لبنان ينتفض

متظاهرون مناهضون للحكومة يلوحون بالأعلام اللبنانية خلال الاحتجاجات المستمرة ضد الحكومة، في بيروت، لبنان، 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019. © 2019 أسوشيتد برس / بلال حسين
متظاهرون مناهضون للحكومة يلوحون بالأعلام اللبنانية خلال الاحتجاجات المستمرة ضد الحكومة، في بيروت، لبنان، 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019. 

شهد لبنان مظاهرات حاشدة معارضة للحكومة منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، عندما أعلنت السلطات  عن حزمة ضرائب جديدة. تحولت المظاهرات التي عمّت أنحاء البلاد إلى تعبير عن الغضب من المؤسسة السياسية بأكملها، التي لامها المتظاهرون على الأزمة الاقتصادية الطاحنة في لبنان. لجأت قوات الأمن في بعض الأحيان إلى القوة المفرطة ضد المتظاهرين، وتقاعست عن حمايتهم من عنف المتظاهرين الذين خرجوا ضدهم. تهدد الأزمة الاقتصادية والسياسات المالية غير المسؤولة قدرة الناس على تحصيل الرعاية الصحية والحصول على الغذاء، ودفعت بالكثير من العائلات إلى الفقر. وكانت المجموعات المستضعفة، ومنها اللاجئون والعاملات والعمال المهاجرون بصورة خاصة، هي الفئات الأكثر تضررا أكثر جرّاء الأزمة الاقتصادية. 

القوى الأمنية تستعمل الخُردُق غير المشروع مجددا ضدّ المتظاهرين

يبدو أنّ القوى الأمنية استعملت القوة المفرطة وغير المشروعة ضدّ المتظاهرين خلال مظاهرة ضدّ الحكومة في وسط بيروت في 1 سبتمبر/أيلول. بحسب أدلة من الفيديوهات والشهود، أطلقت القوى الأمنية كميات كبيرة من الغاز المسيل للدموع والخُردُق )خرطوش الصيد( على المتظاهرين، بمَن فيهم إعلاميون، وضربت المتظاهرين وركلتهم.

تحدّثت "هيومن رايتس ووتش" إلى مصوّر أُصيب بالخردق، ومصوّرة صحفية وثّقت هذا الاستعمال، ومتظاهر تعرّض للضرب من القوى الأمنية.

قال المصوّر الذي تحدّثت إليه هيومن رايتس ووتش إنّ خمس كريات معدنية انغرست في جسده. أضاف أنّه في فترة من بعد الظهر، تمكّن المتظاهرون من كسر وفتح بوّابة مؤدية إلى المجمّع البرلماني. أطلقت القوى الأمنية الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين، وبينما كان يغادر المكان، سمع المصوّر انفجارين مدوّيَين قال إنّهما قد يكونان ناجمَين عن متفجرات. انغرست الكريات المعدنية في جسمه مباشرة بعد سماعه الانفجارين. وثّقت هيومن رايتس ووتش حادثة مشابهة في 8 أغسطس/آب.  

مصور أصيب بالكريات المعدنية. © 2020 خاص

قالت مصوّرة صحفية أخرى لـ هيومن رايتس ووتش إنّها رأت متظاهرا مُصابا بالخردق الساعة 6:15 مساء، بعد إصابته بقليل. تحقّقت هيومن رايتس ووتش من صورها. أضافت أنّ المتظاهر أُصيب بالقرب من أحد مداخل المجمّع البرلماني في شارع ويغان المغلق ببوّابات حديدية، ورأت من هناك بنادق "بوبمب أكشن" توجّه نيرانها مباشرة على المتظاهرين من بين الألواح الحديدية.

متظاهر أصيب بالكريات المعدنية. © 2020 خاص

تقول  تعليمات "الأمم المتحدة" المتعلّقة بالأسلحة الأقلّ فتكا في إنفاذ القانون أنّ "المقذوفات المتعدّدة التي يتمّ إطلاقها في الوقت نفسه غير دقيقة، وبشكل عام، لا يمكن أن يتوافق استعمالها مع مبادئ الضرورة والتناسب. ينبغي ألا تستخدم أبدا الكريات المعدنية، مثل تلك التي يتمّ إطلاقها من البنادق".

