Iraq



Iraq Iraq
  

<<   الصفحة السابقة  |  الصفحة الرئيسية  |  الصفحة السابقة  >>

VII. الهجمات على المدنيين الراغبين في الانضمام لقوات الأمن العراقية

كثيراً ما تستهدف جماعات المتمردين تجمعات الأشخاص الراغبين في الانخراط في قوة الشرطة أو القوات المسلحة العراقية، باعتبارهم "متعاونين مع الصليبيين الكفرة"193. وعادةً ما يكون ذلك بتفجير سيارة مفخخة كبيرة خارج مركز للشرطة أو مبنى آخر يجري فيه تسجيل المتطوعين.

ولئن كان الجنود وأفراد  الشرطة العراقيون المشاركون في عمليات عسكرية يُعدون من الأهداف المشروعة من وجهة نظر القانون الإنساني الدولي، فإن هذه الهجمات ليست مشروعة لأنها لم تستهدف المقاتلين؛ فالأشخاص الراغبون في التطوع ليسوا بعد من أفراد قوات الأمن، بل كانوا وقت الهجوم عليهم لا يزالون في عداد المدنيين الذين لا يشاركون بصورة مباشرة في أعمال حربية؛ ونية الانخراط في قوات الأمن لا تبطل الحصانة التي يتمتع بها المدنيون.

وحتى لو كانت مثل هذه الهجمات تستهدف مركزاً للشرطة يستخدم في أغراض عسكرية أو مركزاً للتطوع العسكري، فإن طبيعة الهجمات تجعلها غير مشروعة على الأرجح باعتبارها عشوائية أو مفضية إلى أضرار مدنية مفرطة لا تتناسب مع الكسب العسكري المنشود من ورائها. ومهما يكن من أمر، فإن حالات التفجيرات الموثقة في هذا الفصل توحي بأن الهدف المقصود من هذه الهجمات كان هو الأشخاص الراغبين في التطوع المنتظرين خارج المبنى – وجميعهم لا يزالون في عداد المدنيين – وليس المبنى الذي كانوا ينتظرون خارجه ريثما يُسمح لهم بالدخول، سواء كان أم لم يكن هدفاً عسكرياً. كما أن الكثيرين من المهاجمين عمدوا إلى استخدام وسائل غادرة، مثل التظاهر بأنهم مدنيون كي يتسنى لهم الاقتراب من هدفهم، وهو أمر محظورٌ أيضاً بموجب القانون الدولي.

ففي العاشر من فبراير/شباط 2004، على سبيل المثال، فجر مهاجم انتحاري شاحنة ملغومة خارج أحد مراكز الشرطة ببلدة الإسكندرية، مما أوقع نحو 50 قتيلاً من المتطوعين وغيرهم من المدنيين، ولم يكن من بينهم أحد من أفراد الشرطة. ودمرت القنبلة واجهة مركز الشرطة، وخلفت حفرة واسعة في الأرض الخرسانية، وأدت إلى تناثر أشلاء الضحايا في مختلف أنحاء الشارع.

وقال شهود عيان إن القنبلة انفجرت في حوالي الثامنة والنصف صباحاً في منطقة يوجد بها مركز الشرطة ومبنى المحكمة المحلية ومكتب المحافظ؛ وكانت المنطقة تكتظ بالأشخاص الراغبين في الالتحاق بالشرطة، ولقي بعضهم حتفه من جراء الانفجار.وقالت الشرطة المحلية إن سيارة نصف نقل محملة بخمسمائة رطل من المتفجرات انفجرت لدى مرورها بمركز الشرطة.

وقال شاهد عيان للصحفيين "وجدنا الجثث محترقة وممزقة إلى أشلاء؛ وعثرنا على قطع من اللحم متناثرة على السطح؛ وعثرنا على أشلاء لم نتمكن من معرفة هوية أصحابها؛ وكانت هناك أشلاء من جثث النساء"194.

ولم يسقط أي قتلى في صفوف الشرطة العراقية، حسبما أفاد تقرير صحفي195. وذكرت وزارة الداخلية العراقية أن ما يتراوح بين 40 و50 شخصاً قد لقوا حتفهم، فيما أصيب نحو 100 آخرين، من بينهم أربعة من أفراد الشرطة196.

