(بيروت) ـ إن على سلطات الإمارات أن تكشف فوراً عن مكان نحو 10ليبيين محتجزين، يبدو أن السلطات أخفت 2 منهم على الأقل قسراً، وكذلك 6 إماراتيين.
تبدو الظروف المحيطة بعمليات الاحتجاز متفقة مع حالات سابقة قامت فيها السلطات باحتجاز مواطنين إماراتيين من المرتبطين بمجموعة إسلامية محلية تعسفاً، وكذلك أشخاص من غير المواطنين ولهم روابط مزعومة بالإخوان المسلمين. وقد تعرضت المجموعتان لمحاكمات غير عادلة وسط مزاعم ذات مصداقية عن التعذيب.
قال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "تعد أعمال الإخفاء القسري من الجرائم الدولية الخطيرة التي تعرض الضحايا لخطر التعذيب وتسبب لعائلاتهم القلق. وتبرهن حالات الإخفاء الجديدة على المسلك القمعي المتزايد لدولة الإمارات".
قال بعض أقارب اثنين من الليبيين، وهما شقيقان عاشا في الإمارات منذ تسعينيات القرن العشرين، قالوا لـ هيومن رايتس ووتش إن أياً من الرجلين لم يتصل بعائلته منذ احتجاز قوات الأمن لهما في 28 أغسطس/آب 2014. وقال الأقارب إن السلطات ترفض الاعتراف بوجود الرجلين في عهدتها أو الكشف عن مكانهما.
اتصلت الشرطة بأحد الشقيقين، وهو محمد العرادي، حتى يحضر للاستجواب بمركز شرطة البرشاء في دبي في الثامنة من مساء 28 أغسطس/آب. عاد العرادي إلى منزله في الحادية عشرة، مصحوباً بـ8-10 مسؤولين أمنيين في ثياب مدنية، وقال أحدهم إنه من أبو ظبي. فتش الرجال المنزل وصادروا حاسباً محمولاً، ثم رحلوا ومعهم العرادي، قائلين للعائلة إنه سيعود قريباً، ولم تسمع العائلة منه خبراً منذ ذلك الحين.
كما احتجزت قوات الأمن شقيقه سليم العرادي من أحد فنادق دبي في مساء اليوم نفسه، وفتشت منزله في دبي، مع مصادرة حاسب محمول وهاتف خلوي.
وفي 29 أغسطس/آب قال ضباط بمركز شرطة البرشاء لأفراد العائلة إنه ليس لديهم سجلات باعتقال أي من الرجلين، ولم تؤكد السلطات أو تنفي احتجازهما، ولا كشفت عن أية معلومات تتعلق بالرجلين في الأسابيع التالية.
وكان مسؤولو إدارة الهجرة، قبل أسبوعين من اعتقال الشقيقين، قد استجوبوا محمد العرادي لمدة ساعتين بشأن انتماءاته السياسية وعلاقته بشقيق آخر، هو عبد الرزاق العرادي، عضو حزب العدالة والبناء المنتسب إلى الإخوان المسلمين في ليبيا. وتقول عائلتا الرجلين المحتجزين إنهما بلا انتماءات سياسية.
اتصلت هيومن رايتس ووتش بأقارب 3 آخرين من الليبيين العشرة الذين ظهرت تقارير عن اختفائهم، وكلهم من مجتمع الأعمال. ورغم خشية البعض من إغضاب السلطات إذا ناقشوا الحالات علانية، إلا أن العائلات فيما يبدو لم تسمع خبراً من هؤلاء الرجال منذ احتجازهم في الأسبوع الأخير من أغسطس/آب، ولم يتضح ما إذا كانت السلطات قد أنكرت احتجازهم.
وقد اطلعت هيومن رايتس ووتش على نسخة من رسالة وجهها السفير الليبي في الإمارات، عارف النايض، إلى وزارة الخارجية الليبية في طرابلس بتاريخ 7 سبتمبر/أيلول. وفيها يؤكد السفير احتجاز محمد وسليم العرادي، وكذلك احتجاز كمال ومحمد كمال الضراط.
أقر السفير في تلك الوثيقة بأن أقارب آخرين من المحتجزين ذوي الجنسية المزدوجة قد اتصلوا بالسفارة، لكنه قال إن السفارة الليبية مسؤولة فقط عمن دخلوا الإمارات بجوازات سفر ليبية. وفي 11 سبتمبر/أيلول أكد عبد الله الثني، رئيس الوزراء الليبي، احتجاز سبعة ليبيين في الإمارات دون تسميتهم بالاسم، وقال في بيان صحفي بعد زيارة للإمارات إن الليبيين الذين خالفوا قوانين الإمارات سيحصلون على محاكمة عادلة هناك.
