Lebanon



Lebanon Lebanon
  

VII.السلوك الإسرائيلي خلال الحرب ـ القتلى المدنيون

كان جيش الدفاع الإسرائيلي مسؤولاً عن انتهاكاتٍ خطيرة لقوانين الحرب خلال نزاعه مع حزب الله. وقد نجم عن الغارات الإسرائيلية على لبنان مقتل ما لا يقل عن 1109 لبنانياً غالبتهم الساحقة من المدنيين. ويستند هذا التقرير إلى تحرٍّ دقيق لأكثر من 94 حالة منفصلة من هجمات القصف الجوي والمدفعي والهجمات البرية الإسرائيلية التي أوقعت 510 قتيلاً مدنياً وتسببت في مقتل 51 مقاتلاً؛ أي زهاء نصف القتلى اللبنانيين في الحرب.

وقد بين باحثونا أن السبب الأول لارتفاع حصيلة الحرب من القتلى المدنيين هو امتناع إسرائيل المتكرر عن التقيد بالالتزام الأساسي الذي تفرضه قوانين الحرب، وهو واجب التمييز في جميع الأوقات بين الأهداف العسكرية التي من المشروع مهاجمتها وبين المدنيين الذين لا تجوز مهاجمتهم. وترافق هذا مع امتناع إسرائيل عن اتخاذ الاحتياطات الكافية لتفادي إصابة المدنيين.

ويبين بحثنا في أكثر من 94 هجمةً أن إسرائيل (رغم أنها لم تهاجم المدنيين عمداً) لم تميز بين الأهداف العسكرية وبين المدنيين أو الأهداف المدنية كما يقتضي القانون الإنساني. وكان السبب الرئيسي في هذا الاختيار الخاطئ المميت لأهداف القصف هو افتراض إسرائيل بأن المدنيين اللبنانيين انصاعوا لإنذاراتها التي وجهتها لهم بإخلاء جميع القرى الواقعة جنوب نهر الليطاني، وبأن أحداً منهم لم يبق في تلك المنطقة. وبالنتيجة، استهدفت إسرائيل أي شخص أو سيارة جنوب الليطاني معتبرةً أن ذلك جزءٌ من الآلة العسكرية لحزب الله. كما مارست إسرائيل قصفاً عشوائياً واسعاً للمناطق المدنية، وقد عرّض للخطر كثيراً من المدنيين الباقين فيها. وفضلاً عن ذلك تضاعف هذا الخطر في ضاحية بيروت الجنوبية بفعل ميل إسرائيل إلى معاملة جميع الأشخاص والمباني ذات الصلة بحزب الله، مهما تكن الصلة غامضةً، بوصفهم أهدافاً عسكرية مشروعة.

إن المسؤولين القادرين أكثر من غيرهم على تفسير سبب ارتفاع عدد الضحايا المدنيين هم المسؤولون العسكريون الإسرائيليون الذين قرروا ما يتعين استهدافه وشاركوا في تقييم الأضرار بعد الغارات. وخلال الأبحاث السابقة في إصابات المدنيين التي نجمت عن الحروب الجوية في كلٍّ من كوسوفو (1999)، وأفغانستان (2001)، والعراق (2003)، حصل باحثونا من عسكريي الولايات المتحدة وحلف الناتو وقوات التحالف على معلوماتٍ تتصل بهذا الموضوع ساعدتهم في تحديد الأسباب الدقيقة لأرقام الإصابات المدنية في هذه الحروب. لكن، ورغم مطالبتنا المتكررة، رفض المسؤولون الإسرائيليون السماح لنا بمقابلة المسؤولين العسكريين المعنيين الذين يمكنهم تقديم ذلك النوع من المعلومات.156

افتراض إسرائيل الزائف بعدم وجود مدنيين، وعدم فعالية إنذارات الإخلاء مع ما نتج عن ذلك من قصف عشوائي واستهداف من غير تمييز لجميع الأشخاص والمركبات في جنوب لبنان ووادي البقاع باعتبار أنها من حزب الله

افتراض إسرائيل الزائف بعدم وجود مدنيين

غالباً ما يبرر المسؤولون الإسرائيليون قصفهم الواسع لجنوب لبنان من خلال طرح افتراض خاطئ مفاده أن: (1) جميع المدنيين نزحوا من المنطقة الواقعة تحت الهجوم؛ (2) لم يبق في الجنوب إلا أعضاء حزب الله وأنصاره، وبالتالي فإن كل من بقي يعتبر هدفاً عسكرياً مشروعاً. فعلى سبيل المثال، صرّح رئيس الأركان الإسرائيلي دان حالوتس في 28 يوليو/تموز قائلاً: "قصفنا بنت جبيل جواً و[بالمدفعية] إلى الحد الذي رأيناه كافياً [قبل تقدم القوات البرية]. وهذه ليست مسألة إنسانية، فبنت جبيل خالية من المواطنين ومحاطةٌ بالإرهابيين من الداخل والخارج".157 كما استخدم الجيش الإسرائيلي هذه الحجة لتبرير قصفه لضواحي بيروت الجنوبية. ففي 17 يوليو/تموز، برر قائد سلاح الجو الإسرائيلي أليعازر شكيدي غارات القصف الليلي الواسع على المباني السكنية بضواحي بيروت الجنوبية بقوله: "توجد في قلب بيروت منطقةٌ لا يدخلها إلا الإرهابيون".158

ولعله يجدر التساؤل عما إذا كان المسؤولون الإسرائيليون مقتنعين حقاً بافتراضهم القائل بعدم بقاء أي مدني لبناني في جنوب لبنان، أو أنهم يعلنون هذه القناعة لمجرد الدفاع عن أفعالهم. لكن من المؤكد أن ثمة أدلة تشير إلى معرفة المسؤولين الإسرائيليين بعدم صواب افتراضهم. فأثناء الغارات الإسرائيلية في جنوب لبنان، غص الإعلام الإسرائيلي والدولي بقصصٍ كثيرة عن مقتل المدنيين اللبنانيين في الغارات الإسرائيلية أو بقائهم عالقين في جنوب لبنان. وفضلاً عن ذلك، كانت السفارات الأجنبية دائمة الاتصال بالدبلوماسيين الإسرائيليين التماساً لمساعدتهم في إخلاء مواطنيها العالقين في القتال الجاري بجنوب لبنان. وفي بعض الحالات، بدا أن إسرائيل تعرف تماماً عدد المدنيين الباقين في كل قرية. فعلى سبيل المثال، قدر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي دان حالوتس في 24 يوليو/تموز أن هناك 500 من سكان بنت جبيل ما زالوا فيها رغم إنذارات الجيش الإسرائيلي لهم بمغادرتها.159

ولابد أن إسرائيل تعرف أيضاً من خلال حروبها السابقة في جنوب لبنان أن السكان المدنيين نادراً ما يكونون مستعدين لمغادرة منازلهم، أو قادرين على ذلك، طبقاً للجدول الزمني الذي تضعه قوةٌ عسكرية تشارك في الحرب.160 وفي تقريرٍ لها قبل 10 سنوات عن القتال بين حزب الله وإسرائيل في يوليو/تموز 1993، وجدت هيومن رايتس ووتش أنه كان "يمكن التوقع منطقياً أن قسماً من السكان قد لا ينزحون؛ ومن الممكن التوقع تماماً أن كبار السن والفقراء خاصةً لن يتمكنوا من إخلاء منازلهم، وخاصةً بالنظر إلى قصر المهلة الفاصلة بين الإنذارات الأولى وبين بدء القصف".161 وفي هذه الحرب، لم تكن هذه النتائج منظورةً فحسب، بل هي تستند إلى سوابق تعود إلى حروب إسرائيل السابقة في لبنان. وكان حرياً بإسرائيل أن تعرف أن أعداداً كبيرة من المدنيين ستبقى في القرى خلال الحرب كلها. وعلى أقل تقدير، كان على القوات الإسرائيلية تعديل سياسات الاستهداف على ضوء التقارير التي تحدثت عن تزايد القتلى المدنيين. وبالنظر إلى تجربة إسرائيل عبر الحروب الماضية في لبنان، وإلى المعلومات الفورية التي كانت تتدفق عبر وسائل الإعلام حاملة أخباراً عن القتلى المدنيين، فإن قرار إسرائيل بمعاملة جنوب لبنان فعلياً بصفته منطقة نيرانٍ حرة يجعلها مسؤولةً عن الهجمات العشوائية ضد المدنيين ويتعرض القادة العسكريون الذين أمروا (عن علمٍ أو عن لامبالاة طائشة) بهذه الهجمات إلى الملاحقة القضائية بسبب جرائم الحرب.

