(نيويورك) ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن استخدام قوات الأمن المصرية للقوة المميتة على نطاق واسع ومباغت لتفريق اعتصامات يوم 14 أغسطس/آب 2013 قد أدى إلى أخطر حوادث القتل الجماعي غير المشروع في التاريخ المصري الحديث.
يشير تحقيق هيومن رايتس ووتش المستمر إلى أن قرار استخدام الذخيرة الحية على نطاق واسع منذ بداية فض الاعتصام يعكس فشلاً في مراعاة المعايير الشرطية الدولية الأساسية المتعلقة باستخدام القوة المميتة، ولا يمكن تبريره بالاضطرابات الناجمة عن المظاهرات، ولا حيازة عدد محدود من المعتصمين للسلاح. كما أن إخفاق السلطات في توفير مخرج آمن من الاعتصام، بما في ذلك للمصابين بجراح جراء الطلقات الحية والمحتاجين إلى رعاية طبية عاجلة؛ يمثل مخالفة جسيمة للمعايير الدولية بحسب هيومن رايتس ووتش.
استناداً إلى توثيق مباشر ومقابلات أجرتها هيومن رايتس ووتش مع عاملين في القطاع الصحي، وقوائم بأسماء الموتى حصل عليها المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، يبدو أن حصيلة القتلى أثناء فض اعتصام رابعة لا تقل عن 377 شخصاً، وهو رقم أعلى بكثير من الحصيلة الأخيرة لقتلى رابعة البالغة 288 والتي أعلنت عنها وزارة الصحة المصرية.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على حكام مصر العسكريين، مع تصاعد حصيلة القتلى يوماً بعد يوم، المسارعة إلى إلغاء التعليمات الأخيرة الموجهة إلى الشرطة باستخدام الذخيرة الحية لحماية منشآت الدولة، وقصر استخدامها على حالات كونها ذات ضرورة قصوى من أجل حماية الأرواح.
قال جو ستورك، القائم بأعمال المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "يمثل هذا الاستخدام المفرط وغير المبرر للقوة أسوأ استجابة ممكنة للموقف بالغ التوتر في مصر اليوم. وعلى حكام مصر العسكريين كبح جماح قوات الشرطة لمنع البلاد من الوقوع في دوامة المزيد من العنف. لا يجب على الجيش تشجيع الشرطة على استخدام المزيد من القوة المميتة".
بحسب وزارة الداخلية، تشمل حصيلة قتلى يوم 14 أغسطس/آب البالغة 638 في أنحاء البلاد 43 شخصاً من أفراد الشرطة. وقد أشعل الفض شرارة اشتباكات بالأسلحة النارية في حي المهندسين بالقاهرة، واعتداء على قسم شرطة كرداسة في القاهرة الكبرى، مخلفاً أربعة قتلى من رجال الشرطة. تحدثت هيومن رايتس ووتش مع شهود ورجال دين مسيحي وسكان أكدوا أنه على مدار ساعات 14 أغسطس/آب، وعقب الفض مباشرة، شرع إسلاميون في تسع مدن على الأقل في الاعتداء على ما لا يقل عن 32 كنيسة وإحراقها.
على مدار الأيام الثلاثة التالية أدت اشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين المؤيدين للإخوان وكذلك المعارضين للإخوان إلى ما لا يقل عن 173 حالة وفاة إضافية بحلول 18 أغسطس/آب، وفق بيانات وزارة الصحة.
تجري هيومن رايتس ووتش تحقيقاً في فض الحكومة لاعتصامي الإخوان المسلمين في رابعة العدوية بمدينة نصر والنهضة بالجيزة في القاهرة الكبرى. وقد أجرى باحثو هيومن رايتس ووتش مقابلات مع 41 من المتظاهرين والأطباء والسكان في المنطقتين، وزاروا مركز رابعة العدوية الطبي أثناء الاعتصام، وقاموا لاحقاً بزيارة مستشفيات ومشارح مدينة نصر والجيزة.
وقعت أبلغ وقائع العنف تأثيراً أثناء فض اعتصام رابعة. إذ تشير نتائج هيومن رايتس ووتش الأولية إلى استخدام قوات الأمن للقوة المفرطة في فض الاعتصامين وقيامها بقتل عدد من المعتصمين العزل دون وجه حق. أخفقت قوات الأمن في التخطيط للعملية بما يقلل الخطر الواقع على الأرواح، بما في ذلك عن طريق تأمين مخارج آمنة وإصدار أوامر علنية بالامتناع عن القتل إلا على نحو مستهدف وللضرورة القصوى.
