Iraq



Iraq Iraq
  

<<   الصفحة السابقة  |  الصفحة الرئيسية  |  الصفحة السابقة  >>

VI. الهجمات على المسؤولين الحكوميين والشخصيات السياسية

منذ منتصف عام 2003، شنت جماعات المتمردين هجمات متكررة على المسؤولين الحكوميين والسياسيين العراقيين؛ وقتلت شتى الجماعات المسلحة العشرات، إن لم نقل المئات، من مسؤولي الحكم المحلي أو الحكومة الوطنية ومسؤولي الأحزاب السياسية، فضلاً عن القضاة، عن طريق فرق الاغتيال، والعبوات الناسفة المزروعة على جانب الطريق، والهجمات الانتحارية. ولا يُعرف العدد الإجمالي للضحايا بسبب كثرة الهجمات وغياب نظام شامل للإبلاغ. كما استهدفت الشخصيات السياسية لهجمات ذات دوافع إجرامية.

وأعلنت جماعات المتمردين، مثل الجيش الإسلامي في العراق، وأنصار السنة، والتوحيد والجهاد، مسؤوليتها مراراً عن الهجمات على المسؤولين الحكوميين؛ وخلال الفترة السابقة لانتخابات الجمعية الوطنية الانتقالية، التي أجريت في 30 يناير/كانون الثاني 2005، حذرت شتى الجماعات المواطنين العراقيين من المشاركة فيها، من خلال منشورات تم توزيعها في الضواحي والأحياء، وكانت موجهة مثلاً "إلى كل من يريد الوقوف في صفوف الانتخابات، صفوف الموت والهلاك"167. وقد اعتبرت بعض جماعات المتمردين مجلس الحكم الانتقالي في العراق بمثابة هيئة تخدم مصالح الولايات المتحدة؛ وقال ناطق باسم جيش محمد، وهو من أكبر الجماعات السنية "إن موقفنا واضح – إنهم جميعاً جواسيس وخونة وعملاء للأمريكان"168.

وقد وقع واحد من أبرز الاغتيالات السياسية في التاسع والعشرين من أغسطس/آب 2003، عندما انفجرت سيارة مفخخة خارج مسجد الإمام علي في النجف، فأودت بحياة آية الله محمد باقر الحكيم، زعيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، وأكثر من 82 آخرين (انظر الفصل الرابع "الهجمات على الطوائف العرقية والدينية").

ومنذ ذلك الحين، ظلت الشخصيات السياسية الشيعية هدفاً معتاداً لهجمات المتمردين؛ ففي 20 سبتمبر/أيلول 2003، أطلق مسلحون مجهولون النار في غربي بغداد على عقيلة الهاشمي، وهي واحدة من ثلاث أعضاء إناث في مجلس  الحكم الانتقالي الذي شكلته الولايات المتحدة، وتوفيت بعد ذلك بخمسة أيام. وكانت عقيلة الهاشمي، وهي شيعية ودبلوماسية سابقة، تستعد للتوجه إلى نيويورك ضمن الوفد العراقي إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقال أحد شهود العيان للصحفيين "رأيت سيارة بيك آب وسيارة مرسيدس تتوقفان في اللحظة التي كانت تهم فيها بالرحيل في سيارتها اللاند كروزر، يتبعها حراسها الشخصيون في سيارة ثانية". ومضى الشاهد قائلاً:

كان هناك رجال مسلحون مختبئون في مؤخرة البيك آب، فقفزوا من السيارة وراحوا يطلقون النار. ولما حاولت سيارتها الفرار، ألقى أحدهم قنبلة يدوية؛ ورأيت أخاها، الذين كان ضمن حرسها الشخصي، يركض والدماء تسيل على وجهه، وهو يصرخ قائلاً ’أختي، أختي!‘"169.

