تبدو موجة الشعبويين السلطويين أقل حتمية مما كانت عليه قبل عام. فلم يكن يبدو من الممكن حينئذ وقف سلسلة من السياسيين حول العالم ادعوا أنهم يتكلمون باسم "الشعب"، بينما كانوا قد أسسوا قواعدهم الشعبية بشيطنة الأقليات التي لا تحظى بالشعبية، الهجوم على مبادئ حقوق الإنسان، والتحريض على المؤسسات الديمقراطية. واليوم، هناك رد فعل شعبي في مجموعة واسعة من البلدان، عززه في بعض الحالات قادة سياسيون لديهم شجاعة الدفاع عن حقوق الإنسان، أضعف إلى حد ما مصير كثير من تلك الأجندات الشعبوية. وحيثما كان رد الفعل قويا، كان تقدم الشعبويين محدودا. ولكن عندما تلقى رسالة الكراهية والاستبعاد التي يروجون لها الاستسلام، يزدهر الشعبويون.
جعل هذا الصراع العديد من القوى الغربية على وجه الخصوص أكثر تركيزا على الداخل، ما جعل العالم أكثر تجزؤا. فالولايات المتحدة يقودها رئيس معجب بالقادة الأقوياء الذين يدوسون على حقوق الإنسان إعجابا يثير القلق، وبريطانيا منشغلة بـ "البريكست" (الخروج من الاتحاد الأوروبي). غيّب ذلك في كثير من الأحيان مدافعَين تقليديَّين عن حقوق الإنسان على صعيد العالم، ولو كانت لهما عيوبهما.
لم تكن ألمانيا وفرنسا وشركاؤهما في الاتحاد الأوروبي دائما على استعداد لتعويض هذا الغياب، حيث كانت هي الأخرى تصارع القوى السياسية العنصرية والمعادية للّاجئين في الداخل. أما الديموقراطيات الأخرى، مثل أستراليا والبرازيل وإندونيسيا واليابان وجنوب أفريقيا، فنادرا ما سمعناها تدافع دفاعا نشطا عن حقوق الإنسان، وذلك في أحسن الأحوال.
سعت الصين وروسيا إلى الاستفادة من هذا الفراغ. بينما ركّز الرئيسان شي جين بينغ وفلاديمير بوتين على قمع أي احتمال لقيام احتجاج جماهيري محلي على تباطؤ الاقتصاد وانتشار فساد الدولة، أكدا بقوة على أجندة معادية للحقوق في المنتديات الدولية، وأقاموا تحالفات أقوى مع حكومات قمعية. وقد نال تجنبهما للرقابة العامة إعجاب الشعبويين الغربيين والسلطويين حول العالم.
أفسح انسحاب عديد من الحكومات التي كان يمكن أن تدافع عن حقوق الإنسان المجال أمام القادة القتلة وداعميهم. وتكاثرت الفظائع الجماعية مع الإفلات من العقاب في بلدان مثل اليمن، سوريا، بورما، وجنوب السودان. كما يتم تحدي المعايير الدولية الرامية إلى منع الانتهاكات الرهيبة، والمؤسسات التي أنشئت للاستجابة القضائية مثل "المحكمة الجنائية الدولية".
في هذه البيئة العدائية، بدأ عدد من البلدان الصغيرة والمتوسطة في الاضطلاع بأدوار قيادية أكبر. أظهرت من خلال بناء تحالفات واسعة أنها قادرة على ممارسة ضغوط حقيقية للدفاع عن حقوق الإنسان. وفي بعض الحالات، دعمها جمهور يزداد تعبئة. قد لا يمكنها أن تحل محل القوى التي انسحبت بشكل كامل، ولكن ظهورها يدل على أن الاتجاه نحو الدفاع عن حقوق الإنسان لا يزال حي يرزق.
الرد على الشعبوية
تكمن القضايا الحقيقية وراء موجة الشعبوية في أجزاء كثيرة من العالم في الانهيار الاقتصادي وعدم المساواة الناجم عن العولمة والأتمتة والتغير التكنولوجي؛ الخوف من التحولات الثقافية، حيث تغذي سهولة النقل والاتصالات الهجرة هربا من الحرب والقمع والفقر وتغير المناخ؛ الانقسامات المجتمعية بين النخب العالمية التي تُرحب بالعديد من هذه التغييرات وتستفيد منها، وأولئك الذين يشعرون بأن حياتهم أصبحت أكثر خطورة؛ والصدمات النفسية للهجمات الإرهابية التي يستخدمها الدماغوجيون لتأجيج كراهية الأجانب والإسلام.
