(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن القضاة في العراق عادة ما لا يُحققون في مزاعم ذات مصداقية بتعذيب قوات الأمن لمشتبه فيهم في قضايا الإرهاب. وكثيرا ما يتجاهل القضاة أيضا مزاعم التعذيب، ويدينون متهمين استنادا إلى اعترافات يزعم المتهمون أنهما انتزعت منهم بالإكراه.
ازداد القلق حول استخدام قوات الأمن العراقية للتعذيب بشكل كبير منذ أن نفذت الحكومة اعتقالات واسعة لآلاف المشتبه في انتمائهم إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" ( المعروف أيضا بـ "داعش"). رغم أن العراق طرف في اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، إلا أنه ليس لديه قوانين أو مبادئ توجيهية توجه العمل القضائي عندما يزعم المتهمون أنهم تعرضوا للتعذيب أو سوء المعاملة.
قالت لما فقيه، نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "التعذيب متفشٍ في النظام القضائي العراقي، ومع ذلك ليس لدى القضاء تعليمات بالتعامل مع ادعاءات التعذيب. لن يحصل المدعى عليهم، ومنهم المشتبه بانتمائهم إلى داعش، على محاكمة عادلة طالما أن قوات الأمن يمكنها تعذيب الناس دون رادع لانتزاع اعترافاتهم".
راجعت هيومن رايتس ووتش ملفات 30 قضية أمام محاكم بغداد بين عامي 2008 و 2009، زعم فيها المتهمون تعرضهم للتعذيب، وفي يونيو/حزيران ويوليو/تموز 2018 حضرت 18 محاكمة جنائية في بغداد لمشتبه في كونهم أعضاء في داعش. عُرضت كل القضايا إلا واحدة على المحاكمة بموجب قانون مكافحة الإرهاب في العراق، والذي يمكن أن تصل عقوبته الى الإعدام. في 22 قضية، رفض القضاة الرد بأي شكل من الأشكال على ادعاءات التعذيب. وفي عدة قضايا أمر القاضي بإجراء فحص طبي شرعي ووجد آثار تعذيب، لكنه لم يأمر بالضرورة بإعادة المحاكمة أو التحقيق، أو مقاضاة الضباط والعناصر المسيئين.
لطالما اعتمدت السلطات العراقية على الاعترافات المُنتزعة تحت التعذيب للحصول على الإدانات. عام 2014، أفادت "بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق" (يونامي) أن "القضاة، بانتظام، لا يتخذون أي إجراء عندما يثُير المتهمون ادعاءات أمام المحكمة بأنهم تعرضوا للتعذيب من أجل إجبارهم على الاعتراف بالجرائم التي يُحاكمون لأجلها".
يحظر الدستور العراقي "جميع أنواع التعذيب النفسي، والجسدي، والمعاملة غير الإنسانية". كما ينص على أنه "لاعبرة بأي اعتراف انتزع بالإكراه، أو التهديد، أو التعذيب، وللمتضرر المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الذي اصابه، وفقا للقانون". بحسب قانون أصول المحاكمات الجزائية، لا يجوز الحصول على الاعتراف من المتهم من خلال "إساءة المعاملة والتهديد بالإيذاء والإغراء والوعد والوعيد والتأثير النفسي واستعمال المخدرات والمسكرات والعقاقير".
ومع ذلك، يمنح قانون أصول المحاكمات الجزائية القضاة سلطة تقديرية كاملة لتحديد ما إذا كان اعتراف المدعى عليه مقبولا، حتى لو أنكره المتهم. كما يعطي هذا القانون المسؤول حصانة فعالة من المقاضاة، باشتراط موافقة من "الوزير التابع له" لإحالته على المحاكمة.