كانت هيومن رايتس ووتش قد وثّقت استعمال الخُردُق للمرّة الأولى في لبنان خلال ظاهرة 8 أغسطس/آب. وجدت هيومن رايتس ووتش أنّ الكريات المعدنية التي يتمّ إطلاقها من بنادق كانت السبب الرئيسي في إصابات عديدة بالغة في 8 أغسطس/آب، منها إصابات في عيون المتظاهرين وأعضائهم الحيوية. لكونها بطبيعتها غير دقيقة وعشوائية، والأدلّة التي تشير إلى الإصابات الخطيرة التي تسبّبت بها، يجب التوقّف فورا عن استعمال البنادق التي تطلق كريات عديدة، سواء كانت معدنية أو مطاطية، على المتظاهرين مهما كانت المسافة.

توحي مشاهد فيديو أنّ القوى الأمنية أطلقت كميات كبيرة من الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين، بمَن فيهم المتظاهرين المتجمعين في ساحة الشهداء، باستعمال قاذفات متعددة الفوهات من مركبة مدرّعة، من بين وسائل أخرى.

 قالت المصوّرة الصحفية والمصوّر لـ هيومن رايتس ووتش إنّ عناصر الأمن كانوا يلقون الغاز المسيل للدموع من زاوية منخفضة. أُصيب المصوّر بقنبلة غاز مسيل للدموع في قدمه اليمنى بينما كان يهرب حوالي الساعة 7:20 مساء. قال: "ساعدني أحدهم لأمشي بعيدا لأنّني لم أكُن قادرا على المشي بعد إصابتي".

قالت المصوّرة الصحفية إنّها، وبينما كانت تصوّر المتظاهرين يدخلون المجمّع البرلماني قرب مدخل باب إدريس، أطلقت القوى الأمنية كميات كبيرة من الغاز المسيل للدموع مباشرة على المتظاهرين، ومرّت إحدى القنابل بين ساقَيها.

فيما يتعلّق باستعمال مقذوفات الغاز المسيل للدموع، تنص المعايير الدولية على أنّه يجب أن يُستعمل فقط لتفريق التجمعات غير القانونية عند الضرورة وبشكل متناسب، ويجب إطلاقها من زاوية عالية. تعارض هيومن رايتس ووتش استخدامها لتفريق التجمّعات السلمية. ينبغي ألّا تُطلق المقذوفات بشكل عام مباشرة على الأفراد، وألّا تستهدف الوجه أو الرأس. إطلاق المقذوفات على الأرض لترتطم وتغيّر مسارها يحمل خطرا غير مقبول قد يسبب الإصابة العشوائية.

ضرب عناصر شرطة في بزّات مكافحة الشغب المتظاهرين. في إحدى الحوادث، تشير أدلة من الفيديوهات والشهود إلى أنّ العديد من عناصر الشرطة ضربوا وركلوا متظاهرا كان قد وقع أرضا. تحدّثت هيومن رايتس ووتش إلى المتظاهر الذي يدعى مروان، والذي قال إنّه تدخّل في البداية لمساعدة فتاة كانت تضربها عناصر الشرطة.

قال مروان: "تمكّنَتْ هي من الفرار، لكنّني وقعتُ أرضا. كان 30 شخصا يضربونني، ويركلونني، ويستعملون العصي... لم أكُن أعرف من أين كانت تأتي الضربات". كان مروان يضع خوذة وقناعا للحماية من الغاز المسيل للدموع، وحمى رأسه بذلك. لكنّه تعرّض لكِسر شعري في رجله وكدمات على كامل جسمه.

أعلن "الصليب الأحمر اللبناني" أنّه عالج 20 مُصابا في الساحة، ونقل حالة إلى المستشفى.

استخدام مُفرِط للعنف من قبل الدولة في بيروت

استخدمت قوات الأمن اللبنانية مستويات مُفرِطة من العنف ضد عشرات الآلاف من المتظاهرين الذين تجمعوا في وسط بيروت في 8 أغسطس/آب 2020، للتعبير عن غضبهم وإحباطهم من فساد وعدم كفاءة الحكومة والنخب السياسية وهو أمر يُعتبر على نطاق واسع أنه أدى إلى انفجار 4 أغسطس/آب في مرفأ بيروت الذي تسبب بدمار المدينة. دعت "هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية" وبعض منظمات المجتمع المدني اللبنانية إلى إجراء تحقيق مستقل من قِبل خبراء دوليين لتحديد أسباب الانفجار وتصويب المسؤوليات والتوصية بإجراءات لضمان عدم حدوثه مرة أخرى.

