Lebanon



Lebanon Lebanon
  

V. خلفية عامة عن الحرب بين إسرائيل وحزب الله

عملية حزب الله "الوعد الصادق"

قرابة الساعة التاسعة من صباح 12 يوليو/تموز 2006، عبر مقاتلو حزب الله إلى داخل إسرائيل وهاجموا قافلة للجيش الإسرائيلي تقوم بأعمال الدورية على الحدود، فقتلوا ثلاثة جنود وأسروا اثنين عادوا بهما إلى لبنان. وتبدو عملية حزب الله حسنة التخطيط إذ سبقها إطلاق صواريخ هدفت إلى تشتيت الانتباه، وذلك على مواقع للجيش الإسرائيلي عند الساحل وقرب بلدة زرعيت الإسرائيلية.56 وبعد الهجوم على نحو شبه فوري، تم إرسال دبابة مركافا إسرائيلية داخل الأراضي اللبنانية في محاولةٍ لاستعادة الأسيرين فأصابها لغمٌ ضخم مضاد للدبابات من المعتقد أنه يحوي 300 كغم من المتفجرات، فقتل ثلاثة جنود إسرائيليين وجرح أربعة. كما لاقى ثمانية جنود إسرائيليين مصرعهم في القتال الذي أعقب ذلك عند محاولة الإسرائيليين استعادة الجرحى وجثث القتلى من الدبابة.57

وأطلق حزب الله على هذه العملية اسم "عملية الوعد الصادق" لأنها جاءت تحقيقاً لوعدٍ قديم أطلقه زعيم حزب الله حسن نصر الله بأخذ رهائن من الجيش الإسرائيلي للضغط على إسرائيل من أجل إطلاق ما بقي من الأسرى اللبنانيين في سجونها؛58 وكذلك للسعي إلى استعادة منطقة مزارع شبعا المتنازع عليها والتي تحتلها إسرائيل.59 وعقب الغارة مباشرةً، صرح حزب الله أنه سوف يعيد الجنديين إلى إسرائيل من خلال "مفاوضات غير مباشرة" تؤدي إلى "مبادلتهم" بالسجناء اللبنانيين في سجون إسرائيل.60

وقد انتقدت هيومن رايتس ووتش حزب الله بسبب رفضه غير المشروع تأكيد مصير الجنديين المختطفين ورفضه السماح للصليب الأحمر الدولي بزيارتهما. كما انتقدت هيومن رايتس ووتش حزب الله بسبب احتجازه الجنديين رهينتين يشترط على إسرائيل إطلاق سراح عدد كبير من المحتجزين لديها مقابل إطلاق سراحهما.61

عملية إسرائيل "تغيير الاتجاه"

لعل حزب الله توقع بعد اختطاف الجنديين الإسرائيليين رداً إسرائيلياً يقتصر على عدة أيامٍ من الغارات الجوية ضد مواقعه تعقبه مفاوضات لتبادل أسرى، كما حدث من قبل في أكثر من حادثة احتجاز رهائن.62 وبدلاً من ذلك، شنت إسرائيل هجوماً عسكرياً واسع النطاق لم يهدف إلى استعادة الجنود الأسرى فقط، بل إلى إبعاد حزب الله عن حدود إسرائيل الشمالية أيضاً.

وأعلن رئيس الوزراء أولمرت أن إغارة حزب الله داخل إسرائيل واختطافه جنديين إسرائيليين "عملٌ من أعمال الحرب" من جانب حكومة لبنان. وصرّح أيضاً أن "لبنان مسؤول، وسوف يتحمل عواقب أعماله".63 وصرح وزير الدفاع الإسرائيلي عامير بيريتز أن الجيش الإسرائيلي سيشن هجوماً عسكرياً يستمر حتى يحل الجيش اللبناني محل حزب الله في جنوب لبنان. وقال: "إذا امتنعت الحكومة اللبنانية عن نشر جيشها، كما يفترض في حكومةٍ ذات سيادة، فلن نسمح باستمرار وجود حزب الله على حدود دولة إسرائيل"،64 كما قال رئيس الأركان الإسرائيلي دان حالوتس صراحةً إن هجوم إسرائيل "سيعيد الزمن في لبنان 20 عاماً إلى الوراء" إذا لم تجر إعادة الجنديين المختطفين فوراً.65