معالجة هذه القضايا ليس بالأمر البسيط، لكن الشعبويين لا يميلون إلى الاستجابة لها باقتراح حلول حقيقية بقدر ما يميلون إلى اتخاذ الأقليات الضعيفة والشرائح الاجتماعية المهمشة أكباش فداء. وكانت نتيجة ذلك هجوما مباشرا على قيم الشمول والتسامح والاحترام التي تشكل صميم حقوق الإنسان. بل يبدو أن بعض الشعبويين في الواقع يستمتعون بانتهاك المحرمات التي تجسد هذه القيم. ويريد هؤلاء الشعبويون استبدال الحكم الديموقراطي، أي الحكومات المنتخبة المقيدة بالحقوق وسلطة القانون، بإيديولوجية الأغلبية التي لا يقف بوجهها شيء، مستشهدين بتفسيرهم الخاص لرغبات الأغلبية، الذي يخدم مصالحهم.
لا يتطلب الرد على هذا التحدي الشعبوي معالجة المظالم المشروعة التي تكمن وراءها فحسب، بل أيضا إعادة التأكيد على مبادئ حقوق الإنسان التي يرفضها الشعبويون. يتطلب إبراز حسنات الحكومات التي تخضع للمساءلة أمام شعبها بدلا من تعزيز سلطة مسؤوليها وإثرائهم. ويتطلب إثبات أن حقوقنا جميعا معرضة للخطر إذا ما سمحنا للحكومات أن تقرر من يستحق أن تُحترم حقوقه. كما يتطلب تذكير الناس العاديين بأنهم بحاجة إلى حقوق الإنسان بقدر ما يحتاج إليها المعارضون والفئات المستضعفة.
وكانت رغبة القادة الديمقراطيين في التصدي لهذا التحدي والدفاع عن حقوق الإنسان متأرجحة. فقبل عام، عندما كانت الرياح تبدو مواتية للشعبويين، لم تجرؤ سوى قلة على التصدي لهم. ولكن في العام الماضي، بدأ الأمر يتغير ليصبح مرئيا.
الدفاع عن الحقوق
فرنسا
شهدت فرنسا أكبر نقطة تحول. في بلدان أوروبية أخرى كالنمسا وهولندا، تنافس السياسيون خاصة في الوسط ويمين الوسط مع الشعبويين من خلال تبني العديد من مواقفهم القومية. كانوا يأملون في التفوق على جاذبية الشعبويين، ولكنهم في نهاية المطاف عززوا رسالة هؤلاء.
اتبع ايمانويل ماكرون نهجا مختلفا خلال حملته الرئاسية، واعتنق صراحة المبادئ الديمقراطية، ورفض بشدة جهود "الجبهة الوطنية" لإثارة الكراهية ضد المسلمين والمهاجرين. وأظهر فوزُه ونجاح حزبه في الانتخابات البرلمانية أن الناخبين الفرنسيين يرفضون بأغلبية ساحقة سياسات الجبهة الوطنية الانقسامية.
ما زلنا لم نر كيف سيحكم ماكرون. فقد كان تحركه لترسيخ جوانب إشكالية من قانون الطوارئ في فرنسا بشكل دائم خطوة مبكرة مقلقة. وفي السياسة الخارجية، أظهر قيادته بالوقوف في وجه الحكم الاستبدادي في روسيا وتركيا وفنزويلا، والرغبة في دعم عمل جماعي أقوى للاتحاد الأوروبي ضد تقويض بولندا والمجر للحقوق. ولكنه كان مترددا فى مواجهة الانتهاكات الواسعة في الصين ومصر والسعودية. ورغم هذا السجل المختلط، فقد برهن خلال حملته أن الدفاع القوي عن المبادئ الديمقراطية يمكن أن يجتذب تأييدا عاما واسع النطاق.
الولايات المتحدة
ردا على انتخاب دونالد ترامب، شهدت الولايات المتحدة إعادة تأكيد واسعة لحقوق الإنسان من العديد من الجهات. فاز ترامب بالرئاسة إثر حملة من الكراهية ضد المهاجرين المكسيكيين واللاجئين المسلمين والأقليات العرقية والإثنية الأخرى، وازدراء واضح للمرأة. وجاء رد قوي من الجماعات المدنية والصحفيين والمحامين والقضاة وجمهور عريض، وأحيانا حتى من أعضاء منتخبين في حزب ترامب نفسه.
لكن مع ذلك، استطاع ترامب اتخاذ خطوات رجعية بواسطة السلطة التنفيذية؛ رحّل الكثير من الناس بغض النظر عن صلاتهم العميقة بالولايات المتحدة، فأحيا سياسة قاسية تفتقد إلى المصداقية ، تتجلى في حملات واسعة لسجن المخالفين، وتخفيف الرقابة على انتهاكات الشرطة، وتقييد التمويل الشامل للصحة الإنجابية للنساء.
لكن المقاومة قللت الضرر الذي كان يمكن أن يحدثه، ولا سيما بفعل جهوده للتمييز ضد المسلمين الذين يسعون إلى زيارة الولايات المتحدة أو الحصول على اللجوء فيها، تقويض الحق في الرعاية الصحية في الولايات المتحدة، وطرد متحولي/ات النوع الاجتماعي من الجيش، بل، وفي بعض الحالات، ترحيل المهاجرين المقيمين منذ فترة طويلة.
