مصر
Egypt
مقدمة المحتويات

لقد أصبح التعذيب ظاهرة مستمرة واسعة النطاق في مصر، إذ دأبت قوات الأمن والشرطة على تعذيب المعتقلين أو إساءة معاملتهم خصوصا في أثناء التحقيقات. وفي معظم الحالات، يقوم المسؤولون بتعذيب المعتقلين للحصول على معلومات أو لانتزاع اعترافات منهم، الأمر الذي يفضي أحيانا إلى الوفاة. وفي بعض الحالات، يتخذ المسؤولون تعذيب المعتقلين أداةً للعقاب أو التخويف أو الإذلال، كما تقوم الشرطة باعتقال ذويهم وتعذيبهم للحصول على معلومات أو اعترافات من أقربائهم أو إجبار أقربائهم المطلوبين على تسليم أنفسهم.(1)

وإذا كان التعذيب في مصر يستخدم عادة ضد المعارضين السياسيين، فقد صار متفشياً كالوباء خلال السنوات الأخيرة، حيث يكابده عدد كبير من المواطنين العاديين الذين يجدون أنفسهم في الحبس في أقسام الشرطة كمشتبه فيهم أو في إطار تحقيقات جنائية. ولا تحقق السلطات المصرية في الغالبية العظمى من ادعاءات التعذيب على الرغم من أن القانون المصري والدولي يلزمانها بإجراء مثل هذا التحقيق. أما في الحالات القليلة التي تم فيها تحريك الدعوى القضائية ضد بعض الضباط بسبب التعذيب أو سوء المعاملة، فكثيراً ما كانت التهم هينة والعقوبات غير كافية بدرجة لا تتناسب مع الجرم. وقد أدى غياب المحاسبة العلنية والشفافية على هذا النحو إلى ترسيخ مناخ يشعر فيه الجناة بأنهم في نجوة من العقاب.
وما برحت الشرطة وأجهزة الأمن تستخدم التعذيب لقمع المعارضة السياسية؛ وخلال العقد الماضي، ذاق الأشخاص المشتبه في انتمائهم لجماعات إسلامية متشددة القسط الأكبر من هذه الأفعال. ومنذ عهد قريب تعرضت أعداد متزايدة من المعارضين العلمانيين واليساريين أيضا للتعذيب على أيدي مسؤولي الشرطة والأمن. ففي مارس/آذار وأبريل/نيسان 2003، على سبيل المثال، قامت السلطات بتعذيب وإساءة معاملة بعض المعتقلين من المتظاهرين والأشخاص الذين زُعم أنهم نظموا مظاهرات عامة ضد الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على العراق.(2)
وقد دأبت الشرطة المصرية على اعتقال أطفال الشوارع الذين تعتبرهم "معرضين للانحراف" أو "معرضين للخطر"؛(3) وأثناء القبض عليهم، يتعرض هؤلاء الأطفال عادةً للضرب بقبضات اليد أو بالعصي. كما أخبر بعض الأطفال منظمة هيومن رايتس ووتش أن الشرطة أنزلت بهم صنوفاً من العنف الجنسي أو تغاضت عن العنف الجنسي الذي قاسوه على أيدي المعتقلين البالغين الموجودين معهم في الحبس. ويتعرض هؤلاء الأطفال لمعاملة قاسية ومهينة، تبلغ من الشدة أحياناً مستوى التعذيب.(4)

وإلى جانب ما تقدم، لا تزال الفئات المستضعفة بسبب وصمها بفضيحة ما أو تعرضها للتهميش الاجتماعي تلقى التعذيب أو سوء المعاملة من جانب الشرطة. فهناك رجال كثيرون قبض عليهم لا لشيء سوى ممارسة السلوك الجنسي المثلي بالتراضي بينهم، أو للاشتباه في ممارستهم هذا اللون من السلوك، وأذيقوا صنوفاً من الضرب والتعذيب في حجز الشرطة.(5)
وتتضمن وسائل التعذيب الضرب بالأيدي والأقدام والأحزمة والعصي والأسلاك الكهربية، والتعليق في أوضاع ملتوية ومؤلمة مع الضرب، واستخدام الصدمات الكهربية، والتهديد بالاغتصاب والعنف الجنسي.
وقد تصاعدت حالات الوفاة أثناء الحبس من جراء التعذيب وسوء المعاملة بصورة تبعث على الانزعاج خلال العامين الأخيرين. وقد أفادت منظمات حقوق الإنسان المصرية بحدوث ما لا يقل عن عشر وفيات من هذا النوع خلال عام 2002، وسبعة في عام 2003 [انظر الملحق]. وفتح جهاز النائب العام تحقيقات جنائية في بعض هذه الحالات في أعقاب تلقيه شكاوى رسمية رفعها بعض المحامين المدافعين عن حقوق الإنسان وأقارب الضحايا؛ بيد أن أياً من هذه التحقيقات، حسب علم منظمة هيومن رايتس ووتش، لم يفضِ إلى تحريك أي دعوى جنائية أو اتخاذ أي إجراءات تأديبية ضد الجناة.
وفي الفترة من سبتمبر/أيلول إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2003 وحدها، أفادت منظمات حقوق الإنسان المصرية بوقوع أربع وفيات في الحجز.