تحدثت هيومن رايتس ووتش مع 3 قضاة كبار و5 محامي دفاع خاصين في بغداد. قال المحامون إنه في غياب قوانين أو مبادئ توجيهية بشأن مزاعم التعذيب، وموجب الحظر الدستوري للتعذيب، على القاضي أن يأمر بإجراء فحص طبي شرعي لتحديد ما إذا كان المتهم قد تعرض للتعذيب. إذا كان الأمر كذلك، على القاضي نقل المتهم من الحبس الاحتياطي لدى الضابط المخالف، وإلغاء الاعتراف، والأمر بإعادة المحاكمة، على النحو المطلوب بموجب "قانون العفو" العراقي لعام 2016.
قال المحامون إن القضاة نادرا ما يأمرون بإجراء فحص طبي شرعي للتحقيق في التعذيب. وإذا أمر القضاة بتقرير الطب الشرعي، فنادرا ما يأمرون بإعادة المحاكمة.
أضاف المحامون أيضا أنهم نادرا ما ينجحون في الاستناد إلى قانون العفو في قضايا الإرهاب للحصول على إعادة المحاكمة عندما يزعم المشتبه بهم تعرضهم للتعذيب. وفي قضية استثنائية، قال محام إنه استطاع الحصول إطلاق سراح معتقل باستخدام قانون العفو لأن عائلة الضحية شهدت نيابة عن المدعى عليه بأن قوات الأمن ألقت القبض على الرجل الخطأ.
قال المحامون إن القضاة لم ينقلوا المشتبه بهم من عهدة العناصر المتهمين. أي مشتبه به يشهد في المحكمة بأن المحققين عذبوه قد يتعرض للتعذيب مجددا عند عودته إلى السجن لمواجهة نفس الحراس.
تنص المادة 123 من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أن المشتبه به المحتجز له الحق في الاستعانة بمحام خلال 24 ساعة من توقيفه. لكن قال محامون إن قوات الأمن لا تُحضر المتهمين أمام قاضي التحقيق خلال 24 ساعة من الاعتقال، كما يقتضي القانون، ما يزيد من احتمال التعذيب. وقدروا أن المشتبه بهم في قضايا الإرهاب في بغداد عادة ما يمثلون أمام قاض بين 10 و20 يوما بعد الاعتقال، إلا أن بعض المعتقلين ينتظرون شهورا أو سنوات للمثول أمام محكمة. قال المحامون الذين تمت مقابلتهم أيضا إنهم لم يُسمح لهم أبدا بحضور استجواب أي موكل في قضية تتعلق بالإرهاب، ما يزيد من إمكانية تعرض المحتجزين للتعذيب.
إحدى نتائج التأخيرات الكبيرة في المثول أمام المحكمة هو أن تقرير الطبيب الشرعي، الذي يأمر به القاضي، قد لا يكون قادرا على توثيق التعذيب. في قضية من العام 2014، أشار تقرير الطب الشرعي إلى 9 ندوب على جسد المعتقل، لكنه خلص إلى أن "الفترة الزمنية المنقضية على إحداث [الندوب] تجاوزت الستة شهور ولا يمكن تحديدها".
قالت هيومن رايتس ووتش إن القلق بشأن تجاهل القضاة مزاعم التعذيب يتجاوز محاكم بغداد. في محافظة نينوى، التي تضم مدينة الموصل، قال قاض لـ هيومن رايتس ووتش في يوليو/تموز 2017 إن "العديد" من المشتبه في انتمائهم إلى داعش زعموا أمام المحكمة تعرضهم للتعذيب، وإنه أمر بإجراء فحص طبي في كل حالة – لكنه لم يُقدم أي تفاصيل بشأن النتائج واعترف بأنه لم يُحقق أبدا أو يعاقب المحققين. في يوليو/تموز 2018، قال 6 محامين في محكمة مكافحة الإرهاب في نينوى لـ هيومن رايتس ووتش إنه بينما تنتشر مزاعم التعذيب من قبل المتهمين، فإنه لا علم لهم بأي قضية تم فيها التحقيق مع المحققين.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على السلطات القضائية التحقيق في جميع المزاعم ذات المصداقية بشأن التعذيب ومع قوات الأمن المسؤولة. على القاضي أن يأمر بنقل المعتقلين إلى مراكز مختلفة فورا بعد أن يزعموا تعرضهم للتعذيب أو سوء المعاملة، لحمايتهم من الانتقام.
