Iraq



Iraq Iraq
  

<<   الصفحة السابقة  |  الصفحة الرئيسية  |  الصفحة السابقة  >>

V. الهجمات على المدنيين العاملين مع حكومات أجنبية

لئن كانت الهجمات التي شنتها جماعات المتمردين خلال عام 2003 قد استهدفت القوات العراقية أو القوات المتعددة الجنسيات في الأغلب والأعم، ففي مطلع عام 2004 بدأ المتمردون في استهداف ما يُعرف بـ"الأهداف السهلة" المرتبطة بالقوات الأجنبية في العراق، أي المدنيين العراقيين والأجانب الذين يعملون مع القوة المتعددة الجنسيات أو الحكومات الأجنبية، أو المشتبه في عملهم معها. وكانت أغلبية الضحايا من المواطنين العراقيين الذين كانوا يعملون مترجمين أو عمال تنظيف أو سائقين أو حلاقين لدى سلطة الائتلاف المؤقتة، أو الحكومة الأمريكية أو غيرها من حكومات التحالف، فضلاً عن الأشخاص المشتبه في قيامهم بتقديم معلومات لحكومات أجنبية. ولا يعرف العدد الإجمالي للضحايا، ولكن التقارير الصحفية والأدلة التي تستند إلى الروايات المتناقلة تظهر نمطاً مطرداً من التهديدات والاعتداءات، بما في ذلك قتل المدنيين الذين يعملون مع حكومات أجنبية بأي صفة من الصفات.

وقال من أعلنوا مسؤوليتهم عن هذه الهجمات على المدنيين إن الضحايا كانوا أهدافاً مشروعة لهم بسبب تعاونهم مع القوى الأجنبية في العراق. ورغم أنهم لم يشاركوا مشاركة مباشرة في القتال، فقد اعتبر المهاجمون أنهم يحرضون ويساعدون القوات الأجنبية من خلال تقديم خدمات لحكومة ما أو لقواتها المسلحة. وجدير بالذكر أن القانون الإنساني الدولي يحرم أي هجوم على المدنيين الذين لا يشاركون بصورة مباشرة في القتال.

والمقصود من هذه الهجمات أن تكون عقاباً للضحايا على تعاونهم مع القوات الأجنبية، كما يراه المهاجمون، وعظةً وعبرةً لغيرهم ممن قد يفكرون في القيام بأي عمل من هذا القبيل. ففي 23 أكتوبر/تشرين الأول 2004، على سبيل المثال، بثت جماعة أنصار السنة على موقعها علي شبكة الإنترنت تسجيلاً مصوراً لـ"اعتراف" وإعدام سيف عدنان كنعان، الذي قال إنه يعمل ميكانيكي سيارات بقاعدة القوات الأمريكية في الموصل. وقال كنعان "إنني أقول لكل من يريد العمل مع الأمريكان ألا يعمل معهم؛ لقد تبين لي أن المجاهدين لديهم معلومات دقيقة جداً [و] معلومات استخبارية قوية عن كل شيء؛ إنهم أقوى مما كنت أظن". ثم أعدم بقطع رأسه148.

ويعد المدنيون العراقيون والأجانب الذين يقومون بأعمال بموجب عقود لإعادة الإعمار تمولها الحكومة  الأمريكية من بين الأهداف الموثقة توثيقاً جيداً ضمن هذه الفئة من الضحايا؛ فوفقاً لتقرير أصدره المفتش العام المعني بإعادة إعمار العراق، التابع للحكومة الأمريكية، فإن جماعات المتمردين قتلت 276 مدنياً يعملون بموجب مثل هذه العقود حتى 31 مارس/آذار 2005149. وكان قرابة 100 من هؤلاء المدنيين مواطنين أمريكيين. وقد استمرت الهجمات بوتيرة سريعة منذ صدور التقرير، حيث قتلت الجماعات المسلحة سبعة مقاولين، وأصابت 11 بجروح، واختطفت نحو 16 في أغسطس/آب، حسبما أفاد مكتب المشاريع والعقود الأمريكي في بغداد؛ وجدير بالذكر أن اثنان وثلاثون من هؤلاء المقاولين الأربعة والثلاثين الذين قتلوا أو جُرحوا أو فقدوا خلال ذلك الشهر كانوا عراقيين، ولم يكن من بين الضحايا أي أمريكي150.