وأفاد أحد أفراد المفرزة الأمنية الخاصة بعقيلة الهاشمي أن المهاجمين أطلقوا أولاً قذيفة صاروخية على سيارتها ولكنها لم تصبها، ثم راحوا يطلقون نيران بنادق الكلاشنيكوف الهجومية170. ووصلت عقيلة الهاشمي إلى مستشفى اليرموك في حوالي العاشرة والنصف صباحاً، مصابة بجروح خطيرة في البطن، ثم نقلت إلى مستشفى عسكري أمريكي171؛ وأجريت لها عمليتان جراحيتان، ولكنها توفيت متأثرة بجروحها في 25 سبتمبر/أيلول172.

وعُيِّنت سيدة شيعية أخرى خلفاً لعقيلة هاشمي في مجلس الحكم الانتقالي، وهي أستاذة طب الأسنان سلامة الخفاجي التي كانت عضواً نشطاً في نقابة أطباء الأسنان عقب سقوط حكومة صدام حسين. وفي 16 يناير/كانون الثاني 2004، شن مسلحون يرتدون زي الشرطة هجوماً على موكب سلامة الخفاجي، ولكن حراسها الشخصيين ردوا بنيرانهم على المهاجمين، ولم تقع أي إصابات. وبعد ذلك بأربعة أشهر، أي في 27 مايو/أيار، نصب مهاجمون مجهولون كميناً لموكبها مرة أخرى، بالقرب من اليوسفية جنوبي بغداد هذه المرة، مما أدى إلى مقتل حارسها الشخصي وأكبر أبنائها أحمد.

وكان موكب سلامة الخفاجي المؤلف من ثلاث سيارات سائراً في طريقه من النجف إلى بغداد مساء ذلك اليوم، وإذا بسيارة "أوبل" حمراء تقل أربعة رجال تتخطى الموكب، ثم تدور إلى الخلف بالكامل لتعود مسرعة في الاتجاه المعاكس، حسبما قالت الخفاجي لصحفي يكتب نبذة عن سيرتها. وأوضحت ما حدث قائلة "نظروا إلينا، وعرفوا من نحن؛ ثم ذهبوا لإحضار أسلحتهم وعادوا إلينا؛ رأيت سيارة أحمد تنحرف عن الطريق لتسقط في قناة، ولكن كان الغبار كثيفاً للغاية فلم أتبين ما حدث". أما سيارة الخفاجي فقد انطلق بها سائقها بعيداً عن الموقع إنقاذاً لحياتها.

وعلمت سلامة الخفاجي تلك الليلة أن حارسها الشخصي قد لقي حتفه، وعثر على جثة ابنها في اليوم التالي؛ وقالت في نبذة سيرتها "عندما كنت في النجف التقيت بنساء كثيرات فقدن أبناءهن وأزواجهن وإخوتهن، وتأثرت كثيراً برغبتهن في السلام؛ إن النساء هن اللاتي عانين أشد المعاناة في ظل هذا الاحتلال، ولذا فإنهن الأشد رغبة في السلام"173.

وقد استهدفت جماعات المتمردين الساسية الأكراد أيضاً؛ ففي 28 مارس/آذار 2004، حاول رجال مسلحون في حي الكرامة بمدينة الموصل اغتيال نسرين برواري، وزيرة البلديات والأشغال العامة، وواحدة من خمسة وزراء أكراد، والمرأة الوحيدة في الحكومة العراقية المؤقتة التي شكلتها الولايات المتحدة. ونجت برواري من محاولة الاغتيال، ولكن سائقها وحارسها الشخصي لقيا حتفهما174. وقد أجرت منظمة هيومن رايتس ووتش مقابلة مع أحد السياسيين الأكراد، وهو سعدي أحمد بيره، ممثل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في الموصل، الذي قال إنه نجا من ثلاث محاولات اغتيال؛ ففي مارس/آذار 2004، شن المتمردون هجوماً على مكتبه في الموصل بقذائف الهاون، مما أدى إلى مقتل اثنين من الحراس وجرح ثمانية آخرين. وفي يوليو/تموز 2004، هاجم المتمردون موكبه في الموصل بعبوة ناسفة مزروعة على جانب الطريق؛ ثم في أغسطس/آب 2004، شن المتمردون هجوماً على موكبه بسيارة ملغومة؛ وقال بيره "كنت قد بدَّلت سيارتي، فهاجموا سيارتي القديمة بقنبلة انتحارية"175. وأفاد تقرير صحفي أن الهجوم أسفر عن مقتل اثنين من المارة وأحد الحراس الشخصيين176.

