)بيروت( – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن قوات الأمن العراقية استخدمت القوة القاتلة المفرطة وغير الضرورية ضد المتظاهرين الذين كانوا في بعض الأحيان يرمون الحجارة، فقتلت 105 أشخاص على الأقلّ، وأصابت أكثر من 4 آلاف بجروح منذ 1 أكتوبر/تشرين الأول 2019. لاحقت قوات الأمن المتظاهرين أثناء تفريقهم، وأطلقت النار عليهم ورشّتهم بمدافع المياه الحارقة.
بدأت الاحتجاجات في بغداد ومدن جنوبية في 1 أكتوبر/تشرين الأول مع مطالبة المحتجين بتحسين الخدمات وبمزيد من الإجراءات للحد من الفساد. تدخّل بعض عناصر قوات الأمن على ما يبدو في التغطية الإعلامية للاحتجاجات، وحجبت السلطات الإنترنت. بعد استقالة محافظ بغداد في 6 أكتوبر/تشرين الأول استجابة لشكاوى من استخدام القوى الأمنية في العاصمة للقوة المفرطة، شكّل رئيس الوزراء عادل عبد المهدي لجنة للتحقيق في مزاعم استخدام القوة المفرطة، وأمر بعض وحدات الجيش بالخروج من أحياء محددة في بغداد، وذكر أن التحقيقات مع بعض الضباط بدأت.
قالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "تقول الحكومات العراقية، منذ أكثر من عقد، إنها ستحقق في الانتهاكات التي ترتكبها قوات الأمن لكنها لم تفعل ذلك. يتطلّب مقتل 105 متظاهر على الأقل تحقيقا شفافا ينتهي بنتائج علنية، وبمساءلة عن الانتهاكات".
لا زال عدد القتلى بسبب إطلاق النار أو غيره من الوسائل غير مؤكد. في 10 أكتوبر/تشرين الأول، أبلغت "المفوضية العليا لحقوق الإنسان" في العراق، وهي منظمة مستقلة وغير حكومية، هيومن رايتس ووتش أن مكاتبها الميدانية في أنحاء البلاد أفادت عن مقتل 105 متظاهرين على الأقل، وإصابة نحو 4,050 آخرين. في 6 أكتوبر/تشرين الأول، قدّرت وزارة الداخلية عدد القتلى بـ 96، والمصابين بـ6,100. وذكرت أن ثمانية من قوات الأمن قُتلوا وأُصيب أكثر من 1,200.
قابلت هيومن رايتس ووتش 14 شاهدا على الاحتجاجات في بغداد ومحافظة ذي قار. قال خمسة متظاهرين شاركوا في مظاهرات استمرت ثلاثة أيام في ذي قار جنوب العراق إنهم رأوا قوى أمنية مختلفة تفتح النار على الحشود من دون سابق إنذار بينما كانوا يتفرقون. رأى جميع الشهود المتظاهرين يلقون الحجارة على قوات الأمن ويشعلون الإطارات والسيارات ومكاتب الأحزاب السياسية. قالوا إن بعض أفراد قوات الأمن المصابين نُقلوا في سيارات الإسعاف.
قال خمسة شهود في مظاهرات ببغداد في 2 و3 و6 أكتوبر/تشرين الأول إنهم رأوا قوات الأمن تطلق النار على الحشود. قالوا أيضا إن قوات الأمن استخدمت مدافع تطلق مياه ساخنة، وأحرقت المتظاهرين بشدة في بعض الحالات. قال أحد المتظاهرين إنه، خلال المظاهرة في 3 أكتوبر/تشرين الأول، سمع قوات الأمن تصرخ مهدّدة بإطلاق النار، إذا لم تتفرّق الجموع.
في مظاهرة 3 أكتوبر/تشرين الأول في بغداد، قال مراسل رويترز إنه شاهد متظاهرا يسقط أرضا بعد إصابته بالرصاص في الرأس. رأى أحد مصوّري رويترز رجلا مُصابا إصابة خطيرة برصاصة في الرقبة، بعد أن فتح قناصة على أسطح المباني النار على الحشد.