  • أفاد مركز مساعدة السجناء الذي يقع مقره في القاهرة أن محمد عبد الستار الروبي، وهو مهندس يبلغ من العمر 26 عاما، توفي في 19 سبتمبر/أيلول بينما كان محبوسا في معتقل مباحث أمن الدولة في إبشواي بمحافظة الفيوم، بعد تعذيبه بغرض انتزاع اعتراف منه حول انتماءاته السياسية. وأفاد المركز أن ضباط مباحث أمن الدولة قالوا لوالد الروبي إن ابنه انتحر؛ ولم يُنشر أي تقرير عن تشريح الجثة يبين سبب الوفاة.(6)
  • أفاد جمعية المساعدة القانونية لحقوق الإنسان، وهو منظمة مصرية معنية بحقوق الإنسان، أن محمد عبد القادر البالغ من العمر 31 عاما توفي في 21 سبتمبر/أيلول 2003 بعد تعذيبه في الحبس في مباحث أمن الدولة بالقاهرة. وقال أفراد أسرته الذين قابلوه عندما كان لا يزال رهن الاعتقال إنه أخبرهم أنه تعرض للضرب والتعذيب بالصعق الكهربائي، وأن آثار التعذيب كانت بادية على وجهه وجسمه. وفي 21 سبتمبر/أيلول أفادت الأنباء أن الشرطة أخبرت أسرته أنه نقل إلى مستشفى الساحل. ثم أخبر المسؤولون بالمستشفى أسرته أن جثته نقلت إلى مشرحة زينهم لتوقيع كشف الطبي الشرعي عليها؛ ولكن لم يُعلَن أي تقرير للطب الشرعي. وأفاد جمعية المساعدة القانونيةلحقوق الإنسان أن العاملين بالمستشفى أخبروا أسرة محمد أنه توفي من جراء الضرب الشديد، وقال أفراد الأسرة الذين رأوا الجثة إنها كانت تحمل آثاراً واضحة للتعذيب وسوء المعاملة.(7)
  • أفادت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان أن محمود جبر محمد، وهو عامل من سكان حي السيدة زينب، توفي في الرابع من أكتوبر/تشرين الأول 2003، بينما كان معتقلا بدون تهمة في قسم شرطة السيدة زينب، وكان قد قُبض عليه في ذلك اليوم في أحد المقاهي. وقال أحد أقربائه للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان إن جثته بدت عليها آثار إصابات واضحة، منها كدمات تحت الركبة، ونزيف من الفم، وإصابات أخرى في مختلف أنحاء الجسم. ودعت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان إلى إجراء تحقيق وتوقيع الكشف الطبي الشرعي على الجثة لتحديد سبب الوفاة.(8)
  • في السادس من نوفمبر/تشرين الثاني 2003، أفادت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان أن مسعد محمد قطب، وهو محام بنقابة المهندسين، توفي في الحجز. وورد أن مباحث أمن الدولة كانت قد ألقت القبض عليه في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2003 لأنه عضو في جماعة "الإخوان المسلمين" المحظورة. وقد توفي في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني 2003 أثناء نقله من مقر مباحث أمن الدولة بجابر بن حيان إلى مستشفى أم المصريين. وقالت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، مشيرةً إلى بلاغ قسم شرطة الدقي (رقم 9214/2003)، إن تحقيق النائب العام أثبت وجود آثار بالجثة ناجمة عن إصابات لحقت بصاحبها، وأمر بتوقيع الكشف الطبي الشرعي لتحديد سبب الوفاة.(9)
    وجدير بالذكر أن مصر طرف في المعاهدات الرئيسية لحقوق الإنسان التي تتناول التعذيب، ومن بينها على وجه الخصوص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (اتفاقية مناهضة التعذيب). ومن ثم فإن مصر ملزمة إلزاماً صارماً بتحريم أي شكل من أشكال التعذيب أو سوء المعاملة وباتخاذ تدابير إيجابية لحماية ضحايا التعذيب بإجراء تحقيقات وافية ونزيهة وفورية في ادعاءات التعذيب وسوء المعاملة وتوجيه التهم الجنائية متى استدعى الأمر ذلك. إلا أن مصر لم توقع على البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي ينص على وضع آلية لتلقي الشكاوى الفردية. كما وضعت مصر تحفظات على المادتين 21 و22 من اتفاقية مناهضة التعذيب، اللتين تؤكدان على حق الدول الأطراف في الاتفاقية في رفع شكاوى متعلقة بالتعذيب ضد غيرها من الدول، وعلى حق ضحايا التعذيب في رفع مظالمهم مباشرة إلى اللجنة المشرفة على مراقبة الالتزام بالاتفاقية.