وفي الأول من فبراير/شباط 2004، وقعت هجمات انتحارية بسيارات مفخخة على مقري الحزبين الكرديين الرئيسيين في أربيل، مما أدى إلى مقتل 99 شخصاً وإصابة 246 آخرين (انظر الفصل الرابع "الهجمات على الطوائف العرقية والدينية"). ولئن كان معظم القتلى والجرحى من المدنيين الأكراد الذين كانوا يزورون المقار الحزبية في عيد الأضحى، فقد لقي الكثير من المسؤولين الحزبيين مصرعهم أيضاً، ومن بينهم سامي عبد الرحمن نائب رئيس الوزراء في الحزب الديمقراطي الكردستاني، ومحافظ أربيل أكرم منطق، ونائبه مهدي خوشناو، و12 من القياديين في الاتحاد الوطني الكردستاني في أربيل.

وفيما يلي قائمة بأبرز الشخصيات السياسية العراقية التي تعرضت لاعتداءات خلال الفترة بين مارس/آذار 2003 ويوليو/تموز 2005؛ وتجدر الإشارة إلى أن المعلومات الواردة بشأن كل منها تستند إلى مصدرين إعلاميين أو أكثر177.

  • 28 يناير/كانون الثاني 2004 – انفجرت سيارة مفخخة خارج فندق في بغداد يقيم فيه وزير العمل سامي عزارة المعجون؛ ولم يصب الوزير بسوء، ولكن ثلاثة أشخاص لقوا مصرعهم.

  • 17 مايو/أيار 2004 – أدى انفجار سيارة مفخخة في بغداد إلى مقتل رئيس مجلس الحكم الانتقالي بالنيابة عبد الزهراء عثمان محمد، المعروف باسم عز الدين سالم؛ وأعلنت جماعة التوحيد والجهاد فيما بعد مسؤوليتها عن الهجوم.

  • 22 مايو/أيار 2004 – انفجرت سيارة مفخخة أمام منزل عبد الجبار يوسف، وكيل وزير الداخلية، مما أدى إلى مقتله هو وخمسة آخرين، وإصابة 13 آخرين بجروح.

  • 14 يوليو/تموز 2004 – ورد أن جماعة يقودها الزرقاوي أعلنت مسؤوليتها عن مقتل محافظ نينوى أسامة كاشمولا واثنين من حراسه في الموصل.

  • 17 يوليو/تموز 2004 – نجا وزير العدل مالك دوهان الحسن من هجوم بسيارة مفخخة في بغداد، ولكن خمسة آخرين لقوا حتفهم.

  • 24 أغسطس/آب 2004 – استهدف هجوم انتحاري وزيرة البيئة مشكاة مؤمن ووزيرة التعليم سامية مظفر؛ ونجتا كلتاهما من الموت، ولكن خمسة آخرين لقوا حتفهم.

  • 1 سبتمبر/أيلول 2004 – أعلن الجيش الإسلامي في العراق مسؤوليته عن هجوم على موكب أحمد الجلبي، رئيس "المؤتمر الوطني العراقي" في اللطيفية، جنوبي بغداد. ونجا الجلبي من هذا الهجوم، ولكن اثنين من حراسه لقيا حتفهما.

  • 7 سبتمبر/أيلول 2004 – نجا محافظ بغداد علي راضي الحيدري من محاولة اغتيال، ولكنها أودت بحياة اثنين من المدنيين.

