I. ملخص

"أوثقوا يدي وضربوني بالأسلاك والعصي، لكموني. كانا اثنين، ولا أعرف اسميهما. فقدت الوعي وأفقت في الحبس الانفرادي، وأعطيت لاحقاً ورقة وقلماً من أحد الضباط وقيل لي أن أكتب اعترافي. وقال لي الضابط: "اصطنع الاعتراف إن شئت"، وهكذا فعلت، وبصمت على الاعتراف بإصبعي"

- محتجز كردستاني في مقابلة مع هيومن رايتس ووتش، السليمانية، 6 مايو/أيار 2006.

تباشر قوات الأمن المعروفة باسم (أسايش) عملها في إقليم كردستان العراقي، وهي على صلة بالحزبين السياسيين الأكبر في الإقليم، وخارج حيز إشراف وزارة الداخلية التابعة للحكومة الإقليمية. وقد قامت قوات أسايش باحتجاز المئات، وبالأخص من تم اعتقالهم بشبهة ارتكاب جرائم متصلة بأعمال إرهابية، وهذا دون توفير محاكمات عادلة، ولخمس سنوات في بعض الحالات. وقد أفاد المحتجزون بتعرضهم للتعذيب وغيرها من أشكال المعاملة السيئة أثناء فترة الاحتجاز الأولية، إذ كانت هذه الممارسات مألوفة، وتتكرر بشكل منهجي في مراكز احتجاز تديرها سلطة أسايش.

ويعرض هذا التقرير بالتفصيل لبواعث اهتمام هيومن رايتس ووتش تجاه الحق في التعامل تبعاً لإجراءات المحاكمات العادلة وظروف الاحتجاز للأفراد المحتجزين من قبل أسايش. والتقرير يستند إلى بحث جرى في إقليم كردستان في الفترة من أبريل/نيسان إلى أكتوبر/تشرين الأول 2006. وأثناء تلك الفترة أجرت هيومن رايتس ووتش مناقشات دورية مع السلطات الكردستانية، التي اتخذت خطوات عدّة تجاه الوفاء ببعض التوصيات التي وضعتها هيومن رايتس ووتش لها. إلا أن هذه الجهود لم تتحول بعد إلى تحسن ملموس لأحوال معظم المحتجزين في مراكز احتجاز أسايش.

والحزب الديمقراطي الكردستاني ومعه الاتحاد الوطني الكردستاني، هما الحزبان الأساسيان في إقليم كردستان، ويهيمنان على المشهد السياسي هناك. ولكل من الحزبين "الأسايش" الخاص به (والكلمة حرفياً تعني "الأمن").1 ويتولى الأسايش المسؤولية الأساسية عن المشتبه بهم في قضايا متصلة بالأمن، وأيضاً عن الأشخاص المشتبه بعضويتهم أو صلتهم بجماعات المعارضة المسلحة النشطة في إقليم كردستان وغيرها من مناطق العراق خلال السنوات القليلة الماضية. ومن محتجزي أسايش أشخاص اعتقلتهم السلطات الكردستانية في محافظات تقع تحت سيطرتها، وكذلك عدد من المحتجزين الآخرين الذين تم اعتقالهم في عمليات مشتركة تم إجراءها بالتعاون مع قوات أميركية والجيش العراقي، ثم جرى نقلهم إلى الاحتجاز من جانب السلطات الكردستانية. كما أن لدى الأسايش مشتبهين جنائيين في جرائم خطيرة، ينتظرون إحالتهم إلى المحاكم.

