Iraq



Iraq Iraq
  

ملخص

في الوقت الذي بدأ المجتمع الدولي أخيراً ينتبه إلى وجود ما يقدر بمليوني لاجئ عراقي في الشرق الأوسط، فإن الدول المجاورة للعراق تغلق طرق الفرار، تاركة مليونين آخرين من المشردين داخل العراق وأعداد لا حصر لها من العراقيين الذين آذتهم الحرب وطالهم الاضطهاد محرومين من الحق الأولي في طلب ملجأ آمن في دول أخرى. وفيما يجتمع اليوم مسئولون حكوميون رفيعو المستوى في جنيف بمناسبة المؤتمر الدولي لمواجهة الاحتياجات الإنسانية للاجئين والأشخاص المشردين داخلياً داخل العراق والبلدان المجاورة، وهو مؤتمر دعت إليه المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن البلدان المجاورة للعراق ترفض إدخالهم فارضة قيوداً مرهقة على جوازات السفر وتأشيرات الدخول، وهي تبني بذلك حواجز فعلية لتمنع تدفق المزيد من اللاجئين. كما أن الوضع القانوني وشروط الحياة لمن تدبر أمر فراره من النزاع المسلح في العراق بات اليوم محفوفاً بمزيد من المخاطر.

وينبغي على المشاركين في المؤتمر ألا يركزوا فقط على توزيع المساعدات الإنسانية على العراقيين الذين تمكنوا من الفرار أو المشردين داخل العراق، بل على دعم الحق، الذي يكفله الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بأن لكل فرد الحق في أن يلجأ إلى بلدان أخرى، وذلك من خلال التأكيد على حق العراقيين الذين ما زالوا يناشدون للخروج من العراق هاربين إلى البلدان المجاورة طلباً للأمان. وعلى المؤتمر أن يدعو جميع الدول المجاورة إلى المراعاة الشديدة للمبدأ الأساسي بعدم جواز الإبعاد، بما في ذلك عدم جواز الطرد على الحدود ومنافذ الدخول، وأن تقبل الدول، ولو بشكل مؤقت على الأقل، جميع طالبي اللجوء العراقيين وجميع اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في العراق والذين يطلبون اللجوء على حدود هذه الدول. ويمكن مراعاة الشؤون الأمنية المشروعة للبلدان المجاورة، وبشكل جزئي، من خلال تسجيل طالبي اللجوء ومنحهم الوضع القانوني، بالإضافة إلى توفير الوسائل التي تمكنهم من العيش بأمان وكرامة.

وقد زارت هيومن رايتس ووتش مؤخراً الأردن ومصر لتقييم حالة اللاجئين وطالبي اللجوء العراقيين (رفضت سوريا إعطاء تأشيرات دخول لباحثي هيومن رايتس ووتش). ونشرت هيومن رايتس ووتش في نوفمبر/تشرين الثاني 2006 تقريراً جاء في مائة وست صفحات عن وضع اللاجئين العراقيين في الأردن، بعنوان "معاملة يلفها الصمت: نازحون من العراق ومقيمون في الأردن" (http://hrw.org/arabic/reports/2006/jordan1106/) وتقريراً منفصلاً بعنوان "لا مفر: الوضع الخطير للفلسطينيين في العراق" (http://hrw.org/arabic/reports/2006/iraq0706/) حول الظروف التي تواجه الفلسطينيين في العراق ومن فر منهم إلى الأردن وسوريا. إلا أنه تطورات هامة حدثت في الأردن منذ ذلك الحين. أما في البلدان الأخرى المحيطة بالعراق، فأعداد اللاجئين العراقيين الذين تم السماح لهم بالدخول ضئيلة ويتم إخفاء حقيقة أوضاعهم بحيث لا يمكن إجراء بحث ذي معنى عنها؛ إذ تبني السعودية حاجزاً عالي التقنية بكلفة 7 مليار دولار على حدودها مع العراق لإبقاء العراقيين خارج حدودها؛ وتتبنى الكويت الموقف القاطع نفسه في رفض العراقيين؛ فقد قال د. أحمد السالم، وهو مسئول رفيع المستوى في وزارة الداخلية السعودية، لـ هيومن رايتس ووتش أواخر نوفمبر/تشرين الثاني، في إجابة على سؤال حول السياسة المُتّبعة حيال اللاجئين العراقيين، بقوله: "نحن لا نقبل اللاجئين؛ لماذا لا تجد الولايات المتحدة حلاً لهذا الوضع؟" وقد نأت الظروف بكل من تركيا وإيران عن تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين، في تناقض صارخ مع ما حدث في حرب الخليج عام 1991 عندما شهدت حدودهما تدفق مئات الآلاف من اللاجئين.

