Skip to main content

شجب الحرب ممتاز لكن الناس في غزة يحتاجون أيضا رعاية طبية عاجلة

مصر وبعض الدول تفعل ما في وسعها لكن ينبغي للمجتمع الدولي الأوسع التحرك

نُشر في: The Guardian
"مستشفى العريش العام" في شمال سيناء، الذي يعالج بعض المرضى الذين تم إجلاؤهم من غزة.   © أبريل/نيسان 2024 هيومن رايتس ووتش

زُرت الشهر الماضي ثلاثة مستشفيات في شمال سيناء في مصر، وهي منطقة عسكرية على الحدود مع جنوب غزة يتلقى فيها عشرات الفلسطينيين العلاج. في مستشفى الشيخ زويد، شاهدت امرأة من غزة مصابة بسرطان الثدي في مرحلته الرابعة تناشد أحد المسؤولين الذي يزول المستشفى نقلها إلى مكان يمكنها أن تحصل فيه على المساعدة. أمضت أسابيع بمفردها على سرير المستشفى، دون علاج وبعيدا عن عائلتها.

أعمل لدى "هيومن رايتس ووتش" وأوثّق جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. كنت في شمال سيناء لإجراء مقابلات مع أشخاص يحتاجون إلى رعاية حرجة، ومنهم بعض الناجين من الهجمات الإسرائيلية في الحرب. وفقا لوزارة الصحة في غزة، قُتل أكثر من 36 ألف فلسطيني وأصيب أكثر من 81 ألفا آخرين خلال الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة. في الوقت نفسه، بات نظام الرعاية الصحية في غزة على وشك الانهيار: من أصل 36 مستشفى، تعرض 32 منها لأضرار أو مداهمات، ولا يزال 16 فقط قيد الخدمة، مع نقص في الأدوية والمعدات والموظفين.

منذ أكتوبر/تشرين الأول، غادر قرابة 4 آلاف مريض عبر معبر رفح لتلقي الرعاية في مصر. هذا العدد يمثل جزءا صغيرا من إجمالي المحتاجين إلى رعاية؛ كان معظم من سُمح لهم بالعبور من مرضى السرطان، وفقا لمداخلة قدمتها "منظمة الصحة العالمية" وحصلت عليها هيومن رايتس ووتش. ذكرت المداخلة نفسها أنه بالكاد مُنح بعض الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و60 عاما، إذنا بالمغادرة، بصرف النظر عن احتياجاتهم الطبية.

نظام الرعاية الصحية في مصر مُنهك أصلا لكنه يحاول المساعدة: يُقدم أكثر من 40 مستشفى في جميع أنحاء البلاد العلاج للفلسطينيين. يعتبر الفلسطينيون الذين وصلوا إلى المستشفيات المصرية محظوظون؛ في 7 مايو/أيار، أغلقت القوات الإسرائيلية معبر رفح، ومنعت جميع الفلسطينيين من مغادرة غزة لتلقي الرعاية الصحية المنقذة للحياة. رغم أمر "محكمة العدل الدولية" في 24 مايو/أيار بفتحه، لن يتمكن الذي الذين بقوا بعد الآن من تلقي الرعاية في مصر.

كان في وسع المجتمع الدولي بذل جهد أكبر، لكنه لم يفعل ذلك حتى الآن. مع أن بعض الحكومات الأجنبية حاولت تعزيز المساعدات الطبية داخل غزة، لم يوافق سوى بعض منها على إجلاء المرضى إلى المستشفيات في بلدانها.

فرض ذلك ضغطا على نظام الرعاية الصحية المصري المُنهك أصلا. أخبرني الأطباء في أحد المستشفيات المصرية التي زرتها أنهم كانوا يعالجون الأشخاص ذوي المراحل المبكرة من السرطان فقط، لأن ثمة مصريين كُثر ينتظرون بالفعل رعاية مرض السرطان قبل وصول الدفعة الجديدة من المرضى. لن يحصل أولئك الذين وصلوا إلى مراحل متقدمة من السرطان على العلاج أثناء وجودهم في مصر.

دعت ستيلا كيرياكيدس، مفوضة الصحة في "الاتحاد الأوروبي"، وجانيز لينارسيتش، مفوض إدارة الأزمات، الدول الأعضاء في الاتحاد إلى المساعدة في إجلاء الفلسطينيين من غزة ممن هم غير قادرين على تلقي الرعاية اللازمة في مصر، وإلا سيموت الكثير من لفلسطينيين جرّاء نقص العلاج الطبي. حتى الآن، ذهبت هذه الدعوات أدراج الرياح إلى حد كبير.

كثّفت بعض البلدان جهودها، لكن في معظم الحالات كانت جهودها ضئيلة. بحسب العاملين الطبيين الدوليين في مصر، ومع أن الإمارات، التي لديها نظام مستشفيات يستوعب حوالي 18 ألف مريض، استقبلت قرابة ألف مريض فلسطيني للعلاج، كان عدد الأشخاص الذين نُقلوا إلى دول مثل وعُمان والجزائر وإيطاليا وسويسرا والولايات المتحدة لا يتجاوز العشرات.