قال أربعة من السكان لـ هيومن رايتس ووتش إنه في نحو السادسة والنصف صباحاً، استخدمت أجهزة الأمن مكبرات الصوت لدعوة المعتصمين إلى مغادرة الاعتصام من مخرج طريق النصر. وبعد نحو 10 إلى 15 دقيقة، في حوالي الساعة 6:45 صباحاً، زحفت شرطة مكافحة الشغب على اعتصام رابعة من عدة جهات مطلقة الغاز المسيل للدموع والخرطوش، والذخيرة الحية بعدهما بقليل. لم يتسن التأكد مما إذا كان أول استخدام للذخيرة الحية قد جاء من جانب قوات الأمن أم المعتصمين، لكن هيومن رايتس ووتش لم تجد أدلة توحي بأن إطلاق النار من جانب المعتصمين كان يبرر لجوء الشرطة السريع إلى القوة المميتة الجماعية بحق معتصمين معظمهم من العزل.
قال صحفيان كانا متواجدين من البداية، ومعتصمون آخرون، لـ هيومن رايتس ووتش إنهم عجزوا عن بلوغ أي مخرج بعد أن بدأت قوات الأمن في إطلاق الغاز المسيل للدموع بسبب النيران الكثيفة القادمة من اتجاه قوات الأمن. اختبأ عشرات النساء والأطفال في المسجد.
تشير شهادات شهود، ومقاطع فيديو للاعتصامين، علاوة على ملاحظات طاقم هيومن رايتس ووتش، إلى أن الأغلبية العظمى من المتظاهرين كانوا عزلا، لكن بعضهم كان يحمل الهراوات كما أطلق القليل منهم النيران على قوات الأمن. ويشير شهود أجرت معهم هيومن رايتس ووتش مقابلات، ومقاطع فيديو منشورة على يوتيوب، إلى أن الشرطة قتلت دون وجه حق معتصمين لم يتورطوا في أي شكل من أشكال العنف.
يظهر في مقطع فيديو منشور على الإنترنت، وتعتقد هيومن رايتس ووتش في صحته، رجل يصاب بالرصاص فيما يحمل جثة مخضبة بالدماء فارقتها الحياة. قال المعتصم أحمد جمال لـ هيومن رايتس ووتش إنه في لحظة من اللحظات رأى ثلاثة رجال يحملون رجلاً مصاباً ومخضباً بالدماء نحو منصة تم نصبها في الاعتصام، حين سمع صوت طلقات نارية ورأى الثلاثة يسقطون على الأرض. وقال إنه ساعد بعد ذلك في حمل اثنتين من الجثث.
كما يظهر في مقطع آخر بوضوح رجال عزل يجثمون قرب بقايا المنصة الرئيسية في رابعة اختباءً من الطلقات النارية المستمرة. يبين المقطع اثنين منهم وهما يصابان بالنيران ويقتلان على ما يبدو، ويصاب ثالث في ساقه. تبدو بعض جرائم القتل وكأنها متعمدة، إذ تستهدف أشخاصاً لم يكونوا يمثلون تهديداً للحياة في توقيت إصابتهم. قالت إحدى السكان لـ هيومن رايتس ووتش إنها شاهدت أحد أفراد الشرطة ينفذ ما يدخل في عداد الإعدامات الموجزة في رجل يمشي أمام الضابط. كانت يدا الرجل فوق رأسه.
أعلن الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور حظر التجول في عصر 14 أغسطس/آب وحالة طوارئ مدتها شهر. ورغم أن حظر التجول قد يكون مشروعاً في بعض الحالات، مع إجراءات متناسبة لخفض العنف الخطير في الشوارع، إلا أن إعلان حالة الطوارئ يرسل الرسالة الخطأ تماماً، بحسب تقدير هيومن رايتس ووتش. فمن المرجح أن تقرأها قوات الأمن على أنها رخصة للمزيد من استخدام القوة الطائش وغير المشروع، وخاصة بالنظر إلى التاريخ الطويل من الانتهاكات المرتكبة تحت غطاء حالة الطوارئ في مصر.
قال جو ستورك: "بالنظر إلى سجل شرطة الأمن المركزي من حيث اعتياد إساءة استخدام القوة المميتة، فمن الضروري أن يصدر حكام مصر العسكريون أمراً علنياً لقوات الأمن بعدم استخدام القوة المميتة إلا للضرورة القصوى. ويعني هذا ألا تطلق الشرطة النار إلا في مواجهة أفراد مسلحين يهددون الأرواح، وبالقدر اللازم فقط للتعامل مع تهديد مباشر وقائم".