رصدت هيومن رايتس ووتش إطلاق قوات الأمن كميات مفرطة من الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين، لا سيما عند مداخل البرلمان. بينما ألقى عدد قليل من المتظاهرين الحجارة والركام على قوات الأمن، وصلت الآثار الضارة للغاز المسيل للدموع إلى المتظاهرين السلميين في الجزء الشمالي الغربي من ساحة الشهداء. كانت سحب الغاز المسيل للدموع كثيفة لدرجة أن باحثي هيومن رايتس ووتش لم يتمكنوا من التأكد مَن هي القوى الأمنية المسؤولة عن إطلاق الغاز المسيل للدموع.

لاحظت هيومن رايتس ووتش أيضا إطلاق قوى الأمن عبوة من الغاز المسيل للدموع مباشرة على رأس أحد المتظاهرين، في انتهاك واضح منها للمعايير الدولية، مما تسبب بإصابته بجروح خطيرة. كان المتظاهر يقف في موقف العازارية بجوار محطة للمسعفين. قال مسعفون لـ هيومن رايتس ووتش إنهم عالجوا عدة إصابات حادة وقوية في الرأس ناجمة عن عبوات الغاز المسيل للدموع.

لاحظ باحثو هيومن رايتس ووتش إطلاق قوات الأمن الرصاص المطاطي والأعيرة النارية (الخرطوش) المستخدمة في صيد الطيور بشكل عشوائي على المتظاهرين وكلك توجيه القوى الأمنية المتمركزة خلف مسجد الأمين ومبنى "فيرجن ميغاستور" أسلحتهم مباشرة إلى المتظاهرين بعد ظهر يوم 8 أغسطس/آب. راجعت هيومن رايتس ووتش وتحقّقت من لقطات تُظهر إصابة متظاهر برصاصة مطاطية في رقبته وآخرا في صدره. قال متظاهران لـ هيومن رايتس ووتش إنهما أصيبا بكريات الخرطوش. شاهد متظاهر آخر إصابة صديقه برصاص يشبه كريات صغيرة في صدره، وأظهر للباحثين فيديو مصور يوثّق تلك الإصابات. غرّد طبيب في مستشفى "أوتيل ديو" في بيروت أن فريقه عالج مريضا اخترقت رصاصة مطاطية في قلبه.

أظهر مقطع فيديو يُتداول على مواقع التواصل الاجتماعي رجلا مجهول الهوية بلباس مدني يطلق النار من مسدس على المتظاهرين. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش حتى الآن من التحقق من هوية الرجل. كان محاطا بأفراد من الجيش وأحد أفراد قوات الأمن بلباس مدني الذين لم يفعلوا شيئا لمنعه. زعم بعض المتظاهرين أن قوات الأمن كانت تطلق الذخيرة الحية على المتظاهرين في ساحة الشهداء، لكن هيومن رايتس ووتش لم تتمكن بعد من التحقق من هذه المزاعم.

عناصر الجيش استخدموا أيضا القوة المفرطة عندما ضربوا المتظاهرين بالعصي وبأيديهم وهاجموا مراقبين، بينهم صحفي وكذلك باحثة من هيومن رايتس ووتش في محيط منطقة الرينغ حيث حاولوا منعهم من تصوير هجومهم على المتظاهرين.

طوال المساء، اقتحم متظاهرون مباني وزارة الخارجية، ووزارة الاقتصاد، ووزارة البيئة، ووزارة الطاقة وجمعية المصارف. كانت هذه المباني قد تضررت بمعظمها بشدة جراء الانفجار.

بعض المتظاهرين أعادوا إلقاء قنابل الغاز المسيل للدموع على قوات الأمن، ورشقوهم بالحجارة وأنقاض أخرى وقنابل المولوتوف. مع ذلك، كان معظم المتظاهرين سلميين.

بحسب "لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين"، اعتقلت قوات الأمن عشرين محتجا.

