونيو/حزيران، ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أن قوات الشرطة والأمن الكردية، التي تدعمها القوات الأمريكية، اختطفت مئات من العرب والتركمان الذين يشكلون أقلية في المدينة، واحتجزتهم في سجون في أربيل والسليمانية، حيث تعرض بعضهم للتعذيب. وجاء في برقية سرية لوزارة الخارجية الأمريكية، حصلت عليها الصحيفة، أن "عمليات الاعتقال خارج نطاق القضاء" كانت جزءاً من مبادرة "مكثفة وواسعة النطاق" من جانب الأحزاب السياسية الكردية "من أجل ممارسة السلطة في كركوك بطريقة استفزازية."388

وفي عام 2005، بدأت وزارة الداخلية العراقية تشارك في برنامج تليفزيوني يُسمى "الإرهاب في قبضة العدالة"، يُذاع كل ليلة تقريباً على قناة العراقية، وهي المحطة الوطنية العراقية وتمولها الولايات المتحدة. ويعرض البرنامج، الذي يحظى بشعبية كبيرة في أوساط العراقيين، أشخاصاً يُزعم أنهم من المتمردين، وبعضهم مصاب بجروح وكدمات، وهم يعترفون ضمناً بارتكاب أعمال اغتصاب واختطاف وإعدام. وبالنظر إلى سجل وزارة الداخلية في ممارسة التعذيب المنظم، فإن هيومن رايتس ووتش تشعر بالقلق من احتمال أن يكون بعض المعتقلين قد تعرضوا لإيذاء جسدي، أو لانتهاكات للإجراءات القضائية الواجبة، فضلاً عن الإذلال العلني، وهي أمور يحرمها القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان. وفي نصوص أربع حلقات من البرنامج، راجعتها هيومن رايتس ووتش، راح المحقق يهزأ بالمعتقلين مراراً وتكراراً.389 وفي حلقة وصفتها صحف صادرة باللغة الإنجليزية، اعترف شرطي سابق بقتل ضابطي شرطة في سمراء. وبعد أيام قلائل من إذاعة الحلقة، قال أهالي الشرطي السابق لبعض الصحفيين إن شخصاً سلمهم جثة ذلك الشرطي.390



376 تقرير هيومن رايتس ووتش بعنوان: "العراق الجديد؟ تعذيب المعتقلين وإساءة معاملتهم في حجز السلطات العراقية"، يناير/كانون الثاني 2005. وهو متاح على الموقع التالي: http://hrw.org/reports/2005/iraq0105/

377 بعثة مساعدة العراق التابعة للأمم المتحدة، مترجم من تقرير حقوق الإنسان، 1 يوليو/تموز—31 أغسطس/آب 2005.

378 مثلما يتضح في الفصل 20، بعنوان"المعايير القانونية والنزاع في العراق"، فإن المتمردين الذين يشنون عملياتهم في العراق لا يتمتعون بما يُسمى "صفة المقاتل" بموجب القانون الإنساني الدولي، والتي تعني جواز القبض عليهم واتهامهم بحمل السلاح وفقاً لتهم محلية من قبيل الخيانة العظمى أو القتل أو حيازة أسلحة بشكل غير قانوني. إلا إنهم يتمتعون بالحقوق الأساسية في أن يُعاملوا معاملةً إنسانية وأن ينالوا محاكمة عادلة مستقلة. انظر بصفة عامة: اللجنة الدولية للصليب الأحمر، "القانون الدولي الإنساني العرفي"، الفصل 32 بخصوص الضمانات الأساسية، والفصل 37 بخصوص الأشخاص المحرومين من حريتهم.

379 انظر أنتوني شديد وستيف فينارو، "تزايد الميليشيات في مختلف أنحاء العراق"، جريدة واشنطن بوست، 21 أغسطس/آب 2005؛ وبيتر بيمونت ومارتن برايت، "المساعدات البريطانية تمول الوحدات العراقية المسؤولة عن التعذيب"، ذي أوبزرفر، 3 يوليو/تموز 2005.