وحتى إن كان تأييد حزب الله هو ما حمل الباقين على البقاء (وهو زعمٌ تدحضه أبحاثنا؛ لأن معظم من بقوا كانوا ممن منعهم التقدم في السن أو المرض أو شدة الفقر من المغادرة) فليس من المبرر لإسرائيل أن تهاجمهم. وليس للميول السياسية للمدنيين في منطقةٍ أو قريةٍ شأن بالأمر عندما يتعلق الموضوع بصفتهم المدنية. إذ لا يجوز أن يتعرض للهجمات إلا المدنيين الذين يشاركون في الأعمال العدائية مباشرةً، أي الذين يقومون بأعمالٍ يرجح بسبب طبيعتها أو غايتها أن تساهم في إيقاع الأذى بجنود العدو أو معداته، (أو يقدمون للمقاتلين دعماً قتالياً مباشراً). وفي جميع الأحوال الأخرى يظل هؤلاء المدنيون محميين من الهجوم كغيرهم من المدنيين.

والموقف الإسرائيلي القائل بأن جميع الباقين في جنوب لبنان أهدافٌ عسكرية مشروعة يستند جزئياً إلى زعم إسرائيل أن الجيش وجه إلى المدنيين إنذارات كافيةً بالرحيل. ففي 27 يوليو/تموز، قال وزير العدل الإسرائيلي حاييم رامون إن إسرائيل منحت المدنيين بجنوب لبنان وقتاً كافياً لمغادرة المنطقة، وبالتالي يمكن اعتبار كل من بقي مناصراً لحزب الله: "جميع من هم الآن في جنوب لبنان إرهابيون لهم صلةٌ بحزب الله على نحوٍ ما".162 وعلق رامون على الهجمات التي استهدفت بنية حزب الله التحتية في البقاع بقوله بأنه ما إن يطلب الجيش الإسرائيلي من المدنيين الرحيل، فمن المسموح له أن يقصف تلك المناطق.163

ومع أن القانون الإنساني الدولي يوجب توجيه إنذار مسبق فعال إلى المدنيين قبل الهجوم حيث تسمح الظروف بذلك،164 فإن هذه الإنذارات لا تعفي إسرائيل من واجب التمييز في جميع الأوقات بين المقاتلين والمدنيين، ولا من واجب اتخاذ جميع الاحتياطات المعقولة لحماية المدنيين من الأذى. أي أن إصدار التحذيرات لا يخول إسرائيل بأي شكلٍ كان معاملة هؤلاء المدنيين الباقين بجنوب لبنان على أنهم أهدافٌ تصح مهاجمتها أو تجاهل وجودهم فيما يتعلق باعتباري التمييز والتناسب.165

وعلى الرغم من الإنذارات الإسرائيلية الكثيرة، ظل مدنيون لبنانيون كثيرون في كل قريةٍ من قرى جنوب لبنان. فكثيرٌ منهم كان يخشى السفر على الطرقات بسبب الغارات الإسرائيلية اليومية التي تستهدف الأشخاص على الطرقات بمن فيهم من نزحوا عقب الإنذار فوراً. كما لم يكن لدى غيرهم وسائل نقل إذ أن الجنوب خلى تدريجياً من المركبات، كما تعرضت مركبات كثيرة للتدمير على الطرقات. ولم يكن البعض الآخر قادراً على دفع أجور السفر التي قام السائقون المستعدون للمخاطرة برفعها كثيراً إذ بلغت في معظم الأحوال آلاف الدولارات للسيارة الواحدة. وكان كثيرٌ ممن ظلوا في الجنوب متقدمين جداً في السن أو مرضى أو فقراء لدرجة حالت دون رحيلهم؛ وقد قتلوا بأعدادٍ غير متناسبة نتيجةً للغارات الجوية أثناء الحرب. كما أن كثيراً من المدنيين القرويين اللبنانيين استثمروا مدخرات حياتهم في بيوتهم وماشيتهم وحقولهم ولم يكونوا مستعدين لترك هذه الموارد الغالية وراءهم.

وبعد الحرب، دافع نائب السفير الإسرائيلي إلى الأمم المتحدة دانييل كارمون عن أفعال إسرائيل في لبنان بقوله: "لا يكاد يوجد فارقٌ بين حزب الله والسكان المدنيين [في جنوب لبنان]. فهذه المنطقة كلها يصعب فيها تمييز أحدهما عن الآخر".166 والواقع أن إسرائيل، حتى وإن كان التمييز صعباً بين المدنيين ومقاتلي حزب الله في جنوب لبنان لأن المقاتلين لم يكونوا يرتدون ثياباً تميزهم أو يحملون أسلحتهم علناً، كانت مطالبةً بموجب مقتضيات قوانين الحرب الأساسية بالامتناع عن شن الهجمات إذا لم تستطع التثبت من أنها تستهدف المقاتلين وليس المدنيين، أو إذا كان الأذى المتوقع نزوله بالمدنيين غير متناسبٍ مع الميزة العسكرية التي ترجو تحقيقها. ولا تبطل الصعوبات التي تعترض هذا التمييز التزام إسرائيل.

الإنذارات الفعالة بالإخلاء

ثمة إشكاليةٌ خاصة في افتراض إسرائيل أن السكان المدنيين أخلوا جنوب لبنان لأن هذه الإنذارات لم تكن فعالةً في أغلب الأحوال. فبموجب القانون الإنساني الدولي يجب أن يبلغ الإنذار السكان المدنيين بخطر الهجوم الوشيك، ثم إن عليه أيضاً أن يتيح لهم فرصةً واقعية لإخلاء المنطقة.167

في البداية، وجه الجيش الإسرائيلي إنذاراتٍ بالرحيل لسكان قرى جنوب لبنان، ثم أتبعها بإنذاراتٍ تزداد إلحاحاً تقضي بإخلاء المدنيين منازلهم في المناطق الواقعة جنوب نهر الليطاني والتوجه إلى شمال النهر من أجل الأمان. إلا أن إسرائيل امتنعت عموماً عن إعطاء المدنيين اللبنانيين الذين أنذرتهم فرصةً واقعية لإخلاء المنطقة.

فمن ناحيةٍ أولى، كانت معظم الإنذارات التي اطلعنا عليها لا تمنح الناس وقتاً كافياً للإخلاء، وخاصةً بالنظر إلى أن معظم طرق جنوب لبنان كان تحت القصف. ففي مروحين على سبيل المثال، لم يعطِ الجيش الإسرائيلي إلا مهلة ساعتين قبل الهجوم المنتظر ثم قصف قافلةً تغادر مروحين.168 وفي أغلب الأحوال، كانت إنذارات الجيش الإسرائيلي تعطي المدنيين وقتاً قصيراً إلى درجة غير واقعية من أجل مغادرة المنطقة، أو كانت على درجةٍ من الغموض بحيث لم تعطِ السكان المدنيين أي مؤشرٍ بشأن كيفية مغادرتهم أو توقيتها.

أما من ناحيةٍ ثانية، ورغم المطالبات المتكررة من جانب الأمم المتحدة ومن جانب مسؤولين إنسانيين آخرين، امتنعت إسرائيل عن إقامة ممرٍ آمن لإخلاء المدنيين.169 وتزعم إسرائيل أنها أقامت ممرات إنسانية خلال الحرب، لكن تلك الممرات لم تكن موجودةً إلا في شمال لبنان من أجل السماح للمنظمات الإنسانية بنقل الإمدادات الإنسانية إلى بيروت، ولم تصل أبداً إلى مناطق الحرب الفعلية بجنوب لبنان. وحتى هذه الممرات الإنسانية المحدودة كانت تركز على حركة الإمدادات الإنسانية، وليس على سبل الإخلاء الآمن للمدنيين.