على "مجلس القضاء الأعلى" العراقي أن يصدر توجيهات بشأن الخطوات التي يجب أن يلتزم القضاة باتخاذها عندما يدعي متهم أنه تعرض للتعذيب أثناء الاحتجاز. على البرلمان اعتماد "قانون مناهضة التعذيب"، والذي يشترط على القاضي أن يأمر بإجراء فحص طبي على أي معتقل يدعي تعرضه للتعذيب خلال 24 ساعة من العلم بالمزاعم. ينص مشروع القانون، كما هو عليه حاليا، على عقوبات جنائية في حق الجلاد ورئيسه، ويقول إن على القضاة رفض كل الأدلة التي تم الحصول عليها عن طريق التعذيب، ويبعد الجلاد عن القضية، ويلزم المسؤولين بالسماح للمعتقلين بحضور محاميهم طوال فترة التحقيق.
قال فقيه: "عندما يُدين القضاة المتهمين بناء على اعترافات بالإكراه ويتجاهلون مزاعم التعذيب، فهم يقولون لقوات الأمن إن التعذيب أداة تصلح للتحقيق. على الحكومة العراقية أن تفعل أكثر بكثير مما تقوم به الآن لضمان أن تكون التحقيقات الجنائية موثوقة وحيادية، ولمحاسبة الضباط والعناصر الذين يعذبون المعتقلين".
الحصول على محام أثناء الاستجوابات وجلسات التحقيق
قال محامون في قضايا الإرهاب إنهم لم يُسمح لهم بحضور استجواب موكلهم من قبل رجال الأمن، على عكس موكلين متهمين بجرائم أخرى. وهذا يحد من قدرتهم على المرافعة نيابة عن موكليهم، بما يشمل تقديم ادعاءات التعذيب. وقالوا إن الوصول إلى المشتبه في صلتهم بالإرهاب مستحيل تقريبا إلا أثناء جلسات المحكمة، رغم أنها تتفاوت حسب قوات الأمن والموقع. وأشاروا إلى عدد قليل من الحالات التي استطاع فيها محامون أو عائلات ثرية على رشوة ضباط للسماح بالاتصال مع المعتقلين.
قال المحامون إنهم في قضايا الإرهاب لا يسعون مطلقا إلى تمثيل موكليهم في جلسة التحقيق الأولية، بدافع القلق من أن قوات الأمن والقضاة في محكمة التحقيق قد يصفونهم بـ "محامو داعش"، ما قد يعرضهم للاعتقال. بدلا من ذلك، ينتظرون من المحكمة تعيين محام، ويتدخلون فقط بعد إحالة القضية على محكمة الجنايات، حيث خطر المضايقة والتهديد أقل من ذلك بكثير. في المحاكمات الجزائية الـ 18، لاحظت هيومن رايتس ووتش في بغداد ونينوى أن محامين خاصين لم يمثلوا أيا من المتهمين بالإرهاب، وأن المحامين المعينين من قبل الدولة لم يقدموا دفاعهم بحماس أو يطالبوا بالتحقيق في مزاعم التعذيب.
يواجه المحتجزون الذين يعتمدون على محامين معينين من قبل الدولة صعوبات في الحصول على تمثيل قانوني مناسب. قال عضو في نقابة المحامين العراقيين في بغداد إن الدولة تدفع للمحامين المعينين من قبل الدولة 25 ألف دينار عراقي أو 20 دولار أمريكي عن كل قضية، بغض النظر عن مقدار الوقت الذي يستغرقهم ذلك. وقال إنه نتيجة لذلك ليس لدى المحامين أي حافز لمقابلة موكليهم قبل جلسة التحقيق معهم، أو دراسة ملف القضية، أو الاستمرار في تمثيلهم في جلسات الاستماع اللاحقة. وقال المحامون إن هذا النقص في التمثيل يجعل المتهمين أكثر عرضة للانتهاكات.