في الوقت نفسه، أرسلت فرنسا وإيطاليا في نوفمبر/تشرين الثاني سفنا عسكرية للرسو قبالة سواحل مصر لعلاج المرضى، لكنها غادرت بعد بضعة أشهر.لا تزال هناك سفينة متبقية أرسلتها الإمارات في فبراير/شباط الماضي.

دول عديدة حول العالم أعربت عن هلعها إزاء حجم الوفيات بين المدنيين في غزة، ولديها القدرة، من خلال مستشفياتها الخاصة، على تقليل هذه الوفيات.

الوضع في فلسطين يزيد من حاجة الدول الأعضاء في "الأمم المتحدة" إلى بذل جهود أكبر. الهجوم الإسرائيلي على رفح، المدينة التي كانت حتى وقت قريب تعجّ بأكثر من مليون نازح متكدسين إلى جانب المقيمين فيها منذ أمد، أدى بالفعل إلى سقوط عشرات الضحايا من المدنيين. تُكافح المستشفيات القليلة العاملة في جنوب غزة لمواكبة الوضع. لدى الأشخاص ذوي الإعاقة والحالات المزمنة قدرة محدودة، وتنعدم حتى، على الحصول على العلاجات والأدوية اللازمة. يتلقى الجرحى علاجا طبيا غير كافٍ على الإطلاق، ويخضعون أحيانا لعمليات جراحية دون تخدير.

في الوقت نفسه، لا يزال عمال الإغاثة، بما في ذلك الطاقم الطبي، عرضةً للهجمات الإسرائيلية، مما يؤثر بشكل كبير على قدرتهم على تقديم المساعدة المنقذة للحياة. فرّ حوالي 945 ألف شخص من رفح منذ 6 مايو/أيار بموجب أوامر الإخلاء الإسرائيلية. ذكرت تقارير مقتل بعضهم جرّاء الغارات الجوية الإسرائيلية على رفح، منهم 45 شخصا على الأقل في هجوم في 26 مايو/أيار، بحسب وزارة الصحة في غزة.

ينبغي على الدول استخدام حظر الأسلحة والعقوبات ودعم العدالة والمساءلة للضغط على الحكومة الإسرائيلية لضمان وصول المساعدات الكافية إلى غزة، بما في ذلك الإمدادات الطبية. ينبغي الضغط على السلطات الإسرائيلية لإنهاء الهجمات غير القانونية.

أما بالنسبة للدول التي تطالب بوضع حد للوفيات بين المدنيين في غزة، وأبرزها دول مثل الولايات المتحدة، والتي تواصل تسليح ومنع التحرك الدولي ضد إسرائيل، ينبغي ألا تُقابل دعواتها بالرفض من جانب إسرائيل، ولا يمكنها كذلك أن تركز فقط على المساعدات.

تتمثل إحدى الطرق الأكثر جدوى للتخفيف من الوفيات التي يمكن تجنبها في تقديم الرعاية الطبية للفلسطينيين الذين يحتاجون إليها، والتأكد من إمكانية مرافقة أفراد أسرهم لهم والبقاء معهم، وعدم إعادة أي منهم قسرا لمواجهة خطر التعرض لمزيد من الأذى.

في مستشفى الشيخ زويد، صادفني طفل (10 سنوات)، في الردهة. كان غير قادر على النظر إلى عيني مباشرة. سألني إذا كان بإمكاني المساعدة في إحضار شقيقه، وعمره سنة، وشقيقته الرضيعة إلى مصر. عندما أدرك أنني لا أستطيع المساعدة، مضى في سبيله وهو ينظر أرضا.

التفتت إليّ ممرضة كان تسمعه، والدمع يترقرق في عينها. يعاني هو ومرضى آخرين وعائلاتهم من صدمة شديدة ويحتاجون إلى الدعم النفسي. قالت إن هذا أمر ليس لدى نظام الرعاية الصحية المصري سوى قدرة محدودة للغاية على تقديمه.

لكن يمكن للعديد من الدول الأعضاء في "الأمم المتحدة" التي تدق ناقوس الخطر بشأن التكلفة الإنسانية الوحشية لهذه الحرب أن توفر الملاذ لهذه العائلات. إجلاء المرضى وتقديم الرعاية الطبية المناسبة لهم هو عمل إنساني ملموس وممكن ومن شأنه أن يساعد في إنقاذ أرواح الفلسطينيين.

Correction

3/6/2024: تم تحديث هذا المقال لإزالة قطر من لائحة البلدان التي استقبلت قلّة من الفلسطينيين لمنحهم الرعاية الصحية. تقول الحكومة إنها استقبلت حتى الآن أكثر من ألفَيْ فلسطيني لمنحهم الرعاية. 

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

المنطقة/البلد