Iraq



Iraq Iraq
  

<<   الصفحة السابقة  |  الصفحة الرئيسية  |  الصفحة السابقة  >>

X. الهجمات على المثقفين والمهنيين

منذ أواخر عام 2003، استهدفت مختلف الجماعات المسلحة طبقة المثقفين والمهنيين، بما في ذلك أساتذة الجامعات، والأطباء، والمحامون؛ وتتباين الأهداف المنشودة من وراء ذلك؛ ففي بعض الحالات، كانت حوادث الاختطاف ترجع إلى دوافع إجرامية، إذ كان الخاطفون يعتقدون أن المهنيين أقدر من غيرهم مادياً على دفع فدية في مقابل إطلاق سراحهم. ولكن بعض أعمال القتل كانت تكمن وراءها دوافع سياسية، إما لأن الضحايا أعربوا عن تأييدهم للغزو الذي قادته الولايات المتحدة أو انتقادهم لحركة التمرد، أو لأن المهاجمين ظنوا أن الشخص المستهدف يعتنق مثل هذه الآراء.

ويرى بعض الأكاديميين العراقيين أن هذه الهجمات هي وسيلة للقضاء على النخبة المثقفة في العراق؛ إذ يقول سعدون عيسى، نائب رئيس جامعة النهرين في بغداد "إن الضحايا يغطون طيفاً واسعاً من الاهتمامات البحثية، والتوجهات السياسية المختلفة، والعقائد الدينية المتباينة؛ والقاسم المشترك الوحيد بينهم هو نبوغهم؛ وأعتقد أن هناك خطة لتجريد العراق من عموده الفقري العلمي"278.

وقال أحد كبار المسؤولين في وزارة التعليم العراقية "نعتقد أنها ذات دوافع سياسية"؛ وأضاف أن هذه الهجمات تمثل ضربة قاصمة – "ليس بسبب عدد القتلى فحسب، وإنما بسبب نوعيتهم"279.

ويقول أنتوني كوردزمان، الخبير بشؤون حركات التمرد في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في العاصمة الأمريكية واشنطن، إن تخويف المثقفين والمهنيين وقتلهم يعوق الحكم، ويعقد عمل قوات الأمن، ويضعف الاقتصاد. ويضيف كوردزمان أن النمط المطرد الذي تسير عليه الهجمات على المهنيين "يفاقم الشعور بانعدام الأمن إلى الحد الذي يفقد معه الناس الثقة في الحكومة العراقية، والتحالف، والعملية السياسية"280.

ومن العسير الحصول على أرقام دقيقة، غير أن الدراسات توحي بأن الأطباء والأكاديميين عرضة للخطر بوجه خاص؛ ووفقاً لدراسة قامت بها وزارة الصحة العراقية، وانتهت منها في أبريل/نيسان 2005، فإن الجماعات المسلحة اختطفت ما يتراوح بين 160 و300 طبيب عراقي منذ أبريل/نيسان 2003، وقتلت أكثر من 25، ولو أن الدراسة لم تميز بين الهجمات ذات الدوافع الجنائية والهجمات ذات الدوافع السياسية. وقد فر قرابة 1000 طبيب من البلاد، حسبما جاء في الدراسة، ويتبعهم نحو 30 آخرين في المتوسط كل شهر281. وللحد من رحيل الأطباء إلى الخارج، بثت الوزارة إعلاناً عاماً على شاشة التلفاز، في ربيع عام 2005، يتضمن رسالة تقول: "أيها المواطنون الأعزاء، نرجوكم ألا تقتلوا الأطباء – فقد تحتاجون إليهم يوماً ما"282. وفي مايو/أيار 2005، منحت وزارة الداخلية الأطباء الحق في حمل السلاح للدفاع عن النفس283.