وأما من ناحيةٍ ثالثة، فقد قامت القوات الإسرائيلية في مناسباتٍ كثيرة بمهاجمة المدنيين النازحين في جنوب لبنان؛ وهذا ما طرح على المدنيين خيارين أحلاهما مرّ: البقاء حيث هم، أو السفر على الطرقات. وتحدث قرويٌّ من عيترون فقد والدته عندما تعرضت سيارته للهجوم مع هيومن رايتس ووتش عن الصعوبات التي واجهها عند اتخاذ قراره، فقال:

"كنا خائفين أثناء القصف فتجمعنا كلنا في المستودع على الناحية الأخرى من الشارع. وبعد [الغارة الإسرائيلية الثانية القاتلة في عيترون] اشتد خوفنا، وصار من الصعب على المرء أن يتحرك في القرية

وازداد الخوف الذي منع الناس من المغادرة وضوحاً عندما انطلق في الطرقات آلاف الناس بعد إعلان إسرائيل تعليق الغارات الجوية مدة 48 ساعة اعتباراً من 31 يوليو/تموز.

وأما من ناحيةٍ رابعة، فقد كان كثيرٌ من المنشورات التحذيرية شديد العمومية إلى درجةٍ جعلت تلك المنشورات من غير جدوى، فهي لم تعط تعليماتٍ واضحة أو إطاراً زمنياً واضحاً لمغادرة المدنيين. فعلى سبيل المثال، أصدر الجيش الإسرائيلي في 25 يوليو/تموز المنشور التحذيري التالي، وبث محتواه عبر اتصالاتٍ هاتفية مسجلة مسبقاً أجراها مع مسؤولين لبنانيين (ورد التشديد في الأصل).

إلى أهالي لبنان:

انتبهوا إلى هذه التعليمات!

سوف يُصعّد الجيش الإسرائيلي عملياته، وسوف يقصف كامل المنطقة التي تطلق منها الصواريخ على دولة إسرائيل قصفاً شديداً.

كل من يتواجد في هذه المنطقة يُعرض حياته للخطر!

كما أن أية سيارة بيك آب أو شاحنة تتحرك جنوب نهر الليطاني ستعتبر أنها تنقل صواريخ وأسلحة، ويمكن أن تتعرض للقصف.

ويجب أن تعلموا أن كل من يسافر في سيارة بيك آب أو شاحنة يعرض حياته للخطر

دولة إسرائيل

هذا المنشور يقول ببساطةٍ إن أي شخص موجود في المناطق التي يتم إطلاق الصواريخ منها معرضٌ للخطر من غير أي تحديدٍ لهذه المناطق، ولم يحدد الإنذار أية طرقٍ آمنة. وثمة منشور آخر أسقطه الجيش الإسرائيلي في 27 يوليو/تموز وأمر جميع القرويين جنوب الليطاني بالمغادرة شمالاً، وتلك المنطقة موطنٌ لنحو نصف مليون شخص (وجه الجيش الإسرائيلي الأمر نفسه في منشورٍ آخر أسقطه يوم 25 يوليو/تموز).171 (ورد التشديد في الأصل).

إلى سكان المنطقة:

من أجل سلامتكم الشخصية

عليكم قراءة هذا الإعلان والتصرف بموجبه

يجري إطلاق الصواريخ ضد دولة إسرائيل من منطقتكم.

سيعمل جيش الدفاع الإسرائيلي فوراً، وبكل قوة، ضد هذه الجماعات الإرهابية الناشطة.

ومن أجل سلامتكم، عليكم المغادرة فوراً والسفر شمالاً. وكل من يبقى يُعرض نفسه للخطر.

دولة إسرائيل

وكما قالت لجنة التحقيق التي شكلها مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة من أجل التحقيق في الغارات الإسرائيلية على لبنان: "إذا كانت قوةٌ عسكريةٌ جادةً حقاً في محاولتها إنذار المدنيين بالإخلاء بسبب الخطر الوشيك، فعليها أن تأخذ باعتبارها الكيفية التي ينتظر أن ينفذ بها السكان المدنيون تلك التعليمات، وليس الاكتفاء بإسقاط منشورات ورقية من الطائرات".172

الاستهداف العشوائي لجميع الأشخاص المرئيين والتحركات المرئية للأشخاص أو المركبات في جنوب لبنان ووادي البقاع بصفتها من "حزب الله"

بالترافق مع افتراضه الخاطئ بأن جنوب لبنان خلا من السكان المدنيين، يبدو أن الجيش الإسرائيلي قرر أيضاً أن أية حركةٍ للأشخاص والمركبات في جنوب لبنان يمكن اعتبارها تحركاً لقوات حزب الله؛ وغالباً ما قام باستهداف المركبات وتحركات الأشخاص على هذا الأساس. ولعل الإنذار العام الذي أصدره الجيش الإسرائيلي في 7 أغسطس/آب إلى المدنيين اللبنانيين يلخص هذا الافتراض على نحوٍ جيد: "جميع المركبات، مهما يكن نوعها، التي تسافر [جنوب نهر الليطاني] معرضةٌ للهجوم؛ مما يجعل ركابها في خطر. وكل من يخالف هذه التعليمات يعرض نفسه والمسافرين معه للخطر".

سعدة نور الدين، 53 عاماً، إلى جوار سيارتها التي أصابها صاروخ من طائرة بدون طيار وهي تقودها في طريقها لإحضار الطعام في الغسانية في 25 يوليو/تموز 2006. وقد خرجت من الحادث بإصابات طفيفة. © 2006 بيتر بوكارت/هيومن رايتس ووتش.

إلا أنه، وكما بينّا أعلاه، بقي بجنوب لبنان عددٌ كبيرٌ من المدنيين. وكان كثيرٌ منهم مرضى أو رهن الفراش، أو كانوا يعتنون بأقارب مرضى أو متقدمين في السن. ومنهم من بقي للعناية بالماشية، أو كان فقيراً إلى درجة لم تسمح له بالرحيل. ومع أن هؤلاء المدنيين ظلوا في الملاجئ معظم الوقت، فقد كان عليهم أن يتحركوا داخل بيوتهم وملاجئهم أحياناً، أو الخروج منها للحصول على الطعام أو الماء أو غير ذلك من اللوازم. وفي حالاتٍ كثيرة، قامت الطائرات الإسرائيلية بدون طيار بقصف ملاجئهم بعد رصد حركتهم. وفي كثيرٍ من الحالات التي وثقناها قتلت الغارات الجوية الإسرائيلية مدنيين عقب دخولهم الملجأ أو خروجهم منه مباشرةً. وفي جميع الأحوال، لم يكن الإسرائيليون عالمين بعدد المدنيين داخل الملجأ عند اتخاذ القرار بالهجوم. ولم يقوموا بأية محاولةٍ لمعرفة ذلك.

وفي إحدى الحالات النمطية، كانت ربة المنزل سعدى نور الدين البالغة 53 عاماً تمكث في ملجأ تحت منزل بقرية الغسانية مع نحو 40 مدنياً غيرها. وقرابة الساعة السادسة من يوم 25 يوليو/تموز، غادرت سعدى الملجأ لفترةٍ وجيزة قادت فيها سيارتها بغية جلب بعض الأغذية من منزلها بعد أن قلت في الملجأ. وعند عودتها إلى الملجأ، أطلقت طائرة إسرائيلية دون طيار صاروخاً على سيارتها بمجرد دخولها منطقة وقوف السيارات بجانب الملجأ. وقد أصاب الصاروخ السيارة بأضرارٍ بالغة وجرح سعدى، لكنها نجت من ذلك الهجوم.173

وقد وثقت هيومن رايتس ووتش كثيراً من الهجمات المماثلة التي يبدو أنها لم تستند إلا على حركة الأشخاص أو السيارات. ففي 10 أغسطس/آب مثلاً، قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية منزلاً في قرية رب الثلاثين فتسببت في مقتل أربع نساء بعد فترةٍ وجيزة من قيامهن بحمل قريبتهن الجريحة (إحدى القتيلات الأربع) من منزلٍ إلى منزلٍ آخر. وفي 7 أغسطس/آب، قتلت غارةٌ جوية إسرائيلية خمسة مدنيين في أنصار؛ والظاهر أن ذلك حدث أثناء مغادرتهم أحد المنازل سيراً على الأقدام بعد أن أمضوا الأمسية فيه.