رفض وزير الخارجية ريكس تيلرسون إلى حد كبير دعم حقوق الإنسان كعنصر من عناصر السياسة الخارجية الأمريكية، مع التقليص الكبير للدور الأمريكي من خلال الإشراف على تفكيك غير مسبوق لوزارة الخارجية. فقد رفض ملء العديد من المناصب العليا، وأعفى العديد من الدبلوماسيين المخضرمين، وخفض الميزانية، وترك الوزارة تواجه مصيرها. استقال العديد من الدبلوماسيين والمسؤولين من شدة يأسهم من الوضع.
ولكن بينما تقرب ترامب من حاكم سلطوي تلو الآخر، فإن بعض المسؤولين الباقين في وزارة الخارجية، مدعومين أحيانا من الكونغرس، بذلوا وسعهم لمنع التخلي التام عن مبادئ حقوق الإنسان التي لعبت دورا ولو جزئيا في توجيه السياسة الخارجية الأمريكية على مدى 4 عقود. لقد مكّنوا واشنطن من لعب دور مفيد أحيانا، مثل التهديد بفرض عقوبات على المسؤولين العسكريين البورميين عن التطهير العرقي ضد أقلية الروهينغا.
ألمانيا
تصدرت ألمانيا خلال العام الماضي العناوين الرئيسية عندما أصبح "البديل من أجل ألمانيا" أول حزب يميني متطرف يدخل البرلمان منذ عقود. وانتزع هذا الصعود حصة من الدعم للائتلاف الحاكم الذي يشمل حزب المستشارة أنغيلا ميركل، "الاتحاد الديمقراطي المسيحي"، وعقّد مهمتها لتشكيل ائتلاف حاكم جديد. كانت المفارقة أن انشغال ميركل بالسياسة الداخلية، ودفاعها المستمر عن قرارها الشجاع عام 2015 بقبول أعداد كبيرة من طالبي اللجوء في ألمانيا، حرم أوروبا من صوت قوي مدافع عن حقوق اللاجئين والمهاجرين - وهي القضية الأكثر إثارة للجدل في القارة اليوم. وترك ذلك أيضا ماكرون دون شريكه الأوروبي الأبرز في مقاومة الشعبوية السلطوية.
ومع ذلك، قدمت الانتخابات الألمانية درسا في كيفية التعامل مع اليمين المتطرف. وبعيدا عن المناطق الشرقية التي تعاني من الركود الاقتصادي، حيث لم يتم التصدي للعنصرية وكراهية الأجانب على نطاق واسع منذ سقوط جدار برلين، حصل البديل من أجل ألمانيا على أكبر عدد من الأصوات في بافاريا الغنية؛ هناك، مقارنة بحزب ميركل، اعتمد شريكها، حزب "الاتحاد الاجتماعي المسيحي"، نسبة أكبر من المواقف القومية التي يتبناها البديل من أجل ألمانيا. كانت المواجهة المبنية على المبادئ بدلا من اتباع الموجة السائدة ردّا أكثر فعالية.
بولندا والمجر
أصبحت أوروبا الوسطى بشكل خاص أرضا خصبة للشعبوية، حيث يستغل بعض القادة الخوف من الهجرة في أماكن أخرى من أوروبا لتقويض الضوابط والتوازنات التي تقيد سلطتهم في الداخل. ولكن الشعبويين واجهوا مقاومة هناك أيضا.
ففي بولندا، وسط احتجاجات عامة كبيرة وانتقادات دولية قوية، بما فيها من مؤسسات الاتحاد الأوروبي، اعترض الرئيس أندجيه دودا على محاولة للحكومة لتقويض استقلال القضاء وسيادة القانون، ولو أن البديل الذي قدّمه لم يفِ بالغرض.
وفي المجر، أعاق التهديد بإجراءات قانونية من الاتحاد الأوروبي، فضلا عن الإدانة الدولية، بما في ذلك من الولايات المتحدة، خطط الحكومة لإغلاق "الجامعة الأوروبية المركزية"، معقل الفكر المستقل الذي يقف في وجه "الديمقراطية غير الليبرالية" التي يقودها رئيس الوزراء فيكتور أوربان. وفي حالة بولندا على الأقل، هناك اعتراف متزايد في مؤسسات الاتحاد الأوروبي وبعض الدول الأعضاء بأن اعتداءاتها على الحكم الديمقراطي تشكل تهديدا للاتحاد برمته. ونظرا لموقف بولندا والمجر كمستفيدَين رئيسيين من تمويل الاتحاد الأوروبي، بدأ النقاش حول ما إذا كان ينبغي ربط هذه المساعدات بدعم القيم الأساسية للاتحاد.