ومن بين الفئات الأخرى المستهدفة المترجمون العاملون مع الحكومة الأمريكية أو الجيش الأمريكي أو سلطة الائتلاف المؤقتة. وأفاد أحد التقارير الصحفية أن جماعات المتمردين قتلت 52 مترجماً في بغداد والفلوجة والرمادي خلال الفترة بين يناير/كانون الثاني وسبتمبر/أيلول 2004، ولو أن التقرير لم يحدد كيف قتلوا؛ وقد قُتل 45 من هؤلاء في بغداد151.

وفي إحدى الحالات التي وثقتها هيومن رايتس ووتش، قتل رجال مسلحون أربع شابات جميعهن مسيحيات، وهن عائدات بسيارة إلى منازلهن من قاعدة عسكرية أمريكية بمطار الموصل حيث يعملن منظفات.

وقال أقارب الضحايا إن النساء الثلاث اللاتي كن جالسات في المقعد الخلفي قد لقين حتفهم، في حين نجا السائق وامرأة أخرى كانت جالسة في الأمام.

وكانت تارا ماجد بطرس، البالغة من العمر 19 عاماً، من بين هؤلاء الضحايا (انظر الصورة)؛ وهي طالبة في كلية الآداب بجامعة الموصل، وكانت تعمل في القاعدة خلال عطلة الصيف لكسب مزيد من الدخل من أجل أسرتها؛ إذ كان والدها يعاني من حصىً كلوية، ولم يكن قادراً على العمل. وقال بعض أفراد الأسرة إن النساء الأربع كن ينتقلن يومياً من منازلهن في بلدة برطلة، قرب الموصل، إلى قاعدة المطار؛ وروى أحد أقارب تارا لمنظمة هيومن رايتس ووتش ما حدث يوم 31 أغسطس/آب 2004:

عادةً ما كانت [تارا] تعود إلى المنزل في الرابعة وخمس وأربعين دقيقة مساء، وكنا ننتظر عودتها كل يوم بسبب سوء الأوضاع في الموصل؛ ولكنها ذلك اليوم لم تعد إلى المنزل في الرابعة وخمس وأربعين دقيقة ولا في الخامسة؛ وفي حوالي الخامسة وعشر دقائق كنت أنتظر في الشارع، وخطرت ببالي فكرة الاتصال بأسرة السائق؛ ولما اتصلت، سمعت بكاءً، وقال شخص ما إنهن تعرضن لهجوم؛ ولك أن تتصور كيف شعرت آنذاك؛ لقد سقط الهاتف من يدي؛ كنت حافي القدمين، ولكني هرعت إلى أسرة السائق على بعد كيلومتر من منزلنا152.

وعندئذٍ توجه أحد أفراد الأسرة الآخرين إلى الموصل مع صديق له للبحث عن تارا والفتيات الأخريات؛ فعثروا عليها في مستشفى الرازي، وقد أصيبت بجروح بالغة ناجمة عن أعيرة نارية في أسفل الظهر، ومفصل الفخذ، والردف؛ وكانت بحاجة إلى الدم. وبعد وصولهم بقليل، توفيت تارا متأثرة بجروحها153. وجاء في شهادة الوفاة أن سبب الوفاة هو "تمزق في أنسجة القلب والرئتين بسبب أعيرة نارية"154.

أما الضحيتان الأخريان فهما الشقيقتان تغريد وهالة إسحاق؛ ووصفت المرأة التي كانت جالسة في المقعد الأمامي، والتي أصيبت بجرح طفيف في الظهر ناجم عن شظية – وصفت الحادث بقولها:

كانت السيارة تسير بنا، ولم نكد نجتاز إشارة المرور بالقرب من مركز شرطة الكرامة حتى جاءت سيارة من الخلف، واصطدمت بنا من جانب السائق؛ لا أذكر نوع السيارة، ولكنها كانت لبنية اللون؛ أعتقدأنهم كانوا ثلاثة: سائق ورجلان في الخلف. وتوقف سائقنا ليرى من اصطدم بنا، فوجدهم مسلحين، ولذا، فبالرغم من أنه أبطأ السيارة، قال لنا: "أخفضوا رؤوسكم!"، ولم يلبث أن زاد من سرعة السيارة، فتعقبتنا السيارة الأخرى، ولكن سيارتهم كانت أفضل من سيارتنا، فتمكنوا من اللحاق بنا، وضيقوا علينا الخناق على جانب الطريق؛ وكانوا يطلقون النار علينا طيلة هذا الوقت.