القصف العشوائي

كان القصف الإسرائيلي لجنوب لبنان واسعاً. فقد نفذت الطائرات الحربية الإسرائيلية زهاء 7000 غارة ضد أهدافٍ في لبنان، فضلاً عن جولات قصف مدفعي وبحري ضخمة.174 وألحقت حملة الغارات الجوية الإسرائيلية دماراً كاملاً وأضراراً فادحة بعشرات ألوف المنازل اللبنانية. وفي بعض القرى بلغت أعداد المنازل التي تعرضت للتدمير تدميراً تاماً بفعل القصف الإسرائيلي 340 منزلاً في صريفا؛ و215 منزلاً في صديقين، و180 منزلاً في ياطر؛ و160 منزلاً في زبقين، وأكثر من 750 منزلاً في عيتا الشعب؛ وأكثر من 800 منزل في بنت جبيل؛ و140 منزلاً في الطيبة. وتطول هذه القائمة كثيراً في مختلف أرجاء جنوب لبنان. ويقول كثيرٌ من الأشخاص الذين قابلناهم إن معظم هذا الدمار وقع في آخر أيام الحرب (مثله مثل القصف الواسع بالذخيرة العنقودية في جنوب لبنان).

ومع أن إسرائيل دمرت كثيراً من هذه المنازل باستخدام صواريخ موجهة عالية الدقة، فما من دليلٍ على الوجود العسكري لحزب الله في هذه القرى من شأنه أن يبرر هذه "الأضرار المرافقة" الجسيمة. وكما أوضحنا أعلاه، يشير باحثونا إلى أن الغالبية العظمى من مقاتلي حزب الله وصواريخه كانت خارج هذه القرى.

وإضافةً إلى الهجمات الموجهة ضد الأشخاص أو المنازل التي افترضت إسرائيل أنها على صلةٍ بحزب الله، نفذت إسرائيل عدداً كبيراً من الغارات على المناطق التي كان حزب الله يطلق الصواريخ منها، حتى وإن كان مطلقو الصواريخ غادروها منذ زمنٍ بعيد، وذلك مع لا مبالاةٍ واضحة بالإصابات المدنية المحتملة أو بالتدمير المحتمل للأعيان المدنية. و"إغلاق المنطقة"، أي استهداف منطقة من الأرض بغية إغلاقها في وجه العدو، هو أسلوبٌ يسمح به القانون الإنساني الدولي، لكنه يظل خاضعاً للحظر المفروض على الهجمات العشوائية وغير المتناسبة. ويتعلق "إغلاق المنطقة" تقليدياً بإغلاق بقعةٍ من الأرض في وجه العدو لقطع الاتصالات والحركة (كما يكون الأمر في ممرٍ جبلي مثلاً)، أو لتحقيق ميزةٍ تكتيكية (التمهيد للهجوم أو حماية الانسحاب).175 لكن أحد كبار الباحثين يشير إلى أنه، ومع جواز اعتبار رقعة بعينها من الأرض هدفاً عسكرياً، فإن "من المتفق عليه أن تحديد هذه المواقع لا يجوز أن يكون واسع الانتشار: يجب توفر سمةٍ بعينها تجعل رقعةً من الأرض هدفاً عسكرياً (كأن تكون ممراً جبلياً هاماً، أو مسلكاً في منطقة غابات أو مستنقعات، أو رأس جسر، أو بقعة من الأرض تسيطر على مدخل ميناء)".176

وفي مقالةٍ نشرتها صحيفة هاآرتس في 2 أبريل/نيسان 2007، يتحدث اثنان من كبار المراسلين العسكريين بعد الحرب عن أن التحقيق الداخلي في الجيش الإسرائيلي وجد أن "وحدات المدفعية أطلقت نحو 170000 قذيفةً خلال الحرب، أطلق معظمها مع توجيهٍ تقريبي نحو مناطق إطلاق الصواريخ. فكم عدد عناصر حزب الله الذين أصيبوا نتيجة ذلك؟ يقول ضابطٌ كبير في سلاح المدرعات إنه سيشعر بالدهشة إذا تبين أن خمسةً منهم قتلوا".177

وفي الغالبية الساحقة من حالات تدمير منازل المدنيين بفعل الغارات الإسرائيلية، كانت تلك المنازل خاليةً ولم تقع إصاباتٌ بين المدنيين. لكن، وكما ذكر أعلاه، ثمة كثيرٌ من المدنيين لم يغادروا قراهم؛ وقد مات عددٌ منهم داخل منازلهم وجرى العثور على جثثهم تحت الأنقاض عقب انتهاء الحرب. كما أظهر القصف الواسع قلة محاولة التمييز بين الأهداف العسكرية وبين المدنيين والمنشآت المدنية. كما لا يبدو أن تقديراً صائباً قد جرى بشأن نسبة المزايا العسكرية المرتقبة إلى الأذى اللاحق بالمدنيين.

الهجمات على أهداف يفترض أنها لحزب الله، وعدم كفاية الاحتياطات

أهداف حزب الله

كثيراً ما صرح المسؤولون الإسرائيليون بأنهم يعتبرون أن جميع أقسام حزب الله، من جناحه العسكري، المقاومة الإسلامية، إضافةً إلى شبكته الواسعة من الفروع السياسية والاجتماعية والخيرية، تشكل شبكةً إرهابيةً متكاملة. وبالنتيجة، اعتبرت إسرائيل أي شخص أو مكتب على صلة بحزب الله هدفاً عسكرياً مشروعاً بصرف النظر عما إذا كان هذا الشخص أو المكتب يشارك مشاركةً فعالة في الأعمال العدائية، أو إذا كان يدعم نشاطات حزب الله السياسية أو الاجتماعية فحسب. وخلال الحرب، قال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي يعقوب دلال لأسوشييتد برس:

"إن [حزب الله] مؤسسة إرهابية؛ وهو منظمة إرهابية يجب تحجيمها وإضعاف قدراتها إلى أقصى حدٍّ ممكن؛ وهذا يعني [تدمير] بنيتها التحتية، أي محطتها التلفزيونية ومؤسساتها

وأثناء حديثه أمام مجلس الأمن في 21 يوليو/تموز2006، رفض مندوب إسرائيل الدائم في الأمم المتحدة دان غيلرمان أي تمييز بين البنيتين العسكرية والسياسية لحزب الله معتبراً أن حزب الله "سرطان" يجب "استئصاله دون ترك أثرٍ له":

"صار العالم يعرف مدى عمق اختراق [حزب الله] للمجتمع اللبناني... وكنا نعرف منذ سنين بهذا النمو السرطاني القاتل الذي يغزو على نحوٍ غادر هذا البلد الجميل الذي يملك إمكانيات الازدهار. وقد حذرنا من هذا الخطر أكثر من مرة.... يجب أن يستأصل هذا السرطان. ولا تمكن إزالته جزئياً أو السماح له بالنمو. يجب أن يزال دون ترك أثرٍ له، وإلا فسوف يعود وينتشر كما يفعل أي سرطان؛ وسوف يضرب ويقتل من جديد....

يتحدثون لنا عما يدعونه ’جناحاً سياسياً‘ [لحزب الله]. لا تدعوا هذه الأقاويل تخدعكم فهي محاولةٌ لرسم وجوه أطفال على إرهابيين ذوي دم بارد عقدوا العزم على القتل بدمٍ بارد. إن لدى عضو المجلس النيابي [عن حزب الله] والإرهابي الذي يطلق الصواريخ من التلال ضد المدنيين الإسرائيليين عين الاستراتيجية والهدف. ولا يجوز السماح لهذه الأوصاف بأن تمنح شرعيةً لهذه العصابة من السفاحين".179

وتتحدث الخلاصة التي قدمها الجيش الإسرائيلي حول حملة القصف التي نفذها عن نحو 1800 غارة جوية من أصل 7000 عملية قصف نفذت ضد "البنيات ذات الصلة بحزب الله". وهذه فئةٌ تميزها إسرائيل عن 300 غارة جوية تم تنفيذها ضد "البنية العسكرية التحتية لحزب الله (مقرات وقواعد ومنصات إطلاق صواريخ)".180 ومع أن خلاصة الجيش الإسرائيلي هذه لا تحدد "بنيات حزب الله العسكرية"، فإن أبحاث هيومن رايتس ووتش تشير إلى أن عدداً كبيراً من المنازل الخاصة العائدة للأعضاء المدنيين في حزب الله قد تم استهدافه أثناء الحرب، إضافةً إلى مجموعةٍ متنوعة من مؤسسات حزب الله المدنية كالمدارس والمؤسسات الخيرية والمصارف والمتاجر والمكاتب السياسية، إضافةً إلى البنية العسكرية التحتية للحزب وإلى منازل مقاتليه.

