استمرت السلطات المصرية في قمع المعارضين والمنتقدين السياسيين في عام 2009. فقانون العقوبات (قانون رقم 162 لسنة 1958) ما زال سارياً، وهو الأساس للاحتجازات التعسفية والمحاكمات غير العادلة. ولم تؤكد الحكومة مطلقاً عدد المحتجزين، وتُقدر منظمات حقوق الإنسان المصرية أن ما بين 5000 و10000 شخص محتجزين دون نسب اتهامات إليهم.
وقامت السلطات بمضايقة النشطاء الحقوقيين واحتجزت صحفيين ومدونين وأعضاء بجماعة الإخوان المسلمين (التنظيم المحظور الذي يُعد أكبر جهة معارضة في البلاد). واستخدمت السلطات القوة المميتة ضد المهاجرين واللاجئين الذين حاولوا عبور الحدود إلى إسرائيل، وأعادت قسراً ملتمسي اللجوء واللاجئين إلى بلدان قد يواجهون فيها خطر التعذيب.
حرية التجمع وتكوين الجمعيات
استمرت قوات الأمن في الاحتجاز التعسفي للمتظاهرين السلميين. وفي يناير/كانون الثاني 2009 اعتقلت قوات الأمن صحفيين كانوا يغطون مظاهرة تندد بالتدخل العسكري الإسرائيلي في غزة. وقال ممثلون عن جماعة الإخوان المسلمين في مارس/آذار إن قوات الأمن اعتقلت 711 عضواً من الجماعة على الأقل منذ بدء نزاع غزة أواخر ديمسبر/كانون الأول، وأغلب المعتقلين تم القبض عليهم على صلة بالمظاهرات التي نظموها. ومنذ ذلك الحين اعتقلت السلطات المئات من الإخوان المسلمين ونسبت إليهم الاتهامات بالعضوية في تنظيم محظور، ومنهم قيادات كبيرة بالجماعة مثل عبد المنعم أبو الفتوح.
وطالب نشطاء شباب بإضراب شامل على خلفية عدة قضايا في 6 أبريل/نيسان، وواجهته السلطات بانتشار أمني مكثف. واعتقلت الشرطة 40 شخصاً على الأقل في القاهرة وكفر الشيخ ومناطق أخرى، ومنهم صحفيون كانوا يغطون الاحتجاجات المزمعة.
القانون المصري الحاكم لتكوين الجمعيات، قانون رقم 84 لسنة 2002، ينص على عقوبات جنائية تقيد من نشاط منظمات المجتمع المدني المشروع، ومنها المتعلق بـ "المشاركة في أنشطة سياسية أو نقابية". ولم تعلن السلطات عن التعديلات المقترحة على قانون الجمعيات، لكن منظمات المجتمع المدني أعربت عن قلقها من عدم مشاورتها حتى الآن. وقانون الأحزاب السياسية، رقم 40 لسنة 1977، يُمكّن لجنة برئاسة رئيس الحزب الوطني الحاكم من وقف أنشطة الأحزاب الأخرى لـ "المصلحة القومية".
حرية التعبير
استهدف الأمن المدونين والصحفيين الذين أبدوا الانتقاد للسياسات الحكومية أو كشفوا عن انتهاكات لحقوق الإنسان. واعتقلت قوات أمن الدولة المُدون ضياء الدين جاد في 6 فبراير/شباط بعدما انتقد سياسة مصر إزاء غزة، وتم احتجازه دون نسب اتهامات إليه بناء على أوامر متلاحقة صادرة بموجب قانون الطوارئ باستمرار التحفظ عليه، قبل الإفراج عنه في 27 مارس/آذار. وكريم أمير (اسمه الحقيقي عبد الكريم نبيل سليمان) محتجز في سجن برج العرب منذ 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2006، جراء كتابته عن التوترات بين المسلمين والمسيحيين في الإسكندرية وانتقاده الرئيس حسني مبارك ومؤسسة الأزهر الدينية في مدونته. وفي 22 فبراير/شباط 2007 حكمت عليه إحدى المحاكم بالسجن أربعة أعوام بتهمة "إهانة الرئيس"، و"نشر معلومات من شأنها المساس بالنظام العام" و"التحريض على كراهية المسلمين". واحتجزت السلطات هاني نظير، مدون آخر، في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2008، وحتى كتابة هذه السطور ما زال محتجزاً في برج العرب بموجب قانون الطوارئ، وهو محروم من الزيارات. وكان نظير قد أبدى آراءً انتقادية للمسيحية والإسلام. مسعد أبو الفجر، الذي انتقد انتهاكات حقوق بدو سيناء، ما زال محتجزاً رغم عدة أحكام من المحاكم بإخلاء سبيله. وتم احتجازه في ديسمبر/كانون الأول 2007.