وطبقاً لما قاله حالوتس، كان للهجوم الإسرائيلي على لبنان أربعة أهداف رئيسية: إطلاق سراح الجنديين المختطفين، "إعادة صياغة الوضع الأمني على امتداد الحدود [الإسرائيلية اللبنانية] ومنع حزب الله من بلوغ أراضي إسرائيل"، و"إضعاف تنظيم حزب الله"، وجعل "حكومة لبنان تمارس سيادتها على [أرضها] وعلى النشاطات التي تنطلق من تلك الأرض".66

وعقب اختطاف الجنديين بفترةٍ وجيزةٍ جداً، باشرت الطائرات الحربية الإسرائيلية قصف الجسور والطرق، وكذلك المواقع التي يشتبه أنها لحزب الله.67 ورغم أن الغارات الأولى كانت تبدو مركزةً على منع حزب الله من نقل الجنديين الأسيرين من منطقة الجنوب عبر قطع الطرقات وغيرها من سبل الاتصال، فإن إسرائيل سرعان ما شنت هجوماً ضد حزب الله اتسع نطاقه ليشمل البلاد كلها. وفي 13 يوليو/تموز، فرضت إسرائيل حصاراً برياً بحرياً جوياً شاملاً على لبنان استمر حتى شهر سبتمبر/أيلول، أي حتى فترةٍ من وقف إطلاق النار في 14 أغسطس/آب 2006. وقصفت الطائرات الإسرائيلية مدرجات مطار بيروت الدولي وخزانات الوقود فيه انطلاقاً من أن "المطار يُستخدم بمثابة مركزٍ لنقل الأسلحة والإمدادات إلى حزب الله"، وكذلك من أن الجيش الإسرائيلي يريد الحيلولة دون نقل الجنديين الأسيرين إلى إيران أو سوريا.68

وخلال المرحلة الأولى من الحرب، أي من 12 إلى 23 يوليو/تموز، اعتمد الجيش الإسرائيلي على نحوٍ شبه حصري على ضخامة حملات القصف الجوي والبحري والمدفعي محاولاً تقليل القدرات العسكرية لحزب الله من خلال استهداف قواته ومراكزه وصواريخه مع محاولة الضغط في الوقت عينه على عناصر المجتمع اللبناني غير الموالية لحزب الله من أجل "الانقلاب ضده" وتحييده.69 ولم تكن تلك المرة الأولى التي تحاول فيها إسرائيل زيادة الكلفة التي يتحملها السكان المدنيون في لبنان جراء السماح لحزب الله بالعمل في وسطهم. ففي حملات القصف الجوي أثناء "عملية المحاسبة" عام 1993 وعملية "عناقيد الغضب" عام 1996، سعى الجيش الإسرائيلي إلى إنزال أضرارٍ جسيمة بالقرى في جنوب لبنان كوسيلةٍ للضغط على اللبنانيين وحكومتهم من أجل التحرك ضد حزب الله.70




56 "تقرير الأمين العام حول قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (للفترة من 21 يناير/كانون الثاني 2006 إلى 18 يوليو/تموز 2006)"، 21 يوليو/تموز 2006، وثيقة الأمم المتحدة S/2006/560.

57 المصدر السابق؛ نيكولاس بلانفورد، "حزب الله والجيش الإسرائيلي: قبول حقائق جديدة على امتداد الخط الأزرق"، صحيفة MIT الإلكترونية لدراسات الشرق الأوسط، المجلد 6، صيف 2006. انظر أيضاً عاموس هاريل، "حزب الله يقتل 8 جنود ويختطف اثنين في هجومٍ عند الحدود الشمالية"، هاآرتس، 13 يوليو/تموز 2006.