وفي كثيرٍ من القرى والبلدات التي زارتها هيومن رايتس ووتش، حدد الأهالي منازل المسؤولين المدنيين في حزب الله التي كانت خاليةً أثناء الغارات والتي دمرها القصف الجوي الإسرائيلي. وبما أن معظم المسؤولين المدنيين، والعسكريين، في حزب الله أخلوا منازلهم فور بدء الحرب متوقعين أن تستهدفها الغارات الإسرائيلية (بل إن جيرانهم غالباً ما اخلوا بيوتهم للسبب عينه أيضاً)، فإن حصيلة القتلى الناجمة عن الغارات التي استهدفت مسؤولين مدنيين في حزب الله كانت منخفضة. وكانت حصيلة القتلى بجنوب بيروت منخفضةً أيضاً رغم الدمار الشامل الناجم عن القصف الإسرائيلي، وذلك لأنه جرى إخلاء أحياء كاملة (كالضاحية الجنوبية) تحسباً لهذا القصف الإسرائيلي.

وقد وثقنا عدداً من الحالات التي لاقى فيها مدنيون مصرعهم أثناء الغارات الجوية ضد أهدافٍ مدنية ذات صلة بحزب الله خلال الحرب. ففي 13 يوليو/تموز، وهو اليوم الأول للغارات الجوية الواسعة، دمرت الطائرات الحربية الإسرائيلية منزل الشيخ عادل محمد عكاش، وهو رجل دين شيعي تلقى علومه في إيران ومن المعتقد أنه على صلةٍ دينية بحزب الله. وأدى الهجوم إلى مقتل الشيخ وزوجته وأطفاله العشرة الذين تتراوح أعماهم بين سنتين و18 سنة، إضافةً إلى خادمتهم السريلانكية. وما من دليلٍ على مشاركة الشيخ عكاش في النشاط العسكري لحزب الله (لم تزعم إسرائيل ذلك علناً)؛ ويقول أهل قرية الدوير إنه كان مجرد زعيم ديني في قريتهم. وفي 23 يوليو/تموز، أطلقت طائرة إسرائيلية في النبي شيت النار على منزل د. فايز شكر، وهو عضو قيادي في حزب البعث اللبناني وحليف سياسي لحزب الله، مما أدى إلى مقتل والده البالغ 71 عاماً.

وفي معظم الحالات التي شهدت مقتل مدنيين أثناء محاولة إسرائيل استهداف مسؤولين مدنيين (وحتى عسكريين) من حزب الله، كان السبب الأول في الوفيات هو استخدام إسرائيل معلومات استخباراتية قديمة أو غير موثوقة أدت إلى سوء تحديد المبنى المقصود بصفته على صلةٍ بحزب الله، أو كان عدم اتخاذ إسرائيل احتياطات كافية للحد من إصابة المدنيين أثناء الغارات على ما افترضت أنه أهدافٌ لحزب الله، وخاصةً المنازل التي اعتقدت أنها لمقاتلي الحزب.

ويتضح التعريف الإسرائيلي الفضفاض للأهداف المشروعة العائدة لحزب الله من خلال نمط الهجمات على ضواحي بيروت الجنوبية كثيفة السكان، وخاصةً "الضاحية الجنوبية لبيروت". ففي مهاجمته هذه المنطقة التي يغلب فيها الشيعة وتزدحم بالأبنية السكنية المرتفعة، لم يقتصر هجوم الجيش الإسرائيلي على أهداف حزب الله العسكرية فحسب، بل استهدف أيضاً مقرات منظماته الخيرية ومكاتب أعضاء المجلس النيابي المنتمين للحزب، ومركز الأبحاث العائد له، ومبانٍ سكنية متعددة الطوابق في مناطق تعتبر مؤيدةً لحزب الله.181 وقد تثبتت أبحاثنا من أن حزب الله كان يقيم مخزناً للأسلحة في مبنى سكني مدني على الأقل في الضاحية الجنوبية، ومن أن مقاتلي حزب الله المسلحين احتموا مع المدنيين في قبوٍ واحدٍ على الأقل في الضاحية. إلا أننا لم نعثر على أدلةٍ على انتشار هذه الممارسات غير المشروعة من جانب حزب الله، والتي كان من شأنها تبرير معدل القصف الإسرائيلي على المناطق المدنية.

وتوحي تصريحات المسؤولين الإسرائيليين إيحاءً قوياً بأن الجيش الإسرائيلي، أثناء غاراته الضخمة على جنوب بيروت، لم يقتصر على الأهداف العسكرية لحزب الله كما تلزمه بذلك قوانين الحرب. وقد يمكن اعتبار هذه التصريحات، عندما تصدر عن أشخاص يحتلون مواقع في سلسلة القيادة العسكرية، أدلةً على توفر القصد الجرمي اللازم لإثبات ارتكاب جرائم الحرب. فهذه التصريحات الحكومية توحي، على نحوٍ يخالف قوانين الحرب، بأن أحياء بكاملها قد تم استهدافها نظراً لاعتبارها مواليةً لحزب الله. وهي توحي أيضاً بأن بعض الهجمات يمكن أن تكون انتقاماً غير قانوني من هجمات حزب الله ضد إسرائيل. فبعد هجوم حزب الله بالصواريخ على محطة قطارات حيفا في 16 يوليو/تموز2006 ومقتل ثمانية عمال فيها، نُقل عن وزير الدفاع الإسرائيلي عامير بيريتز قوله عقب تنفيذ الجيش الإسرائيلي قصفاً عنيفاً على الضاحية الجنوبية: "لقد تغير الوضع بالنسبة لمن يعيشون في حي حزب الله ببيروت ويشعرون بالحماية فيه".182 كما قال ضابطٌ كبير في سلاح الجو الإسرائيلي: "وضع [رئيس أركان الجيش الإسرائيلي] دان حالوتس معادلة تقول إن كل قصف صاروخي لحيفا سيجيب عليه [الطيران الإسرائيلي] بغارة صاروخية على عشر مباني في الضاحية كل منها يحوي 12 طابقاً". إلا أن الجيش الإسرائيلي حاول في وقتٍ لاحق إنكار وضع حالوتس هذه المعادلة.183

كما هاجمت الطائرات الحربية الإسرائيلية محطة المنار التلفزيونية التابعة لحزب الله، وكذلك إذاعة النور. ويعتبر القانون المنشآت الإعلامية مرافق يُحتمل أن يتم استخدامها استخداماً مزدوجاً أثناء الأعمال العدائية، إذ يمكن أن يكون لها استخدامٌ مدنيٌّ وعسكري في الوقت نفسه. إلا أن المنشآت الإعلامية لا تصبح هدفاً عسكرياً مشروعاً إلا إذا أدت "مساهمةً فعالة في الأعمال العسكرية" وإذا كان تدميرها يحقق "مزيةً عسكريةً أكيدة".184 ومع أن تلفزيون المنار وإذاعة النور قد تم استخدامهما كمنبرين دعائيين لصالح حزب الله بكل تأكيد، فلسنا على علمٍ بأية مزاعم صدرت عن الجيش الإسرائيلي مفادها أن بثهما ساهم في الدعم المباشر للنشاطات العسكرية، من قبيل توجيه حركة القوات مثلاً. فعندما هاجم الجيش الإسرائيلي منشآت تلفزيون المنار في ليلة 12 يوليو/تموز، أصدر تصريحاً لم يشر فيه إلى أي دورٍ عسكري مباشر لها:

"كانت محطة المنار طيلة سنوات الأداة الرئيسية للدعاية والتحريض لدى حزب الله، كما ساعدت التنظيم في تجنيد الناس في صفوفه".185

إن قيام المنار بالدعاية لحزب الله لا يجعلها هدفاً عسكرياً مشروعاً.186 وما من معلوماتٍ أخرى لدينا تبرر الهجمات التي استهدفتها.