  • 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2004 – أعلنت جماعة أنصار السنة مسؤوليتها عن مقتل نائب محافظ بغداد حسن كامل عبد الفتاح في ضاحية الدورة بالمدينة.

  • 4 يناير/كانون الثاني 2005 – قُتل محافظ بغداد علي راضي الحيدري وأحد حراسه على أيدي مهاجمين مجهولين في كمين باستخدام عبوة ناسفة مزروعة على جانب الطريق في العاصمة العراقية.

  • 27 أبريل/نيسان 2005 – أردى مسلحون بنيرانهم لمياء عابد خضوري الصاغري، وهي من الأعضاء الشيعة في الجمعية الوطنية، بينما كانت تهم بفتح باب منزلها في بغداد. وورد أن الصاغري نجت من محاولتين سابقتين لاغتيالها، وقد انتخبت مؤخراً عضواً في الجمعية الوطنية العراقية عن "القائمة العراقية" التي كان يتزعمها رئيس الوزراء آنذاك أياد علاوي.

  • 8 مايو/أيار 2005 – أطلق مسلحون مجهولون النار على زوبا ياس، وهو من كبار المسؤولين في وزارة النقل، فأردوه قتيلاً هو وسائقه في بغداد.

  • 14 مايو/أيار 2005 – قتل مسلحون مجهولون بنيرانهم جاسم محمد غاني، المدير العام لوزارة الخارجية، خارج منزله في العاصمة بغداد.

  • 18 مايو/أيار 2005 – أطلق مسلحون مجهولون النار على صلاح نيازي، وهو مسوؤل بوزارة الشباب والرياضية، في بغداد فأردوه قتيلاً.

  • 28 يونيو/حزيران 2005 – فجر مهاجم انتحاري سيارة مفخخة فقتل ضاري علي الفياض، وهو عضو شيعي من ذوي النفوذ في الجمعية الوطنية العراقية، وابنه، واثنين من حراسه الشخصيين، بينما كانوا في طريقهم بالسيارة إلى بغداد. وكان الفياض أكبر أعضاء الجمعية الوطنية سناً، وكان يتولى منصب الرئيس المؤقت للجمعية. وقد أعلن تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين مسؤوليته عن الهجوم.

  • 19 يوليو/تموز 2005 – قتل مسلحون مجهولون في بغداد مجبل الشيخ عيسى، وهو أحد ممثلي السنة في لجنة كتابة الدستور المنبثقة عن الجمعية الوطنية الانتقالية، ومستشار اللجنة ضامن الجبوري، وسائقهما.

    ولا تشمل القائمة السابقة القضاة رغم أنهم كانوا هم الآخرون هدفاً للهجمات؛ ففي 25 يناير/كانون الثاني 2005، على سبيل المثال، أطلق رجال مسلحون النار من سيارتهم فقتلوا قيس هاشم الشمري، أمين سر مجلس القضاة في العراق، وأحد أبنائه. وأعلنت جماعة أنصار السنة مسؤوليتها عن الهجوم قائلة "قام الابطال بنصب كمين لرأس من رؤوس الكفر والردة في الحكومة العراقية الجديدة" في إشارة لأمين سر مجلس القضاة العراقي178. وفي الأول من مارس/آذار، قتل مسلحون مجهولون بنيرانهم القاضي برويز محمود، الذي كان يعمل في المحكمة العراقية المختصة، هو وأحد أبنائه أثناء مغادرتهما منزلهما في بغداد179.