    وتنص المادة 42 من الدستور المصري على ضرورة معاملة أي معتقل "بما يحفظ عليه كرامة الإنسان"، وتحظر "إيذاءه بدنياً أو معنوياً". كما أن قانون العقوبات المصري يعتبر التعذيب جريمة جنائية، ولو أن تعريف جريمة التعذيب فيه لا يرقى إلى مستوى التعريف الوارد في المادة الأولى من اتفاقية مناهضة التعذيب. فالمادة 126 من قانون العقوبات، مثلاً، تقصر التعذيب على الأذى الجسدي، ولا تتوافر أركانه إلا عندما يكون الضحية "متهما" وعندما يستخدم التعذيب لإكراهه على الاعتراف. ولئن كانت الاعترافات هي الهدف من التعذيب في الكثير من الأحوال، فإن هذا التعريف الضيق يستبعد دون مبرر وجيه حالات الأذى النفسي أو الذهني، والحالات التي يتم فيها تعذيب شخص آخر غير "المتهم"، أو لأغراض غير الحصول على الاعتراف.
    كما أن المادة 126 من قانون العقوبات المصري تنص فقط على معاقبة الموظفين أو العاملين بالوظائف العامة الذين يرتكبون أعمال التعذيب أو يأمرون بارتكابها؛ في حين أن تعريف التعذيب في المادة الأولى من اتفاقية مناهضة التعذيب يشمل أيضاً كافة المواقف التي يلحق فيها "الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية".
    كما أن قانون العقوبات المصري لا ينص على عقوبة فعالة للموظفين المكلفين بتنفيذ القانون المسؤولين عن التعذيب أو سوء المعاملة؛ إذ تنص المادة 129 من قانون العقوبات على أن أي مسؤول يعامل أي أشخاص "بقسوة"، بما في ذلك الأذى البدني أو التعدي على الكرامة، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تتجاوز 200 جنيه مصري [30 دولاراً]. كما تنص المادة 280 من قانون العقوبات على عقوبات غير كافية فيما يتعلق بالاعتقال غير القانوني.
    وتنص المادتان 63 و232(2) من قانون الإجراءات الجنائية المصري على تخويل جهاز النائب العام السلطة الحصرية للتحقيق في ادعاءات التعذيب وسوء المعاملة، حتى في عدم وجود شكوى رسمية، وتوجيه الاتهام لضباط الشرطة ومباحث أمن الدولة، والطعن في الأحكام القضائية. ولكن بموجب المادتين 210(1) و232(2) من قانون الإجراءات الجنائية، لا يحق لمن يرفع شكوى ضد الشرطة بسبب التعذيب أو سوء المعاملة الطعن في أي قرار إداري أو قضائي صادر عن جهاز النائب العام. وهكذا تحرم هاتان المادتان ضحايا التعذيب من الطعن فيما قد يصدره جهاز النائب العام من قرارات تعسفية أو قرارات صادرة عن ميول أو أهواء عارضة، مما يعطي السلطات حصانة من المراجعة القضائية في واقع الحال، ومن ثم سلطات تقديرية لا حدود لها في تحديد كيفية التعامل مع شكاوى التعذيب.
    وعلى مستوى التطبيق لا تكاد تجري الحكومة أي تحقيقات، متجاهلة بذلك خطورة مشكلة التعذيب وسوء المعاملة في مصر. ولا تعترف السلطات المصرية إلا بوقوع حالات عرضية من انتهاكات حقوق الإنسان.(10) وقد يكون من العوامل الكامنة وراء تقاعس مصر عن التحقيق في أعمال التعذيب التي يرتكبها المسؤولون عن تنفيذ القانون ومعاقبة مرتكبيها، ما يبدو من التضارب في المصالح الناجم عن إسناد مسؤولية مراقبة المعتقلات، والأمر بإجراء الفحوص الطبية الشرعية، والتحقيق في الانتهاكات التي يرتكبها المسؤولون، ومقاضاة مرتكبيها، لنفس الجهاز المسؤول عن إصدار أوامر القبض والحصول على الاعترافات واتخاذ ما يلزم من إجراءات لتحريك الدعوى القضائية ضد المشتبه فيهم جنائيا.