أشعلت الهجمات على الاعتصامين شرارة عنف طائفي خطير. وكان الاحتقان الطائفي في تصاعد منذ خلع مرسي، حيث جعل قادة الإخوان المسلمين من المسيحيين المصريين كبش فداء واعتبروهم مسؤولين عن عزل مرسي. تأكدت هيومن رايتس ووتش، من خلال مقابلات مع شهود، من أن حشوداً غوغائية تهتف بشعارات إسلامية اعتدت على 32 كنيسة على الأقل. وخلف هذا العنف قتيلاً مسيحياً واحداً وما لا يقل عن 20 كنيسة محترقة.
لم تفعل قوات الأمن شيئاً يذكر لحماية الكنائس، رغم ارتفاع احتمالات مثل هذه الاعتداءات. وثقت هيومن رايتس ووتش تصاعد العنف الطائفي منذ خلع مرسي في 3 يوليو/تموز، ووقوع ما لا يقل عن ستة اعتداءات كبرى على مسيحيين في محافظات تشمل أرجاء مصر، منها الأقصر ومرسى مطروح والمنيا وشمال سيناء وبور سعيد وقنا.
قال جو ستورك: "يتحمل مسؤولو الأمن المصريون المسؤولية ليس فقط عما فعلوه في فض الاعتصامات، بل أيضاً عن إخفاقهم في حماية الكنائس والتجمعات السكانية المسيحية من الهجمات الانتقامية المتوقعة. ومن الضروري إجراء تحقيق محايد ومستقل ويتمتع بالمصداقية لتكوين صورة متكاملة عن أحداث القاهرة وغيرها يوم 14 أغسطس/آب، والشروع في عملية المحاسبة".
فض اعتصام رابعة العدوية
منذ نهاية يونيو/حزيران ومؤيدو الإخوان المسلمين يعتصمون قرب مسجد رابعة العدوية في حي مدينة نصر شرقي القاهرة. باستخدام الصور الجوية تمكنت هيومن رايتس ووتش يوم 2 أغسطس/آب من تقدير وجود ما لا يقل عن 85 ألف معتصم.
وقد ظل مسؤولو الأمن طوال أسابيع يعدون بأن فض الاعتصام سيتم بالتدريج، بدءأً بضرب نطاق حوله، وإطلاق تحذيرات، وتوفير مخرج آمن، للنساء والأطفال بوجه خاص. أصدرت وزارة الداخلية يومي 1 و4 أغسطس/آب تصريحات تدعو المعتصمين إلى مغادرة الميادين، إلا أنها لم تحدد إطاراً زمنياً للفض.
وفي نحو الساعة 6:15 من صباح 14 أغسطس/آب، قبل 15 دقيقة تقريباً من بدء الهجوم، استخدم مسؤولو الأمن مكبرات الصوت لدعوة السكان إلى الابتعاد عن النوافذ. قال الصحفي المصري المستقل ماجد عاطف لـ هيومن رايتس ووتش إنه سمع مكبرات الصوت تقول إن على المعتصمين الخروج من مخرج طريق النصر. وقالت إحدى السكان لـ هيومن رايتس ووتش إنها منذ حوالي الثامنة صباحاً فصاعداً كانت تسمع إعلانات بمكبرات الصوت تقدم تعليمات الخروج الآمن من شارع الطيران. لكن صحفيين وسكان قالوا لـ هيومن رايتس ووتش إنه بمجرد بدء عملية الفض صار التحرك مستحيلاً بسبب النيران الكثيفة والغاز المسيل للدموع الصادرة عن قوات الأمن. فعلى سبيل المثال، قالت والدة صبي في الخامسة عشرة لـ هيومن رايتس ووتش إن ابنها اتصل بها من الاعتصام عند بدء الفض قائلاً إنه يريد الانصراف لكنه لا يستطيع بسبب إطلاق النيران في أماكن أعلن الجيش أنها مخارج آمنة. وانتهى الحال بالصبي إلى الإصابة بجرح في الرأس، من طلقات الخرطوش على ما يبدو، وبحسب الأطباء.
