Iraq



Iraq Iraq
  

<<   الصفحة السابقة  |  الصفحة الرئيسية  |  الصفحة السابقة  >>

XIV. انتهاكات القوات الأمريكية

إن انتهاكات القانون الإنساني الدولي الموثقة في هذا التقرير وقعت في سياق صراع مسلح تخللته تجاوزات من جانب جميع الأطراف؛ ولكن هذا لا يقلل بأي حال من مسؤولية مقترفي جرائم الحرب وغيرها من الجرائم، فمن المبادئ الأساسية التي تقوم عليها قوانين الحرب أن الانتهاكات التي يرتكبها طرف ما لا تبرر مطلقاً انتهاكات الطرف الآخر.

وقد سبق لمنظمة هيومن رايتس ووتش أن وثقت انتهاكات القانون الإنساني الدولي التي ارتكبتها قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة إبان غزو العراق إلى أن أعلن الرئيس بوش انتهاء القتال الفعلي في الأول من مايو/أيار 2003367. كما تناولت المنظمة في تقاريرها الانتهاكات التي ارتكبتها القوات الأمريكية أثناء الاحتلال العسكري للعراق، ومنذ ذلك الوقت، بما في ذلك تعذيب واهانة المعتقلين في سجن أبو غريب وغيره من مراكز الاعتقال368. وما نورده فيما يلي ليس سوى ملخص لبواعث القلق الرئيسية لدى هيومن رايتس ووتش.

فخلال الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق، اتخذ الجيش الأمريكي خطوات غير كافية للتقليل من الخسائر في صفوف المدنيين إلى أدنى حد ممكن. فقد أدى استخدام الأسلحة والذخائر العنقودية في المناطق الآهلة بالسكان – من جانب القوات البرية الأمريكية والبريطانية بوجه خاص - إلى سقوط المئات من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين على أقل تقدير. وفضلاً عن ذلك، فقد وقع 50 مما يعرف باسم "هجمات الإطاحة بالرؤوس" التي استهدفت الزعماء العراقيين بناءً على اعتراض الاتصالات الهاتفية التي تجري بواسطة الأقمار الاصطناعية، والمعلومات الاستخبارية المؤيدة لهذه البيانات، والتي ثبت قصورها وعدم كفايتها، إذ أخطأت هذه الهجمات جميع أهدافها الخمسين، ولكنها أوقعت العشرات من القتلى في صفوف المدنيين369. ولئن كانت القوات الجوية الأمريكية والبريطانية قد تجنبت البنية الأساسية المدنية في الأغلب والأعم، فإن الغارات الجوية على منشآت توزيع الطاقة المدنية في الناصرية خلفت معاناة لا يستهان بها للمدنيين، كما ثارت شكوك حول مشروعية الهجمات على المنشآت الإعلامية العراقية. وفي بعض حالات القتال المباشر، ولا سيما في بغداد والناصرية، من المحتمل أن تكون المشاكل المتعلقة بالتدريب وقواعد الاشتباك الخاصة بالقوات الأمريكية من العوامل التي أدت إلى وقوع خسائر في أرواح المدنيين.

وبعد سقوط حكومة صدام حسين، وطوال فترة الاحتلال العسكري للعراق، كانت الولايات المتحدة ملزمة بموجب القانون الإنساني الدولي باتخاذ كل ما في وسعها من التدابير لاستعادة النظام والأمن العام، وضمان الحفاظ عليهما قدر الإمكان – وهو التزام أخفقت الولايات المتحدة في الوفاء به370. وفي أغلب الأحوال، لم تحرك القوات الأمريكية ولا قوات التحالف ساكناً عندما قام أفراد عراقيون وجماعات منظمة بأعمال السلب والنهب في المباني الحكومية، والمستشفيات، وكذلك - وهو الأخطر بالنسبة لأمن البلاد – في مستودعات الشرطة والجيش المهجورة التي تغص بالأسلحة والذخائر.

وخلال السنتين اللتين مضتا، استخدم الجيش الأمريكي القوة على نحو أسفر عن سقوط المئات من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين، مما يستوجب إجراء تحقيق حول احتمال وقوع هجمات عشوائية أو مفرطة بالقياس إلى المكاسب العسكرية المنشودة من ورائها، وهو ما يشكل انتهاكاً لقوانين الحرب. وفي سبتمبر/أيلول 2003، أجرت هيومن رايتس ووتش دراسة لما وقع من وفيات في صفوف المدنيين في بغداد، فكشفت عن نمط مطرد انتهجته القوات الأمريكية يتمثل في استخدام أساليب مفرطة في العدوانية، وإطلاق النار بصورة عشوائية في المناطق السكنية، والاعتماد على القوة المميتة بدلاً من تدابير المراقبة عند نقاط التفتيش. وفي بعض الحالات، وجدت القوات الأمريكية نفسها إزاء خطر حقيقي يهددها مما يمنحها الحق في الرد باستخدام القوة؛ ولكن كثيراً ما كان هذا الرد مفرطاً على نحو لا يتناسب مع ذلك الخطر، أو لم يكن هدفه محدداً بالقدر الكافي من الدقة، مما ألحق الأذى بالمدنيين أو عرضهم لأخطار لا موجب لها371. كما انتقدت هيومن رايتس ووتش الجيش الأمريكي بسبب ردود فعله المتسمة مما عرض الصحفيين لمخاطر غير ضرورية372. وتقاعست القوات الأمريكية عن إجراء تحقيقات بشأن الخسائر في أرواح المدنيين التي وقعت إبان العمليات العسكرية، ومن ثم فإنها لم تبذل جهداً كافياً لاتخاذ الخطوات الكفيلة بتقليل الإصابات في صفوف المدنيين.