تُظهر الأرقام التي جُمِعت من "الصليب الأحمر اللبناني" و"جهاز الطوارئ والإغاثة في الجمعية الطبية الإسلامية" إصابة 728 شخصا، نُقِل 153 منهم إلى المستشفيات لتلقي العلاج. أعلنت "قوى الأمن الداخلي" أن أحد أفرادها توفي أثناء محاولته إنقاذ أشخاص محاصرين في فندق "لو غراي"، وأن 70 من أفرادها أصيبوا. أعلن الجيش عن إصابة 105 من جنوده، بينهم اثنان في حالة حرجة.

هيومن رايتس ووتش تجمع مقاطع فيديو وتُجري المزيد من التحليلات لتحديد الوحدات الأمنية المسؤولة عن السلوكيات المحظورة وانتهاكات القوانين والأعراف الدولية لحقوق الإنسان.

موجة من الملاحقات بسبب حرية التعبير

موجة الملاحقات القضائية التي بدأت منذ اندلاع الاحتجاجات التي عمت البلاد في17 أكتوبر/تشرين الأول، ضد النشطاء والصحفيين المنتقدين لسياسات الحكومة والفساد، تُهدّد حرية التعبير والرأي في لبنان.

التحقيق مع 29 شخصا على الأقل بتهم القدح والذم منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول

اقرؤوا بيان هيومن رايتس ووتش الكامل
استدعت الأجهزة الأمنية 29 شخصا على الأقل للتحقيق معهم بسبب تهم متعلقة بحرية التعبير، بما في ذلك القدح والذم، بين 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019 و6 مارس/آذار 2020. القدح والذم جريمة في لبنان قد تصل عقوبتها إلى ثلاث سنوات سجن. نقلت وسائل إعلام أيضا أن 20 شخصا على الأقل، بينهم 18 طفلا، احتُجزوا لوقت قصير واستجوِبوا في حادثتين مختلفتين بسبب تمزيق لافتات  لسياسيين وللرئيس.

قال جابر لـ هيومن رايتس ووتش: "الدولة تستخدم هذه الأساليب القمعية لتخويفنا وإجبارنا على وقف نشاطاتنا الاحتجاجية. لكن ما بعد 17 أكتوبر/تشرين الأول ليس كما قبله... لن ندعهم يسرقون حلمنا".

بدلا من تلبية مطالب المحتجين بالمحاسبة، تُوجّه السلطات اللبنانية تهما إلى النشطاء والصحفيين الذين يكشفون الفساد ويُعبّرون سلميا عن آرائهم على مواقع التواصل الاجتماعي. هذه الممارسات تؤكد الحاجة إلى إصلاح قوانين القدح والذم الجنائية التعسفية في لبنان فورا.
مايكل بَيْج

نائب مدير قسم الشرق الأوسط، هيومن رايتس ووتش

قالت هيومن رايتس ووتش إن القوانين التي تسمح بالسجن على خلفية الانتقاد السلمي لأفراد أو مسؤولين حكوميين تتعارض مع التزامات لبنان الدولية بحماية حرية التعبير.

في نوفمبر/تشرين الثاني نشرت هيومن رايتس ووتش تقريرا فصّلت فيه تحقيقها الذي استمر سنة كاملة في الهجمات على حرية التعبير في لبنان. خلُص التحقيق إلى أن المسؤولين الرسميين والقوى الأمنية استخدمت قوانين القدح والذم في عشرات القضايا بين 2015 و2019 للانتقام من منتقدين المسؤولين الرسميين أو سياسات الدولة وإسكاتهم، ما أدى إلى آثار مخيفة على حرية التعبير.

نقص حاد باللوازم الطبية مع انتشار فيروس "كورونا"

حذّر وزير الصحة حمد حسن اليوم أن لبنان لم يعد يعمل على احتواء فيروس "كورونا" مع بدء انتشاره بل على التخفيف من آثاره. تم تأكيد ست حالات جديدة اليوم، ما يرفع عدد المصابين الإجمالي بالفيروس في لبنان إلى 22.

توقعت ممثلة "منظمة الصحة العالمية" في لبنان إيمان الشنقيطي أن انتشار الفيروس سيزيد، ما يضع المزيد من التحديات أمام القطاع الطبي في لبنان الذي يعاني أصلا.