وفي اليوم التالي، أي 11 فبراير/شباط، قام مهاجم انتحاري في سيارة بتفجير ما في حوزته من المتفجرات وسط جمع غفير من العراقيين المصطفين خارج مركز للتطوع في الجيش جنوب شرقي العاصمة بغداد، مما أدى إلى مقتل ما يتراوح بين 36 و47 من المتطوعين197. وقال أحد الجرحى من ضباط الجيش العراقي "رأيت ’أولدزموبيل‘ بيضاء تقترب ببطء، ودهست بعض الأشخاص ولم تلبث أن انفجرت؛ أطاح الانفجار بي في الهواء، ورأيت النار والأشلاء متناثرة في كل مكان حولي"198.

وفي 28 يوليو/تموز 2004، فجر انتحاري سيارته المفخخة خارج أحد مراكز الشرطة في بعقوبة، مما أسفر عن مقتل 68 شخصاً؛ وكان الهدف من الهجوم هو المئات من الرجال المنتظرين خارج المركز للتطوع في الشرطة، ولكن الانفجار خلف دماراً واسعاً في المحلات التجارية والشقق السكنية المجاورة وإحدى الحافلات الصغيرة بالقرب من الموقع. وقال صاحب أحد محلات البقالة بالقرب من مركز الشرطة للصحفيين "رأيت جميع هؤلاء واقفين في طابور، وأوجس قلبي أن شيئاً ما على وشك أن يحدث، فأغلقت دكاني، وبدأت في المشي مبتعداً عن الدكان، وما هو إلا أن وقع الانفجار؛ رأيت الدخان، والناس يركضون هنا وهناك، بينما تساقطت الشظايا وقطع اللحم؛ لست أعرف على من ألقي اللوم، لأنه ما من مسلم أو  عراقي يمكن أن يقدم على مثل هذا الفعل"199.

وقال أحد التقارير الصحفية إن "الانفجار أدى إلى تناثر الجثث، وكتل الحطام المتشابكة، وبرك الدماء في شارع مزدحم بالمرور لفحته الشمس الحارقة، يعج بالمحلات التجارية والمكاتب الحكومية"200. وقال أحد الشهود إنه رأى جثثاً متفحمة داخل الحافلة؛ وأضاف قائلاً "كانت هناك عدة جثث متناثرة داخل المحلات وفوق أسطح المباني"201.

وفي حوالي الثامنة والنصف من صباح 28 فبراير/شباط 2005، انفجرت سيارة مفخخة في مدينة الحلة، على بعد 60 ميلاً إلى الجنوب من العاصمة بغداد، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 125 شخصاً وإصابة نحو 130 آخرين. والظاهر أن الهدف المقصود من هذا الهجوم هو جمع قوامه بضع مئات من الأشخاص الذين اصطفوا في طوابير خارج مركز صحي للخضوع للفحوص الطبية اللازمة للقبول في الشرطة والقوات المسلحة. وكان من بين القتلى بعض رواد السوق الواقع قبالة المركز الصحي. وفضلاً عن الاستهداف المباشر للمدنيين، فقد استهدف الهجوم مركزاً صحياً، وهو أمر غير مشروع باعتبار أن المراكز الصحية من المنشآت المحمية202. وقال أحد حراس الأمن بالعيادة الطبية "كنت واقفاً بالداخل، فرأيت سيارة تأتي مسرعة على الطريق المقابل للعيادة، وفجأة بدأت قطع الزجاج والشظايا تنهال على رأسي من جميع الاتجاهات؛ وحينما خرجت من العيادة لم أصدق عيني، فقد تناثرت جثث القتلى في كل مكان، وكانت الدماء تلطخ الجدران وأرض الشارع"203.

وفي اليوم التالي، أعلن "تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين" مسؤوليته عن الهجوم، حسبما جاء في بيان منشور على شبكة الإنترنت؛ وقال البيان "انغمس ليث من ليوث كتيبة الاستشهاديين في تجمع من المرتدين أمام مركز لتسجيل الشرطة والجيش الوثني [الحرس الوطني] في الحلة وفجر سيارته المفخخة فقتل منهم 125 مرتدا ولله الحمد والمنة". ومضى البيان قائلاً "دماء المرتدين خدم الامريكان بائعي دينهم وأعراضهم تملأ الشوارع اللهم زد وبارك". ولم يتسن لمنظمة هيومن رايتس ووتش  التحقق من مصداقية هذا الزعم، ولكنه ظهر على أحد المواقع التي تنشر عادةً بيانات تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين204.

وفي أحدث هجوم واسع النطاق، في الرابع من مايو/أيار، فجر انتحاري عبوته الناسفة وسط جمع من الرجال الأكراد كانوا ينتظرون ريثما يتم تسجيل أسمائهم للالتحاق بالشرطة في أربيل، مما أسفر عن مقتل 46 شخصاً وجرح ما يقدر بنحو 150 آخرين205. وأعلنت جماعة أنصار السنة مسؤوليتها عن هذا الهجوم206. (انظر الجزء الخاص بالهجمات على الأكراد في الفصل الخامس من هذا التقرير.)