مخالفات في إجراءات التحقيق
تنص المادة 128 من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه، في غضون 24 ساعة بعد الاعتقال، على أحد المحققين الحصول على اعتراف أولي من المدعى عليه، يُوقع عليه المدعى عليه، ويمده المحقق للقاضي ضمن ملف القضية. ثم على القاضي استجواب المدعى عليه للحصول على اعتراف ثان يؤكد المعلومات المتواجدة في ملف القضية والتهم. على المدعى عليه والقاضي التوقيع على الاعتراف.
قال المحامون إن هذا الإجراء لا يُتبع. في بعض الحالات، يأخذ المحقق الاعتراف الأولي مباشرة إلى القاضي، أو يزور القاضي السجن ويوقع على الاعتراف الأولي. وفي حالات أخرى، يُحض الضباط المدعى عليه إلى المحكمة، وقبل دخول قاعة المحكمة، يجبرون الشخص على توقيع ورقة بيضاء. ثم تجري جلسة الاستماع أمام القاضي، وبعد ذلك يأخذ الحراس المدعى عليه إلى خارج القاعة، ويوقع القاضي الاعتراف الذي دونه كاتب المحكمة أو القاضي، الذي قد لا يعكس ما تم الكشف عنه خلال الجلسة. قال أحد المحامين إنه مثل مُوكلا عمره 30 عاما اعتقل في منزله في بغداد في أغسطس/آب 2015 من قبل اللواء 54 التابع للجيش. أخبر المتهم لاحقا محاميه بأن الجنود احتجزوه في سجن مطار المثنى، وأوهموه بالغرق حتى اعترف بارتكاب 3 هجمات إرهابية مزعومة عام 2007. وبعد اعترافه ونقل قضيته من المحكمة الجنائية المركزية في الكرخ، بغداد، إلى المحكمة الجنائية المركزية في الرصافة، بعد 6 أشهر، طلب المحامي فحص طبي شرعي.
كان يعلم أن التقرير سيكون متأخرا جدا ليكون دقيقا، لكنه أخبر القاضي عن الإيهام بالغرق. قال المحامي إن القاضي تجاهل المعلومات. اتصل المحامي بشرطة بغداد بشأن الحوادث التي اعترف بها موكله، وقال إن الشرطة أجابت بأن حادثا واحدا منها فقط وقع. وقال المحامي إنه استطاع أن يثبت للقاضي أن هجمتين لم تحدثا قط، وأن الهجمة التي وقعت في مارس/آذار 2007، وقعت أثناء وجود موكله في السجن. وضمن الإفراج عن موكله.
في حكم صدر عام 2009، أشار القاضي إلى تقرير الطب الشرعي الذي وجد ندوبا تتسق مع التعذيب، لكنه أيد الإدانة بالاعتماد على ما اعتبره ملف القضية دليلا آخر. توصلت المحكمة إلى ما يلي:
دونت أقوال المتهمين فاعترفوا [بما] أسند إليهم أمام القائم بالتحقيق وقاضي التحقيق وتراجعوا عن اعترافهم أمام هذه المحكمة مدعين بتعرضهم إلى التعذيب واطلعت المحكمة على التقرير الطبي للمتهمين [...] بخصوص تعرضهم إلى التعذيب كما اطلعت على الكشف والمخطط على محل الحادث بعد التدقيق تبين أن الأدلة المتحصلة ضد المتهمين تكفي لإدانتهم وفق مادة الاتهام كونها تمثلت بأقوال المشتكي والتي تعززت بأقوال الشهود.
وقال المحامي إنه نجح في أن يُحكم على المتهمين بالسجن 15 سنة بدلا من المؤبد بسبب استخدام التعذيب.