قالت المتحدثة باسم مستوردي المعدات الطبية في لبنان سلمى عاصي لـ "رويترز": "إذا كنا نتحدث عن الكمامات والقفازات، فليس لدينا أي منها. لقد نفدت منا المخزونات بالكامل وتلك المشكلة بسبب عدم قدرتنا على الاستيراد لخمسة أشهر". وأضافت أن المستوردين تمكنوا من جلب ما قيمته عشرة ملايين دولار فقط من السلع من بين شحنات قيمتها 120 مليون دولار سعوا إلى جلبها منذ أكتوبر/تشرين الأول، وتقريبا كل التعاملات جُمدت منذ فبراير/شباط.

قال مستوردو الأجهزة الطبية الذين يزودون المستشفيات الحكومية والخاصة لـ "هيومن رايتس ووتش" في ديسمبر/كانون الأول إنهم لم يتمكنوا من استيراد معدات طبية منذ سبتمبر/أيلول بسبب شح الدولار، وغياب الضوابط الحكومية التي من شأنها منع المصارف من وضع قيود اعتباطية على تحويل الأموال إلى الخارج.

قال نقيب المستشفيات الخاصة سليمان هارون لـ هيومن رايتس ووتش إن وزارة المالية لم تدفع مستحقات تُقدّر بـ 1.3 مليار دولار، مقوّضة بذلك قدرة المستشفيات على تقديم العناية الصحية الملحة. وقال إن الحكومة لم تدفع للمستشفيات الخاصة "ليرة واحدة" من مستحقاتها لعام 2019.

رغم أن الأطباء دقوا ناقوس الخطر في عدة مناسبات، لم تتخذ الحكومة اللبنانية أي إجراءات لمواجهة التحديات التي وضعتها الأزمة الاقتصادية أمام الوصول إلى العناية الصحية، والطبابة، والأجهزة الطبية.

أغلقت السلطات اللبنانية المدارس وأماكن الترفيه لكبح انتشار فيروس كورونا، كما ألغت فعاليات رياضية، وأوقفت الرحلات الجوية من دول تفشى فيها الفيروس بمعدلات مرتفعة. غير أن المواطنين اللبنانيين لا يثقون كثيرا بقدرة الحكومة على معالجة انتشار الفيروس. في 2 مارس/آذار، اعترف رئيس الحكومة أن "الدولة لم تعد قادرة على حماية اللبنانيين".

البنك الدولي يحذّر: لبنان يواجه خطر "الانهيار"

حذّر "البنك الدولي" في 16 فبراير/شباط من أن لبنان يواجه خطر "الانهيار" إن لم يتوصل إلى نموذج حوكمة أقل فسادا وأكثر شفافية. شدّد فريد بلحاج، كبير مسؤولي البنك الدولي لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على أهمية أن يطبّق السياسيون لبعض الإصلاحات الملحّة، بما فيه تحسين إمدادات الكهرباء وإصلاح قطاع التعليم.

وجّهت كريستالينا جورجيفا، المديرة العامة لـ"صندوق النقد الدولي" (الصندوق)، رسالة مشابهة عندما قالت إن الصندوق سينظر في تقديم دعم مالي إلى لبنان فقط "إذا ما اقتنعنا بأن ثمة جدّية في مقاربة الحكومة". في 13 فبراير/شباط، طلبت حكومة الرئيس حسان دياب مساعدة تقنية من الصندوق لوضع "خطة إنقاذ" اقتصادية. أعلن الصندوق أن فريق خبراء سيبدأ مشاورات مع الحكومة اللبنانية في 20 فبراير/شباط.

في سياسة جديدة أعلنها في أبريل/نيسان 2018، أكّد صندوق النقد الدولي أن محاربة الفساد ستكون ركيزة أساسية في برامجه. قال الصندوق إنه سيحلّل الحوكمة المالية للبلدان لتكوين فكرة عن مدى تفشي الفساد، وآثاره الاقتصادية. إذا خلُص إلى أن للفساد آثار اقتصادية كبيرة، سيقدم الصندوق المشورة السياسية، وفي بعض الحالات الدعم المالي لتعزيز الحوكمة.

بينما لا تزال طبيعة المساعدة التي سيقدمها للبنان غير واضحة، على صندوق النقد الدولي الحرص على ألا يكون لتوصياته أثرا سلبيا على الحصول على الحقوق الأساسية.

عنف قبل جلسة الثقة

طوّقت القوى الأمنية اللبنانية بما فيها شرطة مكافحة الشغب، وشرطة مجلس النواب، وفوج المغاوير والمجوقل في الجيش، مجلس النواب في وسط بيروت واشتبكت مع المتظاهرين قبل انعقاد جلسة التصويت على الثقة بالحكومة الجديدة.