فنزويلا
في أمريكا اللاتينية، واصل الرئيس نيكولاس مادورو ذبح ديمقراطية فنزويلا واقتصادها تحت ستار الوقوف مع البسطاء من الشعب وضد من يسميهم الإمبرياليين. ولكن عندما أصبح حكمه أكثر وحشية واستبدادا، أصبح فساد إدارته للاقتصاد وافتقارها إلى الكفاءة واضحين بشكل مؤلم. وبقيت هذه الدولة الغنية معدمة رغم احتياطياتها النفطية الهائلة، حيث يفتقر الكثيرون إلى الطعام والدواء في ظل تضخم هائل.
خرج الناس إلى الشوارع بأعداد كبيرة للاحتجاج، وانشق بعض المسؤولين عن حكومته، وتخلص عدد غير مسبوق من بلدان أمريكا اللاتينية من ترددها التقليدي في انتقاد قمع الجيران. ثم حذا حذوهم آخرون، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي.
تمكن مادورو من البقاء في منصبه، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى القمع العنيف الذي كان مستعدا لاستخدامه. شن حملة قاسية على المعارضة، مستغلا "المحكمة العليا" و"الجمعية التأسيسية" التي أنشأها لتولي السلطات التشريعية من "الجمعية الوطنية" التي تسيطر عليها المعارضة. ولكن بينما يزداد فقر الشعب الفنزويلي وبؤسه سوءا، من غير الواضح إلى متى سيسمح لمادورو بالتشبث بالسلطة.
كفاح يستحق الدعم
لا يضمن أي من هذه الأمثلة في مقاومة القادة الشعبويين النجاح. فبمجرد توليهم السلطة، يصبح لهم امتياز كبير مع قدرتهم على تسخير سلطة الدولة لصالحهم. لكن المقاومة تُظهر أن هناك صراعا مستمرا، وأن العديد من الناس لن يلتزموا الصمت بينما يهاجم القادة السلطويون حقوقهم وحرياتهم الأساسية.
الشعبويين والسلطويون يملؤون فراغا
على عكس ذلك، حيثما تعرضت المقاومة المحلية للقمع دون اهتمام دولي، ازدهر الشعبويون والقوى الأخرى المناهضة للحقوق. فقد قام الرئيس رجب طيب أردوغان، على سبيل المثال، بتدمير النظام الديمقراطي التركي دون عقاب، إذ حول الاتحاد الأوروبي تركيزه إلى مساعدته لوقف نزوح اللاجئين إلى أوروبا. وسحق الرئيس عبد الفتاح السيسي المعارضة الشعبية في مصر دون تدخل يذكر من الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي. فقد تقبلا روايته عن محاربة الإرهاب وضمان الاستقرار، رغم أن قمعه القاسي لأي خيار إسلامي في العملية السياسية في البلاد هو بالضبط ما يريده الإسلاميون المتشددون.
قاد ولي العهد السعودي الجديد الأمير محمد بن سلمان ، بضوء أخضر من الحلفاء الغربيين على ما يبدو، تحالفا من الدول العربية في حرب ضد المتمردين الحوثيين وحلفائهم في اليمن. شمل ذلك قصف المدنيين وحصارهم، ما أدى إلى تفاقم أكبر أزمة إنسانية في العالم . وأدى انشغال الاتحاد الأوروبي بوقف هجرة القوارب من ليبيا - ولا سيما في إيطاليا – إلى تدريب وتمويل وتوجيه حراس السواحل الليبيين للقيام بما لا تستطيع السفن الأوروبية القيام به قانونا: إعادة المهاجرين اليائسين واللاجئين قسرا إلى الجحيم الذي فروا منها، حيث العمل جبري والاغتصاب والمعاملة الوحشية.
لم تلق جهود بوتين لقمع معارضي حكمه المطول مقاومة تذكر من الحكومات الأجنبية التي تركز على سلوكه في أوكرانيا وسوريا، أكثر منه داخل روسيا. ونجح شي جين بينغ دون مقاومة تذكر في شن أكبر حملة قمعية منذ سُحقت الحركة الديمقراطية بوحشية في ساحة تيانانمن عام 1989، لأن دولا أخرى كانت تخشى المجازفة بالعقود الصينية المربحة إذا دافعت عن حقوق الشعب الصيني.
بالفعل، عندما لم تواجه الحكومات القمعية سوى القليل من الضغط الدولي على سلوكها في الداخل، فإنها شعرت بالجرأة في التلاعب وإعاقة المؤسسات الدولية التي يمكنها الدفاع عن الحقوق.
اعتقلت الصين مواطنيها الذين حاولوا التعامل مع هيئات الأمم المتحدة بشأن انتهاك حقوقهم. واستخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) ما لا يقل عن 11 مرة لمنع أي محاولة من مجلس الأمن الدولي للتصدي لجرائم الحرب التي ترتكبها الحكومة السورية. كما هددت روسيا بالانسحاب من هيئة رقابية أوروبية رئيسية لحقوق الانسان اذا استمرت فى فرض عقوبات على احتلال شبه جزيرة القرم، بينما رشت أذربيجان بعض أعضاء هذه الهيئة وهددت تركيا بحجب مساهمتها فى ميزانيتها. وهددت بوروندي المحققين الأمميين أنفسهم بالانتقام.