خفضت رأسي وظللت منحنية إلى أن توقف إطلاق النار؛ أصبت بشظية معدنية من السيارة في ظهري، ولما رفعت رأسي، رأيت السائق يتحرك، وكان يسأل الفتيات إن كن قد أصبن؛ كان يمسك بجانبه لأنه أصيب؛ لم أشعر بالشظية بعد، ولكننا التفتنا إلى الخلف، ورأيت الفتيات الثلاث مضرجات بالدماء؛ كانت تارا وحدها تتأوه من الألم. خرجنا من السيارة، وفتحنا الباب الخلفي لنرى إن كان بمقدورنا إسعافهن؛ كانت تارة خلفي مباشرة فسألتها إن كانت قد أصيبت؛ فلم تقل شيئاً سوى "انقلوني إلى المستشفى". وحاولنا استيقاف بعض السيارات لمساعدتنا، وتوقفت إحداها أخيراً... وعندما أخرجوا تارا من السيارة، سقطت هالة كجثة هامدة، فكان نصف جسمها داخل السيارة والنصف الآخر خارجها. وكان من الواضح أنها فارقت الحياة لأنها أصيبت في الرأس، وكان نصف مخها في الخارج. ولذا فقد حمل بعض المارة جثتها ووضعوها على جانب الطريق، وغطوها بوشاح؛ ناديت على تغريد، فحركت يدها، فقال الناس إنها لا تزال على قيد الحياة155.

وساعدت المرأة والسائق في نقل تغريد وتارا إلى المستشفى؛ وفارقت تغريد الحياة لدى وصولها إلى المستشفى، أما تارا فكانت لا تزال على قيد الحياة؛ وقالت المرأة:

وهناك أحضروا تارا لفحصها بالأشعة، واستُدعي اثنان من الممرضين، فلم يبق سوى واحد منهم معنا، فطلب مني مساعدته في تهيئة تارا في الوضع الصحيح للتصوير الإشعاعي؛ وعندئذٍ كانت تارا لا تزال قادرة على التكلم، إذ قالت "ساعديني"؛ فقلت لها "اثبتي، فالأطباء قادمون"؛ ولكنها توقفت عن الكلام فجأة... كانوا ينقلون الدم إليها. وبعد أن أعطوها الكيس الرابع، عادت الأشعة؛ وكانت هناك رصاصة في جهازها البولي؛ وكان هناك نزيف داخلي؛ وقالوا "لا يمكننا مساعدتها".

وبذلت أسرة تارا محاولات متكررة للتحدث إلى الشرطة في الموصل ، ولكن قوبلت محاولاتها بالرفض، حسبما أفادت. وقال أحد أفراد الأسرة "عندما حاولت التحدث إلى الشرطة، قلت ’إنهم [أي المهاجمين] إرهابيون‘، ولكنهم قالوا لي ’كلا، إنهم مجاهدون‘"156. وتقدمت الأسرة بشكوى إلى الشرطة بعد الهجوم بعشرة أيام. وأخذت الشرطة أقوال الشهود، ثم سأل أحد أفراد الشرطة الأسرة بفظاظة "ما الذي أوقعها في هذه الورطة؟؛ أنتم تعلمون أن المجاهدين لا يقبلون [العمل مع الولايات المتحدة]". ودعا الجيش الأمريكي الأسرة إلى قاعدة المطار، حيث سئلوا عما إذا كانوا يشتبهون في تورط أي شخص في مقتل الفتيات، وما إذا كان للأسرة أي أعداء؛ فردت الأسرة بالنفي. وقال أحد ضباط الجيش إنهم سوف يتصلون بالأسرة مرة أخرى في غضون 15 يوماً، ولكن الأسرة لم تتلق أي اتصال منهم منذ ذلك الحين.