لم تسلم الطواقم الطبية التي تعالج الجرحى من الاعتقال والهجوم. قالت مسعفة في بغداد إن قوات الأمن في مظاهرة 3 أكتوبر/تشرين الأول اعتقلتها في سيارة الإسعاف التي كانت تؤمّن فيها العلاج الطبي للمتظاهرين. قالت شاهدة على مظاهرة في بغداد يوم 5 أكتوبر/تشرين الأول إنها شاهدت قوات الأمن تطلق الغاز المسيل للدموع مباشرة على قافلة من سيارات الإسعاف، وأصابت آخر سيارة منها.
راجعت هيومن رايتس ووتش سبعة مقاطع فيديو يبدو أنها تظهر إطلاق ذخيرة حية في محيط المتظاهرين الفارين من المنطقة. يُظهر مقطع فيديو نُشر في 8 أكتوبر/تشرين الأول متظاهرا منفردا يلوّح بعلمه، ثم يتعرض لإصابة بعيار ناري على ما يبدو.
كما راجعت هيومن رايتس ووتش ثلاثة مقاطع فيديو تظهر على ما يبدو متظاهرين يستخدمون العنف. أظهر فيديو في 1 أكتوبر/تشرين الأول متظاهرين أمام مبنى معروف في بغداد يدمرون سيارة للشرطة، مع غياب قوات الأمن عن الفيديو. في مقطع فيديو نُشر في 6 أكتوبر/تشرين الأول وقيل إنه صُوّر في محافظة القادسية، يرشق متظاهرون الحجارة باتجاه الرصاص الحي.
قال سعد معن، الناطق باسم وزارة الداخلية، إن معظم القتلى في إحدى مظاهرات بغداد في 4 أكتوبر/تشرين الأول أصيبوا بطلقات في الرأس والقلب. أضاف أنّ الوزارة تحقق في الوفيات، لكنه لم يقدّم تفاصيل. في 6 أكتوبر/تشرين الأول، قال إن قوات الأمن لم تواجه المتظاهرين، لكن "أيدي خبيثة" كانت وراء استهداف كل من المتظاهرين وقوات الأمن. أفاد أنّ المتظاهرين أحرقوا 51 مبنى عاما وثمانية مقار لأحزاب سياسية. تنص المعايير الدولية على أنّ إنفاذ القانون لا يتمّ باستخدام متعمّد للأسلحة النارية بشكل قاتل، إلا في حالات الضرورة القصوى لحماية الأرواح.
قال جميع الشهود الذين قوبلوا إنهم رأوا قوات الأمن تحتجز أشخاصا في المظاهرات، بما يشمل أثناء فرارهم من المنطقة. في 10 أكتوبر/تشرين الأول، أفادت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق أن السلطات احتجزت ما لا يقل عن 923 متظاهرا، لكنها أفرجت منذ ذلك الحين عن 666 شخص على الأقل.
قال محام في فريق من المتطوعين يقدمون المساعدة القانونية لحوالي 400 من المتظاهرين المحتجزين في بغداد، في 9 أكتوبر/تشرين الأول إن العديد من المتظاهرين اتُهموا بالتجمع بنيّة ارتكاب جريمة بموجب المادة 222 من قانون العقوبات. اتُهم آخرون بالإهانة العلنية لهيئة حكومية بموجب المادة 226. قال المحامي إن معظم المحتجزين الذين قابلهم أخبروه أن قوات الأمن ضربتهم حين اعتقلتهم.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه، منذ بدء المظاهرات، يبدو أن السلطات تدخلت في وسائل الإعلام والاتصالات، منتهكة الحق في حرية التعبير. أدان بيان صادر عن "نقابة الصحفيين العراقيين" في 7 أكتوبر/تشرين الأول مداهمة مكاتب القنوات الإخبارية مثل "العربية"، و"دجلة"، و "إن آر تي"، و"الحدث" و "تي آر تي" من قبل مسلحين ملثمين، بعضهم يرتدي الزي العسكري، ويبدو أن المداهمات هدفت إلى منع التغطية للتظاهرات.