بورما والروهينغا
قد تكون تكلفة عدم الوقوف ضد الهجمات الشعبوية على حقوق الإنسان أكبرها في بورما. فقد ساعد الخطاب القومي المتصاعد الذي ينشره المتطرفون البوذيون وكبار أعضاء الجيش البورمي وبعض أعضاء الحكومة التي يقودها المدنيون على التعجيل بحملة تطهير عرقي ضد مسلمي الروهينغا، بعد هجمات جماعة مسلحة على مواقع أمنية. دفعت حملة واسعة قادها الجيش شملت المذابح والاغتصاب والحرائق المتعمدة، في 340 قرية على الأقل، أكثر من 640 ألف لاجئ من الروهينغا إلى الفرار من الموت إلى بنغلاديش المجاورة. وهذه بالذات هي الجرائم التي تعهد المجتمع الدولي بعدم التسامح معها مرة أخرى.
غير أن الدول الغربية التي طالما اهتمت بشكل خاص ببورما صارت مترددة في التحرك، ولو بفرض عقوبات مالية أو حظر على السفر ضد جنرالات الجيش الذين ارتكبوا هذه الجرائم ضد الإنسانية. وكان هذا التحفظ راجعا جزئيا إلى التنافس الجيوسياسي مع الصين على التقرب من الحكومة البورمية.
كما ساهم فيه الاحترام غير المستحق لأونغ سان سو تشي، الزعيمة المدنية بحكم الأمر الواقع في بورما، على الرغم من أنها لا تملك سيطرة فعلية على الجيش ولم تظهر أي استعداد لدفع الثمن السياسي للدفاع عن الأقلية المستهدفة. وكانت النتيجة أسرع نزوح جماعي قسري منذ الإبادة الجماعية في رواندا، مع أمل ضئيل جدا في عودة آمنة وطوعية للروهينغا، أو تقديم الأشخاص الذين يقفون وراء الفظائع التي فروا منها إلى العدالة.
وفي نهاية المطاف، دعت دول "منظمة التعاون الإسلامي" إلى عقد دورة خاصة لـ "مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة"، حيث أيّدت قرارا يدين جرائم بورما ضد الإنسانية. وكان هذا التحرك ملحوظا لأنه يمثل حالة نادرة أيد فيها أعضاء المنظمة قرارا ينتقد بلدا معينا.
المقاومة يمكنها أن تنجح
أفريقيا والمحكمة الجنائية الدولية
أحد أبرز الردود المشجعة على الحكام السلطويّين، المناهضين للحقوق، أتى من أفريقيا. فقد كان العام متميزا بالفعل بإطاحة اثنين من الطغاة القدماء. انهزم رئيس غامبيا يحيى جامي في انتخابات حرة ونزيهة أمام أداما بارو، وعندما رفض قبول النتائج، أُخرج من منصبه بهدوء بالتهديد بتدخل من قوات غرب أفريقيا.
كما أطيح برئيس زيمبابوي روبرت موغابي في انقلاب، رغم أن نائبه السابق إيمرسون منانغاغوا، وهو قائد عسكري له سجل طويل من الانتهاكات، حل محله. وشهد كلا البلدين احتجاجات عامة كبيرة ضد الطغاة الذين يشغلون مناصبهم منذ فترة طويلة.
غير أن الدفاع الأفريقي عن الحقوق كان أكثر إثارة للإعجاب في استجابته للهجمات الشعبوية على العدالة الدولية. لم يمض أكثر من عام على تخطيط العديد من الزعماء الأفارقة، منهم من تلطخت أيديهم بالدماء ويخشون المحاكمة، لخروج جماعي لبلدانهم من المحكمة الجنائية الدولية. وبترديد خطاب شعبوي ضد ما أسموه الاستعمار الجديد، سعوا إلى تصوير المحكمة الجنائية الدولية على أنها عدوة لأفريقيا، لأنها أخذت الجرائم ضد الشعب الأفريقي مأخذ الجد، فركزت اهتمامها على القادة الأفارقة المسؤولين عنها. (كان نفوذها محدودا أيضا بسبب رفض بعض الحكومات التصديق على معاهدة المحكمة، وبسبب تردد مجلس الأمن في إحالة حالات أخرى على التحقيق).