وقد وجدت هيومن رايتس ووتش أن في الأغلبية العظمى من قضايا الاحتجاز الخاصة بسلطات أسايش، لم توجه السلطات الكردستانية للمحتجزين أية اتهامات، ولم تسمح لهم بتوكيل محامين، أو جعلتهم يمثلون أمام قاضي تحقيق، أو وفرت لهم آلية تمكنهم من الطعن في احتجازهم، أو لكي يمثلوا أمام المحاكمة خلال فترة زمنية معقولة. ومن بين المحتجزين بسبب الاشتباه في ارتكاب جرائم خطيرة، ومنها القتل مع سبق الإصرار، وجدت هيومن رايتس ووتش عدة حالات ابرأت فيها المحكمة المتهمين لكنهم ظلوا رهن الاحتجاز، أو أشخاص انتهوا بالفعل من فترة سجنهم لكنهم مستمرين في التواجد كمحتجزين. ومعظمهم لا دراية لديهم بحالتهم القانونية، أو كم مر عليهم وهم رهن الاحتجاز، أو ما سيؤول إليه أمرهم.

وقد أفاد المحتجزون بتعرضهم لأشكال كثيرة من الإساءات، ومنها الضرب باستخدام أدوات مثل الكابلات والخراطيم والعصي الخشبية والقضبان المعدنية. كما وصف المحتجزون كيف يفرض عليهم عناصر من أسايش البقاء في أوضاع جسدية مرهقة لفترات مطولة، وكيف يضعون عصابات على أعينهم ويقيدونهم باستمرار لأيام متواصلة. ومعظم المحتجزين الذين تحدثت إليهم هيومن رايتس ووتش أفادوا بأنهم ظلوا في الحجز الانفرادي لفترات مطولة. ومع وجود بعض الاستثناءات، يوجد في مراكز الاحتجاز ازدحام بالغ ويغيب عن تلك الأماكن النظافة الصحية، واشتكى عديدٌ من المحتجزين من أنهم لا يتم السماح لهم بالخروج من الزنازين، إلا لاستخدام المرحاض.

كما اشتكى عدد كبير من المحتجزين من أن سلطات الاحتجاز أنكرت عليهم حق رؤية ذويهم، وأنه في بعض الحالات لم يكن الأقارب على دراية باحتجازهم. وكان هذا يحدث في الأغلب أثناء الشهور الأولى التالية على الاعتقال، حينما يكون المحتجزين ما زالوا قيد الاستجواب. واشتكى آخرون، ومعظمهم من المشتبه بكونهم إرهابيين، من أن الزيارات، حينما تُمنح، تستمر لدقائق معدودة، وتتم دوماً بحضور مسؤولين من مراكز الاحتجاز.

وفي معرض المعاملة السيئة المنتظمة للمحتجزين وانتهاك حقوقهم في توفير محاكمات عادلة، انتهكت السلطات الكردستانية كل من قانون حقوق الإنسان الدولي والقانون العراقي. والعراق دولة عضو في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وغيرها من المعاهدات التي تحظر التعذيب والمعاملة، أو العقاب، القاسية واللاإنسانية والحاطة من الكرامة، والتي توفر للمحتجزين الحق في المحاكات العادلة، ومنها الحق في الإخطار بالاتهامات الموجهة إلى الشخص حال اعتقاله. ويوفر قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي، الذي ينطبق على كل الأشخاص في العراق، ومنهم سكان كردستان، آليات للحماية من الاعتقال والاحتجاز التعسفيين، مثل وجوب مثول المتهمين الجنائيين أمام قاضي تحقيق خلال 24 ساعة من الاعتقال. وتوفر التعديلات المدخلة على القانون، كما صادق عليها المجلس الوطني الكردستاني، المزيد من أشكال الحماية، ومنها الحق في توكيل محامٍ أو تعيين محامٍ في مرحلة التحقيقات.