من 2 إلى 8 أكتوبر/تشرين الأول، حجبت السلطات العراقية معظم محاولات الولوج إلى الإنترنت لفترات طويلة، مما أعاق الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات التراسل التي اعتمد عليها المتظاهرون وغيرهم للتواصل وتوثيق الانتهاكات الحكومية. يحمي "القانون الدولي لحقوق الإنسان" الحق في حرية التعبير، بما فيه الحق في البحث عن المعلومات وتلقيها وتوفيرها بحرّية عبر الإنترنت ووسائل الإعلام الأخرى. بينما يعتبر الأمن القومي أساسا مشروعا لفرض قيود على حرية التعبير، ينبغي أن تكون هذه القيود ضرورية ومتناسبة لمواجهة مشكلة أمنية محددة.
في 3 أكتوبر/تشرين الأول، فرضت الحكومة حظر تجول ليلا ونهارا في محافظات بغداد، وبابل، والديوانية، وواسط، والمثنى وذي قار، لكنها رفعته في 5 أكتوبر/تشرين الأول.
في 6 أكتوبر/تشرين الأول، أعلن المهدي أيضا عن قائمة قرارات تنفيذية تركز على بناء حوالي 100 ألف وحدة سكنية لذوي الدخل المنخفض، وتحسين إعانات البطالة والتدريب المهني لتلبية بعض مطالب المتظاهرين. كما أصدر مرسوما لاعتبار الذين قُتلوا في المظاهرات، سواء كانوا متظاهرين أو عناصر أمن، "شهداء" مؤهلين للحصول على مزايا من الدولة.
على السلطات الوطنية والمحلية العراقية التحقيق بشكل حيادي في استخدام قوات الأمن للقوة في المظاهرات. عليها أيضا التحقيق في جميع مزاعم تدخل قوات الأمن في تقديم الخدمات الطبية، والتأكد من حصول جميع الجرحى على رعاية فورية ومن دون عوائق. ينبغي أن عناصر قوات الأمن، بمن فيهم القادة، المسؤولين عن استخدام القوة القاتلة غير الضرورية أو المفرطة، للتأديب أو المحاكمة، حسب الاقتضاء.
ينبغي أن يحصل ضحايا الاستخدام غير المشروع للقوة من قبل قوات الأمن على تعويضات فورية وكافية. على السلطات اتخاذ إجراءات محددة لحماية العاملين في مجال الإعلام من الهجوم، والتحقيق في أي أعمال تنتهك التغطية الإعلامية للمظاهرات. ينبغي فورا إطلاق سراح المحتجزين الذين لم تُوجه إليهم تهم بارتكاب جريمة معروفة.
قالت سارة ليا ويتسن: "على السلطات التحقيق بشكل حيادي في قرارات إطلاق النار على المتظاهرين ورشّهم بالمياه الحارقة. يستحق العراقيون الإجابات، ويجب ألا تتمكن الحكومة مرة أخرى من الإعلان عن تشكيل لجنة لا تقدّم أي نتائج".
الاعتداءات على الإعلام
قال أحد الموظفين في قناة دجلة إنه خلال وجوده في مكتب القناة في بغداد في 5 أكتوبر/تشرين الأول، ألقى معتدون مجهولون قنبلتين صوتيتين على المبنى، ما أدى لاشتعال مولّد الكهرباء. في الصباح التالي، تلقت دجلة رسالة من "هيئة الإعلام والاتصالات" تأمر المحطة بإغلاق أبوابها لمدة شهر جراء مخالفة التوجيهات الخاصة بالمحتوى بتغطيتها للمظاهرات. بعد بضع ساعات، هاجم مسلحون ملثمون في ثياب سوداء المكتب. قال: "ضربوا موظفينا وصادروا نقودهم وهواتفهم. حطموا كلّ شيء في المكتب: الحواسب والمكاتب ومعدات البث، وأشعلوا النار في غرفة الأخبار".