كما يتعرض للاعتداءات أساتذة الجامعات والكليات الفنية التي كانت تحظى بمكانة مرموقة في العراق يوماً ما. ففي أبريل/نيسان 2005، أصدرت جامعة الأمم المتحدة تقريراً قالت فيه إن المهاجمين قتلوا 48 أكاديمياً منذ عام 2003، وثمة كثيرون آخرون من المدرسين وأساتذة الجامعات يتعرضون للتهديدات بصفة يومية284. وقد أفاد وزير التعليم العالي العراقي أن المهاجمين قتلوا أكثر من 60 أستاذاً جامعياً منذ بداية الحرب حتى يونيو/حزيران 2005، ولو أنه لم يحدد كيف لقوا حتفهم. وأشار الوزير إلى أن معظم هؤلاء هم من ذوي المؤهلات العلمية285.

وكان من أوائل الضحايا فلاح حسين، نائب عميد كلية العلوم في جامعة المستنصرية ببغداد، الذي قُتل بنيران مسلحين مجهولين في مايو/أيار 2003؛ وتلاه الدكتور محمد الراوي، رئيس جامعة بغداد، الذي اغتيل بنيران مسلحين مجهولين في يوليو/تموز من نفس العام286.

ومن بين الحالات البارزة بوجه خاص مقتل عبد اللطيف المياحي، وهو أحد دعاة حقوق الإنسان وأستاذ العلوم السياسية بجامعة المستنصرية؛ ففي 19 يناير/كانون الثاني 2004، استوقفه مسلحون ملثمون وهو في طريقه بسيارته إلى مقر عمله؛ وجذبوه من سيارته إلى الشارع حيث أطلقوا عليه النار فأردوه قتيلاً على مرأى من حارسه الشخصي ومدرس آخر بالجامعة، حسبما أفادت الشرطة العراقية287.

وفي 19 يونيو/حزيران 2005، أطلق مسلحون مجهولون النار على المهندس عبد الستار جبار حسين الخزرجي، الأستاذ بالكلية التقنية في بغداد، فأردوه قتيلاً؛ وأفادت صحيفة الشرقية العراقية أن رجلين يركبان دراجة بخارية أطلقا النار على الخزرجي أمام منزله في منطقة الحرية الثانية غربي بغداد288.

وفي حادث أقرب عهداً، لقي ثلاثة من أساتذة الجامعة حتفهم في بغداد في الأسبوع الأخير من أغسطس/آب؛ وأفادت صحيفة "الزمان" العراقية اليومية أن مسلحين مجهولين قتلوا زكي العاني من كلية الفنون بجامعة المستنصرية، وهاشم عبد الأمير من كلية التعليم في 27 أغسطس/آب بالقرب من المدخل الرئيسي للجامعة. وقبل ذلك بيومين، اختُطف أستاذ ثالث، هو سمير يلدا من كلية الاقتصاد والإدارة، ثم عثر على جثته في نفس اليوم289.

كما مُنيت مدن أخرى بأعمال العنف أيضاً؛ ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2003، ورد أن رجالاً مجهولين اغتالوا أسعد شريدة، عميد كلية الهندسة في البصرة؛ وبعد ذلك بشهرين، طعن مهاجمون محمد قاسم، وهو مدرس بالكلية الفنية في البصرة، فأردوه قتيلاً290.

وفي الموصل، قتل مهاجمون مجهولون عميدة كلية الحقوق بجامعة الموصل ليلى عبد الله سعد وزوجها منير الخيرو في 22 يونيو/حزيران 2004؛ وقالت الشرطة العراقية إن المهاجمين ذبحوهما291.

وقد تعرض المئات من الأكاديميين والمهنيين للتهديدات بالقتل، وأمروا بالرحيل عن العراق. وقد أفاد اتحاد أساتذة الجامعات أن 2000 أستاذ جامعي قد رحلوا عن العراق منذ عام 2003، شأنهم شأن 10 آلاف آخرين من الأساتذة يقول الاتحاد إنهم رحلوا عن البلاد خلال السنوات الاثنتي عشرة التالية لحرب الخليج292.

وقال مدير معهد العلاج الإشعاعي والطب النووي في بغداد لأحد الصحفيين "لقد أمهلوني أسبوعاً واحداً، ولكني لا أستطيع أن أترك عملي؛ إذ لو تنحيت فلن يأتي أحد ليأخذ مكاني"293. ولكن ثمة آخرين أخذوا هذه التهديدات مأخذ الجد، وفروا من البلاد، إلى دمشق أو عمان في الأغلب والأعم.

