قالت "هيومن رايتس ووتش" و "الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية" في تقرير مشترك أصدراه اليوم إن الإنفاذ واسع النطاق للقوانين التي تجرّم تعاطي وحيازة المخدرات في الولايات المتحدة يسبب ضررا مدمرا. تتسبب هذه القوانين في تدمير حياة الأفراد والعائلات، والتمييز ضد غير البيض، وتقويض الصحة العامة. على السلطات الاتحادية والمحلية إلغاء تجريم استخدام وحيازة المخدرات الشخصية.
وجد التقرير المكون من 196 صفحة والمعنون: "كل 25 ثانية: الحصيلة البشرية لتجريم تعاطي المخدرات في الولايات المتحدة" أن تطبيق قوانين حيازة المخدرات يسبب ضررا واسع النطاق وغير مبرر للأفراد والمجتمعات المحلية في جميع أنحاء البلاد. قد تتسبب عواقبه طويلة الأجل في فصل العائلات وحرمان الناس من فرص العمل والمساعدات الاجتماعية والإسكان العام والتصويت، ويعرضهم للتمييز والوصم بالعار مدى الحياة. رغم أن عدد الأشخاص الذين يُقبض عليهم بسبب حيازة بعض المخدرات يتجاوز عدد الذين يُقبض عليهم بسبب أي جريمة أخرى في الولايات المتحدة، نادرا ما تتركز المناقشات المتعلقة بإصلاح العدالة الجنائية على ضرورة تجريم تعاطي المخدرات.
قالت تيس بوردن، الحاصلة على زمالة أرييه نيير في هيومن رايتس ووتش والاتحاد الأمريكي للحريات المدنية، وكاتبة التقرير: "كل 25 ثانية يتعرّض شخص للاعتقال بتهمة حيازة بعض المخدرات للاستعمال الشخصي. هذه الاعتقالات واسعة النطاق تسببت في تدمير حياة عدد لا يحصى من الأشخاص، وليس لها أي قيمة في مساعدة الناس الذين يعانون من الإدمان".
قابلت المنظمتان 149 شخصا حوكموا بسبب تعاطي المخدرات في لويزيانا وتكساس وفلوريدا ونيويورك - 64 منهم في السجن - و217 آخرين، منهم أقارب لأشخاص تعرضوا للمحاكمة، ومسؤولين حكوميين حاليين وسابقين ومحامين ومقدمي خدمات وناشطين. كما أجرت المنظمتان تحليلا جديدا واسعا للبيانات التي تم الحصول عليها من تكساس وفلوريدا ونيويورك و"مكتب التحقيقات الفيدرالي".
يعاني نيل، (اسم مستعار)، أحد الذين أجريت معهم مقابلات، من مرض مناعة ذاتية نادر ويقضي 5 سنوات في سجن لويزيانا لحيازته أقل من 0.2 غرام من الكوكايين. قال إنه بكى يوم اعترف بذنبه لعلمه أنه قد لا يبقى على قيد الحياة حتى انتهاء مدة عقوبته.
يقضي كوري 17 عاما في السجن بلويزيانا لحيازته أقل من 15 غرام من الماريخوانا. تعتقد شارلي، ابنته البالغة من العمر 4 سنوات والتي لم تراه خارج السجن، أنها تزوره في العمل. فُصلت نيكول عن أطفالها الصغار الثلاثة بعد احتجازها قبل المحاكمة لعدة أشهر في سجن هيوستن، ثم أقرت أنها مذنبة في أول جناية لها. تعني محاكمتها بسبب حيازة بقايا هيروين في كيس فارغ أنها ستخسر المساعدة المالية الطلابية، وفرص العمل، والمساعدات الغذائية التي كانت تعتمد عليها لإطعام أطفالها.
قال ماثيو من سجن مقاطعة هود في تكساس: "هل يدركون ما يفعلونه بحياة الناس هنا؟ هم يعاقبونني لإدماني المخدرات... لم يقدموا لي أي مساعدة. دخلت السجن 5 مرات، ودمرني هذا".