وأثناء الشهور التي أجرت فيها هيومن رايتس ووتش بحثها الخاص بهذا التقرير، عقدت مناقشات دورية مع السلطات الكردستانية، وتعبر عن شكرها للتعاون الذي لاقته من مسؤولي كل من الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني. وفيما توحد الحزبان رسمياً في يوليو/تموز 2006، فما زالا يحتفظان بمراكز احتجاز منفصلة. وقد أطلعت السلطات الكردستانية من كل من الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني هيومن رايتس ووتش على مراكز احتجاز أسايش وسمحت بزيارات غير معلنة في أوقات اخترناها بأنفسنا. وباستثناء المحتجزين الذين كانوا قيد الاستجواب أو ممن كانوا في الحبس الانفرادي، تلقت هيومن رايتس ووتش كامل المساعدة من مسؤولي السجون في مقابلة أي من نزلاء مراكز الاحتجاز تلك وفي ظروف سمحت بإجراء المقابلات بصورة سرية. كما سهلت السلطات الكردستانية من قدرة هيومن رايتس ووتش على الوصول إلى مسؤولي أسايش ومدراء السجون والمستشارين القانونيين وغيرهم من الفاعلين المعنيين. وكان هذا التعاون في تضاد واضح مع منهج وزارتي الداخلية والدفاع العراقية، والقوات الأميركية والبريطانية في العراق، والتي ومنذ أبريل/نيسان 2003، ترفض بشكل متكرر طلبات هيومن رايتس ووتش بالدخول إلى مراكز الاحتجاز الخاصة بها.

كما تنوه هيومن رايتس ووتش بالجدية التي استجابت بها السلطات الكردستانية لبواعث الاهتمام المذكورة في هذا التقرير، وهو الأمر الذي يشير إلى استعدادها للتصدي للقضايا محل الاهتمام. وبين أبريل/نيسان وأكتوبر/تشرين الأول 2006 اتخذت السلطات الكردستانية عدة خطوات ثابتة نحو الوفاء، على الأقل جزئياً، ببعض التوصيات التي وضعتها هيومن رايتس ووتش. وقد شرع مسؤولو أسايش في إجراء مراجعة جزئية لحالات المحتجزين، مع التسريع بإطلاق سراح المئات منهم، ومعظمهم محتجزين دون توفير محاكمات عادلة لهم. وفي أواخر سبتمبر/أيلول ومطلع أكتوبر/تشرين الأول، دعا الرئيس مسعود برزاني، الذي ناقشت معه هيومن رايتس ووتش بواعث اهتمامها في مايو/أيار 2006، والذي تقدم بوعد بالتصدي للقضايا التي أثيرت معه، إلى تشكيل لجنة تمثل وزارة العدل ووزارة حقوق الإنسان، والمدعي العام، وقوات أسايش، ورئاسة إقليم كردستان، لتجري زيارات تفتيشية لعدد من مراكز احتجاز أسايش في محافظتي دهوك وأربيل. وحتى وقت كتابة هذا التقرير، قامت اللجنة، كما قيل، بإعداد تقرير مبدئي عن تلك الزيارات التفقدية، ولكنها لم تعلن ما توصلت إليه من نتائج بعد. وكذلك وفي أكتوبر/تشرين الأول تبنى المجلس الوطني الكردستاني مبادرة منفصلة، حيث كلف مجموعة برلمانية بإجراء زيارات للسجون والإبلاغ عما تتوصل إليه من نتائج. وقد قيل إن اللجنة قد انتهت من زياراتها، لكن وحتى وقت كتابة هذه السطور، لم يناقش المجلس الوطني الكردستاني نتائج المجموعة البرلمانية.

وفيما يتعلق بالمحتجزين الذين قامت القوات الأميركية والعراقية باعتقالهم معاً خارج إقليم كردستان ثم قاموا بنقلهم إلى الاحتجاز سلطات الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، أعلنت هيومن رايتس ووتش الترحيب بالتعاون مع مسؤولي أسايش وعمليات محتجزي القيادة العامة للقوة متعددة الجنسيات، التي أثارت معها هذه القضايا. وحين قابلت هيومن رايتس ووتش أول هؤلاء المحتجزين في أبريل/نيسان 2006، كانت السلطات الكردستانية قد قدمت القليل، أو لا شيء، من المراعاة لحالتهم القانونية. وبحلول ديسمبر/كانون الأول أطلقت السلطات الكردستانية سراح المئات من هؤلاء المحتجزين، وقام مسؤولو أسايش – وهم من الحزب الديمقراطي الكردستاني على الأخص – بإجراء اتصال مباشر مع القيادة العامة للقوات الأميركية للنقاش حول هذه القضايا. وحتى لحظة كتابة هذا التقرير والجانبان يتعاونان بغية الوصول إلى حل مبكر لهذه القضايا، سواء بإطلاق سراح المحتجزين، أو بمنحهم الحق في محاكمات عادلة، سواء بتوجيه الاتهامات إليهم أو بإحالتهم إلى المحاكمة.