وحكمت المحاكم على صحفيين بالسجن تحت طائلة أحكام قانون العقوبات التي تجرم السب والقذف. وكثيراً ما يتهم المسؤولون بتهمة السب والقذف الأفراد الذين ينتقدونهم لأمور متعلقة بالفساد. وفي يونيو/حزيران 2009 حكمت محكمة على رئيس تحرير صحيفة الموجز بالحبس ستة أشهر بتهمة سب وقذف النائب البرلماني مصطفى بكري.
واعتقل مسؤولو الأمن في المطارات ثلاثة مدونين في يوليو/تموز واحتجزوهم لمدة خمسة أيام، وفي يونيو/حزيران تحفظوا على المدون وائل عباس لمدة 8 ساعات وصادروا حاسبه المحمول بعد أن انتقد الحكومة في حضور مسؤولي الحزب الوطني الديمقراطي في مؤتمر بالسويد. واحتجزت السلطات عضوين آخرين من دار الخدمات النقابية والعمالية في مطار القاهرة عدة ساعات في سبتمبر/أيلول ثم في أكتوبر/تشرين الأول وهما في طريقهما إلى مؤتمرات بالخارج.
حقوق العمال
شهدت مصر موجة من الاحتجاجات والإضرابات غير المصرح بها طيلة عام 2009، من عمال الغزل والنسيج في المحلة والمنوفية من المطالبين بتحسين الأجور، إلى إضراب عمال النقل العام الذين طالبوا بالإعفاء من الغرامات المرورية الباهظة. وضايقت قوات الأمن قيادات الإضرابات، وهدد أصحاب العمل بالانتقام. وبموجب قانون العمل المصري، رقم 35 لعام 1975، فإن اتحاد العمال المصري الرسمي أو الحكومة يجب أن يوافقا على جميع الإضرابات قبل بدءها.
كما يحظر قانون العمل المصري تشكيل أية نقابة دون موافقة الحكومة، ويطالب العمال بالانتماء بالعضوية في اتحاد العمال. وفي ديسمبر/كانون الأول صوّت العاملون بتحصيل الضرائب العقارية - الذين أجروا عدة إضرابات ناجحة - على تأسيس نقابة مستقلة لهم. وفي أبريل/نيسان 2009 أقرت وزارة المالية ضمنياً بوجود النقابة بالموافقة على طلب النقابة العامة للضرائب العقارية لإنشاء صندوق رعاية اجتماعية، وهو يوفر خدمات تقاعد لأعضاء النقابة. لكن الأعضاء تعرضوا للمضايقات والتهديدات، والمحاولات المنهجية لنزع المصداقية عن القيادات النقابية، واعتقال الأعضاء وتقييد حريتهم في التنقل. وفي أغسطس/آب رداً على شكوى من رئيس اتحاد العمال حسين مجاور، استدعى النائب العام رئيس النقابة العامة للضرائب العقارية، كمال أبو عيطة، للتحقيق.
التعذيب والمعاملة السيئة
تنخرط الشرطة وقوات الأمن بشكل منهجي في التعذيب والمعاملة القاسية في أقسام الشرطة ومراكز الاحتجاز، ولدى القبض على الأفراد. في 17 مايو/أيار 2009 ألقى ضابطا أمن دولة بفارس بركات من شرفة منزله في الطابق الرابع عندما طلب الاطلاع على أمر اعتقال. وفي وحدة العناية المركزة بالمستشفى كان بركات مقيداً إلى سريره.
وفي أغسطس/آب اعتقلت الشرطة رجائي منير سلطان، المصاب باضطرابات عقلية، أثناء سيره على الشاطئ في الإسكندرية. وضربوه في قسم الشرطة ليُصاب بكسر في الجمجمة. وفي 7 نوفمبر/تشرين الثاني حكمت محكمة جنايات الإسكندرية على المقدم أكرم سليمان بالسجن خمسة أعوام وغرامة قدرها 10 آلاف جنيه مصري (1838 دولاراً أميركياً) بتهمة استخدام القوة المفرطة والتسبب في عاهة مستديمة لحقت بسلطان.
حقوق النساء والفتيات
ما زالت مصر تعاني من عدم وجود بيئة قانونية ملائمة لحماية النساء من العنف، أو تشجيع الضحايا على الإبلاغ عما يتعرضن له من اعتداءات، أو ردع الجناة عن ارتكاب الإساءات. في استطلاع أجراه المجلس القومي للمرأة في عام 2009، وهو منظمة للمرأة برعاية حكومية، تبين أن 62.6 في المائة من النساء يعانين من العنف الأسري وأن أربعة من كل خمسة رجال أقروا بعنفهم تجاه زوجاتهم. وفي يوليو/تموز 2009، في خطوة إيجابية، وزعت الحكومة كتيبات فيها معلومات عن التحرش الجنسي على المساجد في شتى أنحاء البلاد، لكن منظمات المرأة في مصر طالبت بإجراءات إضافية، على أن تشمل التشريعات.