    وفضلاً عن هذه الحالات الموثقة، فقد هدد المتمردون المئات من المسؤولين المحليين وقاموا باختطافهم وقتلهم، ومن بين الضحايا الموظفون العاملون بالوزارات الوطنية، ومجالس الحكم الإقليمية، ومجالس البلدية؛ وتظل هوية المسؤولين عن هذه الأفعال مجهولة في الأغلب والأعم. وقد أجرت منظمة هيومن رايتس ووتش مقابلة مع أحد العاملين في مجلس بلدية الفلوجة، فر من العراق بعد أن اعتقله المتمردون يومين؛ وكان هذا الرجل – الذي طلب عدم الكشف عن هويته – قد تلقى تحذيرات تطالبه بترك عمله، ثم اختطفه رجال مجهولون في 7 مايو/أيار 2004 وهو في طريقه إلى العمل. ووصف ما حدث قائلاً:

    في اليوم الأول سألوني عن اسمي وغير ذلك من الأسئلة الشخصية؛ ثم قالوا لي: "ألم نقل لك ألا تعمل مع الأمريكان؟ نحن نتابع كل شيء، ولدينا رجال يعملون في الشرطة وغيرها من الأماكن". وسجلوا اسمي وعنواني، ثم غادروا الغرفة.

    وفي اليوم التالي جاءت مجموعة منهم، وكان أحدهم أرفع منصباً من الباقين، إذ كانوا يلقبونه بـ"الشيخ"؛ وقال لي أيضاً "لقد حذرناك من قبل من العمل مع الأمريكان"؛ فقلت إنني أعمل في مجلس البلدية؛ فقال "لقد أصدر الأمير فتوى بقتلك؛ لقد أكلت وشربت مع الكفار وصافحت أيديهم، وهذا يجعلك كافراً؛ إنك مثلهم من القردة والخنازير". خشيت أن أسأله من هو الأمير، فلم أقل سوى أنني تبت عما فعلت؛ فقالوا لي "بعد أن نقتلك، فقد يغفر لك الله إن شاء". قلت لهم إن لدي عائلة أعولها، فأمروني بالسكوت؛ وغادروا الغرفة، ثم عادوا بعد خمس دقائق؛ وقالوا لي "إن الأمير يريد أن ينفذ حكم الإسلام، ولكننا رجوناه أن يمنحك فرصة أخرى. ولكن يجب عليك أن تغادر العراق، وليس الفلوجة فحسب. وإذا بقيت فيها، فسوف يهدر دم زوجتك وأطفالك". وصوب أحدهم بندقيته على رأسي، ورفع زنادها180.

    وقال إن المتمردين ألقوا قنابل يدوية على منزله، وأحرقوه بالكامل، عقب إطلاق سراحه. ورحلت زوجته وأطفاله عن الفلوجة ليعيشوا مع أقاربهم في منطقة أخرى، فيما فر الرجل من العراق إلى بلد لم يرد الكشف عنه. وقال إن موظفين آخرين في بلدة الفلوجة قد قتلوا؛ وعثر على جثة واحد من هؤلاء في المدينة – وهو ملازم أول كان يعمل مع فيالق الدفاع المدني (التي تم دمجها لاحقاً في القوات المسلحة العراقية)181.

    وقد كثرت أعمال العنف بوجه خاص خلال الفترة السابقة للانتخابات العراقية التي جرت في 30 يناير/كانون الثاني 2005، حيث تعرض المرشحون ومسؤولو مفوضية الانتخابات للاعتداءات بصفة شبه يومية. ونتيجة للتهديدات والاعتداءات، أحجمت الغالبية العظمى من الجماعات السياسية عن عقد اجتماعات عامة أو القيام بحملات انتخابية؛ ولم يعلن معظمها أسماء مرشحيها إلا قبل الانتخابات بأيام معدودة.

    وفي دراسة استعراضية للحوادث المتعلقة بالانتخابات، وثقت المؤسسة الدولية للأنظمة الانتخابية، التي تتخذ الولايات المتحدة مقراً لها، 141 حالة خلال الخمسة والأربعين يوماً السابقة للانتخابات، تتراوح بين "تخريب المواد الدعائية الانتخابية والتخويف والتهديدات بالقتل، والاختطاف، والاغتيال وإطلاق نيران الأسلحة الصغيرة والتفجيرات الانتحارية والإعدامات"182. وفي الحالات السبعين التي أمكن تحديد الجناة فيها، "كانت أعمال العنف التي أحدثها المتمردون تتجاوز بمراحل تلك التي أحدثها المشاركون [في الانتخابات]"183.