حُكم على ماثيو بالسجن 15 عاما لحيازته كمية صغيرة جدا من مادة "ميثامفيتامين"، لم يستطع حتى المختبر وزنها. أفادت نتيجة المختبر أنها مجرّد "بقايا". كانت معظم إداناته السابقة من خارج الولاية ومرتبطة بإدمانه المخدرات.
قالت بوردن: "رغم أن العائلات والأصدقاء والجيران يبدون رغبتهم في اتخاذ الحكومة للإجراءات اللازمة لمنع الضرر المحتمل الناجم عن تعاطي المخدرات، إلا أن التجريم ليس حلا. حبس الأشخاص لاستهلاك المخدرات يسبب ضررا هائلا، في حين لا يفعل شيئا لمساعدة أولئك الذين يحتاجون العلاج ويريدونه".
بعد أربعة عقود من إعلان الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون "الحرب على المخدرات"، لم تنخفض معدلات الاستهلاك بشكل ملحوظ، والناس الذين يحتاجون إلى العلاج لا يجدونه في كثير من الأحيان. يدفع التجريم الناس الذين يتعاطون المخدرات إلى التواري عن الأنظار، ما يضعف من احتمال حصولهم على الرعاية، ويرفع من احتمال مشاركتهم في ممارسات غير آمنة تجعلهم عرضة للمرض والجرعات الزائدة.
تجرّم كل الولايات والحكومة الاتحادية حيازة المخدرات غير المشروعة للاستعمال الشخصي. أغلب الولايات تجرّم حيازة كميات صغيرة من المخدرات شائعة الاستخدام مثل الكوكايين والهيروين والميثامفيتامين. وجدت المنظمتان أن وكالات إنفاذ القانون في الولايات تعتقل أكثر من 1.25 مليون شخص لحيازة المخدرات كل عام، أي 1 من كل 9 اعتقالات على الصعيد الوطني.
رغم ادعاءات المسؤولين أن قوانين المخدرات تستخدم في المقام الأول لمكافحة ترويج المخدرات، إلا أن عدد الذين يُعتقلون بسبب الاستهلاك يقدر بأربعة أضعاف الذين يعتقلون بسبب الترويج. نصف المعتقلين بتهمة الحيازة لم تكن تهمهم سوى حيازة الماريخوانا للاستخدام الشخصي. نفذت الشرطة اعتقالات لحيازة الماريخوانا أكثر بـ 14 بالمئة من جميع جرائم العنف مجتمعة عام 2015، وفقا لتحليل البيانات من قبل المنظمتين.
يستهلك السود البالغون المخدرات بمعدلات مماثلة أو أقل من البيض البالغين، ولكن البيانات التي حللتها المنظمتان تبين أن السود البالغين أكثر عرضة للاعتقال بمرتين ونصف بتهمة حيازة المخدرات، وأكثر عرضة للاعتقال بما يقرب من 4 مرات بتهمة حيازة الماريخوانا. كانت الفوارق العرقية في عديد من الولايات أعلى: في مونتانا وآيوا وڤيرمونت، كانت 6 إلى 1. أما في مانهاتن فاحتمال اعتقال السود بتهمة حيازة المخدرات أعلى بنحو 11 مرة من البيض.
قالت هيومن رايتس ووتش والاتحاد الأمريكي للحريات المدنية إن إنفاذ القانون المتباين عرقيا يرقى إلى التمييز العنصري بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان. وجدت المنظمتان أنه من المستحيل تحديد أوجه التفاوت بما يخص السكان من أصول لاتينية، لأن "مكتب التحقيقات الفدرالي" و"مكتب الإحصاء الأميركي" لا يجمعان البيانات المتعلقة بهم.