وفي إحدى الحالات المتعلقة بالمسيحيين، أطلق مسلحون النار فقتلوا رجلاً في الثالثة والعشرين من عمره يدعى إيشو نيسان ماركوس، وابنة أخيه رمزية، البالغة من العمر 21 عاماً، وهما في طريقهما إلى مقر عملهما في محل الغسيل والكي بالقصر الرئاسي في بغداد الذي كانت تحتله القوات الأمريكية. وقال أحد أفراد الأسرة – طلب عدم الكشف عن هويته - إن الضحيتين وثلاثة أقارب آخرين، هم رامز ورامي ودريد، درجوا على التوجه إلى مقر عملهم بالمنطقة الخضراء في بغداد بسيارة أجرة يومياً؛ وفي 7 يونيو/حزيران 2004، شن مهاجمون مجهولون هجوماً عليهم وهم في طريقهم إلى منزل الأسرة؛ وقال قريب الضحايا المذكور:

كنا جميعاً في البيت آنذاك، وسمعنا هرجاً ومرجاً في الخارج، لأن حادث القتل وقع بالقرب من منزلنا، في نهاية الشارع. وعندما وصلت إلى هناك رأيت رمزية؛ فنقلناها إلى مستشفى اليرموك؛ كانت مصابة بسبع رصاصات في ظهرها، وخصرها، ويدها اليسرى. أما إيشو فقد أصيب بثلاث طلقات في رأسه وسقط قتيلاً في الحال؛ كما أصيب بجرحين آخرين في الصدر ناجمين عن الأعيرة النارية. وكانت رمزية لا تزال على قيد الحياة عندما وجدتها، ولكنها توفيت في حوالي الثانية عشرة والنصف ظهراً، إثر وصولنا إلى المستشفى157.

وقال قريب الضحايا إن الراكب الآخر في السيارة، دريد، قد لقي حتفه هو الآخر، فيما أصيب رامز ورامي بجروح. وأفادت الحركة الديمقراطية الآشورية، أكبر منظمة سياسية مسيحية في العراق، إن ثلاثة رجال قد قتلوا في هذا الهجوم، هم: إيشو نيسان ماركوس، ودريد صبري حنا، وهشام عمر158. ومن المحتمل أن يكون هشام عمر قد لقي مصرعه في الشارع باعتباره من المارة، وليس من ركاب السيارة.

وفي حادث منفصل في نفس اليوم، قالت الحركة الديمقراطية الآشورية إن مسلحين قتلوا سائقاً وثلاث نساء مسيحيات آشوريات كن عائدات من عملهن لدى سلطة الائتلاف المؤقتة، وهن أليس أرامايس، وعايدة بطرس باكوس، ومنى جلال كريم؛ غير أن منظمة هيومن رايتس ووتش لم تتحقق من هذا التقرير159.

وفي حالة ثالثة تتعلق بالمسيحيين، قتل المتمردون أخوين للاشتباه في عملهما مع الجيش الأمريكي، وهما خالد بولص طعمة سليوة، البالغ من العمر 30 عاماً، وأخوه هاني البالغ من العمر 33 عاماً؛ إذ أطلق مسلحون النار عليهما فأردوهما قتيلين في سيارتهما بالموصل في 2 سبتمبر/أيلول 2004 (انظر الصور).

وقال بعض أفراد الأسرة إن المشاكل بدأت في منتصف عام 2004، عندما أسر المتمردون مسيحياً من الموصل اعتقاداً منهم بأنه يزود الجيش الأمريكي بمعلومات عن أنشطة المتمردين. ولم تلبث جماعة مسلحة تطلق على نفسها اسم "صلاح الدين الأيوبي" أن قامت بتوزيع شريط مصور في الموصل بعنوان "الجواسيس"، "يعترف" فيه الرجل الأسير بأنه يعمل مخبراً للولايات المتحدة. وفي الشريط، الذي اطلعت عليه هيومن رايتس ووتش، يذكر الرجل أسماء مخبرين آخرين، من بينهم الأشقاء الخمسة من أسرة سليوة، قبل أن يقطع خاطفوه رأسه بسكين كبيرة.