قالت مسؤولة تنفيذية رفيعة المستوى في إن آر تي إنّ الموظفين تلقّوا مكالمات من مسؤولين حكوميين لوقف التغطية المباشرة، بعد بدء القناة في بث تغطيتها للمظاهرات. "بعد بث مقابلة مع أحد المتظاهرين زعم فيها أن مجموعة معينة من "قوات الحشد الشعبي" [وحدات تندرج رسميا تحت قيادة رئيس الوزراء] قتلت متظاهرين، تلقيت مكالمة من رقم محجوب تطالبنا بحذف تلك المقابلة تحديدا". قالت إنه، في 5 أكتوبر/تشرين الأول، هاجم مسلّحون ملثمون لم يعرّفوا عن أنفسهم مكاتب القناة، فحطّموا أغلب المعدات وصادروا هواتف الموظفين، وإنّ مقرّهم مواجه لمركز الشرطة الاتحادية، لكن القوات هناك التي شاهدت الهجوم لم تتدخل لإيقافه.
قال صحفي كان في مظاهرة ببغداد شارك فيها نحو 30 شخصا في 2 أكتوبر/تشرين الأول إنه بينما كان يصوّر المظاهرات لينشر المقاطع على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي، التقط فيديو لعناصر من " فرقة الأسلحة والأساليب التكتيكية الخاصة " (’السوات‘) في الزي الرسمي ومن شرطة مكافحة الشغب يطلقون النار على المتظاهرين السلميين. قال إن شرطيا اقترب منه، وسلبه الكاميرا، وحذف محتواها. أضاف: "أخبرته أنني صحفي، لكنه أعلمني أنّ التصوير ممنوع، وأنّني إذا بقيت، سيُقبض عليّ".
مظاهرات ذي قار
قال متظاهر شارك باليوم الأول للمظاهرات في مدينة الناصرية، في 1 أكتوبر/تشرين الأول، إنه رأى المتظاهرين يرشقون شرطة مكافحة الشغب بالحجارة. ردت الشرطة بإطلاق الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي وأطلقت مدافع المياه، وضربت المتظاهرين بالمواسير البلاستيكية، ثم فتحت النار أثناء مطاردة المتظاهرين لإبعادهم عن المنطقة. قال:
رأيت أحد المتظاهرين يُصاب بطلق ناري في ساقه أثناء هرولته للفرار. وضعناه في سيارة أجرة لنقله إلى المستشفى، لتعذّر جلب سيارة إسعاف تنقله، بما أنّ هذه الأخيرة كانت قرب قوات الأمن. رأيت متظاهرا آخر يُصاب بعيار ناري في القلب أرداه قتيلا، بينما كنّا نركض هاربَيْن والتفت خلفه ليرى إن كان يُطارد. رأيت شرطة مكافحة الشغب والسوات تفتح النار على ولدين آخرين بطلقات مطاطية على ما يبدو، فأُصيب أحدهما في ذراعه والآخر في ساقه.
قال إنه، أثناء محاولة المتظاهرين إحراق مقرّ "بدر"— مجموعة تابعة لقوات الحشد الشعبي— فتحت شرطة مكافحة الشغب وحراس أمن المجموعة النار. أضاف أنّه رأى قناصا بالطابق الثالث من المبنى يطلق النار على المتظاهرين أثناء اقترابهم من المبنى. قال: "أُطلِقت النار على متظاهرَيْن من مجموعتنا ذلك اليوم أمام مقرّ بدر، لكن لا أعرف إذا كان القناص مَن أصابهما أو غيره".