ويحظر القانون الإنساني الدولي يحظر الهجمات المباشرة ضد "الأعيان المدنية" من قبيل المنازل والشقق السكنية وأماكن العبادة والمستشفيات والمدارس والمنشآت الثقافية، إلا إذا كانت المباني المستهدفة تستخدم لغايةٍ عسكرية أو إذا كان أشخاصٌ موجودون فيها يساهمون بدورٍ مباشر في الأعمال العدائية.187 ومجرد احتمال وجود صلة لأحد المباني المدنية بحزب الله لا يجعله هدفاً عسكرياً مشروعاً. وحتى إذا وجد هدفٌ عسكريٌّ مشروع داخل المبنى، يظل على الطرف المهاجم أن يجري تقييماً للتناسب بحيث يضمن أن القيمة المتوقعة لتدمير الهدف العسكري تفوق الأثر الذي يُرجح أن يلحقه الهجوم بالمدنيين والبنية التحتية المدنية.

عدم كفاية الاحتياطات عند مهاجمة أهداف يفترض أنها لحزب الله

يقضي القانون الإنساني الدولي على الأطراف المتحاربة فعل كل ما هو ممكن للتحقق من أن ما تستهدفه أهدافٌ عسكرية.188 وقد فشلت حملة القصف الإسرائيلي ضد ما يفترض أنه قوات حزب الله وقادته في تحقيق أهدافها، إلا أنها كانت سبباً رئيسياً في إصابات المدنيين خلال الحرب. فعلى الرغم من تدمير وإصابة عشرات الآلاف من المنازل اللبنانية في القصف، ومعظمها دمرته صواريخ دقيقة التوجيه أطلقت ضد أهداف مفترضة لحزب الله، فشلت إسرائيل ولو في قتل قائد مركزي واحد في حزب الله، ولم تتمكن من تدمير قوات الحزب أو تحييدها. وتبين دراستنا للظروف التي لاقى في ظلها أكثر من 150 من مقاتلي الحزب مصرعهم (لعل هذا الرقم يعادل أكثر من نصف المجموع الإجمالي لعدد قتلى حزب الله في الحرب كلها) أن معظم هؤلاء المقاتلين قتلوا في اشتباكاتٍ برية مع القوات الإسرائيلية وليس في الغارات الجوية الواسعة على المناطق السكنية خلال المراحل الأولى من الحرب.189 وعلى نقيض ذلك، قتل جميع المدنيين تقريباً إما داخل منازل قصفتها إسرائيل أو في سياراتٍ مدنية أثناء محاولتهم النزوح.

وعند بداية الحرب خاصةً، استخدمت إسرائيل مئات القنابل الموجهة لتدمير منازل اعتقدت الاستخبارات الإسرائيلية أنها تضم أهدافاً لحزب الله. لكن تلك الاستخبارات كانت مخطئةً تماماً في الغالبية الساحقة من هذه الحالات؛ إذ لم يكن في المباني المستهدفة أي وجودٍ لحزب الله. وحتى عندما قصفت إسرائيل في الغارات الأولى يوم 13 يوليو/تموز المنشآت التي يُفترض أنها تملك أفضل معلوماتٍ استخباراتية عنها، وأصابت بعض مخازن الأسلحة ومنازل أعضاء في حزب الله، فقد أصابت أيضاً عدداً كبيراً من المنازل التي لا صلة لها بحزب الله إطلاقاً فتسببت في مقتل عشرات المدنيين. ويستمر هذا النمط من ضربات القنابل الموجهة على منازل المدنيين طيلة الحرب مما يشير إلى وجود خلل كبير في المعلومات الاستخباراتية الإسرائيلية فيما يخص الأهداف التابعة لحزب الله. وهو يدل أيضاً على أن إسرائيل لم تتخذ إجراءاتٍ كافية لتدبر هذه المشكلة؛ أو أن الجيش الإسرائيلي لم يعد يهتم بإصابة المدنيين بعد إصداره تحذيراتٍ تنذرهم بالإخلاء وبعد الافتراض الخاطئ بأن من ظلوا هم من أعضاء حزب الله كلهم.

وتؤكد التحقيقات الداخلية التي أجراها الجيش الإسرائيلي في مسار الحرب هذا الرأي. ففي مقالةٍ نشرتها هاآرتس يوم 2 أبريل/نيسان 2007، قال اثنان من المراسلين العسكريين البارزين إن التحقيقات الداخلية التي أجراها الجيش الإسرائيلي بعد الحرب تبين أن لائحة الأهداف المحتملة لدى القيادة الشمالية في الجيش لم تكن تضم إلا 83 هدفاً تابعاً لحزب الله؛ وإن هذه الأهداف استنفذت في اليوم الخامس من الحرب، أي في 16 يوليو/تموز2006.190 وتمضي المقالة فتقول إنه، وبعد استنفاذ الأهداف المحضرة مسبقاً:

"اتضح من التحقيق [الداخلي] الذي أجري بعد الحرب في وحدات الاستخبارات وفي سلاح الجو الإسرائيلي أنه كان لابد من العثور على حل. وكان الحل هو الإسراع في إيجاد أهداف جديدة مع تقدم الحرب. في حالة قاذفات الصواريخ التي يجري نصبها عند الإطلاق كان النجاح كبيراً (تفتخر [مصادر] سلاح الطيران بأن كل منصة إطلاق صواريخ متوسطة المدى قامت بإطلاق صواريخ دُمرت عقب ذلك فوراً). لكن قسماً كبيراً من الأهداف الأخرى التي هوجمت كانت أهدافاً عقيمة جرى تحديدها انطلاقاً من لا شيء؛ وهي نقطاٌ جرى تحديدها استناداً إلى تحليلاتٍ مختلفة من غير اتضاح ما إذا كانت تحوي أهدافاً ذات قيمة".191

وكان من أسوأ الأمثلة على عدم اتخاذ الاحتياطات الكافية هجومٌ وقع في آخر ليلةٍ من الحرب واستهدف مجمع الإمام الحسن في حي الرويسة بجنوب بيروت وتضمنت هذه الغارة الضخمة ما يقدر باثنتي عشر غارة صاروخية كبيرة على ذلك المجمع السكني مما أسفر عن مقتل 40 شخصاً على الأقل. ولم تجد هيومن رايتس ووتش أي دليلٍ على وجود مسؤولين كبار من حزب الله في المجمع أو الملاجئ تحت الأرض، وذلك أثناء تفقدنا الموقع في 30 أكتوبر/تشرين الثاني 2006. كما قال الشهود الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش إنهم لا يظنون أن مسؤولين كبار في الحزب قاموا بزيارة المجمع أثناء الحرب، أو أن ثمة أي علاقة للحزب بالمجمع.

وثمة مثالٌ آخر على الامتناع النمطي عن اتخاذ الاحتياطات الكافية وهو الهجوم الإسرائيلي على بلدة الغازية في 7 و8 أغسطس/آب. قصفت الطائرات الإسرائيلية عدداً من الأهداف في البلدة فتسببت في مقتل ما مجموعه 26 شخصاً. ويظهر أن كثيراً من تلك الأهداف كانت على صلةٍ ما بقائد حزب الله في البلدة أمين خليفة. لقد قصفت إسرائيل منزل جاره ومنازل ومتاجر لأشقائه الذين لم يكن أحدٌ منهم مقاتلاً في حزب الله. وتدل جميع المؤشرات على أن خليفة نفسه لم يكن في الغازية كلها أثناء الحرب، بما في ذلك خلال اليومين اللذين شهدا تلك الغارات.192

كما أن حملة القصف الإسرائيلي ضد أعضاء حزب الله لم تأخذ في اعتبارها حقيقةً كان يمكن توقعها، وهي أن معظم أعضاء الحزب، عسكريين ومدنيين، غادروا منازلهم فور بدء الحرب؛ فمن الواضح أنهم يعرفون من تجاربهم السابقة (مثل حملات القصف في "عملية المحاسبة" عام 1993 وعملية "عناقيد الغضب" عام 1996) أن إسرائيل سوف تستهدف عناصر حزب الله وبنيته التحتية.193 ومن الأمثلة النموذجية على ذلك قصف إسرائيل مبنى من 3 طوابق في بنت جبيل يوم 15 يوليو/تموز أدى إلى مقتل اثنين من المدنيين، وكان حزب الله يستأجر شقةً في ذلك المبنى، لكن تم إخلائها منذ بدء الحرب. ولم يكن في المبنى إلا شخصان مدنيان لا صلة لهما بحزب الله، وقد قتلا في تلك الغارة، وهما: خليل إبراهيم مروج (85 عاماً)، وابنته نجوى خليل مروج (60).194

بل إن المدنيين الذين يعيشون قرب أهدافٍ محتملة لحزب الله أخلوا منازلهم فوراً في معظم الحالات؛ فقد كانوا مدركين للخطر. وعلى نحوٍ عام، كان المدنيون الذين لا يعيشون على مقربةٍ من أهداف حزب الله هم الذين قرروا البقاء في بيوتهم؛ وفي الكثرة الغالبة من الحالات فوجئوا تماماً بالغارات التي وقعت. ومرةً بعد مرة، قال الناجون من الغارات القاتلة لـ هيومن رايتس ووتش: "ظللنا في منازلنا لاعتقادنا أننا آمنون فيها".