غير أن فكرة الخروج الجماعي تبددت عندما انسحبت بوروندي فقط، في محاولة فاشلة لوقف التحقيق الذي أجرته المحكمة في الجرائم المزعومة ضد الإنسانية التي ارتكبها بيار نكورونزيزا الذي استخدم العنف ليمدد ولايته الرئاسية. تراجعت غامبيا عن انسحابها المعلن بعد تولي الرئيس بارو منصبه. وكانت محاكم جنوب أفريقيا قد أعاقت على الأقل محاولة الرئيس جاكوب زوما الانسحاب بعد أن تعرض للإحراج لانتهاك أمر محكمة بمنعه الرئيس السوداني عمر البشير، الذي يواجه أمرا من المحكمة الجنائية الدولية، من الفرار وتفادي الاعتقال خلال زيارة إلى جنوب افريقيا.
ساعد تدفق الدعم الشعبي على المحكمة الجنائية الدولية من قبل منظمات المجتمع المدني في جميع أنحاء أفريقيا على إقناع معظم حكومات القارة بمواصلة الوقوف خلف المحكمة. كما سعت المدعية العامة للمحكمة إلى توسيع نطاقها من خلال مطالبة قضاتها بالسماح بالتحقيق في الجرائم التي ارتكبتها جميع الأطراف في أفغانستان، بما في ذلك التعذيب الذي ارتكبه جنود وعملاء استخبارات أمريكيون دون عقاب.
الدور الكبير للدول الصغيرة
شهد العام الماضي استعدادا مثيرا للإعجاب من دول صغيرة ومتوسطة للاضطلاع بأدوار قيادية عندما صمتت القوى الكبرى أمام الفظائع الجماعية، بل وعرقلت الجهود الرامية إلى التصدي لها في بعض الأحيان.
هذه ليست المرة الأولى التي تأخذ فيها دول صغيرة زمام المبادرة في القضايا الحقوقية. فالمحكمة الجنائية الدولية، معاهدة حظر الألغام، اتفاقية الذخائر العنقودية، البروتوكول الاختياري بشأن الجنود الأطفال، والاتفاقية الدولية لمناهضة الاختفاء القسري تم تأمينها إلى حد كبير من قبل تحالفات عالمية من دول صغيرة ومتوسطة، تعمل دون مشاركة القوى الكبرى أو على الرغم منها. ومع ذلك، فإن رغبة هذه الأصوات البديلة في احتلال الصدارة كانت ذات أهمية خاصة في العام الماضي، حيث انسحبت القوى الكبرى إلى حد كبير من الميدان، أو حتى حاولت قلب الأمور رأسا على عقب.
اليمن
كان الجهد الذي بذله المجلس الأممي لحقوق الإنسان لفتح تحقيق دولي مستقل بشأن الانتهاكات في اليمن مثالا مهما. هاجم تحالف للدول العربية بقيادة السعودية مدنيين يمنيين؛ شن غارات جوية على منازل وأسواق ومستشفيات؛ وحظر دخول المساعدات الإنسانية الضرورية وغيرها من البضائع. ونتيجة لذلك، واجه 7 ملايين شخص سوء تغذية حاد، وشهدت البلاد تقريبا مليون إصابة يشتبه أنها بالكوليرا.
استخدمت قوات الحوثيين المناوئة للتحالف وحلفاؤها الألغام الأرضية، جندت الأطفال، وعرقلت المساعدات. رغم هذا الوضع الخطير، فإن فكرة التحقيق تلقت في أحسن الأحوال دعما فاترا من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وجميع الدول الرئيسية التي تبيع السلاح للسعودية. لم يكن أي منهم حريصا على اتخاذ موقف علنا. وفي هذا الفراغ، تدخلت هولندا وأخذت زمام المبادرة، وانضمت إليها في نهاية المطاف كندا، بلجيكا، إيرلندا، ولوكسمبورغ.
لم تكن المهمة سهلة، فقد هددت السعودية بقطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع أي دولة تدعم التحقيق. ومع ذلك، وبسبب هذا التهديد جزئيا، ورسالته المبطنة بأنه لا يجوز التدقيق في فظاعات الأثرياء، أُجبرت السعودية على الاستسلام للتحقيق الأممي بمجرد أن اتضح أنها قد تخسر في التصويت المتنازع عليه. والأمل الآن هو أن تجبر مجموعة من المحققين الأطراف المتحاربة على تحسين سلوكها من خلال مراقبة هذه الأطراف.
سوريا
في الملف السوري، استخدمت روسيا الفيتو أو هددت باستخدامه مرارا وتكرارا في مجلس الأمن الدولي، حيث انضمت إليها الصين في بعض الأحيان، وسدت الطريق الوحيد المتاح لتدخل المحكمة الجنائية الدولية. وعلى الرغم من الجهود الدولية المتزايدة للحد من استخدام الفيتو في حالات الفظائع الجماعية، لم توقع روسيا ولا الصين ولا الولايات المتحدة على هذه المبادرات.