قال محامون إن الرشوة شائعة في النظام القضائي، واعترفوا برشوة ضباط الأمن والقضاة لضمان إطلاق سراح موكليهم أو معاملتهم معاملة أفضل. في مرحلة التحقيق، تتحكم النيابة العامة في جميع وثائق القضية، بما فيها تقرير للفحص الطبي الشرعي. وقال المحامون إن عليهم طلب الحصول على الوثائق من قاضي التحقيق. في بعض الأحيان يرفض القاضي، وحتى إذا سمح القاضي بالوصول إلى الوثائق، فإنه عادة ما يكون لفترة محدودة فقط. قال المحامون إنهم عموما يستطيعون فقط الحصول على نسخ من الوثائق الرئيسية اللازمة لتكوين دفاع، بما في ذلك تقرير الطب الشرعي، عن طريق "الواسطة أو دفع رشوة"، على حد تعبير أحدهم. وهذا يجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لهم لاستخدام فحوص الطب الشرعي في دفاعهم عن موكلهم.
رفض الاعتراف بادعاءات التعذيب
في 16 من أصل 18 محاكمة رصدتها هيومن رايتس ووتش لمتهمين بالانتماء إلى داعش في بغداد العام الماضي، زعم المتهمون أنهم تعرضوا للتعذيب، بما في ذلك لغرض انتزاع اعترافات بالقوة. لم يتخذ القضاة أي إجراء على أساس تلك الشكاوى، رغم أنهم في بعض الحالات طلبوا من المتهمين في قاعة المحكمة الكشف عن علامات التعذيب. قال أحد المحامين إنه رصد 4 محاكمات على الأقل في العام الماضي قال فيها القاضي إن مزاعم التعذيب لم تكن ذات مصداقية، لأن الإكراه كان سيجعل المتهم يعترف بدور أهم في تنظيم داعش.
رصدت هيومن رايتس ووتش محاكمة بمحكمة الجنايات المركزية ببغداد في يونيو/حزيران لمتهم عمره 35 عاما احتجز في 2017 بتهمة ارتكاب هجوم بعبوة محلية الصنع في بغداد، أخبر القاضي بأن اعترافه كاذب وأن المحقق الذي استجوبه كسر كلتا يديه. تجاهل القاضي طلب المتهم بفحص يديه، لكنه أمر في وقت لاحق بالإفراج عنه عندما قدم محاميه تقريرا للشرطة يثبت أن الهجوم المزعوم لم يحدث قط.
في يوليو/تموز 2018، أخبر أحد المتهمين القاضي في محكمة الجنايات المركزية ببغداد بأنه تعرض للتعذيب لانتزاع الاعتراف منه، لكن القاضي تجاهل شكواه، بحسب مراقبين مستقلين في المحكمة. قال المتهم إن الشرطي الذي عذبه أجبره على التوقيع على اعتراف وهو معصوب العينين ومقيد اليدين. رفض القاضي طلبه السماح له بأن يبرهن له بأن توقيعه الحقيقي مختلف تماما. قال أحد المراقبين: "لم يُبد القاضي أي استجابة للإلتماس، فقط أدانه وحكم عليه بالإعدام".
قال أحد المحامين إن موكله، وعمره 30 عاما، احتُجز على يد اللواء 54 بالجيش ببغداد في ديسمبر/كانون الأول 2015. يعتقد الرجل، وهو موظف في البلدية، أنه استُهدف لاعتراضه على ثقافة الفساد ورفضه قبول الرشاوى. وأخبر محاميه أنه عندما أُلقي القبض عليه، وضع الجنود كيسا بلاستيكيا على رأسه واقتادوه إلى سجن مطار المثنى، وضربوه وعلقوه بحبل لمدة 10 ساعات. قال محاميه إنه عرض أمام قاضي التحقيق بعد 10 أيام:
أبلغني صديق لي يعمل في المحكمة ببدء المحاكمة، لكني خفت من تمثيل المتهم وتعريض نفسي للخطر، فحضرت المحاكمة كمراقب. قال موكلي الذي عُين له محام من الدولة للقاضي إن اعترافه انتزع منه تحت وطأة التعذيب. لكن القاضي تجاهل ذلك تماما، بل الأسوأ من ذلك أنه بعد مراجعة الملف، أمر بـ "التعمق بالتحقيق".