وقال الدكتور سامي سلمان، مدير مستشفى الرعاية الخاصة في مجمع المدينة الطبية "إننا نفقد عقول أنبغ أطبائنا؛ وليس بمقدورنا إيجاد بدلاء لهم بين عشية وضحاها"294.



278 إد بلانش، "النزوح فراراً من الإرهاب"، ميدل إيست، 1 أبريل/نيسان 2005.

279 المصدر السابق.

280 أنتوني كوردزمان، "تنامي حركة التمرد في العراق"، مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، تم تحديثه حتى 19 مايو/أيار 2005.

281 علي رفعت وهالة جابر، "عصابات الاختطاف تجبر الأطباء على الفرار من العراق"، صحيفة ذي تايمز، 5 يونيو/حزيران 2005.

282 ديبورا إيموس، "عراقي يسعى لحماية العاملين بالمهن الطبية"، بثته الإذاعة العامة الوطنية، 13 يونيو/حزيران 2005.

283 سكوت بيترسن، "الوزارات العراقية تناضل لتقديم الخدمات"، 13 مايو/أيار 2005، صحيفة كريستيان ساينس مونيتور، 13 مايو/أيار 2005. للاطلاع على مقال آخر بشأن الاعتداءات على الأطباء، انظر روبين شولمان، "العنف يستهدف الأطباء الذين يعتبرون من الأثرياء ذوي الصلات"، صحيفة واشنطن بوست، 12 سبتمبر/أيلول 2004.

284 بيان صحفي لجامعة الأمم المتحدة، "حرق ونهب وتدمير خمسة أسداس المؤسسات التعليمية العليا في العراق، وقتل 48 أستاذاً جامعياً؛ جامعة الأمم المتحدة تدعو العالم للمساعدة في إصلاح النظام"، 27 أبريل/نيسان 2005.

285 المشرق، 18 يونيو/حزيران 2005.

286 أنيا سيزادلو، "الموت لمن يتجاسر على الجهر برأيه"، صحيفة كريستيان ساينس مونيتور، 30 أبريل/نيسان 2004.

287 جيفري غيتلمان، "الاغتيالات تستهدف طبقة المتعلمين"، صحيفة نيويورك تايمز، 6 فبراير/شباط 2004.

288 الشرقية، 19 يونيو/حزيران 2005.

289 كاثرين زويبف، "مقتل ثلاثة أساتذة جامعيين آخرين في العراق، في الوقت الذي يتزايد فيه فرار الجامعيين"، مدونة التعليم العالي، 31 أغسطس/آب 2005.

290 جيفري غيتلمان، "الاغتيالات تستهدف طبقة المتعلمين"، صحيفة نيويورك تايمز، 6 فبراير/شباط 2004.

291 "مقتل عميدة كلية الحقوق بجامعة الموصل وزوجها في شمال العراق: الشرطة"، وكالة الأنباء الفرنسية، 22 يونيو/حزيران 2004؛ وبيتر ي. هونغ وبربارا دميك، "قطع رأس مواطن كوري جنوبي محتجز في العراق"، صحيفة لوس أنجيليس تايمز، 23 يونيو/حزيران 2004.

292 هاورد لافرانشي، "العراق يفقد خير وأنبغ أبنائه"، صحيفة كريستيان ساينس مونيتور، 21 سبتمبر/أيلول 2004.

293 جيفري غيتلمان، "الاغتيالات تستهدف طبقة المتعلمين"، صحيفة نيويورك تايمز، 6 فبراير/شباط 2004.

294 أحمد مختار، "إلى أين تسير الأمور؟"، الأهرام الأسبوعي، 10-16 يونيو/حزيران 2004، انظر الموقع التالي: http://weekly.ahram.org.eg/2004/694/re7.htm؛ تاريخ الاطلاع عليه 16 يوليو/تموز 2005.


<<   الصفحة السابقة  |  الصفحة الرئيسية  |  الصفحة السابقة  >> November 2005