هذا وقد قامت سلطات الإمارات باحتجاز الإماراتيين الستة في ساعة مبكرة من صباح 22 سبتمبر/أيلول في خورفكان، إحدى بلدات إمارة الشارقة، حسبما قال مصدر مقرب من العائلات لـ هيومن رايتس ووتش. لم يتصل أي منهم بعائلته، إلا أنه لم يتضح ما إذا كانت السلطات قد أنكرت احتجازهم. تضم صفوف المحتجزين عمر إبراهيم محمود، 17 سنة، والآخرون هم عبد العزيز مبارك السويدي، وصالح مبارك السويدي، والأشقاء سليمان محمد النقبي، وخالد النقبي، وراشد النقبي.
وتتفق عمليات الاحتجاز الأخيرة مع حالات سابقة، ففي أبريل/نيسان 2012 قامت سلطات الإمارات بإخفاء أحمد السويدي قسراً لمدة 5 أشهر، وشكل اعترافه ركناً مركزياً في قضية الادعاء التي أدت في يونيو/حزيران 2013 إلى إدانة 68 رجلاً آخرين بتهمة محاولة قلب النظام السياسي. أنكر السويدي تلك المزاعم في المحكمة، ويدعي ما لا يقل عن 22 من الأشخاص الـ94 الذين حوكموا في تلك القضية أنهم تعرضوا للتعذيب أثناء الاحتجاز قبل المحاكمة في مقرات أمن الدولة.
وفي يناير/كانون الثاني 2014 صدر الحكم على 20 مصرياً و10 إماراتيين بالسجن لمدد تتراوح بين 3 شهور و5 أعوام في تهم تشمل إدارة فرع للإخوان المسلمين في الإمارات. وزعم هؤلاء بدورهم أن السلطات الإماراتية عذبتهم وحرمتهم من المساعدة القانونية لشهور عديدة.
ولا يعد تردد الأقارب في الكشف عن المعلومات مفاجئاً في ضوء ملاحقات الإمارات المستمرة للأشخاص الذين يتحدثون مع منظمات حقوقية دولية. في 23 سبتمبر/أيلول وجهت المحكمة الاتحادية العليا إلى أسامة النجار، بين تهم أخرى، تهمة "التواصل مع منظمات خارجية وتقديم معلومات غير صحيحة لها عن وضع المدانين في قضية التنظيم السري [الإصلاح] ومعيشتهم في السجون"، وهذا بحسبتقرير لوكالة أنباء الإمارات.
كانت هيومن رايتس ووتش قد استشهدت بالنجار في بيان إخباري في يونيو/حزيران 2013 يدعو سلطات الإمارات إلى التحقيق في مزاعم ذات مصداقية تفيد بوقوع تعذيب وتستند إلى رسائل بخط اليد هربها 22 من محتجزي الإصلاح الـ94 من السجن. كما كان النجار قبل اعتقاله في مارس/آذار 2013 قد التقى بممثلين لمنظمة العفو الدولية "آمنستي"، ومقرر الأمم المتحدة الخاص المعني باستقلال القضاة والمحامين. وقد حدد القاضي الطنيجي موعد الجلسة المقبلة لمحاكمة النجار في 14 أكتوبر/تشرين الأول.
أشار منطوق الحكم الصادر في قضية أعضاء الإصلاح الـ69 إلى أن المحاميين الحقوقيين محمد المنصوري ومحمد الركن قد "تواصلا مع منظمات دولية منها هيومن رايتس ووتش".
ويقع الإخفاء القسري عند حرمان شخص من حريته بأيدي موظفين في الدولة أو من يتصرفون بموافقتها، ويعقب هذا رفض الاعتراف بسلب حرية الشخص المختفي أو إخفاء مصيره أو مكانه. كما أن الصلة بين الإخفاء القسري والتعذيب راسخة في القانون الدولي.
وقد وجدت محكمة الأمريكتين لحقوق الإنسان أن العزلة المطولة والحرمان من التواصل هو في ذاته شكل من أشكال المعاملة القاسية واللاإنسانية. وأعلنت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن انعدام اليقين والشك والتوجس التي تعانيها عائلات الأشخاص المختفين على مدار فترة طويلة ومتصلة تشكل انتهاكاً للحظر المطلق وغير القابل للانتقاص المفروض على التعذيب والمعاملة اللاإنسانية والمهينة.
فإذا كان الليبيون والإماراتيون المختفون قسراً قد اعتقلوا وموجودون قيد الاحتجاز فإن على السلطات الاعتراف بهذا فوراً، والكشف عن مكانهم، والسماح لهم بحق التواصل الفوري مع عائلاتهم ومع محام، بحسب هيومن رايتس ووتش. وعلى السلطات إما أن تفرج عن المحتجزين أو تبلغهم بالتهم الموجهة إليهم وتعرضهم على محكمة.
قال جو ستورك: "لقد اعتادت الإمارات أن تمر انتهاكاتها المتسلسلة للحقوق دون تعليق من المجتمع الدولي الذي يبدو خانعاً أمام دبلوماسيتها الهجومية. وكلما طال هذا الصمت، زاد ظهور المجتمع الدولي بمظهر من يرسل رسالة تفيد بعدم الاكتراث".