    ففي 26 ديسمبر/كانون الأول 2004، على سبيل المثال، قتل مسلحون زعيم الحزب الشيوعي سعدي عبد الجبار البياتي جنوبي بغداد184. وبعد ذلك بعشرة أيام، أي في الخامس من يناير/كانون الثاني 2005، قتل مسلحون هادي صالح، وهو زعيم آخر للحزب  الشيوعي185. وفي 12 يناير/كانون الثاني، قتل مسلحون اثنين من مساعدي المرجع الشيعي آية الله علي السيستاني في سلمان بك والنجف؛ وأعلنت جماعة "أنصار الإسلام" مسؤوليتها عن حادث القتل الذي وقع في سلمان بك186. وفي 17 يناير/كانون الثاني، قتل مسلحون شاكر جابر سهلة المرشح عن "الحركة الملكية الدستورية" في انتخابات الجمعية الوطنية187؛ وفي اليوم التالي، قتل مسلحون في البصرة مرشحَيْن من الوفاق الوطني العراقي، هما رياض راضي وعلاء حامد.

    وكان موظفو المفوضية العليا للانتخابات الهدف المعتاد للتهديدات والمضايقات وأعمال العنف من جانب المتمردين، الأمر الذي أعاق قدرتهم على العمل. وفي إحدى الحوادث التي حظيت باهتمام وسائل الإعلام العراقية والدولية، أخرج مسلحون خمسة من موظفي مفوضية الانتخابات من سيارتهم في شارع حيفا بالعاصمة بغداد في 19 ديسمبر/كانون الأول 2004، وأطلقوا النار عليهم فاردوا ثلاثة منهم قتلى188.

    ومع اقتراب يوم الانتخابات، تزايد عدد موظفي مفوضية الانتخابات الذين اضطروا لترك وظائفهم بسبب التهديدات. وفي إحدى الحالات التي تصلح لأن تكون مثالاً نموذجياً لمثل هذه التهديدات، ورد أن أحد المواطنين من بغداد كان يوزع بطاقات تسجيل الناخبين في حي البياع الذي يقيم فيه، حتى تلقى خطاب تهديد عن طريق البريد، جاء فيه ما يلي: "لقد أصبح السيف قاب قوسين أو أدنى من رقبتك؛ اترك أي عمل يتعلق بالانتخابات لتبقى سالماً"189.

    وكان يوم الانتخابات أهدأ مما توقع الكثيرون، ومرجع ذلك في المقام الأول إلى ما تم اتخاذه من تدابير أمنية محكمة التنسيق، وإلى الحظر الذي فرض على التنقل بالسيارات على صعيد القطر. وقالت واحدة على الأقل من جماعات المتمردين إنها لن تشن أي هجمات على الناخبين أو مراكز الاقتراع؛ ففي 27 يناير/كانون الثاني، أعلنت الجبهة الإسلامية للمقاومة العراقية - وهي منظمة شاملة تضم مختلف الجماعات المسلحة السنية فيما يبدو – أنها وإن كانت تستنكر هذه الانتخابات باعتبارها "مهزلة" "تخدم مصالح الولايات المتحدة"، إلا أنها نهت مقاتليها عن مهاجمة مراكز الاقتراع، أو المشاركة بأي شكل من الأشكال في سفك دماء الشعب العراقي190.