ولكسر هذا الجمود، طُرحت فكرة للتحايل على نظام الفيتو في مجلس الأمن من خلال التحرك في إطار الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث لا تتمتع أي دولة بهذه السلطة. وقادت هذه المبادرة دولة ليختنشتاين الصغيرة، التي بنت تحالفا واسعا من الحكومات. صوتت الجمعية العامة بدعم من تلك الحكومات بـ105 أصوات مقابل 15 لإنشاء آلية لجمع الأدلة والمقاضاة عندما تسمح الظروف - وهو التزام هام من أجل تحقيق العدالة. كما أنه يفتح الباب أمام الجمعية العامة لإنشاء محكمة خاصة بسوريا إذا ما استمرت روسيا في سد الطريق إلى المحكمة الجنائية الدولية.
ما يزيد هذه المساءلة أهمية هو استمرار الحكومة السورية في استخدام غازات الأعصاب المحظورة مثل السارين، رغم أنه يفترض أنها تخلت عن جميع الأسلحة الكيميائية بعد استخدامها للسارين في الغوطة الشرقية في أغسطس/آب 2013. قدمت روسيا رواية للتغطية على حادث أبريل/نيسان 2017 في خان شيخون في شمال غرب سوريا، وهي أن قنبلة سورية تقليدية أصابت مخبأ للسارين بحوزة المتمردين. لكن تلك النظرية دُحضت بشكل قاطع، لذلك ردّت روسيا بالتصويت ضد استمرار تحقيق الأمم المتحدة. وعندما يكون عضو دائم في مجلس الأمن مستعدا لاستخدام نفوذه في التغطية على الفظائع التي يرتكبها أحد الحلفاء - وفي هذه الحالة، مع تقديم الدعم العسكري إليه أيضا – يكتسي استكشاف سبل بديلة لدعم الحقوق الأساسية أهمية خاصة.
الفلبين
قدمت الفلبين مثالا واضحا ودمويا على التحدي الشعبوي لحقوق الإنسان. تولى الرئيس رودريغو دوتيرتي منصبه، مشجعا الشرطة على قتل المشتبه في ضلوعهم في جرائم المخدرات، كما فعل سابقا عندما كان رئيس بلدية دافاو. وأدى تفشي حوادث إطلاق النار على يد الشرطة، والتي غالبا ما تُصور على أنها "تبادل لإطلاق النار"، ويتبين فيما بعد أنها عمليات إعدام غير شرعية، إلى مقتل أكثر من 12 ألف شخص خلال عام ونصف تقريبا منذ تولي دوتيرتي منصبه. كانت الغالبية العظمى من الضحايا من شباب الأحياء الفقيرة في المدن الكبرى – وهي فئة لم تلق تعاطفا يذكر من العديد من الفلبينيين.
لم يترك النزاع الاقليمي الحالي بين الصين والولايات المتحدة والفلبين حول بحر الصين الجنوبي مجالا للانشغال بهذه الإعدامات. بدا دونالد ترامب، كما في حالات أخرى، مُعجبا أساسا بصفات دوتيرتي "القوي".
بدلا من ذلك، كان مصدر الضغط الرئيسي لوقف القتل مجموعة من الدول بقيادة أيسلندا، أصدرت بيانات في مجلس حقوق الإنسان الأممي. حاول دوتيرتي الانتقاص منها على أنها ذات "قلوب مرهفة"، لكنه في النهاية رضخ للضغط ونقل سلطة مكافحة المخدرات، مؤقتا على الأقل، من الشرطة التي اعتادت القتل إلى جهاز لمكافحة المخدرات أكثر احتراما للقانون بكثير. وعندما سُحبت الشرطة من عمليات مكافحة المخدرات، انخفضت عمليات الإعدام بسرعة لافتة.
حقوق المرأة
يبدي العديد من الشعبويين اليوم ميلا إلى كراهية النساء. ففي العام الماضي، ألغت روسيا تجريم بعض أعمال العنف الأسري. وبدأت بولندا، التي تمتلك بالفعل أحد أكثر قوانين الإجهاض تقييدا في أوروبا، تحد إمكانية الحصول على وسائل منع الحمل في الحالات الطارئة.
وفي ظل ترامب، أعادت الحكومة الأمريكية اعتماد وتوسيع نطاق سياسة "كم الأفواه العالمي"، التي تمنع متلقي التمويل الأمريكي من الانخراط في نشاطات تسهل الإجهاض. تقلل هذه السياسية إلى حد كبير تمويل الرعاية الصحية الأساسية للنساء والفتيات في الخارج.
لكن الأصوات تعالت ردا على ذلك. وتحولت "مسيرة المرأة"، التي بدأت كرد أمريكي على انتخاب ترامب، إلى ظاهرة عالمية تجمع الملايين لدعم حقوق الإنسان الخاصة بالنساء.