وقد سبق لـ هيومن رايتس ووتش التحقيق في أساليب استهداف مماثلة، وإن كانت أكثر محدوديةً، استخدمتها القوات الأميركية ضد القيادة العراقية العليا خلال حرب 2003. لكن ما قامت به الولايات المتحدة يختلف كثيراً من حيث نطاقه عما قامت به إسرائيل في لبنان إذ أن الولايات المتحدة اقتصرت على استهداف مجموعة صغيرة من أهم القادة العراقيين (بمن فيهم الرئيس صدام حسين ونوابه)، أما إسرائيل فالظاهر أنها استهدفت كامل البنية التحتية لحزب الله. وقد خلص تحقيقنا في استهداف الولايات المتحدة القادة العراقيين إلى:

"استخدمت الولايات المتحدة منهجية استهدافٍ خاطئة اعتمدت على اعتراض المكالمات الهاتفية عبر الأقمار الصناعية وعلى أدلةٍ أخرى غير كافية

كانت الكلفة المدنية للهجمات الإسرائيلية الأكثر اتساعاً التي استهدفت كامل تنظيم حزب الله بما في ذلك مؤسساته السياسية والاجتماعية أكبر بكثير من الكلفة الناجمة عن الحملة الأميركية الأصغر حجماً التي استهدفت القيادة العراقية. لكن الحملتين استندتا إلى معلومات استخباراتية خاطئة على نحوٍ متشابه.




156 قدمت هيومن رايتس ووتش طلباتها إلى المسؤولين الإسرائيليين في عدة مناسبات: 1) اجتماع في 8 أغسطس/آب 2006 مع ممثلين عن وزارة الخارجية، ووزارة العدل، والمكتب القانوني في الجيش الإسرائيلي؛ 2) اجتماع في 9 أغسطس/آب 2006 مع رئيس وحدة التخطيط الإستراتيجي في مخابرات الجيش الإسرائيلي؛ 3) اجتماع في 26 فبراير/شباط 2007 مع جيل هاسكال، رئيس قسم المنظمات غير الحكومية في الجيش الإسرائيلي. كما بعثنا في 8 يناير/كانون الثاني 2007 أيضاً رسالةً مفصلة إلى وزير الدفاع عامير بيريتز طالبين منه معلوماتٍ مفصلة حول سياسات الاستهداف التي يعتمدها الجيش الإسرائيلي.

157 المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: "رئيس أركان الحرب: ليست لدينا النية لإيذاء سوريا أو المدنيين في لبنان" 28 يوليو/تموز 2006. على: http://www1.idf.il/DOVER/site/mainpage.asp?sl=EN&id=7&docid=55255.EN (تمت زيارة الموقع في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2006). وقبل أربعة أيام، في 24 يوليو/تموز علق حالوتس على أن بنت جبيل كانت "رمزاً لحزب الله"، ينيت نيوز، على: http://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-3280528,00.html (تمت زيارة الموقع في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2006).

158 إيتامار إنباري وأمير بشبوت، "الجيش الإسرائيلي: حزب الله لم يسقط أية طائرة إسرائيلية"، إن آر جي نيوز، 17 يوليو/تموز 2006، على: http://www.nrg.co.il/online/1/ART1/450/601.html (تمت زيارة الموقع في 4 يونيو/حزيران 2007).

159 غرينبرج، "حالوتس: سيفكر نصر الله جيداً في كلماته في خطابه القادم"، (חלוץ: בנאום הבא נסראללה יחשוב טוב על מילותיו)، يينيت نيوز، 24 يوليو/تموز 2006، http://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-3280528,00.html (تمت زيارة الصفحة في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2006).

160 انظر هيومن رايتس ووتش، "رهائن مدنيون: انتهاكات قوانين الحرب واستخدام الأسلحة على الحدود الإسرائيلية اللبنانية" (نيويورك: هيومن رايتس ووتش، 1996)؛ هيومن رايتس ووتش، "عملية عناقيد الغضب: الضحايا المدنيون" (نيويورك: هيومن رايتس ووتش، 1997).

161 "رهائن مدنيون: انتهاكات قوانين الحرب واستخدام الأسلحة على الحدود الإسرائيلية اللبنانية" (نيويورك: هيومن رايتس ووتش، 1996)، ص 92.

162 "إسرائيل تقول إن العالم يؤيد هجومها"، أخبار بي بي سي على الإنترنت، 27 يوليو/تموز 2006.

163 عاموس هاريل وألوف بين، "وزير الدفاع يوافق على الاستدعاء الجماعي للاحتياطي" هاآرتس أونلاين، على: http://www.haaretz.com/hasen/pages/ShArt.jhtml?itemNo=743489.

164 انظر البروتوكول الأول، المادة 57(2)(ج).

165 انظر اللجنة الدولية للصليب الأحمر، "القانوني الدولي الإنساني العرفي"، ص 65 ("تشير ممارسات الدول إلى أن الواجبات المتعلقة بمبدأ التمييز وبسير الأعمال العدائية تظل نافذةً حتى إذا بقي المدنيون في مناطق العمليات بعد توجيه إنذارٍ لهم. وأما التهديدات القائلة إن جميع المدنيين الباقين سيعتبرون عرضةً للهجوم فهي مدانةٌ ولاغية").

166 "نائب سفير إسرائيل إلى الأمم المتحدة معلقاً على الهجمات في لبنان: ’لا نستطيع أن نثبت على نحوٍ مؤكد أن جميع المدنيين بجنوب لبنان أبرياء حقاً‘"، الديمقراطية الآن، 24 أغسطس/آب 2006. http://www.democracynow.org/article.pl?sid=06/08/24/1425218 (تمت زيارة الصفحة في 4 أبريل/نيسان 2007).

167 انظر مثلاً، روجرز، "القانون في ميدان المعركة"، ص 100.

168 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع محمد إسماعيل عبد الله، مروحين، 19 أغسطس/آب 2006.

169 أكدت المنظمات الإنسانية طيلة الحرب عدم وجود ممرات آمنة من أجل أفرادها أو من أجل المدنيين النازحين. وقال مدير عمليات "أطباء بلا حدود" في لبنان كريستوفر ستوكس في 31 يوليو/تموز: "لأيامٍ كثيرة، استخدم تعبير الممرات الإنسانية لطمس الحقيقة: من المستحيل تأمين ممر آمن إلى القرى في الجنوب. وأما ما يدعونه ممراً فهو نوعٌ من التنصل من المسؤولية لأنه لم يكن يوجد ممرٌ حقيقي من أجل المنظمات الإنسانية بجنوب لبنان. إن المجتمع الدولي يضلل نفسه إن هو صدق ذلك"، أطباء بلا حدود، أنباء ميدانية، "مدير عمليات أطباء بلا حدود في لبنان كريستوفر ستوكس: الممرات الإنسانية إلى جنوب لبنان وهم"، 31 يوليو/تموز 2006. وفي 10 أغسطس/آب، صرح جاكوب كيلنبرغر، رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر: "حان وقت تحقيق وصول أفضل منذ زمنٍ بعيد. ففي أحسن الأحول ثمة تأخيرٌ يمتد أياماً حتى من أجل إنقاذ الأرواح وعمليات الإخلاء الطارئة التي تشتد الحاجة إليها. ونحن نواجه أيضاً عقباتٍ هائلة في إدخال قوافل المساعدات التي تحمل الأغذية الأساسية والمياه والأدوية من أجل المدنيين العالقين". بيان صحفي صادر عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر، "رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر يلح على تحسين الوصول إلى جنوب لبنان"، 10 أغسطس/آب 2006. كما قال المفوض السامي المعني بحقوق الإنسان في الأمم المتحدة إن "كثيراً من الناس غير قادرين على مغادرة جنوب لبنان، وذلك ببساطةٍ لعدم وجود وسائل نقل لأن الطرق دُمرت، ولأنهم مرضى أو متقدمين في السن، ولأنهم مضطرون إلى الاعتناء بآخرين ممن هم غير قادرين جسدياً على القيام بهذه الرحلة، أو لأنهم ليس لديهم مكانٌ يذهبون إليه". المفوض السامي المعني بحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، "المفوض السامي لحقوق الإنسان يدين قتل المدنيين في قانا بجنوب لبنان"، 31 يوليو/تموز2006، http://www.un.org/News/dh/infocus/middle_east/unhchr.htm (تمت زيارة الصفحة في 6 أبريل/نيسان 2007).