قال المحامي إنه فهم أمر "التعمق بالتحقيق" على أنه ضوء أخضر للمحققين باستخدام التعذيب. قال العديد من المحامين إن هذه عبارة شائعة يستخدمها القضاة في المحكمة إذا لم يكن هناك دليل ملموس يدين المتهم، وإذا كانوا يريدون من المحققين ممارسة المزيد من الضغط. قال أحد المحامين إن أحد القضاة أمر بـ "التعمق بالتحقيق" بكتابة العبارة على ملف إحدى قضاياه.
أبلغ هذا المتهم البالغ من العمر 30 عاما الذي صدر بحقه أمر "التعمق بالتحقيق" محاميَه في وقت لاحق بأن المحققين عذبوه بشدة خلال الأشهر الثلاثة التالية. قاموا بإدخال قضيب معدني في شرجه وصعقوه بالكهرباء وضربوه للحصول على اعترافات بجرائم متعددة. أُحضر المتهم إلى المحكمة مرتين أخريين خلال تلك الفترة، المرة الأولى بتهمة المشاركة في عمليتين إرهابيتين، حيث أخبر القاضي من جديد بأنه تعرض للتعذيب لكن تم تجاهله، ثم بتهمة ارتكاب 5 أعمال إرهابية. قال المحامي إنه اعترف في تلك الجلسة بالأعمال الإرهابية الخمسة، ثم نُقل إلى سجن آخر.
عند هذه المرحلة، مثله المحامي رسميا وطلب من القاضي أن يأمر بتقرير طبي. وقد أكد التقرير تعرض عظامه لكسور وتعرضه لسوء المعاملة، لكن لم يُسمح له بالاطلاع على التقرير إلا لفترة وجيزة في المحكمة، ولم يُسمح له بالحصول على نسخة منه. اتصل المحامي بشرطة بغداد وتأكد من أن الهجمات الإرهابية الخمس المزعومة التي اعترف بها المتهم لم تحدث قط. في يونيو/حزيران 2017، أمر قاض بعد مراجعة تقرير الشرطة بإطلاق سراح الرجل، قائلا بغياب أدلة كافية لإدانته. وقال المحامي إن القاضي لم يتخذ أي إجراءات للتحقيق في مزاعم التعذيب.
تحقيقات حول رجال الأمن
لم يحقق القضاة في بغداد بشكل كاف مع أفراد قوات الأمن المتورطين في التعذيب. ففي الحالات الـ 30 التي استعرضتها هيومن رايتس ووتش والتي زعم فيها المتهمون أنهم تعرضوا للتعذيب، أمر القضاة بإعادة المحاكمة في 3 فقط لتوصلهم إلى انطوائها على تعذيب بالفعل، لكنهم لم يتخذوا أية إجراءات لتحديد هوية مرتكبي الانتهاكات.
في إحدى القضايا في محكمة الجنايات المركزية ببغداد في فبراير/شباط، أخبر المتهم القاضي بأن المحقق عذبه لانتزاع الاعتراف، حسبما ذكر مراقبون مستقلون من المحكمة. ذكر المتهم اسم المحقق، فردّ القاضي بأنه يعرفه لأن "هناك الكثير من الشكاوى ضده، ولديه تاريخ في معاملة السجناء بقسوة". ثم أمر القاضي بإعادة المحاكمة. قال المراقبون إنه لا يوجد ما يشير إلى أن القاضي فتح تحقيقا في أفعال المحقق.