في الساعة 6:45 من صباح 14 أغسطس/آب، زحف الأمن المركزي على الاعتصام من المدخل المجاور لمجمع طيبة التجاري [طيبة مول] بطريق النصر، ومن المداخل الشرقية، مطلقاً عبوات الغاز المسيل للدموع والنيران في الهواء. ويبدو أن عناصر قوات الأمن المتمركزة على سطح مبنى المخابرات العسكرية القريب قد بدأت في إطلاق الذخيرة الحية من البداية تقريباً، رغم أنه لم يتضح من الذي أطلق الرصاصة الحية الأولى. قال صحفي إنه شهد إطلاق النيران لأول مرة الساعة 6:45 صباحاً عند المدخل الشرقي للاعتصام بشارع يوسف عباس. وقال طبيب بمستشفى الاعتصام لـ هيومن رايتس ووتش إنه استقبل أول مريض مصاب بالذخيرة الحية الساعة السابعة صباحاً.
استمر إطلاق النيران على مدار الساعات العشر التالية حتى الخامسة مساءً، بحسب العديد من الشهود. وكانت النيران تأتي من عناصر قوات الأمن المتمركزة على الأسطح، وكذلك من حاملات الأفراد المدرعة التابعة للشرطة، مع بعض النيران من جانب المعتصمين. وشمل القتلى سيدات، بينهن أسماء البلتاجي البالغة من العمر 17 سنة، ابنة محمد البلتاجي، القيادي البارز في جماعة الإخوان المسلمين. أكدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير، المنظمة المصرية المعنية بحرية التعبير، سقوط أربعة صحفيين قتلى بالرصاص، هم: مايك دين من سكاي نيوز، وحبيبة عبد العزيز من غلف نيوز، ومصعب الشامي من وكالة رصد، وأحمد عبد الجواد من الأخبار.
عنف المعتصمين
في مؤتمر صحفي يوم 14 أغسطس/آب، قال وزير الداخلية إن قواته مارست "ضبط النفس لأقصى درجة" وإن 43 من أفراد الشرطة قد توفوا، وكانت وفاة الكثيرين منهم في رابعة العدوية. قال أحد السكان وكان قد خرج عند سماع صوت الطلقات لـ هيومن رايتس ووتش إنه رأى نحو الساعة 7:30 صباحاً ثلاثة قتلى من أفراد الشرطة يجري حملهم خارج طيبة مول بالقرب من أحد مداخل الاعتصام.
تؤكد شهادات الشهود ومراجعة مقاطع الفيديو أن بعض النيران أطلقت من جانب المعتصمين، وبخاصة من حول مسجد رابعة العدوية. فعلى سبيل المثال قالت إحدى السكان إنها رأت ما لا يقل عن 3 أشخاص معهم بنادق آلية ومسدسات الساعة 8:30 و9 صباحاً يطلقون النيران في اتجاه الشرطة بشارع يوسف عباس. وتشير أقوال شهود أجرت معهم هيومن رايتس ووتش مقابلات، وبينهم صحفيون دوليون، وملاحظات شخصية لأحد باحثي هيومن رايتس ووتش وكان في المنطقة أثناء عملية الفض، إلى أن الأغلبية العظمى من المعتصمين لم تكن معهم أسلحة نارية، ناهيك عن استعراضها على الملأ أو استخدامها. قال شهود إن المعتصمين أشعلوا نيراناً باستخدام إطارات السيارات والخشب لتخفيف تأثير الغاز المسيل للدموع، وقذفوا الشرطة بقطع مكسورة من الرصيف.
تسمح المعايير القانونية الدولية باستخدام القوة في ظروف محدودة، ولا يُسمح بالاستخدام العمدي للقوة المميتة إلا للضرورة القصوى بهدف حماية الأرواح، مما يشمل استخدامها ضد الأشخاص الذين يستخدمون أسلحة نارية تستهدف الشرطة. ومع ذلك، ورغم أنه يمكن تبرير لجوء أجهزة الأمن إلى استخدام قدر من القوة لمنع المعتصمين من إلقاء الحجارة أو زجاجات المولوتوف، إلا أن مقدار عنف المعتصمين لا يبرر استخدام القوة المميتة، ناهيك عن استخدامها على النطاق المشهود يوم 14 أغسطس/آب. وكان يقع على عاتق المخططين لعملية الفض واجب اتخاذ كافة الإجراءات الممكنة لضمان ألا تهدد العملية الأرواح إلا بأدنى قدر ممكن، وهو ما أخفق فيه المخططون على نحو شامل.
ارتفاع حصيلة القتلى
تم نقل المعتصمين المصابين والمقتولين إلى اثنين من "المستشفيات الميدانية" الرئيسية في الاعتصام: ثلاث غرف ملحقة بالمسجد حيث كان المعتصمون قد خزنوا اللوازم الطبية الأساسية، ومركز رابعة العدوية الطبي، وهو مبنى من 4 طوابق مزود بالمعدات الطبية الأساسية.