ورغم الإجراءات الصارمة التي قد تتخذها لمنع دخول طالبي اللجوء العراقيين، فليست هذه البلدان، التي تتحمل أثر أزمة اللاجئين، هي المسئولة عن خلقها. كما أنه لا يجوز إلقاء مسؤولية تأمين وضمان ملاذ آمن للاجئين العراقيين على كاهل البلدان المُستقبلة لهم وحدها. ولأن الولايات المتحدة و المملكة المتحدة هما اللتان شنتا حرباً تسببت في مقتل الآلاف بشكل مباشر، ونشرت الخوف والمعاناة، والتهجير القسري، وتسببت في حدوث النزاع الطائفي الذي سبب بدوره عنفاً واضطهاداً وتشرداً إضافياً وعلى نطاق واسع، فإن هاتين الدولتين تتحملان مسؤولية خاصة تجاه حياة اللاجئين في المنطقة وأولئك الذين ما زالوا يبحثون عن ملجأ. ورغم أن تطوع الولايات المتحدة المتأخر، لإعادة توطين ما يقارب 7,000 من اللاجئين العراقيين هذه السنة (مع أنه تم التخطيط لقبول 3,500 فقط) ولاسيما الذين باتوا مستهدفين لأنهم يعملون مع القوات الأميركية، يعتبر بداية تحظى بالترحيب، إلا أن هذا العدد يمثل جزءاً ضئيلاً من أعداد اللاجئين في المنطقة، ولا تشكل هذه الخطوة بذاتها مشاركة كافية في حمل هذا العبء، ولا تقدم سوى القليل لحل المشكلة الأوسع. أما المملكة المتحدة فإنها لم تتعهد بقبول حتى العراقيين المعرضين للتهديد بسبب عملهم مع القوات البريطانية في العراق، وقدمت دعماً ضئيلاً جداً لتلبية الاحتياجات الإنسانية للاجئين في المنطقة.

وكما هو الحال في أية أزمة لاجئين، فعلى المجتمع الدولي مسؤولية جماعية في تقاسم العبء الذي لا ينبغي أن يقع فقط على كاهل البلدان التي تصادف أنها تقع على حدود الدولة التي تضخ اللاجئين. وتشير ديباجة اتفاقية اللاجئين لعام 1951 إلى أن "توفير اللجوء قد يضع عبئاً ثقيلاً جداً على كاهل بعض الدول" وبأن حل مشكلة اللاجئين "لا يمكن بالتالي تحقيقه بدون التعاون الدولي." وبمناسبة انعقاد هذا المؤتمر الدولي الهام ورفيع المستوى حول وضع اللاجئين العراقيين والمُهجرين داخلياً، تدعو  هيومن رايتس ووتش جميع الحكومات إلى أن تولي اهتماماً خاصاً لمتطلبات اتفاقية اللاجئين، وألا تتصدى فقط لمعالجة الاحتياجات الإنسانية للاجئين العراقيين والمهجرين داخلياً، وإنما لاحتياجات حماية اللاجئين أيضاً.

وتشيد هيومن رايتس ووتش بالانفتاح والتسامح اللذين أظهرتهما الأردن وسوريا، على وجه الخصوص، تجاه اللاجئين العراقيين عموماً طيلة السنوات الأولى من الحرب، ولا سيما سماحهما لطالبي اللجوء بالدخول والبقاء فيهما. ولا يملك كلا البلدين إلا مصادر محدودة ولديهما احتياجات كثيرة تجاه مواطنيهما وتجاه مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين الذين استضافتهما. ولدى كل منهما أيضاً قضايا أمنية مشروعة ومصالح مفهومة وحقوق سيادة عندما تتعاملان مع مسألة الهجرة وتتوليا إدارتها.

ولكن اليوم يشهد ازدياد في التشدد بشكل واضح من طرف جميع البلدان المجاورة التي لعبت على مضض دور مضيف لهؤلاء اللاجئين. وفي بعض الحالات الخاصة، اتخذت بعض البلدان المذكورة إجراءات صارمة (كانت في بعض الحالات على أساس من التمييز الديني المذموم بشكل خاص) تقوّض بشكل خطير المبادئ الأساسية للجوء الآمن وحماية اللاجئين، وأهمها مبدأ عدم جواز الإبعاد، حيث يمنع القانون العرفي الدولي الإعادة القسرية للأشخاص إلى أماكن قد يواجهون فيها خطر الاضطهاد أو التعذيب أو يواجهون تهديداً خطراً على حياتهم وحريتهم؛ بسبب العنف المنفلت والصراعات المسلحة الدائرة. وينطبق الالتزام باحترام مبدأ عدم جواز الإبعاد على رفض طالبي اللجوء على الحدود ومنافذ الدخول، حيث يخضعهم هذا الرفض إلى مثل هذه الأضرار.