في قضية أخرى، كان القاضي بادئ الأمر مستعدا لرفض اعترافات المتهمين بسبب ادعاءات التعذيب وطلب إعادة المحاكمة، لكنه في جلسة لاحقة قبِل مجموعة ثانية من الاعترافات المنتزعة بالإكراه. قال المحامي المعين من الدولة إن المتهمَين كانا مزارعين من ديالى اعتقلتهما أجهزة المخابرات العسكرية في أواخر 2016 واقتيدا إلى سجن مطار المثنى. حوكم موكلاه مباشرة بعد اعتقالهما. قال كلا المزارعين للقاضي بحضور المحامي إنهما تعرضا للتعذيب، ونفيا الاعترافات المنسوبة إليهما. وافق القاضي على وضع تلك الاعترافات جانبا لكنه دعا إلى "التعمق بالتحقيق" دون اتخاذ خطوات للتحقيق مع الضباط المخالفين. قال المحامي:
فجأة سمعت يوم الأحد من شخص في المحكمة، أنهما أعيدا إلى جلسة أخرى بعد 4 أيام فقط من الجلسة الأولى. هرعت إلى المحكمة ورأيت أن محاميا آخر معينا من الدولة يمثلهما، وكانت الجلسة تشرف على نهايتها. أخبرني المحامي بأنهما اعترفا بـ"كل شيء". حُكم عليهما بالسجن 15 عاما بتهمة الانضمام إلى داعش. رأيتهما يغادران قاعة المحكمة، وكان أحدهما يعاني من كدمة ضخمة في عينه اليسرى، ثم أخبراني في وقت لاحق بأنهما تعرضا للضرب بأسلاك كهربائية وتم تعليقهما من السقف. لكن فات الأوان. لم يكن بوسعي فعل أي شيء.
في قضيتين أخريين، حقق قاض في مزاعم التعذيب دون تقديم شكوى جنائية ضد المحقق رغم وجود أدلة موثوقة على التعذيب. والحالة الوحيدة التي حُكم فيها على محقق بتهمة التعذيب هي تلك التي قام فيها عنصر الأمن بقطع قضيب السجين أثناء التحقيق.
في إحدى الحالات، قام أحد أفراد جهاز الاستخبارات التابع لوزارة الداخلية بضرب صبي عمره 17 عاما بأسلاك كهربائية لانتزاع اعتراف بأنه سرق دراجات نارية في أوائل 2018. في نهاية المطاف، أطلق القاضي سراح الصبي دون تهمة بسبب نقص الأدلة، وبعد شهر واحد، طلبت الأسرة تقريرا طبيا يؤكد تعرض الصبي للتعذيب.
تم التحقيق مع الشرطي، لكن المحكمة أخلت سبيله بعد أن ادعى محاميه أن التقرير الطبي غير صالح لأن الفحص تم بعد إطلاق سراح الصبي، وبالتالي لم يكن ممكنا إثبات مصدر العلامات على جسده. قال المحامي لـ هيومن رايتس ووتش: "اتصل بي نفس المحقق لاحقا. لقد قتل سجينا أثناء الاستجواب مؤخرا ويحتاج مساعدتي لتبرئته من جديد".
في قضية ثانية، قال محام إن موكله اتهم بالمشاركة في عملية خطف عام 2013. وبعد رفضه الاعتراف لأشهر، نقلته قوات المخابرات التابعة لوزارة الداخلية، التي كانت تحتجزه في مقرها في حي الشعب، إلى مقر في حي آخر ببغداد. وبعد فترة وجيزة، اعترف بالتهم الموجهة إليه وقُدّم إلى المحكمة.
قال المحامي إنه أقنع القاضي بالأمر بإجراء فحص طبي، فوجد عليه 14 علامة تعذيب، بما في ذلك تورّما في قضيبه، وهو من آثار تقنية تعذيب معروفة، حيث يعلق المحققون زجاجة مياه ممتلئة من خيط مربوط بقضيب السجين. رغم وجود أدلة على التعذيب وشكاوى المحامي ضد أحد المحققين بتهمة تعذيب موكله، أدين المتهم ولم يُدن أي شخص بالتعذيب. قال المحامي:
تخيّل أن القاضي أفرج عن المحقق بكفالة في نفس اليوم الذي قدمنا فيه الشكوى. ثم أجل القضية لبضعة أشهر حتى كانت الحرب ضد داعش في أوجها، وتم استدعاء جميع قوات الأمن إلى الخطوط الأمامية بمن فيهم المحقق المذكور. أدركتُ بعد ذلك أننا لن نتوصل إلى أية نتيجة من خلال المحقق، لذلك عملت من أجل إطلاق سراح موكلي باستخدام تقرير طبي. تجاهله القاضي وحكم عليه بالإعدام، ونحن نستأنف القضية منذ ذلك الحين.