اعتبر رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو والرئيس الفرنسي ماكرون نفسيهما نسوييَّن، إذ جعلت كندا السعي إلى تحقيق المساواة بين الجنسين جزءا أساسيا من برامج المعونة التي تقدمها، كما أعلنت فرنسا عن تدابير جديدة لمكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي والتحرش الجنسي. قادت الحكومات الهولندية والبلجيكية والاسكندنافية الجهود الرامية إلى إنشاء صندوق دولي لحقوق الإنجاب، ليحل محل التمويل الأمريكي المفقود من خلال سياسة كم الأفواه العالمي. كما اتّبعت السويد "سياسة خارجية نسوية" تعطي الأولوية لحقوق النساء والفتيات في أماكن مثل السعودية.
ألغت 3 دول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا - تونس والأردن ولبنان – إلى حد كبير بفضل حملات ناشطي حقوق المرأة، قوانينها الجزائية التي كانت تسمح للمغتصبين بالإفلات من العقوبة بالزواج من ضحاياهم.
حقوق مجتمع الميم
كانت الأقليات الجنسية والجندرية هدفا مشتركا للحكومات التي تسعى إلى حشد تأييد المحافظين، وغالبا لتحويل الانتباه بعيدا عن الإخفاقات في الحكم. وسواء تعلق الأمر ببوتين في روسيا أو السيسي في مصر أو موغابي في زمبابوي، فقد حاول بعض القادة إثارة الذعر الأخلاقي لتحقيق مكاسب سياسية ضد المثليين/ات، مزدوجي/ات التفضيل الجنسي، ومتحولي/ات النوع الاجتماعي (مجتمع الميم). استهدفت الشرطة في إندونيسيا وتنزانيا وأذربيجان مجتمع الميم في الأماكن العامة وداهمت الأماكن الخاصة دون عقاب.
وبصرف النظر عن الشكل، فإن الاضطهاد المتزايد لهذه الأقليات مؤشر موثوق على أن الحكومة لا تحقق المطلوب منها. ولكن الافتراض بأن اضطهاد مجتمع الميم سيُقابل حتما بالقبول لم يعد مؤكدا.
فقد انتقلت معظم بلدان أمريكا اللاتينية بشكل مباشر إلى المعسكر الموالي لحقوق مجتمع الميم في المحافل الدولية، منضمة إلى اليابان والعديد من بلدان أمريكا الشمالية وأوروبا. وألغت موزامبيق وبليز وناورو وسيشيل جميعها تجريم السلوك المثلي في السنوات الأخيرة.
تجلى هذا التراجع حتى في روسيا، فقد لاقت عمليات التعذيب والاختفاء القسري والقتل، التي استهدفت الرجال المثليين من قبل قوات تابعة للرئيس الشيشاني رمضان قديروف، غضبا واسع النطاق. اضطر ذلك بوتين إلى كبح جماح حليفه ووضع حد لحملته في تلك الجمهورية الروسية الجنوبية. ومع ذلك، ما زالت هناك أولويات أخرى تقف عائقا في بعض الأحيان، كما هو الحال في الرد على الحملات ضد مجتمع الميم في مصر، حيث بدا المانحون مترددين في إثارة هذه القضية خوفا من إغضاب حليف في مكافحة الإرهاب.
هذا وقت العمل، لا اليأس
الأمثولة الرئيسية من العام الماضي هو أنه، رغم الرياح المعاكسة القوية، يمكن للدفاع عن حقوق الإنسان أن ينجح إذا ما بُذلت الجهود المناسبة. يقدم الشعبويون إجابات سطحية لمشاكل معقدة، ولكن يمكن إقناع نسبة كبيرة من الجمهور، عند تذكيرها بالمبادئ الحقوقية المهددة، برفض أكباش الفداء التي يقدمها الشعبوين من أقليات لا تحظى بالشعبية، وجهودهم لتقويض الضوابط والتوازنات التي تقيد انتهاكات الحكومة.
أدى تقوقع القوى الغربية الناجم عن النضال ضد الشعبوية إلى عالم أكثر تجزئة، حيث كثيرا ما تبقى الفظائع الجماعية دون رقابة. ومع ذلك، يمكن للبلدان الصغيرة والمتوسطة صاحبة المبادئ أن تُحدث فارقا عندما تتّحد وتعمل بشكل استراتيجي.
ومن شأن تقييم عادل للآفاق العالمية لحقوق الإنسان أن يثير القلق لا الاستسلام – أن يكون دعوة للتحرك لا صرخة يأس. وفي الوقت الذي نشرف فيه على الذكرى السنوية السبعين لـ "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"، يتمثل التحدي في اغتنام الفرص الضخمة التي لا تزال سانحة لصد أولئك الذين يريدون إفشال التقدم الذي تم إنجازه بشق الأنفس.
توفر معايير حقوق الإنسان التوجيه، ولكنها لا تصبح فاعلة إلا بوجود مدافعين عنها بين الحكومات والناس العاديين. ولكل منا دور يلعبه. تبين في العام الماضي أنه يمكن حماية الحقوق من الهجمات الشعبوية. ويتمثل التحدي الآن في تعزيز ذلك الدفاع وردّ الموجة الشعبوية المتصاعدة.