تجمّع آلاف المحتجين عند مداخل المجلس صباح الثلاثاء 11 فبراير/شباط، محاولين منع النواب من حضور الجلسة. يرفض المحتجون الحكومة الجديدة قائلين إنها تضم أعضاء لديهم علاقات واضحة مع الأحزاب السياسية وإنها غير قادرة على معالجة الأزمة الاقتصادية.

رصدت "هيومن رايتس ووتش" القوى الأمنية وهي تطلق قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين عند مداخل المجلس، وفي بعض الأحيان أطلقتها مباشرة باتجاههم في انتهاك للمعايير الدولية. اخترقت إحدى قنابل الغاز يافطة كرتون كانت تحملها امرأة وأحرقت العلم حول رقبتها. وقالت صحفية إن قنبلة غاز أصابتها في رِجلها.

استخدمت القوى الأمنية خراطيم المياه في محيط مبنى صحيفة "النهار". قال متظاهران من طرابلس لـ هيومن رايتس ووتش إن القوى الأمنية أطلقت الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين في محيط مبنى النهار ووجهت خراطيم المياه عليهم الساعة 8 صباحا بدون أي استفزاز. أفادت وسيلة إعلامية محلية أن القوى الأمنية أطلقت الرصاص المطاطي وأصابت مصوِّرا في فمه بالقرب من مبنى النهار.

رصدت هيومن رايتس ووتش عناصر من الجيش يضربون المحتجين عند مبنى "الإسكوا"، وشرطة مكافحة الشغب وهي تضرب المحتجين عند المدخل من جهة زقاق البلاط. قال متظاهر مصاب لـ هيومن رايتس ووتش إن عنصرا من مكافحة الشغب رماه بحجر وأصابه برأسه بالقرب من مدخل رياض الصلح. ورمى بعض أنصار "حركة أمل" و"حزب الله" الحجارة على المحتجين بين جسر الرينغ وزقاق البلاط. 

بينما كان رئيس الوزراء حسان دياب يخطب بمجلس نواب نصف فارغ حول أهمية حق التظاهر، كانت القوى الأمنية ترمي قنابل الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين وتضربهم خارج المجلس. كي يكون لهذا الحق أي قيمة، على السلطات اللبنانية ضمان قدرة المحتجين على التعبير الحر عن آرائهم، بما فيها تلك التي تُعتبر أنها تنتقد الحكومة.
آية مجذوب

باحثة لبنان والبحرين في هيومن رايتس ووتش

كان المحتجون بمعظمهم سلميين صباحا، لكن هيومن رايتس ووتش رأت محتجين يرمون الحجارة على القوى الأمنية وإعادة رمي قنابل الغاز باتجاهها. رمى محتجون آخرون قوارير المياه والحجارة والبيض على مواكب النواب. نُقل نائب إلى المستشفى بعد هجوم المحتجين على موكبه.

بعد افتتاح الجلسة عند الظهيرة، حاول محتجون اختراق ساحة النجمة نحو مجلس النواب. رموا الحجارة والمفرقعات على القوى الأمنية وأزالوا إثنين من الحواجز الإسمنتية والحديدية التي وضعتها القوى الأمنية حول المجلس النيابي. صعّدت القوى الأمنية في ردها وأطلقت عددا هائلا من قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، وضربت المتظاهرين.

الساعة 3:30 بعد الظهر، أعلن "الصليب الأحمر اللبناني" إسعاف 260 مصابا على الأرض ونقل 40 جريحا إلى المستشفيات القريبة.

المحاكم العسكرية في لبنان لا شأن لها في محاكمة المدنيين

مَثَل مدنيان على الأقل أمام المحكمة العسكرية في لبنان خلال الأيام الأخيرة، ما أثار مخاوف حول محاولة السلطات القضاء على المعارضة في البلاد. يواجه حسن ياسين و نور شاهين اتهامات متعلقة بمشاركتهما في الاحتجاجات التي تجتاح لبنان حاليا.

على البرلمان إقرار قانون لاستثناء المدنيين من صلاحية القضاء العسكري.