في قضية العام 2009 التي قام فيها رجل أمن بقطع قضيب أحد المعتقلين أثناء استجوابه، حُكم على المحقق بالسجن 3 سنوات. ولم يعرف المحامي ما إذا كان قد قضى عقوبته كاملة، أم أنه عاد إلى عمله. قال المحامي إن ضحية التعذيب أدين في محاكمة ثانية شهد فيها شهود زور ضده.
في قضية أخرى، رفض رجال الشرطة الامتثال لأمر قاض بإجراء فحص طبي شرعي لمحتجز بحوزتهم، مما حال دون التحقيق مع الشخص المتهم بالانتهاك. قال المحامي إن قوات الشرطة احتجزت موكله، وعمره 34 عاما وهو من بغداد، في 2012 بتهمة السطو وقتل امرأة وأطفالها الثلاثة. حُكمت القضية باعتبارها قضية إرهاب. اعترف المتهم للقاضي، لكن زوجته أخبرت المحامي بأن زوجها أخبرها بتعرضه للتعذيب على يد ضابط يزعم أنه اغتصبه مرارا وتكرارا بثلاث أعضاء تناسلية اصطناعية. طلب المحامي من القاضي الأمر بإجراء فحص طبي لكن الضابط المتورط رفض أخذ المتهم إلى المركز الطبي لإجراء الفحص.
قال القاضي في جلسة عقدت في ديسمبر/كانون الأول 2012 إنه تخلى عن طلب إجراء الفحص الطبي، لأن "المحامي لم يتابع تنفيذ الطلب"، بحسب وثائق المحكمة. قال المحامي إن القاضي أخبره فيما بعد: "أنت لم تدفع للقائد مالا، ولم يعد يطيقك الآن، لذا لن يأخذ [المتهمَ] لفحصه".
تهديدات لمحامي الدفاع
أبرز جميع المحامين الذين تمت مقابلتهم المخاطر الجدية على عملهم وسلامتهم الشخصية إذا ما قبلوا تمثيل متهمين بالانتماء إلى داعش. قال أحدهم إن جهاز المخابرات التابع لوزارة الداخلية احتجز موكل أحد المحامين 3 سنوات، أصر خلالها على براءته. وبعد جلسة استماع مع قاضي التحقيق، أمر القاضي بنقل المتهم إلى لجنة تحقيق خاصة تابعة لرئيس الوزراء، وتم إرساله إلى سجن مطار المثنى في بغداد، بحسب المحامي. وفي غضون شهور، اعترف موكله بسبب تعرضه للتعذيب، بما في ذلك صدمات كهربائية في عضوه التناسلي، بحسب المحامي، وتم إحضاره إلى المحكمة الجنائية المركزية في الكرخ:
تمكنت من جعل القاضي يأمر بإجراء فحص طبي أكد وقوع التعذيب. أخبرت القاضي أنه بسبب تعذيب موكلي، يجب إعادة محاكمته. كما قال موكلي للقاضي إنه بريء. وقبل أن أدرك ما حدث، قدم القاضي شكوى ضدي بتهمة "مضايقة المحكمة والتدخل في عملها"، وأمر بحجزي لمدة يومين قبل الإفراج عني بدون تهمة. وفي هذه الأثناء، حكم على موكلي بالإعدام.
قدم المحامي شكوى ضد القاضي بدعم من مشرفه، لكنه قال إنه لم يُتخذ أي إجراء ضده.