58 يزعم حزب الله أن إسرائيل كانت تحتجز أربعة أسرى لبنانيين (من بينهم مواطن إسرائيلي من أصل لبناني) قبل حرب 2006؛ وتعترف إسرائيل باحتجاز اثنين من هؤلاء فقط. ويمضي سمير قنطار الآن، وهو مواطنٌ لبناني غالباً ما يورد حزب الله اسمه، عدة أحكامٍ بالحبس المؤبد في سجن إسرائيلي بسبب قتله شرطياً وطفلةً في الرابعة مع والدها في نهاريا عام 1979، وذلك أثناء هجومٍ نفذه بصفته عضواً في جبهة التحرير الفلسطينية. وبعد اختطاف الجنود في "عملية الوعد الصادق"، سرعان ما ربط عضو المجلس النيابي عن حزب الله علي عمار بين عملية اختطاف الجنود الإسرائيليين وبين الإفراج عن سمير قنطار. انظر "برنامج حواري في تلفزيون حزب الله اللبناني يناقش عواقب العملية"، بي بي سي، مراقبة العالم، 13 يناير/كانون الثاني 2006. وفي عام 2002، حكمت محكمة إسرائيلية على السجين الثاني، وهو مواطن إسرائيلي من أصل لبناني يدعى نسيم ناصر، لاتهامه بالتجسس على إسرائيل. ويزعم حزب الله أيضاً أن إسرائيل تحتجز يحيى اسكاف، وهو مواطنٌ لبناني من منظمة فتح التابعة لأبي جهاد يعتقد أنه شارك في مارس/آذار 1978 في اختطاف حافلة مدنية شمال تل أبيب مما أفضى إلى مقتل 35 مدنياً إسرائيلياً على الأقل. وتنكر إسرائيل دائماً أنها تحتجز يحيى اسكاف، لكن حزب الله يقول إن سجناء لبنانيين شاهدوه حياً في سجون إسرائيل. ويزعم حزب الله أيضاً أن ثمة شخصاً رابعاً محتجزاً لدى إسرائيل هو علي فراتن؛ لكن إسرائيل تنكر ذلك. وهذا الرجل صياد سمك لبناني اختفى عند ساحل لبنان الجنوبي عام 2001. وقد عثر على زورقه فيما بعد وفيه بقعٌ من الدماء وآثار رصاص مما يرجح أنه تعرض لإطلاق النار في عرض البحر. ويعتقد أيضاً أن إسرائيل تحتجز جثث قرابة 45 مقاتلاً لبنانياً قتلوا قبل الحرب. ريم غزال، "34 يوماً من الحرب من أجل أربعة رجال: فمن هم؟"، ديلي ستار (لبنان)، 11 سبتمبر/أيلول 2006.

59 من أجل لمحةٍ عامة عن النزاع على مزارع شبعا، انظر آشير كوفمان، "لا أهمية للحجم: مزارع شبعا في التاريخ وفي السياسية المعاصرة"، صحيفة MIT الإلكترونية لدراسات الشرق الأوسط، الجزء 6، صيف 2006.

60 كريس ماكجريل، "تقول إسرائيل إن أسر الجنود عملٌ من أعمال الحرب"، الغارديان (لندن)، 13 يوليو/تموز 2006.

61 بيان صحفي عن هيومن رايتس ووتش، "غزة/إسرائيل/لبنان: يجب إطلاق سراح الرهائن"، 5 يوليو/تموز 2007. إن الاتفاقية الدولية لمناهضة أخذ الرهائن (1979) تعرف في مادتها الأولى أخذ الرهائن بأنه "احتجاز شخص أو القبض عليه (الرهينة)" مع التهديد بقتله أو إيذائه أو استمرار احتجازه، وذلك بغية إجبار طرفٍ آخر على فعل أمرٍ ما، أو الامتناع عن فعل أمرٍ ما، كشرطٍ لإطلاق سراح الرهينة. إن مختلف أحكام القانون الإنساني الدولي الذي تحظر أخذ الرهائن لا تقصر تعريف هذه الجريمة على أخذ رهائن مدنيين، بل هي تطبق الحظر على جميع الأشخاص. انظر اللجنة الدولية للصليب الأحمر، "القانون الدولي الإنساني العرفي"، ص 336.

62 في عام 2004، تفاوضت إسرائيل مع حزب الله على تبادلٍ للأسرى بعد قيامه باختطاف الحنان تاننباوم، وهو رجل أعمال إسرائيلي كان عقيداً في الجيش، وأجساد ثلاثة من الجنود الإسرائيليين. إيان فيشر وكريغ ماير، "إسرائيل وحزب الله يتبادلان السجناء وقتلى الحرب عبر رحلاتٍ جويةٍ إلى ألمانيا ومنها"، نيويورك تايمز، 30 يناير/كانون الثاني 2004.