قال إنّه في وقت لاحق ذلك اليوم، تجمّع مع متظاهرين آخرين أمام مقرّ الاستخبارات بالبلدة، التابع لوزارة الداخلية، وأحرق المتظاهرون سيارة أحد الضباط. فتح نحو 30 عنصرا من الاستخبارات النار على الحشد، على حدّ قوله. مع تفرّق الناس، رأى متظاهرا لم يفرّ يُصاب بالرصاص الحي ويسقط قتيلا. قال إنه رأى أيضا ثلاثة شرطيين يضربون بمواسير معدنية وبلاستيكية متظاهرا كانوا قد أوقفوه خلال محاولته الهرب.
قال متظاهر آخر إنّه، في 2 أكتوبر/تشرين الأول، كان يتظاهر مع 500 شخص آخرين أمام مقرّ مجموعة "عصائب أهل الحق" من قوات الحشد الشعبي في مدينة الشطرة شماليّ الناصرية. بعد أن بدأ نحو 200 متظاهر في رمي الحجارة على المبنى وإشعال الإطارات على الطريق أمام المقرّ، أطلق رجلان مجهولان على سطح المبنى النار على الحشد، لكن لم يُصَب أحد، على حدّ علمه.
قال متظاهر ثالث إنه رأى عشرات عناصر قوات الأمن يتوافدون في نحو 30 سيارة على أبوابها شعار "وحدة الدعم التكتيكي" التابعة للشرطة، وفتحت القوات النار على المتظاهرين، فأصابت ما لا يقلّ عن ثمانية أشخاص أثناء محاولتهم الفرار. قال إنه وصل إلى بيته بالمنطقة، ورأى من النافذة ثلاثة متظاهرين آخرين يُصابون بأعيرة نارية خلال فرارهم. ذُعر لدرجة أنه خشي الخروج لمعرفة حالتهم.
قال متظاهر رابع إنّه، في مظاهرة شارك فيها حوالي ألفي شخص في 3 أكتوبر/تشرين الأول، رأى قوات سوات وشرطة مكافحة الشغب والدعم التكتيكي يطلقون النار على الناس أثناء عبورهم أحد الجسور. قال إنّ صديقه راح يشتم قوات الشرطة، فأطلقوا النار عليه وأصابوه بثلاث رصاصات في ساقيه وبطنه. قال: "هرعت إليه لأساعده، لكنّ أحد عناصر السوات هدّدني بإطلاق النار عليّ إذا لم أتركه. لحسن الحظ، نجا صديقي بعد نقله إلى المستشفى".
أضاف أنّ شرطيا ورجالا يرتدون زيا رسميا أسود أمسكوا به وبمتظاهرَيْن آخرين بينما كان الباقون يهربون. أخذوا هاتفه وطلبوا منه كلمة السرّ، ثمّ عثروا على رسالة بعثها إلى صحفي في بغداد يبلغه فيها بعدد الوفيات في المظاهرات السابقة. استجوبوه ليعرفوا مع مَن تشارك هذه المعلومات، ثمّ رموه من السيارة إلى الشارع، ومضوا ومعهم المتظاهرَيْن الآخرَيْن، على حدّ قوله.
قال متظاهر خامس إنّ بعض المتظاهرين رشقوا شرطة مكافحة الشغب بالحجارة في الناصرية في 2 أكتوبر/تشرين الأول. أمسك به نحو عشرة شرطيين وضربوه بمواسير بلاستيكية وبخوذاتهم، على الرغم أنّه أنكر رميه للحجارة. احتجزوه في مبنى حكومي، وقال إنّ عشرة شرطيين ورجلَيْن في ثياب مدنية ضربوه ومتظاهرَيْن آخرَيْن، واستمرّ الضرب المتقطع لثلاث ساعات، واتّهمه أحدهم بضرب شرطيّ. قال:
نقلونا إلى مكتب آخر حيث احتجزونا حتى منتصف الليل، ثم نقلونا إلى سجن البليدة الذي تديره الشرطة المحلية. بقينا هناك حتى مثلت أخيرا أمام قاضٍ في 6 أكتوبر/تشرين الأول وأعلمني باتهامي بموجب المادة 226 من قانون العقوبات، ثم أفرج عنّي بكفالة، وعدت إلى منزلي.