ونظراً للاعتبارات الأمنية، لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التحقيق في انتهاكات القانون الإنساني الدولي التي ارتكبها الطرفان أثناء الهجمات العسكرية الأمريكية وعمليات الاجتياح التي قامت بها القوات الأمريكية في إطار مكافحة التمرد، مثلما حدث في الفلوجة وعلى امتداد الحدود السورية. ومن بواعث القلق الرئيسية ما ورد من أنباء عن الإعدامات الفورية والتعذيب وغيره من صنوف المعاملة السيئة التي قيل إن القوات الأمريكية أنزلتها بالمتمردين والمدنيين العراقيين ممن وقعوا في الأسر في ساحة القتال. وفي سبتمبر/أيلول 2005، أصدرت هيومن رايتس ووتش تقريراً تحت عنوان: " فشل القيادة: روايات شهود اعيان عن تعذيب المعتقلين على يد الفرقة الثانية والثمانين المجوقلة  في الجيش الأمريكي، سبتمبر/أيلول 2005"؛ وفيه تورد المنظمة شهادات لجنود أمريكيين عن التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة التي ذاقها المعتقلون العراقيون. ومما يعزز بواعث القلق المشار إليها تقاعس الجيش الأمريكي عن تحريك الدعاوى الجنائية في حالات قامت فيها شواهد قوية على وقوع جرائم حرب – مثل الواقعة المسجلة على شريط تليفزيوني حيث يقوم جندي من مشاة البحرية الأمريكية بقتل متمرد مصاب بالجراح في أحد مساجد الفلوجة، وهي من أبرز الحوادث التي سلطت وسائل الإعلام الأضواء عليها373.

كما ثبت ضلوع تاك القوات في تعذيب وإساءة معاملة المعتقلين المشتبه في انتمائهم لجماعات المتمردين في سجن أبو غريب وغيره من مراكز الاعتقال في العراق؛ وتشمل أساليب التحقيق مع المعتقلين وسائل قاسية تنطوي على الإكراه، مثل إخضاعهم لأوضاع مؤلمة تسبب لهم إجهاداً شديداً وحرمانهم من النوم لفترات طويلة. وقد أشارت لجنة شلزينغر التي شكلها وزير الدفاع الأمريكي دونالد رمسفلد إلى 55 حالة مؤكدة من حالات إساءة معاملة المعتقلين في العراق، فضلاً عن 20 حالة وفاة في صفوف المعتقلين الخاضعين للتحقيق. وكان تقرير سابق للميجور جنرال أنطونيو تاغوبا قد أشار إلى "حوادث كثيرة من إساءة المعاملة الجرمية الجائرة والسادية والمخلة بالآداب" تشكل "إساءة معاملة منهجية وغير قانونية للمعتقلين" في أبو غريب. ووثق تقرير آخر لوزارة الدفاع الأمريكية 44 من الادعاءات المتعلقة بجرائم حرب من هذا القبيل في سجن أبو غريب374.

تدعو منظمة هيومن رايتس ووتش الحكومة الأمريكية مجدداً للتحقيق في كافة الادعاءات الجديرة بالتصديق عن أعمال القتل غير المشروع على أيدي الجنود الأمريكيين، ومعاقبة الجنود والضباط الذين يثبت أنهم استخدموا القوة المفرطة أو العشوائية أو سمحوا باستخدامها. كما خلصت هيومن رايتس ووتش إلى أن بعض القادة المدنيين والعسكريين الأمريكيين من ذوي الرتب العالية – ومن بينهم وزير الدفاع دونالد رمسفلد والمدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية جورج تنيت والجنرال ريكاردو سانشيز، القائد الأعلى السابق للقوات الأمريكية في العراق – قد اتخذوا من القرارات ووضعوا من السياسات المتعلقة بالمعتقلين ما سهَّل وقوع انتهاكات خطيرة وواسعة النطاق للقانون في العراق، فضلاً عن أفغانستان وخليج غوانتانمو. وترجح الملابسات التي اكتنفت الانتهاكات ترجيحاً قوياً أنهم إما كانوا على علم – أو كان ينبغي أن يكونوا على علم – بأن مثل هذه الانتهاكات سوف تحدث أو كانت تحدث فعلاً نتيجة لأفعالهم. وهناك أيضاً معلومات تشير إلى أنهم تقاعسوا عن اتخاذ أي إجراء لوضع حد للانتهاكات عندما قدمت لهم أدلة على وقوعها بالفعل375.