وفي أغسطس/آب 2009 اعتقلت السلطات للمرة الأولى ونسبت الاتهامات إلى رجل قام بختان فتاة صغيرة، بموجب قانون صادر عام 2008 يُجرِّم هذه الممارسة.
الإيدز والحق في الخصوصية
في يناير/كانون الثاني 2009 اعتقلت شرطة القاهرة 10 رجال للاشتباه في مزاولة نشاط جنسي مثلي طوعي، وأجبرتهم على الخضوع لاختبار الإيدز، وقامت بضربهم ونسبت إليهم الاتهام بـ "اعتياد ممارسة الفجور"، الذي يفسره القانون المصري على أنه يشمل تجريم الجنس الطوعي بين الرجال البالغين.
حرية المعتقد الديني
رغم أن الدستور المصري ينص على المساواة في الحقوق بغض النظر عن الدين، فإن التمييز ضد المسيحيين المصريين وعدم تقبل السلطات للبهائيين وبعض الطوائف الإسلامية والمسلمين المتحولين إلى المسيحية، مستمر وقائم. لكن في خطوة إيجابية، أصدرت وزارة الداخلية في 9 مارس/آذار قراراً يسمح للبهائيين وغيرهم من أتباع الأديان "غير المعترف بها" بالحصول على أوراق الهوية الضرورية دون الاضطرار لتعريف أنفسهم على أنهم من المسلمين أو المسيحيين.
وخلال عدة أيام في شهر مارس/آذار، اعتدى بعض الرجال في قرية الشورانية بمحافظة سوهاج على منازل للبهائيين، فرجموها بالحجارة والزجاجات الحارقة. وفرقت الشرطة الحشود لكنها لم تجر أية اعتقالات. والخلافات بين المسلمين والمسيحيين المصريين تحولت إلى مصادمات عنيفة في عدة مناسبات، مما أسفر عن وفاة وإصابة بعض الأفراد وتدمير الممتلكات. وفي مايو/أيار تطور شجار بين المسلمين والمسيحيين في حي بولاق الدكرور سريعاً إلى تبادل لإطلاق النار أسفر عن سقوط عدة أفراد جرحى. واستخدمت السلطات قانون العقوبات في اعتقال المتورطين في المصادمات، لكنها لم تحقق بشكل مستفيض في الحوادث.
اللاجئون والمهاجرون
حتى نوفمبر/تشرين الثاني كانت قوات حرس الحدود المصرية قد قتلت في عام 2009 بالأعيرة النارية 16 مهاجراً كانوا يحاولون عبور الحدود من الأراضي المصرية في سيناء إلى إسرائيل. وفي سبتمبر/أيلول قال مسؤول مصري أن هذه السياسة تهدف لردع المهاجرين عن الاقتراب من الحدود.
وتستمر مصر في احتجاز اللاجئين والمهاجرين وتنسب إليهم الاتهامات بالدخول غير المشروع إلى البلاد أمام محاكم عسكرية لا تفي بالمعايير الدولية للمحاكمة العادلة. وما زالت مصر تحرم مسؤولي مفوضية شؤون اللاجئين بالأمم المتحدة من زيارة اللاجئين والمهاجرين المحتجزين، مما يحول دون تقديم هؤلاء لطلبات لجوء. كما استمرت السلطات في ترحيل اللاجئين والمهاجرين دون تقييم مدى احتياجهم للحماية. وفي ديسمبر/كانون الأول 2008 ويناير/كانون الثاني 2009، انتهكت مصر الحظر الدولي ضد الإعادة القسرية بإعادتها قسراً لـ 45 إريترياً على الأقل.
الأطراف الدولية الرئيسية
ما زالت الولايات المتحدة هي أكبر جهة مانحة لمصر، لكنها قللت كثيراً من تمويلها للديمقراطية وحقوق الإنسان في عام 2009. كما وافقت الولايات المتحدة على مطالب مصرية بعدم توجيه التمويل إلى المنظمات غير المُشهرة. وفي 18 أغسطس/آب زار الرئيس مبارك واشنطن للمرة الأولى منذ 4 أعوام.
وفي 4 يونيو/حزيران اختار الرئيس الأميركي أوباما مناسبة إلقاء كلمة من جامعة القاهرة لإعلان نية الولايات المتحدة إعادة توطيد أواصر علاقات الثقة بالعالم الإسلامي.