وفي 1 يونيو/حزيران 2004، كان أحد الأشقاء من أسرة سليوة – طلب عدم الكشف عن هويته – في طريقه إلى منزله من أحد المقاهي بصحبة أربعة من أصدقائه، اثنان منهم مسيحيان والآخران مسلمان، وإذا برجال ملثمين يطلقون عليهم نيران المسدسات. وقال الشقيق إنه أصيب في ذراعه اليسرى وبطنه160؛ وشاهدت هيومن رايتس ووتش ندوب جروح في كلا الموضعين المذكورين، كما اطلعت على سجلات طبية من مستشفى الزهراوي التعليمي في الموصل تثبت وقوع هذه الجروح.

وقال الشقيق المصاب إن بعض المعارف من أهالي حي الساعة بمدينة الموصل - الذي أقامت فيه خمسة أجيال متعاقبة من الأسرة - سبق أن هددوه زاعمين خطأً أنه يعمل مع الجيش الأمريكي، ولكن هذا الهجوم هو أول اعتداء بدني يتعرض له. وأضاف قائلاً إن جدران الحي كتبت عليها عبارات تدعو إلى قتل المسيحيين، كما تتوفر في أسواق الموصل بكثرة نسخ من شريط الفيديو الذي يصور عملية قطع  الرأس التي قامت بها جماعة "صلاح الدين الأيوبي". وقال الشقيق الذي تحدثت إليه منظمة هيومن رايتس ووتش إنه لا هو ولا أحد من أسرته يعمل مع الحكومة الأمريكية، ولكن المنظمة لم تتحقق من هذا الزعم.

وبعد حادث إطلاق النار الأول بستة أسابيع، أطلق مسلحون النار على الشقيق مرة أخرى، فأصابوه بجروح؛ وقال إن رجالاً مجهولي الهوية دخلوا الحي، ولم يكد يخرج لاستطلاع الأمر، حتى أطلقوا عليه نيران بنادق الكلاشنيكوف الهجومية، فأصابوه في فخذه الأيمن وعظم ساقه اليسرى؛ كما أصيب ثلاثة رجال آخرين كانوا على مقربة من الموقع.

وقد رحل الشقيق الذي تحدثت إليه هيومن رايتس ووتش عن الموصل، ولكن الأشقاء الآخرين من أسرة سليوة لم يبرحوا المدنية. وفي 2 سبتمبر/أيلول، قال الأقارب إن خالد وهاني كانا يسحبان سيارتهما الحمراء من طراز "بي إم دبليو" من داخل "الجراج"، عندما سد نحو 15 رجلاً مسلحاً طريقهما، وأطلقوا عليهما نيران البنادق الأوتوماتيكية، فأردوهما قتيلين. وتوجهت الأسرة إلى مركز الشرطة في ضاحية الخزرج بالموصل، حيث قدموا أسماء الأشخاص الذين هددوهم في الماضي، ولكنهم قالوا إن الشرطة صرفتهم قائلة لهم أن يعودوا إلى منزلهم. وحتى فبراير/شباط 2005، لم تكن الأسرة قد تلقت أي معلومات

تفيد بإلقاء القبض على الجناة؛ وقال الشقيق "توجهنا إلى مركز الشرطة ولكن دون جدوى".

وانتقلت الأسرة بأكملها إلى عين كاوة في أعقاب حوادث القتل حيث أقامت في منزل صغير مستأجر. وقال أحد أفراد الأسرة "تعرضنا للتهديدات؛ ولا يمكننا العودة؛ لن أسمح لعائلتي أبداً بالرجوع؛ لم نجد مناصاً من الرحيل"161.

وفي إحدى الحالات التي سقط فيها ضحايا من الأكراد، اختطف مسلحون مجهولون خالد أنور إبراهيم مصطفى خوشناو، وهو أب لخمسة أبناء، ثم قطعوا رأسه في 9 سبتمبر/أيلول 2004. ورغم أنه لم يكن يعمل رسمياً مع الحكومة أو القوات المسلحة الأمريكية، فقد زار القاعدة الأمريكية في مطار الموصل من حين لآخر، حسبما أفادت أسرته، وكان من قبل يعمل مع سلطة الائتلاف المؤقتة في أربيل162. ولا يزال الغموض يكتنف علاقته بالحكومة الأمريكية، ولو أن الروايات متفقة على أنه لم يشارك في أي قتال، وأنه كان في عداد المدنيين من وجهة النظر القانونية.