367 انظر مثلاً تقرير هيومن رايتس ووتش المعنون: الانحراف عن الهدف: إدارة الحرب والخسائر بين المدنيين في العراق، ديسمبر/كانون الأول 2003؛ يمكن الإطلاع عليه في الموقع التالي: http://www.hrw.org/arabic/reports/2003/us1212-2.htm.

368 انظر مثلاً التقريرين التاليين لهيومن رايتس ووتش: الاستجابة العنيفة: الجيش الأمريكي في الفلوجة، يونيو/حزيران 2003، على الموقع التالي: http://www.hrw.org/reports/2003/iraqfalluja/؛ القلوب والعقول: الخسائر في أرواح المدنيين على أيدي القوات الأمريكية في بغداد بعد الحرب، أكتوبر/تشرين الأول 2003، على الموقع التالي: http://www.hrw.org/reports/2003/iraq1003/index.htm.

369 هيومن رايتس ووتش، الانحراف عن الهدف: إدارة الحرب والخسائر بين المدنيين في العراق، ديسمبر/كانون الأول 2003

370 تنص اللائحة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب (لائحة لاهاي)، التي تعد الولايات المتحدة من الدول الأطراف فيها، على أن من واجب قوة الاحتلال استعادة وضمان الأمن والنظام العام في الإقليم الخاضع لسلطتها، قدر الإمكان؛ المادة 43، لائحة لاهاي. وتنص اتفاقيات جنيف لسنة 1949 على أن واجب ضمان النظام والأمن العام يصبح سارياً حالما تتصل قوة الاحتلال بالمدنيين في هذا الإقليم، في أقرب فرصة ممكنة. انظر تعليق اللجنة الدولية للصليب الأحمر على اتفاقية جنيف الرابعة، المادة 6. وهذا المبدأ منصوص عليه في الدليل الميداني للجيش الأمريكي FM 27-10، قانون الحرب البرية: يجب على القادة العسكريين في الموقع الحيلولة دون تعرض السكان المحليين الخاضعين لسيطرتهم أو سلطتهم لانتهاكات خطيرة، وكبح هذه الانتهاكات إذا اقتضت الضرورة ذلك. ويشمل ضمان الأمن المحلي حماية السكان من الأعمال الثأرية والهجمات الانتقامية، مثل تلك التي تستهدف الأقليات أو المسؤولين المحليين. وتقع على عاتق القادة مسؤولية استعادة وضمان النظام والأمن العام قدر الطاقة، واتخاذ كل ما في وسعها من التدابير الملائمة لتحقيق ذلك. انظر تعليق اللجنة الدولية للصليب الأحمر على البروتوكول الأول، المادة 87.

371 تقرير هيومن رايتس ووتش: القلوب والعقول: الخسائر في أرواح المدنيين على أيدي القوات الأمريكية في بغداد بعد الحرب ، أكتوبر/تشرين الأول 2003. للإطلاع على توثيق للواقعة الأولى الرئيسية في الفلوجة في أبريل/نيسان 2003، عندما أطلقت القوات الأمريكية النار على مظاهرة، مما أسفر عن مقتل 17 وجرح أكثر من 70، انظر تقرير هيومن رايتس ووتش المعنون: الاستجابة العنيفة: الجيش الأمريكي في الفلوجة، يونيو/حزيران 2003.

372 بيان صحفي لهيومن رايتس ووتش: "العراق: ردود الأفعال العسكرية الأمريكية تعرض الصحفيين للمخاطر"، 24 سبتمبر/أيلول 2003.

373 انظر أندرو مارشال، "صحفي يروي واقعة مقتل جريح عراقي على يد أحد مشاة البحرية الأمريكية"، رويترز، 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2004.

374 بيان صحفي لهيومن رايتس ووتش: "الولايات المتحدة: أبو غريب ليس سوى ’حافة جبل الجليد‘"، 27 أبريل/نيسان 2005. يمكن الاطلاع عليه في الموقع التالي: http://hrw.org/english/docs/2005/04/27/usint10545.htm#below.

375 تقرير هيومن رايتس ووتش: التعذيب بلا حساب ولا عقاب؟ مسؤولية القيادة عن إساءة معاملة المعتقلين لدى القوات الأمريكية، أبريل/نيسان 2005.


<<   الصفحة السابقة  |  الصفحة الرئيسية  |  الصفحة السابقة  >> November 2005