وبينما تعترف هيومن رايتس ووتش وترحب بتعاون وجهود السلطات الكردستانية، فإن هذه الجهود لم تترجم إلى أية تحسنات ملموسمة طرأت على حالة معظم المحتجزين في مراكز احتجاز أسايش. والإجراءات التي اتخذتها السلطات الكردستانية للتصدي لهذه القضايا – رغم أنها قوية وبناءة – لا ترتقي لمستوى المراجعة القضائية المحايدة والمستقلة للحالة القانونية للمحتجزين، التي أوصت هيومن رايتس ووتش باتخاذها على وجه السرعة.

توصيات أساسية

بينما أحرزت السلطات الكردستانية بعض التقدم، فهو تقدم تصاعدي. وتدعو هيومن رايتس ووتش السلطات الكردستانية لتنفيذ التوصيات التالية بأسرع ما يمكن، لكي تصبح ممارستها وإطارها القانوني المتعلق بمعاملة المحتجزين متسق مع المعايير الدولية والقانون العراقي. (التوصيات التفصيلية، للسلطات الكردستانية وغيرها من الفاعلين المعنيين، مذكورة في نهاية التقرير).

  • تعيين لجنة قضائية مستقلة على وجه السرعة لمراجعة الحالة القانونية للمحتجزين لدى قوات أسايش. وعلى أساس ما تتوصل إليه المراجعة من نتائج:

    o إطلاق سراح كل من هم رهن الاحتجاز دون اتهامات على الفور، أو توجيه اتهامات يمكن أن تنظر فيها المحاكم المختصة.

    o إطلاق سراح كل السجناء المدانين المحتجزين رهن احتجاز أسايش، ممن انتهوا من قضاء فترة عقوبتهم، على الفور.

    o نقل أي سجناء مدانين ما زالوا يقضون فترة عقوبتهم إلى سجن تحت سلطة قوة الشرطة التابعة لوزارة الداخلية بما يتفق مع التشريع ساري النفاذ.

  • إرساء آليات قضائية فعالة لتمكين كل المحتجزين من الطعن في قانونية احتجازهم، ومد كل المحتجزين بالمحاكمة السريعة والمنصفة عن التهم الموجهة إليهم.

  • إدانة ممارسة التعذيب وغيرها من أشكال المعاملة السيئة علناً وبوضوح. وتجميد كل الأحكام القانونية التي تسمح باستخدام الاعترافات وغيرها من الأدلة المستخلصة بواسطة التعذيب أو غيرها من أشكال الإكراه.

  • التحقيق الفوري في كل مزاعم التعذيب والمعاملة السيئة، وضمان أن الحراس والقائمين على الاستجواب وغيرهم من مسؤولي السجون الذين يتحملون مسؤولية الإساءة إلى المسجونين، يتعرضون لإجراءات تأديبية أو يُحاكمون جنائياً على النحو المناسب.

    o ولهذا الغرض، يجب التصريح بتشكيل هيئة تتمتع بالشفافية والاستقلالية تجري التحقيقات في مزاعم التعذيب على يد العاملين في الأسايش.




    1  وضع كلاً من الحزبين جهازه الأمني (أسايش) تحت تصرف وزارة الداخلية الخاصة به (انظر القسم V)


  •