63 تصريح لرئيس الوزراء أولمرت، 12 يوليو/تموز 2006.

64 كونال أوركهارت، "إسرائيل تحاصر لبنان"، الغارديان 13 يوليو/تموز 2006.

65 كريس ماكغريل، "تقول إسرائيل إن أسر الجنود عملٌ من أعمال الحرب"، الغارديان (لندن)، 13 يوليو/تموز 2006.

66 "رئيس الأركان: ’ليست لدينا نيةٌ في إيذاء سوريا أو مواطني لبنان‘"، موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية، 28 يوليو/تموز 2006، http://www.mfa.gov.il/MFA/Terrorism-+Obstacle+to+Peace/Terrorism+from+Lebanon-+Hizbullah/Chief+of+Staff+Halutz-+No+intention+of+hurting+Syria+or+citizens+of+Lebanon+27-Jul-2006.htm (تمت زيارة الصفحة في 28 مارس/آذار 2007).

67 "ناطق باسم الجيش الإسرائيلي: هجوم حزب الله على الحدود الشمالية ورد جيش الدفاع"، موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية، 12 يوليو/تموز 2006، http://www.mfa.gov.il/MFA/Terrorism-+Obstacle+to+Peace/Terrorism+from+Lebanon-+Hizbullah/Hizbullah+attack+on+northern+border+and+IDF+response+12-Jul-2006.htm (تمت زيارة الصفحة في 28 مارس/آذار 2007).

68 المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، "جيش الدفاع يستهدف مدرجات مطار بيروت وخزانات الوقود"، 14 يوليو/تموز 2006، http://www1.idf.il/DOVER/site/mainpage.asp?clr=1&sl=EN&id=7&docid=54362 (تمت زيارة الصفحة في 28 مارس/آذار 2007).

69 سكوت ويلسون، "خطة إسرائيل الحربية لا تتضمن استراتيجيةً للخروج: توقع ’نتائج ضعيفة‘ في لبنان يؤدي إلى انقساماتٍ في الوزارة"، واشنطن بوست، 21 أكتوبر/تشرين الأول 2006، ("رئيس الأركان دان حالوتس يستبعد [خطة الجيش الإسرائيلي التقليدية للغزو البري]. ويؤكد بدلاً من ذلك على الحرب الجوية، فهو أول جنرال طيار يقود الجيش الإسرائيلي. وقد أمل حالوتس في أن تؤدي الهجمات الجوية إلى تشجيع المسلمين السنة والمسيحيين في لبنان على الانقلاب ضد حزب الله").

70 للاطلاع على استراتيجية إسرائيل أثناء النزاع المسلح بينها وبين حزب الله عام 1993، انظر هيومن رايتس ووتش، "رهائن مدنيون: انتهاكات قوانين الحرب واستخدام الأسلحة على الحدود الإسرائيلية اللبنانية" (نيويورك: هيومن رايتس ووتش، 1996)؛ (مع ملاحظة أن "الهدف الثاني [لعملية "المحاسبة"] كان زيادة صعوبة استخدام جنوب لبنان قاعدةً لحزب الله من أجل مهاجمة القوات الإسرائيلية في المناطق التي تحتلها إسرائيل. وقد جرى تحقيق ذلك، بصفته هدفاً معلناً عنه، عبر إنزال أضرارٍ متعمدةٍ جسيمة بقرى جنوب لبنان من خلال القصف الشديد الذي من شأنه زيادة الكلفة الواقعة على السكان جراء السماح لحزب الله بالعيش والعمل في وسطهم"). أما بشأن استراتيجية إسرائيل في حرب 1996، فانظر هيومن رايتس ووتش، "عملية عناقيد الغضب" (نيويورك: هيومن رايتس ووتش، 1997). (مع ملاحظة أن "إسرائيل سعت في أبريل/نيسان 1996، كما فعلت فيما تطلق عليه اسم "عملية المحاسبة" في يوليو/تموز 1993، إلى التسبب في تشريدٍ ضخم للسكان المدنيين في جنوب لبنان. وكان ذلك وسيلةً للضغط على الحكومة اللبنانية من أجل نزع سلاح قوات حرب العصابات المعادية للاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان، وهي تابعةٌ في المقام الأول لحركتي حزب الله وأمل اللبنانيتين السياسيتين").