في صباح 15 أغسطس/آب، أحصى طاقم هيومن رايتس ووتش بمسجد الإيمان بشارع مكرم عبيد 235 جثة تم نقلها من المستشفى الميداني بمركز رابعة العدوية الطبي في الاعتصام. قال شهود لـ هيومن رايتس ووتش إن سبعة جثث أخرى وصلت إلى المسجد لاحقاً. وبما أن الجثث لم تنقل إلى منشأة حكومية فمن غير المرجح أن تكون قد دخلت في حصيلة وزارة الصحة، التي كانت في ذلك الوقت تبلغ 102 لرابعة وحدها. علاوة على هذا فإن أحد كبار المسؤولين بمستشفى الدمرداش القريب قال إن 20 شخصاً من رابعة توفوا في المستشفى جراء إصاباتهم. في توقيت لاحق من يوم 14 أغسطس/آب أعلن مجلس الوزراء أن وزارة الصحة ستتوقف عن إصدار بيانات بحصيلة القتلى وأن مجلس الوزراء وحده سيكون مختصاً بنشر الأعداد بعد ذلك.
في 14 أغسطس/آب اضطر المعتصمون لترك الجثث في رابعة حين أجلتهم الشرطة عن المستشفيات الميدانية في الخامسة مساءً. قال رجلان لـ هيومن رايتس ووتش في 15 أغسطس/آب إن الشرطة سمحت لهما بالعودة لتسلم الجثث من الثامنة مساءً فصاعداً، وإنهما ساعدا في نقلها إلى مسجد الإيمان.
قالت إحدى السكان لـ هيومن رايتس ووتش إنها شاهدت من شقتها، الساعة 8:25 من مساء 14 أغسطس/آب، مرور تيار من الرجال الذين يحملون الجثث، وإن أقارب لها ذهبوا للمساعدة في حمل الجثث. قال أحد سكان شارع مكرم عبيد لـ هيومن رايتس ووتش إنه شاهد الساعة 9:30 مساءً سيارة تحمل على سطحها جثتين تسير في الشارع متجهة إلى مسجد الإيمان.
زارت هيومن رايتس ووتش مركز رابعة الطبي الساعة 3:30 من مساء 14 أغسطس/آب، وشاهدت 64 جثة هناك. قال د. محمد عبد العزيز العامل في المركز لـ هيومن رايتس ووتش إنهم جميعاً عدا واحد قد قتلوا بالذخيرة الحية، بطلقات في الرأس والصدر، وإن أحد الرجال احترق حتى الموت في خيمته. قال حارس إحدى العمارات لـ هيومن رايتس ووتش إنه ساعد في حمل رجلين كانا في خيمتهما حين شبت فيها النيران، وإن أحدهما لقي حتفه في مدخل بناية كانوا يعالجون فيها الناس.
يبين مقطعفيديو لتسعة من الذين تم حملهم إلى المستشفى الميدانى أن اثنين يبدوان وكأنهما مصابين بطلقات نارية في الصدر، وخمسة في مؤخر الرأس، واثنين في الوجه.
القتل غير المشروع
قال ساكن تطل شقته على أحد المداخل الجانبية لـ هيومن رايتس ووتش إنه نحو الساعة السادسة مساءً كان هناك اثنان فقط من رجال الشرطة بشارع المهندسين العسكريين، مع مجموعة قوامها نحو ستة من السجناء:
سمعت شرطياً يصيح، "يللا امشوا من هنا لهناك" وكان بوسعك سماع الرجفة في صوته. كان هناك طابور من [حوالي 6] رجال، يسيرون وأيديهم فوق رؤوسهم. وفجأة أطلق الشرطي النار ورأيت رجلاً على الأرض. لقد قتل ذلك الرجل دون سبب.
قال المعتصم المصاب محمد علي لـ هيومن رايتس ووتش يوم 14 أغسطس/آب، بينما كان يرقد مصاباً وساقه اليمنى مدماة ومضمدة بمركز رابعة الطبي، إنه كان يقف بجوار خيمته، قرب مدخل طريق النصر، حين زحفت الشرطة وأصيب بالرصاص في ساقه اليمنى فوق الركبة.