193 في 9 أبريل/نيسان 2005، وزعت منشورات من تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين في مساجد الموصل، تتضمن تهديداً للمواطنين السنّة الذين ينضمون إلى القوات المسلحة العراقية. وورد أن المنشور قال إن السماح للسنة بالانضمام إلى جيش الطغاة سوف يفرغ الجهاد من مضمونه. (ديكستر فيلكينز، "المتظاهرون في العراق يطالبون برحيل القوات الأمريكية"، صحيفة نيويورك تايمز، 10 أبريل/نيسان 2005.)

194 جستين هاغلر، "الإرهابيون يثيرون المخاوف من اندلاع حرب أهلية في العراق مع مقتل 50 من جراء انفجار سيارة مفخخة"، ذي إندبندنت، 11 فبراير/شباط 2004.

195 هناء علام، "شاحنة ملغومة تقتل ما لا يقل عن 50 خارج مركز للشرطة جنوبي بغداد، العراق"، نايت ريدر، 11 فبراير/شباط 2004.

196 مريم فام، "مقتل العشرات بسبب انفجار شاحنة مفخخة خارج مركز شرطة جنوبي بغداد؛ الجماهير تعزو الانفجار إلى القوات الأمريكية"، أسوشيتد  برس، 10 فبراير/شباط 2004.

197 "مقتل 36 في هجوم انتحاري بسيارة مفخخة"، وكالة الأنباء الفرنسية، 11 فبراير/شباط 2004، ومريم فام، "مقتل العشرات من العراقيين بسبب انفجار سيارة مفخخة عند مركز للتطوع في الجيش العراقي، في ثاني هجوم مميت خلال يومين"، أسوشيتد  برس، 11 فبراير/شباط 2004.

198 مريم فام، "مقتل العشرات من العراقيين بسبب انفجار سيارة مفخخة عند مركز للتطوع في الجيش العراقي، في ثاني هجوم مميت خلال يومين"، أسوشيتد  برس، 11 فبراير/شباط 2004.

199 باميلا كونستابل وبسام سبتي، "مفجر انتحاري يقتل 68 في العراق؛ هجوم في بعقوبة يستهدف طابوراً من المتطوعين في الشرطة"، صحيفة واشنطن بوست، 29 يوليو/تموز 2004.

200 ميغان ستاك، "سيارة مفخخة تقتل 68 في العراق"، صحيفة لوس أنجيليس تايمز، 29 يوليو/تموز 2004.

201 "مجزرة للمتطوعين في الشرطة العراقية صباح اليوم"، وكالة الأنباء الفرنسية، 28 يوليو/تموز 2004.

202 انظر مثلاً المادة 52(3) من البروتوكول الأول بشأن الحماية العامة للمنشآت المدنية: "إذا ثار الشك حول ما إذا كانت عين ما تكرس عادة لأغراض مدنية مثل مكان العبادة أو منزل أو أي مسكن آخر أو مدرسة، إنما تستخدم في تقديم مساهمة فعالة للعمل العسكري، فإنه يفترض أنها لا تستخدم كذلك".

203 وارزر جاف وروبرت ورث، "انفجار يقتل 122 في عيادة عراقية في هجوم على المتطوعين في قوات الأمن"، صحيفة نيويورك تايمز، 2 مارس/آذار 2005. انظر أيضاً حيدر عباس ومصعب الخير الله، "انفجار سيارة مفخخة يودي بحياة 110 في العراق"، رويترز، 28 فبراير/شباط 2005.

204 "موقع على الإنترنت: تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين يعلن مسؤوليته عن انفجار الحلة"، مترجم من رويترز، 1 مارس/آذار 2005.

205 "مفجر انتحاري يقتل 45 في مدينة شمالي العراق"، وكالة الأنباء الفرنسية، 4 مايو/أيار 2005، وروري كارول ومايكل هاورد، "كانوا مصطفين للالتحقاق بالشرطة العراقية – ولكن مفجراً انتحارياً كان واقفاً في الطابور"، ذي غارديان، 5 مايو/أيار 2005.

206 "جماعة أنصار السنة في العراق تعلن مسؤوليتها عن انفجار أربيل – موقع على شبكة الإنترنت"، رويترز، 4 مايو/أيار 2005.


<<   الصفحة السابقة  |  الصفحة الرئيسية  |  الصفحة السابقة  >> November 2005