    كما استهدفت جماعات المتمردين أقارب المسؤولين السياسيين؛ ففي 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2004، اختطف رجال مسلحون في بغداد ثلاثة من أقارب رئيس الوزراء آنذاك إياد علاوي، من بينهم امرأتان. وأعلنت جماعة تسمى أنصار الجهاد مسؤوليتها عن الاختطاف، وطالبت بإطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات في العراق، وبأن توقف القوات الأمريكية هجومها العسكري على الفلوجة. وأطلق الخاطفون سراح المرأتين بعد أربعة أيام، ثم أطلقوا سراح الرجل المختطف بعد أسبوع، وهو أحد أبناء عم علاوي، يبلغ من العمر 75 عاماً191. وبعد إطلاق سراح المختطفين، أعلن تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين الذين يتزعمه الزرقاوي المسؤولية عن الحادث، قائلاً إنه أطلق سراح أقارب علاوي الثلاثة لأنهم ليس لهم أي دور في الحكومة192.



    167 "البدء في إغلاق الجسور في العراق عشية الانتخابات"، CNN.com ، 28 يناير/كانون الثاني 2005. (انظر http://www.cnn.com/2005/WORLD/meast/01/28/iraq.main/، تاريخ الاطلاع عليه 12 مارس/آذار 2005.)

    168 علي قيس الرباعي، "الإسلاميون يتعهدون بمواصلة الحرب على التحالف"، معهد صحافة الحرب والسلام، 14 مايو/أيار 2004.

    169 بيتر بيومونت، "إطلاق النار على مسؤولة عراقية كبيرة – المسؤولة العضوة في مجلس الحكم تصارع الموت بعد محاولة الاغتيال"، صحيفة ذي أوبزرفر، 21 سبتمبر/أيلول 2003.

    170 "أنباء عن استقرار حالة عضوة مجلس الحكم العراقي التي أطلقت عليها النار"، أسوشيتد  برس، 20 سبتمبر/أيلول 2003.

    171 "إطلاق النار على عضوة في مجلس الحكم العراقي، وإصابتها بجروح بالغة"، أسوشيتد  برس، 20 سبتمبر/أيلول 2003.

    172 روري مكارثي، "وفاة عضوة معينة من قبل الولايات المتحدة متأثرة بجروح ناجمة عن أعيرة نارية"، صحيفة "ذي غارديان"، 26 سبتمبر/أيلول 2003.

    173 محمد بازي، "سيدة عراقية تستعد لتولي السلطة"، صحيفة نيوزداي، 24 يناير/كانون الثاني 2005. انظر أيضاً مايكل جيورجي، "مسؤولة سياسية عراقية تروي تفاصيل هجوم مروع"، رويترز، 28 مايو/أيار 2004.

    174 كولين ماكماهون، "نجاة وزير عراقي من هجوم شنه مسلحون على موكبه"، صحيفة تشيكاغو تريبيون، 29 مارس/آذار 2004، وكريستوفر تورشيا، "نجاة وزير عراقي من محاولة اغتيال"، أسوشيتد  برس، 28 مارس/آذار 2004.

    175 مقابلة أجرتها هيومن رايتس ووتش مع سعدي بيره، أربيل، العراق، 29 يناير/كانون الثاني 2005.

    176 "زعيم كردي عراقي ينجو من هجوم بسيارة مفخخة"، رويترز، 26 أغسطس/آب 2004.

    177 المصدران الرئيسيان هما "هجمات على شخصيات عراقية بارزة منذ مايو/أيار 2003"، وكالة الأنباء الفرنسية، 4 يناير/كانون الثاني 2005، و"حوادث قتل المسؤولين العراقيين منذ الإعلان عن الحكومة المنتخبة في 28 أبريل/نيسان"، أسوشيتد  برس، 23 مايو/أيار 2005.

    178 دكستر فيكينز، "متمردون يتعهدون بقتل العراقيين المشاركين في انتخابات الأحد"، مترجم من صحيفة نيويورك تايمز، 26 يناير/كانون الثاني 2005.

    179 باتريك كوين، "مقتل أحد القضاة العراقيين المعنيين بقضية صدام"، أسوشيتد  برس، 1 مارس/آذار 2005، و"مسلحون يقتلون قاضياً عراقياً وابنه من المحكمة المختصة التي تحاكم صدام"، وكالة الأنباء الفرنسية، 2 مارس/آذار 2005.