قال المعتصم مصطفى السيد من الدقهلية إنه اختبأ خلف سيارة مع بدء زحف الشرطة نحو الساعة 6:45 صباحاً قرب مركز رابعة العدوية الطبي. وقال إن الرصاص كان يأتي من كافة الاتجاهات وإن رجلاً بجواره أصيب في جنبه. وقال إنه شاهد شرطياً يصاب بالرصاص.
قال الصحفي محمد حمدي إنه كان يصور بشارع يوسف عباس الساعة 7 صباحاً حين أصيب رجل كان يقف بجواره بالرصاص في الصدر وسقط على الأرض. وقال معتصم آخر، هو عبد المنعم البالغ من العمر 26 سنة، إنه كان بشارع أنور المفتي قبل السابعة صباحاً بقليل حين بدأت الشرطة تطلق الغاز المسيل للدموع:
سمعنا صوت الطلقات النارية فوراً مع الغاز المسيل للدموع. حاولت الاختباء لأن النيران كانت بكل مكان. وبينما كنت هناك رأيت 3 أشخاص يصابون ويسقطون أرضاً، أحدهم مصاباً في عينه والآخر في جنبه.
كما تسببت نيران القناصة المتواترة في الشوارع الجانبية، والآتية من مواقع تمركز قوات الأمن، في قتل وإصابة المارة. قال مصطفى شريف الأستاذ بجامعة عين شمس إنه كان يختبئ من نيران القناصة بشارع سيبويه المصري قرب مدرسة رابعة العدوية نحو الساعة 8:30 صباحاً، وشاهد خمسة أشخاص يصابون ويقعون على الأرض.
غياب المخرج الآمن للجرحى
حين زارت هيومن رايتس ووتش مركز رابعة العدوية الطبي الساعة 3:30 مساء يوم 14 أغسطس/آب، كانت حالات جديدة لمصابين بالذخيرة الحية تتوافد على المركز باستمرار، معظمهم من الرجال ولكن بينهم سيدة واحدة. كان الأطباء يجرون جراحات لرجال في الممرات، والمركز يفيض بالمصابين الراقدين على الأرض. وكانت الطلقات النارية مستمرة بالخارج. أمر أحد المتطوعين طاقم هيومن رايتس ووتش بالابتعاد عن الممر المجاور لبئر السلم، لأن قوات الأمن تطلق الرصاص داخل المبنى؛ وأكد أحد الصحفيين داخل المبنى رؤيته لهذا.
لمدة 10 ساعات على الأقل كان السبيل الوحيد لأي شخص من الخارج لدخول المركز الطبي داخل منطقة الاعتصام الرئيسية هو الجري عبر أحد الشوارع تحت نيران القناصة الموجهة باستمرار تقريباً نحو منطقة الاعتصام. خلال تلك الفترة قام مسلحون من الاعتصام على ما يبدو بإطلاق بعض الطلقات رداً على قوات الأمن. كان بوسع المسعفين الوصول إلى شارع أنور المفتي فقط، ولكن ليس عبور الـ20 متراً المتبقية تحت نيران القناصة لبلوغ المصابين في حالة حرجة في المركز. قال أحد الأطباء داخل المركز لـ هيومن رايتس ووتش إن المركز لا يتمتع بالتجهيزات الملائمة للعمليات الجراحية ولكن "ليس بيدنا الكثير، فعربات الإسعاف لا يمكنها الوصول إلينا".
في بعض الأوقات كان أربعة رجال يخاطرون بمواجهة النيران ويعبرون الطريق حاملين أحد الجرحى على محفة إلى عربات الإسعاف المنتظرة بالخارج. تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى شخصين أمام المركز الطبي وقالا إنهما شاهدا مسعفاً يقتله الرصاص في نحو الثانية مساءً. شهد أحد باحثي هيومن رايتس ووتش إطلاق النار على رجل لم يكن يحمل أية أسلحة ظاهرة أو يستخدم العنف أو يهدد به، بينما كان يغادر المركز عابراً الطريق. أتت النيران من اتجاه قوات الأمن، نحو الاعتصام. سقط الرجل على الأرض والدم يتسرب من رأسه، لكنه تمكن من الزحف إلى موضع آمن.
كانت النيران الحية عند مدخل المركز الطبي تعني عدم وجود سبيل آمن للجرحى للحصول على المساعدة الطبية. وتكفل إطلاق النار المستمر من قوات الأمن على الأسطح في اتجاه المسجد والمباني المجاورة للمركز الطبي بمنع الفرق الطبية من إنقاذ الأرواح على مدار تلك الساعات العشر، بحسب هيومن رايتس ووتش.