380  وزارة الخارجية الأمريكية، "التقرير الأسبوعي عن الوضع في العراق، 1 يونيو/حزيران 2005. وهو منشور على الموقع التالي (بتاريخ 14 يونيو/حزيران 2005): http://www.defendamerica.mil/downloads/Iraq%20Weekly%20Status%20Report_20050601.pdf

381 "اعتراضات شديدة من أئمة السنة في العراق على عملية البرق"، وكالة الأنباء الفرنسية، 7 يونيو/حزيران 2005؛ ونانسي يوسف، "زعماء سنيون يقولون العملية تستهدفنا دون وجه حق"، سياتل تايمز، 4 يونيو/حزيران 2005.

382 كانت أول ميليشيا يشكلها المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق هي فيلق بدر، الذي تأسس في الثمانينيات في إيران، حيث كان يقيم زعماء المجلس. وبعد الغزو الأمريكي للعراق، غيَّر الفيلق اسمه إلى منظمة بدر للبناء والتنمية، التي تعهدت بإلقاء سلاحها. إلا إن منظمة بدر، التي يتركز معظم نشاطها في بغداد وفي مناطق جنوب العراق التي يهيمن عليها الشيعة، ظلت مسلحة، وهي تحتفظ بصلات مع وزارة الداخلية، التي يتولاها حالياً أحد كبار القادة السابقين في فيلق بدر. انظر: إدوارد يونغ، "زعماء عراقيون يؤيدون الميليشيات ويوسعون شقة الخلاف"، جريدة نيويورك تايمز، 9 يونيو/حزيران 2005؛ ومجلس العلاقات الخارجية، العراق: جماعات الميليشيا"، 9 يونيو/حزيران 2005. وهو منشور على الموقع التالي (بتاريخ 19 يونيو/حزيران 2005):

http://www.cfr.org/pub8175/lionel_beehner/iraqmilitia_groups.php

383 بيتر ماس، "تطبيق نموذج السلفادور في العراق"، مجلة نيويورك تايمز، 1 مايو/أيار 2005. وهو منشور على الموقع التالي (بتاريخ 15 يونيو/حزيران 2005): http://www.petermaass.com/core.cfm?p=1&mag=123&magtype=1

وقد ذكر المقال أن وزارة حقوق الإنسان العراقية تحقق في الواقعة.

384 "زعماء سنيون يتهمون الميليشيات الشيعة بقتل 14 سنياً"، وكالة الأنباء الفرنسية، 18 مايو/أيار 2005.

385 ريتشارد غالبين، "اتهام الشرطة العراقية بممارسة التعذيب"، بي بي سي، 28 يوليو/تموز 2005. وهو منشور على الموقع التالي (بتاريخ 19 أغسطس/آب 2005): http://news.bbc.co.uk/2/hi/middle_east/4718999.stm

386 جون بيرنز، "مقتل 10 من السنة مختنقين في حجز الشرطة العراقية، جريدة نيويورك تايمز، 13 يوليو/تموز 2005.

387 خيون صالح، "وزارة حقوق الإنسان تطلب محاكمة جنود عراقيين بسبب مقتل معتقلين"، الزمان، 20 يوليو/تموز 2005.

388 ستيف فينارو وأنتوني شديد، "ضلوع مسؤولين أكراد في عمليات الاختطاف في كركوك"، جريدة واشنطن بوست، 15 يونيو/حزيران 2005.

389 راجعت هيومن رايتس ووتش نصوص البرنامج في الفترة من 11 إلى 14 أبريل/نيسان 2005.

390 بيتر ماس، "تطبيق نموذج السلفادور في العراق"، مجلة نيويورك تايمز، 1 مايو/أيار 2005. وقد ذكر المقال أن وزارة حقوق الإنسان العراقية تحقق في الواقعة.


<<   الصفحة السابقة  |  الصفحة الرئيسية  |  الصفحة السابقة  >> November 2005