    كما أن الأدلة الطبية ضرورية للتثبت من وقوع التعذيب؛ وفي غياب الدليل الطبي أو تقرير الطب الشرعي، فإن النائب العام لا يتعين عليه إجراء تحقيق، فضلاً عن تحريك الدعوى الجنائية، لكن الوصول إلى المتخصصين في إدارة الطب الشرعي بوزارة العدل يتطلب قراراً بالإحالة من النائب العام أو من إحدى المحاكم؛ وليس النائب العام ملزما بإصدار مثل هذا القرار في الحين المناسب، وبدون إبطاء.
    وما من شك في أن تقاعس الحكومة عن التحقيق فورا وبصورة محايدة في ادعاءات التعذيب وسوء المعاملة الجديرة بالتصديق من جانب المعتقلين السياسيين والمواطنين العاديين، حتى في العديد من حالات الوفاة في الحجز، قد أدى إلى إرساء مناخ يطمئن فيه مرتكبو الانتهاكات إلى أنهم بمأمن من العقاب، كما أسهم في إكساب التعذيب طابعاً مؤسسياً. وفي الحالات النادرة التي أدانت فيها المحاكم بعض المسؤولين بالتعذيب، كانت العقوبات المفروضة عليهم خفيفة. ويلاحظ أن السلطات لا تقدم معلومات عن عدد الشكاوى التي تتلقاها، ونادرا ما تكشف عن أي إجراءات جنائية أو إدارية أو مدنية تتخذها فيما يتعلق بحوادث الوفاة في أثناء الحجز أو التعذيب أو سوء المعاملة.
    وفي ظل القانون المصري، يجوز لضحايا التعذيب وللورثة الذي كان يعولهم المتوفون في الحجز رفع دعوى أمام المحكمة الإدارية للمطالبة بتعويض، وبسبب انتهاك الحريات الفردية التي يكفلها الدستور. وعادة ما يحجم ضحايا التعذيب عن رفع الدعوى المدنية خشية التعرض للانتقام من جانب مرتكبي التعذيب، ورغبة منهم في تجاوز هذه المحنة ونسيانها.(11) وفضلاً عن ذلك، فإذا كان المدعي بالحق المدني على حق فعلا، فإن المحاكم نادرا ما تحكم بالتعويض "المنصف والكافي"، وفقاً لما تنص عليه المادة 14(1) من اتفاقية مناهضة التعذيب.(12) وهذا الأمر، مضافاً إليه غياب أي نظام فعال لتحريك الدعوى الجنائية ضد مرتكبي التعذيب، يجعل التعذيب أمرا "متيسراً" إلى حد كبير لدى الحكومة المصرية.

    وقد دأبت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، واللجنة المعنية بحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، والمقرر الخاص التابع للأمم المتحدة المعني بالتعذيب، على التعبير عن القلق بشأن استمرار التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة على أيدي المسؤولين عن تنفيذ القانون في مصر، وخصوصا أجهزة الأمن. كما انتقدت هذه الهيئات عدم إجراء تحقيقات في تلك الممارسات، وعدم معاقبة المسؤولين وتعويض الضحايا.(13)
    وعلى الرغم من سجل مصر الذي يرثى له فيما يتعلق بالتعذيب وسوء المعاملة، فقد قامت بلدان عديدة في السنوات الأخيرة، ومنها الولايات المتحدة والسويد، بتسليم أشخاص مطلوبين من الحكومة المصرية بسبب جرائم مزعومة تتعلق بالأمن، أو ساعدت على إيداعهم في الحبس لدى السلطات المصرية.(14)

  • مقدمة
  • توصيات إلى الحكومة المصرية
  • هوامش
  • مصر: بلاغات حالات الوفاة في الحبس نتيجة للتعذيب وسوء المعاملة 2002
  • مصر: بلاغات حالات الوفاة في الحبس نتيجة للتعذيب وسوء المعاملة 2003

    Egypt
  •