اقرأ المقال الكامل هنا

أوقفت قوى الأمن الداخلي الناشط حسن ياسين خلال مظاهرة في بيروت في 22 يناير/كانون الثاني، ووجّه إليه المدعي العسكري تهمة "معاملة قوى الأمن بالشدة". مثل ياسين أمام المحكمة العسكرية في 3 فبراير/شباط. قالت "لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين" إن الطبيب الشرعي الذي عاينه خلال الاحتجاز وجد آثار انتهاكات على جسده، والذي تقول لجنة المحامين إنه ناتج عن تعرضه للضرب على يد قوى الأمن الداخلي خلال اعتقاله وقبل التحقيق معه في ثكنة الحلو.

تم الادعاء على رجل آخر من طرابلس، نور شاهين، بمحاولة قتل عناصر من الجيش و"مقاومة قوى الأمن" أمام مجلس النواب في بيروت. كان شاهين قد سلم نفسه إلى مخابرات الجيش في طرابلس في 25 ديسمبر/كانون الأول 2019، ومنذئذ احتُجز في وزارة الدفاع ثم مقر الشرطة العسكرية في الريحانية. بحسب لجنة المحامين، لم يُسمح لشاهين بالتواصل مع عائلته أو مقابلة محامٍ قبل التحقيق معه. مثل أمام المحكمة العسكرية للمرة الأولى في 31 يناير/كانون الثاني، وأمام قاضية التحقيق العسكري في 4 فبراير/شباط. خلال الجلسة الأولى، أفاد شاهين عن تعرضه للتعذيب خلال التحقيق معه في وزارة الدفاع.

كشف تحقيق أجرته "هيومن رايتس ووتش" في 2017 عن العديد أن الانتهاكات للمحاكمات العادلة والقانون الدولي جزء متأصّل من محاكمة المدنيين أمام المحكمة العسكرية في لبنان.

المحاكم العسكرية ليس من شأنها محاكمة المدنيين. على البرلمان اللبناني إنهاء هذه الممارسات المقلقة عبر إقرار قانون يستثني المدنيين تماما من اختصاص القضاء العسكري.

بودكاست: القوى الأمنية تستخدم القوة غير المشروعة

تحدثت آية مجذوب، باحثة لبنان والبحرين، مع مقدمي "بودكاست السياسة اللبنانية" نزار حسن وبنجامين ريد حول الاستخدام غير المشروع للقوة من قبل القوى الأمنية ضد المتظاهرين منذ بدء الاحتجاجات في 17 أكتوبر/تشرين الأول. استمعوا إلى الحلقة هنا (بالإنغليزية).

الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان تطلق خارطة طريق

اجتمعت "الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان اللبنانية" (الهيئة) مع منظمات من المجتمع المدني، ومن ضمنها "هيومن رايتس ووتش"، لمناقشة خارطة الطريق للعام القادم والتزامها بنشر التقارير والمناصرة قبل "الاستعراض الدولي الشامل للبنان" في "مجلس حقوق الإنسان الأممي" في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

أُنشِئَت الهيئة المؤلفة من عشرة أعضاء في 19 أكتوبر/تشرين الأول 2016 وهدفها مراقبة الوضع الحقوقي في لبنان عبر مراجعة القوانين والمراسيم والقرارات الإدارية، وعبر التحقيق في شكاوى انتهاكات حقوق الإنسان وإصدار تقارير دورية بنتائجها.

تتضمن الهيئة لجنة الوقاية من التعذيب (اللجنة) المؤلَفة من خمسة أعضاء، والتي من مهامها الإشراف على تطبيق قانون مناهضة التعذيب المُقَرّ في سبتمبر/أيلول 2017. لديها صلاحية إجراء زيارات منتظمة وغير مُعلَنة إلى جميع مراكز الاحتجاز، والتحقيق في استخدام التعذيب، وإصدار توصيات لتحسين معاملة المحتجزين. سيتكمن الأعضاء من مقابلة المحتجزين على انفراد بدون وجود الحراس. السلطات اللبنانية مُلزَمة قانونا بالتعاون مع هذه اللجنة وتسهيل عملها. كان على لبنان إنشاء اللجنة بموجب "البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب" الذي صادق عليه في 22 ديسمبر/كانون الأول 2008.