يُوجد 137 ألف شخص في السجون يوميا، من الرجال والنساء، بتهمة حيازة المخدرات، بالإضافة إلى عشرات آلاف المدانين الذين ينقلون بين مراكز الاحتجاز والسجون، ويقضون فترات تحت المراقبة والإفراج المشروط، وغالبا ما يُثقل كاهلهم بديون تعيق حياتهم بسبب الغرامات والرسوم التي تفرضها المحكمة.
حوكم الأشخاص الذين قابلناهم في سياق إعداد التقرير بسبب حيازة كميات صغيرة من المخدرات - أجزاء من الغرام أحيانا- والتي كانت واضحة أنها للاستخدام الشخصي. أبرز تحليل البيانات الجديدة أنه حكم على ما يقرب من 16 ألف شخص في ولاية تكساس عام 2015 بالسجن أو الاحتجاز لحيازتهم أقل من غرام واحد من المواد التي تحتوي على مخدرات شائعة الاستخدام، وهو ما يكفي لعدد قليل من الجرعات في كثير من الحالات.
قالت هيومن رايتس ووتش والاتحاد الأمريكي للحريات المدنية إن على المجالس التشريعية للولايات والكونغرس الأمريكي إلغاء تجريم الاستخدام والحيازة الشخصية لجميع المخدرات. على الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات تخصيص موارد أكبر لبرامج تقليص المخاطر المرتبطة باستخدام المخدرات، وتوفير خيارات العلاج الطوعي للأشخاص الذين يعانون من الإدمان، بالإضافة إلى البرامج الأخرى.
على المسؤولين في جميع مستويات الحكومة التقليل والتخفيف من الآثار الضارة الناجمة عن القوانين والممارسات الحالية، ريثما يلغى التجريم بشكل كامل. قدمت المنظمتان توصيات مفصلة إلى المجالس التشريعية للولايات والشرطة والنيابة العامة، وغيرها من الهيئات الحكومية والحكومات المحلية، فضلا عن الحكومة الاتحادية.
قالت بوردن: "تجريم الاستهلاك الشخصي للمخدرات هو مضيعة هائلة للأرواح والموارد. إن كانت الحكومات جادة في معالجة مشكلة تعاطي المخدرات، عليها إنهاء الاعتقالات المتكررة لحيازة المخدرات، والتركيز على الاستراتيجيات الصحية الفعالة بدل ذلك".
فيما يلي مقتطفات من مقابلات أجريت في سياق التقرير. تم تغيير جميع الأسماء لحماية خصوصية الأشخاص.
"عندما تكون من غير البيض، ومن ذوي الدخل المنخفض، وتستهلك المخدرات، فإنك تتعرض للشيطنة والتهميش والوصم بالعار... عندما نكون مسجونين، فنحن لسنا محبوسين في الداخل فحسب، بل معزولين عن العالم الخارجي أيضا، ونفقد فرص السكن وفرص العمل وغيرها من الخدمات. تُحبس ضمن طبقة معينة، هي الطبقة الدنيا، وتفقد إنسانيتك، فقط لأنه كان لديك مخدرات".
كاميرون بارنز، مدينة نيويورك، اعتقل مرارا بتهمة حيازة مخدرات من قبل شرطة مدينة نيويورك من ثمانينات القرن الماضي حتى عام 2012.
"تُرمى هنا، دون أي اتصال مع العالم الخارجي. أنا في انتظار الجميع. كل شيء ينهار".
بريانا ويلر، تحدثت من السجن في غالفستون بتكساس، حيث احتجزت قبل محاكمتها عن بقايا ميثامفيتامين في كيس. أم وحيدة، أقرّت في النهاية بذنبها حتى تتمكن من قضاء المدة والعودة لابنتها البالغة من العمر 9 سنوات.
"أنا هنا منذ 4 أشهر، و[عملي] كان الدخل الوحيد لعائلتي .... قُطع [عنهم] الماء منذ احتجازي هنا. قُطع النور.... أساسا هذا ما يحدث عندما يأتي الناس هنا. لا يؤثر علينا فقط، ولكنه يؤثر على جميع من حولنا".