171 حمل منشور 25 يوليو/تموز رسماً يمثل رجل دين من حزب الله يختبئ خلف أسرة لبنانية مقيدة الوثاق مع طائرةٍ تطير فوقهم. ويقول المنشور: "من يقول إنه يحميكم يقوم بسرقتكم في الحقيقة". وتمضي الرسالة التي يحملها المنشور قائلةً (ورد التشديد في الأصل):

إلى جميع المواطنين جنوب نهر الليطاني

بسبب النشاطات الإرهابية التي تجري ضد دولة إسرائيل انطلاقاً من قراكم وبيوتكم فإن جيش الدفاع الإسرائيلي مجبرٌ على الرد على هذه النشاطات فوراً، حتى داخل قراكم.

من أجل سلامتكم!!!

ندعوكم إلى إخلاء قراكم والتحرك إلى شمال نهر الليطاني.

دولة إسرائيل

172 لجنة التحقيق التابعة لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في لبنان، تقرير لجنة التحقيق في لبنان، (جنيف: نوفمبر/تشرين الثاني 2006)، الفقرة 156.

173 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع سعدى ديب نور الدين، الغسانية، 18 سبتمبر/أيلول 2006.

174 لم تقدم السلطات الإسرائيلية رقماً إجمالياً لغاراتها على لبنان. وطبقاً لتقديرات مركز الأمم المتحدة لتنسيق عمليات إزالة الألغام (UNMACC)، استخدمت إسرائيل في ضرباتها الجوية والبرية خلال أسابيع الحرب الأولى ما يصل إلى 3000 قنبلة وصاروخ ورشقة مدفعية يومياً، ثم ازداد هذا الرقم إلى 6000 مع اقتراب الحرب من نهايتها. انظر: http://www.maccsl.org/War%202006.htm.

175 انظر روجرز، "القانون في ميدان المعركة، ص 68 – 69. (الأرض بصفتها هدفاً عسكرياً يخضع للهجوم).

176 انظر يوريم دينشتاين، "مسار الأعمال العدائية بموجب قانون النزاعات الدولية المسلحة"، (كامبريدج: منشورات جامعة كامبريدج، 2004)، ص 92.

177 عاموس هاريل وآفي إيساكاروف، "القيادة الشمالية تستنفذ الأهداف"، يومية هاآرتس، 2 أبريل/نيسان 2007.

179 تصريح للسفير دان غيلرمان، الممثل الدائم لإسرائيل لدى الأمم المتحدة، أثناء النقاش المفتوح حول "الوضع في الشرق الأوسط متضمناً المسألة الفلسطينية"، مجلس الأمن الدولي، نيويورك، 21 يوليو/تموز2006، وثيقة الأمم المتحدة: S/PV.5493.

180 إيلي أشكينازي، وران ريزنيك، وجوناثان ليز، وجاك خوري، "اليوم التالي: الحرب بالأرقام"، هاآرتس، 18 أغسطس/آب 2006. لم تقدم السلطات الإسرائيلية الرقم الإجمالي لغاراتها في لبنان بما فيها القصف المدفعي ضد قرى الجنوب. وطبقاً لتقديرات مركز الأمم المتحدة لتنسيق عمليات إزالة الألغام (UNMACC)، استخدمت إسرائيل في ضرباتها الجوية والبرية خلال أسابيع الحرب الأولى ما يصل إلى 3000 قنبلة وصاروخ ورشقة مدفعية يومياً، ثم ازداد هذا الرقم إلى 6000 مع اقتراب الحرب من نهايتها. انظر: http://www.maccsl.org/War%202006.htm.

181 زيارات هيومن رايتس ووتش إلى الضاحية الجنوبية، 23 يوليو/تموز2006؛ و26 يوليو/تموز2006؛ و8 أغسطس/آب 2006؛ و9 أغسطس/آب 2006؛ و5 سبتمبر/أيلول 2006؛ و16 سبتمبر/أيلول 2006؛ و4 أكتوبر/تشرين الثاني 2006؛ و6 أكتوبر/تشرين الثاني 2006؛ و30 أكتوبر/تشرين الثاني 2006؛ و7 نوفمبر/تشرين الثاني 2006....

182 جاد معوض وستيف إيرلانغر، "الحرب تزداد شراسةً في يومها الخامس"، نيويورك تايمز، 17 يوليو/تموز2006.

183 ياكوف كاتز، "ضابطٌ كبير يقول إن حالوتس أمر باعتماد سياسة انتقامية"، جيروسالم بوست، 24 يوليو/تموز2006. وقد نشر مكتب الناطق باسم الجيش الإسرائيلي في وقتٍ لاحق تصريحين ينفيان هذه المزاعم.

184 البروتوكول الأول، المادة 52(2).

185 متحدث باسم جيش الدفاع الإسرائيلي، "موجز عن عمليات جيش الدفاع ضد حزب الله في لبنان"، 13 يوليو/تموز2006. http://www.mfa.gov.il/MFA/Terrorism-+Obstacle+to+Peace/Terrorism+from+Lebanon-+Hizbullah/IDF+operations+against+Hizbullah+in+Lebanon+13-Jul-2006.htm.

186 على نحوٍ مماثل، وجدت هيومن رايتس ووتش أن غارات حلف الناتو الجوية ضد مقري الإذاعة والتلفزيون الصربيين في بلغراد أثناء حرب كوسوفو عام 1999 كانت غير مشروعة؛ وخلصت المنظمة إلى: "مع أن إيقاف هذه الدعاية يمكن أن يكون مفيداً في ضرب معنويات سكان يوغوسلافيا وتقويض الدعم السياسي الذي تحظى به الحكومة، فإن أياً من هذين الهدفين لا يحقق مزيةً عسكرية ’ملموسة مباشرة‘ لابد منها لجعل هذين الموقعين هدفاً عسكرياً مشروعاً". رسالة هيومن رايتس ووتش إلى الأمين العام لحلف الناتو خافيير سولانا، 13 مايو/أيار 1999؛ هيومن رايتس ووتش، "القتلى المدنيون في حملة الناتو الجوية، (نيويورك: هيومن رايتس ووتش 2000).

187 تقول المادة 52(3) من البروتوكول الأول: "إذا ثار الشك حول ما إذا كانت عينٌ ما تكرس عادةً لأغراضٍ مدنية مثل مكان العبادة أو منزل أو أي مسكن آخر أو مدرسة، إنما تستخدم في تقديم مساهمةٍ فعالة للعمل العسكري، فإنه يفترض أنها لا تستخدم كذلك".

188 انظر البروتوكول الأول، المادة 57(2)(أ).

189 قال مسؤولو حزب الله لأسوشييتد برس إن زهاء 250 مقاتلاً من الحزب قتلوا في الحرب. انظر سام غطاس، "لبنان يشهد أكثر من 1000 قتيل في الحرب"، أسوشييتد برس، 28 ديسمبر/كانون الأول 2006.

190 عاموس هاريل وآفي إيساكاروف، "القيادة الشمالية تستنفذ الأهداف"، يومية هاآرتس، 2 أبريل/نيسان 2007.

191 المصدر السابق.

192 انظر الفصل 8 أدناه للاطلاع على القصة الكاملة لهذا الهجوم.

193 انظر هيومن رايتس ووتش، "رهائن مدنيون: انتهاكات قوانين الحرب واستخدام الأسلحة على الحدود الإسرائيلية اللبنانية" (نيويورك: هيومن رايتس ووتش، 1996).

194 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع جمال سعد، بنت جبيل، 26 سبتمبر/أيلول 2006؛ مقابلة هيومن رايتس ووتش مع هاشم كازان، بيروت، 23 يوليو/تموز2006.