أدوار الهيئة واللجنة تكتسي أهمية بالغة في هذه الفترة التي يشهد خلالها لبنان احتجاجات ضخمة. وثّقت هيومن رايتس ووتش استخدام القوى الأمنية المُفرِط للقوة ضد المحتجين، وادعى العشرات تعرّضهم للتعذيب على يد القوى الأمنية، بما في ذلك الضرب المُبرح والتهديد بالعنف الجنسي.

غير أن موازنة 2020 التي أقرها البرلمان في 27 يناير/كانون الثاني لا تتضمن أي تمويل للهيئة أو للجنة، والذي تحتاجان للاضطلاع بمهامها. أعلن أعضاء الهيئة أنهم يعملون حاليا بصفة تطوعية وإن ليس لديهم مقرا يمكنهم العمل فيه وتلقي شكاوى المواطنين. إذا كان لبنان جديا في مناهضة التعذيب، عليه أن يضمن سريعا حصول المؤسسات التي أنشأها لإنهاء التعذيب على الموارد التي تحتاج لإحداث تغيير.

 

 

القوى الأمنية تشتبك مع المتظاهرين قبيل جلسة البرلمان

اشتبكت القوى الأمنية، ومن ضمنها شرطة مكافحة الشغب، وشرطة مجلس النواب، ومغاوير الجيش اللبناني، مع المتظاهرين الذين حاولوا إغلاق مداخل المجلس النيابي في وسط بيروت لمنع انعقاد جلسة مجلس النواب المخصصة لمناقشة موازنة 2020. يظهر في مقاطع فيديو تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي إطلاق القوى الأمنية قنابل الغاز المسيل للدموع، والرصاص المطاطي على المتظاهرين وإقدامها على ضربهم عند عدة مداخل، بما فيها بالقرب من ساحة رياض الصلح، وفندق "لو غراي"، وبالقرب من "فرنسبنك" وشارع باب إدريس.

قالت الصحفية سونيفا روز التي تغطي الأحداث لـ "هيومن رايتس ووتش" إنها شاهدت بعض المتظاهرين يرمون الحجارة وقناني المياه على القوى الأمنية بالقرب من فندق لو غراي. قالت إن شرطة مكافحة الشغب تقدمت باتجاه المتظاهرين وأقدمت على ضرب بعضهم وإطلاق الغاز المسيل للدموع لتفريقهم. قالت روز إنها رأت شابا وجهه مغطى بالدماء، بعد أن ضربته القوى الأمنية على ما يبدو.

قال شاهد كان بالقرب من مدخل البرلمان من جهة ساحة رياض الصلح لـ هيومن رايتس ووتش إنه رأى القوى الأمنية تطلق الرصاص المطاطي دون تحذير من خلف الحواجز التي أُنشِئت بعد أن حاول بعض المتظاهرين انتزاع الحاجز الحديدي السابق. شاهد إحدى الرصاصات تُصيب امرأة كانت واقفة في مكان قريب في رِجلِها ما أدى إلى وقوعها على الأرض وهي تصرخ من الألم.

أعلن "الصليب الأحمر اللبناني" أنه، وحتى الساعة 1 بعد الظهر، نقل ثمانية أشخاص إلى المستشفيات القريبة وأنه عالج 19 إصابة ميدانيا. قالت "لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين" إن 11 متظاهرا تم توقيفهم خلال اشتباكات اليوم خارج البرلمان، وإن بعض المتظاهرين زعموا أن شرطة مكافحة الشغب ضربتهم خلال توقيفهم. أعلنت اللجنة أنه تم الإفراج عن أربعة محتجزين بعد وقت قصير من توقيفهم وذهبوا إلى المستشفى للعلاج.

قال الصحفي والباحث اللبناني كريم شهيّب لـ هيومن رايتس ووتش إن المتظاهرين حاولوا منع انعقاد جلسة مجلس النواب لأن موازنة 2020، التي أعدّتها ووافقت عليها حكومة سعد الحريري في أكتوبر/تشرين الأول، تحتاج برأيهم لمراجعة في ظل التغيرات الجذرية التي طرأت على الوضع الاقتصادي. قاطعت عدّة أحزاب سياسية الجلسة ووصفتها بغير الدستورية وقالت إن على الحكومة نيل ثقة البرلمان أولا.

أقرّ النواب موازنة 2020 بعد تصويت سري وإثر ثلاثة أشهر من التظاهرات الضخمة المطالبة بالمحاسبة وبمزيد من الشفافية في صنع القرار.