آلين سيرل، تحدث من السجن في سانت تاماني باريش بلويزيانا، حيث اعتقل قبل محاكمته نحو 100 يوم.
"تبدأ الحياة من جديد. لا يمكنك توقع غيابك عن المجتمع وعودتك ببساطة. خسرتَ كل شيء... وظيفتك وبيتك، كل ما كان لديك ستخسره... لأني ارتكبت هذه الجناية، تشردت في الشوارع 5 سنوات. لم أكن بلا مأوى من قبل... تخرج من بوابات السجن، وتصبح وحدك".
شارلي ويست، مسعف سابق في الجيش الأمريكي، يصف عودته للمجتمع بعد أن سُجن بتهمة حيازة الكوكايين في مدينة نيويورك عام 2010.
"لا أفهم لماذا يُعتمد على السجل الجنائي... نحن لسنا أقلية، لقد صرنا أغلبية. إذا واجهني أمر هام، لا أستطيع أن أصوّت وأحدث فرقا في العالم .... أنت لا تدرك مدى أهمية هذه الأشياء -التصويت- حتى تفقدها. أدِنتُ في سن 18، ولم أكن قادرا على التصويت بعد... وجدت بطاقتي لتسجيل الناخبين. فكرت، وكانت ذكريات المدرسة الثانوية جيدة عندما حصلت وصديقي على بطاقات التسجيل. لا يمكنني استخدامها الآن. رميتها وحسب".
تريشا ريتشاردسون في أوبورندال بفلوريدا، واحدة من ثلاث ولايات تفرض الحرمان من حق التصويت مدى الحياة، بعد الإدانة بحيازة مادتي زاناكس وميثامفيتامين.
"إدانتي بالجناية ستدمر حياتي .... سأدفع الثمن طوال حياتي. بسبب سجلّي، لا أعرف كيف أو من أين سأبدأ بإعادة بناء حياتي: المدرسة، العمل، والإعانات التي تقدمها الحكومة، لا أستطيع الحصول على أي منها الآن. بالإضافة إلى عقوبة [السجن] .... هذا كل مستقبلي".
نيكول بيشوب، تحدثت من سجن مقاطعة هاريس، حيث احتجزت قبل محاكمتها عن بقايا هيروين في كيس وبقايا كوكايين في أنبوب لامتصاص العصير.
"تُحرم من المعونات الغذائية لعام. لذلك تذهب لتنقب في القمامة. المعونات الغذائية لأطفالي وليست لي".
ميليسا رايت، تحت مراقبة محكمة المخدرات بعد اعترافها بالذنب في كوفينجتون بلويزيانا.
" يجب إعادة تقييم قضايا بقايا المخدرات، إذا اتهمت بحيازة 0.1 من مادة خاضعة للرقابة... إنه كيس فارغ، وهذا أنبوب فارغ. كان هناك شيء فيه. يدمرون حياة الناس بسبب ذلك".
إليسا بيرنز، تحدثت من سجن مقاطعة هاريس، حيث احتجزت قبل محاكمتها عن بقايا ميثامفيتامين في أنبوب.
"أتذكر عندما قالوا إني مذنب في قاعة المحكمة، لم أستطع التنفس. ذهب ما تبقى من حياتي... كل ما كنت أفكر فيه هو أنه لا يمكنني فعل أي شيء ممتع في حياتي مرة أخرى. لن أستطيع أن أكون في حالة حب مع شخص ما وأكون وحدي معه ... لن أكون قادرة على استخدام الهاتف الخلوي... الاستحمام بخصوصية ... هناك 60 شخصا في زنزانتي، وواحدة منا فقط ذهبت إلى المحاكمة. هن خائفات من أن يحصل لهن ما حصل لي".
جينفير إدواردز، تحدثت من السجن في سانت تاماني باريش بلويزيانا، حول حكم المحلفين بالإدانة. بسبب حيازتها السابقة للمخدرات، واجهت عقوبات تراوحت بين السجن 20 عاما والمؤبد بتهمة حيازة كمية صغيرة من الهيروين.