وقال اثنان من أقارب خوشناو، وهو سائق أجرة من الموصل متزوج من سيدة عربية منذ 13 عاماً، إن رجالاً مسلحين هددوه من قبل؛ وقبل مقتله بنحو شهر، اختطفته جماعة مجهولة لمدة 10 أيام، ولكنها أطلقت سراحه دون أن يصيبه أذى.

وفي 9 سبتمبر/أيلول، خرج خوشناو لشراء طعام الفطور مع ابنه الصغير في حي الكرامة؛ وبعد ذلك ببضع دقائق عاد الابن وحده؛ وبعد ذلك بيومين، عُثر على جثة خوشناو مقطوعة الرأس في أحد الشوارع، وكانت يده اليسرى قد بُترت أيضاً. وأوضح أحد الأقارب ملابسات مقتله بقوله:

لقد خرج لإحضار طعام الفطور؛ وبعد ذلك بقليل، حوالي 15 دقيقة، عاد ابنه إلى المنزل قائلاً "لقد قُتل أبي". توجهت إلى مكان السيارة، فوجدتها تحترق؛ كنت على مقربة من منزلنا. كانت النيران مشتعلة في السيارة، ولكن سيارة المطافئ كانت هناك، وكذلك الشرطة، تحاول إخماد النيران. سألت أفراد الشرطة، فقالوا لي خالد قد نقل.

ولم يقولوا لي أي شيء آخر؛ عدت إلى البيت، ولكن في اليوم التالي قال لي الناس إن رأسه المقطوعة قد عثر عليها بالقرب من موقع السيارة؛ لم أذهب إلى هناك بنفسي، ولكن الجيران توجهوا إلى المستشفى للتعرف على الرأس. وفي اليوم التالي، توجه والده إلى المستشفى وتعرف على ابنه؛ وتم العثور على الجثة بعد ذلك بيومين؛ فقد علمت من المستشفى أنهم عثروا على الجثة؛ لدينا قريب يعمل هناك؛ وتعرف والد خالد على الجثة عن طريق الوشم الذي يشتمل على أسماء أطفاله [على اليد المبتورة]163.

وبعد مقتل خوشناو بثلاثة أشهر ونصف، وضعت زوجة طفلاً أسمته غفور.

ومن الحالات التي أوردتها التقارير الصحفية حالة وقعت في 21 يناير/كانون الثاني 2004، حيث هاجم مسلحون شاحنة صغيرة تقل بعض العمال من بغداد إلى القاعدة العسكرية الأمريكية في الحبانية بالقرب من الفلوجة؛ ولقيت خمس نساء مسيحيات حتفهن164. وأعرب العميد مارك كيميت عن اعتقاده بأن الغرض من الهجوم هو "توجيه رسالة إرهابية إلى هؤلاء الناس تقول ’إذا عملتم مع التحالف... فسوف تطالكم أيدينا‘"165.

وتعرض بعض موظفي الحكومات الأجنبية للتهديدات مما حدا بهم إلى ترك وظائفهم، ثم الانتقال لاحقاً إلى المنطقة الخاضعة للسيطرة الكردية الآمنة نسبياً في شمال العراق أو الفرار من البلاد. ومن بين هؤلاء ممن تحدثوا إلى هيومن رايتس ووتش في شمالي العراق ميكانيكي سيارات في الموصل، قال في صيف عام 2004 إن الجنود الأمريكيين طلبوا منه إصلاح سياراتهم؛ فأصلح سيارتين عسكريتين من طراز "همفي"، وبعد ذلك بأسبوع زاره رجال عراقيون لا يعرفهم؛ ومضى قائلاً:

بعد أسبوع، جاءني رجلان يرتديان الدشداشة والغترة الحمراء؛ لا أعرف إن كانا مسلحين. وقالا لي "لماذا تعمل مع الأمريكان؟ إن لم تكف عن ذلك، فسوف نقتلك"؛ فقلت لهما "إنني لا أبتغي شيئاً من وراء ذلك سوى كسب الرزق"؛ فقالا "إن لم تتوقف عن ذلك، فسوف نقتلك؛ ولم أعد إلى عملي بعد ذلك من الخوف؛ وبعد ذلك بأسبوع رحلنا.166



148 "مسلحون عراقيون يقطعون رأس رجلاً يعمل مع القوات الأمريكية في الموصل"، مترجم من أسوشيتد  برس، 23 أكتوبر/تشرين الأول 2004، و"جماعة مرتبطة بالقاعدة تقطع رأس ’جاسوس‘ مزعوم في العراق"، وكالة الأنباء الفرنسية، 23 أكتوبر/تشرين الأول 2004.

149 "المفتش العام المعني بإعادة إعمار العراق"، تقرير مقدم للكونغرس، 30 أبريل/نيسان 2005.

150 ريك جرفيس، "التخويف، الهجمات تحصد المقاولين في العراق"، صحيفة يو إس إيه توداي، 7 سبتمبر/أيلول 2005.

151 صابرينا تافرنيسي، "العراقيون العاملون مع القوات الأمريكية يصبحون هدفاً للمتمردين"، جريدة نيويورك تايمز، 18 سبتمبر/أيلول 2004. للاطلاع على مقال آخر بشأن الهجمات على المترجمين، انظر "مترجم عراقي يتحدى التهديدات بالقتل ويتوق للسلام"، وكالة الأنباء الفرنسية، 25 يونيو/حزيران 2004.

152 مقابلة أجرتها هيومن رايتس ووتش مع أحد أفراد الأسرة "أ"، برطلة، العراق، 31 يناير/كانون الثاني 2005.

153 مقابلة أجرتها هيومن رايتس ووتش مع أحد أفراد الأسرة "ب"، برطلة، العراق، 31 يناير/كانون الثاني 2005.

154 شهادة الوفاة، وزارة الصحة العراقية، #669266، 31 أغسطس/آب 2004.

155 مقابلة أجرتها هيومن رايتس ووتش مع الضحية، برطلة، العراق، 31 يناير/كانون الثاني 2005.

156 مقابلة أجرتها هيومن رايتس ووتش مع أحد أفراد الأسرة "أ"، برطلة، العراق، 31 يناير/كانون الثاني 2005.

157 مراقبة أجرتها هيومن رايتس ووتش مع أحد أفراد الأسرة، زاخو، العراق، 7 فبراير/شباط 2005.

158 "اشتداد الهجمات الإرهابية على الآشوريين":

www.assyrianchristians.com/news_terroristattacks_june_24_04.htm (تم الإطلاع علي الموقع 23 فبراير/شباط 2005)

159 المصدر السابق.

160 مقابلة أجرتها هيومن رايتس ووتش مع أحد الأشقاء من أسرة سليوة، عين كاوة، العراق، 25 يناير/كانون الثاني 2005.

161 مقابلة أجرتها هيومن رايتس ووتش مع أحد أفراد أسرة سليوة، عين كاوة، العراق، 25 يناير/كانون الثاني 2005.

162 مقابلة أجرتها هيومن رايتس ووتش مع أحد أفراد الأسرة، أربيل، العراق، 26 يناير/كانون الثاني 2005.

163 مقابلة أجرتها هيومن رايتس ووتش مع أحد أفراد الأسرة، أربيل، العراق، 27 يناير/كانون الثاني 2005.

164 سيسيل فويلاتر، "الأهالي في حزن على نساء عراقيات قتلن بسبب غسلهن ثياب القوات الأمريكية"، وكالة الأنباء الفرنسية، 23 يناير/كانون الثاني 2004.

165 أليسا روبن، "مقتل أربع نسوة عراقيات في طريقهن إلى مقر عملهن بقاعدة عسكرية"، لوس أنجيليس تايمز، 13 يناير/كانون الثاني 2004.

166 مقابلة أجرتها هيومن رايتس ووتش مع أحد الضحايا، عين كاوة، 29 يناير/كانون الثاني 2005.


<<   الصفحة السابقة  |  الصفحة الرئيسية  |  الصفحة السابقة  >> November 2005