    180 مقابلة أجرتها هيومن رايتس ووتش مع موظف سابق في الفلوجة، في مكان خارج العراق لم يُكشف عنه، 6 يونيو/حزيران 2004.

    181 أنشئت فيالق الدفاع المدني العراقي بأمر من سلطة الائتلاف المؤقتة، ثم أدمجت لاحقاً في الحرس الوطني العراقي في يونيو/حزيران 2004.

    182 عرفت المؤسسة الدولية للأنظمة الانتخابية العنف المتعلق بالانتخابات بأنه "العنف الذي يهدف إلى إعاقة أو تعطيل أي جزء من العملية الانتخابية".

    183 المؤسسة الدولية للأنظمة الانتخابية، "تقرير التوعية بالعنف الانتخابي في العراق وسبل التصدي له في إطار انتخابات 30 يناير/كانون الثاني"، 23 فبراير/شباط 2005.

    184 في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2004، قتل مسلحون مجهولون وضاح حسن عبد الأمير، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي والعضو الممثل للحزب في الجمعية الوطنية الانتقالية، هو واثنين من زملائه، وهم في طريقهم بالسيارة من بغداد إلى كركوك (انظر http://www.iraqcp.org/members2/0041115icpengl.htm، تاريخ الاطلاع على الموقع 5 يناير/كانون الثاني 2005).

    185 "مقتل شيوعي عراقي في بغداد"، وكالة الأنباء الفرنسية، 5 يناير/كانون الثاني 2005.

    186 الضحية في سلمان بك هو محمود مدائني الذي قتل بأعيرة نارية هو وابنه وأربعة حراس. خالد يعقوب عويس، "تزايد المخاوف بشأن الانتخابات العراقية بسبب مقتل مساعدي السيستاني"، رويترز، 13 يناير/كانون الثاني 2005؛ وأنطوني شديد، "جماعة سنية تقول إنها قتلت رجل دين شيعياً"، صحيفة واشنطن بوست، 15 يناير/كانون الثاني 2005.

    187 باسم مروة، "مسلحون يقتلون ثلاثة مرشحين في الانتخابات العراقية"، أسوشيتد  برس، 18 يناير/كانون الثاني 2005.

    188 جون ف. برنز، "مقتل ما لا يقل عن 64 مع إضراب المتمردين في ثلاث مدن عراقية"، صحيفة نيويورك تايمز، 20 ديسمبر/كانون الأول 2004؛ "مقتل ثمانية من أعضاء المفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية"، وكالة الأنباء الفرنسية، 20 ديسمبر/كانون الأول 2004.

    189 "مسؤولون انتخابيون يتركون عملهم في العراق بعد تلقيهم تهديدات بالموت"، صحيفة صنداي تلغراف، 2 يناير/كانون الثاني 2005.

    190 "’جبهة المقاومة الإسلامية‘ تصف الانتخابات بأنها ’مؤامرة أمريكية‘"، مترجم من هيئة الإذاعة البريطانية، قسم الشرق الأوسط، بيان من الجبهة الإسلامية للمقاومة العراقية، نقلته وكالة القدس برس للأنباء، 30 يناير/كانون الثاني 2005، وسمير حداد، "جماعة المقاومة العراقية تنهى عن استهداف الانتخابات"، إسلام أون لاين، 27 يناير/كانون الثاني 2005.

    191 ماغي مايكل، "إطلاق سراح اثنتين من أقارب علاوي بعد اختطافهما"، أسوشيتد  برس، 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2004، و"إطلاق سراح قريبتي رئيس الوزراء علاوي: مصدر حزبي"، وكالة الأنباء الفرنسية، 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2004.

    192 مأمون يوسف، "جماعة الزرقاوي تزعم مسؤوليتها عن اختطاف أقارب علاوي"، أسوشيتد  برس، 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2004.


    <<   الصفحة السابقة  |  الصفحة الرئيسية  |  الصفحة السابقة  >> November 2005
  •