قال إنه، أثناء وجوده في السجن، رأى متظاهرَيْن جُلبا قبل إخلاء سبيله بستّ ساعات، وكان أحدهما مصابا بعيار ناري في الساق، والآخر بكسر في يده. قال إنهما توسلا الحراس للحصول على الرعاية الطبية لكن تجاهلوهما.
مظاهرات بغداد
قال أحد المتظاهرين في بغداد إنه شارك بمظاهرة في منتصف الليل، في 2 أكتوبر/تشرين الأول، وظلّت سلمية. عندما وضع المتظاهرون حاويات القمامة في الشارع لصدّ قوات الأمن عنهم، أطلق هؤلاء النار على المتظاهرين. قال إنه شعر بشيء يصيبه، وتابع: "لا أعرف إن كانت رصاصة أم شظية معدنية، لكنّني أصبت إصابة بليغة في خصري. لم أذهب إلى المستشفى لأنني سمعت أن قوات الأمن تعتقل الناس من هناك".
قالت مُسعفة إنها سمعت أيضا بالاعتقالات من المستشفيات. قالت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق لـ هيومن رايتس ووتش إنّها وثّقت، في 8 أكتوبر/تشرين الأول، ما لا يقلّ عن 35 حالة احتجاز لأشخاص من المستشفيات على يَد قوات الأمن.
قال متظاهر من بغداد إنه هرب برفقة آخرين من مظاهرة 2 أكتوبر/تشرين الأول عندما فتحت الشرطة النار عليهم وطاردتهم إلى محطة وقود قريبة لتقبض عليهم، لكنهم تمكنوا من الفرار.
قالت المُسعفة إنها في 2 أكتوبر/تشرين الأول كانت تعمل عند سيارة إسعاف متوقفة بالساحة الرئيسية التي شهدت المظاهرات منذ الظهيرة وحتى الرابعة بعد الظهر، لتقدّم العلاج للمتظاهرين. قالت إن أغلب مَن التمسوا مساعدتها تضرّروا من الغاز المسيل للدموع، وتعرّضوا لحروق من الدرجة الأولى والثانية، والدرجة الثالثة في بعض الحالات، جرّاء المياه الحارقة من مدافع المياه. قالت إنها رأت بعض عبوات الغاز المسيل للدموع التي تم إطلاقها، وتبيّن أنها منتهية الصلاحية منذ 2013. قالت:
بعد الرابعة بعد الظهر، فتحت قوات الأمن في الزي الأسود النار فوق المتظاهرين وعليهم، وجاءتنا حالات عديدة لمصابين بشظايا رصاصات، فقدّمنا الإسعافات الأولية لـ 200 متظاهر على الأقل. في البداية لم تسمح لنا قوات الأمن بنقل المصابين إلى المستشفى، ومنعتنا من الاقتراب منهم حتى لنقلهم إلى سيارات الإسعاف. أخذوهم في سياراتهم، وفي حوالي السادسة مساء، قطعت السلطات الكهرباء عن المنطقة، فدفعت المتظاهرين إلى إشعال النار للإضاءة. كنت مشغولة بتقديم الإسعافات الأولية لمتظاهر مُسن كان يختنق من الغاز وتعرّض لإصابات في وجهه جرّاء تدافع المتظاهرين حوله، حين اقترب مني ثلاثة رجال أمن بالزي الرسمي وأمروني بالتوقف عن معالجته. رفضت وقلت إنه سيموت إذا لم أسعفه، فقبضوا عليّ.
نقلوها بالسيارة إلى مركز شرطة قريب، على حدّ قولها، وأفرجوا عنها بعد ساعة من دون تهمة.
قال مسعفون إن اشتباكات بين قوات الأمن أسفرت عن مقتل على أثرها 15 متظاهرا على الأقل في مدينة الصدر أحد أحياء بغداد في 6 أكتوبر/تشرين الأول. قال متظاهر إنّ نحو ألف متظاهر تجمعوا في ساحة رئيسية الساعة الرابعة بعد الظهر، وحاولوا السير باتجاه ساحة أخرى، لكن قوات الأمن العراقية تصدّت لهم. قال:
تحدثت إلى عقيد من قوات الأمن قال لي: "سنُطلق النار على أي شخص يحاول الذهاب إلى ساحة القناة". فتحت قوات الأمن النار على بعض المتظاهرين الذين ذهبوا في ذلك الاتجاه. هرب أغلبنا، لكن استمر بعض المتظاهرين في السير نحوهم، ورأيت البعض يُصابون بأعيرة نارية. عندما حاولنا لاحقا السير إلى ساحة القناة، رأيت ولدا فتى عمره نحو 17 عاما يختبئ وراء حاجز اسمنتي ويطلّ برأسه ليرى إن كان الطريق أمامه آمنا، فأصابته رصاصة في العنق ومات.
قال المتظاهر إنّ قوات الأمن أطلقت النار لاحقا مرّتين أخريين على المتظاهرين، عندما حاولوا التقدم. رأى خمسة متظاهرين يصابون برصاصات خلال هروبهم، بحثا عن مخبأ. قال إنّ المتظاهرين اضطرّوا لحمل القتلى والجرحى مسافة تفوق الكيلومتر، لأنّ سيارات الإسعاف توقفت بعيدا بسبب الرصاص الحي. قال رجل كان بمستشفى قريب ذلك المساء إنه رأى أربعة متظاهرين يُنقلون متوفّين إلى المستشفى، بعد إصابتهم بأعيرة نارية في الرأس والصدر، كما رأى 40 مصابا آخرَ على الأقل.
تدابير الحماية الدولية
الحكومة العراقية مُلزمة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان بحماية الحق في التعبير والتجمّع السلميّين. لا تُعتبر المشاركة في مظاهرة، حتى لو كانت بدون تصريح، أو الانتقاد السلمي للحكومة، أسباب كافية لتوقيف المتظاهرين، بموجب القانون الدولي. على السلطات أن تفرج عن جميع المتظاهرين الذين لم تُنسب إليهم اتهامات بجرائم محددة.
على قوات الأمن العراقية المُلزمة بإنفاذ القانون أن تلتزم بصرامة بـ"المبادئ الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون" الصادرة عن الأمم المتحدة. تنص المبادئ الأساسية على ضرورة لجوء مسؤولي إنفاذ القانون إلى السبل غير العنيفة قبل استخدام القوة. إذا عجزوا عن تجنّب استخدام القوة، عليهم التصرّف بشكل متناسب مع حجم التهديد للحياة أو الإصابة الخطيرة. على الأسلحة النارية ألّا تُستخدم مطلقا في فضّ التجمعات. إذا كان تجنّب استخدام القوة في فضّ التجمعات العنيفة غير ممكن، على سبيل المثال لحماية قوات إنفاذ القانون أو الغير من العنف، فعلى قوات الأمن أن تستخدم الحدّ الأدنى من القوة الضرورية لاحتواء الموقف. لا يُسمح في القانون الدولي استخدام القوة المميتة للأسلحة النارية إلا في غياب أي بديل من أجل حماية الأرواح.
يحمي القانون الدولي لحقوق الإنسان – ويشمل "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية" – حق الأفراد في التماس المعلومات والأفكار وتلقّيها وتقديمها بحرية عبر مختلف الوسائط، ومنها الإنترنت. ينبغي أن تستند القيود الأمنية إلى القانون وإلى ردّ ضروري ومتناسب مع مخاوف أمنية محددة. في يوليو/تموز 2016 أصدر "مجلس حقوق الإنسان" الأممي قرارا يدين التدابير التي تلجأ إليها الدول لمنع وحجب الوصول إلى الإنترنت وإلى المعلومات، مؤكدا على أن الوصول إلى الإنترنت ضروري لحماية حرية التعبير، بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.